مفاوضات النووي الإيراني.. "اتفاق" أم "تفاهم سياسي"؟

تناقش هذه الورقة مستقبل محادثات النووي الإيراني؛ حيث تنتهي المهلة المعطاة لأطراف التفاوض مع نهاية مارس/آذار من هذا العام لإبرام اتفاق سياسي، يليه اتفاق نهائي يحدد التفاصيل التقنية الأخيرة، ويبرم قبل الأول من يوليو/تموز القادم.
25 فبراير 2015
20152258239832734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تناقش هذه الورقة مستقبل المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي؛ حيث تنتهي المهلة المعطاة لأطراف التفاوض مع نهاية مارس/آذار من هذا العام لإبرام اتفاق سياسي، يليه اتفاق نهائي يُحَدِّد التفاصيل التقنية الأخيرة، ويُبْرَم قبل الأول من يوليو/تموز القادم. بدوره أرسل مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي إشارات باستعداده لـ"قبول اتفاق نووي جيد"؛ لكنه أستبعد الموافقة على اتفاق بمرحلتين؛ وللخروج من مأزق المرحلتين راحت الخارجية الإيرانية تتحدَّث عن "تفاهم سياسي" بدل "اتفاق سياسي"، ومن المنتظر أن يُمَهِّد هذا "التفاهم السياسي" لاتفاق شامل يتمُّ الإعلان عنه قبل الأول من يوليو/تموز 2015.

تضع هذه الورقة ثلاثة سيناريوهات لمستقبل المفاوضات النووية؛ هي:

  • الوصول إلى اتفاق شامل على العموميات والتفاصيل؛ وذلك ضمن سقف زمني لا يتجاوز نهاية مارس/آذار 2015، ولا يحمل هذا السيناريو إمكانيات نجاح عالية؛ خاصة مع الإصرار الإيراني على رفع العقوبات الاقتصادية بصورة كاملة.
  • فشل المفاوضات: أن تصرَّ الولايات المتحدة على موقفها بضرورة الوصول إلى اتفاق سياسي في مارس/آذار يُبَيِّن الإطار الكلي للاتفاق الشامل دون حسم للجزئيات، وهو ما تُعارضه إيران ورفضه خامنئي بصورة صريحة؛ فستواجه المفاوضات فشلاً سيكون له تبعات كثيرة من أبرزها أن تستأنف إيران تخصيب اليورانيوم بدرجة 20%، كما ستكون إيران على موعد مع دورة جديدة وأكثر صرامة من العقوبات الاقتصادية.
  • أن تتجاهل الولايات المتحدة الأميركية نهاية مارس/آذار كموعد نهائي؛ مما يفتح الباب لاستمرار المحادثات لتدوين اتفاق شامل حتى يونيو/حزيران من هذا العام. ويبدو هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا وأكثر واقعية؛ خاصة أن كافَّة الأطراف لا ترغب في العودة بالمفاوضات إلى ما قبل اتفاق جنيف المؤقت.

تُشير تركيبة الفريق التفاوضي الإيراني في المحادثات التي جرت بين وفدي إيران والولايات المتحدة في جنيف يوم السبت الماضي إلى أن لحظة اتخاذ القرار بشأن البرنامج النووي الإيراني قد اقتربت؛ وضم الفريق الإيراني وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والمستشار الخاص للرئيس الإيراني حسن روحاني وشقيقه حسين فريدون، ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على أكبر صالحي، ويشير إشراك صالحي إلى أن المباحثات وصلت إلى مستوى يحتاج لاتخاذ القرار على مستوى عال، وهو ما تُؤَكِّده تصريحات ظريف.

