العلاقات الإيرانية-الروسية: شراكة حذرة تميز حلف الضرورة

تناقش هذه الورقة، العلاقات الإيرانية-الروسية، وأي مستقبل ينتظرها في ظل المتغيرات الأخيرة. وتصف التوافق بأنه تحالف للضرورة. وتخلص الورقة إلى أن مستقبل العلاقات سيظل محكومًا بمحدداته التقليدية، فضلاً عن معادلات التنافس الإقليمي والدولي، والدور الذي تطمح إيران وروسيا للعبه في النظام الدولي.
2013107115141704734_20.jpg
المصدر (الجزيرة)

ملخص
تبحث هذه الورقة، خلفيات وواقع ومكونات العلاقات الإيرانية-الروسية، وأي مستقبل ينتظرها في ظل المتغيرات التي تجتاح المنطقة. وتلاحظ الورقة أن العلاقات الإيرانية-الروسية جاءت أولاً، تبعًا لخط علاقات كل من الجانبين مع الولايات المتحدة، وارتبطت ثانيًا بنظرة موسكو وطهران للمتغيرات الإقليمية والدولية والدور المرغوب لعبه لكل منهما فيه. وكان من المنطقي أن تندفع طهران لتعزيز علاقاتها بموسكو كلما ازداد العداء مع واشنطن، ولاسيما بعد أزمة البرنامج النووي التي بدأت عام 2002، وتشديد العقوبات الغربية مع الوقت على إيران، إلا أن روسيا ترددت طويلاً قبل تطوير علاقات الشراكة مع طهران. وإن كان التقارب الإيراني-الأميركي، قد يريح روسيا ظاهريًا من عبء اضطرارها لعدم توثيق علاقاتها مع طهران، إلا أنه سيؤثر على تنامي الدور السياسي لروسيا في المنطقة. ورغم أن محادثات أميركية-إيرانية قد لا تسفر عن علاقات صداقة تمحو تاريخًا طويلاً من العداوة، لكن جرَّ طهران إلى طاولة التفاوض الأميركية يعني قضّ مضاجع الروس خشية من تأثير واشنطن المباشر على العديد من ملفات المنطقة، وتراجع الدور الروسي.

وتخلص الورقة إلى أن مستقبل العلاقات الإيرانية-الروسية سيظل محكومًا بمحدداته التقليدية وعلاقة كل من الطرفين بالولايات المتحدة، والمصالح المشتركة بين الجانبين، فضلاً عن معادلات التنافس الإقليمي والدولي، والدور الذي تطمح إيران وروسيا للعبه في النظام الدولي.

لا يمكن وصف توافق طهران وموسكو على كثير من الملفات المحورية، بأنه تعبير عن حلف استراتيجي بين روسيا وإيران، فرغم التقاء البلدين على طاولات شراكة سياسية واقتصادية وعسكرية، إلا أنهما تشكلان تحالفًا للضرورة أكثر من أي شيء آخر، فأربعة قرون من العداء التاريخي وعشرات السنين من الاختلاف الأيديولوجي لا يمكن أن تصنع شراكة استراتيجية بين أي طرفين، بل شراكة ضرورة فريدة من نوعها في العلاقات الدولية وتبدو هنا أشبه بالدائمة، وهذا لأن مسببها الأساسي لن يزول في المدى القريب، ألا وهو قيادة الولايات المتحدة الأحادية لسفينة النظام الدولي الذي تغيرت بوصلته بعد الحرب الباردة وانهيار معادلة الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، ناهيك عن عوامل تبحثها هذه الورقة، التي ترصد خلفيات وواقع ومكونات العلاقات الإيرانية-الروسية وأي مستقبل ينتظرها في ظل المتغيرات التي تجتاح المنطقة.

