لماذا يتعاظم الاهتمام الغربي بالصومال؟

تزايد الاهتمام الغربي بالصومال مؤخرا وخصوصا الاهتمام الأمريكي والبريطاني، وفي الوقت نفسه عرفت علاقات هاتين الدولتين تراجعا مع بعض دول القرن الإفريقي وشرق إفريقيا المؤثرة في الصومال وخصوصا كينيا وأوغندا وإثيوبيا. ويحاول هذا التقرير أن يقدم قراءة لهذه التحولات الجيوسترايجية.
20148761337171734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
يبدو أن الغرب فقدَ سيطرته على بعض دول القرن الإفريقي وشرق إفريقيا المؤثرة في الصومال وخصوصا كينيا وأوغندا وإثيوبيا نظرًا لتعدد اللاعبين في ظل التنافس الدولي في المنطقة بعد أن كان الغرب متحكمًا في جميع خيوط اللعبة بتلك الدول. فمع دخول الصين على الخط لم تستطع القوى الغربية أن تصمد أمام الصين التي وجهت بوصلة دبلوماسيتها تجاه هذه الدول خلال الأعوام الماضية لتحقيق أهدافها، حيث تزاحم الصين الغرب منذ ذلك الوقت في مستعمراته السابقة كدولة صاعدة في النظام الدولي لتكون القوة القطبية الثانية في مواجهة الولايات المتحدة والغرب أجمع.

كما أن هنالك خوفا متزايدا من أن معظم الدول الحليفة للغرب في المنطقة في طريقها إلى حروب أهلية ونزاعات سياسية، مثل كينيا وإثيوبيا

ثم إن الساحة الصومالية جزء لا يتجزأ من التنافس الغربي-الصيني على القارة الإفريقية فإن الغرب يريد أن يسبق المارد الصيني في الاستحواذ على امتيازات التنقيب عن النفط واستثمار الثروات الطبيعية في الصومال، وهذا ما يفسر جانبا من الاهتمام الغربي المتزايد بالصومال والتراجع النسبي لاهتمامه بالدول المجاورة للصومال والتي ظلت حليفا استراتيجيا للغرب إلى وقت قريب.

منذ انعقاد "مؤتمر لندن حول الصومال" في 23 من فبراير/ شباط 2012 تكاد الدبلوماسية الغربية تتجه نحو الصومال فيما سيطر الفتور على العلاقة الغربية مع حلفائها التقليديين في المنطقة، مثل: كينيا وإثيوبيا اللتين كانتا تشكّلان منذ أمد بعيد حليفًا استراتيجيًا للغرب؛ الأمر الذي يلقي بظلاله على كاهل العلاقة المتينة بين الغرب وحلفائه نتيجة طغيان الأول والعزوف النسبي الذي سيطر في السياسة الخارجية بالنسبة للأخيرين. وقد أُثير بعض الأسئلة المهمة حول هذا الاهتمام الغربي والأميركي خصوصًا بالصومال. ونحاول في هذه الورقة أن نسلط الضوء على طبيعة العلاقات الغربية مع الدول المحورية في المنطقة (كينيا، أوغندا، إثيوبيا)، وما هو مسار تلك العلاقات مع الاعتبار الخاص للوضع الكيني إلى جانب فهم طبيعة الاهتمام الغربي بالصومال؛ وذلك من خلال طرحه وتحليله عبر المحاور التالية:

أولاً: خلفية عن العلاقات الغربية مع حلفائها في المنطقة

احتلت كينيا مكانة مرموقة إقليميًا ودوليًا أضحت بموجبها مُلهمة الإعلام الغربي وساحرة السياسة الدولية، وذلك بدورها ووزنها في المحيط الإقليمي والدولي؛ حيث أصبحت شريكًا دبلوماسيًا كبيرًا مع الغرب في تسوية الخلافات في دول المنطقة، لاسيما المارقة منها كـــ"السودان والصومال". وتعوّل واشنطن ولندن على نيروبي كحائط صد في مواجهة تهديدات تتخوفان منها، وخاصة المد الإسلامي القادم من هذا الجزء في القارة السمراء. وقد برهنت كينيا على أنها تابع مخلص للسيد الغربي ومحافظ جيد على أمنه ومصالحه، كما تُعتبر مصالح الدول الكبرى مع كينيا ذات أهمية كبيرة في ظل وجود القاعدة البريطانية، والأسطول السادس الأميركي في المياه الإقليمية لنيروبي، بالإضافة إلى وجود المنظمات الأجنبية والمحلية التي يمولها الغرب لصالحه.

