ديمقراطية السنغال: جينيالوجيا الاستثناء ومسار التطور

تحاول هذه الورقة فهم التميز الديمقراطي السنغالي وذلك عبر رحلة مع مسارات التجربة السنغالية الطويلة مع ممارسة الحكم والانتخابات، ويؤشر نجاح ديوماي فاي مؤخرًا لنضج ومرونة مكَّنا التجربة الديمقراطية السنغالية من احتواء هذا الوافد الجديد ووضعه في مواجهة الواقع الاقتصادي والاجتماعي الشائك للبلاد.
يؤشر نجاح الرئيس السنغالي الجديد ديوماي فاي على نضج ومرونة التجربة الديمقراطية السنغالية (الجزيرة)

مقدمة

رغم المسار المضطرب الذي سبق انتخابات الرابع والعشرين من مارس/آذار 2024، بدا السنغال نشازًا حقيقيًّا في محيطه الإقليمي حين سلَّم الرئيس المنتهية ولايته، ماكي صال، رئاسة البلاد للرئيس المنتخب، باسيرو ديوماي فاي. فإلى الشرق منه تعيش مالي وبوركينا فاسو والنيجر تحت أحكام عسكرية في عودة صارخة للانقلابات العسكرية وانتكاسة للمسلسل الديمقراطي. وإلى الجنوب تعيش غينيا كوناكري هي الأخرى تحت حكم العقيد مامادو دومبيا، وفي غينيا بيساو تسعى منظمة إكواس، عبر بعثة عسكرية لها، إلى إبقاء حكم الرئيس عمر سيسوكو إمبالو مستقرًّا، بعد أن كادت تطيح به محاولتان انقلابيتان. أما شمالًا في موريتانيا، فإن الديمقراطية والتعددية الحزبية وصناديق الاقتراع تبدو حتى الآن منفذًا يسلكه ضباط الجيش السَّامُون وهم يغادرون ثكناتهم العسكرية نحو حكم البلاد بلبوس مدني لولايتين رئاسيتين.

غير أن السنغال إذ يطوي صفحة ماكي صال، ويفتح أبواب الرئاسة أمام شاب قادم من خارج دوائر السلطة والنفوذ، ورغم خصوصية هذا الانتقال، لم يكن يقفز إلى مجهول لا يعرفه، بل كان يواصل السير على مسار اختطَّه لنفسه مغايِرًا نهج دول الجوار وسابقًا إياهم للتعددية الحزبية وتكريس آليات التداول السلمي للسلطة. وقد بقي جيشه داخل ثكناته وفيًّا للنظام الجمهوري، إذا استثنينا دوره الخاطف والحذر في الصراع الذي دار بين الرئيس، ليوبولد سيدار سونغور، ووزيره الأول، مامادو ديا، سنة 1962(1).

ورغم أن السنغال عاش لفترة تحت حكم نظام الحزب الواحد بحكم الأمر الواقع، فإن سونغور، أول رئيس للبلاد، لم يغادر السلطة، مستقيلًا نهاية 1980، قبل أن تعيش بلاده استحقاقًا رئاسيًّا ديمقراطيًّا نافسه فيه عبد الله واد الذي سلك منذ ذلك الحين نهجًا معارضًا براغماتيًّا حثيثًا أوصله في نهاية المطاف إلى رئاسة البلاد سنة 2000، ليحقق السنغال أول تحول ديمقراطي في تاريخه. كما نجح السنغال في تخفيف حدة ما ورث من علمانية عن مستعمِره السابق ليوائم بينه وبين تقاليده وممارساته الإسلامية مختطًّا نموذجًا علمانيًّا خاصًّا ظل لقادة الطرق الصوفية فيه كلمة وتأثير على توجهات الناخبين. 

ساحل السنغال: مختبر الديمقراطية الإفريقية 

على عكس عموم المستعمرات الفرنسية في إفريقيا التي بدأت تجربتها مع صناديق الاقتراع والديمقراطية التمثيلية منتصف أربعينات القرن الماضي، مع قيام الجمهورية الفرنسية الرابعة وإنشاء الاتحاد الفرنسي، دشنت مدينة سينلوي وجزيرة غوري الواقعتان غربي السنغال على ضفاف الأطلسي قبل ذلك بنحو قرن أو يزيد، إبان خضوعهما للاحتلال الفرنسي، علاقتهما مع الانتخابات والتمثيل النيابي والبلدي. فقد أسهم الحضور المتنامي للمستعمرين الفرنسيين في سينلوي، ابتداء من نهايات القرن السابع عشر، وانغراسهم تدريجيًّا داخل البيئة المحلية، ونشاطهم التجاري الحثيث، في بروز نخبة إفريقية محلية وطبقة خلاسية فرنسية-سنغالية (والخلاسي شخص ذو أصل مختَلط من الجنسين الأبيض والأسود) وهذه الطبقة الخلاسية ذات مصالح خاصة لا تنسجم بالضرورة مع سياسات الإداريين الاستعماريين الفرنسيين والتجار الوافدين حديثًا من فرنسا، لاسيما من مدينة بوردو. وسيولد التفاوض على النفوذ بين هذه القوى بعضها البعض من جهة، ومع المركز الميتروبولي ووكلائه المحليين من إداريين من جهة أخرى، نقاشًا سياسيًّا نمت على هامشه تجربة انتخابية استطاع من خلالها سكان المحطات الاستعمارية من السنغاليين أو ما يعرف في التقاليد الاستعمارية بالسكان الأصليين les originaires، أن يزاحموا نفوذ الفرنسيين والخلاسيين مع منعطف القرن التاسع عشر، ويضعوا اللبنات الأولى لتجربة ديمقراطية محلية يطَّرد وصفها في دراسات التجارب الديمقراطية في إفريقيا بالاستثناء السنغالي. 

ويرى دارسو البنى الاجتماعية والاقتصادية التي أفرزت نشوء النخب السياسية، بدءًا بالنخبة الخلاسية والسنغالية المحلية، على الساحل السنغالي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر (جونز 2012، وروبنسون، 2000، وديوف، 1999، وديوف 1998، وجونسون، 1971)(2) في مساعي تجار مدينة سينلوي وجزيرة غوري لحماية مصالحهم أمام السادة الجدد في الساحل السنغالي من البريطانيين أثناء التدافع الفرنسي-الإنجليزي على شواطئ غرب إفريقيا (حرب السنوت السبع 1756-1763، والحروب النابليونية مطلع القرن التاسع عشر) بواكيرَ النشاط السياسي في كل من غوري وسينلوي. وتجسد العرائض المطلبية التي أرسلتها النخب الفرنسية والخلاسية، قبل ذلك، في أعقاب الثورة الفرنسية (1789)، وبعدها بعقود، والتطلعاتُ التي حملتها هذه العرائض، رغم تجاهلها في الأغلب من باريس، تشبثاً بما حملته هذه الثورة من قيم مواطنة وحريات عامة. وسيجد جاكْ فرانسوا-روجي Jacques-François Roger، الحاكمُ الفرنسي للسنغال بعد استعادتها بشكل نهائي من البريطانيين سنة 1816، كما ينقل جونسون (1971)(3)، نفسه مشدوهًا أمام وجود مجلس محلي منتخب في سينلوي بقيادة شخص مولود في المدينة، كما وصف لوزارة البحرية. ويعزو جونز (2012)(4) للخلاسيين دورًا محوريًّا في تطوير هذه التجربة ورسم معالم التجربة الاستعمارية لفرنسا في غرب إفريقيا عادة ما يتم تجاوزه إلى ثنائية المستعمِر والمستعمَر. 

