(الجزيرة) |
ملخص لقد كانت هناك محفزات كثيرة لظهور المشروع، منها: ظهور هياكل عسكرية عديدة خلال السنوات الخمس الماضية، وتعرض الدول العربية الكبرى لتهديد الإرهاب في الوقت الذي فشل فيه الغرب في القضاء على التنظيمات الإرهابية. قابل ذلك نجاحات عسكرية خليجية وقناعات من قادة الجيوش العربية أنفسهم بضرورة تأسيس "القوة العربية المشتركة" لتحل معضلة عدم قدرة جامعة الدول العربية على التحرك بدون "غطاء شرعي" لتجيز التدخل في أماكن الصراعات. ومثلما أيَّدت دول الخليج مقترح إنشاء القوة العربية المشتركة، قادت تلك الدول بنفسها طلب الإرجاء لأسباب، منها: المواقف الخليجية المتباينة من الأزمة الليبية والمواقف السيادية الخليجية، كما تحدث بعض التقارير عن وجود ضغوط خارجية على دول الخليج في هذا الصدد. لقد تبنَّت دول الخليج لأمنها نظام "الدوائر الأمنية"، التي تبدأ بدائرة "الدفاع الذاتي" لكل دولة ثم دائرة "الأمن الجماعي" مع دول الخليج الأخرى، يلي ذلك "دائرة الأمن العربي"، ثم "دائرة الحلفاء"، وأخيرًا "دائرة الأصدقاء". صحيحٌ أن التأجيل جاء بناءً على طلبٍ خليجي، وفي ذلك مؤشِّر على عدم الرضا، لكن ليس بشأن الفكرة نفسها؛ فالخليج يدعم "القوة العربية المشتركة" رغم أن قيامها قد يكون له أثر، ليس بالضرورة إيجابيًّا، على الهياكل الأمنية الخليجية الفرعية. أمَّا معوِّقات ظهور "القوة العربية المشتركة" فيمكن حصرها في الخلافات العربية-العربية والضغوط الخارجية، وهي معوِّقات يمكن تجاوزها بجهود خليجية، خصوصًا أن مستقبل "القوة العربية المشتركة" يخدم نظام الأمن الخليجي. |
مقدمة
في عام 1950 وقَّعت سبع دول عربية، هي: اليمن والعراق والسعودية ومصر وسوريا ولبنان والأردن، معاهدة "الدفاع العربي المشترك" لرغبة الدول العربية في تقوية وتوثيق التعاون بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وذلك حرصًا على استقلالها واستجابةً لرغبة شعوبها في ضم الصفوف لتحقيق الدفاع المشترك وصيانه الأمن والسلام. وبعد 65 عامًا طلبت 22 دولة عربية "الزيادة فوقعت في النقصان"؛ جملةٌ قد تختصر ما حدث بين "تشكيل وتأجيل" القوة العربية المشتركة. ففي 26 مارس/آذار 2015 دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من مقر انعقاد الدورة العادية للقمة العربية لتشكيل قوة عربية موحَّدة لمكافحة الإرهاب، وقد جاء في البيان الختامي للقمة أن القادة العرب قد وافقوا على مبدأ إنشاء "القوة العربية المشتركة" لصيانة الأمن القومي العربي (1). اصطلاح جديد لكيان قديم هو الدفاع المشترك المذكور أعلاه؛ وإن كانت الإضافة الجديدة هي محاربة الإرهاب (2). ثم تأجل المشروع، وكانت سرعة اتخاذ قرار تكوينها المفاجئ هي ما هوَّن على المراقب الخليجي الخبر المفاجئ بتأجيل التوقيع على البروتوكول الخاص بإنشائها في 27 أغسطس/آب 2015، كما جاء في بيان الأمانة العامة للجامعة العربية "أنه تأجَّل بعد تلقي الأمانة مذكِّرة من المملكة العربية السعودية تطلب الإرجاء وتأييد البحرين وقطر والكويت والإمارات والعراق لهذا الطلب" (3).
