الدور التركي في شرق إفريقيا: الدوافع والمكاسب

تلقي هذه الورقة الضوء على تزايد الاهتمام التركي بشرق إفريقيا، وتبحث الدوافع السياسية والاقتصادية والأمنية لهذا الدور، كما تعرض المكاسب التي تسعى تركيا لتحقيقها والمتمثلة في خلق فرص ومجالات حيوية لتركيا في شرق إفريقيا في ظل التنافس مع قوى دولية وإقليمية.
201531585141101734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تناقش هذه الورقة تزايد الاهتمام التركي بشرق إفريقيا، والذي ظهر من خلال تكثيف الزيارات رفيعة المستوى، وافتتاح السفارات، وتوقيع اتفاقيات الشراكة الاقتصادية، وتقديم المساعدات الإنسانية، وغيرها من نشاطات السياسة الخارجية التركية.

تحاول الورقة إلقاء الضوء على الدوافع السياسية والاقتصادية والأمنية لهذا الدور، كما تعرض المكاسب التي تسعى تركيا لتحقيقها والمتمثلة في خلق فرص ومجالات حيوية لتركيا في شرق إفريقيا في ظل التنافس مع قوى دولية وإقليمية.

وتخلص الورقة إلى أن تركيا نجحت في تحقيق مكاسب متعددة بعد فتح القنوات مع دول شرق إفريقيا في وقت قياسي، وأنه بالرغم من وجود عوائق وتحديات إلا أن تركيا ستستمر في توسيع آفاق الشراكة والتعاون مع دول شرق إفريقيا انطلاقًا من الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة وتماشيًا مع طموحات تركيا بلعب دور عالمي أوسع خارج منطقة الشرق الأوسط لترسيخ صورة تركيا كدولة بنفوذ  "إفرو-أوراسي".

ويُرجَّح أن تلعب تركيا دورًا مهمًّا في تحقيق الاستقرار ودعم التنمية في شرق إفريقيا كي تحافظ على مصالحها ودورها في المنطقة حيث إن الفوضى الأمنية هي الهاجس الأكبر الذي تخشى تركيا وقوعه.

تُبدي تركيا منذ سنوات اهتمامًا ملحوظًا بقارة إفريقيا عمومًا وبشرق القارة تحديدًا، وقد ظهر هذا في كثافة النشاط الذي تنفذه بشكل متزايد بمرور الأيام من خلال كافة أدوات السياسة الخارجية التركية. ويعد أحد الشواهد على ما سبق وصول عدد السفارات التركية في إفريقيا إلى 40 سفارة حيث تم افتتاح 27 سفارة فقط بعد 2009، فيما كانت أول سفارة تركية في إفريقيا في أديس أبابا وتم افتتاحها عام 1926 وهذا يعكس مدى الأولوية التي تفردها تركيا لإفريقيا(1).

ويأتي هذا النشاط التركي المتزايد في ظل تزايد التنافس من قبل عدة قوى دولية مثل الولايات المتحدة والصين والبرازيل، وقوى إقليمية مثل إيران وإسرائيل، ويحاول معظم الدول الفاعلة فتح أو استعادة العلاقات الدبلوماسية هناك؛ فعلى سبيل المثال عيَّنت الولايات المتحدة سفيرًا لها في مقديشو في 24 فبراير/شباط 2015، وهو أول سفير أميركي في مقديشو منذ العام 1991(2).

التوجه نحو إفريقيا

إن أحد أهم دوافع التوجه نحو إفريقيا، أنها تكتسب أهمية استراتيجية يمكن أن نوجزها في النقاط التالية:

  1. تضم إفريقيا 54 دولة يزيد عدد سكانها عن مليار نسمة، وهي ثاني أكبر قارة من حيث المساحة وعدد السكان، إضافة لكونها غنية بالموارد والثروات.
  2. هي القارة الأكثر شبابًا من حيث أعمار السكان؛ حيث إن 70% من السكان تحت عمر 25، فيما يبلغ متوسط الأعمار في إفريقيا 18(3)، ويرتبط هذا مباشرة بموضوع القوى العاملة والأسواق.
    3. تعتبر القارة صاحبة الاقتصاد الأسرع نموًّا؛ حيث تقع 10 دول إفريقية ضمن لائحة الدول 64 الأسرع نموًّا في العالم لسنة 2013/2014. وتأتي منطقة شرق إفريقيا ثانيةً بعد غرب إفريقيا من حيث سرعة نمو الاقتصاد, كما يُتوقع أن يزيد النمو فيها هذا العام إلى 6.2% بعد أن كان 6% العام الماضي(4). وفيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي فقد جذبت القارة الإفريقية 55 مليار دولار من 1.26 تريليون دولار من قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر في 2014(5).

