تفاعلات المشهد السياسي المغربي قبل الانتخابات المحلية القادمة

كلما اقترب موعد الانتخابات المحلية بالمغرب زاد الجدل حدة بين أطراف المشهد السياسي حول الكيفية والضمانات السياسية والقانونية لإدارة هذه العملية. ويخفي هذا الجدل تخوفات المعارضة من نتائج الانتخابات، في ظل دينامية قوية لحزب العدالة والتنمية. بينما تقف الملكية على مسافة واحدة من أطراف المشهد السياسي.
20154991228792734_20.jpg
كلما اقترب موعد الانتخابات ازداد الجدل حدة بين أطراف المشهد السياسي حول الكيفية والضمانات السياسية والقانونية لإدارة هذه العملية (أسوشيتد برس)
ملخص
كلما اقترب موعد الانتخابات ازداد الجدل حدة بين أحزاب المعارضة والأغلبية الحكومية حول الكيفية والضمانات السياسية والقانونية لإدارة هذه العملية. وفي خضم الجدل الدائر حاليًا حول كيفية إدارة هذه الانتخابات، تظهر تخوفات أحزاب المعارضة التي تستشعر صعوبة هذه المرحلة، وما سيكون عليه موقعها ونصيبها من التصويت الشعبي وحصتها من تسيير الشأن العام. وذلك في ظل دينامية سياسية واجتماعية كبيرة يقوم بها حزب العدالة والتنمية، ويستفيد منها باقي الأحزاب في التحالف الحكومي. وهو ما يطرح التساؤل حول مدى جاهزية المعارضة لخوض هذه الانتخابات. وتمثل الانتخابات المحلية القادمة من الناحية السياسية مناسبة للإجابة عن مدى صلابة التوافقات والقواعد السياسية التي توافقت عليها الملَكية والفاعلون السياسيون في المرحلة التي أعقبت الاحتجاجات الاجتماعية عام 2011. كما أن نتائجها سوف تُظهر الأحجام الحقيقية لأطراف المشهد السياسي، والتغيير الذي سوف يمس الأحزاب السياسية وزنًا وموقعًا، بعد جولات من الصراع بين الحكومة والمعارضة استُخدم فيها كثير من الأسلحة السياسية والاجتماعية، لأكثر من 3 سنوات. وتمثل الانتخابات القادمة من الناحية الاجتماعية جوابًا مهمًّا يقدم فيه المجتمع كذلك تقييمه للأداء الاقتصادي والسياسي لحكومة يقودها الإسلاميون.

تمثل انتخابات المجالس المحلية في المغرب المزمع عقدها مبدئيًّا نهاية الصيف القادم مؤشرًا مفصليًّا في قراءة نتائج التغييرات التي أقدمت عليها المؤسسة الملكية عقب الاحتجاجات الاجتماعية عام 2011، من حيث إقرار الدستور الجديد والانتخابات البرلمانية التي أفرزت الخارطة الحالية. والمغرب الذي قوَّته تحولات وهزات الثورات العربية سياسيًّا واقتصاديًّا، ستقدم فيه هذه الانتخابات التي تنعقد في ظل سياق سياسي واجتماعي مستقر، تغيب فيه الضغوطات والإكراهات على المؤسسة الملكية وباقي الفاعلين، أجوبة على أسئلة سياسية وأخرى اجتماعية.

 امتحان صلابة التوافقات السياسية

تعتبر الانتخابات القادمة من الناحية السياسية مناسبة للإجابة عن مدى صلابة التوافقات والقواعد السياسية التي توافقت عليها الملَكية والفاعلون السياسيون في المرحلة التي أعقبت الاحتجاجات الاجتماعية عام 2011. كما أن نتائجها سوف تُظهر الأحجام الحقيقية لأطراف المشهد السياسي، والتغيير الذي سوف يمس الأحزاب السياسية وزنًا وموقعًا، بعد جولات من الصراع بين الحكومة والمعارضة استُخدم فيها كثير من الأسلحة السياسية والاجتماعية، لأكثر من 3 سنوات. وتمثل الانتخابات القادمة من الناحية الاجتماعية جوابًا مهمًّا يقدم فيه المجتمع كذلك تقييمه للأداء الاقتصادي والسياسي لحكومة يقودها الإسلاميون.

