الاتفاقية الأمنية بين أميركا وأفغانستان ومخاوف السيادة الوطنية

تناقش الورقة الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة الأميركية وأفغانستان و ما تثيره من مخاوف. وترى أن الاتفاقية تمنح القوات الأميركية التي ستتواجد في القواعد العسكرية الدائمة، المقرر اقامتها، حرية كاملة في التحرك داخل وخارج أفغانستان بعد عام 2014م، مما يشكل مساسا بالسيادة الوطنية.
2013128102418251734_20.jpg
المصدر (الجزيرة)

ملخص
وافق مجلس الأعيان (لوياجركا) على توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، خلال الاجتماع الذي عقده لمناقشة مسودة اتفاقية التعاون الأمني والدفاعي المشترك؛ والتي توصل إليها المفاوضون من كلا الطرفين بعد جولات تفاوضية عدة.

تلقي هذه الورقة الضوء على بنود عدة وردت في الاتفاقية وتثير الكثير من المخاوف. وترى الورقة أن الاتفاقية تمنح الولايات المتحدة الأميركية وقواتها التي ستتواجد في القواعد العسكرية الدائمة في أفغانستان حرية كاملة في التحرك داخل وخارج أفغانستان بعد عام 2014م. ولذلك تمثل الاتفاقية تنازلاً عن السيادة الوطنية، في حين جاءت تعهدات الطرف الأميركي هزيلة ولا تساوي جزءًا ضئيلاً مما منحته الاتفاقية له. كما أن البنود الواردة تقتصر على التشاور حول الرد المناسب في حال تعرّض أفغانستان إلى الاعتداء أو التهديد بالاعتداء، وهذا لا يرقى أبدًا إلى ما كان المفاوض الأفغاني يطالب به.

وافق مجلس الأعيان (لوياجركا) على توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، خلال الاجتماع الذي عقده المجلس استجابة لدعوة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في الفترة ما بين 21 إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لمناقشة مسودة اتفاقية التعاون الأمني والدفاعي المشترك بين الولايات المتحدة الأميركية وأفغانستان التي توصل إليها المفاوضون الأميركان والأفغان بعد عدة جولات. وأثناء انعقاد المجلس بمشاركة حوالي 2500 شخص نشرت وزارة الخارجية الأفغانية على موقعها الرسمي على الإنترنت الترجمة الرسمية لمسودة الاتفاقية المذكورة. وقد أثارت الاتفاقية الكثير من ردود الأفعال ما بين مؤيد ومعارض. ولأهمية هذه الاتفاقية وعلاقتها بمستقبل دول المنطقة عمومًا وأفغانستان على وجه الخصوص تلقي هذه الورقة الضوء على بعض جوانبها التي تثير الكثير من المخاوف.

صلاحيات القرار

يُعتبر مجلس الأعيان (لويا جركا) مجلسًا دستوريًا بتركيبة محددة وصلاحيات يعينها الدستور،(1) لكن تركيبة المجلس الذي استدعاه الرئيس الأفغاني لمناقشة هذه الوثيقة لم تكن متفقة وأحكام الدستور؛ فقد استدعت الحكومة إليه مجموعة من مؤيدي توقيع الاتفاقية الأمنية مع أميركا، وجاءت عضوية المجلس بالتعيين وليس الانتخاب؛ ومن ثم اتفق خبراء القانون على أن المجلس المذكور لا يتمتع بالقانونية، وأن قراراته غير ملزمة، والحكومة كانت تدرك ذلك، ومن هنا كانت قد سمته "مجلس الأعيان الاستشاري". وقد احتج جمع من أعضاء البرلمان الأفغاني على ذلك، وقالوا: إن مناقشة الاتفاقية وإصدار قرار توقيع الاتفاقية من عدمه حق البرلمان الأفغاني، لكن مع ذلك كله قرر المجلس ضرورة توقيع الاتفاقية، كما قرر أن يتم توقيعها خلال شهر واحد من يوم صدور القرار، وطلب مجلس الأعيان في قراراته النهائية من الحكومة الأفغانية إضافة ست وثلاثين مادة إلى الاتفاقية.