تتوقف الجمل لبرهة من الحداد على ضياع حلم وحدوي آخر، ثم تعود من جديد لتتبع محفزات ظهور المشروع، ولِتتساءل :لماذا قادت دول الخليج طلب التأجيل؟ وما أثر قيام "القوة العربية المشتركة" على الهياكل الأمنية الخليجية الموجودة أصلًا؟ وما معوقات مشروع "القوة العربية المشتركة" ومآلاتها المستقبلية؟
محفزات ظهور مشروع "القوة العربية المشتركة"
لا يطول السجال حول مسألة الحاجة لتحقيق فكرة "القوة العربية المشتركة" أو ما يشبهها لجبر نظام الأمن العربي؛ فقد كانت هناك محفزات كثيرها، أهمها:
-
لو بدأنا مراجعة تاريخية لعددٍ من العقود الماضية، لوجدنا ظهور هياكل عسكرية أثبتت مع الوقت أنها أكثر فعالية في تغيير المشهد في المنطقة العربية، بعضها بين دول إقليمية كقوات درع الجزيرة المشتركة؛ وبعضها يخوض عملياته بنسق الحرب غير المتماثلة مثل ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، والحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن؛ حيث يدفع امتداد الزمن العسكري لتشكل هياكل عسكرية موازية.
-
تعرَّض أقوى بلدين عربيين عُدَّةً وعتادًا بعد ثورات الربيع العربي، وهما: المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، لهجمات إرهابية موجعة، أعلن ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنها (4).
-
فشل الغرب والتحالف الدولي في حملته الجوية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" رغم تسويقه لنفسه في المنطقة بأنه الحامي لها من الإرهاب؛ فتنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية يزداد قوة وسيطرة على مواقع عديدة؛ ما أدَّى إلى التشكيك في قدرة ذلك التحالف على القضاء على التنظيم.
-
أثبتت دول الخليج العربية، جدارة في حربها في اليمن؛ ما يعني عدم الحاجة الملحَّة في بعض الحالات إلى وجود عسكري غربي، بل إن اتخاذ قرار "عملية عاصفة الحزم" في بُعده السياسي هو ما شجَّع، على ما يبدو، على ظهور مشروع "القوة العربية المشتركة"؛ فحزم الرياض كأكبر عاصمة خليجية أتى كقوة دفع للقرار الفعلي لتشكيل "القوة العربية المشتركة"، لأنها أعطت الثقة في إمكانية التدخل المستقبلي عسكريًّا في أي شأن يهدد الأمن الوطني والإقليمي لدول الخليج العربية (5).
-
لقد كانت هناك قناعة بين القادة العسكريين العرب بضرورة ظهور "القوة العربية المشتركة"، وكان تصورًا محسومًا خلال الاجتماعات التي تمت بين رؤساء أركان الجيوش العربية، ويقين بأن إنجاز المشروع ليس إلَّا مسألة وقت؛ فامتداد الزمن العسكري ليتجاوز الفشل السياسي كان مشجعًا على نفخ الروح من جديد في معاهدة الدفاع العربي المشترك.
-
حالة التشرذم السياسي الذي يعيشه العالم العربي دفع بالضرورة للبحث عن آليات أخرى، منها التعاون الاقتصادي الذي كان له معوقات كثيرة؛ مما جعل التفكير في التعاون العسكري آلية للخروج من حالة الجمود التي يرزح تحتها العالم العربي.
-
لم تكن الجامعة العربية قادرة على التدخل العسكري لو طلبت حكومة عربية منها العون، لعدم وجود آلية لذلك، لأنه لم يتم إقرار "قوة عربية مشتركة" كذراع عسكرية قوية للجامعة العربية لمحاربة الإرهاب العابر للحدود، والذي قد يكون مدعومًا من دولٍ كبرى من أجل إثارة الفوضى في المنطقة، وإنهاك جيوش الدول العربية من أجل إضعافها وتحويلها إلى كياناتٍ هشَّة لإشاعة الفوضى فيها؛ ما يؤدي إلى تمدد الطامعين (6).