من الإجابات المهمة أن نتائج الانتخابات القادمة سوف تقدم خارطة تتيح فرصة لاستكشاف أوزان الأحزاب السياسية في الانتخابات البرلمانية التي سوف تليها عام 2016، وما سيكون عليه المشهد السياسي في المغرب حينها. وهذا ما يستدعي الوقوف عند العناصر التي تسهم في فهم ديناميات المشهد السياسي المغربي قبيل الانتخابات القادمة بأطرافه الفاعلة: الملَكية، والحكومة، والمعارضة.

يتحكم في تفاعلات وديناميات هذه المرحلة السياسية في المغرب عنصران نتجا عن تداعيات الاحتجاجات الاجتماعية عام 2011، وهما: الدستور المعدَّل ومسار تنزيله، ثم نتائج الانتخابات البرلمانية التي أفرزت الخارطة السياسية الحالية. ومن دون شك فقد منحت نتائج هذين العنصرين درجة مهمة من التوازن والاستقرار للمشهد السياسي والاجتماعي المغربي لما يزيد عن ثلاث سنوات.

تشير القراءة السياسية لتنزيل مضامين الدستور الجديد وقضية الصلاحيات المحدَّدة للملك ورئيس الحكومة، التي تستحوذ على جزء مهم من النقاش السياسي الداخلي، إلى أن العلاقة بين الملكية ورئيس الحكومة تعرف حالة من الاستقرار، ويعكس ذلك غياب التضارب في ما يخص مساحات وحدود الصلاحيات التي يتحرك من خلالها كلا الطرفين، والتي تحتفظ فيها الملكية بموقع محوري. ويبدو أن أحد الأبعاد الأساسية في تقييم هذه العلاقة المتداخلة دستوريًّا وسياسيًّا هو وجود مساحة مشتركة بين صلاحيات رئيس الحكومة والملك، وهي المساحة التي غالبًا ما تعكس وجود نوع من التفاهم وتمكِّن من التغلب على التباين في وجهات النظر. وهي المساحة التي ترد كثيرًا في خطابات وإشارات رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران.

الوضع السياسي الحالي مسار تراكمي؛ حيث تطلبت عملية المحافظة على استمرار الحكومة وفي نفس الوقت عدم التصادم مع خيارات الملكية إقدام حزب العدالة والتنمية على عدد من التنازلات والقبول بالتخلي عن حقيبة الخارجية في إحدى مراحل الضغط الكبيرة على تجربته السياسية، وقبول دخول وزراء تكنوقراط إلى الحكومة، خصوصًا في وزارة الداخلية. وقد أثبثت هذه التنازلات نجاعتها. أمَّا من حيث التقييم السياسي فإن هذه التنازلات لم تكن مؤلمة، إذا ما قُرئت في السياق الإقليمي المعقَّد الذي ساد في المنطقة العربية في السنتين الأخيرتين، وعرف انتكاسة لعدد من التجارب السياسية. وكذلك مقارنة بحجم ومسار التنازلات التي أقدم عليها إسلاميون في مناطق أخرى مثل تونس، حين تخلوا عن حكومتهم السياسية برمتها، رغم أنها نتجت عن صناديق الاقتراع، لصالح حكومة تسيير الأعمال.

مصدر هذا التفاهم بين المؤسسات رؤية إسلاميي العدالة والتنمية التي تتمثل في تجنب النزاع مع الملك. ويرجع إصرارهم الكبير والمتواصل على إغلاق ملف التطبيع مع الملكية والوصول به إلى شكله النهائي إلى التمييز بين الفعل الاستراتيجي والممارسة التكتيكية، فالعلاقة مع الملك تتجاوز كونها مرحلة عابرة، وزمن الملوك سياسيًّا يقاس بالفترات الطويلة، وهو مختلف عن زمن السياسيين الذين يخططون لفترات سياسية أقصر بكثير، قد تقف في كثير من الأحيان عند إعادة انتخابهم.