محتويات الاتفاقية

هذه الاتفاقية التي سميت بـ"عقد التعاون الأمني والدفاعي المشترك بين جمهورية أفغانستان الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية" تشتمل على ست وعشرين مادة وملحقين، وهي في حقيقة الأمر وثيقة تعطي حق إقامة القواعد الأميركية الدائمة في أفغانستان، وتطلق يد القوات الأميركية التي ستتواجد في أفغانستان بعد عام 2014م في كل ما تريد أن تفعله، كما أنها تعطي صلاحيات واسعة وكبيرة للمتعاقدين مع تلك القوات، ونستطيع أن نلخص النقاط الأساسية الواردة فيها على النحو التالي:

  1. ستقيم أميركا تسع قواعد عسكرية داخل أفغانستان في الأماكن الاستراتيجية التالية:
  • كابول.
  • قاعدة باجرام الجوية (أكبر قاعدة جوية في أفغانستان تقع شمال كابول في ولاية بروان).
  • مزار شريف (من العواصم الكبيرة في شمال أفغانستان).
  • هرات (الولاية المتاخمة للحدود الإيرانية).
  • قندهار (الولاية المتاخمة لحدود ولاية بلوشستان الباكستانية).
  • هلمند.
  • جرديز (جنوب أفغانستان).
  • جلال آباد (شرق أفغانستان).
  • شين دند (ثاني أكبر قاعدة جوية في ولاية فراه غرب أفغانستان)(2). هذا التنوع في المناطق التي اختيرت للقواعد يشي بأن الهدف ليس ما يتم الاعلان عنه، بل هناك أهداف استراتيجية أخرى قد تشمل مناطق خارج الحدود الأفغانية.
  • لم يتم تحديد عدد القوات الأميركية التي ستتواجد في هذه القواعد، ويبدو أنه قد أُهمل ذلك عن قصد ليكون الطرف الأميركي مطلق اليد في ذلك.
  • هذه الاتفاقية ستكون سارية لمدة عشر سنوات مبدئيًا، وستتجدد تلقائيًا إن لم تُلْغَ وفق النظام المحدد في البند الرابع من مادة رقم 26، وهذا يعني أن القواعد التي تقام هنا هي قواعد دائمة، وليست مؤقتة كما يوهمه هذا العقد في البند الأول من مادة 26 أو كما ورد في مقدمة الاتفاقية.
  • يحق للقوات الأميركية المتواجدة في هذه القواعد القيام بالعمليات العسكرية؛ فقد نصت الاتفاقية في المادة الثانية، البند الرابع على: "اتفق الطرفان على أن العمليات العسكرية الأميركية لكسر القاعدة والجماعات الموالية لها يمكن أن تكون في إطار الحرب المشتركة على الإرهاب"، ثم يضيف هذا البند نفسه: "المراد بالعمليات العسكرية الأميركية ضد الإرهاب هي العمليات المكملة للعمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الأفغانية المسلحة". ولم تستجب أميركا في ذلك لمطالب الحكومة الأفغانية بخصوص عدم دخول القوات الأجنبية إلى بيوت الأفغان وتفتيشها. وقد أوهموا في البند الأول من المادة المذكورة أن القوات الأميركية ستوقف العمليات العسكرية بعد توقيع الاتفاقية.(3)
  • تنص المادة السابعة من الاتفاقية على أن هذه القواعد تكون تحت تصرف القوات الأميركية بالكامل، تديرها كما تريد، وتبني فيها ما تريد من غير قيد أو رقابة، ولا يُسمح لأحد أن يدخلها إلا بإذنها، وتكون مجانية، كما تنص المادة الثالثة على أن كلا طرفي العقد يملكان حق الدفاع عن النفس.
  • يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة الأميركية من الأراضي الأفغانية كمخزن للأسلحة والأجهزة الأخرى؛ فإن المادة التاسعة تنص على أن القوات الأميركية تستطيع أن تخزّن السلاح والأجهزة والمؤن داخل قواعدها وفي الأماكن التي يتفق عليها الطرفان، وأن القوات الأميركية لها حق الملكية على تلك الوسائل والأجهزة وحق الرقابة داخل الأراضي الأفغانية كما يحق لها نقل هذه الوسائل والأجهزة والأغراض خارج أفغانستان.(4) 
  • تنص المادة العاشرة من الاتفاقية على أن أفغانستان تسمح للطائرات التي تتبع القوات الأميركية أو الطائرات التي تعمل للقوات الأميركية بكل ما تحتاجه، وأن هذه الطائرات لا تدفع شيئًا من الضرائب أو أجرة استخدام المطار أو أجرة الوقوف في المطارات الأفغانية.
  • تنص المادة نفسها على أن أفغانستان تسمح لوسائل النقل التابعة للقوات الأميركية بالدخول إلى أفغانستان والخروج منها والتجول فيها من غير تسجيل أو رقابة، وأن الطائرات ووسائل النقل التابعة للحكومة الأميركية تُستثنى من كل أنواع الرقابة والتفتيش والتسجيل، ودفع الضرائب.
  • تنص المادة الحادية عشر على أن العقود التي تعقدها القوات الأميركية في أفغانستان للتموين وبناء المباني وغيرها تكون تابعة للقوانين الأميركية في كل شيء، وأن عملاء القوات الأميركية في أفغانستان والمتعاقدين معها يستثنون من جميع أنواع التسجيل والضرائب إلا ما تدفعه مرة واحدة لإدارة الدفاع عن الاستثمار عن استخراج جواز العمل الذي تكون مدته ثلاث سنوات.
