العلاقات التركية-الروسية: مستقبل التعاون الاقتصادي والخلاف السياسي

تناقش هذه الورقة تطورات العلاقات التركية-الروسية من خلال قراءة مواقف تجاه قضايا الخلاف سياسيًّا ومستقبل العلاقات الاقتصادية، وتبحث علاقات تركيا مع كل من الولايات المتحدة في ضوء التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة.
201412111164626734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
عقد مجلس التعاون التركي-الروسي رفيع المستوى اجتماعه الخامس في أنقرة في الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي، وحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برفقة 10 من الوزراء الروس في ظل أجواء تفاؤلية على المستوى الاقتصادي وخلافية على المستوى السياسي.

تتناول هذه الورقة تطورات العلاقات التركية-الروسية من خلال قراءة مواقف البلدين تجاه الأزمتين السورية والأوكرانية وتطورات العلاقات الاقتصادية الثنائية من جهة وعلاقات تركيا مع كل من الولايات المتحدة وروسيا من جهة أخرى في ضوء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنقرة في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2014.

يثير التقارب التركي-الروسي في المجال الاقتصادي مخاوف واشنطن، خشية احتمال تطوره إلى صيغ سياسية في ظل محاولات روسيا لفرض أجندتها في عدة أزمات دولية. وفي الوقت ذاته ستعمل تركيا، التي تتحرك بنزعة استقلالية بشكل أكبر مما سبق، على ضبط علاقاتها وفق مصالحها السياسية والاقتصادية وهو ما يستدعي منها حسابات دقيقة في ظل السياسات الدولية المعقدة.

بعد تأسيس مجلس التعاون التركي-الروسي رفيع المستوى في 2010, شهد المجلس 4 لقاءات في كل من روسيا وتركيا, وقد عُقد الاجتماع الخامس في أنقرة في الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي حيث حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برفقة 10 من الوزراء الروس في رغبة مشتركة بتعزيز العلاقات اقتصاديًّا على الرغم من الخلافات الكبيرة سياسيًّا.

تاريخيًّا، تمتلك العلاقات التركية-الروسية سجلاًّ حافلاً, منذ أن خاضت الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية قرابة 17 حربًا بين عامي 1568 و1917, إلى أن ورثت كل من روسيا الاتحادية والجمهورية التركية العلاقات التاريخية بخلافاتها وتقارباتها(1).

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية انضمت تركيا رسميًّا إلى المعسكر الغربي من خلال عضويتها في حلف شمال الأطلسي، الناتو، عام 1952, وكان سبب الانضمام الرئيسي هو تأمين الحماية من أطماع وتوجهات الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، خاصة ما يتعلق بقضايا المرور من مضيق البوسفور وطلب إنشاء قواعد عسكرية مطلَّة عليه والتنافس على نقل بترول آسيا الوسطى.

وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، بقيت المنافسة بين البلدين مشتعلة لكنها اتخذت أشكالاً أكثر دبلوماسية, ومع مجيء حزب العدالة والتنمية إلى سُدَّة الحكم في 2002 وانتهاجه لسياسة تصفير المشكلات مع دول الجوار ومن ضمنها الدول المطلة على البحر الأسود كروسيا طرأ تحسن ملحوظ على العلاقات الثنائية(2).

ورغم وجود عدد من الخلافات الرئيسية بين الدولتين اللتين تعدان قوتين مؤثرتين بحكم التاريخ والجغرافيا والنفوذ والانخراط في الشؤون الدولية، إلا أن العلاقات بدأت تتخذ طابعًا تقاربيًّا أكثر فأكثر منذ 2004 حيث بدأ البعد الاقتصادي وتحديدًا في مجال الطاقة يلعب دورًا مهمًّا في التأسيس لعلاقات استراتيجية تقود لتقارب سياسي.

ومما يدل على ذلك أن تركيا قد التزمت الحياد قدر الإمكان عندما قامت القوات الروسية باجتياح جورجيا في 2008, كما لم تقم بالمشاركة في العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية التي بدأت في نهاية 2013 ولا تزال مستمرة إلى الآن.

وتقف بعض الملفات حجر عثرة أمام تقدم استثنائي في العلاقات، منها ما هو مرتبط بتحالفات البلدين مثل تحالف تركيا مع الناتو ومع الولايات المتحدة وتحالف روسيا مع إيران والنظام السوري, ومنها ما هو متعلق بمواقف البلدين من القضايا التي تمس الطرف الآخر مثل الدعم الروسي لليونان فيما يتعلق بالمشكلة القبرصية, والموقف الروسي من العلاقات التركية-الأرمينية, وكذلك الموقف التركي من الشيشان أو من الأزمات الحديثة في سوريا وأوكرانيا.

