التقارب الإيراني-الأميركي: مستقبل الدور الإيراني: خلاصات ونتائج

تباينت التحليلات والتوقعات بشأن التقارب الإيراني-الأميركي ومستقبل الدور الإيراني، وتراوحت هذه التباينات بين مَنْ يعتقد أنه تقريب سيعيد رسم خارطة المنطقة،
201433172319455580_20.jpg
(الجزيرة)

تباينت التحليلات والتوقعات بشأن التقارب الإيراني-الأميركي ومستقبل الدور الإيراني، وتراوحت هذه التباينات بين مَنْ يعتقد أنه تقريب سيعيد رسم خارطة المنطقة، ويُؤَثِّر على مسار الحدث السياسي فيها؛ مرورًا بمَنْ ينظر إلى القضية بحذر واضعًا شروطًا ليست سهلة لإنجاح هذا التقارب، وصولاً إلى فريق مُشَكِّك بإمكانية الوصول به إلى مراحل متقدمة، فيقلل من تبعات هذا التقارب، ويُشَكِّك في إمكانيات نجاحه؛ وذلك لوجود عقبات كثيرة تحول دون إتمامه.

هَدَفَ هذا الملف (التقارب الإيراني-الأميركي: مستقبل الدور الإيراني) إلى رصد وبحث مستقبل التقارب الإيراني-الأميركي، وتنامي الدور الإيراني وامتداداته وتأثيراته المستقبلية من خلال عدد من الأوراق التي قدمها باحثون ومختصون في الشؤون الإيرانية والعلاقات الدولية؛ وتضمن التالي:

  • مقدمة
  • إيران في السياسة العالمية بعد روحاني: د. آرشين أديب مقدم، رئيس مركز الدراسات الإيرانية في جامعة لندن.
  • مستقبل العلاقات الأميركية-الإيرانية: السفير: حسين موسويان، عضو الوفد المفاوض في الملف النووي سابقًا، والباحث الزائر في جامعة برنستون.
  • التقارب الإيراني-الأميركي: موقف الأطراف الإيرانية الفاعلة: فرح الزمان أبو شعير، باحثة وإعلامية مقيمة في طهران. 
  • مآلات التقارب الإيراني-الأميركي: دروس من الماضي: د. مارك كاتز، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج ميسن الأميركية. دراسة مقارنة. 
  • التقارب الإيراني-الأميركي: من أين تمر الطريق إلى القدس؟ د. فاطمة الصمادي، الباحثة في مركز الجزيرة للدراسات. 
  • العلاقات الروسية الإيرانية في ظل التقارب مع واشنطن: وجهات نظر: كارينا فايزولينا، باحثة روسية متخصصة في العلاقات الدولية.
  • التقارب الأميركي-الإيراني والعلاقات التركية-الإيرانية: الفرص والتهديدات المحتملة: د. محمد جابر ثلجي، باحث متخصص في الشأن التركي.
  • هل يتنامى دور إيران في آسيا الوسطى؟ حسابات الربح والخسارة الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية: د. سِباستين بَايروس: الباحث ببرنامج آسيا الوسطى، في جامعة جورج واشنطن.

الخلاصات والنتائج

في المحصلة يمكن الخروج بالخلاصات والنتائج التالية:

  1. إن أفضليات الاستراتيجية لأية دولة -وإيران كذلك-لا تتحول بمجموعها فجأة تبعًا لتغير الحكومات؛ ولكنها تأتي بشكل مؤسسي ممنهج، وتحمل أبعادًا عميقة وعريضة تتجاوز السياسات اليومية.
  2. إن "روحاني" هو التأثير السطحي للتغييرات التدريجية في السياسة الداخلية لإيران ما بعد الثورة، وهو منتج لجيل ما بعد الثورة، الذي يتوق إلى الإصلاحات؛ لكنه يواصل العمل ضمن الخطوط العريضة العامة للأفضليات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية.
  3. لقد تغيرت إيران في ظل حكم روحاني؛ خاصة فيما يتعلق بالشؤون الدولية والمصالحة مع الولايات المتحدة الأميركية؛ ولكن هذه التغييرات الدقيقة تعوقها الأفضليات الاستراتيجية الدائمة للدولة، التي ستستمر بتوجيه الشؤون الدولية للجمهورية الإسلامية.
  4. هذه التفضيلات للدولة الإيرانية لا تحول دون توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، حتى القيام بتكيف ضمني مع قضية إسرائيل؛ ولكنها تجعل من المستحيل لإيران أن تظهر بصورة التابع.
  5. يمكن حصر التوجهات السائدة في الساحة السياسية الإيرانية فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، ضمن مدارس فكرية ثلاث؛ هي:
  • المدرسة الفكرية الأولى التي ينتمي إليها آية الله خامنئي، وتعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تتخلى عن سياساتها القائمة على الهيمنة، وينظر دعاة هذه المدرسة بمنتهى الريبة إلى أية جهود مصالحة؛ ولكن هذه المدرسة -أيضًا-لا ترفض رفضًا قاطعًا انفراج العلاقات بين البلدين.
  • أما المدرسة الفكرية الثانية؛ التي يقوم عليها الراديكاليون، فتؤكد وجود عداء متأصل بين نظام إيران الإسلامي والغرب، ويقولون: إن الطريق الوحيد هو المقاومة. ومن وجهة نظرهم فإن التفاوض يعني قبول الهزيمة؛ ولهذا يجب اعتباره خطًّا أحمر.
  • أما المدرسة الفكرية الثالثة فيمثلها المعسكر المعتدل؛ ومن أبرز رموزها: الرئيس الإيراني الأسبق رفسنجاني، والرئيس الحالي حسن روحاني، ويعتقدون بوجود مصالح مشتركة كثيرة، تتأثر سلبًا نتيجة للعلاقات العدائية بين البلدين.
  • يوجد داخل المؤسسة الدينية في إيران رجال دين ينتمون إلى الطيف الأصولي وآخرون معتدلون، ووفق التصريحات التي صدرت عن متحدثين من الحوزة العلمية تقترب وجهة نظر علماء الحوزة بشأن هذه القضية كثيرًا من وجهة نظر المرشد.
  • إذا ما ثبت أن الإجراءات والتلميحات الإيرانية -فيما يتعلق بسياستها الخارجية-هي مجرد تكتيك مرحلي؛ فإن جهود التقارب الأميركي-الإيراني لن تعيش طويلاً، حتى لو تم التوصل إلى اتفاقية بشأن المشروع النووي.
  • وبالنظر إلى جهود التقارب السوفيتية الأميركية، وجهود التقارب الصينية الأميركية في بداية السبعينات من القرن الماضي (وكما هو واضح في الجهود اللاحقة): إذا كانت طهران تبحث عن حلٍّ للقضية النووية بينما تستمر في سياساتها التي يعتبرها البعض عدائية؛ فإن جهود التقارب مع أميركا لن يكتب لها النجاح على الأرجح؛ ولكن إذا كانت طهران تبحث عن حل للقضية النووية، وتبحث في الوقت نفسه إما عن تحسين علاقاتها مع أصدقاء أميركا في المنطقة، أو الحد من الخلاف معهم، فإن جهود التقارب الجارية قد يكتب لها النجاح.
  • سيكون التقارب مع الولايات المتحدة الأميركية، على الأرجح، تقاربًا سياسيًّا وتبادلاً للمصالح أكثر منه انفتاحًا على كافة الصعد؛ وذلك لأسباب أهمها: أن مخططي السياسة الإيرانية يُدركون أن انفتاحًا إيرانيًّا تجاه الولايات المتحدة الأميركية، وتطبيعًا للعلاقات بصورة كاملة سيكشف عن مساحة التباعد بين الشعارات الثورية وما يريده المجتمع بصورة فعلية، وهو ما يمكن اعتباره سلبيًّا؛ لأنه يكشف عن هشاشة الوضع الداخلي، واختلاف النظر إلى هذه القضية بين النظام ومواطنيه.
  • يُدرك المسؤولون في إيران أن عملية التغيير المطلوبة والمتوقعة منهم -خاصة في الموضوع الفلسطيني-لن تكون تكتيكية؛ بحيث يمكنها المناورة والمراوغة بشأنها؛ بل تتطلب خطوات عملية ملموسة ومؤثرة.
  • يتبنى روحاني وفريقه اليوم فلسفة تقوم على أن الفرصة المتاحة أمام بلاده لـ"تحويل التهديد إلى فرصة" لن تتم إلا بإجراء تغيير في الخطاب والسياسة الخارجية، واعتبار ذلك خطوة أولى لفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية؛ ومن ثَمَّ الغرب، وحتى إسرائيل.