  • يحق للقوات الأميركية وعملائها والمتعاقدين معها أن تستفيد من الخدمات العامة؛ مثل الكهرباء والماء والغاز وغيرها بنفس التكلفة التي تُوفّر بها هذه الأشياء للقوات الأفغانية المسلحة من غير أن يدفعوا أية ضريبة إضافية على ذلك.
  • ستخصص دولة أفغانستان ترددات إذاعية وتليفزيونية للقوات الأميركية، ويكون ذلك مجانًا من غير أن تدفع أميركا مقابلها أي شيء، ويحق للقوات الأميركية الاستفادة منها في كل ما تحتاجه، كما أن الاتفاقية تنص على أن القوات الأميركية يحق لها أن تبث برامج ترفيهية لجنودها ومنتسبيها عن طريق تلك الترددات المختصة بها،(5) ومن المعلوم أن تلك البرامج الترفيهية لن تكون قاصرة على حدود القواعد العسكرية بل ستتجاوزها إلى المناطق السكنية، وهو ما يثير مخاوف ثقافية من تأثير هذه البرامج.
  • ومن أهم ما تشتمل عليه هذه الاتفاقية الحصانة القضائية الكاملة للقوات الأميركية المتواجدة في أفغانستان؛ فإن المادة رقم 13 تنص على أن منتسبي القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين يتمتعون بحصانة قضائية كاملة في أفغانستان، فإن هؤلاء لن يحاكموا وفق القانون الأفغاني على أية جريمة يرتكبونها ضد أي أحد داخل الأراضي الأفغانية، ولا يحق للجهات الأمنية الأفغانية إلقاء القبض على أي أحد من منتسبي القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين تحت أية ظروف، وإذا حصل ذلك وأُلقي القبض على أحد من هؤلاء تحت أية ظروف أو لأي سبب يسلمه للجهات الأميركية بأسرع ما يمكن، كما أنه لا يسلم أي أحد من أفراد القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين إلى أية محكمة جنائية عالمية أو إلى جهة أو دولة أخرى من غير موافقة صريحة من أميركا.
  • تنص المادة الرابعة عشر على أن منتسبي القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين يحق لهم حمل السلاح من غير أن يكونوا بحاجة إلى استصدار رخصة حمل السلاح من الحكومة الأفغانية.
  • تنص المادة الخامسة عشر على أن منتسبي القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين يحق لهم الدخول إلى أفغانستان من جميع البنادر والمطارات أفرادًا وجماعات من غير تأشيرة أو جواز سفر، بل يكفي في ذلك أن يقدموا بطاقات هويتهم الصادرة من قبل الحكومة الأميركية، وأنهم مستثنون من قوانين تسجيل ومراقبة الأجانب في أفغانستان.(6) 
  • وتلزم الاتفاقية الحكومة الأفغانية بإصدار تأشيرات مدتها سنة متعددة الدخول لعملاء القوات الأميركية والمتعاقدين معها، وأن ذلك يتم بسرعة، وإذا امتنعت السلطات الأفغانية عن إصدار التأشيرة لأحدهم، فإنهم ملزمون بإخطار القوات الأميركية بذلك.
  • وتنص الاتفاقية في المادة السادسة عشر على أن القوات الأميركية يحق لها استيراد ما تريد، كما أنها تستطيع أن ترسل ما تريد خارج أفغانستان من غير أن يدفعوا مليمًا واحدًا كالضريبة والجمارك وغيرها، ومن غير أن يكون لأحد حق التفتيش أو الرقابة إلا في ظروف استثنائية خاصة، ولا يلزمهم حين الاستيراد والتصدير أي نوع من الإذن أو الرخصة.
  • تنص الاتفاقية في مادة رقم 17 على أن أعضاء القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين معفون من جميع أنواع الضرائب التي تضعها الحكومة الأفغانية على كل من يعمل داخل أفغانستان، كما أن المتعاقدين مع القوات الأميركية الذين لا يقيمون في أفغانستان وليسوا من سكان أفغانستان معفون من كل أنواع الضرائب كذلك.
  • تنص المادة الثامنة عشر والتاسعة عشر على أن الجهات الأفغانية ستعتمد رخص القيادة الصادرة من قبل الجهات الأميركية، كما أن الرخص الفنية الصادرة من قبل الجهات الأميركية لمنتسبي القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين ستعتمد من قبل السلطات الأفغانية، وأن الرخص الصادرة للسيارات ووسائل النقل من قبل الجهات الأميركية ستكون معتمدة لدى السلطات الأفغانية، وأن السلطات الأفغانية ستصدر أرقامًا خاصة للسيارات التي تحتاجها القوات الأميركية بأرقام أفغانية من غير تكلفة أو ضريبة.
  • إلى جانب ما سبق ورد في بعض المستندات(7) التي أرسلها الوفد الأفغاني المفاوض أن الإدارة الأميركية تصر على أن يتمتع جهازها الاستخباراتي وطائراتها بدون طيار بحرية أكثر مما ورد في بنود هذه الاتفاقية، وأن جهاز (CIA) وعمليات أميركا بطائرات بدون طيار لا يكونان خاضعين لهذه الاتفاقية.