تنظر أميركا والدول الغربية منذ زمن بعيد إلى كينيا بوصفها إحدى الدول المحورية حيث تعد حكومة نيروبي مفتاح الاستقرار -لدى الغرب- وآفاق التنمية الاقتصادية في القارة الإفريقية، بل إن كينيا شريك مهم في مكافحة الإرهاب بالنسبة للولايات المتحدة منذ تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام في عام 1998.

أما على صعيد العلاقات الغربية مع إثيوبيا، فيمكن وصفها بالوثيقة حيث أقامت الولايات المتحدة علاقات وطيدة وداعمة لإثيوبيا منذ تولي الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية بإثيوبيا الحكم عام 1991، وكانت الإدارة الأميركية تنظر إلى رئيس الوزراء الإثيوبي السابق "ميليس زيناوي" باعتباره أحد الأعضاء المبشرين للجيل الجديد من القادة، وبعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 ظهرت آفاق جديدة للتعاون بين واشنطن وأديس أبابا متمثلة في الحرب ضد الإرهاب، خاصة بعد ظهور ما كان يُعرف بــ"اتحاد" الإسلامية في الصومال عام 2006. وفي إطار علاقتهما الأمنية المتنامية، أمدت واشنطن أديس أبابا بمساعدات عسكرية وتدريب ودعم اقتصادي. ولم يقتصر الأمر على واشنطن؛ حيث تحظى إثيوبيا بالتأييد من قبل الجهات المانحة الأخرى مثل بريطانيا. وعلى هذا أصبح النفوذ الإثيوبي يتنامى بشكل كبير حتى استطاعت أن تستميل جاراتها في الشرق الإفريقي.

أما العلاقات الغربية-الأوغندية فيمكن وصفها بالودية والحميمة؛ إذ إن الولايات المتحدة هي واحدة من أكبر الدول المانحة للمساعدات لأوغندا، كما قام الأميركيون بإرسال عدد من جنودهم إلى أوغندا لمساعدة القوات الأوغندية في قتال متمردي جيش الرب عام 2011. لقد كانت شراكة أوغندا مع حملة الغرب لمكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا ونشرهم قواتهم في الصومال شراكة قوية سمحت لأوغندا بأن تصبح من أوائل الدول المستفيدة من الدعم العالمي. فأوغندا حليف استراتيجي و"دولة محورية" عندما يتعلق الأمر بمسألة الحرب ضد التسلح الإسلامي السياسي، كما أن الغرب ساعد أوغندا في مواجهة التمرد المسلح في شمال البلاد الذي يقوده "جيش الرب" مما أدى إلى توقيف كبار قادة جيش الرب بتهمة الإبادة الجماعية لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

ومقابل ذلك شهدت العلاقات الصومالية-الغربية تجاذبات وتوترات كثيرة منذ سقوط النظام العسكري بقيادة سياد بري في عام 1991؛ ولم تكن الإدارة الأميركية والدول الغربية تتعامل منذ ذلك مع الحكومات الانتقالية المتعاقبة بطريقة رسمية، وإنما كانت تتعامل معها بالطرق الأمنية، أي: عبر مؤسساتها الأمنية بفروعها المختلفة على ما يخدم مصالحها القومية الاستراتيجية في الصومال وفي محيطها الإقليمي، ولعل ما يوضح ذلك هو دعم الولايات المتحدة الأميركية لما عُرف بــــ"التحالف من أجل استعادة السلام ومكافحة الإرهاب" ضد المحاكم الإسلامية في نهاية عام 2006؛ فقد تأكد تمويل المخابرات الأميركية للتحالف المذكور لمحاربة المحاكم. وفي هذا الوقت ازداد اهتمام الدراسات الغربية بدور المحاكم ومستقبلها في الصومال؛ حيث لم يغب في التقارير التي كانت تصدرها المخابرات الغربية الحديث المتوجس عن دور المحاكم الإسلامية وإمكانية اتخاذ الإسلاميين من هذه المحاكم مطية للوصول إلى الحكم.(1)

ثانيًا: مسار العلاقات

في إطار العلاقات المتوترة بين الغرب وحلفائه التقليديين في المنطقة فقد اتخذ الغرب عدة خطوات في السنوات الماضية في تعامله مع الدول المحورية -كينيا، إثيوبيا، أوغندا- يُعتقَد أنها موجهة ضد الأنظمة الحاكمة، فيما قادت تلك الدول -وكرد فعل طبيعي- تمردًا سياسيًا واقتصاديًا ضد الدول الغربية أو مصالحها.