ثقل الأيديولوجيا

عاشت العلاقات الإيرانية-الروسية على مدى أربعة قرون مراحل من الشد والجذب، شهد فيها الطرفان كذلك تعاونًا إجباريًا لمواجهة عدو مشترك. وبصورة عامة مرت العلاقات الروسية-الإيرانية بأربع مراحل مفصلية:

1. روسيا القيصرية والأطماع الاستعمارية
أدت الميول الاستعمارية لروسيا القيصرية إلى نشوب حروب عديدة بينها وبين إيران عبر التاريخ، وقد استغلت روسيا ضعف الدولة المركزية الإيرانية بعد سقوط الصفويين، وسيطرت بعدها على حكام إيران من القاجاريين لمدة قرن كامل، وانتزعت جزءًا من الأراضي الإيرانية شمالاً وضمتها إلى الإقليم الروسي، بموجب اتفاقية جلستان 1813، وتركمن تشاي 1828، ولا يزال الإيرانيون يتذكرون ذلك بمرارة حتى اليوم. ما بين سنتي 1905 و1911 دخلت القوات الروسية إيران لإجهاض ما عُرف بالثورة الدستورية، وهو ما تكرر خلال الحرب العالمية الأولى رغم إعلان طهران الحياد التام.وخلال الحرب العالمية الثانية تعاون الاتحاد السوفيتي مع بريطانيا لاحتلال إيران بحجة منع ألمانيا النازية من السيطرة على حقول النفط الإيرانية.(1)

2. الاتحاد السوفيتي والحكم الشيوعي
يمكن اعتبار الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917 نقطة تحول تجاه إيران؛ فقد انتهت السياسة الاستعمارية لروسيا القيصرية، ولكن ذلك لم يُنه الصراع بين الجانبين، وبرز بالمقابل شكل جديد لمد النفوذ الروسي السوفيتي عبر إيران، وهو البعد الأيديولوجي الماركسي اليساري، وتمثل بدعم أحزاب يسارية إيرانية كحزب توده (الشعب)، ودعم الحركات الانفصالية في إقليمي أذربيجان وكردستان الإيرانيين. كما لا يمكن تجاهل أن إيران خلال فترة الحرب الباردة كانت تشكّل جزءًا من المعسكر الغربي، بينما كانت روسيا تقود ما عُرف بالمعسكر الشرقي.(2)

3. علاقات ما بعد الثورة الإسلامية
 بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران وقع الاتحاد السوفيتي في حيرة، فلم يعرف بدايةً كيفية التعامل مع الجمهورية الإسلامية الجديدة؛ فمن جهة أنهى تأسيس هذه الجمهورية قرب الحدود السوفيتية الأحلام الأميركية بالسيطرة على تلك المنطقة، لكنه ومن جهة ثانية شكّل انتصار الثورة الشعبية في إيران تحديًا جديدًا للسوفيت على حدودهم مباشرة.

خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) وفّر الاتحاد السوفيتي الدعم والسلاح لنظام الرئيس العراقي صدام حسين.(3)كما ساد التوتر العلاقات بين البلدين بسبب الموقف المتباين بعد التدخل العسكري الروسي في أفغانستان، والذي رفضته طهران بشدة واعتبرته احتلالاً لبلد إسلامي من قبل الشيوعيين الروس. فضلاً عن اختلافات عميقة بين طهران وموسكو خلال هذه المرحلة حول العلاقات الروسية مع إسرائيل العدو الأول للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما يؤثر بشكل أو بآخر على طبيعة العلاقات بينهما.(4)

4. تفكك الاتحاد السوفيتي
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وانفصال الجمهوريات المسلمة عن روسيا، لم يتبدد القلق لدى الدب الروسي من احتمال دعم إيران الإسلامية لهذه الجمهوريات. ورغم أن ملامح شكل جديد من العلاقات الثنائية بين موسكو وطهران لاحت في الأفق عام 1989 مع زيارة لروسيا قام بها رئيس مجلس الشورى الإسلامي آنذاك هاشمي رفسنجاني، ولكن كان ليلتسن، الرئيس الروسي الأول بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، رؤية متقاربة مع الغرب؛ وهذا كان يعني الابتعاد عن إيران خلال تلك الفترة.وقد انتظرت طهران حتى عام 1992 لتخطو خطوة نحو الأمام في علاقتها مع روسيا، بتوقيع البلدين اتفاقية تعاون مشترك لبناء مفاعل بوشهر النووي كجزء من اتفاقية طويلة الأمد. ومنذ ذلك التاريخ ساهمت عوامل عديدة في خلق تقارب تدريجي بين الجانبين، ومنها: القرب الجغرافي، والمصالح الاقتصادية المشتركة، ومعادلات التنافس الإقليمي. وقد أدرك البلدان الأهمية الاستراتيجية للتعاون المشترك بينهما، ولكن لا يمكن تجاهل الكثير من المحددات التي قيدت ارتقاء العلاقات بين الجمهورية الإسلامية وروسيا الفيدرالية.(5)