وقد تعززت المؤسسات التمثيلية في الساحل السنغالي مع قيام الجمهورية الثانية، سنة 1848، وإقرارها التمثيل في الجمعية الوطنية الفرنسية لسكان سينلوي وغوري من الفرنسيين والخلاسيين والأفارقة، بالإضافة إلى إنشاء مجلس عام منتخب للمدينتين. ورغم قصر عمر هذه التجربة التي أجهضها نابليون الثالث، بعد إعلان الإمبراطورية الثانية، بدايات الخمسينات من نفس القرن، فإن ما رافقها من تأكيد على إلغاء العبودية ومنح حق الاقتراع للسنغاليين المقيمين لفترة خمس سنوات في المدينتين كرس المشاركة السياسية للسنغاليين ووطَّد سلطة الاقتراع في الساحل السنغالي. وستتجلى هذه المشاركة بوضوح مع استئناف العمل بهذه المؤسسات التمثيلية بعد قيام الجمهورية الثالثة في سبعينات القرن التاسع عشر وإنشاء بلديتين إضافيتين لسكانهما نفس الحقوق الانتخابية هما ريفيسك سنة 1880 وداكار سنة 1887، ليكتمل عقد ما عُرف بالبلديات الأربع ذات الصلاحيات الكاملة les quatres communes en pleine exercise، التي تتساوى في مسؤولياتها التدبيرية مع نظيراتها في فرنسا الأوروبية la France métropolitaine، بينما ظلت بقية الأراضي السنغالية وغيرها من أراضي إفريقيا الغربية الفرنسية تدار كمستعمرات، لا حظَّ لسكانها من المشاركة السياسية. 

ورغم أن سكان هذه البلديات الأربع من قوميات الوولوف والتوكولور واللبو مثَّلوا قوة انتخابية ضاربة منذ منتصف القرن التاسع عشر، كما ينقل جونسون (1966، و1971)(5)، فإن النخب الخلاسية بزعامة أسر مثل آل دفيس Devès وكاربو Carpot ودسمي Descemet في سينلوي، بالإضافة إلى تجار ريفيسك وداكار من الفرنسيين، سيطرت على المناصب الانتخابية طيلة عقود. وسيمثل صعود الموظف المشاكس في دائرة السكك الحديدية، غالاندو ديوف، عضوًا في المجلس العام للبلديات الأربع في انتخابات 1909، بعد أن كان تمثيل المحليين في المناصب الانتخابية مقصورًا على ثلة من الموالين والتابعين تبعية مطلقة للنخب الفرنسية والخلاسية، الخطوة الأولى للسنغاليين في دوائر السياسة والتمثيل الانتخابي. وجاء انتخاب موظف الضرائب ذي التجربة الطويلة في المستعمرات الفرنسية، بليز دياني، سنة 1814، عضوًا في البرلمان الفرنسي، كأول إفريقي يتولى هذا المنصب، ليعبِّر بشكل جلي عن ركون السنغاليين من سكان البلديات الأربع إلى المعترك السياسي وصناديق الاقتراع لمزاحمة سيطرة الفرنسيين والخلاسيين، ومن ثم انتزاع حقوقهم، ضمن إطار التصورات الكولونيالية التطورية لباريس بشأن تماهي السكان الأصليين مع النموذج الفرنسي.  

وسيستغل دياني حاجة فرنسا للمقاتلين من مستعمراتها الإفريقية خلال الحرب العالمية الأولى، فيتقدم إلى الجمعية الوطنية الفرنسية بمسودة قانون ضمن مساواة الجنود المنحدرين من هذه البلديات مع نظرائهم الفرنسيين، لحقه قانون آخر أكد الجنسية الفرنسية لسكان هذه البلديات، سنة 1916، جونسون (1971)(6). وقد استطاع دياني، كما ينقل جونسون (1966)(7)، أن يجمع من حوله الناخبين السنغاليين في البلديات الأربع ويكسب دعم عموم سكان مستعمرة السنغال، لاسيما أتباع الطريقة المريدية التي كانت علاقة زعيمها، أحمدو بامبا، مع السلطات الاستعمارية مضطربة في تلك الفترة. كما حصل على دعم الجاليتين، اللبنانية والمغربية، ذواتي المصالح التجارية الصاعدة في داكار وسينلوي. 

وسيسعى دياني إلى لم شتات الأصوات الداعمة له في أول حزب سياسي في غرب إفريقيا، هو الحزب الجمهوري الاشتراكي السنغالي. وقد مكن هذا الحراك دياني من حسم السباق على منصب النيابة في البرلمان الفرنسي بسهولة، سنة 1919، وفي كل الانتخابات النيابية اللاحقة على ذلك حتى وفاته عام 1934. وإذا كان دياني قد استطاع الحفاظ على منصبه في البرلمان، فإنه خسر منصب عمدة سينلوي، سنة 1925، أمام الشاب الصاعد حينها في المعترك السياسي للبلديات الأربع، أمادو لامين غي. وقد تكرست سيطرة السنغاليين في المناصب التمثيلية مع انتخاب غالاندو ديوف خلفًا لدياني إثر وفاة الأخير. وقد أعيد انتخاب ديوف سنتين بعد ذلك، قبل أن تندلع الحرب العالمية الثانية. 

وبالإضافة إلى حزب دياني، فقد برزت تشكيلات سياسية مثل "الشاب السنغالي" والحزب الوطني السنغالي، والحزب الاشتراكي السنغالي بقيادة لامين غي في ثلاثينات القرن الماضي، وكانت لمختلف هذه التشكيلات السياسية صحف ناطقة باسمها مثل صحف "السنغال" و"إفريقيا الغربية الفرنسية" و"الديمقراطية،" جونسون (1971، ص 215)(8). وكان ظهور هذه الأحزاب والتشكيلات الحزبية في السنغال سابقًا لنظيراتها في إفريقيا جنوب الصحراء، باستثناء ليبيريا وجنوب إفريقيا، كما ينقل سواري (2017، ص 45)(9). 

من الساحل إلى الداخل: الجمهورية الفرنسية الرابعة وتوسع المشاركة السياسية الشعبية 

لم تجد النخب السياسية السنغالية نفسها أمام تجربة جديدة حين بدأ ديغول، بعد انتصار فرنسا في الحرب العالمية الثانية، تنفيذَ توصيات مؤتمر برازفيل لسنة 1944 الرامية إلى دمج المستعمرات الفرنسية في اتحاد فيدرالي مع إقليم فرنسا الأوروبي، سنة 1945. وهو ما أدى في الحالة السنغالية إلى كسر احتكار النشاط والتمثيل السياسي على البلديات الأربع، ومنحِ السنغال (دائرة السنغال وموريتانيا) التمثيل بنائبين في الجمعية الوطنية التأسيسية الأولى لفرنسا التي تولت كتابة دستور الجمهورية الرابعة، وفي الجمعية التأسيسية الثانية، بعد رفض مشروع الدستور الذي تقدمت به الأولى في الاستفتاء. وكان أحد النواب يتولى تمثيل البلديات الأربع، يبنما ينوب الثاني عن بقية أراضي السنغال. وسيحافظ السنغال على التمثيل بنائبين في الجمعية الوطنية الفرنسية التي أنشأها دستور الجمهورية الرابعة، بعد تمثيل موريتانيا بنائب خاص بها، هو حرمة ولد بابانا سنة 1947. 