يبدو أن الملكية تقابل هذا التوجه بخطوات مماثلة من التقارب ومزيد من الاستيعاب لهذا المكون الإسلامي الذي لا يخفي ارتياحه كذلك لهذا الوضع. ويدل على هذا التوجه غياب شواهد أو وقائع للخلاف في الرؤية السياسية أو الاجتماعية لإدارة الدولة حتى اللحظة، في أول تجربة علاقة بين الجانبين منذ ظهور هذا الفصيل الإسلامي وتطوره تاريخيًّا وسياسيًّا، وعدم بروز علامات العرقلة للأداء الحكومي سياسيًّا أو اقتصاديًّا. وهذا يعني أيضًا وجود مصلحة للمؤسسة الملكية في استمرار هذا النمط من العلاقة بين الملك ورئيس الحكومة المنتخب، خصوصًا مع ظهور بوادر ومقدمات لتحسن أداء الاقتصاد المغربي، مع قدرة الأغلبية الحكومية على التعامل بجرأة سياسية مع إشكالات اقتصادية كبيرة ظلَّت حكومات سابقة تتجنب الخوض فيها. مع الإشارة إلى استمرار وجود قضايا اقتصادية مؤرِّقة ومعقدة بدون حلول ناجعة، وعلى رأسها البطالة.

يفضِّل إسلاميُّو العدالة والتنمية تغليب مقاربة الإصلاحات الاقتصادية، لإدراكهم تكلفة الإصلاحات السياسية الكبيرة، ولذلك يفضلون تجنب الخوض في هذا النوع من الإصلاحات. حيث انصبَّ جهدهم الكبير من خلال الحكومة في التركيز على النجاح اجتماعيًّا عبر القيام بإصلاحات اقتصادية جريئة، لكنها مقارنة بالإصلاحات السياسية أقل تكلفة.

أحد أهم عناصر الفاعلية السياسية في المشهد الحالي على مستوى الحكومة هو تمكُّن إسلاميي العدالة والتنمية من إنجاح الشراكة مع باقي المكونات السياسية المتحالفة معهم؛ ذلك أن إنجاح تجارب الشراكة السياسية قد واجه صعوبات كبيرة على مستوى المنطقة العربية بشكل عام. ومكَّنت الشراكة الأغلبية من الحفاظ على تماسكها حتى اللحظة، ومن القيام بعدد من الإصلاحات الاقتصادية الصعبة.

ارتفاع منسوب النقاش السياسي في المجتمع، بسبب ما تطرحه التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها المغرب، عنصر مهم في التأثير على الخيارات السياسية القادمة وعلى رأسها الانتخابات المرتقبة، خصوصًا في ظل سياق يشهد انفتاحًا كبيرًا في دينامية التواصل بين السياسيين والمجتمع.

تحديات تواجه المعارضة

إذا كان صحيحًا أن القوى المشكِّلة للمشهد السياسي المغربي هي الملَكية والحكومة التي يقودها الإسلاميون والمعارضة، فإنه من حيث التأثير تبدو المعارضة -الممثلة في البرلمان- الأضعف تأثيرًا في هذا المشهد. وبين الإشارات القادمة من المؤسسة الملكية الخاصة بالانتخابات وتكليف الملك الحكومة بإدارة هذا الملف، وديناميكية الحكومة، وسلوك المعارضة، يظهر العديد من الدلالات السياسية. وكلما اقترب موعد الانتخابات ازداد الجدل حدة بين أحزاب المعارضة والأغلبية الحكومية حول الكيفية والضمانات السياسية والقانونية لإدارة هذه العملية. وفي خضم الجدل الدائر حاليًا حول كيفية إدارة هذه الانتخابات، تظهر تخوفات أحزاب المعارضة التي تستشعر صعوبة هذه المرحلة، وما سيكون عليه موقعها ونصيبها من التصويت الشعبي وحصتها من تسيير الشأن العام؛ وذلك في ظل دينامية سياسية واجتماعية كبيرة يقوم بها حزب العدالة والتنمية، ويستفيد منها باقي الأحزاب في التحالف الحكومي. وهو ما يطرح التساؤل حول مدى جاهزية المعارضة لخوض هذه الانتخابات.