تشكيل حلف الضرورة

كان تفكك الاتحاد السوفيتي مرحلة حاسمة نقلت العلاقات إلى مستوى جديد؛ فطهران لم تعد تعتبر روسيا تهديدًا لحدودها الشمالية كما كانت عليه الحال طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، وبالمقابل اطمأنت روسيا تدريجيًا للسياسة البراغماتية للجمهورية الإسلامية، وبدأت تعتبرها عامل استقرار في المنطقة الجنوبية لحدودها.

وإذا كان من المنطقي أن تندفع طهران نحو تعزيز علاقاتها بموسكو كلما ازداد العداء بينها وبين واشنطن، ولاسيما بعد أزمة البرنامج النووي التي بدأت عام 2002، وتشديد العقوبات الغربية مع الوقت على إيران، إلا أن روسيا وبسبب ظروفها الداخلية، ترددت طويلاً قبل تطوير علاقات الشراكة مع طهران.

العقد الأخير من القرن العشرين
يعد هذا العقد نموذجًا للعلاقات المتبدلة بين الجانبين لأسباب مختلفة داخلية وخارجية؛ فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، سعت روسيا يلتسين إلى استرضاء عدو الأمس (الولايات المتحدة الأميركية)، ونشدت صداقته ورضاه؛ الأمر الذي انعكس فتورًا على العلاقة بين موسكو وطهران، على الرغم من المؤشرات الأولية على رغبة روسيا في استعادة نفوذها في القوقاز وآسيا الوسطى خلال تسعينيات القرن الماضي.

وفي ذات الوقت تم تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتوقيع إيران عقود شراء الأسلحة الروسية، وقد لعبت الأزمات الاقتصادية الروسية آنذاك دورًا مهمًا في تشجيع الشركات والمجمعات الصناعية والعسكرية الروسية على التوجه نحو السوق الإيرانية.ولكن الضغوط الأميركية والعقوبات التي فُرضت على الشركات الروسية أدت إلى تراجع موسكو عن تنفيذ عقودها العسكرية والتكنولوجية مع إيران، وذلك بعد توقيع مذكرة غور–تشيرنوميردين عام 1995، كما أوقفت موسكو عقدًا لتزويد إيران بمفاعل أبحاث عام 1998(6).

العقد الأول من القرن الحادي والعشرين
جاءت اللحظة المفصلية في تطور العلاقات بين موسكو وواشنطن لتأخذ الشكل الذي باتت عليه اليوم مع وصول بوتين إلى السلطة عام 2000، عندها تحولت السياسة الروسية تجاه أميركا من التبعية إلى عدم الثقة الصريحة والمعلنة. وحتى الرئاسة الثالثة لبوتين نلحظ المساعي الروسية الواضحة لاستعادة دور القوة الدولية العظمى المنافسة للولايات المتحدة، وقد لا يكون هذا مطلبًا ملحًا على المستوى العالمي، ولكنه كذلك بالفعل على مستوى الإقليم وجواره.

بدأت روسيا تفكر بتعزيز مكانتها في آسيا الوسطى وبالعودة إلى الشرق الأوسط؛ ما دفعها لإعادة تقييم دور إيران الجيوستراتيجي، وتأثيرها المباشر في منطقة القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى والشرق الأوسط.

في الوقت نفسه، أثارت العمليات العسكرية الأميركية وما تلاها من وجود عسكري في أفغانستان عام 2001، ومن بعدها العراق عام 2003، قلق إيران وروسيا على حد سواء، كما تشابهت المواقف والمخاوف من تقدم حلف الناتو نحو الشرق، في القوقاز وآسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين. 