ويتضح من الرسوم البيانية التالية أن تركيا خلال السنوات الماضية قد تذيلت قائمة أكبر عشر دول من حيث حجم التجارة مع إفريقيا وشهدت نوعًا من التراجع بين 2008 و2011؛ لذا فهي تريد تحسين فرصها ورفع مستواها من جديد.

المصدر: Africa's emerging partners - update 2012, African Economic Outlook.

 

المصدر(6): Africa's emerging partners - update 2012, African Economic Outlook.

أما منطقة شرق إفريقيا فتضم دول منطقة القرن الإفريقي، وهي: جيبوتي وإثيوبيا والصومال وأريتيريا، ويضاف إليها السودان وكينيا وتنزانيا، وتحتل هذه المنطقة من شرق إفريقيا مكانة استراتيجية عالمية نظرًا لأنها:

  1. تطل على ممرات مائية ذات أهمية تجارية وعسكرية مثل خليج عدن ومضيق باب المندب، وتتحكم بالدخول إلى البحر الأحمر.
  2. ترتبط المنطقة بمصالح كل القوى الدولية بسبب قربها من منابع الطاقة في المنطقة وممرات نقلها.
  3. هناك تنافس بين القوى الإقليمية والعالمية على التحكم في الجزر التابعة لدول القرن الإفريقي.
  4. تعتبر منطقة القرن الإفريقي منبعًا لنهر النيل وهذا له انعكاسات أمنية وتنموية(7).
  5. تحتل المنطقة أهمية كبيرة في مقاربات الأمن القومي لكل دول المنطقة.
  6. توجد أهمية اقتصادية متزايدة فيها فيما يتعلق بالأسواق والمشاريع الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية.
  7. يُتوقع أن يتم اكتشاف حقول للغاز الطبيعي قبالة سواحل المنطقة.

وبالطبع، فإنه من الطبيعي لدولة مثل تركيا تسعى للعب أدوار أكبر في الساحة الدولية والإقليمية أن تفتح علاقات أوسع مع أكبر عدد من الدول، وقد شارك الرئيس التركي أردوغان منذ 2002 إلى 2014 في أكثر من 305 زيارة خارجية 24 منها كانت لقارة إفريقيا، وتصبح 27 زيارة مع الزيارات الأخيرة لـ3 دول في يناير 2015، وتهتم تركيا بشكل خاص بدول مثل إثيوبيا والصومال وجيبوتي.

زيارات أردوغان من 2002-2014، المصدر: منسقية الدبلوماسية العامة التركية, إبريل/نيسان 2014(8)

ومع الإدراك التركي لأهمية إفريقيا تزايدت حركة الانفتاح على إفريقيا خلال الأعوام العشرة الماضية التي شهدت تعاونًا في مجالات مختلفة، ومن أبرز الفعاليات الممهدة للتعاون وتوثيق العلاقات ما يلي:
 

 

الفعالية أو السياسة

السنة

1

بداية الانفتاح التركي على إفريقيا

1998

2

إعداد استراتيجية تركية لتطوير العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا

2003

3

إعلان عام إفريقيا في تركيا، وانضمام تركيا كعضو مراقب للاتحاد الإفريقي

2005

4

قمة التعاون الإفريقي-التركي الأولى

2008

5

المنتدى الإعلامي التركي-الإفريقي

2012

6

قمة التعاون الإفريقي-التركي الثانية

2014

7

قمة التعاون الإفريقي-التركي الثالثة

ستُعقد في 2017

أما بالنسبة للمجالات الأخرى فيمكن الحديث ضمن المؤشرات التالية: 