وخلال الأسابيع الماضية تبادل الطرفان تصريحات يُدافع كل طرف فيها عن موقفه وما قدَّمه؛ حيث صرَّح الرئيس الأميركي باراك أوباما: "إن تمديد مهلة التفاوض للتوصُّل إلى اتفاق مع إيران ليس مفيدًا؛ فالتوصُّل إلى اتفاق مرهون بوجود إرادة سياسية لدى الإيرانيين"(1). وردَّ عليه الرئيس الإيراني حسن روحاني بـ: إن إيران "اتخذت الخطوات اللازمة، وتابعت المفاوضات بشأن التوصُّل إلى اتفاق حول الملف النووي بشكل جدي، وأن مسار المحادثات بات في عهدة الطرف الغربي الآن، ولابُدَّ للأطراف المقابلة لإيران أن تغتنم الفرصة"(2). وما بين الحثِّ الأميركي للطرف الإيراني على امتلاك "إرادة سياسية" وبين إلقاء الإيرانيين للكرة في ملعب إدارة أوباما، ودعوة المفاوض الغربي لـ"اغتنام الفرصة"، تتصاعد حالة الجدل في الساحة الإيرانية بشأن ما يجب أن تقبل به إيران أو ترفضه.

ويبدو أن مساحة التحرُّك التي أُعطيت للمفاوض الإيراني خلال الفترة الماضية بدأت تضيق؛ خاصة مع التذكير الدائم بأن "الوفد المفاوض الإيراني يستمرُّ في محادثاته وفق طريق رسمه ووافق عليه المرشد"(3)، وبعد تأكيدات خامنئي برفض اتفاق على مرحلتين الأولى للأصول والكليات والثانية للجزئيات، بات احتمال التوصُّل إلى اتفاق شامل مع نهاية شهر مارس/آذار من هذا العام ضئيلاً، وللخروج من هذا المأزق بدأت الخارجية الإيرانية تتحدَّث عن "تفاهم سياسي" بدل "اتفاق سياسي"(4) سيتم إنجازه في شهر مارس/آذار تمهيدًا للدخول في الجزئيات، والوصول إلى اتفاق شامل في يونيو/حزيران من هذا العام.

تناقش هذه الورقة السيناريوهات المحتملة لمستقبل المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 بشأن برنامج إيران النووي؛ حيث تنتهي المهلة مع نهاية مارس/آذار من هذا العام لإبرام اتفاق سياسي، يليه اتفاق نهائي يُحَدِّد التفاصيل التقنية الأخيرة، ويُبْرَم قبل الأول من يوليو/تموز القادم.

المرشد: إشارات بتغيير مسار التفاوض

مؤخَّرًا أرسل مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي رسائل واضحة بأنه على استعداد للقبول باتفاق نووي شامل؛ لكنه اشترط أن يكون "اتفاقًا جيدًا"؛ فهو لن يوافق على "الاتفاق السيئ"(5)، وعلى الرغم من إشادته بفريق التفاوض الإيراني؛ فإن تصريحات خامنئي الأخيرة تُشير إلى قرار من جانبه بإحداث تغيير في مسار التفاوض، وهو المسار الذي حمل خلال الفترة الماضية ملامح، أبرزها:

  • اعتماد مبدأ الفصل بين الاتفاق السياسي على الأصول العامة والاتفاق على الجزئيات.
  • لم يكن أمام فريق التفاوض الإيراني من خيار سوى القبول بجدول زمني طويل الأجل لتعليق العقوبات.
  • تشكَّلت قناعة لدى الأطراف الغربية بأن إيران لا تملك سوى الاستمرار في التفاوض والقبول باتفاق حتى لم يلبِّ مطالبها.

إن أبرز ما يُشير إليه التصريحات الأخيرة لخامنئي ويحمل مؤشِّرات على تغيير في مسار التفاوض؛ هو:

  • لا فصل بين الاتفاق على الكليات والتفاوض بشأن الجزئيات، وما يُطْرَح من كلام حول اتفاق ذي مرحلتين حيث يجري أولاً الاتفاق على الأصول العامة، ويحصل لاحقًا الاتفاق على التفاصيل، "غير مستحسن؛ لأننا بتجاربنا عن الطرف المقابل نعلم أن الاتفاق على أمور عامَّة سيكون وسيلة لذرائع متتالية بشأن التفاصيل"(6).
  • لا يوجد ما يجبر إيران على إدامة مفاوضات لا تُحَقِّق مطالبها، واستعار خامنئي المقولة الأميركية وأكَّدها بأن "عدم الاتفاق أفضل من اتفاق سيئ"(7)
  • لا اتفاق من دون إلغاء العقوبات، و"إذا حصل هذا الاتفاق وسقطت به حربة الحظر من أيدي الأعداء فنعمَّا ذلك؛ ولكن إذا لم يحصل هذا الاتفاق فليعلم الجميع أن هناك سبلاً عديدة داخل البلاد لجعل حربة الحظر كليلة غير فاعلة". وبالنسبة إلى إيران لم يَعُدْ مقبولاً بقاء الهيكل الأساسي لنظام العقوبات على حاله، وتقترح الولايات المتحدة الأميركية جدولاً زمنيًّا متدرجًا وطويل الأمد؛ يمتد إلى 30 عامًا لتعليق الحظر الاقتصادي المفروض على إيران وليس لإلغائه، وهو ما يُلاقي معارضة كبيرة في الأوساط السياسية الإيرانية.