كل هذا أدى لتكثيف المساعي الروسية لتطوير العلاقات مع دول أخرى بعيدًا عن الولايات المتحدة الأميركية، فحاول بوتين تشكيل جبهة تعارض السياسة المتسلطة والتوسعية للولايات المتحدة تضم الصين وإيران والهند والبرازيل، لإعادة خلق نوع من التوازن في العلاقات الدولية لإنهاء سياسة القطب الواحد الأميركية.(7)

ونستطيع تلخيص الشراكة بين البلدين في المجالات التالية:

التعاون الاقتصادي التجاري
تستطيع إيران أن تكون شريكًا تجاريًا مميزًا لروسيا، وقد بلغ معدل الميزان التجاري بين البلدين عام 2012، 3.65 مليار دولار؛ تشكّل 3.4 مليار دولار منها حجم الصادرات الروسية للسوق الإيرانية، مقابل 0.6% فقط هي حجم الصادرات الإيرانية؛؛ ما يعني أن روسيا تحتاج بالفعل للشراكة الإيرانية.(8)

المصدر (الجزيرة)

وهناك توقعات بأن يزداد حجم التبادل التجاري ثلاثة أضعاف ما هو عليه الآن، ومع هذا لا ترسل روسيا من صادراتها الكلية إلى إيران إلا 2.5%، ويعود الأمر للمحددات ذاتها التي تتحكم بالعلاقات بين البلدين.(9)

ولاشك بأنه ثمة حاجة لإرادة سياسية لدى الجانبين لتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي بينهما، وخاصة على صعيد تأسيس بنية تحتية لدعم التنمية في إيران وروسيا، وكذلك في بلدان ثالثة، وهذا يشمل استخراج النفط والغاز وخطوط نقلهما وإنشاء طرق النقل الدولي للبضائع الداخلية والخارجية، على حد سواء.(10)

دور إيران في القوقاز، والتوافق مع روسيا
بعد انتهاء الصراع بين روسيا وجورجيا عام 2008 اتبعت إيران سياسة وسطية ناجحة في التعامل مع أذربيجان وأرمينيا في مسألة قره باغ وناغورونو؛ فسّهلت تعاملات السفر إلى أراضيها وطورت التعاملات الثنائية مع دول القوقاز، ورغم تصاعد الخلاف بين إيران وأذربيجان إلا أن هذا لم يخلق مشكلة بالنسبة للطرف الروسي في الإقليم، والنقطة الأخرى التي تجدر الإشارة إليها هي تخوف البعض من دعم إيران للمسلمين من الروس؛ فعلى خلاف ما يقال إلا أنه لا يمكن لإيران أن تدعم مجموعات سنية سلفية، وأصبحت روسيا تدرك هذا الأمر؛ لذا تحاول أن تحافظ على شراكة محددة مع إيران في هذه المنطقة دون التأثر بالملفات الكثيرة الأخرى.(11)

عقدة بحر قزوين
يعد الاختلاف على تقسيم بحر قزوين، بين الدول المطلة عليه، وهي (روسيا، كازاخستان، أذربيجان، تركمانستان، إيران) أحد أهم العوامل التي تؤثر على العلاقات الإيرانية-الروسية.

 أعطت معاهدتا العامين 1921 و1940 بين إيران والاتحاد السوفيتي السابق حقوقًا متكافئة لكلا الجانبين للملاحة في بحر قزوين واستغلال موارد هذا المسطح المائي، كما منعت المعاهدتان السفن الأجنبية من الإبحار فيه باعتباره بحرًا مغلقًا. لكن تفكك الاتحاد السوفيتي أدى إلى تغيير الخارطة السياسية للمنطقة ونشوء عدد من الدول الجديدة المستقلة، فعاد موضوع تقسيم البحر إلى الطاولة. ورغم المحادثات التي طالت لعشرين عامًا، لم تصل هذه الدول الى اتفاق مرض لها جميعًا. وتم بالمقابل تنظيم معاهدات ثنائية وثلاثية لتقسيم الجزء الشمالي من البحر بين روسيا وكازاخستان وأذربيجان، فيما لا يزال القسم الجنوبي والذي يشمل كلاً من إيران وأذربيجان وتركمانستان موضع اختلاف. وتسعى روسيا لمد نفوذها في جغرافيا غنية بموقعها وثرواتها كانت إلى وقت قريب جزءًا من حدودها الطبيعية، ولكن تبقى روسيا منافسًا قويًا لإيران على الطاقة في بحر قزوين وخطوط تصديرها. وفي ذات الوقت ترى موسكو في الحضور الأميركي والغربي في هذه المنطقة الإستراتيجية تهديدًا لمكانتها وأمنها، وتتكرر محاولاتها لاحتوائها وتطويقها؛ ولهذا السبب تدعم موسكو مواقف أذربيجان وكازاخستان في خلافهما مع إيران.(12)