  1. ارتفع حجم التجارة بين تركيا وإفريقيا من 3 مليارات في 2002 إلى 23.4 مليارًا في 2013.
  2. نفَّذت وكالة التنسيق والتعاون التركية على سبيل المثال مشاريع في 2012 بقيمة 772 مليون دولار كما حصلت إفريقيا على ثلث المساعدات الخارجية التركية.
  3. قدمت الدولة التركية منحًا لـ3000 طالب إفريقي، فيما حصل 2000 طالب آخر على منح خاصة، فيما سيأتي في 2015 حوالي 3500 طالب.
  4. تعمل الخطوط الجوية التركية في 28 بلدًا إفريقيًّا من خلال 42 نقطة(9).
  5. يعمل في إفريقيا عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني التركية.

دوافع التوجه التركي لإفريقيا

أما دوافع التوجه التركي لإفريقيا فهي تندرج تحت ما يلي:

أولًا: الدافع السياسي

  1. تحاول تركيا لعب دور عالمي وتريد ترسيخ نفسها كدولة بتوجهات "إفرو-أوراسية" انسجامًا مع مبدأ تعدد الأبعاد في السياسة الخارجية، ويتسق هذا مع الفكر السياسي للقيادة التركية من حيث إن تركيا دولة مركز وليست دولة جسر أو هامش(10). ويأتي توجهها لكل من شرق وشمال إفريقيا أكثر من غرب وجنوب إفريقيا لاستشعار تركيا أن فرصها بشكل عام ستكون أفضل هناك تبعًا لعدة عوامل سيأتي تفصيلها في السطور القادمة ومن ضمنها أنها في المجال الأقرب إلى تركيا جغرافيًّا وتاريخيًّا.
  2. تحاول تركيا الاستفادة من الميراث التاريخي العثماني وربطه بالمعطيات الحالية, وقد تواجد العثمانيون في مناطق شمال وشرق إفريقيا على طول ساحل البحر الأحمر وأجزاء مطلَّة على خليج عدن؛ حيث استمر حكم العثمانيين لحوالي 397 سنة في السودان و350 سنة في كلٍّ من الصومال وجيبوتي وإريتريا وكينيا وأجزاء من إثيوبيا(11).
  3. لا تريد تركيا ترك الساحة أمام المنافسين الدوليين والإقليميين خاصة أن لدول منافسة مثل إيران وإسرائيل تواجدًا في منطقة شرق إفريقيا، كما تريد تركيا الاستفادة من نفوذها في إفريقيا في أماكن وأقاليم أخرى.
  4. وجود إرادة تركية لتطوير الشراكة الاستراتيجية مع إفريقيا.

ثانيًا: الدافع الاقتصادي
يُعتبر نجاح الاقتصاد من أهم الدوافع لدى تركيا التي قد قدمت قصة نجاح خلال السنوات الماضية حيث وصل الدخل القومي التركي إلى 820 مليار دولار في 2014، ويسعى الأتراك إلى الوصول لرقم 2 تريليون في 2023، وتريد مضاعفة نجاحاتها في إفريقيا التي تعجُّ بالفرص الاستثمارية والأسواق والموارد.

وفيما ارتفعت صادرات تركيا إلى دول شرق إفريقيا في 2013 إلى 813 مليون دولار فقد بلغت قيمة الواردات 160 مليون دولار، وتحاول تركيا حاليًا زيادة حجم تجارتها مع إثيوبيا التي تعد صاحبة أكبر استثمار تركي في شرق إفريقيا حيث تبلغ، على سبيل المثال، قيمة مشاريع السكك الحديدية هناك والتي تنفذها شركات تركية 1.7 مليار دولار، وقد تمنى الرئيس التركي أن يصل حجم التجارة إلى 500 مليون دولار في أقصر مدة بعد أن شهد تراجعًا من 420 إلى 400 مليون دولار العام الماضي(12).

وتحاول تركيا تقديم إغراءات أكثر مثل التعاون مع البنوك الإفريقية، والعمل ضمن مبدأ "أنت تكسب وأنا أكسب" وهو ما لا يفعله بعض الدول الأخرى، وتتمنى تركيا أن يصل حجم التجارة بينها وبين إفريقيا إلى 50 مليار دولار في 2015.