قيادة دول الخليج وطلب التأجيل
مثلما أيَّدت دول الخليج العربية مقترح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في شرم الشيخ، قادت دول الخليج نفسها طلب الإرجاء؛ حيث تلقت الأمانة العامة للجامعة العربية مذكِّرة من المملكة العربية السعودية تطلب الإرجاء بتأييدٍ من البحرين وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة. قابل ذلك تفهمٌ مصري للتأجيل، وهذا لا يغيِّر شيئًا من حقيقة أن المشروع نفسه لم يلقَ ترحيبًا مطلقًا منذ البداية؛ فقد رفض العراق وسلطنة عُمان المشروع وتحفَّظت الجزائر عليه منذ طرحه في المرة الأولى (7). ومما تجدر الإشارة إليه هو أن هذا الإرجاء لم يكن التأجيل الأول؛ حيث تم التأجيل للمرة الثانية خلال أقل من شهر بعدما كانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية قد دعت لعقد الاجتماع الأول في 29 يوليو/تموز 2015 (8).
لقد أثار قرار تأجيل الاجتماع المشترك لوزراء الدفاع والخارجية العرب لإقرار بروتوكول "القوة العربية المشتركة" الكثير من الشكوك، لأنه حال دون تحقيق الخطوة الأولى في العمل العسكري المشترك؛ ما فتح المجال أمام العديد من التكهنات حول أسباب التأجيل، وكان أهم ما ورد في هذا السياق ما يلي:
• المواقف الخليجية المتباينة من الأزمة الليبية
لا يمثِّل الصراع في ليبيا مثالًا على اختلاف الحسابات العربية-الخليجية فحسب، بل الخليجية-الخليجية أيضًا؛ فالرياض لديها وجهة نظر تؤيد اعتماد الحوار كأسلوب لحل الصراع في ليبيا، وليس التدخل العسكري المباشر الذي يؤيده كل من مصر والإمارات (9). كما أن هناك مخاوف خليجية من تحمل التبعات المالية لدعم الجنرال حفتر عبر القوة العسكرية المشتركة بعكس التوجه الإماراتي والمصري الذي يؤيد توفير الغطاء العسكري العربي، كالحالة اليمنية تمامًا. فقد تراجع تجاوب الرياض مع الجهود المصرية بهذا الصدد بعد أن ضعف تجاوب القاهرة مع عملية عاصفة الحزم، بشكلٍ دعا الرياض للعودة إلى تحفظاتها، فالانحياز لفصيل معين في ليبيا لا يعني السعودية كثيرًا (10).
• المواقف السيادية الخليجية
رغم ما تتمتع به الجزائر من قوة عسكرية إلا أنها تحفظت منذ البداية على المشاركة في القوة العربية المقترح تشكيلها، ربما حتى لا تستفز التيارات الإسلامية في المنطقة (11).أو حتى لا تتضرر علاقاتها مع ليبيا المستقبل جرَّاء موقف منحاز لأحد الأطراف حاليًا؛ حيث شكرت فصائل ليبية مقاتِلة الجزائر على موقفها (12). كما رفض العراق المشاركة ما يعكس سيطرة طهران على دوائر صنع القرار في بغداد (13). كما أعدَّ لبنان كتابًا لرفض مشروع البروتوكول تضمَّن ملاحظات، كان من أبرزها: تحديد مفهوم الإرهاب وآلية اتخاذ القرارات ومهام القوة المشتركة (14).
وبناء على مصادر عدَّة فقد تم التأجيل من وجهة النظر الخليجية لبحث تفاصيل بروتوكول "القوة" (15)، وليس هناك دافع سياسي وراء هذا التأجيل أو اعتراض أو مشكلة على تشكيل القوة، ولكنه بسبب مسائل لوجيستية وارتباطات خارجية لعدد كبير من الوزراء؛ حيث لم يكن هناك تنسيق كاف في تحديد الموعد بشكل منظم (16). أمَّا سلطنة عمان فتحفَّظت بصوت واضح على تشكيل القوة العربية المشتركة وأعلنت عدم المشاركة على لسان وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، لأن مسقط تعوِّل على أن تتمكن الدول العربية من إنشاء القوة العربية المشتركة للأغراض والضرورات القائمة في الوقت الحالي؛ حيث لن تشارك مسقط في تلك القوة وفقًا للنظام الأساسي للقوات المسلحة العمانية، الذي يحظر عليها أن تعمل خارج إطار مجلس التعاون الخليجي (17).