التعاون العسكري
إيران هي الشريك الثالث لروسيا على صعيد التعاون العسكري بعد الصين والهند، وقد بدأت هذه الشراكة بين الجانبين إبان الزيارة التي قام بها الرئيس السابق محمد خاتمي إلى موسكو عام 2001، ليوقّع في خريف ذاك العام اتفاق التعاون التكنولوجي العسكري بين البلدين. وقد اهتمت طهران كثيرًا بتطوير أنظمتها الصاروخية من خلال هذا التعاون، وطمحت للحصول على تراخيص لصنع السلاح الروسي وهو مالم تلبّه موسكو. وتصنف روسيا جميع الأسلحة والشحنات البحرية إلى إيران على أنها أسلحة دفاعية.

وخلال السنوات الماضية شمل التعاون العسكري صفقات وُقّعت بين الجانبين لشراء الصواريخ المضادة للدبابات، والمنظومة الصاروخية TOR-M1، والطائرة المقاتلة SU-25UBT، وطائرات ميغ-29، وسوخوي-24، ومروحيات النقل العسكرية، بالإضافة إلى قطع غيار وصيانة لما يمتلكه الجيش الإيراني من دبابات روسية الصنع.(13)

وتقدر أرباح روسيا من التعاون العسكري مع إيران برقم يتراوح بين 11 و13 مليار دولار؛ ففي العام 2007 وحده وقّعت روسيا عقدًا لتسليم طهران خمسة أنظمة من صواريخ أرض جو s300، بكلفة 800 مليون دولار، وفي عام 2010 ألغى الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف ذلك العقد بسبب ضغوط أميركية وإسرائيلية؛ الأمر الذي تسبب بأزمة بين البلدين، خاصة بعدما وجّه الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد انتقادات لاذعة للسياسة الروسية، رد عليها الكرملين بعنف، كما رفعت طهران دعوى قضائية أمام محكمة الاستئناف الدولية ضد شركة "روس أوبورون إكسبورت" الحكومية الروسية لتصدير الأسلحة مطالبة بتعويض بقيمة 4 مليارات دولار، بسبب إلغاء الشركة لعقد توريد منظومات s300 (بي أم أو 1) إلى إيران.(14)

وقد نفت مصادر عسكرية روسية التوصل إلى اتفاق لحل هذه القضية خلال مباحثات الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في بشكيك خلال سبتمبر/أيلول الجاري. مؤكدة أن المصدّرين الروس "لا يبحثون الآن توريد منظومة "إس - 300 في إم انتيه-2500" الصاروخية المضادة للطيران إلى إيران، ولكنه أمر لا يمكن استبعاده في المستقبل"(15).

التعاون النووي
إن امتلاك موسكو لتكنولوجيا الطاقة النووية وبناء المفاعلات هو أحد أهم مقومات الاقتصاد الروسي، فروسيا تبني مفاعلات في تركيا، وإيران، وفيتنام، والصين، والهند. ويعتقد محللون إيرانيون أنه في حال رفع العقوبات عن بلادهم، وتمكّن طهران من انتزاع اعتراف دولي بشرعية برنامجها النووي، فإن إيران تستطيع الاستفادة من كل عائداتها النفطية للاستثمار في مجال الطاقة النووية، وأن تحقق بالتالي مع روسيا ميزانًا تجاريًا هائلاً في هذا المجال خاصة أن الشريك الروسي يقدم أفضل العروض على هذا الصعيد.(16)وتبقى العلاقات مع روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن مهمة للغاية، فهي لا تمتلك تقنية بناء المفاعلات وحسب، بل إنها تستطيع تزويد طهران بالوقود النووي اللازم للمفاعل إن أرادت(17)، ولكن منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي أثار التعاون في مجال الطاقة النووية بين الجمهورية الإسلامية وروسيا قلق الولايات المتحدة وإسرائيل، وأدت الضغوط الأميركية وقتها إلى حصر هذا التعاون في إطار استكمال مفاعل بوشهر، الذي أخرت موسكو تسليمه أكثر من مرة.