ثالثًا: الدافع الانساني
تريد تركيا تعزيز السلم والاستقرار في إفريقيا من خلال مساعدة الدول الإفريقية على التخلص من تبعات الاستعمار، وتريد أنقرة ترسيخ اسم تركيا في العقل الجمعي الإفريقي، من خلال تقديم المساعدات، على أنها دولة تحترم الإنسان وتتبنى سياسات أخلاقية حيث قدمت مساعدات كبيرة لإفريقيا لم يكن آخرها تقديم 5 ملايين دولار من أجل مكافحة مرض إيبولا.

وقد قدمت تركيا في الأعوام الثلاثة الأخيرة قدرًا كبيرًا من المساعدات حيث جاءت في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا في هذا المجال، وقد حصلت إفريقيا على 24% من هذه المساعدات في عام 2013.

ومع هذا تحاول تركيا أن ترسخ قوتها الناعمة في إفريقيا من خلال بناء المدارس والمساجد وترميم الآثار حيث رممت تركيا على سبيل المثال مؤخرًا قبر النجاشي وعددًا من قبور الصحابة في إثيوبيا، وقد قال الرئيس التركي في زيارته الأخيرة لشرق إفريقيا: "إن البعض جاء لإفريقيا من أجل الذهب لكن تركيا أتت لإفريقيا لكي تضمد الجراح"(13).

ويمكننا الحديث هنا عن أن الدول حاليًا تُراكم أعمالها الإنسانية لزيادة قوتها الناعمة وبالتالي الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، وقد لمس الباحث هذا في عدة مقابلات مع شخصيات إفريقية تنظر لتركيا نظرة تقدير كبيرة تجعلها تفضِّل تركيا على دول أخرى في مجال التجارة والاستثمار.

رابعًا: الدافع الأمني
يتحتم على تركيا أن يكون هناك توازٍ في مستويات التقدم الأمني الاستخباري مع تقدمها السياسي والاقتصادي خاصة أن هناك دولًا كثيرة مثل إيران وإسرائيل وفرنسا لها علاقات أمنية كبيرة في القارة الإفريقية، وبالرغم من أن العمل الأمني يحاط بسرية كبيرة إلا أن هناك شعورًا بضعف الدور الأمني التركي في إفريقيا؛ ومن الشواهد على هذا مؤخرًا التفجيرات في محيط البعثة التركية في الصومال(14).

وتسعى تركيا لتكثيف تعاونها الأمني في شرق إفريقيا؛ حيث وقَّعت عدة اتفاقيات أمنية، وفي هذا السياق درَّبت أنقرة قوات أوغندية من أجل مكافحة الإرهاب، كما وقَّعت مع كينيا في إبريل/نيسان الماضي اتفاقًا لتطوير وتحديث الأمن الكيني، وكذلك فعلت أيضًا مع تنزانيا في 2013, حتى شجَّع هذا بعض الكُتَّاب الأتراك على أن يقول: إن التدريب في المجال الأمني يعد من أهم الصادرات التركية لإفريقيا، وتحاول تركيا أن تستفيد من وضعها وخبرتها الأمنية العسكرية من خلال تواجدها في الناتو(15).

وفي هذا السياق لابد أن نشير إلى ملاحقة تركيا لنشاط جماعة فتح الله غولن التي تتهمها الحكومة بالسعي لتنفيذ انقلاب على الدولة، وقد أبدت تركيا قلقها من نشاط الجماعة في إفريقيا، وتسعى لاستمرار أعمال التنسيق مع الحكومات الإفريقية حتى تقوم بالقضاء على نفوذ الجماعة.

وتستفيد تركيا خلال نشاطها في إفريقيا من خلق فرص جديدة على كل الأصعدة لتوفير مجالات للدفاع عن مصالحها وتحقيق طموحاتها في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة، وفي هذا السياق يشير بعض المصادر إلى أن هناك اتفاقيات عسكرية بين تركيا وعدة دول إفريقية(16).