    كما رأينا في البنود التي أشرنا إليها من الاتفاقية المزمع توقيعها أن الولايات المتحدة الأميركية تريد بهذه الاتفاقية أن تتمتع قواتها التي ستتواجد في القواعد العسكرية الدائمة في أفغانستان بحرية كاملة في التحرك داخل وخارج أفغانستان بعد عام 2014م، وأن تتمتع تلك القوات بل وعملاؤها والمتعاقدون معها بحرية كاملة في كل ما تريد أن تقوم به من الاستيراد والتصدير وتخزين السلاح والعتاد والأجهزة والعمليات العسكرية، ولا تقبل بأي نوع من القيود التي تقيد حركتها أو تعوقها عما تريد. وكلما زادت تلك الحرية نقصت في مقابلها السيادة الوطنية الأفغانية، ومن هنا فهذه الاتفاقية تمثل تنازلاً عن السيادة الوطنية.كان المؤيدون لتوقيع هذه الاتفاقية يتوقعون -قبل أن تظهر هذه المسودة الرسمية- أن الإدارة الأميركية ستتعهد بتوفير ميزانية القوات المسلحة والشرطة وقوات الأمن، وأن أميركا ستتعهد بالدفاع المشترك حال تعرض أفغانستان لهجوم خارجي، وأن توقيع هذه الاتفاقية سيردع الجيران عن التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى الاستقرار في أفغانستان، لكن الكثيرين منهم أصيبوا بخيبة أمل بعد ظهور هذه المسودة.