ومنذ تفعيل أزمة البرنامج النووي الإيراني عام 2002 سعت روسيا لتعزيز دورها كوسيط يساعد على حل هذه الأزمة بالطرق السلمية، وبعد التهديدات الأميركية والإسرائيلية عام 2005 بشن هجوم عسكري على إيران، تقدمت موسكو باقتراح لتخصيب اليورانيوم الإيراني على الأراضي الروسية، وهو ما رفضته طهران، وقد دعمت روسيا بعد ذلك عقوبات مجلس الأمن على إيران في الأعوام 2006، 2007، 2008، 2011؛ وهو ما أثّر على علاقات البلدين وصولاً إلى تباطؤ موسكو في استكمال مراحل مفاعل بوشهر لأكثر من سبع سنوات، فضلاً عن رفض تزويد إيران بالوقود النووي، وتعطيلها حتى اللحظة لطلب انضمامها إلى منظمة شنغهاي. وكل هذا يشكّك بإمكانية بناء علاقات استراتيجية بين الطرفين(18) رغم الأمل الذي لا تخفيه موسكو بتحقيق انفراج في أزمة النووي الإيراني عقب انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني واتباعه نهجًا جديدًا في التفاوض.

متغيرات تطبع بصماتها على العلاقات الثنائية

تعصف بالمنطقة متغيرات متسارعة تؤثر بشكل أو بآخر على معطيات العلاقة الملتبسة بين موسكو وطهران؛ أولها: "الربيع العربي" والأزمة السورية ومآل حلها؛ حيث وقفت طهران وموسكو إلى جانب النظام السوري في كافة المحافل الدبلوماسية، ولم يسبق للبلدين أن تشاركا موقفًا بهذا التطابق كما فعلا في هذا الملف.

وثانيها: وصول روحاني إلى سدة الرئاسة الإيرانية، بعد سنوات من النهج المتشدد لسلفه محمود أحمدي نجاد، والذي شهدت فترتا رئاسته الكثير من المواقف والسياسات التي أدت إلى توتير العلاقات مع موسكو.

وأخيرًا، متغير الانفتاح الإيراني والأميركي المحتمل، ومستقبل العلاقات بين إيران ودول الخليج، وتحديدًا المملكة العربية السعودية. جملة هذه المتغيرات لم تعطِ نتائجها بعد، وقد يطول انتظار حسم بعضها، وهي مترابطة بشكل أو بآخر.

ويبقى السؤال المطروح: إن كانت هذه المتغيرات ستساهم في إلغاء الحذر التقليدي الذي طالما حكم العلاقات الثنائية بينهما؟ وهنا يمكن تسجيل مجموعة من النقاط:

  1. الموقف الإيراني والروسي المتطابق من الملف السوري، سيعزز مستقبل العلاقات بين طهران وموسكو؛ فعدم الاستقرار في سوريا ووجود مجموعات متشددة قد ينتقل مع الوقت إلى روسيا عن طريق الشيشان ومناطق القوقاز الشمالية؛ وهذا ما سيهدد مصالحها هناك ويؤثر سلبًا على استخراج 40 مليار برميل من النفط من بحر قزوين(19).

    يتفق الطرفان على أن الربيع العربي بدأ ينتج "إسلاميين متطرفين"، فلا موسكو تفضل شرق أوسط تتجول فيه القاعدة، ولا طهران تحبذ سيطرة سلفية متشددة.

