التصعيد الإسرائيلي الإيراني في سياق الحرب على غزة: التداعيات والتوقعات

تغيرت معادلة الصراع بين إيران وإسرائيل بعد المواجهة المباشرة بينهما، وكل طرف حصل على ما أراده. فرضت إيران معادلة جديدة على إسرائيل تردعها عن استمرار استهدافها للمصالح الإيرانية بحرية تامة، كما حصلت إسرائيل على الدعم الدولي، وعززت من تحالف الدفاع المشترك في المنطقة.
25 أبريل 2024
الرد على إيران كان ضعيفًا ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عنه، واعتبره التوجه الأمني التقليدي الإسرائيلي بمنزلة عدم الرد (الأناضول).

مقدمة

يعتبر الهجوم الإيراني على إسرائيل أكبر هجوم جوي على العمق الإسرائيلي منذ تأسيسها. وحمل الهجوم صورة مصغرة من حالة الحرب لو اندلعت بين إيران وإسرائيل. وصلت تكاليف صد الهجوم الإيراني على إسرائيل حوالي 4-5 مليارات شيكل(1) (حوالي 1.2 مليار دولار). كما أنه شمل استعمال جبهات متعددة في الهجوم على إسرائيل: اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان. حاولت إيران من هذا الهجوم تحقيق أمرين، الأول: سياسي، يهدف إلى تغيير معادلة الصراع القائمة ووقف تكثيف استهداف إسرائيل للمصالح والشخصيات الإيرانية، بالذات في سياق الحرب في غزة. والثاني: عسكري، يهدف إلى إعطاء إسرائيل صورة عن شكل الحرب التي تخاطر بها إسرائيل مع إيران في حالة اندلعت بينهما بسبب السياسات الإسرائيلية.

تشير المصادر الرسمية الإسرائيلية إلى أن إسرائيل تعرضت في ليلة الهجوم لحوالي 300 تهديد جوي. حوالي 170 طائرة مسيَّرة هجومية، وحوالي 120 صاروخ أرض-أرض، وأكثر من 30 صاروخًا هجوميًّا، استطاعت إسرائيل بمشاركة منظومة الدفاع الإقليمية صد 99% منها(2). وسقط بعض منها على مواقع عسكرية، خاصة في المطار الحربي "نبطيم" في النقب، الذي يعتبر مطارًا إستراتيجيًّا في إسرائيل، وهذا ما يفسر من ضمن التفسيرات حدة موقف المؤسسة العسكرية من الهجوم الإيراني.

تتناول هذه الورقة الهجوم الإيراني على إسرائيل بالتحليل، وتلقي الضوء على التوجهات المختلفة المتصلة بسياسة إسرائيل من الهجوم، وتقف على تداعياته على إسرائيل والصراع مع إيران، وعلى الحرب في قطاع غزة.

الصراع الإسرائيلي-الإيراني

على مدار عقدين تقريبًا فرضت إسرائيل على إيران معادلة للصراع بينهما، يطلق عليها في إسرائيل "حرب الظل"، والتي تمحورت في تنفيذ إسرائيل عمليات عسكرية وأمنية داخل العمق الإيراني، شملت اغتيالات شخصيات إيرانية، وتنفيذ تفجيرات تخريبية لمنشآت إيرانية وهجمات سيبرانية على مواقع إيرانية بما في ذلك مواقع نووية ومدنية. فرضت إسرائيل منذ العام 2015، مركبًا جديدًا في الصراع، المتمثل في استهداف المواقع والمصالح الإيرانية في سوريا ومنع تكريس حالة التموضع الإيراني فيها، فتحولت سوريا إلى ساحة جديدة ومركزية للصراع بين البلدين. لم ينحصر صراع إسرائيل ضد إيران في المشروع النووي والتموضع الإيراني في سوريا، بل أيضًا استهداف عمليات نقل السلاح إلى لبنان.