وقد كان للامين غي، النائبِ عن السنغال في الجمعيتين التأسيسيتين وفي الجمعية الوطنية المنتخبة سنة 1947، إلى جانب ليوبولد سيدار سونغور، حضور بارز وأداء تشريعي متميز تجلى في قانونين عُرفا بقانوني لامين غي. ويتعلق أولهما بالسعي إلى تكريس الحقوق المدنية والسياسية لسكان المستعمرات الفرنسية ومساواتهم مع سكان الميتروبول أجهضه قرب موعد الاستفتاء. أما القانون الثاني فقد أكد مساواة الأفارقة في الاكتتاب والرواتب والتدرج في الوظائف مع الفرنسيين في فرنسا ما وراء البحار. وقد صادقت عليه الجمعية الوطنية لفرنسا ومستعمراتها، سنة 1950، كما ينقل مورتمر (1969)(10). 

وقد انعكست التجربة السياسية السنغالية الخاصة في الأدوار التي اضطلع بها لامين غي في تأسيس التجمع الوطني الإفريقي الذي ضم ممثلي مستعمرات فرنسا في الجمعية الوطنية الفرنسية وسعى إلى تكريس الوعود الملتبسة لدستور الجمهورية الفرنسية الرابعة بشأن مساواة المنحدرين من المستعمرات مع نظرائهم في الميتروبول. وقد تكثف الحراك السياسي في السنغال بعد توسيع دائرة المشاركة السياسية سنة 1946 فإنشاء المجلس العام لإفريقيا الغربية الفرنسية والبلديات في عموم السنغال ثم الجمعية الإقليمية والمجلس الرئاسي سنة 1958. وكان اتخاذ مدينة سينلوي، ثم دكار لاحقًا، عاصمة لإفريقيا الغربية الفرنسية من العوامل التي مكنت النخب السنغالية من تجذير ممارساتها وأنشطتها السياسية. وقد عزز هذا النشاط المدني من إنضاج التجربة السنغالية، وتكريسها لآليات الحشد الشعبي، لاسيما مع صعود نجم ليوبولد سيدرا سونغور الذي استطاع أن يسحب البساط من تحت الجميع، ويوطد قبضة حزبه، كتلة الديمقراطيين السنغاليين، الذي تحول لاحقًا إلى حزب التقدميين السنغاليين UPS على مختلف المناصب التمثيلية، ليتولى رئاسة البلاد بعد استقلالها سنة 1960. وقبيل استقلال السنغال، كانت معارضة سونغور محصورة في حزب أو اثنين ذوي توجه ماركسي إفريقي يدعوان إلى الاستقلال الناجز والعاجل عن فرنسا، وتجلى ذلك في تصويتهما ضد البقاء في المجموعة الفرنسية في استفتاء 1958، كما تنقل بيك (2008)(11). 

سونغور: التعددية "قربانًا أسود" لأيديولوجيا الزنوجة والاشتراكية الإفريقية 

لم تشفع للسنغال تجربته الديمقراطية الضاربة في القدم ليسْلَم من لوثات ما بعد الاستقلال التي شهدتها الدول الإفريقية. ورغم الأيام الصعبة التي عاشتها العاصمة، دكار، منتصف ديسمبر/كانون الأول 1962، على وقع الخلاف الذي نشب بين سونغور ورئيس مجلس الوزراء، مامادو ديا، ذي الصلاحيات التنفيذية الواسعة، وفقًا للنظام البرلماني المستوحى من دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة، افتكَّت البلاد نفسها من قبضة المظليين الذين استنجد بهم سونغور لحراسة القصر الرئاسي ومن الحرس الذين استدعاهم مامادو ديا، لينتهي الصراع بسجن الأخير بعد الحكم عليه بتدبير انقلاب عسكري، فييان (1990، ص 307)(12). 

وكان هذا النزاع بداية تحول جذري في المسار السياسي للسنغال المستقلة وفي توجهات الرئيس سونغور الذي بدأ في تركيز السلطة بين يديه عبر كتابة دستور جديد اعتُمد في استفتاء مارس/آذار سنة 1963، ألغى منصب الوزير الأول ومنح الرئيس سلطات تنفيذية واسعة. وقد زاوج سونغور بين محاولة ضم الأحزاب السياسية إلى حزب التقدميين السنغاليين وحلِّ تلك التي رفضت الاندماج في هذا الحزب. وهكذا "حظرت الحكومة، سنة 1964، الجبهةَ الوطنية السنغالية FNS وهي ائتلاف لأنصار مامادو ديا، والشيخ آنتا ديوب، وحزب التجمع الإفريقي-السنغال PRA-S، وحزب الاستقلال الإفريقي غير المرخص PAI، وهكذا اختفت المعارضة [الحزبية] تمامًا في يونيو سنة 1966"، كما ينقل غيلر (2005، ص 45)(13). 

ورغم أن دستور 1963 أبقى على التعددية الحزبية نظريًّا، فإن جميع دارسي التجربة الديمقراطية في السنغال، آخذين بعين الاعتبار القرارات السابقة لحكومة سونغور، يصمون الفترة التي بدأت سنة 1966 وحتى 1976 بنظام الحزب الواحد بحكم الأمر الواقع. وقد تزامنت هذه الفترة مع إحكام سونغور قبضته على الحزب والدولة وفرضه للزنوجة والاشتراكية الإفريقية عقيدة للحزب. لكن هذه الأيديولوجيات لم تمكِّن سونغور، كما ينقل فييان (1990)(14)، من حشد ولاء شعبي واسع، ولم تلق رواجًا لدى عموم السنغاليين. وقد كرَّس اعتماد سونغور نظامًا انتخابيًّا يمنح الفائز بالأغلبية جميع المناصب في الجمعية الوطنية من سيطرة الحزب الحاكم، وغابت المنافسة الحزبية في مختلف الاستحقاقات الانتخابية من 963 حتى 1978، كما ينقل غيلر (2005)، وكانتي (1994)(15).  

وسيطبع نهاية الستينات وبداية السبعينات تململ شعبي إزاء سياسات سونغور، لاسيما مع بدايات الجفاف وتدني محصول الفول السوداني، العمود الفقري لاقتصاد السنغال منذ بداية القرن العشرين. وكانت مظاهرات طلاب جامعة دكار والمظاهرات التي استقبل بها الشباب السنغالي زيارة الرئيس الفرنسي، جورج بومبيدو، إلى دكار، سنة 1971، تعبيرًا عن هذا التململ، لاسيما تجاه علاقة سونغور بباريس وتمكينه للشركات الفرنسية، وتعيينه صهرَه ذا الأصل الفرنسي، جان كولين، وزيرًا للداخلية، وفق ما ينقل فييان (1990)(16). 