وتحمل هذه المواقف إشارات بضرورة خروج المفاوض الإيراني من عقدة التوافق على مرحلتين، وهو الاتفاق الذي يرى ساسة إيرانيون أنه "نطفة فاسدة كاتفاق أوسلو بين عرفات والإسرائيليين"(8)، كما يصفه بعض المختصين بالموضوع النووي الإيراني بـ"الفخ"؛ لأن الاتفاق النهائي دون وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل "قد يكون كارثيًّا بالنسبة إلى إيران"(9)؛ وذلك لأسباب عدة؛ أهمها:

  • إن ما يُوصف بــ"الجزئيات" هو بالنسبة إلى إيران من الأصول؛ فمواضيع مثل: عدد ونوع الأجهزة، وتخزين المواد المخصبة، والجدول الزمني للعقوبات، ومفاعلات أراك وفوردو، لا تأتي من حيث الأهمية في بند التفاصيل بالنسبة إلى الإيرانيين(10)
  • إن اتفاقًا سياسيًّا على الكليات دون الجزئيات من شأنه أن يُشَكِّل ضغطًا على إيران للقبول بما يُمْلَى عليها لاحقًا بشأن هذه الجزئيات، كما أن دافع تقديم امتيازات لإيران للوصول إلى اتفاق بشأنها سيتراجع لدى الطرف الغربي.
  • سيجعل من تحصيل امتيازات على صعيد العقوبات من الطرف الأميركي مسألة في غاية الصعوبة، خاصة أن اتفاقًا سياسيًّا سيضمن التزامات إيرانية طويلة المدى على صعيد برنامجها النووي.

ويجادل خامنئي بصورة واضحة بخصوص ما يصفه بـ"السلوك غير المنطقي والتعسفي للطرف المقابل"، وجعله منطقيًّا من وجهة نظر خامنئي يقتضي الإصرار على اتفاق شامل يتضمَّن الكليات والجزئيات معًا. والتقط رئيس مجلس الشورى الإيراني وكبير المفاوضين السابق علي لاريجاني إشارة المرشد، وأخذت تصريحاته تركِّز على المحاور التي حدَّدها في خطاباته الأخيرة؛ فتحدَّث عن "جدية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في التوصُّل إلى اتفاق خلال المفاوضات النووية، وعلى الأطراف الأخرى إثبات إرادتها السياسية اللازمة للوصول إلى ذلك.. وإيران غير موافقة على تمديد المفاوضات"(11). وانتقد "البعض" الذين "يخوضون المفاوضات النووية كما لو أنهم تجار؛ لكن ساحة المفاوضات ليست سوقًا لبيع الخضار، ما يعني أنه يجب التخلِّي عن التصرُّف بهذه الطريقة، وعدم اتباع سياسة الضغط وإملاء وجهات النظر"(12).

ودخلت قيادة قوات التعبئة "بسيج" على الخط، وأكدت من جهتها أن "طهران لن تستسلم لرغبات الدول الكبرى، ولن ترضى بأي اتفاق غير مناسب ولا يُلغي كل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها"(13).