ركنت إسرائيل إلى هذه المعادلة في المواجهة مع طهران، فكانت تستهدف أهدافها داخل إيران دون الإعلان عن أغلبها، ووصل الحد إلى نقل أرشيف المشروع النووي الإيراني في عملية للموساد الإسرائيلي في أعقاب توقيع الاتفاق النووي، 2015، فضلًا عن مئات العمليات العسكرية في سوريا دون رد إيراني مباشر كان من شأنه أن يعيد التفكير في إسرائيل في الاستمرار في عملياتها وسياساتها.

استهدفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق واغتالت قيادات عسكرية إيرانية، أهمهم زاهدي، قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان، بالاعتماد على هذه المعادلة، أي بأنه لن يكون هناك رد إيراني على هذا الاستهداف. وفعلًا، عاشت إسرائيل بُعيْد الاغتيال ضمن هذا الإطار من التفكير، حتى جاء التحذير الأميركي بأن إيران تخطط للرد على إسرائيل بشكل مباشر، فالولايات المتحدة هي التي كسرت حالة الوهم الذي عاشته التقديرات الإسرائيلية حول رد الفعل الإيراني على عملية القنصلية في دمشق.

ظلت أغلب تعبيرات الصراع الإيراني-الإسرائيلي حتى الهجوم الإيراني الأخير في إطار حرب الظل، مع أفضلية لإسرائيل في هذا الصراع، حيث خلقت لنفسها مساحة لاستهداف المصالح الإيرانية وسعتها كل مرة بطريقة مختلفة، معتمدة على التقديرات السائدة بأنه لن يكون هناك رد إيراني مباشر بسبب منظومة الردع الإسرائيلية، لذلك حمل الهجوم الأخير تقليصًا لهذه المساحة، وربما فرض معادلة إيرانية جديدة للصراع مع إسرائيل.

التوجهات في إسرائيل من التصعيد

في أعقاب الهجوم الإيراني على إسرائيل، ظهر في إسرائيل توجهان حول الرد الإسرائيلي على الهجوم. يمكن أن نطلق على التوجه الأول: التوجه السياسي-الإستراتيجي، والتوجه الثاني: التوجه العسكري-الأمني التقليدي. يشير هذا الانقسام إلى غياب الإجماع في إسرائيل حول رد الفعل الإسرائيلي على الهجوم الإيراني.

يستحضر هذا الانقسام الهجمات العراقية الصاروخية على إسرائيل في حرب الخليج، 1991؛ إذ طالبت الولايات المتحدة، في حينه، الحكومة الإسرائيلية، بعدم الرد على الهجمات الصاروخية العراقية، وكانت الحكومة حينها حكومة يمينية أيضًا بقيادة حزب الليكود وبرئاسة صقور الحزب في حينه، رئيس الحكومة، إسحاق شامير، ووزير دفاعه، موشيه أرينز. تخوفت الولايات المتحدة حينها من أن رد الفعل الإسرائيلي قد يؤدي إلى تفكك مشاركة الدول العربية في التحالف الدولي ضد العراق، وقد ظهر نفس الخلاف في إسرائيل، ويبقى الفرق الذي أثَّر على قرار الحكومة الإسرائيلية بعدم الرد، هو أن التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة كان في حالة حرب مع العراق، استهدفت خلالها الولايات المتحدة منصات إطلاق الصواريخ على إسرائيل أيضًا.

في الحالة الراهنة، إيران ليست تحت القصف الأميركي ولا في حالة حرب مع الولايات المتحدة، مما زاد من تباين المواقف الإسرائيلية في الرد على الهجوم الإيراني، وكل له تقديراته.

التوجه الأول: التوجه السياسي-الإستراتيجي، ويرى أن إسرائيل من خلال عمليات التصدي للهجوم الإيراني، فإنها حققت الأهداف التالية:

أولًا: نجحت في إفشال الهجوم الجوي من خلال التصدي، وفق التقديرات الإسرائيلية، لحوالي 99% من التهديدات الجوية عليها، وهو إشارة إلى قوة المنظومة الدفاعية الإسرائيلية متعددة الطبقات(3).