واحدة من إشكالات المعارضة أن كثيرًا من ممارساتها السياسية تسهم في تقوية رصيد الحكومة. وفي حين يفرض المنطق السياسي أن يمثل عدد من الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي لجأت إليها الحكومة مثل الزيادة في أسعار النفط مثلًا فرصة للمعارضة لإضعاف شعبية الحكومة، إلا أنها لم تتمكن من توظيف مثل هذه الإجراءات الاقتصادية المؤلمة بالنسبة لكثير من الشرائح الاجتماعية لصالح تقوية رصيدها السياسي والاجتماعي. بالمقابل، فقد أسهم تواصل الحكومة مع المجتمع وشرح حيثيات تلك الإجراءات الاقتصادية في تقوية ما يمكن وصفه بجانب المصداقية السياسية في الحكومة التي يقودها الإسلاميون، وإشراك المجتمع في فهم التحديات الاقتصادية والسياسية؛ وهو جانب ظلَّ غائبًا عن الممارسة السياسية في المغرب منذ زمن طويل.

الأرقام التي يتم تداولها إعلاميًّا حول شعبية رئيس الحكومة، وكان أهمها استطلاع الرأي الذي قامت به مجلة الإيكونوميست(1) تخلق لدى المعارضة ردود أفعال لا تبدو أنها محسوبة دائمًا، ويدفعها ذلك إلى الرفع من وتيرة وحجم تحركاتها لمواكبة وتيرة تحرك إسلامي العدالة والتنمية وحضورهم الاجتماعي في هذه المرحلة. وبالتالي تستخدم أساليب اسنساخ ومحاكاة لبعض التحركات التي يقوم بها رئيس الحكومة.

ويبدو أنها تبحث عن حلول لأوضاعها السياسية والتنظيمية ولمخاوفها من أن تلقي بها الانتخابات بعيدًا عن إدارة الشأن العام من خلال التوجه نحو مخاطبة الملكية، وليس بالاتجاه نحو خيار إقناع المجتمع. وهو ما يشير إلى البحث عن نوع من الضمانات السياسية التي تحفظ لها مكانًا في الخارطة السياسية القادمة.

تدرك المعارضة السياسية دلالات الأرقام المتداولة إعلاميًّا حول شعبية رئيس الحكومة وارتفاعها في الفترة الأخيرة، كما تدرك حجم وتأثير التواصل الذي يقوم به أمين عام حزب العدالة والتنمية مع المجتمع ومدى تأثيره المتوقع. إلا أنه من ناحية أخرى تبدو هذه الإمكانات التواصلية مركزة وتتمحور حول شخص بنكيران، ويرجع الجزء الأساسي فيها إلى قدراته الفردية في الخطاب السياسي، لكن سيظل سؤال مطروح ويمثل تحديًا مستقبليًّا كبيرًا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، ويخص مرحلة ما بعد عبد الإله بنكيران الذي ربما يضيف ولاية ثانية حكوميًّا وعلى رأس حزبه، وذلك في ظل غياب قيادات سياسية لديها قدرات مماثلة في الخطاب السياسي.

تتباين قدرات أحزاب المعارضة على الفعل الميداني، ويتقدمها في الأنشطة الحزبية حزب الاستقلال وتليه أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الأصالة والمعاصرة، وهي الأحزاب الأساسية في خارطة المعارضة.  وأمام محدودية قدراتها في الحشد الجماهيري، فهي تلجأ لخيار شخصنة الصراع السياسي مع رئيس الحكومة الذي يمثل بالنسبة إليها حجر الزاوية الذي تبني عليه خطابها المعارض، وتؤسس على ذلك كثيرًا من تحركاتها ميدانيًّا، حيث تخصص الجزء الأهم والأكبر من جهدها في المعارضة لرئيس الحكومة، على حساب انتقاد السياسات الحكومية. لكنها في الوقت نفسه تتجنب استهداف قيادات سياسية أخرى في الحكومة رغم كونها جزءًا من الأغلبية الحكومية.