الاقتصاد يضغط ويقاوم

قد يقود انخفاض أسعار النفط إلى تسريع المحادثات المرتبطة الملف النووي، على الرغم من المعارضة الإيرانية المتزايدة لتوقيع اتفاق سياسي يجدول عددًا من نقاط الخلاف في محادثات تفصيلية لاحقة؛ ويُبدي روحاني رغبة كبيرة في الوصول إلى ذلك الاتفاق الذي يَلْقَى الكثير من النقد حتى قبل إعلانه؛ فالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وخلفه تيار واسع يرون أن "الحقَّ النووي" الإيراني أولوية تتقدَّم على محاولات إصلاح الاقتصاد الإيراني وإعادة ربطه بالأسواق العالمية، ويقوم هذا الجدل الذي اتخذ من "اقتصاد المقاومة" عنوانًا وشعارًا على التقشف، وتحمُّل المشقَّة لبناء خطة لتحقيق مزيد من الاكتفاء الذاتي؛ وذلك للحيلولة دون المساس بـ"البرنامج النووي" ومن خلفه "القيم الثورية"؛ لكن ما يدعو إليه خامنئي لم يغادر إطار الشعارات، ولا يمكن وصفه ببرنامج يتضمَّن مجموعة من السياسات.

في المقابل كان روحاني أكثر صراحة ومباشرة في نقاشه من معارضيه, ولم يرفض علنًا "اقتصاد المقاومة"؛ لكنه دفع بعدم جدوى هذه الشعارات؛ فقد جادل بأن الآفاق الاقتصادية في إيران مرهونة بشكل مباشر بالعقوبات الاقتصادية وعلاقات إيران الخارجية، وأن نهوض الاقتصاد الإيراني لا يمكن و"إيران معزولة"(14)، وأن السياسة الخارجية يجب أن تُوَظَّف في خدمة الاقتصاد الإيراني والسعي لحلِّ معضلاته، وتُعَبِّر ردود فعل روحاني الغاضبة تجاه معارضيه -حيث وصفهم بأنهم "بلا عقل"(15)- عن أزمة بدأت تتصاعد مع تيار مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي، على خلفية مقاربات مختلفة للأزمة الاقتصادية وطريقة إدارة الملف النووي.

مع توافر النفط الرخيص في أماكن أخرى، تراجعت جاذبية إيران بالنسبة إلى العملاء الراغبين في تحدِّي العقوبات عمَّا كانت عليه في السابق، وسوف تتقاضى إيران أسعارًا أقل مقابل النفط الذي تنجح في بيعه سرًّا، وسيرافق ذلك تراجع القدرة الشرائية لإيراداتها المودَعة في حسابات في الهند والصين وبلدان أخرى، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي، تواجه إيران خطر أن تتسبَّب أسعار النفط المنخفضة بتفاقم التدهور البطيء لقطاعها النفطي، فضلاً عن استمرار الركود الاقتصادي(16).

لكن نظرًا إلى أن الدين الخارجي الإيراني هو في حدِّه الأدنى، وبما أن الاقتصاد الإيراني يتمتع باكتفاء ذاتي إلى حدٍّ ما، فإن إيران أقل هشاشة إزاء الأزمات الخارجية؛ مثل انخفاض أسعار النفط، بالمقارنة مع روسيا أو فنزويلا؛ فالعملة الإيرانية -على الرغم من نزعتها التضخُّمِيَّة- جعلت الصادرات الإيرانية أكثر تنافسية؛ كما أن الإيرانيين -على الرغم من استيائهم من الارتفاع المستمرِّ في معدلات البطالة والتضخم- باتوا معتادين على المشقَّات الاقتصادية. تتضمَّن الموازنة الانكماشية للسنة المالية التي تبدأ في مارس/آذار 2015 تخفيضات في الإنفاق إلى جانب زيادات في الإيرادات الضريبية وعائدات الخصخصة(17).

وبعد الدعم الكبير الذي حصل عليه روحاني من المرشد ومكَّنَه من المضي قدمًا في المحادثات النووية، بات اليوم يواجه حشدًا لا يتوقَّف عن تأليب الرأي العام ضدَّه، ويرى هذا الفريق أن "المحادثات النووية لا يجب أن تكون مرهونة بالقضايا الاقتصادية للبلاد"، وأن سياسة الربط هذه "تمنح الطمأنينة لأعداء إيران"(18).

ويُعَدِّد المدافعون عن "اقتصاد المقاومة" قائمة مكاسب جَنَتْهَا إيران بفعل العقوبات(19)، فعلى الموقع الرسمي لمرشد الثورة نُشر حوار مع أستاذ الاقتصاد عادل بيغامي حول اقتصاد العقوبات، يقول فيه "بضرورة ركوب موجة العقوبات"(20)، ويُفَصِّل هذا الخبير الاقتصادي في الدفاع عن إمكانية بناء "اقتصاد فعال ومتقدِّم" مع وجود "فرضية العقوبات"(21).

