أكمل الدين إحسان أوغلو: الطريق إلى الانتخابات الرئاسية التركية

تبحث هذه الورقة في فرص المرشح التوافقي للمعارضة التركية أكمل الدين إحسان أوغلو في الانتخابات الرئاسية التركية، وترصد نقاط قوته ونقاط ضعفه في المنافسة على المقعد الرئاسي وما إذا كان قادرًا على منافسة مرشح حزب العدالة والتنمية القوي والرجل الأكثر شعبية في تركيا رجب طيب أردوغان.
16 يوليو 2014
201471093826923734_20.jpg
المصدر [الجزيرة]

ملخص

تتناول هذه الورقة الخصائص الشخصية للمرشح التوافقي للمعارضة التركية أكمل الدين إحسان أوغلو والعوامل التي تلعب لصالحه وتلك التي تلعب ضده، كما تناقش حظوظه في المنافسة على المقعد الرئاسي وما إذا كان قادرًا على منافسة مرشح حزب العدالة والتنمية القوي والرجل الأكثر شعبية في تركيا رجب طيب أردوغان.

وتعتبر الورقة أن مهمة إحسان أوغلو غير مستحيلة من الناحية النظرية إذا ما ذهب أردوغان إلى الجولة الثانية، إلا أنها من الناحية العملية صعبة للغاية وتعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية مجتمعة. وتتطرق كذلك إلى الانعكاسات التي يحملها ترشيح المعارضة لرجل مثل أكمل الدين إحسان أوغلو على المدى المتوسط والبعيد.

اكتملت دائرة المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا مع تسمية كل من رئيس الحكومة الحالية رجب طيب أردوغان كمرشح عن حزب العدالة والتنمية، والأكاديمي المرموق والأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو كمرشح توافقي مشترك لحزبين من أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، وهما: حزب الشعب الجمهوري (CHP) وحزب الحركة القومية (MHP)، بالإضافة إلى السياسي الكردي صلاح الدين ديميرتاش كمرشح عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (HDP).

وتحظى الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا بأهمية كبيرة نظرًا لما سيترتب عليها من نتائج قد تحدد على الأرجح مسار البلاد لعقد قادم، ناهيك عما ستتركه من تأثير على المزاج الشعبي بخصوص الانتخابات البرلمانية المقبلة في العام القادم 2015، وارتباطها بالنقاش الدائر حول إمكانية تغيير النظام السياسي في البلاد في المرحلة المقبلة إلى نظام رئاسي أو نصف رئاسي وذلك عبر تعديلات دستورية أو عبر الأمر الواقع.

وتشهد هذه الانتخابات اختيار رئيس للجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر لأول مرة في تاريخ تركيا، وسيتاح للأتراك المقيمين في الخارج المشاركة فيها لأول مرة أيضًا. ستنطلق الحملة الانتخابية الرسمية يوم الجمعة المقبل، وسيتاح للمرشحين للرئاسة الحصول على تبرعات مالية لحملاتهم الانتخابية من قبل مواطنين أتراك حصرًا على ألا تتعدى قيمة أي تبرع الـ 9000 ليرة تركية (حوالي 4500 دولار)(1).

تُجرى الجولة الأولى من هذه الانتخابات بتاريخ 10 أغسطس/آب 2014. وفي حال لم يتمكن أحد المرشحين من الحصول على نسبة تزيد عن الـ50% في هذه الجولة، سيتم تنظيم جولة ثانية بتاريخ 24 أغسطس/آب، وسيتم فيها إعلان المرشح الذي يحوز أعلى نسبة من الأصوات رئيسًا للبلاد.

أكمل الدين إحسان أوغلو: ما له وما عليه

حتى وقت قريب جدًا كان الأكاديمي المرموق والأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو يُسجل على أنه قصة نجاح لسياسة حزب العدالة والتنمية على المستوى الإقليمي وذلك قبل أن يحصل خلاف بينه وبين رئيس الحكومة أردوغان بسبب مطالبة الأخير له وكذلك حزب العدالة والتنمية بمواقف أكثر تشددًا تجاه الانقلاب في مصر من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي(2). وقد توصلت المعارضة التركية متمثلة بحزب الشعب الجمهوري (CHP) وحزب الحركة القومية (MHP) في 16 يونيو/حزيران 2014 إلى اتفاق لتسميته كمرشح توافقي لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 10 أغسطس/آب القادم، وتم تسجيل ملف الترشح بشكل رسمي بعدها في 29 يونيو/حزيران 2014.