 

وبنظرة أكثر عمقًا على منطقة القرن الإفريقي، يمكننا القول: إن تركيا تُولِي الصومال أهمية كبيرة من الناحية الإنسانية والتنموية، وقد أسهمت في إعادة إعماره ولكنها أيضًا تستفيد من هذا في أبعاد أمنية واقتصادية. وقد اتخذت علاقاتها مع الصومال مفتاحًا لتقوية العلاقات مع إثيوبيا من جهة، ومن جهة أخرى لتعزيز تواجدها في مقابل النفوذ الإيراني قبالة السواحل الصومالية.

وتدخل العوامل الدينية أيضًا في هذا السياق حيث هناك أغلبية مسلمة في كل من جيبوتي والصومال استفادت منها أنقرة في لعب دور أكبر مع إثيوبيا التي تحتاج هاتين الدولتين كونها دولة حبيسة.

وفيما يتعلق بإثيوبيا فإن السياسة الخارجية التركية التي تعتمد على التأثير في الأقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار والدول المنافسة يُحتمل أن تُتخذ في أحد أبعادها عاملًا للضغط السياسي من خلال موضوع دعم سدِّ النهضة الإثيوبي والذي من شأنه أن يدعم صعود إثيوبيا في ظل تراجع الدور المصري، ولكن هذا يمكن أن يُقرأ من زاوية أخرى وهي أن كلًّا من تركيا و إثيوبيا دولتا منبع.

وأما بالنسبة لإريتريا التي تمتلك ساحلًا على البحر الأحمر بطول 1000 كم وقرابة 140 جزيرة تسعى قوى مثل إيران وإسرائيل إلى الاستفادة منها بأكبر قدر، فإن تركيا أيضًا تحاول نسج علاقات جيدة معها بالرغم من وجود خلافات إرتيرية-إثيوبية تقف عائقًا أمام لعب أدوار تركية أكثر فعالية، كما يحاول الأتراك تقوية علاقاتهم مع كينيا باعتبارها بوابة مهمة لشرق إفريقيا(17).

مزايا تركيا

تعتقد تركيا أن لها مزايا تفضيلية عن دول أخرى، أبرزها:

  1. أن تركيا ليس لها ماض استعماري مثل فرنسا وبريطانيا، وأن هذه الدول رغم استفادتها من ثروات إفريقيا لم تنجح في تخفيف معاناة ومشاكل القارة، وتقدم تركيا نفسها بشكل مختلف.
  2. أن هناك عوامل ثقافية ودينية تجمع تركيا بعدد كبير من دول إفريقيا.
  3. أن تركيا هي الأقرب إلى إفريقيا من روسيا والصين والبرازيل تاريخيًّا وجغرافيًّا.
  4. أن تركيا هي الدولة الثالثة من حيث تقديم المساعدات الإنسانية غير المشروطة في إفريقيا.
  5. وجود قلق غربي من تصاعد الدور الصيني.
  6. أن تركيا أكثر حرية من دول مثل إسرائيل وإيران بسبب البيئة المعادية نسبيًّا أو المقاطعة والعقوبات.
  7. يوجد لدى تركية خبرة عملية في مواضيع التنمية والبنية التحتية.
  8. لدى تركيا خبرة أمنية وعسكرية بواقع وجودها في الناتو.

المكاسب والعوائق

حصلت تركيا في السابق على عدة مكاسب سياسية مثل إنجاح تركيا في الفوز برئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي، ونيل مقعد العضو غير الدائم في الأمم المتحدة؛ حيث صوَّتت لصالحها 51 دولة من أصل 53 دولة إفريقية. وتحصل أنقرة على فرص استثمارية وتجارية كبيرة، وقامت بعقد عدد كبير من اتفاقات الشراكة مع إثيوبيا وجيبوتي، وحققت نسبة صادرات كبيرة ولعبت دورًا مهمًّا في ملف إعمار الصومال نفَّذت خلاله مشاريع كبرى مثل المطار والميناء. وأمنيًّا نجحت الاستخبارات التركية بالتعاون مع مخابرات أجنبية بإلقاء القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في كينيا عام 1999.