ما الذي يمنع من انهيار المحادثات؟

على الرغم من كافَّة العراقيل، ما زالت كل أطراف التفاوض تأمل بالوصول إلى نتيجة إيجابية، وبالنسبة إلى إيران والولايات المتحدة الأميركية فإن المنافع المتبادلة وكذلك المخاوف والتهديدات المشتركة تعزِّز من رغبة كلا الجانبين في إنجاح اتفاق نووي؛ لأن نجاحه يعني مكاسب سياسة مهمَّة في مقدمتها التنسيق على صعيد مواجهة تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسوريا، وهو ما تحدَّثت عنه رسالة سابقة لأوباما وَجَّهها إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، واقترح فيها حلولاً للملف النووي الإيراني، وإمكانية تعاون الولايات المتحدة وإيران في قتال تنظيم" داعش". وقالت صحيفة وول ستريت جورنال(22): إن مرشد الثورة ردَّ برسالة سرية على أوباما. وفيما نفت المتحدِّثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية "مرضية أفخم" صحَّة ما نشرته الصحيفة(23)، أكَّد مستشار المرشد في الحرس الثوري العميد يد الله جواني خلال مقابلة مع قناة العالم الإيرانية، قيام المرشد بالردِّ على أوباما، وأن الردَّ كان "محترمًا ورصينًا دون تقديم أي تعهد بالتعاون"(24). وكما أن الاتفاق يُعَزِّز من مكانة إيران ودورها الإقليمي فإنه سيُشَكِّل إضافة إلى الإرث السياسي لأوباما؛ الذي يتمثَّل في إحداث تغيير في العلاقة مع إيران.

ومهما يكن من أخذٍ وردٍّ بين الطرفين الأميركي والإيراني؛ فإنهما لا يحبِّذان العودة بالمسار التفاوضي إلى ما قبل جنيف المؤقت، ويراهن مختصون إيرانيون في طهران على أن الإدارة الأميركية لا تملك خيارًا سوى إدامة المحادثات والقبول باتفاق "جيد" بالنسبة إلى طهران؛ وذلك على الرغم من أنه لن يكون من السهل في قضية استراتيجية كهذه أن تنتهي المفاوضات باتفاق (رابح/رابح) وهي الصيغة التي تريدها إيران(25).

مصير المفاوضات: السيناريوهات

تتحدَّث مصادر إيرانية عدَّة عن أن إيران لن تُقْدِم على توقيع اتفاق سياسي لا يتضمن بنودًا واضحة تنصُّ على إلغاء كامل للعقوبات. ومع إسقاط مقترح التفكيك بين الاتفاق السياسي والاتفاق على الجزئيات، تطرح أسئلة عدة حول مستقبل المحادثات، وما ستنتهي إليه حتى مارس/آذار المقبل، خاصة أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري قد أكَّدَا أنه في حال لم يتم التوافق على الإطار الكلي للاتفاق النهائي حتى مارس/آذار فلن توافق الولايات المتحدة الأميركية على تمديد المحادثات حتى يونيو/حزيران من هذا العام. ويُشَكِّل هذا الموقف نوعًا من المواجهة المباشرة مع إيران، التي تدعو إلى اتفاق متكامل يتضمَّن الأطر العامة والتفاصيل، وبناء على هذه المعطيات يمكن وضع السيناريوهات التالية لمستقبل المفاوضات:

السيناريو الأول: الوصول إلى اتفاق شامل على العموميات والتفاصيل؛ وذلك ضمن سقف زمني لا يتجاوز نهاية مارس/آذار 2015، وعلى الرغم من العقبات التي تعترض هذا السيناريو، خاصة القيود التي وضعها خامنئي مؤخرًا، إلا أنه يبقى واردًا.

