تعرضت العلاقات الصينية /الكورية الشمالية لمطبات رغم اتفاقهما عقائديا، فالدولتان غير قادرتين الآن على إعادة اللحمة بينهما (الجزيرة) |
مع تصاعد حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية ورداً على عقوبات جديدة فرضها مجلس الأمن الدولي على بيونغ يانغ في أعقاب تجربتها النووية الثالثة في 12 فبراير /شباط 2013 فإن حالة من الترقب والحذر تلقي بظلال قاتمة على المنطقة بأسرها خشية اندلاع أية شرارة قد تؤدي إلى انفجار يصعب معه التنبؤ إلى أي مدى يمكن أن تصل شظاياه. حيث يواصل 10 ألاف جندي من كوريا الجنوبية إلى جانب ثلاثة آلاف وخمسمائة جندي أمريكي إجراء مناورات عسكرية سنوية مشتركة. وفي المقابل تجري كوريا الشمالية مناورات عسكرية واسعة النطاق شرق البلاد. ويترافق ذلك مع احتدام حرب تهديدات وتهديدات مضادة بشكل لم تشهده المنطقة منذ عدة سنوات. وتقدم بيونغ يانغ على إعلان انسحابها من اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1953 وتقطع الخط الساخن الذي يربطها بسول. و تصعّد من حدة خطابها التهديدي على لسان زعيمها الشاب "كيم جونغ أون" الذي هدد بحرب لا تبقي ولا تذر، وبتحويل جزيرة يونغ بيونغ الكورية الجنوبية إلى بحر من النار وفق وصفه.
وفي المقابل ردت سول على تهديدات جارتها الشمالية بتهديدات مماثلة "باقتلاعها من الوجود" إذا هي أقدمت على عمل عدائي، كما جاء على لسان وزير دفاع كوريا الجنوبية. وخرجت بعض الأصوات تطالب الإسراع بالبدء في تطوير برنامج نووي كوري جنوبي رادع. وتعهدت واشنطن بإبقاء حاملة طائراتها في المياه الإقليمية لكوريا الجنوبية حتى بعد انتهاء فترة المناورات العسكرية وبدأت واشنطن اتخاذ إجراءات عملية لتعزيز منظومة الصواريخ الدفاعية والاعتراضية على السواحل الغربية لألاسكا وكاليفورنيا (وهو إجراء كانت إدارة أوباما قد أوقفته عام 2009).
وسط هذه الأجواء من الاحتقان والتوتر فإن الأنظار لا بد وأن تتجه صوب العاصمة الصينية بكين باعتبارها صاحبة النفوذ الأقوى، والقادرة على التأثير بشكل ما على مجريات الأمور في كوريا الشمالية. حيث يسود اعتقاد راسخ بين الخبراء والمحللين وحتى لدى المسئولين وصناع القرار الدوليين بأنه "لا يمكن الحكم أو النظر إلى علاقة الصين بكوريا الشمالية من منظور العلاقات الدولية الطبيعية بين الدول، فهي علاقات خاصة وفوق طبيعية ولا تخضع للقوانين والاتفاقات المتعارف عليها في العلاقات الدولية." أو كما كان القادة الصينيون أنفسهم يصفونها بأنها كالعلاقة بين الشفة والأسنان. أو هي ربيع في كل الفصول.
ويبدو أن أياً من الأطراف المعنية الثلاثة (واشنطن سول أو بيونغ يانغ) ليس لديه الاستعداد لمواصلة الاستماع إلى أسطوانة بكين الروتينية وكلماتها الدبلوماسية المنمقة ونصائحها المعهودة حول "ضرورة ضبط النفس والعودة إلى مائدة الحوار". بل الجميع يطالبها بدور فعال وعاجل:
-
بيونغ يانغ تنتظر من الصين أن تتصرف كجار وحليف وصديق في وقت الضيق وتعتب عليها بأنها صوتت لصالح فرض عقوبات جديدة عليها في مجلس الأمن في الوقت الذي فشلت فيه بكين خلال استضافتها لجولات المحادثات السداسية طوال عدة سنوات بوقف ما تسميه بيونغ يانغ سياسات واشنطن وسول العدائية تجاهها.
-
أما سول فإنها تنتظر من الصين أن تقوم بمسئولياتها الإقليمية باعتبارها القوة الأكبر في المنطقة و المناط بها الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين. واستخدام نفوذها لكبح جماح جارها الشمالي من الاستمرار في زيادة حدة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة وإقناعه بالعودة إلى مائدة التفاوض.
-
بينما تطالب واشنطن الصين بالاضطلاع بمسئولياتها الدولية باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن من واجبها الالتزام الصارم بتطبيق وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة.