ثانيًا: تفعيل منظومة الدفاع الجوي الإقليمية برعاية الولايات المتحدة وبمشاركة دول عربية، أهمها الأردن، مما يعطي الإمكانية لتعزيز التحالف الإقليمي ضد إيران في المنطقة. يعتقد هذا التوجه أن مشاركة دول عربية في التصدي للهجوم كان منبعه الأساسي الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومنع التصعيد، ورد فعل إسرائيل يتناقض مع هذا التوجه الإقليمي ويُهدد إمكانية تعميقه(4).

ثالثًا: كسر حالة العزلة الدولية التي تمر بها إسرائيل في أعقاب الحرب على غزة، وظهورها بموقع الضحية المستهدفة بوجودها وأمنها، مما يعطي المجال لإسرائيل لإعادة ترميم سردية الضحية على المستوى الدولي، لاسيما بعد التضامن الكبير مع إسرائيل والمشاركة في التصدي للهجوم الإيراني، والذي طالب إسرائيل بعدم الرد والتصعيد، والحفاظ على الإنجاز الذي تحقق في الرد الدولي والإقليمي على الهجوم الإيراني(5).

رابعًا: أعاد الهجوم الإيراني موضوع العقوبات الاقتصادية على طهران، وخاصة على مشروعها الصاروخي وطائراتها المسيَّرة، وعلى إسرائيل الاستثمار في الدفع بهذا الأمر بدل الرد العسكري على إيران.

التوجه الثاني: التوجه الأمني التقليدي، فقد انطلق بتأييده للرد العسكري من المنظومة الأمنية الإسرائيلية التقليدية التي تعتمد بالأساس على مفهوم الردع الإسرائيلي في إطاره العسكري. معتبرًا أن عدم الرد على الهجوم الإيراني سيؤدي إلى تآكل منظومة الردع الإسرائيلية وتظهرها كدولة خائفة من الرد على إيران خوفًا من رد الأخيرة عليها(6).

تزداد أهمية هذا التوجه في سياق الحرب على غزة، والهجوم في السابع من أكتوبر/تشرين الأول (2023) الذي أثبت ضعف قوة الردع الإسرائيلية، لأن تعرض إسرائيل لهجوم ثان خلال نصف عام، أي لهذا الهجوم الإيراني دون رد، سوف يعمق من تآكل ردعها. بناء على ذلك، طالبت المؤسسة العسكرية تحديدًا برد عسكري كبير على إيران، وهي المؤسسة التي تعرضت لإحراج كبير بسبب إخفاقها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ومع ذلك، فإن التوجه الأمني-العسكري التقليدي كان متباينًا في حجم الرد وطريقته، بين الرد الكبير المدوي الذي يستهدف منشآت حيوية في إيران، ردًّا على استهداف مواقع إستراتيجية في إسرائيل، وبين من أراد ردًّا يكسر من خلاله المعادلة التي تحاول إيران فرضها على إسرائيل، وهذا يكون بمجرد الرد دون علاقة بحجمه وحدَّته.

تبنَّت المؤسسة العسكرية موقفًا مشددًا من الهجوم الإيراني، فتحدث ممثلوها عن أهمية الرد على الهجوم الإيراني في الوقت الذي كان مجلس الحرب الإسرائيلي يناقش الموضوع ويفحص خيارات الرد على الهجوم الإيراني. وأصدر جنرالاتها بيانات من موقع مطار "نبطيم"، وظل موقفهم ثابتًا في مداولات مجلس الحرب، وهو أهمية الرد على الهجوم الإيراني بشكل موسع. ويبدو أن نتنياهو -الذي كان تحت الضغط الدولي الأميركي والأوروبي- كان مؤيدًا للرد، لكنه تراجع عنه ودعم ردًّا "ضعيفًا" داخل الأراضي الإيرانية. وتشير التقارير إلى أن إسرائيل كانت تحضِّر لرد واسع في إسرائيل ثم تراجعت عنه بفعل الضغط الدولي عليها(7).