• الضغوط الخارجية على دول الخليج
يرى البعض أن الغرب ظهر دون تخطيط للتحرك في مواجهة المشروع العسكري العربي لو تدخل لضرب تنظيم ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، ولم يكن هناك حيز للمناورة الغربية إلا بالضغط على حلفائها الخليجيين لتجميد مشروع القوة العربية المشتركة، فتشكيلها يتعارض مع رغبة واشنطن وحلف الناتو في إبقاء المنطقة تحت الوصاية الغربية (18). بل إن هناك من ذهب الى احتمال وجود ضغوط إسرائيلية؛ فبعد أن تلقت تل أبيب خبر الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، فإنها لن تكون مستعدة لتلقي خبر تشكيل قوة عربية موحَّدة فالصراع الإسرائيلي-العربي لا يزال قائمًا.
أثر قيام "القوة العربية المشتركة" على الهياكل الأمنية الخليجية
لقد كان من استراتيجيات البقاء التي مارستها دول مجلس التعاون الخليجي تبنِّي نظام الدوائر الأمنية، التي تبدأ بدائرة الدفاع الذاتي لكل دولة ثم دائرة الأمن الجماعي مع دول الخليج ، ثم الدائرة العربية، تليها دائرة الحلفاء، وأخيرًا دائرة الأصدقاء (19). صحيح أن التأجيل جاء بناء على طلب خليجي، وفي ذلك مؤشر على عدم الرضا، لكن ليس بشأن الفكرة نفسها، فالخليج يدعم فكرة تكوين قوة عربية مشتركة (20) رغم أن قيامها سيكون له أثر على الهياكل الأمنية الخليجية التي ربما يكون منها:
-
في دائرة الدفاع الذاتي: لن تُحدث القوة العربية المشتركة انقلابًا في المشهد العسكري الخليجي داخل كل دولة، وسيكون التعاون من خلال قنوات الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي أُبرمت في عام 1998، واتفاقية مكافحة الإرهاب الخليجية التي اعتُمدت في عام 2004، لكن ما سيثقل كاهل دائرة الدفاع الذاتي هو فقدان المنظومة العسكرية لكل دولة لجزء كبير من قواتها الصغيرة حين تشارك خارج الحدود، وما لذلك من تبعات حادَّة؛ فكما في حالة بعض دول الخليج في التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية ممثَّلًا بعملية إعادة الأمل؛ حيث تمثِّل المفارز الجوية والقوات البرية المتواجدة على الجبهة خصمًا من رصيد دائرة الدفاع الذاتي إذا طال زمن الحرب.
-
تقوم دائرة الأمن الجماعي الخليجي على اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك لعام 1998، وذراعها العسكرية هي قوات درع الجزيرة المشتركة. فبعد الغيبوبة التاريخية، وبعد أن أخذت الإفاقة العربية منحى تعبويًّا من خلال عملية عاصفة الحزم، أصبحت قوات درع الجزيرة المشتركة الأكثر تأهيلًا من غيرها، وهي أمام خيارين: إمَّا التفكك لمنع الازدواجية والكُلفة أو أن تكون نواة للقوات العربية المشتركة وهو الأجدى. لقد تغيَّر هيكل القوات الخليجية منذ العام 1991، وأصبحت من أوضح التحالفات العسكرية في القرن الحادي والعشرين، فلديها قوة بحرية وجوية وبرية حديثة وتعمل تحت شبكات موحدة للرقابة والإنذار الجوي والصاروخي المبكر، ومربوطة بغرفة مراقبة وإنذار مركزية، ولها قيادة مشتركة. كما يبدو هيكل درع الجزيرة الحالي معطًى مناسبًا لتجاوز إشكاليات البدايات وعوائقها نحو تشكيل القوة العربية المشتركة؛ حيث يعتبر مقر قوات درع الجزيرة في حفر الباطن بالمملكة العربية السعودية بمثابة موقع استراتيجي لقربه من مناطق التهديد بدوافع إيرانية. ودرع الجزيرة نواة جاهزة تتألَّف من فرقة من 30 ألف مجند، بل إن قيادتها بخبرة 33 عامًا من العمل المشترك تجعلها الأكثر تأهيلًا لقيادة الحلف العربي (21).