  2. من غير المتوقع حدوث انفراج كبير وسريع بين حكومة روحاني والغرب، رغم أن احتمال التقارب غير ملغى لكن هذا بالذات لن يؤثر سلبًا على علاقات إيران بموسكو، فهذه الأخيرة لن تنظر إلى الأمر بريبة، والسبب هو أن ما يجمع بين إيران وروسيا اليوم لا يمكن التخلي عنه بسهولة، ولاسيما ما يتعلق بالطاقة، والشراكة في سوق الغاز الطبيعي، ووجهات النظر المشتركة والمؤثرة تجاه قضايا المنطقة، ويضاف إلى ذلك نقطة مشتركة مهمة بين الغرب وروسيا، وهي عدم التخوف من دعم طهران للنموذج الحالي من المتشددين الإسلاميين.(20)
  3. التقارب الإيراني-الأميركي، وتبادل رسائل الغزل بينهما قد يريح روسيا ظاهريًا من عبء اضطرارها لعدم توثيق علاقاتها مع طهران، ولكن هناك ما هو أبعد، إذا ما تحاورت واشنطن وطهران، فهذا سينبئ بتحجيم تنامي الدور السياسي للعملاق الروسي في المنطقة، ورغم أن التوقعات بمحادثات أميركية-إيرانية قابلة للتحقق ولكنها لن تسفر عن علاقات صداقة تمحو تاريخًا طويلاً من العداوة، ولكن التفاوض ذاته يعني قضّ مضاجع الروس من تأثير واشنطن المباشر على العديد من ملفات المنطقة، وتراجع الدور الروسي.
    4- إيران قوية نوويًا أمر غير محبذ بالنسبة لموسكو، فرغم دعم روسيا للبرنامج النووي يبقى الأمر ضمن حدود معينة، فإن حصلت إيران على سلاح نووي فهذا يعني أنها ستشكّل تهديدًا مستقبليًا على روسيا نفسها.(21)

سيظل مستقبل العلاقات الإيرانية-الروسية محكومًا بمحدداته التقليدية والتي ترسمها علاقة كل من الطرفين بالولايات المتحدة، والمصالح المشتركة بين الجانبين، فضلاً عن معادلات التنافس الإقليمي والدولي، والدور الذي تطمح إيران وروسيا للعبه في النظام الدولي المتصور لكل منهما.

ولكن هناك ما ينبئ بتطور العلاقات الإيرانية-الروسية خلال الفترة المقبلة طالما أنه لا يوجد ما يعكرها، ولكنها كذلك لن تخرج عن حيز التعاون الاقتصادي المتعلق بالطاقة والمجال العسكري وحتى المجال النووي.

وفي السياق ذاته تدل التجربة الإيرانية السابقة خلال الفترات الرئاسية لكل من رفسنجاني وخاتمي وتولي روحاني لمناصب مهمة خلالها على أن إيران ستولي اهتمامًا خاصًا لمنطقة وسط آسيا والقوقاز، وتحرص على لى التعاون مع روسيا،لفتح الآفاق أمام الاقتصاد الإيراني الذي يشكّل العقبة الأبرز أمام حكومة روحاني.(22)
_______________________________________
فرح الزمان أبو شعير - باحثة متخصصة بالشأن الإيراني