    ما تعهدت به أميركا

    لم تتعهد أميركا بشيء في مقابل كل ما تريد أن تحصل عليه من أفغانستان، فقد كان الوفد الأفغاني المفاوض يطالب أميركا بأن تتعهد بتوفير ميزانية معينة للقوات الأفغانية المسلحة، إلا أن أميركا لم تتعهد بمبلغ معين توفره كميزانية للقوات الأفغانية المسلحة، بل كررت في هذه الاتفاقية نفس الكلام الذي ورد ذكره في الاتفاقية الاستراتيجية التي تم توقيعها في 5 مايو/أيار عام 2012م، فإنه قد ورد في البند الثالث من المادة الرابعة، بالإشارة إلى مواد الاتفاقية الاستراتيجية بين أفغانستان وأميركا وبالنظر إلى قرارات مؤتمر شيكاغو عام 2012م من مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية أن تبحث عن منابع مالية لتدريب القوات الأفغانية المسلحة والشرطة والأمن وتجهيز تلك القوات وتقويتها بصورة مستمرة إلى أن تتمكن أفغانستان من تحمل أعباء الدفاع عن نفسها،(8) وهذا لا يلزم أميركا بشيء، لأنها تعهدت بالبحث عن منابع مالية لذلك، فإنها ستبحث لكن إن لم تجد فليس عليها أن توفرها حتمًا.

    أما بالنسبة للاعتداء الخارجي فإن ما تعهدت به في المادة السادسة من الاتفاقية المذكورة حال تعرض أفغانستان لاعتداء أجنبي التشاور وعقد الجلسات المشتركة، وتنص الاتفاقية في البند الثالث من المادة المذكورة: حين تعرض أفغانستان للاعتداء الأجنبي أو التهديد بالاعتداء يتشاور الطرفان بصورة منظمة بخصوص الخطوات السياسية والاقتصادية والعسكرية اللازمة ويكون ذلك جزءًا من الرد على الاعتداء أو التهديد بالاعتداء، كل البنود الواردة في هذه المادة المذكورة تتلخص في التشاور حول الرد المناسب على الاعتداء أو التهديد بالاعتداء، وهذا لا يرقى أبدًا إلى ما كانت الجهة الأفغانية المفاوضة تطلبه.

    وقد تعهدت الإدارة الأميركية في المادة الثانية بالمساعدة في تدريب القوات الأفغانية، وفي التخلص من الألغام المزروعة في الطرقات، وتجهيز تلك القوات، وإيجاد النظام اللوجستي والتمويني الخاص بها وتطويرهما، وتدريب تلك القوات في تبادل المعلومات الاستخبارية، والعمل على التدريبات المشتركة بين القوات الأفغانية والقوات الأميركية.

    لكن هذه الأمور كلها التي ورد ذكرها في الاتفاقية والتي تكفلت بها الولايات المتحدة الأميركية لا ترقى إلى المستوى الذي يمكن التنازل من أجله عن حق السيادة الوطنية، ومن هنا يرى كثير من المحللين أن التحول المفاجئ في موقف حامد كرزاي حول توقيع هذه الاتفاقية نشأ عن الشعور بالغبن فيها.