ومن جهة أخرى، يرى كل منهما في الآخر مستقبلاً مهمًّا في إطار الشراكة الاقتصادية وحتى في مجالات التعاون العسكري, والسؤال المطروح هنا: كيف ستؤثر تطورات قضايا الاقتصاد والطاقة في القضايا والمواقف السياسية؟

مواطن الخلاف

يوجد عدة قضايا تختلف بشأنها المواقف الروسية والتركية، منها الأزمة في سوريا وأوكرانيا وقبرص وكذلك السياسات تجاه الانقلاب في مصر, وفيما يلي محاولة لقراءة هذه الخلافات:

أولاً: الأزمة السورية
تعارض روسيا بشدة إسقاط نظام الأسد في سوريا وترى أنه صاحب السيادة والشرعية وترفض أي تدخل عسكري لإزاحته, وفيما يتعلق بتركيا فإن روسيا تعارض وتحذر تركيا باستمرار من عملية دعم المعارضة السورية.

وتقف روسيا سندًا دوليًّا للنظام السوري، وترى أن الأسد هو رئيس منتخب وتعمل على عدم تبني أي قرار ضده في مجلس الأمن، وقد صوَّتت روسيا بالفيتو ثلاث مرات لحماية النظام السوري(3).

وعلى النقيض، فقد قامت أنقرة بدعم المعارضة السورية المسلحة بعد فشل الجهود التي بذلها أحمد داود أوغلو في إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالقيام بإصلاحات, كما تطور الموقف التركي بدعوة الناتو لنشر صواريخ باتريوت كإجراء دفاعي بسبب الاشتباكات بين الثوار وقوات النظام على مقربة من الحدود التركية, وهي الخطوة التي رفضتها موسكو ورأت أنه لا مبرر لها.

وفي إطار السياسة التركية الراغبة في علاقة منطقية مع روسيا حرص أردوغان على طمأنة روسيا في رسالة تحمل نوعًا من التوضيح والندية قائلاً: "إن نشر الباتريوت لا يعني روسيا، ومن الخطأ أن تتدخل روسيا في شأن تركي داخلي، والصواريخ هدفها الدفاع عن أمن تركيا"(4).

ورغم الخلاف القوي بين البلدين في الملف السوري فإن الطرفين حرصا على عدم إغلاق قنوات الحوار بينهما واستمرت اللقاءات على عدة مستويات، وأكدت روسيا أن السبيل إلى تحقيق السلام في سوريا هو الالتزام ببنود بيان جنيف الصادر بشأن سوريا في 30 يونيو/حزيران 2012، كونه يوفر الآلية اللازمة لإنهاء حمامات الدم في سوريا وإقامة حوار وطني.

فيما قدمت تركيا مقترحات تقوم على تسليم الأسد للسلطة وتشكيل حكومة ذات صلاحيات واسعة, وأعلن بوتين في السابق أن "روسيا جاهزة لمناقشة الاقتراحات الهادفة لإنهاء العنف في سوريا"، لكن يبدو أن جاهزية روسيا فقط للمناقشة وليس للقبول بالمقترحات التركية فهي مصممة على مواقفها(5).

وانطلاقًا من قناعة روسيَّة بأن الربيع العربي لم يعد مؤثرًا فمن المرجح أن تطلب روسيا مجددًا من تركيا أن تقوم بمراجعة سياساتها الخارجية تجاه سوريا.

ومن الملاحظ أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنقرة جاءت بعد زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى موسكو في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014؛ حيث أشار الأخير إلى وجود دور تآمري تلعبه تركيا ضد النظام السوري، فيما نقل المعلم عن بوتين قوله إنه مصمم على دعم سوريا والأسد ضد الإرهاب. وفي هذا السياق فإنه من المؤكد أن ما حمله المعلم من دمشق تمت مناقشته في أنقرة وهو ما صرَّح به يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي قبل الزيارة(6).

أما بعد الزيارة فقد حمَّل أردوغان الأسد المسؤولية الكاملة عما يجري في سوريا ومقتل 300 ألف سوري، وقال بصراحة: إن هناك اختلافًا مع روسيا فيما يتعلق بحل الأزمة السورية, فيما كانت لهجة بوتين أكثر هدوءًا حيث أوضح أن روسيا أوضحت للقيادة السورية ضرورة وقف سفك الدماء فيما دعا بوتين لحلول مقبولة لدى جميع فئات الشعب السوري(7).

