وفد صيني يزور مركز الجزيرة للدراسات لعرض الرواية الرسمية عن أوضاع مسلمي شينجيانغ

في ندوة علمية احتضنتها جامعة قطر ناقشت صناعة الأخبار الكاذبة وآليات التحقق منها، قدم الباحث بمركز الجزيرة للدراسات محمد الراجي نموذجًا معرفيًّا لفهم وتفسير ظاهرة الأخبار الكاذبة بعنوان "لولب الحصار المعلوماتي".
6d58edc455ad471a9154b9594d9087b4_18.jpg

نظَّمت مكتبة جامعة قطر في الدوحة بالشراكة مع قسم الإعلام بالجامعة نفسها، ندوة علمية حول "صناعة الأخبار الكاذبة وآليات التحقق منها"، في 26 مارس/آذار 2018، شارك فيها د. جمال زرن، أستاذ الإعلام والاتصال بالجامعة، والأكاديمي د. ليون برخو، ود. حسين غلوم، والباحث بمركز الجزيرة للدراسات، د.محمد الراجي، الذي قدَّم مداخلة بعنوان "لولب الحصار المعلوماتي: الأخبار المفبركة وتأثيرها في الرأي العام". وبيَّن الراجي كيف تحولت البيئة الرقمية الجديدة بنموذجها الاتصالي الأفقي إلى فضاء مفتوح لمشاركة الأفراد والمؤسسات وحتى الدول أيضًا في إنتاج المحتوى والصناعة الإخبارية، بل أصبح هذا المجال -بعدما أزاح حراس البوابة عن عتباته- ملاذًا و"محضنًا" لاصطناع الأخبار وفَبْرَكَتِها؛ حيث برزت ظاهرة الأخبار الكاذبة التي يتعاظم انتشارها عبر شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني عمومًا كما ظهر في قصة "كامبريدج أناليتيكا"، وقبلها قصة اختراق "وكالة الأنباء القطرية". 

وأوضح الراجي أن هذه الظاهرة تبدو اليوم أكثر تعقيدًا في سياقها الرقمي؛ حيث تتداخل عوامل كثيرة وشبكة واسعة من الفاعلين أو القائمين بالفبركة في اصطناع الأخبار والترويج لها (شركات العلاقات العامة، شركات الاستشارات السياسية، المؤسسات البحثية، مراكز استطلاع الرأي، الشبكات الاجتماعية، المؤسسات الأمنية والاستخبارية..) خلافًا لنموذج الدعاية الذي اقترن بوسائل الإعلام التقليدية ونمطها الاتصال العمودي الذي يجعل القائم بالدعاية ومصدرها معلومًا والخطاب الدعائي نفسه مرصودًا. ولفهم متغيرات هذه الظاهرة ودينامياتها، اقترح الراجي نموذجًا معرفيًّا سمَّاه "لولب الحصار المعلوماتي"، الذي يستفيد من أعمال إليزابيث نيومان (دوامة الصمت)، وجون ميرشيمر (لماذا يكذب القادة؟: حقيقة الكذب في السياسة الدولية)، فضلًا عن نظرية الأطر الإعلامية. 

ويفترض هذا النموذج -بحسب الباحث الراجي- أن القائم بالفبركة أو شبكة القائمين بالفبركة تسعى من خلال نشر الأخبار المفبركة خلال فترة معينة إلى فرض الحصار على الخطاب المنافِس أو السرديات السائدة، وكذلك نشاط الأفراد أو المؤسسات وحتى الدول أيضًا، عبر وسائل وأدوات مختلفة تبدأ ببثِّ الأخبار المفبركة والتلاعب بالبيانات والمعلومات وتوجيهها لأغراض شبكة القائم بالفبركة والترويج لها ثم قرصنة المواقع والمنصات المنافِسة والانغمار في حملات التشويه والشيطنة وأَسْطَرَة الذات وتقديسها وتمجيدها وبيان نقائها والإضرار بالآخر. وفي هذه المرحلة يكون هدف القائم بالفبركة هو حصار الوسيلة أو الوسائل التي يعتبرها مهدِّدة لمصالحه. وبالموازاة مع ذلك، تكثف هذه الشبكة نشاطها في صناعة الأخبار الكاذبة لمحاصرة الرأي العام في الاتجاه الذي يخدم أجندتها السياسية والاقتصادية، وهكذا يتوسع لولب الحصار في "خنق" تدفق الخطاب المنافِس أو السرديات السائدة ثم التأثير تدريجيًّا في المستخدمين عبر بث خطاب أو سرديات بديلة تحاصر وعي الجمهور المستهدف بالفبركة. 