وفي ظل بحث سونغور عن أجوبة على هذه التحديات التي عرفها السنغال بدايات السبعينات، بدأ سبر آفاق جديدة مزاوجًا بين إقصاء معارضة قوية مثَّلها الشيخ آنتا ديوب ومامادو ديا بعد إطلاق سراحهما، والحفاظ على مستوى معين من الممارسة الديمقراطية. وجاء التعديل الدستوري لسنة 1970، فأعاد منصب الوزير الأول إلى الهيكل التنفيذي للبلاد. وسيكون تولي وزير التخطيط والصناعة، عبدو ديوف، لهذا المنصب، مباشرة بعد استحداثه وبقاؤه فيه حتى استقالة سونغور، سنة 1980، بداية صعود هذه الشخصية التي ستضع بصمتها في تاريخ التحول الديمقراطي في البلاد. وقد نص الدستور، كما ينقل فال (2011)(17)، على تولي الوزير الأول رئاسة البلاد، في حال شغور المنصب؛ وذاك ما حدث سنة 1980 بعد استقالة سونغور. 

الاستخلاف تداولًا: عبدو ديوف وتعددية سياسية لم تنتظر مؤتمر لابول بفرنسا

كان تعديلا 1970 و1976 نموذجين على موقف سونغور الملتبس من التعددية الحزبية، ومن تنزيل النصوص الدستورية المتعلقة بها على أرض الواقع. فقد قضى التعديل الأول على الحد من الولايات الرئاسية التي كانت لا تتعدى ولايتين، وهو ما يمثل، وفق فال (2014)(18) تراجعًا ديمقراطيًّا. أما الثاني فكان أكثر غموضًا والتباسًا؛ إذ قضى على التعددية الحزبية النظرية المنصوص عليها دستوريًّا، وأحلَّ مكانها تعددية محدودة سمحت بإنشاء ثلاثة أحزاب سياسية متمايزة تعبر عن توجهات أيديولوجية كبرى هي الاشتراكية والليبرالية والماركسية اللينينية. وهكذا أعاد سونغور تسمية حزبه ليصبح الحزب الاشتراكي، ويتخذ مكانه وسط المشهد، وإلى اليسار منه حلَّ حزب الاستقلال الإفريقي ذو التوجه الماركسي، بينما ملأ الحزب الديمقراطي السنغالي، بزعامة عبد الله واد، الذي "نشأ سنة 1974 كـ"حزب معضِّد" للحزب الاشتراكي الحاكم"، كما تنقل كيلي (2020، ص 12)(19)، الفراغ إلى اليمين، حزبًا ليبراليًّا. وقد تعززت هذه الأحزاب بحزب رابع ذي توجه محافظ بعد ذلك. 

ورغم أن سونغور استطاع الفوز بهامش مريح في أول انتخابات رئاسية تعددية شهدها السنغال، سنة 1978، ضد منافسه عبد الله واد، فإن الحزب الديمقراطي السنغالي بقيادة الأخير استطاع تحقيق حضور قوي في الجمعية الوطنية في نفس العام مستحوذًا على نحو عشرين في المئة من مقاعدها، ومنذرًا بالصعود المتنامي لهذا الحزب وزعيمه. وقد جرت هذه الانتخابات التعددية في وقت كان فيه محيط السنغال يعيش ظروفًا استثنائية أبعد ما تكون عن التعددية. فقد شهدت موريتانيا حينها أول انقلاب عسكري بقيادة العقيد المصطفى ولد محمد السالك، بعد نحو عقدين من حكم الحزب الواحد، في سلسلة من الانقلابات المتتالية. وكانت غينيا كوناكري تعيش تحت وطأة سيكو توري وحزبه الوحيد، وكذلك كانت الحال في مالي التي يحكمها نظام عسكري بقيادة موسى تراوري.

ولن يكمل سونغور هذه الولاية الرئاسية إذ قدم استقالته سنة 1980، ليخلفه الوزير الأول، عبد ديوف. ومع ديوف بدأت سلسلة من التعديلات الدستورية فتحت الباب على مصراعيه أمام التعددية الحزبية مثل تعديل عام 1981، وتعديل آخر سنة 1991، بالإضافة إلى إصلاح النظام الانتخابي في نفس العام. وجاءت هذه الإصلاحات الأخيرة إثر أعمال العنف التي أعقبت انتخابات 1988، التي فاز فيها ديوف، على غرار انتخابات 1983، ضد غريمه الأبرز، عبد الله واد. وقد شاركت المعارضة في رسم معالم هذا المسار الإصلاحي، لاسيما الحزب الديمقراطي السنغالي بزعامة عبد الله واد الذي كان يشارك حينها في إدارة البلاد ضمن حكومة موسعة، كانتي (1994) وفال (2014)(20). وستجني المعارضة بجلاء ثمار هذه الإصلاحات لتكرس صعودها المطرد عبر النتائج الكبيرة التي حصلت عليها في استحقاق 1993، فقد حصد عبد الله واد أكثر من 32٪، خلف الفائز عبدو ديوف الذي حقق أكثر من 58٪، قبل أن يزيح واد ديوف في انتخابات 2000، مدشنًا مسار الانتقال الديمقراطي في البلد. 

عبد الله واد: براغماتية آتت أكلها

كان ديوف المولود سنة 1935 قد تقدم في العمر حين ترشح لانتخابات 2000، وكانت شعبية الحزب الاشتراكي الذي يدير شؤون السنغال منذ ما قبل استقلاله قد بدأت تتآكل تحت وطأة الزمن والتغيرات الاجتماعية والمشاركة السياسية الواسعة للشباب. وعلى الطرف الآخر من المعادلة كان شعار التغيير "سوبي" الذي يرفعه عبد الله واد يستقطب مزيدًا من السنغاليين. فقد استطاع هذا القانوني والوجه الحاضر حينها بقوة منذ نحو ربع قرن أن يفرض نفسه كأبرز معارض على الساحة السياسية عشية انتخابات 2000. وقد تميز مسار واد ببراغماتية منذ بدايات مساره السياسي؛ إذ استطاع الحصول على الاعتراف لحزبه السياسي، سنة 1975، في وقت كان فيه سونغور يضيق الخناق على المعارضة. كما قبل أيضًا ملء الجناح الليبرالي في التقسيم الثلاثي الذي أقره سونغور بشأن الترخيص للأحزاب السياسية، كما تنقل بيك (2008)(21).

وقد طبعت هذه البراغماتية مسار واد وصعوده نحو رئاسة السنغال، ومكَّنه تصدر حزبه الطيف المعارض من المناورة في وجه ديوف الذي كانت شعبيته آخذة في التراجع. ومنذ انتخابات 1988 التي خسرها أمام ديوف، راوح واد بين كرسي الوزارة والسجن. فقد فاوض ديوف من زنازين السجن الذي دخله إثر أعمال العنف وحالة الطوارئ التي أعقبت هذه الانتخابات، ليلتحق وقادة من حزبه بحكومة وطنية موسعة سنة 1991، قبل أن يغادرها منافسًا لديوف في انتخابات 1993، كيلي (2020)(22). وسيتكرر نفس السيناريو بعد هذه الانتخابات ليدخل واد السجن، ثم يشارك في حكومة موسعة، ويغادرها ليمضي فترة في باريس، قبل خوض غمار انتخابات 2000، وهزيمة ديوف في الجولة الثانية من هذه الانتخابات.