والجدير بالذكر أن وزيري مجلس الحرب، بيني غانتس وغادي إيزنكوت، اعتبرا أن الرد الإسرائيلي إذا لم يكن سريعًا ومباشرًا فلا معنى له، إلا أنه بعد مرور أيام على عدم الرد، مال غانتس إلى تفضيل الحفاظ على الإنجازات التي حققتها إسرائيل في ردها على الهجوم الإيراني، والالتفات للحرب في قطاع غزة(8).

تداعيات الرد الإسرائيلي

جاء الرد الإسرائيلي ضعيفًا على الهجوم الإيراني، وكان وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، قد وصفه فعلًا بالضعف، مستعملًا كلمة عامية (دارديلا). لم يكن الرد ضعيفًا فحسب، بل لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها الرسمية عن الهجوم، وهذا معناه في نظر التوجه الأمني التقليدي عدم الرد، لأن إيران هاجمت بشكل علني، في حين ردت إسرائيل بصورة غير رسمية.

من يؤيد الرد "الضعيف" يعتقد أن الهجوم الإسرائيلي كان يحمل رسالة سياسية لإيران، بأن إسرائيل لن تخضع للمعادلة التي تريد إيران فرضها عليها، وأنها هاجمت إيران كما اعتادت على مهاجمتها في السابق. بمعنى أن إسرائيل ستستمر بسياستها تجاه إيران، لكنها تفضِّل أن تبقى هجماتها داخل الأراضي الإيرانية في إطار حرب الظل وليس الحرب العلنية الرسمية المباشرة.

أما من عارض هذا "الرد"، فإنه يعتقد أن إسرائيل لو لم ترد لكان أفضل لها بدلًا من هذا الرد الضعيف، لأنه أسهم في إضعاف إسرائيل ومنظومتها الردعية في المنطقة. ويعتبر هؤلاء أن تكثيف حزب الله لهجماته في الفترة الأخيرة على منطقة الشمال بالطائرات المسيَّرة والقاذفات هو تعبير عن ضعف إسرائيل، والتعامل معها أنها باتت تخاف من رد فعل إيران وحلفائها في المنطقة.

التداعيات على العلاقة مع إيران

تشير تقديرات إسرائيل إلى أن الصراع مع إيران لاحقًا لن يكون كما كان قبل الهجوم الإيراني ورد الفعل الإسرائيلي عليه؛ حيث فرضت إيران معادلة جديدة في صراعها مع إسرائيل لأول مرة منذ بدء حرب الظل بينهما، وأن إسرائيل سوف تتردد وتفكر في تنفيذ عمليات ضد مصالح وشخصيات إيرانية مركزية. أشار رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهارون هليفا، إلى أن إسرائيل تنتظرها أيام صعبة ومعقدة في المرحلة القادمة، في أعقاب التصعيد مع إيران(9).

وتشير تقديرات أخرى إلى أن إيران اختبرت الدفاعات الجوية الإسرائيلية؛ مما قد يسهم في تطويرها لمنظوماتها الهجومية، وخاصة تطوير سلاح الجو الإيراني بطائرات روسية متقدمة. ولكن يبقى التخوف الإسرائيلي الأكبر الذي لم تختبره بعد، هو إكمال سياستها في استهداف التموضع الإيراني في سوريا، وهو ما ستختبره إسرائيل في أول استئناف لهجماتها على المواقع الإيرانية في سوريا.

أظهرت المواجهة قصور إسرائيل في مواجهة إيران لوحدها، حتى على المستوى الدفاعي. صحيح أن المنظومات الدفاعية الإسرائيلية هي الأكثر تطورًا في العالم، لكنها لن تتحمل هذا الكم من الهجوم الصاروخي والتهديدات الجوية المكثفة لوحدها، مع العلم أن إيران استعملت منظومات هجومية غير متطورة من ترسانتها الهجومية الجوية. كما كشفت هذه المواجهة قصور إسرائيل في تحمل حرب طويلة مع إيران، فليلة واحدة كلفت إسرائيل 1.2 مليار دولار فقط للدفاع، دون فحص تداعيات حرب مستمرة على باقي القطاعات. في هذا الصدد، يقول الجنرال احتياط، إسحاق بريك: إن إسرائيل غير مستعدة وجاهزة لمواجهة مع إيران، خاصة على مستوى الجبهة المدنية الداخلية؛ حيث قد تضرب إيران منشآت حيوية في إسرائيل تؤثر على الحياة المدنية للمجتمع الإسرائيلي(10). ومع ذلك، ترى إسرائيل أن فرض عقوبات على طهران كان تقدمًا حققته في التضييق على إيران، وهي التي كانت تطالب كل الوقت الدول الغربية بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران.