شكّلت هذه الخطوة مفاجأة للجميع على اعتبار أن طيفًا واسعًا من المراقبين كان يستبعد حتى وقت قريب إمكانية أن يتجاوز الحزبان خلافاتهما الأيديولوجية وأن يتوصلا إلى تسمية مرشح توافقي، أضف إلى ذلك أن التوجه الإسلامي للمرشح التوافقي شكّل صدمة لدى العلمانيين المتشددين (الجناح اليميني) في حزب الشعب الجمهوري على اعتبار أن ذلك يتعارض مع المبادئ العلمانية التي أرساها أتاتورك وكذلك مع مبادئ الحزب(3). ويمتلك إحسان أوغلو شأنه شأن أي مرشح خصائص شخصية تمثل نقاط قوة وضعف من الممكن أن تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على مدى قدرته على المنافسة في السابق الرئاسي القادم، ومنها:

1) نقاط لصالح المرشح:

• خلفيته الأكاديمية وتوجهه الإسلامي(4): يمتلك أكمل الدين إحسان أوغلو بسبب خلفيته الأكاديمية وتوجهه الإسلامي ما يجعل منه رجلاً نخبويًا يتمتع بالعلم والمعرفة واللباقة من جهة، وينسجم في نفس الوقت مع توجهات غالبية الشعب التركي الأيديولوجية والاجتماعية من جهة أخرى، وهو أمر مطلوب لاسيما في هذه الانتخابات التي سيصوت فيها الناخبون بشكل مباشر لأول مرة.

• علاقاته الدولية: أكسبه دوره وموقعه لحوالي عقد من الزمان على رأس ثاني أكبر منظمة بعد الأمم المتحدة وهي منظمة التعاون الإسلامي احترام العديد من القادة والدول في العالم في الغرب والشرق، كما يحظى وفق متابعين بفهم جيد لطبيعة العلاقات الدولية ومتطلباتها، وهذه ميزة مطلوبة أيضًا في شخص المترشح لمنصب الرئاسة، وقد تم منحه العديد من الجوائز وتكريمه في العديد من المحافل الدولية(5). ويرى البعض في المعارضة أن علاقات إحسان أوغلو الجيدة مع مصر والسعودية وعدد من الدول الإسلامية قد يساعد على تجاوز تركيا لمشاكلها في الشرق الأوسط.

• نزعته التصالحية والتوافقية: يعتبر كثيرون أن إحسان أوغلو يمتلك ما يؤهله لأن يلعب أدوارًا تصالحية وتوافقية بحكم موقعه السابق الذي شغله في منظمة التعاون الإسلامي الذي كان يتطلب منه مثل هذه الخاصية وهي ميزة نادرة ومطلوبة أيضًا في المرحلة القادمة في تركيا في ظل الاستقطاب السياسي والأيديولوجي الحاد الحاصل مؤخرًا(6) بين السلطة والمعارضة، وبين الإسلاميين والعلمانيين، وبين اليمين واليسار، خاصة أن الرجل لم ينخرط في العمل الحزبي وبالتالي لم يكن طرفًا في استقطابات أيديولوجية أو سياسية أو حزبية.

• العمل البيروقراطي: بالإضافة إلى كونه أكاديميًا مرموقًا وإداريًا ممتازًا قادرًا على توظيف الكفاءات في خدمته كما تشير بعض المصادر، فإنه يمتلك في نفس الوقت معرفة كافية بطريقة عمل البيروقراطية التركية(7)؛ وهذا كفيل بجعله يتأقلم مع موقع رئاسة الجمهورية بسرعة حال فوزه.

2) نقاط لغير صالح المرشح:

• الافتقاد إلى الحس الشعبي: الانتخابات الرئاسية الحالية تحتاج إلى أن يخاطب المرشح العامة ويصل إلى أكبر شريحة ممكنة منهم، وأن يترك فيهم الانطباع بأنه واحد منهم (أي من الناس البسطاء). ويبدو أكمل الدين إحسان أوغلو في هذا المجال نخبويًا جدًا مقارنة بأردوغان الذي يجيد لغة التخاطب مع الجماهير والعامة.
قد يستطيع عبر خطابه النخبوي أن يغير مزاج المتشددين العلمانيين لناحية إقناعهم بأنه يؤمن بمبادئ العلمانية وبعدم طغيان الدين على الدولة أو الدولة على الدين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى طمأنة شريحة من العلويين أو جذب شريحة من الإسلاميين المحافظين، ولكن سيكون من الصعب عليه إقناع الفقراء والبسطاء من عامة الناس بأنه يمثلهم إذا لم يخاطبهم بما يفهمون.