السيناريو الثاني: فشل المفاوضات: أن تصرَّ الولايات المتحدة على موقفها بضرورة الوصول إلى اتفاق سياسي يبين الإطار الكلي للاتفاق الشامل في يونيو/حزيران دون الفصل في الجزئيات، وهذا السيناريو يعني فشل المفاوضات إذا أصرت إيران على موقفها بضرورة أن ينص الاتفاق على إلغاء كامل ومتزامن للعقوبات.

ويعني فشل المفاوضات أن تُوقف إيران القيود التي وضعتها على برنامجها النووي؛ كما يعني بصورة أكيدة استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وزيادة قدرة أجهزة الطرد المركزي وإدخال جيل جديد إلى العمل، وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب؛ ومن شأن ذلك أن يُوقِفَ السعي الدولي للحدِّ من قدرات البرنامج النووي الإيراني خاصة على الصعيد العسكري، وفي المقابل ستكون إيران على موعد مع دورة جديدة وأكثر صرامة من العقوبات الاقتصادية. وستجد التهديدات الإسرائيلية بعمل عسكري ضد إيران تأييدًا كبيرًا بعد أن تراجع هذا التهديد مع تقدُّم المحادثات بشأن برنامج إيران النووي.

ويبدو أن إيران تتحسب لهذا السيناريو؛ فمع عودة احتمال أن يفرض الكونغرس الأميركي عقوبات اقتصادية جديدة على إيران بسبب برنامجها النووي، بدأ نواب في مجلس الشورى الإسلامي بالتحضير لخطوة استباقية للردِّ على أي عقوبات جديدة؛ وقامت لجنة الطاقة النووية النيابية بصياغة مسودة قرار تقضي باستئناف النشاط النووي الإيراني المعلق بموجب اتفاق جنيف المؤقت(26)؛ مما يعني استئناف تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، وقد يستمرُّ التصعيد بشكل يجبر فيه البرلمان الحكومة الإيرانية على الانسحاب من المفاوضات؛ ويعني إقرار هذا القرار الموقَّع مِنْ قِبَل 220 نائبًا من أصل 290 يشغلون مقاعد مجلس الشورى الإسلامي، ومعظمهم من التيار الأصولي، نسف اتفاق جنيف المؤقت وأدخل العملية التفاوضية في أزمة حقيقية.

السيناريو الثالث: أن تتجاهل الولايات المتحدة الأميركية نهاية مارس/آذار؛ مما يفتح الباب لاستمرار المحادثات لتدوين اتفاق شامل حتى يونيو/حزيران من هذا العام؛ ويبدو هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا وأكثر واقعية، خاصة أن وزارة الخارجية الإيرانية بدأت بإجراء تغيير في المصطلح، وشرعت في الحديث عن "تفاهم سياسي" وليس "اتفاق سياسي"، ويعكس ذلك أن المفاوض الإيراني يأخذ التهديدات الأميركية بجدية عالية؛ لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع تجاوز الخطوط التي عينها المرشد. وهناك رهان أن أميركا لن تقدم على ترك طاولة المحادثات؛ وكذلك لن تفعل إيران، ومن المؤكد أن فرض أية عقوبات جديدة على إيران سيُدْخِل المفاوضات في أزمة حقيقية، وإن كان التمديد لا يصبُّ بصورة كاملة في مصلحة إيران.
_______________________________
د. فاطمة الصمادي: باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات متخصصة بالشأن الإيراني.