اعتبر البعض تلك الخطوات بين الجانبين على أنها تغير جديد طرأ في مسار العلاقات الغربية مع حلفائها التقليديين في المنطقة بدافع الرغبة في التحكم والاستحواذ بالنسبة للأولى، وهروبًا من السيطرة والبحث عن مخرج من النمطية السابقة التي سادت علاقتها مع الغرب بالنسبة للثانية. وتتجلى تلك الخطوات من خلال الآتي:

اختتم الرئيس الأميركي باراك أوباما جولته الإفريقية في العام الماضي بدولة تنزانيا متجاهلاً الجارة القريبة (كينيا) مسقط رأس والده وموطن كثير من أقاربه. وفي خطاب ألقاه "أوباما" في تنزانيا أكد أن تنزانيا تملك من الإمكانيات ما يجعلها قادرة على تغيير المنطقة، وقال إنه يريد "نموذجًا جديدًا" للتنمية في إفريقيا.  فُسّر هذا الأمر بأن الرئيس أوباما تجاهل كينيا التي طالما استدل الغرب بها باعتبارها واحة الديمقراطية والاستقرار في المنطقة. وقد قام السفير الأميركي بنيروبي أيضًا بتقليل عدد أفراد طاقم سفارته، وذلك بسبب ما وصفه بـ"تزايد التهديدات الإرهابية" في كينيا.

وعلى نفس المنوال فقد أغلقت بريطانيا -المستعمِرة السابقة لكينيا- قنصليتها بمدينة ممباسا الساحلية في يونيو/حزيران الماضي،كما قامت بإجلاء رعاياها من المنتجعات الساحلية في المدينة إثر ورود تحذيرات من الخارجية البريطانية عن إمكانية وقوع هجمات إرهابية في العديد من المناطق الساحلية ما أضرّ كثيرًا بقطاع السياحة والذي هو بمثابة ركيزة أساسية للاقتصاد الكيني.

وردًا على الخطوات الغربية فقد اتخذت كل من كينيا وإثيوبيا وأوغندا موقفًا مناهضًا للسياسات الغربية مقابل سعيها للتقارب مع الصين أولاً والتحرر من القيود الغربية ثانيًا، وهو أمر يبدو أنه عصيان جماعي أو تحالف إقليمي مناهض للقوى الغربية.

فقد وقّعت كينيا اتفاقًا نفطيًا مع الصين تقوم بموجبه الأخيرة بالتنقيب عن النفط في 12 موقعًا محتملا.(2) إلا أنه لم يتم الكشف عن كامل تفاصيل الاتفاق غير أن الصين ستتحمل تكلفة التنقيب عن النفط مع الخسائر إذا لم تجد النفط، أما إذا وجدت مخزونات كافية فسيتم إبرام اتفاقية شراكة لاستخراج النفط. وربما يأتي هذا التعاون في إطار استراتيجية كينيا للحصول على استثمارات ومساعدات من الصين التي تقدم المساعدات المالية دون ربطها بمطالب بحسن الإدارة على عكس المؤسسات الدولية والمانحين الغربيين.

من الواضح أيضًا أن زيارة الرئيس "أوهورو كينياتا" لبكين العاصمة الصينية في العام الماضي شكّلت منعطفًا كبيرًا في السياسة الخارجية الكينية فيما ظلّ النظام الحاكم "اليوبيل" في كينيا في مواجهة مريرة مع الدول الغربية منذ وصوله إلى السلطة في 4 من مارس/آذار 2013.

ومع أن هذه المواجهة بين الجانبين ظهرت إلى السطح منذ وصول الرئيس الكيني السابق كيباكي في نهاية عام 2002 إلى سدة الحكم بسب توجهاته نحو الشرق إلا أنها وصلت ذروتها مع فوز الرئيس "كينياتا" بالانتخابات في عام 2013؛ مما فتح الباب على مصراعيه لوجود أزمة دبلوماسية جعلت كلاً منهما ينتقد الآخر عبر وسائل الإعلام؛ لذا فقد كانت زيارة الرئيس الكيني "أوهورو كينياتا" لبكين محاولة أخرى جاءت في إطار الرد الكيني على ما تراه نيروبي استفزازًا غربيًا طال عليها منذ الاستقلال.