• الافتقار إلى الخبرة في إدارة تفاصيل السياسة اليومية: من أكبر نقاط الضعف لدى إحسان أوغلو افتقاره إلى الخبرة اللازمة لإدارة تفاصيل السياسة اليومية، فهو لم يسبق له وأن مارس العمل الحزبي أو انخرط في السياسة الداخلية اليومية بشكل فعال، وقد حرمه ذلك أيضًا من أن تتعرف عليه شريحة واسعة من الأتراك؛ ويعتبر ذلك من أكبر العقبات التي ستواجه طريقه إلى الرئاسة نظرًا لعدم معرفة شريحة واسعة من الأتراك به، لكن آخرين يشيرون إلى أن ما يمتلكه من نقاط إيجابية (سبق وذكرناها) سيجعله قادرًا على تجاوز هذه العقبة حال فوزه.

• عدم توافر التجربة الحزبية: جرت العادة على أن يكون موقع رئاسة الجمهورية في تركيا فوق التجاذبات الحزبية، لكن مع وجود توجه لتغيير طبيعة النظام السياسي في تركيا إلى نظام رئاسي أو نصف رئاسي بالإضافة إلى حضور التصويت الشعبي المباشر لأول مرة في الانتخابات الرئاسية، فإن الجمهور قد يفضل على الأرجح اختيار مرشح خبر العمل الحزبي، يعرفونه ويعرفهم. ناهيك عن أن الكماليين لا يزالون متشككين بشأن التزام إحسان أوغلو بالعلمانية وبمبادئ أتاتورك، بالإضافة إلى رفض عدد من الجمعيات العلوية دعمه(8)؛ وهو الأمر الذي سيؤثر على حظوظه بشكل سلبي إذا لم يتم تجاوزه.

• عامل الوقت: يعد الوقت القصير المتبقي حتى تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية في 10 أغسطس/آب القادم من أبرز العوامل التي تلعب لغير صالح إحسان أوغلو، وبعكس أردوغان الرجل الأكثر شعبية في تركيا والذي يسيطر على المشهد السياسي منذ أكثر من عقد من الزمان، فإن إحسان أوغلو يحتاج إلى بذل جهود كبيرة للتعريف بنفسه للجمهور ومحاولة إقناعهم بالتصويت له، علمًا بأن جهود الأحزاب المعارضة في إقناع قاعدتها بالتصويت له سيعد أيضًا عاملاً مساعدًا له حال تمكن من القيام بهذه المهمة خلال الوقت القليل المتاح.

حظوظ أكمل الدين إحسان أوغلو في المنافسة

تشير معظم استطلاعات الرأي المنشورة مؤخرًا إلى أنه وفي حال تواجه كل من أكمل الدين إحسان أوغلو وأردوغان اليوم في انتخابات رئاسية فإن أردوغان سيحصد النسبة الأكبر من الأصوات ويفوز بالانتخابات الرئاسية. (انظر الجدول أدناه).

نتائج استطلاعات للرأي حول الانتخابات الرئاسية في تركيا 2014

جهة الاستطلاع النسبة التي سيحصل عليها أردوغان النسبة التي سيحصل عليها إحسان أوغلو
جينار 55.2% 35.8%
ماك 56.1% 34.2%
سونار 46% 35.5%
بول مارك 51.4% 39.4%
أو- آر-سي 54% 39.4%

* تتراوح حظوظ المرشح الكردي صلاح الدين ديميرتاش في أحسن الأحوال بين 4% و9% على ما تشير معظم الاستطلاعات.
** الجدول من تجميع الباحث

لقد شكّلت هذه الاستطلاعات دافعًا إضافيًا لمرشح المعارضة التوافقي للتسريع من حملته للتواصل مع أكبر عدد ممكن من الأحزاب والناخبين خلال الفترة القصيرة التي يمتلكها، وقد حصل إحسان أوغلو الأسبوع الماضي على دعم رسمي من خمسة أحزاب أعلنت تأييدها له في بيان موحد ومشترك، وهي: حزب الشعب الجمهوري (CHP)، حزب الحركة القومية (MHP)، حزب اليسار الديمقراطي ( DSP)، الحزب الديمقراطي (DP)، حزب تركيا المستقلة (BTP) (9) . كما أنه استهل دعمه هذا بأربع خطوات مهمة، هي:

1) زيارة ضريح أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية: حيث كتب في دفتر الزيارة "أعلن للشعب التركي أني سوف أتبع قيم الجمهورية وأطورها"، وقال: "الحفاظ على السلام الاجتماعي وتأمينه هو أمر مهم لازدهار تركيا"(10).