لا تنحصر التداعيات في العلاقة المباشرة مع طهران، بل في العلاقة مع حزب الله أيضًا. ويبدو أن إسرائيل تخطت منذ فترة إمكانية المبادرة لشن حرب واسعة على حزب الله، وبعد الهجوم الإيراني زاد الأمر تعقيدًا بالنسبة لها، وهو ما يفسر من وجهة النظر الإسرائيلية تجرؤ حزب الله في الفترة الأخيرة في تكثيف هجماته على منطقة الشمال. وتعززت مرة أخرى المعادلة التي تربط بين التوتر في الشمال والحرب في قطاع غزة، والتي حاولت إسرائيل عدم الالتزام بها فيما يتعلق باستمرار عملياتها العسكرية ضد الحزب.

التداعيات على الحرب في غزة

انطلق التوجه الإستراتيجي في موقفه، من أهمية عدم تشتيت إسرائيل جهودها على جبهات مختلفة، بل التركيز على الحرب في قطاع غزة، وتحقيق الأهداف منها؛ حيث قال غانتس: "علينا أن نتذكر أننا لم نُكمل مهماتنا، وعلى رأسها إرجاع المخطوفين وإزالة التهديد عن سكان الشمال والجنوب"(11). ومع أن نتنياهو حاول تحييد الأنظار عن مسألة الهدنة والصفقة من خلال إعادة إنتاج سردية الخطر الوجودي على إسرائيل من إيران، والتي نجح في فرضها على المشهد الإسرائيلي في العقدين الماضيين، إلا أنه فشل في ذلك، فاستمرت المظاهرات ضد حكومته ومع الدفع بتوقيع اتفاق لتبادل الأسرى مع حركة حماس.

يمكن القول: إن دوافع الرد الإسرائيلي "الضعيف" على إيران نابعة من إعطاء الأولوية للجبهة في قطاع غزة، وعدم فتح جبهات أخرى. كان هذا مطلبًا أميركيًّا ومن بعض أعضاء الحكومة، وذلك لمنع تحقيق فكرة "توحيد الساحات" التي اعتمدتها المقاومة في خطابها خلال السنوات الأخيرة. وكذلك من أجل التحضير لعملية عسكرية في رفح، فإسرائيل ترى أن هذه العملية أصبحت ملحَّة، بالذات بعد هجومها الضعيف على إيران، وكسب نوع من الشرعية الدولية لسرديتها، وحصولها على الدعم الأميركي الأخير الذي يصل إلى حوالي 26 مليار دولار(12). تنبع أهمية العملية في رفح، في سياق الصراع الإسرائيلي-الإيراني الأخير، من محاولة إسرائيل كسر الاعتقاد لدى حركة حماس بأن إسرائيل ضعفت بعد ردها "الضعيف على إيران".

خاتمة

تتفق أغلب التقديرات الإسرائيلية على أن معادلة الصراع بين إيران وإسرائيل تغيرت بعد الأزمة الأخيرة. فكل طرف حصل على ما أراده، فإيران فرضت معادلة جديدة على إسرائيل تردعها عن استمرار استهدافها للمصالح الإيرانية بحرية تامة، كما حصلت إسرائيل على الدعم الدولي، وتعزيز تحالف الدفاع المشترك في المنطقة، وأظهرت قوة منظوماتها الدفاعية متعددة الطبقات، التي بحد ذاتها تعتبر مركبًا مهمًّا في منظومة الردع الإسرائيلية.