الهوامش والمصادر
(1) "Obama questions Iran's desire to achieve nuclear deal", The Guardian, 9 February 2015 access 12 February 2015:
http://www.theguardian.com/world/2015/feb/09/obama-questions-irans-political-will-nuclear-deal
(2) "روحاني: إيران در مذاکرات گامهاي لازم را برداشته است"(روحاني: إيران خطت الخطوات اللازمة في المفاوضات)، موقع برس تي في، 21 بهمن 1393، تاريخ الدخول 10 من فبراير/شباط 2015:
http://www.presstv.ir/DetailFa/2015/02/10/396978/Rouhani-Iran-necessary-steps-seize-opportunity-
(3) "ولايتي: کليات مذاکرات هسته اي از جزييات جدًّا نخواهد شد"(ولايتي لن يكون هناك فصل بين الكليات والجزئيات في المفاوضات النووية)، وكالة ايرنا، 27/11/ 1393 ش، تاريخ الدخول 17 من فبراير/شباط 2015:
http://www.irna.ir/fa/News/81508567/
(4) أفخم: تا پايان مارس "تفاهم" سياسي مدنظر است نه"توافق"، إيران بهدنبال توافق يک مرحلهاي است،(أفخم: حتى نهاية مارس/آذار  السعي لتفاهم سياسي وليس اتفاق)، وكالة ايسنا، 29 بهمن 1393 تاريخ الدخول 19 من فبراير/شباط 2015:
http://isna.ir/fa/news/93112916153/%D8%A7%D9%81%D8%AE%D9%85-%D8%AA%D8%A7-%D9%BE%D8%A7%DB%8C%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%85-%D8%B3%DB%8C%D8%A7%D8%B3%DB%8C-%D9%85%D8%AF%D9%86%D8%B8%D8%B1-%D8%A7%D8%B3%D8%AA
 (5) "بيانات در ديدار جمعى از فرماندهان وکارکنان نيروى هوايى" بيانات خامنئي خلال لقاء عدد من المنتسبين للقوة الجوية، الموقع الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي، ????/??/??، تاريخ الدخول: 15 من فبراير/شباط 2015:
http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=28896
(6) "بيانات در ديدار جمعى از فرماندهان وکارکنان نيروى هوايى"، (بيانات خامنئي خلال لقاء عدد من المنتسبين للقوة الجوية، الموقع الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي، ????/??/??، تاريخ الدخول: 15 من فبراير/شباط 2015:
http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=28896
(7) "بيانات در ديدار جمعى از فرماندهان وکارکنان نيروى هوايى"،( بيانات خامنئي خلال لقاء عدد من المنتسبين للقوة الجوية)، الموقع الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي.
(8) "توافق دو مرحلهاي در پيمان اسلو تجربه شد که نطفه فاسدي بود" (لقد جرى اختبار التوافق على مرحلتين في اتفاق أوسلو الذي كان نطفة فاسدة)، موقع ديدبان، 25 بهمن 1393، تاريخ الدخول: 22 من فبراير/شباط 2015:
http://didban.ir/fa/news-details/23068/%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%81%D9%82-%D8%AF%D9%88-%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D9%87%E2%80%8C%D8%A7%DB%8C-%D8%AF%D8%B1-%D9%BE%DB%8C%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D9%84%D9%88-%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D9%87-%D8%B4%D8%AF-%DA%A9%D9%87-%D9%86%D8%B7%D9%81%D9%87-%D9%81%D8%A7%D8%B3%D8%AF%DB%8C-%D8%A8%D9%88%D8%AF/
(9) محمدي، مهدي، دام "توافق سياسي" چگونه برچيده شد؟(فخ "التوافق السياسي" كيف جرى تفكيكه)، إيران هسته، 8 من فبراير/شباط 2015، تاريخ الدخول 25 من فبراير/شباط 2015:
http://www.irannuc.ir/content/2499
(10) محمدي، مهدي، دام "توافق سياسي" چگونه برچيده شد؟(فخ "التوافق السياسي" كيف جرى تفكيكه)، إيران هسته، 8 من فبراير/شباط 2015، تاريخ الدخول 25 من فبراير/شباط 2015:
http://www.irannuc.ir/content/2499
(11) خلال استقباله وزير خارجية الصين لاريجاني: إيران ليست مع تمديد المفاوضات النووية، وكالة فارس للأنباء، 16 من فبراير/شباط 2015، تاريخ الدخول 16 من فبراير/شباط 2015:
http://arabic.farsnews.com/allstories/news/13931127001404