إحدى القضايا الأساسية التي تتجنب المعارضة الخوض فيها، لكنها ربما تدرك أبعادها، هي أن توظيف الأمين العام للعدالة والتنمية للملك في خطاباته كما يمثل فائدة سياسية للإسلاميين، فإنه كذلك يمثل فائدة موازية بالنسبة للملك وصورته وتشكُّلها الدائم والمستمر في العمق الاجتماعي لدى الناس؛ حيث تعتبر تقوية رمزية وصورة الملك اجتماعيًّا وتسويقها قاعدة مسلَّمة بالنسبة لسلوك الدولة المغربية، ويتحقق للدولة من خلال سلوك رئيس الحكومة الكثير من أهدافها من خلال هذا التقاطع في الآليات. وفي حين يرى مراقبون أن الإسلاميين يدركون أن بقاءهم رهين بالعلاقة مع الملك، ينبغي الإشارة كذلك إلى وجود حاجة مماثلة من الملك أيضًا للإسلاميين في هذه المرحلة.

تأسيسًا على المعطيات السابقة تحاول المعارضة التأثير في مسار الإعداد للانتخابات بأدوات مختلفة سياسيًّا وقانونيًّا. وقد اضطرت نتيجة تقييمها للوضع السياسي بشكل عام ولأوضاعها الذاتية والإشكالات التنظيمية التي يعاني أكثرها منها (حزب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال)، أو نتيجة تراجع مشروعها السياسي والفكري (حزب الأصالة والمعاصرة) إلى محاولة التأثير في عملية الإعداد للانتخابات التي تشرف عليها الحكومة ووزارة الداخلية والعدل في جزء مهم منها. وذلك بدءًا من الانسحاب من اجتماع لجنة الداخلية بمجلس النواب، احتجاجًا على ما وصفته بانفراد الحكومة بإعداد القوانين الانتخابية، ووصف إلياس العماري، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، لوزير الداخلية التكنوقراط بأنه المنخرط رقم 2 في حزب العدالة والتنمية، وصولًا إلى اقتراح حزبي الاستقلال المعارض هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات المحلية بدل الهيئة التي وجَّه إلى تشكيلها الملك(2)؛ وهو ما يدل على تحويل المسار اللوجستي القانوني للانتخابات إلى معركة سياسية لتأمين مكاسب انتخابية خشية حصول سيناريو فوز أحزاب الأغلبية الحالية، وبشكل خاص خصم المعارضة الأساسي حزب العدالة والتنمية بالانتخابات القادمة.

لا يُتوقع أن تدفع ضغوطات المعارضة رئيس الحكومة إلى تراجع عن توظيف العناصر الأساسية المكوِّنة لخطابه التواصلي مع المجتمع، لأنه في هذه الحالة يكون قد تخلَّى عن سلاح أساسي في هذه المرحلة. بل كلما اقترب موعد الانتخابات سوف تزداد حدة الصراع السياسي بين القوى المتنافسة.

أحد العناصر التي لا تساعد على تقوية قواعد وتوافقات عام 2011 في التجربة المغربية سياسيًّا ودستوريًّا هو إقحام كل الأطراف السياسية بدون استثناء للمؤسسة الملكية في الصراع الحزبي، وتحويل الملكية إلى عنصر للتوظيف في الصراع بين السياسيين. إن أغلب خطابات رئيس الحكومة تستند إلى استحضار وتوظيف الملكية، وكذك تجنح المعارضة بالمثل إلى هذا النوع من التوظيف السياسي للملك، وهو ما عكسته خطوتها الأخيرة في طلب لقاء مع مستشاري الملك لمناقشة وضعية العلاقات بين المؤسسات، وخصوصًا المعارضة بالبرلمان والحكومة، وتحديدًا رئيسها عبد الإله بنكيران(3)، ووضع حدٍّ لما تصفه بتوظيف رئيس الحكومة اسم الملك في التدافع السياسي، وهو ما يضعف المؤسسة الحزبية بشكل عام.