لكن كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقات الكينية-الغربية زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لكيينا في مايو/أيار الماضي؛ حيث وقّعت كينيا في 11 مايو/أيار الماضي اتفاقًا بقيمة 3.8 مليارات دولار (331 مليار شلن)، مع الصين لبناء سكة حديد تربط بين مرفأ مومباسا ونيروبي، كمرحلة أولى لبناء خط حديدي يهدف في نهاية المطاف إلى الربط بين أوغندا ورواندا وبوروندي وجنوب السودان.

لم تكتف كينيا بالبحث عن شريك بديل للغرب بل ظلت القيادة الكينية تهاجم السياسة الغربية بشكل واضح، وفي خطاب ألقاه الرئيس الكيني أثناء زيارة الرئيس الصيني لكينيا اتهم "كينياتا" الغرب عدة مرات بأنه يتآمر على استقرار بلاده، كما نشرت جريدة الشعب الكينية -وهي جريدة تملكها عائلة الرئيس- في عددها الصادر في 22 يونيو/حزيران الماضي في صفحتها الأولى تحقيقًا صحفيًا عنونته بـ"أسلحة بريطانية تقع في أيدي حركة الشباب الصومالية". وتتوزع هذه الأسلحة -حسب الصحيفة- إلى أسلحة خفيفة وأخرى متوسطة أوتوماتيكية، منها: 10 آلاف مسدس، و10 آلاف قنبلة يدوية، و15 ألف كلاشنكوف، و10 آلاف سلاح أتوماتيكي. ويستند التقرير في هذا الأمر إلى أن مجلس الشعب البريطاني كان قد أكّد في وقت سابق من العام الماضي أن هناك 44 ألف قطعة سلاح مفقودة من خزينة السلاح البريطانية يُعتقد أنها ذهبت إلى دول في منطقة شرق إفريقيا من بينها الصومال وكينيا. ويؤكد التقرير أن تلك الأسلحة هي التي تم استخدامها في الهجوم على مدينة "مبيكيتوني" في الساحل الكيني في يونيو/حزيران الماضي، والذي اتهمت فيه الحكومة الكينية أطرافًا سياسية تقف وراءها.

إلى جانب ذلك، ترى الحكومة الكينية أن الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة في كينيا حاليًا تأتي في سياق سعي الغرب الدؤوب لزعزعة أمن بلادها، وأن الغرب هو الذي يغذي المظاهرات التي نظمتها المعارضة في الشهور الماضية؛ فمنذ عودة رئيس التحالف من أجل الإصلاح والديمقراطية المعارض "رايلا أودينغا" في يونيو/حزيران 2014 من زيارته التي استغرقت ثلاثة أشهر في الولايات المتحدة الأميركية يبدو أن المشهد السياسي الكيني يتجه نحو التصعيد وهو ما جعل المتابعين يشككون في مصداقية المظاهرات التي تنظمها المعارضة خاصة وأنها جاءت بعد عودة زعيم المعارضة من الولايات المتحدة الأميركية.

وإلى جانب تأزم العلاقات الكينية-الغربية يبدو أن العلاقات الأوغندية-الغربية أصبحت اليوم على المحك حيث دخلت أوغندا حلبة الصراع الغربي-الصيني علي ثروات القارة، فللمرة الأولي ينتقد سفير الاتحاد الأوروبي دولة أوغندا ويتهمها بالفساد مما اعتبرته أوغندا إساءة للشعب والدولة والقيادة، وذلك إثر تصاعد الخلافات بين أوغندا والغرب بعد قطع الأخير للمساعدات التي كان يقدمها لأوغندا بل سحبت الدول الغربية المانحة مساعداتها بحجة وجود شبهات فساد في إدارة تلك المساعدات تمثلت في اتهامات لموظفين بمكتب رئيس الوزراء الأوغندي بالاستيلاء على 13 مليون دولار من المساعدات.