تحت وطأة هذه الضغوط الإقليمية والدولية فإن بكين لا تزال منهمكة باستكمال عملية انتقال السلطة إلى قيادة جديدة وهي نفسها تمر في ظروف داخلية وإقليمية ودولية غاية في الدقة تجعل الخيارات أمامها محدودة للغاية.
بكين تعي خطورة الوضع الإقليمي وهذا ما يفسر تغييرات اللحظات الأخيرة بخلاف ما كان متوقعاً فقد أقدمت القيادة الصينية الجديدة على اختيار الدبلوماسي المخضرم "وانغ إي"، مندوبها في المحادثات السداسية وسفيرها السابق لدى طوكيو والخبير في الشئون الآسيوية، ليكون على رأس طاقمها الدبلوماسي كوزير للخارجية. وبحيث بدا هذا التعيين بأنه مؤشر واضح على أن الوضع الإقليمي سيكون أولوية على رأس اهتمامات الدبلوماسية الصينية للفترة القادمة إلى درجة يمكن المجازفة فيه بالقول إن سياسة الصين الخارجية للمرحلة القادمة لن تكون دولية بل إقليمية بامتياز، وإن دور الصين المحدود أصلاً في بعض القضايا الدولية سيشهد انحساراً وتراجعاً. على حساب الوضع الإقليمي فعلاقة بكين مع معظم دول الجوار كالهند وفيتنام والفلبين واليابان تمر بأسوأ مراحلها وذلك على خلفية نزاعات حدودية. وقد وصلت في بعض الأحيان إلى درجة عالية جداً من التوتر (الفلبين واليابان) بسبب جزر متنازع عليها في بحري الصين الشرقي والجنوبي وهي مرشحة نحو مزيد من التصعيد والتوتر. وتأتي الرؤية الأمريكية الاستراتيجية الجديدة في تعزيز وجودها العسكري في منطقة آسيا / المحيط الهادئ بعد انسحابها من العراق ولاحقاً من أفغانستان لتزيد من قلق وهواجس بكين ومخاوفها. ولهذا لم تجد بكين من خيار آخر للخروج من عزلتها الإقليمية هذه سوى الانفتاح على موسكو التي ستكون أول محطة يزورها الرئيس الصيني الجديد شي جين بينغ بعد تسلمه منصبه.
وبالعودة إلى العلاقات بين بكين وبيونغ يانغ فما من شك بأن كوريا الشمالية ظلت دائماً الدرع الاستراتيجي لخاصرة الصين الشمالية لكنها باتت في الفترة الأخيرة تشكل عبئاً وصداعاَ استراتيجياً لها. أكثر مما تشكله للولايات المتحدة.
ومن الواضح أن القيادتين الجديدتين في البلدين (الصين وكوريا الشمالية) تفتقران إلى وجود تلك "الكيمياء الخاصة من العلاقات الشخصية" التي سادت بينهما طوال فترتي حكم "كيم الأول" و"كيم الثاني" وتنظر بكين الآن إلى "كيم الثالث" كزعيم شاب متهور لا يمتلك الخبرة القيادة الكافية كجده ووالده. وأنه يسعى لاختلاق الأزمات وافتعالها لتعزيز شرعيته وإثبات قدرته على إدارة الأزمات. لكن ذلك ـ وفق رأي بكين ـ يجري في بلد نووي يعاني أصلاً من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية ودبلوماسية خانقة. حيث قد تؤدي أية خطوة غير محسوبة بدقة إلى كارثة محققة.
لكن النظام في بيونغ يانغ له رأي آخر إذ يبدو أنه لم يعد لديه الكثير كي يخسره بل على العكس من ذلك فقد أصبح -على ما يبدو- على قناعة تامة بأن المخرج الوحيد له هو حرق سفنه، والاستمرار في سياسة التصعيد نحو حافة الهاوية وهي لعبة أتقنتها بيونغ يانغ وبرعت في استخدامها وأتت أكلها في معظم الأحيان. ويبدو أن الرياح حتى الآن تجري وفق مشيئتها ولعل ذلك سيؤدي إلى تحريك مياه المفاوضات الراكدة منذ عدة سنوات. وعندها ستكون بيونغ يانغ هي القادرة على تحديد أطرها وآلياتها وأهدافها والتي ستحاول الالتفاف على إطار المحادثات السداسية الموسعة وإغلاق ملف التفاوض على برنامجها النووي -باعتباره أصبح أمراً واقعاً- و تتجه نحو إطار تفاوضي ثنائي أو ثلاثي ضيق ومباشر مع واشنطن وسول يقتصر على التفاوض حول تحويل اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1953 إلى اتفاقية سلام دائم.