حمل الرد الإسرائيلي إضعافًا للمنظومة الأمنية التقليدية الإسرائيلية التي تعتمد على رد فعل أكبر من الهجوم عليها، كما أنه أسهم في إضعاف نتنياهو شخصيًّا، وهو الشخص الذي اعتبر نفسه منقذًا للشعب اليهودي ودولة إسرائيل من الخطر الإيراني، وبنى كل حياته السياسية على هذه القضية. وبهذا ظهر فشله مرتين خلال نصف عام، في الإخفاق في السابع من أكتوبر/تشرين الأول (2023) حيث تتهمه أوساط إسرائيلية واسعة بأنه هو من سمح لحركة حماس بأن تتحول لقوة عسكرية كبيرة، وفي رد الفعل الإسرائيلي على الهجوم الإيراني، وهو الذي عاش يتوعد إيران بقوة إسرائيل وعدم السماح لها بتهديد أمن إسرائيل.

سيحاول نتنياهو والجيش الإسرائيلي تعويض ما ظهر من ضعف في تنفيذ عملية عسكرية في رفح، تحقق من وجهة نظرهم الأهداف التي وضعتها إسرائيل للحرب في قطاع غزة، ومحاولة فرض شروط إسرائيل على حماس فيما يتعلق بالهدنة وصفقة التبادل.

نبذة عن الكاتب

مراجع
  1. ألكسندرا لوكش، تكاليف الدفاع الإسرائيلي للهجوم الإيراني: 4-5 مليارات شيكل، ynet، 14 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://www.ynet.co.il/economy/article/rkl6kwygr
  2. إليشع بن كيمون، صواريخ باليستية تفجرت في "نبطيم": الناطق باسم الجيش: الموقع يعمل، وإيران فشلت، ynet، 14 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://www.ynet.co.il/news/article/hkkywcug0
  3. يانيف كوفيفيتش، إيران أطلقت أكثر من 300 صاروخ وطائرات مسيرة نحو إسرائيل- أغلبها دُمرت، هآرتس، 15 أبريل/نيسان 2024، ص:3.
  4. غيورا إيلاند، هناك أفضليات: إسرائيل تستطيع عدم الرد على الهجوم الإيراني، موقع القناة 12، 14 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://www.mako.co.il/news-columns/2024_q2/Article-218be3834abde81026…
  5. عاموس يدلين وأوري أفينطل، الهجوم الإيراني هو فرصة للتحول في الحرب الذي انتظرته إسرائيل، موقع القناة 12، 14 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://www.mako.co.il/news-columns/2024_q2/Article-f7e5f8854acde81026…
  6. عومر دوستري، إسرائيل مجبرة على الهجوم على إيران، معهد القدس للاستراتيجية والأمن، 14 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://jiss.org.il/he/dostri-israel-must-attack-iran/
  7. موقع YNET، إسرائيل خططت لهجوم واسع في إيران، ومنعت في اللحظة الأخيرة، موقع ynet، 22 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://shorturl.at/iny34
  8. بن سمواليس، مصدر في البيت الأبيض: بايدن أوضح لنتنياهو أن الولايات المتحدة لن تهاجم إيران، انقسام في المجلس الوزاري حول الرد، هآرتس، 15 أبريل/نيسان 2024، ص: 4.
  9. نير كوهن، الجنرال احتياط بريك: الاغتيال في دمشق: لعب بالنار، ومن شأنه أن يشعل حربًا إقليمية، موقع ynet، 4 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://www.ynet.co.il/news/article/b110yb3jr
  10. نير كوهن، الجنرال احتياط بريك: الاغتيال في دمشق: لعب بالنار، ومن شأنه أن يشعل حربًا إقليمية، موقع ynet، 4 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://www.ynet.co.il/news/article/b110yb3jr
  11. بن سمواليس، مصدر في البيت الأبيض: بايدن أوضح لنتنياهو أن الولايات المتحدة لن تهاجم إيران، انقسام في المجلس الوزاري حول الرد، هآرتس، 15 أبريل/نيسان 2024، ص: 4.
  12. كالكاليست، مجلس النواب الأميركي أقر مساعدات لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار، كالكاليست، 20 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://www.calcalist.co.il/world_news/article/skj7gk11wa