لكن في الواقع يبدو أن القضية أكبر من مجرد فساد مع ما عُرف من فساد واستبداد في السجل الأوغندي وربما يرجع هذا الأمر إلى إخفاق شركات غربية في الحصول على صفقات أوغندية وذلك إثر صدور قرار من المحكمة الأوغندية العليا بتاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يمنح شركة الصين للماء والكهرباء مشروع بناء سد "كاروما" أحد روافد النيل في أوغندا بتكلفة تصل 1.2 مليارات دولار أميركي. واستبعدت المحكمة كل الشركات الغربية الأخرى المنافسة للشركة الصينية خاصة الشركة النرويجية التي كانت تضغط لكي يرسو عليها بناء السد من خلال الشركة البريطانية التابعة لها والتي اتُهمت بدفع رشاوى عبر إطلاقها مجموعة افتراءات إعلامية وتسريبات بقصد التشكيك في قدرة الصين على الانفراد بأعمال المشروع وحدها.(3) كما أرجأ البنك الدولي قرضًا بقيمة 90 مليون دولار لأوغندا بسبب قوانينها الصارمة ضد المثليين، والتي لاقت انتقادات شديدة حول العالم وذلك بعد أن وقّع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني على قانون أقره البرلمان الأوغندي يُفضي إلى "تجريم المثليين"؛ مما أدى إلى تأزم علاقته مع الولايات المتحدة الأميركية حيث وصف الرئيس الأميركي "أوباما" القانون بــــ "البغيض"، إلا أن رد الرئيس الأوغندي "موسيفيني" كان نوعًا من العيار الثقيل حيث قال موسيفيني: "إن الغرب يجب أن لا يفرض معتقداته على الأوغنديين"، وأن يحترم المجتمعات الإفريقية وقيمها". وأضاف: "دعنا ندير مجتمعنا، ثم نرى بعدها. إذا كنّا مخطئين، فإننا سندرك ذلك بأنفسنا، بنفس الطريقة التي لا نتدخل فيها بشؤونكم."

وإثيوبيًّا، وافقت الصين خلال زيارة وزير خارجيتها الأخيرة في 20 مارس/آذار الماضي على مشروعات تنموية بمقدار 6.1 مليارات دولار في البنى التحتية وتوسعة لمطارات إثيوبيا. ويعد هذا الاتفاق ضمن مشروع يبلغ إجمالى تكلفته 16.7 مليارات دولار ويشارك في تنفيذه شركة "زد تي إي" الصينية، التي تعد ثاني أكبر شركة مصنِّعة لمعدلات الاتصالات في الصين، وكذلك شركة "هواوي تكنولوجيز" الصينية والتي وقّعت اتفاقًا بهذا الشأن مع الحكومة الإثيوبية في شهر يوليو/تموز الماضي.

وعلى إثر هذه التطورات السلبية في العلاقات الغربية مع حلفائها التقليديين في المنطقة تزايد الاهتمام الغربي بالصومال؛ حيث أصبح الغرب يتعاطى مع الملف الصومالي بشكل لافت للنظر ومختلف تمامًا عن سياسات التدمير التي انتهجها الغرب في العقود الماضية تجاه الصومال، وهو ما جعل المتابعين في العلاقات الدولية يؤكدون وجود مؤشرات قوية بأن الدبلوماسية الغربية تتجه نحو الصومال على حساب حلفائها السابقين في إفريقيا الشرقية.

ولعل ما قامت به الدول الغربية في السنتين الأخيرتين في إطار تعزيز دبلوماسيتها مع الصومال لأمر يوحي بوجود اهتمام غربي حثيث؛ إذ دعمت الولايات المتحدة وبريطانيا خارطة الطريق التي تمخض عنها مؤتمر لندن لإنهاء المرحلة الانتقالية، وحذرتا أثناء هذه المرحلة القادة الصوماليين من عدم تنفيذ خارطة الطريق، وهددتا بفرض عقوبات على الجهات التي تحاول عرقلة العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة إقليمية أو محلية.

فقد قامت المملكة المتحدة بافتتاح أول سفارة لها في مقديشو العاصمة الصومالية منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 1991؛ وبذلك خطت الدولة البريطانية خطوة جريئة غير مسبوقة، وقامت بنقلة نوعية في العلاقات البريطانية-الصومالية لتكون أول دولة غربية على الإطلاق تعيد فتح سفارتها كدليل على عزمها تقوية العلاقات مع الصومال، فيما أعاد الصومال فتح سفارته في لندن بعد انتهاء مؤتمر لندن.