وقد استطاع واد بفضل هذه المرونة العالية، إضافة إلى ما كان يتوفر عليه من مصادر وعلاقات جرَّاء عمله في البنك الإفريقي للتنمية ومحاضرًا في جامعة دكار ومحاميًا بارزًا متعهدًا في الكثير من القضايا، لاسيما الحقوقية والسياسية، أن يتصدر المشهد بجدارة. وقد مثَّل واد، رغم بدايته مساره السياسي معارضًا من خارج دوائر السلطة، نموذجًا للمنشق العارف بخبايا السلطة، بعد سنوات من المشاركة في إدارة البلاد. كما مكنته هو وقادة حزبه تجربتهم الوزارية إبان حكم ديوف من الحصول على نصيب وافر من التركيز الإعلامي ونسج علاقات داخلية وخارجية مع النخب المالية ودوائر صنع القرار، كيلي (2020)(23).

ماكي صال: على خطى وادْ وانتقامًا منه

لم يستسغ الرئيس عبد الله واد استدعاء ماكي صال، رئيسِ الجمعية الوطنية لنجله، كريم، سنة 2007، لاستجوابه بشأن شبهات فساد تحوم حول تسييره لمشاريع إعمارية تقام في العاصمة دكار استعدادًا لعقد قمة المؤتمر الإسلامي. فبعد هذه الحادثة وجد ماكي صال نفسه يخسر منصب نائب رئيس الحزب الحاكم، "ثم استغل واد أغلبية الحزب الديمقراطي السنغالي في الجمعية الوطنية لتمرير قانون يحد ولاية رئيس الجمعية من خمس سنوات إلى سنة واحدة"، لإزاحة ماكي صال من المنصب، كما تنقل كيلي (2020، ص. 145)(24). وإثر هذه المضايقات قدم ماكي صال استقالته مودعًا عبد الله واد الذي كان مديرًا لحملته الانتخابية الأخيرة سنة 2007، والوزير الأول في حكومته سنة 2004.

ومستغلًّا ما كان قد راكم من علاقات وحضور إعلامي، بدأ ماكي صال الاستعداد لمواجهة عبد الله واد في انتخابات 2012، بعد إنشاء حزب التحالف من أجل الجمهورية الذي استطاع جذب قطاعات واسعة من مخاصمي واد. وقد ساعدت صال في هذه النزال خبرته بدهاليز السلطة وخبايا الإدارة السنغالية، ليعيد إنتاج نموذج المنشق العارف بالخبايا الذي كان إياه واد، وهو ينازل ديوف في تسعينات القرن المنصرم. وقد عززت من حظوظه وتنافسيته في إطاحة واد جملة من الظروف والمعطيات. فقد كان النفوذ المتنامي لكريم واد، نجل الرئيس، يثير قلق قطاعات واسعة من النخبة السياسية وفي الشارع السنغالي. وكان للجدل الدستوري بشأن ترشح واد لمأمورية ثالثة بعد تعديل دستوري، حاجج واد أنه يعفيه من احتساب المأمورية الأولى، وأقره المجلس الدستوري على ذلك، دورٌ في تأليب الشارع والناخبين السنغاليين ضد عبد الله واد، وترجيح كفة ماكي صال في انتخابات 2012 التي سبقتها مظاهرات واحتجاجات شعبية. وكان أيضًا للطريقة التي طرد بها الرئيس عبد الله واد ماكي صال من الحزب ورئاسة الجمعية الوطنية تأثيرها في خلق تعاطف شعبي مع الأخير، كما تنقل كيلي (2020)(25). وقد وجه الناخبون السنغاليون لواد في هذه الانتخابات ضربة موجعة وعبَّروا عن رفضهم محاولته ترؤس البلاد لولاية ثالثة؛ إذ حقق ماكي صال فوزًا كاسحًا في الجولة الثانية بنسبة تجاوزت 65%، سنة 2012.

وكاد التاريخ يعيد نفسه، أو أعاد نفسه بالفعل، في السنغال. فقبيل نهاية ولايتين رئاسيتين إحداهما من خمس سنوات والأخرى من سبع نجم تباينهما عن تعديل دستوري، كما حدث في عهد واد، لم يحسم ماكي صال قراره بعدم الترشح لولاية ثالثة. ومع استحضار سابقة واد، وتمرير ماكي صال لتعديلين دستورين، بدا وكأن الديمقراطية السنغالية تعيش اختبارًا أصعب وأكثر حدة من ذاك الذي عاشته في نهاية حقبة واد. وقد عمَّق من حدة هذه الأزمة السياق الإقليمي الذي طغت عليه الانقلابات العسكرية، وتراجع المسار الديمقراطي في عدد من دول الجوار.

ورغم أن إدريسَ سكْ، الخصمَ الأبرز لماكي صال خلال إعادة انتخابه سنة 2019، كان مرشحًا تقليديًّا منشقًّا عن عبد الله واد خلال ولايته الثانية وصاحبَ تجربة طويلة في الوزارة والوزارة الأولى، فإن هذه الانتخابات كانت بمنزلة صافرة إنذار لتحول قادم سيكسر رتابة التنافس على الرئاسة، ويعصف بالخريطة السياسية للسنغال. فقد حل فيها ثالثًا، بعد ماكي صال وإدريسا سك، شاب بدأ مشوراه السياسي قبل سنتين مغمورًا أعزل من كل ما يتترس به عادة مرشحو الرئاسة في السنغال من مناصب سابقة وتجارب وحضور إعلامي ونفوذ وشبكة علاقات.

باستيف: السنغال إذ يدير ظهره لكل ما سبق

ربما لم ينتبه كثير من المراقبين للمشهد السياسي للسنغال غداة انتخابات 2017 البرلمانية لصعود مفتش ضرائبَ مُقالٍ للتو من منصبه يدعى عثمان سونكو إلى البرلمان. فقد طغى التنافس حينها بين تحالف "بنَّ بوكو يكرْ"، لنأمَلْ معًا، الحاكمِ بقيادة ماكي صال من جهة، والحزب الديمقراطي السنغالي الذي أعاد له رجوع عبد الله واد إلى السنغال أملًا بوقف نزيفه المستمر، وتحالف "مانكو تخوُّو سنغال"، إعادة إحياء السنغال، بقيادة السياسي المخضرم عمدة دكار السابق، السجين حينها، خليفة صال، من جهة أخرى. وربما لم يحظ الإعلان عن إنشاء حزب الوطنيين الأفارقة السنغاليين من أجل العمل والأخلاق والأخوة، باستيف PASTEF اختصارًا، سنة 2014، بتغطية إعلامية كبيرة في بلد يتجاوز فيه عدد الأحزاب ثلاثمئة، وتُنشأ فيه الأحزاب مغاضَبةً عابرة للسلطة أو سبيلًا لتحسين شروط التفاوض معها وواجهة للمناورة من أجل المناصب أكثر مما هي مغالبة حقيقية للأنظمة القائمة أو تعبيرًا عن مشروع سياسي جدي الرغبة في الوصول إلى سدة الحكم.