وبعد فشل جنيف 2 يحاول كل من روسيا وتركيا فرض رؤيتهما، ويبدو أن السجال سيستمر لكن المؤكد أن أنقرة منذ عام 2003 لا تُبدي أي تساهل في القضايا التي تتعلق بالأمن التركي المباشر.

وتشير مصادر صحفية إلى أن وزير الخارجية الروسي بعد مناقشة ما نجم عن لقائه مع وزير الخارجية السوري مع الأتراك عرض على أنقرة عقد مؤتمر موسكو 1 بدل جنيف 3, فيما لم يتبين رد أنقرة على هذا العرض(8).

ثانيًا: الأزمة الأوكرانية
يتمثل الموقف التركي الأوَّلي من الأزمة الأوكرانية، بعد قيام قوات عسكرية روسية بدخول شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014، في الدعوة لحل الأزمة الأوكرانية من خلال اتحاد سياسي داخلي وتطبيق حزمة إصلاحات اقتصادية شاملة. ويأتي موقف أنقرة في عدة نقاط رئيسية، هي:

  1. إعلان الوقوف الكامل مع وحدة الأراضي الأوكرانية وضد أي تدخل روسي؛ وهو ما شكَّل موقفًا استباقيًّا حاسمًا ضد التدخل الروسي في أوكرانيا التي ترى فيها تركيا منطقة عازلة طبيعية مع روسيا.
  2. العمل بكل قوة لمساندة التواجد التاريخي لتتار القرم(9).
  3. العمل على عدم تحويل القرم لساحة تصارع القوى العالمية(10).

في الوقت ذاته يتقيد الموقف التركي بعدة قيود، منها:

  1. اعتماد تركيا على روسيا في الحصول على ما يقرب من نصف وارداتها من الغاز الطبيعي.
  2. 12% من الواردات النفطية أيضًا من روسيا.
  3. مخاوف تركيا التاريخية من الروس, ومن تحول المنطقة لساحة صراع تجعل الرد التركي على السلوك الروسي أقرب إلى التعامل الهادئ وإلى اعتماد الموازنات التي ترجِّح المصلحة التركية.

تقوم عملية الموازنة التركية على تواجد أنقرة في حلف شمال الأطلسي الناتو من جهة ومن توقيعها لاتفاقية مونترو عام 1936 التي تضع قيودًا على وصول قوى غير ساحلية إلى البحر الأسود عبر المضائق التركية من جهة أخرى(11).

(المصدر: قناة روسيا اليوم، طي السيل الجنوبي وبدء الندم الأوروبي, 3 ديسمبر/كانون الأول 2014)

ومن هنا، جاء الموقف التركي غير الملزم بمشاركة الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا؛ فتركيا ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي من جهة ولا تنوي فرض عقوبات على روسيا حيث إن موقفها الحالي يوفر لها فرصًا اقتصادية كبيرة مع روسيا.

فقد أوقفت روسيا استيراد المواد الغذائية من أوروبا بسبب العقوبات المفروضة عليها جرَّاء الأزمة الأوكرانية, وفتحت الباب أمام الاستيراد من تركيا إلا أنه وبعد مرور ثلاثة أشهر على هذا لم يشعر الأتراك بتحسن ملحوظ في مجال التصدير إلى روسيا بسبب وجود بعض العوائق التجارية وهو ما كان محل نقاش في اجتماع أنقرة(12).

وتقول الخبيرة التركية حبيبة أوزدال: إن ثلثي حجم التبادل التجاري بين البلدين يُدفع ثمنًا لموارد الطاقة التي تستوردها تركيا من روسيا؛ لذا فإن هذا يُعد اختلالاً كبيرًا؛ لهذا فإن تركيا تنظر إلى عدم انخراطها في العقوبات الأوروبية كفرصة لتعديل ميزان المبادلات التجارية فضلاً عن أن أوروبا لم تطلب ذلك من تركيا(13).

ويبدو الموقف التركي من الأزمة الأوكرانية شبيهًا بالموقف من الغزو الروسي لجورجيا في 2008 ويميل إلى الحل عبر طرق الحوار والتفاهم وينبني على أولويات المصالح التركية, لكنه في ذات الوقت يصدر تحذيرات بشأن التوسع الروسي.