استرجعت الولايات المتحدة الأميركية علاقاتها الدبلوماسية مع الصومال بُعيْد انتخاب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أغسطس/آب 2012 بعد انقطاع دام أكثر من 22 عامًا، أي: بعد سقوط النظام العسكري في الصومال 1991. وذلك حينما ظهرت كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مع الرئيس حسن شيخ محمود في مؤتمر صحفي يوم 17 يناير/كانون الثاني 2013 عقداه معًا في وزارة الخارجية الأميركية. لم يقف الاهتمام الأميركي بالصومال عند ذلك الاعتراف، بل أعلنت الولايات المتحدة الأميركية نيتها فتح سفارتها في الصومال وذلك لأول مرة منذ اندلاع الحرب الأهلية هناك قبل أكثر من 20 سنة. كما أن واشنطن اعتمدت أوراق السفير الصومالي الجديد في بلادها، قبل أيام. يضاف إلى ذلك أن عدد السفارات الغربية في الصومال يصل إلى أكثر من 15 سفارة غربية، منها: كندا والسويد والنرويج، وبعضها يقيم سفراؤه في نيروبي، بالإضافة إلى سفارات أخرى لدول عربية وإسلامية يقال إنها حليفة للغرب، مثل: ليبيا واليمن وجيبوتي والإمارات العربية المتحدة وتركيا، وغير ذلك من الدول.

كما أن الدور التركي المتصاعد في الصومال والذي تزامن مع المضاعفات السلبية لموجات الجفاف التي تأثرت بها الصومال في عام 2011 له أبعاد ودلالات ربما تشكّل تمهيدًا للاهتمام الغربي أو تكميلاً له بسبب  الهاجس الصومالي من القوى الغربية. وما يعزز ذلك هو أن الدور التركي تصاعد بشكل لافت مع انعقاد مؤتمر لندن حول الصومال مع ما يقال من أن الدول الغربية تتوجس وخاصة دول الاتحاد الأوروبي من الدور التركي في الصومال.

لماذا التوجه نحو الصومال؟

كان يُنظر لشرق إفريقيا في السابق على أنه منطقة متأخرة في مجال صناعة النفط، خصوصًا إذا قورنت بشمال إفريقيا وغربها الذاخريْن بموارد نفط وغاز كبرى. غير أن تلك النظرة تغيرت في السنوات الماضية؛ إذ بدأ عمالقة النفط الغربيون إلى جانب الصينيين في عمليات التنقيب والتنافس على الفوز بتراخيص في آخر جبهة نفطية بقارة إفريقيا. والصومال واحدة من الدول التي تتمتع باحتياطي نفطي كبير.

وعلى الرغم من أن الاهتمام الغربي بالصومال يعود إلى فترة الحرب الباردة عام 1979 حيث كانت الولايات المتحدة تدعم نظام زياد بري قبل أن يسقط في عام 1991 بعد أن وقّع أربع شركات نفط أميركية اتفاقيات مع نظام بري المخلوع حصلت من خلالها على امتيازات للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي واستخراجه إلا أن اندلاع الحرب الأهلية في 1991 حال دون تنفيذ تلك الاتفاقيات. ولم ينقطع الاهتمام الغربي منذ ذلك الوقت إلا أنه وصل ذروته مع بداية "المؤتمر الدولي حول الصومال" الذي عُقِد في لندن  في منتصف عام 2012؛  حيث وعدت فيه القوى الغربية بتأمين مساعدات مالية ووسائل لازمة لتنمية البلاد ومكافحة الإرهاب، وهو ما طرح عدة علامات استفهام مبهمة حول الاهتمام الغربي كان من بينها احتمال الحصول على النفط مما جعل أسال لعاب الشركات الغربية بغية الحصول على البترول في الصومال مستقبلاً.