المصادر والمراجع
(1) محمد حسين عادلي، بي اعتمادى بازيگري ورقابت (عدم الثقة، التمثيل والتنافس)، موقع ايران ديبلماسي، 5 ابان 1386، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2007
http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/11150/%D8%A8%DB%8C+%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%AF%DB%8C+%D8%8C+%D8%A8%D8%A7%D8%B2%DB%8C%DA%AF%D8%B1%DB%8C+%D9%88+%D8%B1%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%AA.html
(2) اسد الله زائري، روابط جمهورى اسلامى ايران وجمهورى فيدراسيون روسيه در عصر بساشوروي، (علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع روسيا الاتحادية ما بعد العهد السوفيتي)، المدونة الخاصة بالباحث زائري، چهارشنبه چهاردهم ارديبهشت 1390:
http://zayeri.blogfa.com/post-91.aspx
(3) نقش شوروى سابق در جنگ ايران وعراق، (دور الاتحاد السوفيتي السابق في الحرب العراقية-الإيرانية)، بدون تاريخ، موقع مركز أبحاث العلوم والمعارف للدفاع المقدس:
http://dsrc.ir/View/article.aspx?id=1487
(4) حد ومرز روابط ايران و روسيه، (حدود العلاقات الإيرانية-الروسية)، موقع ديبلماسي إيران، 21 ارديبهشت 1390، 11 مايو/أيار 2011:
http://irdiplomacy.ir/fa/page/12566/%D8%AD%D8%AF+%D9%88+%D9%85%D8%B1%D8%B2+%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%B7+%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86+%D9%88+%D8%B1%D9%88%D8%B3%DB%8C%D9%87.html
(5) ايران وروسيه واكاوى گفتمان ها ونقش غرب، (إيران وروسيا: تحليل للخطاب ودور الغرب)، وهو كتاب للباحث محمود شوري، نشر عام 1388/2009، موقع مركز البحوث الاستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام
http://www.csr.ir/departments.aspx?lng=fa&abtid=08&depid=44&semid=181
(6) قاسم أصولي، چگونه ميتوان روابط ايران وروسيه را فهميد، (كيف يمكن فهم العلاقات الإيرانية-الروسية)، موقع وكالة أنباء فارس، 1تير 1392، 22 يونيو/حزيران 2013
 http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13920326001201
(7) حوار مع غنچه تضميني الباحثة في مركز دراسات (بين الحضارات) في لشبونة/البرتغال تحت عنوان: روابط ايران وروسيه چالش ها وفرصت ها، (العلاقات الإيرانية-الروسية.. التحديات والفرص)، أجراه المركز الدولي لدراسات السلام ،20 بهمن 1391، 8 فبراير/شباط 2013
http://peace-ipsc.org/fa/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%B7-%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88-%D8%B1%D9%88%D8%B3%DB%8C%D9%87-%DA%86%D8%A7%D9%84%D8%B4%C2%AD%D9%87%D8%A7-%D9%88-%D9%81%D8%B1%D8%B5%D8%AA%C2%AD%D9%87%D8%A7/
(8) رفاقت پايان ناپذير ايران وروسيه، (الصداقة الحميمة غير المنتهية بين إيران وروسيا)، موقع ديبلماسى إيراني، 1 دي 1391، 21 ديسمبر/كانون الأول 2012
http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1910398/%D8%B1%D9%81%D8%A7%D9%82%D8%AA+%D9%BE%D8%A7%DB%8C%D8%A7%D9%86+%D9%86%D8%A7%D9%BE%D8%B0%DB%8C%D8%B1+%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86+%D9%88+%D8%B1%D9%88%D8%B3%DB%8C%D9%87+.html
(9) ستيفن جي فلانكن، ديبلماسي موفق ايران در قفقاز، (دبلوماسية إيران الناجحة في القوقاز)، موقع وكالة أنباء فارس، 6 دي 1391، 26 ديسمبر/كانون الأول 2012
http://www.farsnews.com/printable.php?nn=13911005001432
(10) إيلينا دونييفا، العلاقات السياسية الروسية-الإيرانية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، موقع التجمع العربي والإسلامي لدعم المقاومة، 12 إبريل/نيسان 2013
http://www.khayaralmoukawama.com/DETAILS.ASP?id=2775&param=NEWS 
 (11) انظر المصدر (9).
 (12) فرح الزمان أبو شعير، إيران وبحر قزوين: معادلة للصراع وتقسيم النفوذ، مركز الجزيرة للدراسات، 3 فبراير/شباط 2013
http://studies.aljazeera.net/reports/2013/01/2013131113627251370.htm
(13) انظر المصدر (10).
(14) انظر المصدر (8).
(15) مساعد الرئيس الروسي: لا حل عسكريًا للقضية النووية الإيرانية، موقع روسيا اليوم، 12 سبتمبر/أيلول 2013
http://arabic.rt.com/news/627165/
(16) انظر المصدر (7).
(17) انظر المصدر (4).
(18) طهمورث غلامي، جايگاه ايران در سياست خارجى روسيه، (موقع إيران من السياسة الخارجية الروسية)، موقع (بررسى استراتجيك)، 20 بهمن 1391، 8 فبراير/شباط 2013
http://strategicreview.org/?p=2456
(19) انظر المصدر (7).
(20) رئيس جمهور جديد ايران و روابط با روسيه، (الرئيس الإيراني الجديد والعلاقات مع روسيا)، حوار وكالة إيراس مع فيتالي نعومكين رئيس معهد الدراسات الشرقية الأكاديمية للعلوم الروسية ورئيس مركز موسكو للدراسات الاستراتيجية، 27 مرداد 1392، 18 أغسطس/آب 2013
http://www.iras.ir/vdcipyar.t1a3v2bcct.html
(21) انظر المصدر (18).
(22) جهانگير كرمى، سياست خارجى دولت روحانى ونگاه به منطقه اورواسياى مركزي، (السياسة الخارجية لحكومة روحاني تجاه أوروآسيا الوسطى)، موقع إيراس، 8 تير 1392، 29 يونيو/حزيران 2013
http://www.iras.ir/vdcef78w.jh8ofi9bbj.html

نبذة عن الكاتب