ثالثًا: الانقلاب العسكري في مصر
لا يخفى على أحد طبيعة السياسة شديدة اللهجة التي تنتهجها الحكومة التركية تجاه الانقلاب في مصر حيث يتلخص موقف الحكومة التركية بالآتي:

  1. ما جرى في مصر هو انقلاب عسكري مرفوض ولا يمكن السكوت عنه.
  2. إبقاء مصر على المسار الديمقراطي مصلحة دولية وأمر ضروري للمنطقة وللعالم.
  3. التأكيد على الموقف المبدئي من الانقلاب وحثُّ المجتمع الدولي لنبذه من أجل تكريس عزلته الإقليمية والدولية ونزع الشرعية عنه(14).

وعلى الطرف النقيض ترى روسيا الأمر من زوايا أخرى، فلا مانع لديها من توثيق علاقاتها مع النظام الجديد في مصر الذي يشتكي من تهميش أميركي بل وتستعد موسكو لملء الفراغ بما يتوافق مع مصالحها؛ فقد استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرًا, وتم توقيع عدة اتفاقيات ثنائية في المجالات العسكرية والاقتصادية, كما من المقرر وفق مصادر روسية أن يقوم بوتين بزيارة مصر في مطلع 2015.

ويُعتقد أن روسيا تستخدم علاقاتها مع النظام في مصر لإثبات عدم نجاح الربيع العربي ذلك لأن نجاح الثورة في مصر يعني تشجيعًا لنجاحها في سوريا وليبيا وهو ما لا تريده روسيا وتعمل على إقناع تركيا بهذه الأفكار من أجل أن تقوم الأخيرة بتغيير سياساتها الحالية تجاه سوريا.

وتبدو تركيا مصممة على موقفها, وكعادته أكد أردوغان في المؤتمر الذي جمعه بالرئيس الروسي أن محمد مرسي هو الرئيس الشرعي لمصر وأنه لا يؤيد وجهة النظر الروسية بشأن مصر, وقد أدَّى هذا التصريح لإدانة سريعة من الخارجية المصرية(15).

رابعًا: أزمات أخرى
تتربع الأزمة السورية تليها الأزمة الأوكرانية على رأس أجندة الخلافات بين البلدين فيما تبقى هناك بعض القضايا الأخرى العالقة بينهما مثل الأزمة القبرصية حيث تدعم روسيا حكومة قبرص اليونانية ضد قبرص التركية، لأسباب استثمارية. وقد رحبت موسكو بضم قبرص اليونانية للاتحاد الأوروبي، ولكن عبء العلاقة الروسية بقبرص اليونانية لا يبدو أنه يثير قلقًا تركيًّا كبيرًا بل على العكس أصبح وضع قبرص المتدهور اقتصاديًّا يعتبر أحد أسباب حماس روسيا المتزايد للاستثمار في تركيا(16).

ويوجد عدد آخر من المشكلات في البلقان والقوقاز كالمواقف المختلفة تجاه كوسوفا وجورجيا والدعم الروسي لأرمينيا في صراعها مع أذربيجان التي تدعمها تركيا, وخلافات متعلقة بإمدادات الطاقة من وسط آسيا, لكن هذه المشكلات لا تبدو عائقًا كبيرًا أمام الحوار الثنائي وتكوين العلاقة الاستراتيجية.

مواطن التقارب الرئيسية بين البلدين

تكررت الزيارات المتبادلة والدافئة بين زعماء البلدين لأكثر من 10 مرات في الأعوام القليلة الماضية، وقد تكونت علاقة جيدة بين كل من أردوغان وبوتين حتى إن بوتين كان أول رئيس دولة يُستقبَل في القصر الرئاسي الجديد بعد زيارة البابا فرانسيس له, ولكن المسار الاقتصادي يعد الرافد الأول لعملية التقارب الروسية-التركية والركن الذي يمنع من تأزم العلاقات أو تدهورها بشكل دراماتيكي, وتكمن أهمية هذا المسار في عدة نقاط رئيسية:

1. تُعتبر روسيا أهم مورِّد للغاز الطبيعي لتركيا.

2. تمثل تركيا سابع شريك تجاري لروسيا وثاني أكبر أسواق التصدير بعد ألمانيا.

3. تركيا هي الوجهة الأولى للسياح الروس؛ حيث يصل تركيا 5 ملايين سائح روسي سنويًّا. 

4. وجود مستقبل لتبادل تجاري استراتيجي بين الطرفين.