2) زيارة التجمعات الاقتصادية الكبرى في البلاد: كونفيدرالية اتحادات التجارة التركية (تورك-اش)، كونفيدرالية التجار والحرفيين (تيسك)، اتحاد غرف التجارة وتبادل السلع التركية (توب)، و(توسياد)؛ حيث صرّح بأن تركيا تحتاج إلى رئيس يدافع عن الجميع ولا يتبنى توجهًا سياسيًا واحدًا(11).

3) زيارة ضريح (حاج بكتاش ولي)(12): وذلك بالتزامن مع ذكرى مقتل عدد كبير من العلويين في "سيفاس" قبل 21 عامًا؛ حيث قال: "من واجبي زيارة هذا المكان"، وتحدث عن أهمية الحياة وعن تقديس النفس الإنسانية وعن التسامح، كما دعا للذين رحلوا في تلك الحادثة وتمنى استخلاص الدروس(13).
وتعتقد المعارضة أنه من الممكن لمرشحها أكمل الدين إحسان أوغلو الفوز في الانتخابات الرئاسية في حال توجه جميع الناخبين في قاعدتها الشعبية بشكل موحد للتصويت لصالحه(14). تحقيق هذه المهمة ممكن وغير مستحيل من الناحية النظرية إذا ما ذهب أردوغان إلى الجولة الثانية، أما عمليًا، فإن هذه المهمة صعبة للغاية؛ إذ ستعتمد حظوظه في المنافسة الحقيقية مع أردوغان على منصب رئاسة الجمهورية على ثلاثة عوامل رئيسية مجتمعة، هي:

• أولاً: الحصول على أصوات المعارضة مجتمعة

لابد للمرشح التوافقي من ضمان الحصول على أصوات القاعدة الشعبية للمعارضة مجتمعة على اعتبار أن القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية المنافس ستصوّت بشكل موحد لصالح أردوغان، وهذا يعني ضرورة تأمين أصوات أعضاء وأنصار حزب الشعب الجمهوري (CHP) والحركة القومية (MHP). الفشل في الحصول على هذه الأصوات أو غالبيتها يعني أن باقي العوامل أصبحت تقريبًا غير ذات قيمة في حسابات المعركة الانتخابية.

حتى هذه اللحظة، فإن المعارضة لم تتغلب بعد على العقبات التي تتيح لها توفير دعم كامل من قبل قاعدتها الشعبية للمرشح التوافقي أكمل الدين إحسان أوغلو؛ وهو الأمر الذي إذا ما استمر فإنه سيؤثر من دون شك على حظوظ المرشح التوافقي واستراتيجية المعارضة بالكامل.

وللتغلب على هذه العقبة يحاول زعيم حزب الشعب الجمهوري إقناع القاعدة الشعبية للحزب بأن إحسان أوغلو ملتزم بتمثيل جميع فئات وشرائح الشعب، وأنه يحترم تقاليد الدولة العلمانية. فيما نشط المرشح التوافقي في التأكيد على ذلك منذ بداية ترشيحه؛ حيث قال: "أنا مواطن تركي وفيّ للمبادئ التي قامت عليها الجمهورية". وقد عبّر إحسان أوغلو صراحة عن موقفه من هذه القضايا ومن العلمانية في كتابه المنشور سابقًا تحت عنوان "العالم الإسلامي في القرن الجديد" -النسخة العربية من الكتاب جاءت تحت عنوان: العالم الإسلامي وتحديات القرن الجديد-، وجاء فيه: "على الدين والدولة أن يبقيا منفصلين، لا يجب أن يطغى الدين على السياسة ولا أن تطغى الدولة على الدين"(15). كما أرسل إحسان أوغلو عدة رسائل إيجابية باتجاه الناخبين العلويين الذي يشكّلون نسبة عالية من المصوتين لصالح الحزب الجمهوري وذلك على أمل أن يغير موقفهم ويدفعهم للتصويت لصالحه.

