الإخوان المسلمون بالكويت: منافع التحالف مع السلطة وضريبة المعارضة

لعلَّ ما يميز تجربة الإخوان المسلمين في الكويت هو علاقتها بالسلطة، خلافًا لتجارب هذا التنظيم في دول عربية أخرى، ويُعزى ذلك إلى اختلاف طبيعة النظام السياسي في الكويت، الذي دَعم التيار الإسلامي بالتحالف معه لمواجهة التيار العلماني فترة طويلة، ما جعل التيار الإسلامي يرى أهمية الحفاظ على هذا التحالف.
201465112829330734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تسلط هذه الورقة الضوء على الدور السياسي لحركة الإخوان المسلمين في الكويت، والتي تعد الأكبر والأكثر تنظيمًا من الناحية الاجتماعية والسياسية. كما يسعى الباحث إلى محاولة الكشف عن خصوصية العلاقة التي تربط الإخوان المسلمين في دولة الكويت "كحركة" بالسلطة، حيث يُعزي ذلك إلى اختلاف طبيعة النظام السياسي في الكويت من خلال دَعمه التيار الإسلامي بالتحالف معه لمواجهة التيار العلماني فترة طويلة من الزمن، ما جعل التيار الإسلامي يلمس أهمية الحفاظ على هذا التحالف؛ ويفهم التوازنات التي يفرضها الواقع من حيث سيطرة الأسرة الحاكمة على الجانب السياسي و سعي حركة الإخوان المسلمين للتميز في المجال الاجتماعي. كمحصلة، لم يدخل التيار الإسلامي في صراع سياسي حقيقي مع السلطة الحاكمة.

كما يتطرق الباحث في ورقته إلى عدد من القضايا الهامة كالخلافات السياسية التي أدت إلى صدام داخل حركة الإخوان المسلمين نفسها، والتفاهمات مع الحكومة وتبادل المصالح، ومرحلة الغزو العراقي للكويت، وقضايا الإسلاميين في مجلس الأمة بعد التحرير، وأخيرًا تعمق الخلاف بين (حدس) من جهة والحكومة من جهة أخرى.

ويختم الباحث ورقته بخلاصات استشرافية لمستقبل العلاقة بين حركة الإخوان المسلمين في دولة الكويت والحكومة.

تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على الدور السياسي لحركة الإخوان المسلمين في الكويت، والتي تعد الأكبر والأكثر تنظيمًا من الناحية الاجتماعية والسياسية. ولعلَّ ما يميز تجربة الإخوان المسلمين في الكويت هو علاقتها (الحركة) بالسلطة خلافًا لتجارب هذا التنظيم في دول عربية أخرى، ويُعزى ذلك إلى اختلاف طبيعة النظام السياسي في الكويت، والذي دَعَّم التيار الإسلامي بالتحالف معه لمواجهة التيار العلماني فترة طويلة من الزمن، ما جعل التيار الإسلامي يرى أهمية الحفاظ على هذا التحالف؛ حيث تسيطر الأسرة الحاكمة على المجال السياسي بينما تسعى حركة الإخوان المسلمين للسيطرة على المجال الاجتماعي. وبذلك لم يدخل التيار الإسلامي في صراع سياسي حقيقي مع السلطة الحاكمة، ما جعل المشروع السياسي غائبًا على الرغم من زخم الحراك السياسي الذي كان يهدف إلى تعزيز النفوذ الاجتماعي للتيار الإسلامي، إلا أن الكثير من المراقبين يرون أن الأحداث السياسية في السنوات الأخيرة قد تغيِّر المعادلة خاصة مع توقيع الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) على "مشروع الإصلاح الوطني" والذي يسعى إلى تغيير النظام السياسي إلى نظام برلماني كامل.

خلاف سياسي أدى لصدام داخال الحركة

تكوَّنت النواة الأولى من الإخوان المسلمين في الكويت في نهايات الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، وكان المشروع الأول للمجموعة الأولى من الإخوان المسلمين في الكويت هو تأسيس عمل دعوي رسمي مفتوح تمثّل في "جمعية الإرشاد الإسلامي" في رمضان 1952 (1)، وفتحت الإرشاد باب العضوية للجميع، ونشط الإخوان من خلال جمعية الإرشاد في المجتمع فاستقطبوا شرائحه المختلفة مع التركيز على الشباب.

إلا أن هذه البداية تعثرت لاحقًا مع تعرض الجماعة لأول هزة حقيقية، فبرز الخلاف فيما بين أعضائها، وانقسمت الجماعة إثر خلاف داخلي بين أعضاء قيادتها، كان الطرف الأول فيها عبد العزيز العلي ومحمد سليم، والطرف الثاني محمد العدساني وعبد العزيز سالم (واسمه الحقيقي نجيب جويفل). وكانت القضايا الرئيسة للخلاف تتمحور حول العلاقة مع الأسرة الحاكمة، وردة فعل قيادة الإرشاد من أحداث الصدام التي دارت بين حركة الإخوان المسلمين في مصر من جهة، ونظام جمال عبد الناصر من جهة أخرى، وأخيرًا طريقة إدارة جمعية الإرشاد، والتي رأى فيها العدساني ومجموعته أن العلي اختزل القرارات المهمة بيد مجموعة صغيرة يديرها العلي مع إقصاء السواد الأعظم من أعضاء الجمعية عن المشاركة في اتخاذ القرارات.