م

السنة

حجم التبادل التجاري

1

2004

11 مليار دولار

2

2008

37.8 مليار دولار

3

2009

21 مليار دولار

الانخفاض بسبب الأزمة المالية العالمية

4

2012

34.2 مليار دولار

5

2013

33 مليار دولار

6

2014

32-33 مليار دولار

7

2020

الهدف 100 مليار دولار

ملاحظة : تم تمديد الوصول إلى 100 مليار كهدف من 2015 إلى 2023

5. وجود تعاون كبير في مجال الطاقة الكهربائية.

6. ستشارك روسيا في بناء أول محطة نووية في تركيا في مدينة مارسين، والتي من المقرر أن تدخل الخدمة في 2019.

7. عدد الشركات التركية التي تعمل في روسيا 140 ألف شركة، منها 150 شركة تعمل في قطاع الإنشاءات, كذلك يعمل عدد من الشركات الروسية في تركيا تحديدًا في مجال الحديد والصلب.

8. وجود تعاون نشط في مجالي بناء سفن الشحن والنقل البحري.

9. توقيع أكثر من 60 اتفاقية في مجالات التعاون المختلفة(17).

وبالرغم من إيجابية الوضع الاقتصادي إلا أن هناك بعض العقبات على نفس الصعيد فتركيا مثلاً تريد ضمانات على استمرار تدفق الغاز دون تخفيض الكمية، كما تريد تخفيض سعر المتر المكعب؛ وفي هذا السياق تم تخفيض كمية الغاز المتدفق من أحد الخطوط خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2014 من 42 إلى 28 مليون متر مكعب وهو ما أدى لقلق تركي غير أن التدفق عاد لمستواه الطبيعي بعد زيارة بوتين الأخيرة لتركيا, ويُذكَر أن تركيا تستورد سنويًّا 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا عبر الخط البحري(18).

ومن المزايا التي تحصلت عليها تركيا خلال زيارة بوتين تخفيض سعر المتر المكعب من الغاز بنسبة 6% اعتبارًا من مطلع يناير/كانون الثاني 2014, كما جرى حديث عن إمكانية زيادة نسبة التخفيض في سعر الغاز لتصل إلى 15%.

يُشار هنا إلى أن روسيا تستخدم سلاح الغاز بشكل فعَّال خاصة بعد إلغائها مشروع السيل الجنوبي الهادف لنقل الغاز إلى عدة دول أوروبية، مثل: بلغاريا والنمسا وصربيا والمجر وسلوفينيا عبر البحر الأسود بسبب الموقف الأوروبي بفرض عقوبات على روسيا؛ حيث تضررت مصالح الدول الأوروبية المذكورة وتكبدت خسائر تصل إلى مليار يورو كما في حالة بلغاريا مثلاً.

ويعني ما سبق أن عدم بدء مشروع السيل الجنوبي يعني أن كميات الغاز الروسية ستوزع على المشاريع الأخرى، وبالتالي ستكون تركيا من أول المستفيدين من هذا القرار. 

?ekil 1 الخط المفترض للسيل الجنوبي (المصدر: قناة روسيا اليوم، طي السيل الجنوبي وبدء الندم الأوروبي, 3 ديسمبر/كانون الأول 2014)

كما أن المقترح البديل هو الاعتماد على خط السيل الأزرق الموجود وبناء خط السيل الأزرق 2 بنفس طاقة المشروع المُلغَى عبر البحر الأسود إلى سامسون التركية ثم بريًّا إلى أنقرة؛ ومن هناك يتجمع عند الحدود التركية-اليونانية، وتتحول أنقرة بذلك إلى بوابة شرقية لصادرات الغاز الروسي إلى أوروبا وهو ما يعزز موقف تركيا التي هي في حِلٍّ من قوانين الاتحاد الأوروبي. كما يتحدث بعض الخبراء عن إمكانية إنشاء مصنع مشترك في تركيا على ساحل المتوسط لتصدير الغاز المسال لكافة دول أوروبا(19).

?ekil الخط المفترض مع تركيا نفس ممر خط السيل الأزرق. (المصدر: قناة روسيا اليوم، طي السيل الجنوبي وبدء الندم الأوروبي, 3 ديسمبر/كانون الأول 2014)

وعدا الخلافات حول تمديدات الغاز من أذربيجان إلى أوروبا يوجد بعض العقبات التجارية وفي المجال السياحي، وبعد إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين تسمح تركيا للسائحين الروس بالمكوث في تركيا مدة شهرين دون الحاجة لتصاريح بينما تسمح روسيا للأتراك بشهر واحد فقط, ومن المرجح أنه تم مناقشة هذه الموضوعات وتم العمل على إيجاد حلول مقبولة لها.