وقد بدت نتائج هذا الحزب الذي نافس على المستوى الوطني متواضعة في تلك الانتخابات؛ إذ لم تتجاوز واحدًا في المئة، لتمكن سونكو وحده من دخول البرلمان. غير أن هذا الوافد الجديد سيفرض نفسه متحدثًا طلق اللسان مسلحًا بتجربته النقابية وخبرته العملية في قطاع الضرائب حادَّ النقد لفساد النخب السياسية متشبثًا بسيادة بلاده تجاه الشركات متعددة الجنسيات، لاسيما تلك المستغلة لثروات السنغال من النفط والغاز، ورافضًا التبعية لفرنسا، خاصة في المجال النقدي عبر عملة الفرنك الغرب إفريقي. وبهذا الخطاب الذي لقي صدى لدى فئات الشباب، وبالتفاف شعبي قوي في معقله بإقليم زغنشور جنوبي البلاد، نجح سونكو في تثبيت قدميه في مشهد سياسي يعج بالمنافسين وغير ودود تجاه صعود الشباب أو الأغيار. فبعد نتائجه القوية في رئاسيات 2019، واصل سونكو وحزب باستيف الصعود بحصد نحو 30 نائبًا في البرلمان سنة 2022، ضمن تحالف معارض كاد يحرم ماكي صال من الأغلبية البرلمانية.

ولم يختلف قَدَر سونكو الذي تصدر الطيف المعارض بعد هذه الانتخابات عن قدر معارضي ماكي صال مثل كريم واد وخليفة صال؛ إذ توالت عليه المتاعب القضائية واحدة تلو الأخرى؛ فاتُّهم بالاغتصاب والتهديد بالقتل لعاملة في أحد مراكز التدليك بدكار، والتشهير بعضو في حكومة ماكي صال. ومع تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات العنيفة الرافضة لمحاكمته واجه سونكو تهمًا إضافية بإثارة الفوضى قبل أن يُبرَّأ من تهمة الاغتصاب ويدان بتهمتي التشهير وإفساد الشباب، ويُحل حزبه منتصف 2023. وكانت مختلف محطات محاكمة سونكو خلال السنوات الثلاث الماضية موعدًا لصدامات عنيفة بين أنصاره من الشباب والشرطة خلَّفت نحو ستين قتيلًا في المجمل، واعتقل على إثرها العشرات.

وكان من بين هؤلاء السجناء الذين اعتقلوا بدايات 2023 على خلفية محاكمات سونكو وتهم حزب باستيف للقضاء بالانحياز ضده قيادي من هذا الحزب ومرشح سابق لم يحالفه الحظ في الفوز خلال انتخابات 2022 بعمدة بلدية ريفية نائية في مقاطعة مبور بولاية تيص وسط البلاد يشبه سونكو في مساره الأكاديمي والوظيفي، وإن كان حضوره السياسي والإعلامي أقل منه بكثير، هو باسيرو ديوماي فاي. ورغم أداء ديوماي فاي المتواضع في انتخابات 2022 التشريعية والمحلية، فقد وقع اختيار سونكو عليه، غداة رفض ترشحه لرئاسيات 2024، لحمل مشعل باستيف في هذه الانتخابات، ليُحدث هزة الرابع والعشرين من مارس/آذار غير المسبوقة في تاريخ السنغال. 

ويمثل نجاح ديوماي فاي في هذه الانتخابات صعودًا صارخًا لحزب باستيف المنحل وتعبيرًا عن الكاريزما القوية لزعيمه عثمان سونكو، والصدى الواسع للخطاب المناهض للفساد والداعي إلى تحقيق مزيد من السيادة والاستقلال في المستعمرات الفرنسية السابقة. وهو قبل كل ذلك انقلاب في توجهات الناخبين السنغاليين الذين كانوا على الدوام محافظين في تصويتهم وأوفياء للعارفين بخبايا الإدارة وأصحاب التجارب من وزراء ووزراء أوائل سابقين. فقد مثَّل انتخاب عبد الله واد 2000 وماكي صال 2012 استمرارًا لنخبة سياسية وإدارية ذات تجربة طويلة في دهاليز السلطة وصاحبة تكوين أكاديمي في الجامعات الفرنسية، وكان هذان التداولان سيرًا على نهج عام اختطَّه سونغور، أول رئيس للبلاد، منذ أربعينات القرن المنصرم، تميز بالمحافظة والتدرج، حتى في المطالبة باستقلال البلاد، وبالابتعاد عن أي سياسات ثورية سواء تجاه البنى الاجتماعية والدينية المحلية، أو إزاء العلاقة مع المستعمر السابق ومصالحه التجارية وحضوره العسكري في البلاد.

ورغم الأسئلة التي لا تزال معلقة بشأن حجم الهوة التي قد تكون بين خطاب باستيف ورئيسه سونكو في مجالات السيادة الوطنية، والعلاقة مع باريس بما في ذلك البقاء ضمن منطقة الفرنك الغرب إفريقي، والسعي لإعادة التفاوض مع الشركات المستغلة للغاز والنفط من جهة، وبين السياسات التي سينتهجها ديوماي فاي، فإن عهدًا سياسيًّا قد بدأ في السنغال. وإذا كان الرئيس المنتخب قد أمسك العصا من المنتصف خلال أول كلمة له بعد انتخابه، محافظًا على الحد من الأدنى من الخطاب الثوري لباستيف؛ إذ أكد بقاء السنغال بلدًا صديقًا وحليفًا موثوقًا للشركاء الذين ينخرطون معه في شراكات محترمة ومثمرة لكلا الطرفين، فإن تطلعات شعبية، وشبابية بالأساس، ستلاحقه للاقتراب أكثر فأكثر من المثال الثوري في خطاب باستيف. كما سيكون تنزيل هذا الخطاب، في حده الأدنى، على أرض الواقع، لاسيما ما تعلق منه بتحسين ظروف العيش وتوفير فرص عمل للشباب، حاسمًا في قدرة حزب باستيف على المحافظة على الشعبية الطاغية التي عبَّرت عنها انتخابات 24 مارس/آذار، والتجذر أعمق في المشهد السياسي السنغالي جنبًا إلى جنب حزب الائتلاف من أجل الجمهورية المهزوم للتو في الانتخابات، والحزب الديمقراطي السنغالي بقيادة كريم واد، والحزب الاشتراكي بقيادة خليفة صال، وحزب راومي بقيادة الوزير الأول السابق، إدريسَ سكْ. 

ضفتا الديمقراطية السنغالية: علمانية وصوفية

تزامنت نشأة التقاليد الانتخابية والتمثيلية في البلديات الأربع في ساحل السنغال، نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن الماضي، مع تحولات كبرى في عمق السنغال نجمت عن تآكل نفوذ السلط التقليدية في دويلات جولوف وكايور ووالو وسين وباول جراء توسع السيطرة العسكرية لفرنسا. ورغم أن الآلة العسكرية الفرنسية قد قوضت مشاريع حركات جهادية صوفية تيجانية مثل حركتي الحاج عمر الفوتي وما با دياخو التيجانيتين، فإن حركات صوفية أخرى (تيجانية وقادرية ومريدية ولايينية) قد سلكت دوربًا مختلفة مكَّنتها من التكيف والتعايش مع السيطرة الفرنسية، مستغلةً انهيار البنى الاقتصادية والاجتماعية التقليدية القائمة على الغزو وتجارة العبيد، لتوسِّع نطاق أسلمة شعوب الوولوف والسرير والديولا وتعمقه، وتستفيد من هامش المشاركة السياسية الذي كان متاحًا حينها في البلديات الأربع، ثم في عموم السنغال منذ أربعينات القرن المنصرم.