فقد كشفت صحيفة "أوبزرفر" البريطانية أن بريطانيا منخرطة في مساع سرية عالية المخاطر لاستخراج النفط في الصومال، من خلال عرض مساعدات إنسانية وأمنية على الصوماليين للحصول على حصة من قطاع صناعة النفط في المستقبل.(4) ولعل ما أكدته إدارة المعلومات حول الطاقة في الولايات المتحدة -وهي وكالة رسمية معنية بجمع المعلومات حول الطاقة في كل أنحاء العالم- بوجود 200 مليار قدم مكعب من الاحتياطي المثبت من الغاز الطبيعي في الصومال يوضح رغبة أميركا في التفرد بموارد الطاقة في الصومال.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الاهتمام بالصومال مع أن جُلّ الدول في المنطقة يوجد فيها كنوز نفطية مثل أوغندا التي تتمتع باحتياطات قد توازي تلك التي في دول الخليج العربي بناء على نتائج سلسلة من الاختبارات التي أُجريت على عينات أُخذت من الآبار المحفورة، وكذلك كينيا التي أعلنت عن اكتشاف النفط  تحديدًا في إقليم (تركانا) إضافة إلى إثيوبيا التي تعج بهذه المادة السحرية؟

وللإجابة على السؤال نحاول أن نستشرف الاهتمام الغربي من خلال عدة عوامل ربما أسهمت في تزايد ذلك الاهتمام الغربي بالصومال مقابل تخليه أو تحفظه على حلفائه التقليديين في المنطقة:

  1. فقدان السيطرة: يبدو أن الغرب فقدَ سيطرته على تلك الدول نظرًا لتعدد اللاعبين في ظل التنافس الدولي في المنطقة بعد أن كان الغرب متحكمًا في جميع خيوط اللعبة بتلك الدول. خاصة وأنها كانت في الغالب صنيعة الغرب نفسه منذ الاستقلال السياسي الرسمي الذي نالته تلك الدول في منتصف القرن التاسع عشر كنظيراتها في القارة السمراء، لكن مع دخول الصين على الخط لم تستطع القوى الغربية أن تصمد أمام الصين التي وجهت بوصلة دبلوماسيتها تجاه هذه الدول خلال الأعوام الماضية لتحقيق أهدافها، حيث تزاحم الصين الغرب منذ ذلك الوقت في مستعمراته السابقة كدولة صاعدة في النظام الدولي لتكون القوة القطبية الثانية في مواجهة الولايات المتحدة والغرب أجمع. وهذا ما يقلق الولايات المتحدة بل هو من أشد بواعث القلق في واشنطن. فقد أقامت الشركة الوطنية الصينية العاملة للبترول CNOOC  التي تملكها الحكومة الصينية مشاريع استكشاف وتنقيب عن النفط والغاز في كل من تنزانيا وكينيا ومدغشقر وإثيوبيا. ولذلك فإن التحركات الصينية والانسجام التام من قبل تلك الدول جعل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لا تعوّل عليها لسببين رئيسيين، أولهما: التحرك الصيني الجديد والذي يعتمد على فكرة "التغيير الناعم" مع حلفاء الغرب التقليديين. وثانيهما: أن دول المنطقة تفضل التناغم مع الصين في ظل تغليب لغة المصلحة المتبادلة والاحترام والمساواة دون التدخل في شؤون الآخرين مع تبني منطق مختلف عن السياسة المالية الغربية في التعامل مع الدول. ولذلك فإن اهتمام الغرب بالصومال يأتي في إطار البحث عن بديل مناسب خال من أية منافسة من شأنها أن تهدد مصالحه المستقبلية.
  2. الخوف من سيناريو الصومال: هناك خوف متزايد من أن معظم الدول الحليفة للغرب في المنطقة في طريقها إلى حروب أهلية ونزاعات سياسية، وأنها ستمرّ بما مرّت به الصومال حيث يتخوف الجميع من حدوث صراع عِرقي في كينيا لاسيما وأن الأحداث التي أعقبت الانتخابات 2007 ما زالت ماثلة في الأذهان، وكذلك إثيوبيا التي يعيش فيها أكثر من 100 قومية عرقية فهي مرشحة أيضا لحرب أهلية. وفي ظل القبلية المتزايدة والحساسيات الطائفية في تلك الدول يبقى التنافس الإثني كامنًا تحت السطح وينتظر اللحظة المناسبة للانفجار؛ ولذلك فإن الغرب، وفي هذ الظرف تحديدًا، لا يريد أن يجازف بمصالحه في بلاد تتساوى فيها حسابات الربح والخسارة إذا ما جاء مكروه، وبالتالي فإنه يراهن على الصومال الذي يراه في طريقه للتعافي من تداعيات تلك المرحلة القاتمة التي قد تكون على موعد مع حلفائه التقليديين عاجلاً أو آجلاً.
  3. اهتمام استباقي: وبما أن الساحة الصومالية جزء لا يتجزأ من التنافس الغربي-الصيني على القارة الإفريقية فإن الغرب يريد أن يسبق المارد الصيني في الاستحواذ على امتيازات التنقيب عن النفط واستثمار الثروات الطبيعية في الصومال.
  4. التعامل مع مصدر المشاكل: يرى الغرب أن الإرهاب والجماعات المتطرفة قادمان من الصومال، مع ما يسيطر على الغرب من مخاوف من الابتعاد عن الصومال بما يمثله من ثقل لموقعه الاستراتيجي المتفرد في منطقة القرن الإفريقي الذي أصبح في الآونة الأخيرة ملاذًا آمنًا للجماعات المتطرفة التي تشكّل تهديدًا لمصالحه في المنطقة ولمصالح (إسرائيل) المتمثلة في التعاون مع دول المنبع بهدف التحكم بروافد النيل أولاً  وبغرض الضغط على الأمن المائي المصري والسوداني ثانيًا.