وكان بالإمكان تجاوز الخلاف فيما لو توافرت آلية واضحة ومتفق عليها لإدارة الجماعة وجمعية الإرشاد بحيث يتم الاحتكام لها؛ إذ أدّى غياب المشروع السياسي إلى الفرقة عند أول خلاف (2).

مرحلة التفاهم مع الحكومة وتبادل المصالح

أعاد بعض منتسبي فكر الإخوان المسلمين جمع أنفسهم في ستينيات القرن الماضي، وساهموا في تأسيس جمعية الإصلاح الاجتماعي سنة 1963 كردة فعل مباشرة على توغُّل العلمانيين وبخاصة حركة القوميين العرب في المجال الاجتماعي، وتصدرهم لمنابر توجيه المجتمع سياسيًا ومجتمعيًا، وأصبح عبد الله العلي المطوع هو واجهة الإسلاميين السياسية بحكم مكانته التجارية وعلاقته المتميزة مع أقطاب الأسرة الحاكمة؛ الأمر الذي ساهم في تعزيز التفاهم بين الإسلاميين -وبخاصة الإخوان المسلمين- والحكومة لصد نفوذ القوميين العرب والعلمانيين.

واتسمت علاقة الإخوان المسلمين بالحكومة بالانسجام في المواقف وتبادل المصالح؛ حيث استفاد كل طرف من الآخر على حساب التيار القومي العلماني، والذي كان منافسًا للاثنين (الإخوان المسلمين والحكومة)؛ فجاءت قضية مطالبات برلمانيي الإخوان المسلمين والإسلاميين بمنع المشروبات الكحولية في الكويت، وقضية حماية الحكومة لشباب الإخوان المسلمين، الذين شاركوا في حادثة الاختلاط في جامعة الكويت من خلال تمييع القضية وإغلاقها (3)، بالإضافة إلى إصدار المرسوم الأميري بتأسيس بيت التمويل الكويتي على الرغم من معارضة التكنوقراط والعلمانيين، لتؤكد الانسجام في المواقف وتبادل المصالح بين الطرفين.

كما امتد التفاهم ليتم إقرار عدد من القوانين المتوافقة مع الشريعة في مجلس 1981، والذي قُدّم من قبل النواب الإسلاميين في مجلس الأمة، وكان في المقابل أن صمت الإسلاميون عن الحديث في قضية تزوير انتخابات 1967، وحل مجلس 1976 حلاً غير دستوري، وهنا يبدو تقسيم المجالات واضحًا في هذه الفترة حيث اهتم الإسلاميون بتوسيع نفوذهم الاجتماعي من خلال عدد من الوسائل كالمساجد والمدارس والجامعة، بينما اهتمت الحكومة بتقليم نفوذ القوميين على المستوى السياسي.

بين مطرقة المعارضة وسندان الحكومة

هذا الانسجام في المواقف وتبادل المصالح بين الحكومة والإخوان المسلمين بدأ يُواجِه بعض "المطبات" التي هزت العلاقة بينهما وإن لم تكن بشكل مؤثر؛ فقد استمرت مشاركة الإخوان المسلمين في الانتخابات النيابية، وزاد عدد مرشحيها في مختلف الدوائر الانتخابية؛ حيث استطاع الإخوان - في مجلس 1985 - دخول البرلمان بثلاثة ممثلين، وتصاعدت حدة الخلاف بين المجلس والحكومة على إثر أزمة المناخ (4)، وفي 3 يوليو/تموز 1986 تم حل مجلس الأمة حلاً غير دستوري، كما تم تعطيل بعض مواد الدستور لتدخل الكويت في أزمة سياسية بعد الأزمة الاقتصادية.

وجاءت تحركات نواب مجلس 1985 لإعادة الحياة النيابية والعمل بدستور 1962، والتي تصاعدت سنتي 1989 و1990 فيما عُرف بتجمعات "دواوين الإثنين"، والتي كان عمودها 26 نائبًا في مجلس 1985، وشخصيات عديدة من المجتمع المدني عبّرت عن رفضها للتعامل الحكومي غير الدستوري مع مطالب الشعب ومؤسسته التي تمثله "مجلس الأمة".

وكان موقف الإخوان المسلمين متوافقًا مع موقف المعارضة، وبعد رفض الحكومة لمطالبها (المعارضة) قرَّرت التصعيد من خلال دعوة المواطنين للتوقيع على عريضة شعبية وقع عليها أكثر من عشرين ألفًا من الذين يحق لهم التصويت، وكان للاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع جامعة الكويت بقيادة الإخوان المسلمين دور مهم في جمع التوقيعات (5).