وقد تلقت بيونغ يانغ إشارات إيجابية في هذا الصدد فقد خرجت عدة أصوات من مسئولين أمريكيين تتجاهل الملف النووي وتقتصر على مطالبة كوريا الشمالية بأن تحذو حذو ميانمار (في إجراء إصلاحات سياسية و تحسين سجلها في حقوق الانسان والحريات العامة) كما أن أصواتاً أمريكية أخرى كانت أكثر وضوحاً بالقول "حان الوقت لفتح حوار مباشر مع كوريا الشمالية" بالإضافة إلى مؤشرات إيجابية مماثلة من رئيسة كوريا الجنوبية الجديدة باك غيون هيه التي أعلنت عن نيتها القيام بزيارة تاريخية إلى بيونغ يانغ وبانتهاج سياسة أكثر مرونة من سياسات سلفها الرئيس لي ميونغ باك.
ولكن إلى أن يحين موعد ذلك فإن بيونغ يانغ ستسعى كعادتها إلى توتير الأجواء وخلط الأوراق لخلق واقع جديد تبدأ بعده مرحلة التفاوض وقطف الثمار.صحيح إن احتمالات نشوب نزاع مسلح واسع النطاق بين كوريا الشمالية وأي من الأطراف الأخرى يبدو بعيداً. لكن احتمالات نشوب مواجهات محدودة النطاق بين الكوريتين في بعض الجزر النائية أو على الحدود أو احتكاكات بين بوارج وسفن بحرية تبقى أمراً متوقعاً.
وفي أجواء كهذه لن يكون هناك أية فرصة أمام الجهود الدبلوماسية. بما في ذلك جهود الدبلوماسية الصينية وستبقي شبه الجزيرة الكورية ومنطقة شرق آسيا بأسرها على برميل بارود قد ينفجر في أية لحظة. ومن المتوقع أن تزداد حدة التوتر خلال الفترة التي تسبق أول زيارة ستقوم بها الرئيسة الجديدة لكوريا الجنوبية باك غيون هيه إلى واشنطن في أيار /مايو 2013.
وخلال تلك الفترة ستحاول بكين أن تسابق الزمن لاستعادة الإمساك بزمام المبادرة في ظل فقدانها للكثير من أدواتها الدبلوماسية السابقة وإفلات خيوط كثيرة من يدها واختلال موازين القوى والتوازنات الجيوسياسية والاستراتيجية لغير صالحها بشكل واضح. فعلاقة بكين وبيونغ يانغ لم تعد كسابق عهدها ولا يمكن أن ترقى إلى درجة التحالف العسكري كما هو عليه الحال في العلاقة بين واشنطن وسول وفي ظل هذه المتغيرات الدولية والخلل الحاصل فإن بكين لم يعد بمقدورها اعتماد سياسة النأي بالنفس والانعزال عن الأزمة تماماً. كما أنها ليس باستطاعتها كذلك الانخراط فيها بفعالية كما كان عليه الحال قبل ستين عاماً عندما زجت الصين بقواتها بشكل مباشر في أتون الحرب الكورية.
ظلت سول تعتمد كثيراً على علاقتها وتحالفها الاستراتيجي والعسكري مع الولايات المتحدة لكن المصالح الآن بين واشنطن وسول تشهد هي الأخرى تغيراً وتحولاً نوعياً فالحفاظ على الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية مصلحة استراتيجية بالنسبة لسول لكنه لم يعد كذلك بالنسبة لواشنطن العائدة بكل ثقلها إلى المنطقة لبناء شبكة علاقات وتحالفات جديدة وبالتالي فإن مصلحتها تقتضي اشتعال بؤر توتر في محيط الصين الاقليمي. كي يتسنى لها الاستمرار في ممارسة هوايتها المفضلة كرجل إطفاء للحرائق المشتعلة بهدف تعزيز وترسيخ وجودها ودورها في المنطقة.
بكين من جانبها تنظر بعين الشك والريبة والخشية من إقدام واشنطن على فتح خط حوار مباشر مع بيونغ يانغ. الأمر الذي سيفقدها وزنها وثقلها الإقليمي ويفتح الباب أمام كوريا الشمالية التي ظلت تعتبرها فناءها الخلفي للذهاب بعيداً في علاقتها مع واشنطن تماماً كما حصل مع فيتنام سابقاً وكما حصل مع باكستان لاحقاً وكما يحدث مع ميانمار الآن وهذا ما سيعرض الأمن القومي الصيني لخطر بالغ. وهذا ما دفع بكين لإطلاق تحذيرات مبطنة إلى واشنطن بأن القبول بكوريا الشمالية دولة نووية كأمر واقع من شأنه أن ينسف اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي وقد يفتح المجال أمام دول أخرى (إيران) إلى المضي قدماً في برامجها النووية. لكن لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يمكن أن تلق هذه التحذيرات الصينية أذناً أمريكية صاغية وهي المعروفة بمعاييرها المزدوجة وبكيلها بمكاييل مختلفة.