ولذلك، فإن الغرب أدرك أنه لا يمكن حماية هذه المصالح من تهديدات حركة الشباب الصومالية إلا بوجود حكومة صومالية قادرة على السيطرة على الأوضاع في الصومال والتعامل مباشرة مع مقديشو، والتخلي عن مبدأ الاعتماد على الوكلاء (إثيوبيا وكينيا) بعد أن كانتا الوكيل الغربي في الشؤون الصومالية حتى أصبحتا من أكثر دول الجوار تأثيرًا على المشهد السياسي الصومالي برمته.

وربما أدرك الغرب أيضًا أن الاعتماد على قوات هاتين الدولتين بالوكالة في الصومال أمر له تداعياته وتأثيراته السياسية وقد يخلق أخطارًا كبيرة تنعكس سلبًا على الجهود الدولية بإحلال السلام في الصومال من جهة، وأنهما (إثيوبيا وكينيا) لا يقدران على حماية أمنهما من حركة الشباب ناهيك عن حماية المصالح الغربية، لاسيما وأن الأخيرة أصبحت منغلقة بمشاكل أمنية منذ الهجوم الذي شنّته حركة الشباب في 21 من سبتمبر/أيلول 2013 على أكبر وأهم المجمعات التجارية في كينيا "ويست غيت". وهو ما استدعى عدم إفراط الغرب في الثقة في الحلفاء مقابل دعمه للجهود الصومالية-الصومالية، حتى يتمكن من الحفاظ على هذه المصالح.

في محصلة الأمر، يمكن أن نقول: إن التمثيل الدبلوماسي والانفتاح الدولي وتزايد البعثات الدبلوماسية، والاهتمام الغربي المفرِط بالصومال منذ "مؤتمر لندن" عام 2012 لحد تلويح بريطانيا بتأثر العالم ككل بمشاكل الصومال وضعف أمنه، فضلاً عن تهديدات أميركا بفرض عقوبات -منذ تلك الفترة- ضد كل من يعرقل العملية السياسية لأمر يعطي دليلاً واضحًا على أن الصومال خضع لمعايير ومعطيات حددتها الولايات المتحدة والغرب للوصول إلى إحكام السيطرة على هذا البلد من خلال إقامة علاقات قوية مع الحكومة الصومالية ومن ثم الاستفادة من خيرات الصومال.
_____________________________________
علي جبريل الكتبي - باحث في شؤون إفريقيا الشرقية والبحيرات العظمى

إحالات
1 - عبد الرحمن محمد حسين، الاعتراف الأميركي بالحكومة الصومالية وتأثيراته السياسية في المنطقة، مركز الجزيرة للدراسات.:
http://studies.aljazeera.net/reports/2013/02/20132269507408652.htm
2 - انظر: موقع الجزيرة عبر الرابط التالي:
 http://www.aljazeera.net/ebusiness/pages/d845f6bd-7acf-4e3f-811d-a2fad59f538c
3 - الأهرام، انظر الرابط التالي:
 . http://www.ahramdigital.org.eg/Policy.aspx?Serial=1320130
4 - القدس العربي، انظر الرابط التالي:
http://www.alqudsalarabi.info/index.asp?fname=data/2012/02/02-26/26qpt948.htm

نبذة عن الكاتب