-
كانت الدائرة العربية في نظام الأمن الخليجي مهمَلة جرَّاء تجارب عربية سابقة لم يُكتب لها النجاح كهيكل "دول إعلان دمشق" في مارس/آذار 1991 الذي وقع بين 8 دول عربية (22). فرغم توضيح أن الإعلان لن يكون بديلاً للجامعة العربية، والصيغة التي تم الاتفاق عليها بأنها ليست بديلاً لميثاق الجامعة بل صيغة لتفعيل أهداف هذا الميثاق المطروح؛ إلا أن الضغط الخارجي وعوائق التمويل حالت دون نجاح تلك الصيغة. وبما أن إنشاء قوة عربية فاعلة سوف يكون مكلِّفًا جدًّا من حيث الرواتب والبدلات والتسليح فإن المنطق العربي السائد هو أن تأمين موازنتها ستتحمله دول الخليج العربية التي تعاني أصلًا من مشاكل تمويل مشاريعها الخاصة في ظل الانخفاض الحادِّ في أسعار النفط بالتزامن مع كلفة الحرب الدائرة في اليمن. فإذا كانت القوى البشرية غير خليجية والتمويل خليجي؛ فمن سيملك القرار؟ فعند أول تعارض في القرارات سوف تصبح هذا القوة المقترحة عاطلة وفارغة من المضمون كما حدث في هيكل "دول إعلان دمشق".
لقد طُرحت في الماضي أفكار حول ضمِّ دول عربية أخرى للحلف الخليجي كشريك استراتيجي؛ ومشروع القوة العربية تحقيق لتلك الفكرة عبر فرز قيادات وحدات عسكرية نخبوية من القوات الخاصة للجيش المشترك مع بقاء تلك القوات في بلدانها وإدامة العمل المشترك بالتمارين فلا تكون عبئًا على القواعد العسكرية في دول الخليج العربية، ولا تسبِّب مشاركتها فراغًا في بلدانها، مع اعتماد قوات درع الجزيرة المشتركة كقوة ضاربة للتدخل السريع. -
ظهرت دائرة الحلفاء في نظام الأمن الخليجي جرَّاء انهيار نظام الأمن العربي على ضفاف الخليج العربي بعد الغزو العراقي للكويت 1990، فخلقت دول الخليج العربية لنفسها أنظمة أمن فرعية خاصة بها كقوات درع الجزيرة المشتركة، أو من خلال الاتفاقيات الأمنية التي أبرمتها مع الدول الكبرى، والقواعد والتسهيلات التي منحتها لدول غربية عدَّة، وتعزيز العلاقة مع حلف الناتو من خلال "مبادرة إسطنبول للتعاون" التي أُبرمت في عام 2004 (23).
إلا أن التقارب الإيراني-الأميركي يفرض على الخليجيين إعادة إنتاج مشروعهم الأمني بالكامل من خلال التقليل من الاعتماد على دائرة الحلفاء وتجديد شروط علاقات التحالف القائمة حاليًا مع واشنطن وتقوية بقية الدوائر خصوصًا دائرة الأمن العربي حيث من المناسب التمعن جيدًا في القوة العربية المشتركة كبديل لدائرة الحلفاء. -
لن تتأثر الدول الصديقة بوجود مثل هذه القوة العربية المشتركة بحكم أن المرحلة تحكم فترة وحجم تدخل الأصدقاء؛ إلا أن ما تجدر الإشارة اليه هو أن القوة العربية المشتركة ستكون أكثر مصداقية من مكونات دائرة الأصدقاء، ولنا في موقف باكستان من دول التحالف العربي في حربها في اليمن خير مثال على ذلك، فسرعان ما تبدَّد ذلك الوهم الاستراتيجي كاشفًا واقع هذه الدائرة (24).
معوقات مشروع "القوة العربية المشتركة" ومآلاتها المستقبلية
أظهر السعي لإنشاء قوة عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب ومواجهة الأخطار الخارجية على الأمة العربية حالة تمرد على الجمود العربي. وتَظهر التحفظات التي ظهرت حتى الآن على مشروع القوة العسكرية العربية المشتركة كبذور خصومة للمشروع قد تتحول مستقبلًا إلى غابة من المعوِّقات إذا لم يتم تداركها في مراحل المشروع الأولى. أضف إلى ذلك الضغوط الخارجية المحتملة على دول الخليج وعلى بقية الدول العربية الأخرى؛ فتشكيل القوة العربية المشتركة هو انتفاء للحاجة للأنظمة الأمنية الخليجية الفرعية عبر الاتفاقيات الأمنية، والتي هي مصلحة غربية بدرجة كبيرة يشرعن لتواجدها بالقواعد والتسهيلات في المنطقة (25). كما أن ظهور "القوة العربية المشتركة" هو تفكيك للتحالف الاستراتيجي العراقي-الإيراني، وعودة محتَّمة لبغداد إلى أحضان أمتها العربية.