ويمكننا أن نلخص ثمار لقاء المجلس الأعلى للتعاون التركي-الروسي في مطلع ديسمبر/كانون الأول الحالي بما يلي:

  1. استمرار الخلاف في الرؤى فيما يتعلق بالأزمة السورية والموقف من الانقلاب العسكري في مصر، وكذلك أزمة القرم, لكن هناك مؤشرات لوضع مقاربة روسية-تركية مشتركة تجاه الأزمة السورية.
  2. الاتفاق على التعاون لمحاربة "الإرهاب".
  3. توقيع مذكرة تفاهم بين وكالة الطاقة الروسية ووزارة الطاقة التركية لتطوير تكنولوجيات مصادر الطاقة المتجددة.
  4. زيادة العمل في محطة الطاقة في "أك كويو" في تركيا.
  5. الاتفاق على زيادة التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول 2023. وهذه هي المرة الثانية التي يتم تأجيله فيها من 2015 إلى 2020 ثم 2023. ويرجع هذا للخلاف على استخدام العملات المحلية.
  6. زيادة القدرة التمريرية لخط أنابيب السيل الأزرق بمقدار 3 مليارات متر مكعب.
  7. خفض أسعار الغاز بنسبة 6%، والاستعداد الروسي لبناء خط أنابيب آخر تلبية لاحتياجات الاقتصاد التركي.
  8. موافقة روسيا على اعتماد اللغة التركية التترية لغة رسمية في جزيرة القرم.

ومما سبق، وبالرغم من وجود بعض الخلافات البسيطة في المجال الاقتصادي، يُلاحَظ طغيان التوافق في المسائل الاقتصادية على المسائل السياسية الخلافية؛ وهو ما يؤكد أن التفاعل الاقتصادي هو الذي يفرض الجزء الأكبر من محددات العلاقة بين البلدين.

تركيا بين روسيا والغرب

تشعر واشنطن بالقلق البالغ من السياسة التركية الحالية لعدة أسباب، منها: اختلاف الرؤى حول التعامل مع الأوضاع في سوريا والعراق وتقارب تركيا من روسيا اقتصاديًّا, ومحاولات تركيا لملء الفجوة التجارية التي حدثت بعد العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي مؤخرًا على روسيا.

وقد قدَّم معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط توصيات للسياسة الأميركية بعد الأزمة الأوكرانية ترتكز على حثِّ الولايات المتحدة على العمل مع تركيا بكثافة من منطلق التركيز على طموحات روسيا كخطر مشترك على تركيا والولايات المتحدة وتحديدًا فيما يتعلق بحقوق تتار القرم, وضرورة المشاورات مع تركيا كحليف وممر لإيصال القوات الأميركية للبحر الأسود, وأما المرتكز الآخر فهو مبني على التوجس من رؤى حزب قيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا التي تبدو غير منسجمة مع الغرب وتشترك مع روسيا في هذه النظرة فضلاً عن الإشارة إلى خطر تزايد توثيق العلاقة بين تركيا وروسيا لأسباب أيديولوجية وتاريخية واستراتيجية فضلاً عن أسباب تتعلق بالطاقة(20).

على طرف المعادلة الآخر فإن موسكو سياسيًّا تُبدي اهتمامًا كبيرًا بنزعة الاستقلالية في السياسة الخارجية التركية عن الولايات المتحدة، وقد تنبهت موسكو لهذا منذ أن رفض البرلمان التركي السماح باستخدام الأراضي التركية لغزو العراق في 2003, كما أن عدم دعم تركيا المباشر للعقوبات ضد روسيا بعد الأزمة الأوكرانية واختلافها مع واشنطن تجاه الوضع في سوريا يؤكد نزعة الاستقلالية.

ويضاف لهذا تطوير علاقات تركيا مع روسيا في مجال الاقتصاد الذي تنظر فيه روسيا بشغف لما توفره تركيا من فرص بديلة لها في ظل العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا وتعطل عدد من الاتفاقات الاقتصادية بسبب التخوفات من استعادة النفوذ الروسي على دول أوروبا الشرقية, وكما تلعب روسيا على وتر تعثر انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وملفات أخرى, لكن لا ينبغي إغفال أن الخلاف مع روسيا تجاه الوضع في سوريا تحديدًا هو خلاف مبدئي بل ويتخذ صفة العداء غير المباشر من خلال دعم الأطراف المتصارعة أما الخلاف مع واشنطن فهو على طريقة وآليات الحل, وهو ما تدركه واشنطن وتحاول أن تستفيد منه.