وبهذا تبدو الخيارات المتاحة أمام بكين محدودة للغاية فهي غير قادرة على خنق النظام في كوريا الشمالية ومعاقبته مالياً واقتصادياً بما قد يؤدي إلى انهياره بالكامل وما قد يحمله ذلك من مخاطر أمنية واقتصادية واجتماعية وديمغرافية أيضاً ستنجم عن تدفق مئات الآلاف من الكوريين الشماليين عبر الحدود إلى الأراضي الصينية حيث تقطن أقلية كورية تتجاوز مليوني نسمة. ولا هي قادرة على الاستمرار بتزويده بجرعات من المساعدات الاقتصادية بين الحين والآخر لضمان بقائه على قيد الحياة. ولا هي قادرة أيضاً على التخلي عنه والتفريط به تماماً.
هذا بالإضافة إلى أن بكين أصبحت تحت وطأة رأي عام صيني ضاغط باتجاه معاقبة كوريا الشمالية كجار جاحد وناكر للجميل. وأصبحت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الصيني تجهر بانتقاد كوريا الشمالية والإعراب عن الاستياء من سلوكها بعد أن كان ذلك من المحرمات.
وفيما يبدو إسدالا للستار على علاقة ظلت توصف باعتبارها خاصة ومميزة وعمدت بالدم بين جارين خاضا حرباً مشتركة ضد عدو مشترك. فإننا نجد أنفسنا مطالبين بإلقاء نظرة سريعة ومختلفة عن تلك النظرة التي ظلت سائدة لعقود وضرورة التوقف عند بعض محطاتها التاريخية لإبراز هشاشتها وبأن الاستياء المتبادل بين الجانبين على المستوى الرسمي والإعلامي والشعبي ليس وليد اللحظة بل إن جذوره تعود إلى أكثر من ستة عقود خلت لكنها ظلت حبيسة الملفات الرسمية وغرف الاجتماعات المغلقة وبعيدة عن التداول أو ممنوع الجهر بسلبياتها. على الرغم من أنها وصلت في بعض الأحيان إلى درجة سحب السفراء. إن المتتبع لخريطة طريق العلاقات بين الجانبين وخفاياها سيتذكر أن:
-
عندما بدأت بعض الأصوات الصينية في الخمسينات تعتبر كوريا الشمالية صديقا جاحدا يعرض المصالح الصينية للخطر ويتنكر لمليون متطوع صيني قضوا نحبهم خلال الحرب الكورية على حساب تأجيل استعادة تايوان. رد الكوريون بأن خوض الصين لتلك الحرب لم يكن من أجل عيون كوريا بل من أجل مصالح صينية بحتة مستدلين على ذلك بالشعار الذي خاضت الصين الحرب تحت لوائه وهو (مناهضة الامبريالية الأمريكية، حماية الصين، ومساعدة كوريا).
-
فترة الستينات شهدت انحيازاً كورياً شمالياً واضحاً إلى جانب موسكو في الصراع العقائدي بين موسكو وبكين. وأصبحت مكبرات الصوت على الحدود الصينية ـ الكورية مسرحاً لتبادل الشتائم والاتهامات بالتحريفية والانتهازية بين الجانبين.
-
على الرغم من نجاح الصين في حل الكثير من نزاعاتها الحدودية مع بعض دول الجوار إلا أن بعض الجزر في نهري يالو وتومان وبعض الهضاب في جبال باكدو على الحدود بينها وبين كوريا الشمالية ما زالت موضع نزاع بينهما دون إمكانية التوصل حتى إلى تشكيل لجان تفاوض حولها.
-
بيونغ يانغ كانت قد طالبت بسحب وثائق صينية تعتبر فترة الحكم المنشوري كجزء من التاريخ الصيني العام واعتبرتها محاولة صينية لتغيير حقائق تاريخية في شبه الجزيرة الكورية.
-
رحيل الزعيم الكوري الشمالي كيم إيل سونغ عام 1994 أعقبه فترة فتور امتدت لأكثر من خمسة أعوام دون تسجيل أية زيارات رفيعة المستوى بين البلدين وشهد الميزان التجاري بينهما تراجعاً ملحوظاً.