وفيما يتزايد الانطباع الإيجابي عن تركيا فإنها تسعى لجني قدر أكبر من المكاسب في إفريقيا لكن هذا الطموح يواجهه بعض العقبات أو التحديات، مثل:

  1. المنافسة مع القوى الخارجية الأخرى في كافة المجالات، وقد فسَّر عدد من الكتَّاب الأتراك التفجير الأخير بالقرب من البعثة التركية في الصومال بأنه رسالة من أطراف خارجية لا تريد الوجود التركي هناك، واقتصاديًّا، فإن كل الأطراف تحاول سحب البساط من تحت أقدام بقية المنافسين، وفي هذا السياق فقد غضبت أنقرة في العام الماضي عندما أعلن بعض مؤشرات الثقة في الاستثمارات في إفريقيا أنقرة في المرتبة 23، واعتبر الأتراك ذلك نوعًا من الدعاية التحريضية(18)
  2. تعاني مناطق شرق إفريقيا من مشاكل إدارية وأمنية مثل تنامي نشاطات حركات موصوفة بالإرهاب مثل بوكو حرام أو الشباب؛ مما يهدد مصالح تركيا، كما أن حدوث إشكالات بين دول شرق إفريقيا قد يعرِّض مصالح تركيا للخطر؛ لذا فمن المرجَّح أن تظل تركيا دافعة نحو مزيد من الاستقرار والتوازن في هذا الإقليم.
  3. تزايد الحديث عن التكامل الإفريقي الذي يدعو لتكريس العلاقات الإفريقية-الإفريقية خاصة في المجال الاقتصادي وبروز قوى داخل القارة مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا في هذا المجال ربما يقلِّل من فرص أنقرة.
  4. وجود نقص في إجابات تساؤلات الدول الإفريقية حول الشراكة مع تركيا: في أي الجوانب تكون؟ وكيف يمكن أن يربح الطرفان؟ كما تحتاج تركيا إقناع الأفارقة بالتعاون مع تركيا حيث هناك الكثير من عدم المعرفة عن تركيا في إفريقيا(19).
  5. وجود نفوذ لجماعة غولن في بعض الدول الإفريقية يمكن أن يكون له دور في التأثير على العلاقات بين أنقرة وهذه الدول.

النتائج

تعد السياسة الخارجية التركية تجاه شرق إفريقيا من أنجح ملفات سياستها الخارجية خلال السنوات الماضية بسبب التطور الدبلوماسي والاقتصادي في فترة قياسية من جهة، وبسبب الانطباع الإيجابي عن تركيا لدى الشعوب الإفريقية.

وتكشف الزيارات الأخيرة للقيادة التركية عن أن تركيا بالرغم من وجود مشاكل أمنية وسياسية في شرق إفريقيا فإنها ماضية في تعزيز علاقاتها مع القارة الإفريقية وتحديدًا مع شرق القارة وذلك لأبعاد سياسية وأمنية واقتصادية.

يتضح التركيز على البعد الاقتصادي ضمن خطة تركية متدرجة ومتوازية مع العمل الدبلوماسي بدأت تُنفَّذ بشكل عملي واضح منذ 2008 وتحديدًا في شرق القارة, وتركز تركيا في علاقاتها مع إفريقيا على أدوات القوة الناعمة مثل المساعدات الإنسانية والتعليم وبناء المستشفيات ودعم المرأة، وتستفيد من العلاقات الدينية في دول مثل الصومال وجيبوتي.

تعتمد تركيا سياسة تجمع بين الأهداف قصيرة وبعيدة المدى، ويبدو أن عوامل نجاحها أكبر من العوائق التي تتحداها وإذا ما بُذلت جهود أكبر فإن تحقق أهداف تركيا يبدو الأقرب غير أن عائقًا أساسيًّا، وهو احتمال الفوضى الناجمة عن تدهور الأوضاع الأمنية أو عن أعمال الإرهاب والعنف، من شأنه أن يحبط الآمال التركية وهذا ما يجعل الاستقرار عنصرًا مهمًّا لنجاح تركيا، وقد بدا هذا عائقًا أساسيًّا في السنوات الأخيرة أمام السياسة الخارجية التركية في كل المناطق التي تتعامل معها.
____________________________________
محمود سمير الرنتيسي: باحث متخصص في الشؤون التركية