استمع مستشارو الملك الذين التقوا رموز المعارضة إلى طبيعة الإشكالية التي تواجههم في العلاقة مع رئيس الحكومة، ويبدو أن جواب الملك على رسالة وتخوفات المعارضة لن يكون إلا بالوقوف على مسافة واحدة من جميع الفاعلين السياسيين تفاديًا لإرباك التوازنات السياسية، ومن ناحية أخرى ضخّ جرعات من التطمين والهدوء على المشهد السياسي والحزبي قبيل الانتخابات القادمة.

المعطيات السابقة مؤثرة في المشهد السياسي من حيث الوضعية السليمة للملك دستوريًّا وسياسيًّا في علاقته بالمشهد الحزبي والتي يفترض أن تتميز بالتوازن، خصوصًا أن الحاجة لتوظيف الملكية بالنسبة لإسلاميي العدالة والتنمية لم تعد بالقوة المطلوبة مقارنة بالمراحل السابقة، بسبب بلوغ التطبيع مع القصر مراحل متقدمة وفي شكلها النهائي، وهذا ما يظهر داخليًّا، وكذلك خارجيًّا تعكسه الرسائل التي يوجهها الملك للخارج فيما يخص علاقته بالإسلاميين، وآخرها وأهمها تمثيل عبد الإله بنكيران للملك في القمة العربية الأخيرة في مصر في ظل سياق إقليمي شديد التعقيد. وهي إشارة لنموذج سياسي واجتماعي استيعابي يرسل رسائل تفيد بأن هنالك مسارًا سياسيًّا ممكنًا ومختلفًا، قادر على حسم إحدى الإشكالات الكبيرة التي تعانيها المنطقة العربية في علاقة الأنظمة بالقوى الإسلامية.

خاتمة

الأهمية السياسية التي تمثلها هذه الانتخابات تتجاوز الأبعاد القانونية والإجرائية التي يمكن أن تصاحب هذه العملية، والنجاح فيها سياسيًّا يؤكد على صلابة الإصلاحات السياسية التي تم ضخها في البنية السياسية للدولة منذ عام 2011. كما يعني نجاح هذه العملية على مستوى الخارج أن هنالك تجربة سياسية ولدت في سياق صعب ومعقد بفعل الهزات التي أحدثتها الثورات في المنطقة العربية، تمتلك دينامية قادرة على العمل بنجاعة والتحول إلى نموذج سياسي يصلح للقياس عليه عربيا.

لن تتدخل المؤسسة الملكية للتأثير على مجريات الانتخابات القادمة لحساب طرف دون طرف آخر مهما كانت تخوفات المعارضة من نتائجها. ونجاح الانتخابات القادمة يتقاطع مع حاجة الملَكية إلى إثبات صلابة مواقفها والمسار التوافقي الذي دفعت نحوه البلاد عقب احتجاجات عام 2011. ويبقى سيناريو التنسيق في الانتخابات المحلية والتصويت المشترك على رؤساء بعض الجهات ومرشحي الغرفة الثانية بين التركيبة المشكِّلة للأغلبية الحكومية، هو الأرجح بعد الانتخابات القادمة، في ظل التراجع الحالي لأحزاب المعارضة، حيث يبدو أن القواعد السياسية الجديدة في المغرب لا تخدمها بشكل كبير.
_________________________________________
كمال القصير - باحث في مركز الجزيرة للدراسات، مسؤول منطقة المغرب العربي

المصادر
1- انظر: مجلة الإيكونوميست بتاريخ 17 مارس/آذار 2015، وموقع جريدة أخبار اليوم بتاريخ 16 مارس/آذار 2015:
http://country.eiu.com/article.aspx?articleid=2022974186&Country=Morocco&topic=Politics&subtopic=_9
http://www.alyaoum24.com/278604.html
2- تصريح للقيادي في حزب الاستقلال عادل بن حمزة، الموقع الإلكتروني لحزب الاستقلال بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول 2014:
http://istiqlal.info/a/%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84-%D8%A8%D9%86%D8%AD%D9%85%D8%B2%D8%A9-%D8%A8%D8%B9%D8%B6%D9%8F-%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A3/
3- موقع هسبريس بتاريخ 29 مارس/آذار 2015:
http://www.hespress.com/politique/259397.html

نبذة عن الكاتب