فإذا تشكَّلت القوة العسكرية العربية المشتركة ولم تتحول، كبقية الهياكل الأمنية العربية، إلى حزمة من الأماني مفرغة من شحنتها التعبوية، وأظهرت عزمها على دخول جولات النزاع بتصميم وقوة، فسيتشكَّل مزاج وحدوي عربي سيدعم عملها خصوصًا أن ما ظهر من تفاصيل لملَكات القوة يُظهر قوة ضاربة قوامها 40 ألف جندي، إضافة إلى 1000 طيار حربي، و3000 عنصر من القوات البحرية، محكومة ببروتوكول ويسري مفعوله لمدة 5 سنوات، ويحتوي 12 بندًا تتحدث عن مرتكزات نبيلة كحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للأعضاء، وعدم الانحياز لأي اعتبارات مذهبية (26) .بالطبع، لن تكون القوة العربية المشتركة بحجم وفعالية قوة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، لكنها ستجعل مصدر التهديد يعيد حساباته ويقدِّر أن مغامراته لن تكون نزهة يسيرة كما هي الحال مع التحديات التي واجهها بعض الدول العربية من دول تشنُّ حربًا لا متماثلة.
خاتمة
لقد كانت بصمات الخليجيين واضحة في ثنايا مشروع القوة العسكرية العربية المشتركة بشكل يُظهر تنامي الدور الخليجي العسكري؛ حيث كانت المحفزات خليجية في جُلِّها، كما كانت أسباب التأجيل أيضًا. لا شك بأن لتأسيس "القوة العربية المشتركة" أثرًا على الهياكل العسكرية الخليجية ودوائر الأمن فيها، إلا أنه من الممكن تجاوز معوقات مشروع القوة العربية المشتركة بجهود خليجية وعربية، خصوصًا وأن مستقبل هذا المشروع "القوة العسكرية العربية المشتركة" يخدم نظام الأمن الخليجي نفسه.
___________________________
د. ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
الهوامش
1 . مشروع قمة شرم الشيخ يدعو إلى تشكيل قوة عربية لمواجهة التهديدات، جريدة الوطن الكويتية، 29 مارس/آذار 2015، (تاريخ الدخول: 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015): http://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?id=425766
2 . علي، أحمد، حجازي: القوة العربية المشتركة تهدف إلى محاربة الإرهاب وحماية الأمن القومي العربي موقع 24، 22 إبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2015): http://tinyurl.com/olnk25z
3 . جريدة الحياة، 27 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 27 أغسطس/ آب 2015): http://tinyurl.com/pr29954
4 . الصباغ، أشرف، المصير الغامض للقوة العربية المشتركة: إلغاء أم تأجيل؟!، موقع RT، 28 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 5 سبتمبر/ أيلول 2015):
http://tinyurl.com/pzc89gp
5 . حوار مع وزير الخارجية اليمني رياض ياسين، جريدة الخبر، 31 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/ تشرين الثاني 2015):
http://www.alkhabarnow.net/news/199950/2015/08/31
6 . عفيفى، جميل، القوة العربية المشتركة.. الحل الأمثل، جريدة الأهرام، 24 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 26 أغسطس/ آب 2015):
http://www.ahram.org.eg/News/121642/139/424332/قضايا-عسكرية/القوة-العربية-المشتركة-الحل-الأمثل.aspx
7 . لماذا تأجل اجتماع إقرار القوة العربية المشتركة؟ موقع الخليج الجديد، 29 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/ تشرين الثاني 2015): http://thenewkhalij.com/ar/node/19740
8 . لماذا فشل العرب مجددًا في تشكيل القوة المشتركة رغم ما يتهددهم من أخطار؟، موقع شؤون خليجية، 30 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 31 أغسطس/ آب 2015):
http://alkhaleejaffairs.org/c-24435
9 . اللباد، مصطفى، مصر وروسيا و "حلف بغداد الجديد"، جريدة السفير، 31 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 10 سبتمبر/ أيلول 2015): http://assafir.com/Article/1/440773
10 . صحيفة أخبارك، 30 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 30 أغسطس، آب 2015): http://tinyurl.com/q7godwr
11 . النشار، منى، تأجيل قرار تشكيل القوة العربية المشتركة يثير التساؤل، موقع مصرس، 27 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 27 أغسطس/ آب 2015): http://www.masress.com/elfagr/2846776