المصادر والهوامش
1- الرنتيسي، محمود، الدور التركي في شرق إفريقيا في ظل التنافس الإقليمي, الجزيرة نت, 27 يناير/كانون الثاني 2015 (تاريخ الدخول 28 فبراير/شباط 2015):
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2015/1/27/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%B8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A
2- صحيفة رأي اليوم, واشنطن تعيِّن سفيرًا في الصومال، وهو الأول منذ 1991، صحيفة رأي اليوم، 25 فبراير/شباط 2015 , (تاريخ الدخول 28 فبراير/شباط 2015): http://www.raialyoum.com/?p=222575
3- Özkan, Mehmet, Do?u Afrika Jeopoliti?i Ve Türkiye’nin Somali Politikas? (Seta, Istanbul, 2014), S.40.
4- Aktay,Yasin, Afrika aç?l?m?nda yola devam, Yeni ?afak, 24 Ocak 2015, (Girme Tarihi 3 Mart 2015): http://www.yenisafak.com.tr/yazarlar/yasinaktay/afrika-aciliminda-yola-devam-2007403
5-  عباس، حسين، إفريقيا تجذب 55 مليار دولار من قيمة الاستثمار الأجنبي في 2014، رأي اليوم، 30 يناير/كانون الثاني 2015. (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2015): http://www.raialyoum.com/?p=211849
6- OECD Development Center, Africa's emerging partners - update 2012, African Economic Outlook, Paris, 5 Dec 2012, P 5,6.
7-  الخولاني، علي حسن، تحديد وأهمية منطقة القرن الإفريقي, موقع التغيير، يناير/كانون الثاني 2015
http://www.al-tagheer.com/art30564.html
8- زيارات أردوغان من 2002-2014، مصدر الصورة: منسقية الدبلوماسية العامة التركية, إبريل/نيسان 2014.
http://kdk.gov.tr/haber/11-yilda-93-ulkeye-305-ziyaret/420
9- Kal?n, ?brahim, Türkiye Afrika'da ne ar?yor? , Aljazeera Türk, 22 Oca 2015. (3 Mart 2015): http://www.aljazeera.com.tr/gorus/turkiye-afrikada-ne-ariyor
10- داود أوغلو، أحمد، العمق الاستراتيجي (مركز الجزيرة للدراسات، بيروت، 2010)، ص141.
11-  Osmanl? ?mparatorlu?u dönemi haritas? 1299-1920 VE OSMANLI ?MPARATORLU?UNUN YER?NE KURULAN 64 ÜLKE, TÜRK B?L?M DÜNYASININ YAYINLARI, 10 Ekim 2010, http://turkbilimi.com/?p=363
12 -Turkey boosts bridges with East African economies, The Journal of Turkish Weekly, 5 March 2014.
http://www.turkishweekly.net/news/164056/turkey-boosts-bridges-with-east-african-economies.html
13-Solmaz, Mehmet, Erdogan We cannot remain silent on Afrika, Daily Sabah, 27 jan 2015.
http://www.dailysabah.com/politics/2015/01/27/erdogan-we-cannot-remain-silent-on-africa
14- Tosun, Resul, Afrika’da ne i?imiz var?!, STAR Gazetesi, 3-2-2015.
http://haber.star.com.tr/yazar/afrikada-ne-isimiz-var/yazi-996739
15-Tokyay, Menekse, Turkey extends security co-operation with East Africa, SES Turkiye, 17-11-2014. إضغط هنا.
16- خولي، معمر، السياسة الخارجية التركية تجاه إفريقيا، مركز الروابط للبحوث، فبراير/شباط 2015.
http://rawabetcenter.com/archives/4228
17- الرنتيسي، الدور التركي بشرق إفريقيا.
18- Foreign Direct Investment (FDI) Confidence Index®, Ideas and Insights, 2014, ( Access date 3 March 2015): http://www.atkearney.com/research-studies/foreign-direct-investment-confidence-index#
19-Özkan, Mehmet, Türkiye- Afrika ili?kilerinde yeni dönem, Aljazeera Türk, 20 Kas 2014(3 Mart 2015) : http://www.aljazeera.com.tr/gorus/turkiye-afrika-iliskilerinde-yeni-donem

نبذة عن الكاتب