(12) خلال استقباله وزير خارجية الصين لاريجاني: إيران ليست مع تمديد المفاوضات النووية، وكالة فارس للأنباء، 16 من فبراير/شباط 2015
(13) سردار نقدي: در 22 بهمن امسال ملت ايران شورانگيزترين حماسه ها را خلق مي کند، (القائد نقدي: ?? بهمن (فبراير) من هذا العام: ستصنع ملت إيران حماسة لامثيل لها)، خبر أنلاين، 21 بهمن 1393، تاريخ الدخول 19 من فبراير/شباط 2015:
http://www.khabaronline.ir/%28X%281%29S%28f0sxjryik5acf3lout1zxtwk%29%29/detail/399616/Politics/military
(14) روحاني يدعو لإنهاء عزلة إيران لإنقاذ الاقتصاد، الجزيرة مباشر، 4 من يناير/كانون الثاني 2015:
http://mubasher.aljazeera.net/news/2015/01/201514161841667125.htm
(15) محمد صدري، روحاني منتقدان را "بي عقل" خواند/ چه کساني در داخل حرف دشمن را تکرار مي کنند؟(روحاني وصف المنتقدين بأنهم بلا عقل/ من هم الأشخاص الذين في الداخل ويكررون كلام الأعداء)، موقع إيران هسته أي، 31 من يناير/كانون الثاني 2015:
http://www.irannuc.ir/content/2492
(16) ميلز، روبن م. قدرة إيران على الصمود، معهد كارنيغي للسلام، يناير/كانون الثاني، 2015 تاريخ المراجعة 17 من فبراير/شباط 2015:
http://carnegieendowment.org/2015/01/22/%D9%82%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%85%D9%88%D8%AF/i0ew
(17) ميلز، روبن م. قدرة إيران على الصمود، معهد كارنيغي للسلام، يناير/كانون الثاني، 2015 تاريخ المراجعة 17 من فبراير/شباط 2015.
(18) Tying economic issues to N-talks assures enemies: Amoli, Mehr news 7 Jan2015:
http://en.mehrnews.com/detail/News/105424
(19) چرا ملت ايران دستبسته نيست؟ (لماذا يد الأمة الإيرانية غير قاصرة؟)، الموقع الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية، ????/??/??، تاريخ المراجعة 17 من فبراير/شباط 2015:
http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=28941
(20) گفتوگو با دکتر عادل پيغامي دربارهي اقتصاد تحريم بايد بر موج تحريم سوار شويم (حوار مع الدكتور عادل بيغامي حول ‏اقتصاد العقوبات?.. علينا ركوب أمواج العقوبات)، الموقع الرسمي لمرشد الثورة، 1393/09/08، تاريخ المراجعة 17 من فبراير/شباط، 2015:????????
http://farsi.khamenei.ir/others-dialog?id=28239
(21) گفتوگو با دکتر عادل پيغامي دربارهي اقتصاد تحريم بايد بر موج تحريم سوار شويم (حوار مع الدكتور عادل بيغامي حول ‏اقتصاد العقوبات?.. علينا ركوب أمواج العقوبات)، الموقع الرسمي لمرشد الثورة، 1393/09/08، تاريخ المراجعة 17 من فبراير/شباط، 2015.
(22) Jay Solomon and Carol E. Lee, Iran’s Ayatollah Sends New Letter to Obama Amid Nuclear Talks, WSJ, Feb. 13, 2015:
http://www.wsj.com/articles/irans-ayatollah-sends-new-letter-to-obama-amid-nuclear-talks-1423872638
23)) شوقي، فرح الزمان، إيران تنفي رسالة "سريَّة" من خامنئي إلى أوباما، العربي الجديد، 15 من فبراير/شباط 2015، تاريخ الدخول، 15 من فبراير/شباط 2015:
http://www.alaraby.co.uk/politics/b3e0d553-32a4-4a0a-960d-df8aa1bc72a6
(24) سردار جواني درباره نامه رهبري به أوباما چه گفت؟ (ماذا قال القائد جواني عن رسالة المرشد لأوباما)، قناة العالم، 25 بهمن 1393، تاريخ المراجعة 16 من فبراير/شباط 2015:
http://fa.alalam.ir/news/1676426
(25) Iran favors win-win nuclear deal with P5+1: Rouhani, Press TV, Feb 10, 2015, access Feb 19 , 2015:-
http://www.presstv.ir/Detail/2015/02/10/397041/Iran-expects-other-Nparty-to-be-resolute
(26) شوقي، فرح الزمان، مشروع قرار إيراني يهدد اتفاق جنيف، العربي الجديد، 4 من فبراير/شباط 2015، تاريخ الدخول 4 من فبراير/شباط 2015:
http://www.alaraby.co.uk/politics/788b9d92-8c07-4264-bfde-a3616bd9ab1a

نبذة عن الكاتب