12 . لحياني، عثمان، العضو القيادي في حزب الوطن، جمال السعداوي: نشكر الجزائر لقطعها الطريق أمام التدخل العربي في ليبيا، صحيفة الخبر، 30 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 30 أغسطس/ آب 2015):
http://www.elkhabar.com/press/article/89109/%D9%86%D8%B4%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%B9%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7/
13 . النشار، منى، تأجيل قرار تشكيل القوة العربية المشتركة يثير التساؤل، موقع بوابة الفجر، 27 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 29 أغسطس/ آب 2015):
http://www.elfagr.org/print.aspx?1846776
14 . خليفة، مارلين، لبنان يبدي ملاحظات على مشروع بروتوكول إنشاء القوة العربية المشتركة، جريدة الرياض، 28 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 7 سبتمبر/ أيلول 2015): http://www.alriyadh.com/1077214
15 . صحف عربية تهتم بجدل حول مصير القوة العربية المشتركة، BBC عربي، 28 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 10 سبتمبر/ أيلول 2015): http://www.bbc.com/arabic/inthepress/2015/08/150828_arab_press_review_friday
16 . رياض ياسين يكشف سبب تأخر إعلان القوة العربية المشتركة ويؤكد: صنعاء حرة بحلول نوفمبر، جريدة الخبر، 31 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015):
http://www.alkhabarnow.net/news/199950/2015/08/31
17 . إقرار القوة العربية المشتركة غدًا، جريدة الشاهد الكويتية، 26 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 27 أغسطس/ آب 2015): http://tinyurl.com/ohpo6sl
18 . الصياد، عمر، الوفاق الوطني: واشنطن تعرقل تشكيل القوى العربية المشتركة، موقع البوابة، 29 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 18 سبتمبر/ أيلول 2015):
https://www.albawabhnews.com/1471139
19 . العجمي، ظافر،التقارب الإيراني الأميركي: محفزات التقارب، التبعات على أمن الخليج، والإجراءات الخليجية الممكنة، جريدة الآن الإلكترونية، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، (تاريخ الدخول:28 أغسطس/ آب 2015):
http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?cid=46&nid=161431
20 . جريدة التحرير نيوز، 4 سبتمبر/أيلول 2015، (تاريخ الدخول: 4 سبتمبر/ أيلول 2015): http://tinyurl.com/onumq8c
21 . العجمي، ظافر، درع الجزيرة نواة للقوة العربية المشتركة، جريدة الوطن البحرينية، 15 إبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول: 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2015):
http://www.alwatannews.net/ArticleViewer.aspx?ID=NnKDApveoIy4MKeyKpSJ8g933339933339
22 . دور "إعلان دمشق" في انفراج عربي، جريدة الحياة، 17 يوليو/تموز 1995، (تاريخ الدخول: 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2015):
http://tinyurl.com/pl65hof
23 . عيد، محمد بدري، حلف الناتو ودول الخليج: تقييم لمبادرة إسطنبول بعد عقد من الزمن، مركز الجزيرة للدراسات، 16 إبريل/نيسان 2014، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2015):
http://studies.aljazeera.net/reports/2014/04/20144169263720934.htm
24 . ريس، رسول بخش، موقف باكستان من عاصفة الحزم: الأسباب والتداعيات، مركز الجزيرة للدراسات، 16 إبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2015):
http://studies.aljazeera.net/reports/2015/04/2015416105117960316.htm
25. الصياد، عمر، الوفاق الوطني: واشنطن تعرقل تشكيل القوى العربية المشتركة، موقع البوابة، 29 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 18 سبتمبر/ أيلول 2015): https://www.albawabhnews.com/1471139
26 . لماذا تأجَّل اجتماع إقرار القوة العربية المشتركة؟، الخليج الجديد، 29 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 29 أغسطس/ آب 2015):
http://www.thenewkhalij.net/ar/node/19740