    التحول المفاجئ في موقف حامد كرزاي

    استدعى الرئيس الأفغاني حامد كرزاي مجلس الأعيان وهو يتوقع أن يقوي بقراراته موقفه في المحادثات مع أميركا، وكان في نفس الوقت لا يريد رفض الاتفاقية؛ لأنه يعتبرها ضرورة المرحلة، كما قال في افتتاح المجلس: "نخوتي ترفض إعطاء القواعد لبلد أجنبي في أفغانستان، وأنا أقرر ذلك بحثًا عن الصلح، فإن لم نصل إلى الصلح نتيجة هذه الاتفاقية نكون قد خسرنا كل شيء، سيبقى هؤلاء مطمئنين في قواعدهم ونحن سنتقاتل بيننا وسنكون مثخنين بالجراح". وأضاف قائلا: "إن مفتاح الصلح في أفغانستان، ومفتاح الأمن فيها بيد كل من أميركا وباكستان، وأميركا تستطيع أن تعيد الاستقرار إلى أفغانستان، هذا ما أدركته خلال عملي رئيسًا للبلد في عشر السنوات الماضية".(9)

    لكنه اختار لعضوية المجلس أناسًا كان أغلبهم ملكيين أكثر من الملك نفسه، ثم اشتغلت بعض الجهات ومارست الضغوط على رئيس المجلس "صبغة الله المجددي" وأعضائه لإصدار قرار بتوقيع الاتفاقية خلال شهر أي قبل نهاية عام 2013م، كما تطالب الحكومة الأميركية، ومن هنا اضطر حامد كرزاي أن يتراجع ويضع بعض الشروط لتوقيعه، وهي:

    1. أن يكون التوقيع بعد الانتخابات الرئاسية القادمة؛ وذلك ضمانًا لعدم تدخلهم في نتائج الانتخابات كما تدخلوا في نتائج الانتخابات الماضية، إما أن يكون التوقيع بعد الانتخابات أو تعطي أميركا موثقًا من عندها بعدم التدخل فيها.
    2. إعادة الصلح والاستقرار إلى أفغانستان، أو على الأقل بدء محادثات الصلح مع حركة طالبان بصورة جادة.
    3. توقيف العمليات العسكرية الليلية ودخول القوات الأميركية إلى بيوت الناس، يجب أن تتوقف هذه الاجراءات حالاً.
    4. إطلاق سراح المعتقلين الأفغان من معتقل غوانتنامو.(10)

    يبدو أن السبب في موقف كرزاي هو إصابته بخيبة أمل من الإجحاف والظلم اللذين وقعا على الجانب الأفغاني في هذه الاتفاقية، وعدم التوازن فيما تأخذه أميركا وما تتعهد به. لقد كان حامد كرزاي يتوقع أن تكون هذه الاتفاقية أفضل لأفغانستان مما هي عليه الآن، وأن يعود بسببها الصلح والاستقرار إلى أفغانستان.

    شعر كرزاي بمسؤولية كبيرة أمام التاريخ، ولم يرد أن يذكر في عداد الحكام الذين باعوا أفغانستان مثل شاه شجاع، وببرك كارمل وغيرهما، وقد قال في الجلسة الختامية لمجلس الأعيان: إن الأميركيين كانوا يقومون خلال العقد المنصرم بأعمال ضد الشعب الأفغاني وكانوا يقتلون العزل ويدخلون بيوتهم كل ذلك رغمًا عنّا، ولم أكن راضيًا عنها، أما الآن وبعد توقيع الاتفاقية فإذا قاموا بشيء من ذلك فإن ذلك سيعني أنني أقرهم على ذلك.