لهذه الأسباب يُبدي كل من واشنطن وموسكو اهتمامًا متزايدًا بأنقرة، وقد حطَّ جو بايدن نائب الرئيس الأميركي في إسطنبول قبل زيارة بوتين بأيام قليلة مشاركًا في قمة الاقتصاد والطاقة للمجلس الأطلسي موجِّهًا سهام انتقاده لروسيا بأنها تنتهك القوانين الدولية وقوانين التجارة من خلال استخدامها للطاقة كأداة لسياستها الخارجية(21).

كما أن الولايات المتحدة أبدت عدة خطوات تقاربية خلال الشهر الماضي تجاه تركيا فيما يتعلق بمجال الطاقة من ضمنها التوقيع على اتفاقية تفاهم تقوم الولايات المتحدة من خلالها بتزويد تركيا بالطاقة، كما طُرح للنقاش ملف إمكانية إنشاء الولايات المتحدة لمحطة طاقة نووية في تركيا؛ وتبدو هذه الفكرة في إطار طرح واشنطن نفسها كبديل عن المشاريع الروسية في تركيا(22).

ومن الممكن أن يدخل الاتحاد الأوروبي على خط العلاقة التركية-الروسية مطالبًا تركيا بالمشاركة في العقوبات على روسيا وهو ما قد يعقِّد الأمور على تركيا من جهة, وقد يسهِّلها من جهة أخرى إذا ما قدم الاتحاد الأوروبي لتركيا البدائل والضمانات المناسبة, ولعل السلوك التركي الحالي معني فعلاً بإرسال رسائل ضمنية إلى أوروبا غير المهتمة مؤخرًا بأهمية دخول تركيا للاتحاد الأوروبي.

ويدلِّل على صحة ما نقول تصريح نائب رئيس المفوضية الأوروبية فيدريكا موغريني بعد زيارة بوتين بعدة أيام "إن العضوية الدائمة لتركيا في الاتحاد الأوروبي ستكون على رأس أولويات المفوضية في الفترة المقبلة", فيما أعلنت عن زيارة قريبة لها لأنقرة(23).

ستحرص تركيا على إدارة سياساتها وفق النهج التعاوني والابتعاد قدر الإمكان عن النهج التصارعي وهو ما يتطلب منها حسابات موزونة ودقيقة لتحقيق مصالحها وتأمين استقرارها بين روسيا والغرب في ظل الحديث عن عودة الحرب الباردة من جديد، وفي ظل نزعة استقلالية تركية متزايدة.

يبقى أن نضيف أن الوضع الحالي لتركيا -وإن كانت ما زالت أقرب إلى المعسكر الغربي- يمكِّنها من لعب دور جيد في الظهور كقوة أكثر استقلالية يمكن أن تلعب دورًا في الدعوة لحل الخلافات من خلال الحوار والقيام بنوع من الوساطة بين روسيا والغرب خاصة فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية, كما يمكنها العمل على تحقيق أكبر قدر من المكاسب حيث يصنع الوضع الحالي لأنقرة فرصًا اقتصادية جديدة ومميزة.

أما على صعيد العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا فإنه لا يُتوقَّع أن تتغير قناعات البلدين تجاه مواطن الخلاف بينهما لكنهما سيعملان من خلال اللقاءات على فتح آفاق أكبر للحوار بكل جد من أجل ألا تتأثر مواطن الالتقاء والاتفاق.
_______________________________________
محمود سمير الرنتيسي - باحث في مجال العلاقات الدولية