-
استياء كوريا الشمالية البالغ إزاء قيام بكين الاعتراف بكوريا الجنوبية؛ وإقامة علاقات دبلوماسية معها عام 1992 أدى إلى إقدام كوريا على نبش رفات ضحايا الحرب الكورية من الصينيين بما فيهم قبر نجل الزعيم الصيني الراحل ما وزي دونغ الذي قضى في تلك الحرب مما أثار استياء صينياً واسعاً وأعقب ذلك تراجع واضح في الميزان التجاري بين الجانبين مقابل ازدياد كبير في التبادل التجاري مع كوريا الجنوبية.
-
وزادت بيونغ يانغ من حدة ردها على تطبيع العلاقات بين بكين وسول عندما هددت وأعربت عن نيتها بفتح علاقات اقتصادية وثقافية مع تايوان عام 1993. الأمر الذي أغضب بكين وأثار استيائها.
-
صوتت كوريا الشمالية ضد طلب الصين على استضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2000 (وكان هو الصوت الوحيد الذي رجح كفة سيدني وأدى إلى خسارة بكين في استضافة ذلك الحدث الذي انتظرته طويلاً) وقوبل ذلك بامتعاض صيني واسع على المستويين الرسمي والشعبي.
-
فشل بكين بإقناع بيونغ يانغ بتطبيق التجربة الصينية في الإصلاح والانفتاح الاقتصادي. واستياء بيونغ يانغ عندما قررت الانفتاح على طريقتها الخاصة ففوجئت بقيام السلطات الصينية اعتقال يانغ بين رجل الأعمال صيني الأصل والذي يحمل الجنسية الهولندية بعد أن عينه الزعيم الكوري كيم جونغ إيل شخصيا كرئيس لأول منطقة تجارية حرة على الحدود الكورية الصينية عام 2002 بذريعة تهربه من دفع الضرائب.
-
استياء بيونغ يانغ إزاء سماح بكين لهوانغ تشانغ يوب أحد أقطاب النظام في كوريا الشمالية بالسفر إلى سول بعد لجوئه إلى قنصلية كوريا الجنوبية في بكين عام 1997، وامتعاضها من طريقة التعامل الصيني مع طالبي اللجوء السياسي الكوريين الذين نجح المئات منهم بدخول البعثات الدبلوماسية الأجنبية في بكين. وبقاء مئات الآلاف غيرهم في الصين تحت سمع وبصر السلطات الصينية.
-
المقال الذي نشرته مجلة الإدارة والاستراتيجية المقربة من وزارة الخارجية الصينية في عددها لشهر يوليو/ تموز 2004 وانتقدت فيه النظام في كوريا الشمالية أدى إلى احتجاج كوري شديد. وعلى الرغم من قيام السلطات الصينية بإيقاف المجلة إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإرضاء بيونغ يانغ التي قررت وقف منح تأشيرات دخول سياحية للمواطنين الصينيين إلى أراضيها.
-
قرار بكين إغلاق "كازينو الإمبراطور" على الحدود الكورية ـ الصينية بعد فضيحة تورط مسئولين صينيين بخسارة أموال عامة في عمليات قمار تجري في الكازينو الذي يديره رجل أعمال من هونغ كونغ ويعود بفوائد مادية كبيرة على النظام في بيونغ يانغ لم يرق لكوريا الشمالية ويحرمها من مصدر دخل هام في وقت تعاني فيه من أزمات مالية خانقة.
هذا غيض من فيض مما تعرضت له العلاقات الصينية ـ الكورية الشمالية من مطبات. فالنظامان الجاران اللذان تجمعهما نظرية عقائدية واحدة وإن اختلفا في تفسيرها وتطبيقها بات ما يفصل بينهما أوسع بكثير من نهر يالو الذي لم يكن عائقا أمام ملايين المتطوعين الصينيين لخوض الحرب إلى جانب كوريا في الخمسينات لكنه الآن وعلى الرغم من جسره الجديد الذي يسمونه "جسر الصداقة" والذي بني على أنقاض جسر قديم دمرته الطائرات الأمريكية في ذلك الحين لا يزال غير قادر على إعادة اللحمة بين الحليفين القديمين ولا تعبره الآن إلا رياح لا يعرف أحد ما الذي ستحمله في المستقبل. فهل ستكون الولايات المتحدة التي كانت السبب في تقارب البلدين قبل خمسين عاما هي نفسها السبب الذي سيؤدي إلى تباعدهما أكثر؟
__________________________________
عزت شحرور - مدير مكتب الجزيرة في بيكين