    أصيب المسؤولون الأميركيون بسبب هذا الموقف بصدمة كبيرة، وبدأوا يمارسون الضغوط على كرزاي، فأرسلوا في اليوم التالي لافتتاح مجلس الأعيان مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي "سوزان رايس" حيث قابلت الرئيس الأفغاني، لكنها خرجت يائسة من إقناعه، وقالت في مقابلة مع وسائل الإعلام: " يئست وحزنت بعد لقائي به (حامد كرزاي) عندما أخبرني أنه لن يوقّع هذه الاتفاقية، أرجو أن يوقّعها".(11) وظهرت الضغوط أيضًا في تصريحات الجنرال جوزف دنفورد قائد القوات الأميركية وقوات الناتو في أفغانستان لمجلة "وول ستريت جورنال"؛ حيث قال: "إن إجراءات الرئيس الأفغاني حامد كرزاي تجاه الاتفاقية الأمنية توجه الخطر للمساعدات الدولية لأفغانستان".(12)

    من المرجح أن تنجح الإدارة الأميركية في الضغط على حامد كرزاي لتوقيع هذه الاتفاقية، لأنه جمع حوله مجموعة من المستشارين الموالين لتلك الدول، وهم يراعون مصالحها على حساب مصلحة أفغانستان، ومن هنا تتحدث وزارة الخارجية الأميركية الآن أن حامد كرزاي يمكن أن يفوّض أمر توقيع الاتفاقية لأحد من مساعديه أو وزرائه، وإن حدث ذلك ستترك هذه الاتفاقية آثارًا خطيرة على أفغانستان والمنطقة.
    __________________________________________
    د. مصباح الله عبدالباقي، باحث وأستاذ في جامعة السلام/كابل

    المصادر
    1- يراجع الفصل السادس من الدستور الأفغاني مواد من 110 إلى 115 ص 40-41.
    2- راجع الملحق "ألف" عقد التعاون الأمني والدفاعي بين جمهورية أفغانستان الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية ص48 المنشور على العنوان التالي: http://mfa.gov.af/Content/files/BSA%20-%20PASHTO%26%20DARI%2020%20NOV%202013%20-2.pdf
    3- راجع مسودة عقد التعاون الأمني المشترك بين جمهورية أفغانستان الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية المادة الثانية، ص6-8.
    4- مسودة عقد التعاون الأمني المشترك... ص22 المصدر السابق.
    5- راجع البند الأول من المادة العشرين، من مسودة عقد التعاون الأمني والدفاعي المشترك... ص40.
    6- مسودة عقد التعاون الأمني والدفاعي المشترك... ص32.
    7- راجع (أسناد محرم: اخرين تحولات در روند پروسه مذاكرات موافقتنامه بين امريکا وافغانستان) المستندات السرية: التطورات الأخيرة في عملية المحادثات حول الاتفاقية بين أميركا وأفغانستان، المنشور على موقع زمن على العنوان التالي:
    http://zhman.net/?p=14984
    8- الاتفاقية ص11.
    9- خطاب الرئيس حامد كرزاي في افتتاح مجلس الأعيان يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013م، كان يُبث مباشرة عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
    10- راجع لكل هذه الشروط مقابلة الرئيس حامد كرزاي مع إذاعة "الحرة" (مصاحبه اختصاصي با حامد كرزاي رئيس جمهور افغانستان) لقاء خاص مع حامد كرزاي الرئيس الأفغاني على موقع الإذاعة بتاريخ 07.09.1392: http://da.azadiradio.org/content/article/25181160.html
    11- سوزان رايس (سوزان رايس: د حامد كرزي سره مي خبري خواشينونكي وي) سوزان رايس: كان حديثي مع حامد كرزاي محبِطًا، راديو آزاد، 06.09.1392: http://pa.azadiradio.com/content/article/25180720.html
    12- نُشرت هذه التصريحات في تقرير لراديو آزاد،08.09.1392:
    http://pa.azadiradio.com/content/article/25184654.html