وقد أقامت هذه المشيخات الصاعدة حينها سواء شمال نهر السنغال (الشيخ سعد بوه والشيخ سيديا بابه) أو جنوبه (الحاج مالك سي والشيخ أحمدو بامبا) علاقات متميزة مع السلطات الاستعمارية، واستغلت حالة الاستقرار النسي وتحييدَ غرمائها التقليديين من قادة الممالك آنفة الذكر، لتكتسب مزيدًا من الأتباع، وتنصِّب نفسها عرابًا لفئات عريضة من الأتباع وجدت في هذه الطرق الصوفية بديلًا لعلاقات الولاء والحماية التقليدية التي كانت آخذة في التفكك والانمحاء. ورغم العلاقة الشائكة التي كانت بين مؤسس الطريقة المريدية، الشيخ أحمدو بامبا، والإدارة الاستعمارية، وما تعرض له من نفي في الغابون ثم موريتانيا، فإن سلوك قادة آخرين من هذه الطريقة ذاتها، ومرونةً في التعامل أبداها أحمدو بامبا قبيل وفاته، عام 1927، أذابت الفروق بين هذه الحركة وغيرها من الحركات الصوفية فيما يتعلق بمهادنة السلطات الاستعمارية الفرنسية والتعايش معها.

وقد تميزت مقاربة هذه الحركات الصوفية للممارسة السياسية بقدر كبير من المرونة والقدرة على المناورة لحماية المصالح وبناء النفوذ. فقد وقف قادة من الطريقة المريدية مع مرشح ذي أصول مسيحية، هو بليز دياني، ضد غالاندو ديوف المسلم، في انتخابات نائب البلديات الأربع في البرلمان الفرنسي، كما تنقل بيك (2008)(26). وسمحت هذه التقاليد المرنة التي دشنها المريديون في علاقتهم بالمعترك السياسي، وبراغماتية انتهجها سونغور المدعوم من المريديين والمحافظ إزاء السلط القائمة مكنته من تجاوز لامين غي المسلم، بنشوء علاقة من نوع خاص بين هذه الطرق الصوفية والسلطة السياسية الناشئة في السنغال.

ورغم أن الاستعمار الفرنسي أورث الدولة السنغالية الوليدة نظريًّا نسخة راديكالية من العلمانية ظلت الدساتير السنغالية تؤكد عليها في المادة الأولى، فإن الأبوين المؤسسين للسنغال الحديث (سونغور ومامادو ديا)، وإن كان إيمانهما بالعلمانية لا مراء فيه، كما ينقل دياني (2013، ص 30)(27)، فإنهما كانا "يعتقدان أن العاطفة الدينية يمكن لها، ويجدر بها، أن تسهم في إضفاء زخم ثقافي على مهمة تحقيق التحديث والتنمية" في السنغال المستقل. ولم يكن هذا التصور الذي ينظر إلى المؤسسة الدينية باعتبارها مؤسسة مساهمة في بناء المشاريع السياسية ببعيد من الفلسفة الاستعمارية لفرنسا التي اختبرت سبلًا وطرائق شتى لتثبيت سيطرتها على مستعمراتها في غرب إفريقيا. ففضلًا عن وسائل القسر والإكراه التي استخدمتها الإدارة الاستعمارية، كما يؤكد روبنسون (2000، ص 95-96)(28)، فقد "برز [لديها] وعي بالحاجة إلى التكيف مع المجتمعات المسلمة ومؤسساتها المدنية، لاسيما القوانين الإسلامية والطرق الصوفية". ويبدو هذا الارتباط جليًّا غداة الاستقلال، كما يروي الرئيس السنغالي السابق، عبدو ديوف (2014)(29) الذي ينقل صورة عن علاقة وطيدة بين الخليفة العام للطريقة المريدية وسونغور عبَّر عنها بجلاء إشراف الأخير على استئناف الأعمال في مسجد طوبى الكبير سنة 1963، بعد توقف دام لعدة عقود.

وقد اضطر ديوف نفسه، كما يروي في مذكراته (2014) ومقابلات تليفزيونية، بعد صعوده إلى الرئاسة، إلى مواجهة ماضيه الماركسي وأفكاره الرافضة لعلاقة التابع tālibe مع الشيخ cereñe، كما عبر عنها في بحث تخرجه من المدرسة الوطنية لفرنسا ما وراء البحار ENFOM المعنون بـ"الإسلام ومجتمع الوولوف". فقد استغل معارضوه هذه المواقف الراديكالية، كما يقول، لتقويض مكانته أمام زعيمي الطريقتين، التيجانية والمريدية، وأتباعهما. وذاك ما رد عليه ديوف، خافضًا الجناح ومبددًا المخاوف والشكوك، بالقول: إنها كانت أفكار شاب يملؤه الحماس وله مآخذ على تصرفات بعض المشائخ. وقد حظي ديوف، على غرار سلفه سونغور، بدعم قوي من قبل زعماء الطرق الصوفية عبر فتاوى الدعم Ndigel التي كان قادة هذه الطرق يصدرونها قبيل الاستحقاقات الرئاسية، حتى بداية تسعينات القرن المنصرم.

وتعبِّر فتاوى الدعم هذه التي ما فتئ المرشحون يسعون للحصول عليها من زعماء الطرق الصوفية، لاسيما الطريقة القادرية ذات التنظيم المحكم والمرجعية الموحدة في منطقة طوبى، عن المكانة البارزة لهذه الطرق وقادتها وتأثيرهم في المشهد السياسي وعلى توجهات فئات عريضة من الناخبين السنغاليين.  ويعزو بابو (2016)(30) لاضطراب العلاقة بين الرئيس ديوف وقادة الطريقة المريدية إثر استقباله البابا جان بول الثاني في السنغال، سنة 1992، دورًا في تآكل شعبيته. ويرى بابو (2016)(31) أن مجاهرة الرئيس واد بعلاقته مع الطريقة المريدية التي انتقل إلى عاصمتها، طوبى، بعد الإعلان عن فوزه وقبل أدائه اليمين الدستورية كانت سابقة في تاريخ السياسة السنغالية. وقد كانت هذه العلاقة الوثيقة مع قادة الطريقة المريدية محل انتقاد شخصيات من النخبة الأكاديمية التي اتهمته بخرق التقاليد العلمانية للسنغال. كما أثارت، وفق ما ينقل صمب وكيلي (2016)(32)، مخاوف مريدي الطرق الصوفية الأخرى، لاسيما الطريقة التيجانية ذات الانتشار الأوسع في السنغال.