ويقوم النموذج الذي قدَّمه د. محمد الراجي لفهم ظاهرة الأخبار المفبركة على فرضية أخرى؛ إذ إن معظم الأفراد الذين يخشون من الخطر أو الأخطار التي قد تهدد حياتهم أو النموذج الاقتصادي والسياسي للدولة قد يدفعهم ذلك للتفاعل مع السرديات البديلة التي يطرحها خطاب القائم بالفبركة في محاولة للتوحُّد معها؛ الأمر الذي يجعلهم في دائرة الحصار الذي تفرضه الأخبار المفبركة ويتوسع كلما اشتد التخويف من الخطر أو الأخطار المزعومة التي تُروِّج لها شبكة القائمين بالفبركة. ويدعم هذه الفرضية عاملان رئيسيان:

  1. الأفراد يستجيبون لنوازع الخوف ويتفاعلون مع التحذيرات من الخطر الخارجي أو حتى الخطر المحلي وينساقون وراء السرديات البديلة.
  2. تقوم السرديات البديلة بنشر وتعزيز أطروحاتها وسط الرأي العام. 

ولأن عددًا كبيرًا من الأفراد يعتقد أن السرديات البديلة تعبِّر عن حقيقة المخاطر التي يواجهها المجتمع، فإن الخطاب السائد يضمحل أو يخفت ومن ثم يشتد الحصار عليه، بينما تتعزَّز السرديات البديلة وتسبِّب ضغوطًا على الجمهور المعارض الذي يشعر بالخوف، وهو ما يؤدي إلى محاصرة وعيه. وبذلك نحصل على أثر لولبي يزداد ميلًا تجاه السرديات البديلة التي تتبناها شبكة المفبركين بغضِّ النظر عن الموقف الحقيقي للجمهور. 

ويعتمد نموذج لولب الحصار المعلوماتي -بحسب الباحث الراجي- على مجموعة من الأطر لفهم وتفسير ظاهرة صناعة الأخبار الكاذبة سواء عبر الإعلام التقليدي أو الإعلام الجديد بوسائطه ومنصاته المختلفة، وقد أجملها الراجي في الآتي:

  1. إطار استراتيجي (للفبركة): إذا كان المقصود بالحصار المادي هو التحطيم الذاتي لأي كيان أو على الأقل الوصول إلى مرحلة إضعافه حتى تسهل السيطرة عليه والتمكن منه وتحقيق النتائج دون الحاجة إلى استخدام القوة الخشنة، فإن الحصار الرمزي يهدف أيضًا إلى الإضعاف والتحطيم/تحطيم الفرد أو المؤسسة أو الدولة؛ حيث يكون هؤلاء جميعًا في موقع المنافِس للقائم بالفبركة، الذي يسعى إلى تحقيق تفوق استراتيجي عبر إلحاق الهزيمة بهم سواء في الانتخابات التي يشاركون فيها مثلًا أو إغلاق مؤسسة إعلامية أو انهيار اقتصاد دولة معينة...إلخ. وقد يكون تغيير النظام هو الهدف الاستراتيجي لشبكة القائمين بالفبركة.
  2. إطار الشَّيْطَنَة والأَسْطَرَة: ويسعى القائم بالفبركة إلى محاصرة المنافِس من خلال شَيْطَنَتِه لنزع الشرعية التاريخية والقانونية والأخلاقية عنه، والتشويش على علاقاته الدولية، وفي الوقت نفسه أَسْطَرَة ذات القائم بالفبركة من خلال تقديسها وتنقيتها من الأخطاء (الطهرانية) والإضرار بالآخر. ويشتغل هذا الإطار من خلال الثنائية الضدية التي تميز بين الـ(النحن) والـ(هم).
  3. إثارة الرعب: يهدف هذا الإطار إلى إثارة حالة خوف غير موجودة تجاه من تستهدفه الأخبار المفبركة والمبالغة في تضخيم الخطر الذي تمثله، مثل التخويف من وصول هيلاري كلينتون، المرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية الأميركية، إلى البيت الأبيض، وكذلك التخويف من الخطر الذي تمثله قناة الجزيرة في نظر شبكة القائمين بالفبركة على وعي الجمهور العربي.
  4. إطار الهيمنة: ويتم عبر إطلاق الأكاذيب عن المنافِس، أفرادًا ومؤسسات ودولًا، بهدف تنمية مصالح شبكة القائمين بالفبركة وتتعدد أوجه هذه الهيمنة؛ إذ قد تكون سياسية (مثل الرغبة والسعي للتحكم في القرار الوطني كما في قصة وكالة الأنباء القطرية)، أو اقتصادية (سواء عبر السيطرة على مقدرات البلاد المنافِس أو محاولة الإضرار باقتصاد البلاد)، أو ثقافية وإعلامية أيضًا. 

ونظرًا لأهمية هذا النموذج، الذي يتناول قضية جوهرية في واقعنا الراهن؛ ترتبط بقضايا شائكة تهدد الأمن المجتمعي والسياسي، سواء بالمنطقة العربية أو خارجها، يعمل الباحث د. محمد الراجي على استكمال عناصر هذا البراديغم خلال الفترة المقبلة في ورقة بحثية بعنوان "لولب الحصار المعلوماتي" ونشرها قريبًا على موقع مركز الجزيرة للدراسات.