  • لا يمكن التقليل من قوة وتأثير الفريق المعارض للتقارب مع واشنطن، وعلى الصعيد نفسه معارضة تقديم تنازلات بشأن القضية الفلسطينية؛ ولذلك فمن المتوقع أن تبقى الأصوات المتشددة تجاه إسرائيل محافظة على مكانها؛ خاصة أنها تحتل مواقع متقدمة في الأمن والحرس الثوري، وقد تأخذ دفعًا وقوة إذا ما فشل "اتفاق جنيف"، وإذا لم تحصل طهران على مكاسب اقتصادية وتخفيفًا للعقوبات المفروضة عليها  بشكل ملموس، فلن يتمكن روحاني من المضي بعيدًا في طروحاته التفاوضية؛ ولذلك لا يتعارض مع "المرونة الإيرانية" أن نشهد سعيًا إيرانيًّا إلى إصلاح العلاقة مع حماس، وحرصًا على تقويتها بشكل كبير.
  • إن استمرارية التقارب الإيراني-الأميركي قد يمنح إيران فرصًا أكبر لزيادة نفوذها، وهو ما سيجعل لإيران دورًا أهم من الدور التركي بالنسبة إلى القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
  • ومن النتائج المتوقعة للتقارب الأميركي-الإيراني احتمالية اتساع ساحة النفوذ للسياسة الإيرانية لتشمل مناطق: سوريا، ولبنان، والعراق، والخليج العربي، وهذا بدوره سيحد من الدور التركي في المنطقة.
  • يبدو أن تركيا التي تتبنى سياسة خارجية عملية مرنة لن تقف متفرجة إزاء هذا الاحتمال، وستحاول المشاركة في أي مشروع سياسي يتعلق بقضايا المنطقة الأساسية، وعلى رأسها الأزمة السورية.
  • أدى التقارب الحالي البطيء في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية إلى تكهنات أن إيران يمكن أن تقايض الصداقة مع موسكو بمعاملة تفضيلية من واشنطن؛ فيما يتعلق بسياسات الشرق الأوسط، وهذا الاحتمال بعيد للأسباب التالية:
    • طبيعة السياسة ذاتها؛ فالبيئات التي لا يمكن التنبؤ بسلوكها، ويعوزها الاستقرار تُعَقِّدُ عملية صناعة السياسة ذات المدى البعيد، كما أن التحالفات الراسخة -التي كانت في القرن العشرين- لم تعد موجودة؛ وبالتالي فإن طرق إدارة الأزمات المعروفة لم تعد تعمل كما هو واضح بقوة وبأشكال مختلفة في حال متذبذب؛ كالذي نتج عن الربيع العربي، خاصة في مصر وتونس. 
    • كما أن القوى العظمى الحالية والسابقة والقيادات المحتملة -بكل ما لديهم من خبرة رصينة في المناورة والترغيب والترهيب- فشلت في إخضاع تدفق الأحداث السائلة في شتى الاتجاهات. 
    • في ظل هذه الظروف فإن إيران -وهي قوة إقليمية في حد ذاتها- ليست عرضة لأن يشكلها الكرملين أو البيت الأبيض على هواه؛ فالشعور باحترام الذات والفخر القومي يمنعان طهران من أن تدخل تحت النفوذ الأميركي بعد عقود من المواجهة. 
    • إن التناقضات الداخلية لا تسمح للولايات المتحدة الأميركية بتبني استراتيجية بعيدة المدى أساسها مصالحة شاملة مع إيران.
  • إن تفوق إيران التاريخي وطموحها واضح؛ وقد يساهم ما لدى إيران من كونها مركزًا للثقافة والسياسة الشيعية، مع ما يصحب ذلك من تجربة غنية كدولة؛ سواء قبل الإسلام أو بعده، إضافة إلى موقعها المتقدم لدى روسيا -في إحداث توازن مع ثقل التحالف الإقليمي ذي التوجه السني.
  • يبالغ البعض في تقدير نفوذ إيران الديني والسياسي في آسيا الوسطى، وبوجه عام فإن ثمة مبالغة بشأن القلق من توسع الإسلام السياسي، الذي يلهمه نموذج إيران الشيعية، ولم تحاول طهران أن تستخدم بطاقة المزايدة الدينية في آسيا الوسطى، كما فعلت في لبنان وسوريا وفلسطين، ولم تحرص على تعبئة الأقلية الشيعية في المنطقة.
  • إن دمج إيران فعليًّا في المشهد الدولي، سيؤدي إلى توسيع مدى الشراكة مع آسيا الوسطى؛ فهناك قطاعات تعاون جديدة تتخلق، ويمكن لخبرة إيران فيها أن تكون موضع تقدير؛ وتشمل هذه قطاعات مثل: الكهرومائية، والمعادن، والمعالجة الصناعية للزراعة والنسيج، وإنتاج السيارات. كما أن موقع إيران الجغرافي يمنحها قيمة حقيقية في أعين دول آسيا الوسطى، التي تحرص في الغالب على تأمين حقها في استخدام البحار الجنوبية، وحوض البحر الأبيض المتوسط.
  • تقدم الدولة الإيرانية نفسها كشريك براغماتي لديه إرادة في أن يضع جانبًا خلافاته الأيديولوجية مع أفغانستان ومع جيرانه في وسط أسيا؛ وذلك فيما يتعلق -على سبيل المثال- بالموقف من إسرائيل والطبيعة العلمانية للأنظمة؛ وذلك من أجل تشجيع التعاون الإقليمي؛ وعلى الأرجح فإن إيران لن تضيع أية فرصة لفرض نفسها أكثر على المسرح الإقليمي.
  • عودة للصفحة الرئيسية للملف