المصادر والهوامش
1-  علي باشاران, العلاقات التركية-الروسية, 2012, معهد أنقرة للدراسات الاستراتيجية،
http://www.ankarastrateji.org/misafir-yazar/turk-rus-iliskileri-tarihinden-sanghay-isbirligi-orgutune-bakis-4/
2- المرجع السابق.
3- محمد طلعت, العلاقات الروسية-التركية: مجالات التقارب وقضايا الخلاف, مجلة رؤية تركية, صيف 2013, مركز الدراسات السياسية والاقتصادية سيتا.
4- محمد نور الدين, حرب باردة بين تركيا وروسيا, 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2012, صحيفة السفير،
http://m.assafir.com/content/1353720668281733200/first
5- محمد طلعت, العلاقات الروسية-التركية: مجالات التقارب وقضايا الخلاف, مرجع سابق.
6- الأزمة السورية على رأس مواضيع مباحثات بوتين في تركيا, وكالة RT , 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
http://arabic.rt.com/news/766290-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AD%D8%AB%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7/
7- وكالة الأناضول, أردوغان: نختلف مع روسيا في حل الأزمة السورية, 1 ديسمبر/كانون الأول2014.
8- صحيفة الحياة, تركيا خائبة من آفاق تعاونها مع روسيا, 3 ديسمبر/كانون الأول 2014.
9- تتار القرم هم مجموعة عِرقية تركية تتمتع بحكم ذاتي في شبه جزيرة القرم, عددهم أكثر من 2 مليون نسمة, ويشكِّلون قرابة 15% من سكان الجزيرة ويتمتعون بتعاطف أخوي من الرأي العام التركي, ويُذكَر أن الجزيرة كانت ضمن أراضي الدولة العثمانية في السابق وشهدت معارك ضارية مع الإمبراطورية الروسية.
10- محمد زاهد غول، إسماعيل شكشك, الدبلوماسية التركية تنشط في الدفاع عن تتار القرم, العربي الجديد, 3 مارس/آذار 2014،
http://www.alaraby.co.uk/politics/ac27618d-7bbd-4514-8c72-82e2dafc57b2
11-  تضع هذه المعاهدة قيودًا على الحقوق الملاحية للأساطيل الخاصة بالدول غير الساحلية في البحر. وعلى عكس معاهدات ما بعد الحرب العالمية الأولى، التي قيَّدت سيطرة تركيا على المضايق التركية، فإن معاهدة 1936 منحت تركيا بعض المزايا؛ حيث أتاحت لها عسكرة المضايق وإدارة الحركة الملاحية إلى داخل المضايق وخارجها. ويبلغ حد الوزن المسموح به للدول غير الساحلية للإبحار في البحر الأسود قدرًا ضئيلاً لا يتجاوز 15000 طن، مما يحدُّ من تواجد قوات بحرية إلى سفينتين أو ثلاث سفن حربية. وإذا ما حاولت الولايات المتحدة أو حلف "الناتو" تسيير دوريات بشكل نشط ومتكرر في البحر الأسود لردع السياسات الروسية، فإن التطبيق القوي لـ"اتفاقية مونترو" من جانب أنقرة سوف يكون له تأثير على مرونة تلك العمليات(المصدر: معهد واشنطن للسياسات).
12-  FARUK AKKAN, Putin’s Turkey visit, Today zaman , 23112014.
http://www.todayszaman.com/anasayfa_putins-turkey-visit-cooperation-in-trade-discord-in-foreign-policy_365077.html.
13-  أليونا بالاجتشينكو, تركيا لا تنوي فرض عقوبات على روسيا الاتحادية, ريا نوفوستي, 11 أغسطس/آب 2014،
http://arab.rbth.com/economics/2014/08/11/27649.html
14- محمود الرنتيسي, مصر وتركيا: سيناريو العلاقات بعد فوز السيسي, مركز الجزيرة للدراسات, 2014،
http://studies.aljazeera.net/reports/2014/06/201463082151704148.htm
15- مصر تستهجن تدخل أردوغان في شؤونها, الجزيرة نت, 2 ديسمبر/كانون الأول 2014.
16- مركز الجزيرة للدراسات, تركيا وروسيا: تقارب اقتصادي وتباعد سياسي, تقدير موقف, 2013، مركز الجزيرة للدراسات،
http://studies.aljazeera.net/positionestimate/2013/04/201343093328393480.htm
17- محمد طلعت, مرجع سابق.
18- Anadolu ajansi, Russian gas to Turkey via West Line falls by 40 percent, 20112014.
http://www.aa.com.tr/en/economy/423438--atlantic-council-energy-and-economic-summit-2014-begins
19- ديمتري ألكسندروف (خبير في شركة أونيفير كابيتال), حديث لقناة RT, 3 ديسمبر/كانون الأول 2014.
20- سونر چاغاپتاي وجيمس جيفري, ردود فعل تركيا الخافتة على أزمة جزيرة القرم, المرصد السياسي 2219, 4 مارس/آذار 2014،
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/turkeys-muted-reaction-to-the-crimean-crisis
21- صحيفة حرييت, روسيا لم تلعب اللعبة بشكل صحيح, 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2014،
http://www.hurriyet.com.tr/ekonomi/27633435.asp
22- Anadolu ajansi, Russian gas to Turkey via West Line falls by 40 percent, 20112014.
http://www.aa.com.tr/en/economy/423438--atlantic-council-energy-and-economic-summit-2014-begins
23- باريش ستشكين, عضوية تركيا على رأس أولويات المفوضية الأوروبية, وكالة الأناضول, 7 ديسمبر/كانون الأول 2014.

نبذة عن الكاتب