ولا يزال لتزكيات المشائخ، بغض النظر عن الشكل الذي قد تأخذه، أثرها في تشكيل الرأي العام، رغم إحجام الخلافة العامة للطريقة المريدية عن إصدار الفتاوى المساندة Ndigel بشكل مباشر وتعدد واختلاف توجهات المشائخ داخل هذه الطريقة وغيرها. ويرى كوينزي (2018)(33) أن علاقة الرئيس ماكي صال بالطريقة المريدية كانت مختلفة عن علاقة سلفه عبد الله واد؛ إذ سعى إلى الحد من تأثيرها على الشأن العام. ورغم تفكك البنى الاقتصادية والاجتماعية التي احتضنت علاقة الأتباع بزعماء الطرق الصوفية، وما كان للهجرة من الأرياف إلى المدن وغيرها من التحولات من أثر في خلخلة هذه الارتباطات، فلا يزال لهذه الطرق الصوفية أثرها في صياغة المشهد السياسي والتأثير على توجهات الناخبين. وتنحو الآن أهم القيادات الصوفية إلى أن تضطلع بدور ترشيدي تحكيمي في الأزمات السياسية التي كثيرًا ما رافقت الاستحقاقات الرئاسية. وهو الموقف الذي عبَّرت عنه الدعوة التي وجهها الخليفة العام للطريقة القادرية إلى زعيم حزب باستيف، عثمان سونكو، بوقف الإضراب عن الطعام أثناء سجن الأخير نهاية العام الماضي، بعد زيارة أداها وفد من المعارضة لمدينة طوبى.

خاتمة

رغم العقبات الكثيرة التي رافقت صعود باستيف في المشهد السياسي والكلفة البشرية الباهظة للمظاهرات التي عاش على وقعها السنغال خلال ثلاث سنوات، فإن التسليم الذي واجه به المرشحون الآخرون باكرًا كلمة صناديق الاقتراع بدَّد ما حام حول الديمقراطية السنغالية من شكوك، وعزز الثقة الشعبية في الطبقة السياسية في البلاد وقدرتها على تجاوز الاختبارات والتحديات. وهكذا ودع السنغال رئيسًا واستقبل آخر، ومضى في درب سياسي ميزه عن جيرانه منذ عدة عقود. ويؤشر نجاح ديوماي فاي لنضج ومرونة مكَّنا التجربة الديمقراطية السنغالية من احتواء هذا الوافد الجديد ووضعه في مواجهة الواقع الاقتصادي والاجتماعي الشائك للبلاد، وارتباطاتها النقدية والعسكرية الوثيقة مع باريس.

وكان فوز ديوماي فاي أيضًا ترشيدًا انتخابيًّا لتطلعات وطاقات شبابية ناقمة على الأوضاع في عموم غرب إفريقيا وتعبيرًا سنغاليًّا خالصًا عن تحولات مجتمعية عميقة عبرت عن نفسها في شكل اضطرابات أمنية وانقلابات عسكرية في الجوار. أما محليًّا، فقد كان فوز ديوماي فاي وتصدره المشهد السياسي صعودًا لإقليم كازامانس؛ حيث معقل رئيس الحزب، عثمان سونكو، إلى واجهة الفعل السياسي. وتُبرز النتائج القوية لديوماي فاي (أكثر من 76 في المئة) في هذا الإقليم الواقع جنوب البلاد، مقارنة بنتائجه على المستوى الوطني العام، ومن قبله عثمان سونكو في انتخابات 2019، تقاطعًا بدرجة ما بين الخطاب السياسي لحزب باستيف وما يعبر عنه سكان هذا الإقليم من قومية الديولا من رفض لسيطرة أهل الشمال على مقاليد الحكم والسياسة. ولعل الديمقراطية السنغالية، بما وفرت من قنوات للتعبير السياسي، قد نجحت عبر صعود باستيف في تحييد حساسية الديولا من السيطرة اللغوية والسياسية لقومية الوولوف وقضت على مخاوفهم الآخذة في الخفوت، بعد أن كانت قد اتخذت ذات يوم شكل المطالبة بالانفصال وحمل السلاح.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1)- Sénégal : la part d’ombre de Senghor, Jeune Arique du 28 Aout 2021 (Vu le 30 Mars 2024) https://shorturl.at/cdeDF

2)- See: Jones, H. (2012). Rethinking Politics in the Colony.. 325-344.

See also: Diof, M. (1999). L'idée municipale: une idée neuve en Afrique. Politique Africaine, 74(2), 13-23.

And see also Diof, M. (1998). The French Colonial Policy of Assimilation.. 671-696.

3)- Johnson, W. (1971). The Emergence of Black Politics in Senegal: The Struggle for Power in the Four Communes, 1900-1920. Stanford: Stanford University Press.

4)- Johnson, W. (1966). The Ascendency of Blaise Diagne and Beginning of African Politics in Senegal. Africa: Journal of the African Institute, (36)3, 235-253.

5)- Johnson, W. (1971). Op cit . And  Johnson, W. (1966). Op cit.

6)- Johnson, W. (1971). Op cit.

7)- Johnson, W. (1966). Op cit.

8)- Johnson, W. (1971). Op cit.

9)- Souaraé, K. (2017). Les parties politiques de l’oppositions en Afrique: La quête du pouvoire. Montréal: Presses de l’unuiversité de Montréal.

10)- Mortimer, E. (1969). France and the Africans 1944-1960: A Political History. New York: Walker Publishing Company.

11)- Beck, L. (2008). Brokering Democracy in Africa: the Rise of Clientelist Democracy in Senegal. New York: Palagrave Macmillan.

12)- Vaillant, J. (1990). Black, French, and African: A life of Léopold Sédar Senghor. Massachusetts: Harvard University Press.

13)- Geller, S. (2005). Democracy in Senegal: Tocquevillian Analytics in Africa. New York: Palagrave Macmillan.

14)- Vaillant, J. (1990). Op Cit.

15)- Geller, S. (2005). Op cit.

16)- Vaillant, J. (1990). Op Cit.

17)- Fall, M. (2011). Les révisions constitutionnelles au Sénégal : révisions consolidantes et révisions déconsolidantes de la démocratie sénégalaise. Dakar : Credila.

18)- Fall, M. (2011).Op. cit.

19)- Kelly, C. (2020). Party Proliferation and Political Contestation in Africa: Senegal in Comparative Perspective. London: Palgrae Macmillan

20)- Fall, M. (2011).Op. cit.

21)- Beck, L. (2008). Op Cit.

22)- Kelly, C. (2020). Op Cit.

23)- Kelly, C. (2020). Op Cit.

24)- Kelly, C. (2020). Op Cit.

25)- Kelly, C. (2020). Op Cit.

26)- Beck, L. (2008). Op Cit.

27)- Diagne, S. (2013). A Secular Age and the World of Islam. In M. Diouf (Ed.), Tolerance, Democracy, and Sufi in Senegal (pp. 40-51). New York: Colombia University Press

28)- Robinson, D. (2000). Paths of Accommodation: Muslim Societies and French Colonial Authorities in Senegal and Mauritania, 1880–1920. Athens: Ohio University Press.

29)- Diouf, Abdou: Mémoires, Éditeur, ‎SEUIL (14 novembre 2014).

30)- Babou, A. (2016). Negotiating the Boundaries of Power: Abdoulaye Wade, the Muridiyya, and State Politics in Senegal, 2000–2012. Journal of West African History, (2)1, 165-188.

31)- Babou, A. (2016). Op Cit.

32)- Kelly, C. (2020). Op Cit.

33(- Kuenzi, M. (2018). Education, religious trust, and ethnicity: The case of Senegal. International Journal of Educational Development, 62(C), 254-263.