• ثانيًا: الحصول على أكبر قدر ممكن من أصوات الإسلاميين

بالنسبة إلى الشرائح الإسلامية التي لا تريد أن تصوّت لأردوغان أو التي تريد أن تصوت لشخصية إسلامية بخلافه سواء من قِبل أولئك الذين يمثلون الخط الليبرالي على حد قولهم (كأنصار فتح الله غولن)، أو أولئك الذي يمثلون الخط المحافظ كأنصار الأحزاب والحركات الإسلامية الصغيرة غير الممثلة في البرلمان (موقف حزب السعادة مهم)، وحتى بالنسبة إلى الإسلاميين القوميين (الأتراك أو الأكراد) فإن أكمل الدين إحسان أوغلو يعد مرشحًا مقبولاً تمامًا. ولذلك، فإنه وبقدر ما يكسب من هذه الأصوات، بقدر ما تزداد حظوظه في منافسة أردوغان.
وفي هذا السياق، فإن مواقف أحزاب صغيرة مثل حزب السعادة (SP)، وحزب الاتحاد الكبير (BBP)، وحزب هدى (HUDA PAR) تعد في غاية الأهمية بالنسبة لأكمل الدين إحسان أوغلو. وحتى الآن، لا تزال هذه الأحزاب تبحث موقفها في انتظار الإعلان عنه قريبًا.

• ثالثًا: تحييد الأصوات الكردية على الأقل

من دون القيام بتحييد الأصوات الكردية، فإن مهمة إحسان أوغلو في التغلب على مرشح حزب العدالة والتنمية ستكون صعبة للغاية. وإدراكًا منهم لأهمية هذا العامل، يحاول حزب الشعب الجمهوري جسر الهوة مع الأكراد (16)، لكن موقف حزب الحركة القومية الحاد يمنع تحقيق تقارب مع الأكراد سيما أن حزب العدالة والتنمية كان قد انخرط في الملف الكردي منذ سنوات وبالتأكيد فإن فترة بضعة أسابيع غير كافية بالنسبة للمعارضة.
وتكمن أهمية الصوت الكردي في أنه من المتوقع أن يلعب دورًا حاسمًا في هذه الانتخابات. وجود مرشح كردي للرئاسة يعني أن أنه سيحصل بالتأكيد على أصوات شريحة من الأكراد، وفي هذه الحالة سيكون هناك نظريًا ثلاثة سيناريوهات لتوزيع الأصوات الكردية الأخرى، وهي:

• عدم التصويت لأحد: في حال تحقق ذلك، فهذا يعني ذهاب مرشح حزب العدالة والتنمية (أردوغان) إلى الجولة الثانية من الانتخابات، وعندها فإن حظوظ أكمل الدين إحسان أوغلو ستزداد في الدورة الثانية.

• التصويت لأكمل الدين إحسان أوغلو: وهو خيار ضعيف ولكن هناك أقلية كردية قد تتجه إلى التصويت له خاصة أصحاب التوجه الإسلامي القومي المحافظ والذين لا يودون التصويت لأردوغان. أما الشريحة الأخرى من الأكراد، فلا يمتلك إحسان أوغلو ما يستطيع أن يكسبهم به طالما أن حزب الحركة القومية لم يغض النظر عن عملية تصالح مع الأكراد سوى القول: إنه لا يوجد لديه أية مشكلة مع الأكراد(17).

• التصويت لأردوغان (وهو السيناريو الأرجح): وذلك مقابل مكاسب يعتبرها العديد من الشرائح التركية تنازلات غير مبررة. هذا سيؤمّن لأردوغان بالتأكيد أصواتًا مرجحة من الجانب الكردي، وقد يؤمّن له على الأرجح الفوز من الدورة الأولى، ولكنه سيتطلب تنازلات يرى كثيرون أن أردوغان شرع بالفعل في تقديمها للأكراد منذ فترة، وهو يستكملها الآن عبر الحزمة الجديدة التي قام بتقديمها إلى البرلمان الأسبوع الماضي(18).

انعكاسات ترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو

بغضّ النظر عن النتيجة التي ستفضي إليها الانتخابات الرئاسية، فإن مجرد ترشح كل من أكمل الدين إحسان أوغلو كمرشح توافقي عن المعارضة التركية بالإضافة إلى ترشح صلاح الدين ديميرتاش كأول كردي يخوض انتخابات رئاسية في تركيا وبالأصوات الشعبية مباشرة سيكون له انعكاسات خلال المرحلة القادمة على المديين: المتوسط والبعيد، منها:

1) صعود اليمين وأفول اليسار: الاتفاق على ترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو كمرشح توافقي بين أكبر حزبين معارضين في البلاد هو تسليم بأهمية العامل الإسلامي لدى الجموع في تركيا بما ينسجم مع طبيعة المجتمع التركي وتوجهاته العامة. ويلاحظ خلال السنوات الأخيرة أن الشعب التركي يميل إلى اليمين (الوسط والمحافظ) أكثر من اليسار حيث يبدو الأخير في أفول، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال الاستحقاقات الانتخابية المتعددة سابقًا، ويؤكده ذهاب الحزب الجمهوري إلى تسمية مرشح يُصنّف على أنه في خانة وسط-يمين (يُقال بأن الاقتصادي المعروف والذي أنقذ الاقتصاد التركي من الانهيار كمال درويش والذي يشغل منصب نائب رئيس مركز بروكينجز هو الذي اقترح على الحزب الجمهوري تبني أكمل الدين).

2) تصدع الحزب الجمهوري: من المتوقع أن يتغير زعيم حزب الشعب الجمهوري خلال المرحلة القادمة خاصة إذا ما خرج إحسان أوغلو من سباق الانتخابات الرئاسية من الدورة الأولى حيث سيحمّله كثيرون مسؤولية اختيار هذا المرشح ومسؤولية الفشل في استحقاقين انتخابيين، كما قد يعاني الحزب الذي يصنف على أنه من أحزاب يسار الوسط من انشقاقات أو تحولات أيديولوجية سيما مع تسليمه بضرورة مجاراة واقع المجتمع إلى حد ما وبروز تيارين معارضين لهذا التوجه العام داخله، وهما التيار اليميني المتعصب والتيار العلوي.

3) بروز العامل الكردي: التقدم بمرشح قوي في البيئة الكردية كصلاح الدين ديميرتاش رغم علم الجميع بأنه لن يحصل في أحسن الأحوال على ما يزيد عن 9% وفق استطلاعات الرأي، سيؤدي إلى تعزيز الحالة الكردية الصاعدة في تركيا والمنطقة بما يتماشى مع الطموح الكردي لتقوية زعامات تدعم فكرة الإدارات المحلية للمناطق الكردية للوصول إلى شيء أكبر من ذلك مستقبلاً.
_________________________________________________________________
*علي حسين باكير، باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

الهوامش والمصادر:
1- August presidential election campaign kick starts next Friday, Anadolu Agency, 3-7-2014.
2- OIC leader condemned for silence on Egyp, Today's Zaman, 19-8-2013.
3- CHP Dissidents seek alternatives, Daily Sabah, 30-6-2014.
4- انظر السيرة الذاتية لأكمل الدين إحسان أوغلو: صحيفة دايلي صباح، 1 يوليو/تموز 2014، أو على الموقع الشخصي له:
http://www.ihsanoglu.com/tr /
5- نفس المرجع السابق.
6- انظر على سبيل المثال حول الاستقطاب في تركيا:
Fatma Serap Koydemir,TÜRK?YE’DE ETN?K, D?N? VE S?YAS? KUTUPLA?MA, Bilgesam, 30-6-2014.
7- انظر الموقع الشخصي لإحسان أوغلو، مرجع سابق.
8- انظر للمزيد:
ALEVIS REFUSE TO SUPPORT ?HSANO?LU AS A PRESIDENTIAL CANDIDATE, Daily Sabah, 25-6-2014.
ALEVI FOUNDATIONS REFUSE TO SUPPORT JOINT CANDIDATE ?HSANO?LU, Daily Sabah, 26-6-2014.
9- Five parties declare support for Ekmeleddin ihsanoglu, Hurriyet Daily News, 3-7-2014
10- Ihsanoglu Launches campaign officially, Hurriyet Daily News, 1-7-2014.
11- المرجع السابق + جيهان 3 يوليو/تموز 2014.
12- هو متصوف من القرن الثالث عشر ويحظى بأهمية بالنسبة لشريحة واسعة من العلويين في تركيا.
13- Five parties declare support for joint presidential candidate, Today's Zaman, 3-7-2014.
14- CHP says Ihsanoglu will win, Hurriyet Daily News, 30-6-2014.
15- CHP's Kilicdaroglu calls joint presidential candidate "wise man", Today's Zaman, 27-6-2014.
16- للمزيد، انظر:
Main opposition wants fresh start with Kurds, Hurriyet Daily News, 23-6-2014.
17- Joint Candidate Ihsanoglu silent on Kurdish question, Daily Sabah, 4-7-2014.
18- Government brings Kurdish Question to Legal ground, Daily Sabah, 27-6-2014.

نبذة عن الكاتب