وعلى الرغم من هذه المشاركة في حراك المعارضة إلا أن هناك عددًا من قيادات الإخوان المسلمين لم توقّع على أيٍّ من هذه العرائض، وعلى رأسهم رئيس جمعية الإصلاح عبد الله العلي المطوع الذي لم يشارك أيضًا في الوفد الإسلامي وناب عنه عبدالله العتيقي، ولعلَّ علاقة المطوع المتميزة بالأسرة الحاكمة وبخاصة الشيخ سعد الصباح جعلته لا يشارك في التوقيع وإن كان له تواجد في بعض التجمعات. ولا شك أن هذه الأزمة السياسية قد أوقعت حركة الإخوان المسلمين في مأزق؛ حيث اتُهمت الحركة بممارسة "السياسة المزدوجة" من خلال المشاركة مع المعارضة في حراكها السياسي، والحفاظ على علاقتها مع الحكومة حمايةً لمكتسباتها، ولا شك أن مثل هذا الاتهام قد أثّر سلبًا على صورة الإخوان لدى العديد من القواعد الشعبية.

مرحلة الغزو العراقي

دخلت الكويت في محنة غير مسبوقة أنست الشعب والحكومة الأزمات الأخرى، وكانت ردّة فعل الإخوان المسلمين سريعة؛ حيث أعادوا شكل التنظيم وقدموا صورة إيجابية عن أنفسهم للمجتمع من خلال توفير الخدمات الأساسية لأفراد المجتمع أثناء المحنة بالإضافة للعبهم دورًا توجيهيًا مهمًا من خلال المساجد. أما في الجانب السياسي فقد كان للإخوان المسلمين دور هام في ربط الداخل بالقيادة السياسية للدولة في الطائف من خلال الرسائل التي كانوا يبعثونها عن طريق بعض أفرادهم كما حدث مع إسماعيل الشطي الذي مثّل الكويتيين في الداخل في مؤتمر جدة، إضافة إلى تواصل الإخوان المسلمين مع الحكومة من خلال جهاز اتصال عبر الأقمار الصناعية، ولعل أبرز دور سياسي قام به الإخوان أثناء الغزو هو مساهمتهم في إعداد مؤتمر جدة.

مؤتمر جدة

بعد زعم نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين أن سبب دخوله الكويت هو عدم شرعية أسرة آل الصباح التي استبدت بالحكم وألغت الديمقراطية (6)؛ طرح الرئيس الفرنسي ميتران الموضوع على الرأي العام الدولي؛ الأمر الذي استنفر حكومة الكويت في الطائف للدعوة لمؤتمر شعبي يؤكد فيه أطياف الشعب الكويتي على شرعية أسرة الصباح، وعمل الشيخ سعد الصباح الحاكم العرفي آنذاك على دعوة كافة القوى السياسية والاجتماعية لحضور المؤتمر الشعبي في جدة، وخلال هذه الدعوة فاوضت القوى السياسية حكومة الطائف على ضرورة التأكيد على عودة مجلس الأمة، وإعادة العمل بدستور 1962، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم أطياف المجتمع المختلفة.

إلاَّ أنَّ هذه النقطة كانت محل خلاف كبير بين الطرفين كادت أن تُفشل الدعوة لمؤتمر جدة الشعبي، فتدخل الإخوان كوسيط، وكان دور عبد الله المطوع مهمًا لإذابة الجليد بين الفريقين اللذين أصرَّ كل منهما على رأيه، وبالفعل انتهى الأمر بقبول حكومة الطائف بعودة الحياة النيابية وفق دستور 1962، ووافقت المعارضة على عدم تشكيل حكومة وحدة وطنية، وكان لكوادر الإخوان المسلمين وقيادتها في الخارج المتمثلة بعبد الله المطوع دور كبير في الدعوة للمؤتمر وتنظيمه وإدارته بشكل كامل، كما كان للأخير دور في التعديل على الكلمة التي ألقاها عبد العزيز الصقر "رئيس أول مجلس نيابي في الكويت"، فأضاف كلمة "الشورى" إلى جانب "الديمقراطية" وعددًا من الجمل التي تؤكد على هوية المجتمع الإسلامية.

في نهايات فترة الغزو العراقي، عمل الإخوان على تأسيس أول واجهة سياسية لهم مستغلين بذلك قبول الشارع والأسرة الحاكمة لهم، وأُعلنت "الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)" التي مثّلت الجناح السياسي للإخوان المسلمين في الكويت، وجاءت هذه التسمية لتؤكد على التزام الإخوان المسلمين بالنظام الدستوري والعمل على أسلمته (7). وأتت هذه الخطوة غير المسبوقة في التاريخ السياسي للكويت لتنقل فيها العمل السياسي إلى مرحلة أكثر مؤسسية من ذي قبل؛ حيث كانت المجاميع السياسية والاجتماعية المختلفة معروفة لدى الشارع إلا أنها لم يكن لديها ما يمثلها سياسيًا، وتوالت الحركات السياسية في الإعلان عن أنفسها على إثر إعلان حدس لتفرض واقعًا في الحياة السياسية أكثر جرأة.

قضايا الإسلاميين في مجلس الأمة بعد التحرير

جاءت قضية تعديل المادة الثانية من الدستور والمعنية بالهوية الدينية للدولة على رأس أولويات الإسلاميين خلال فترات شغلهم مقاعدهم في مجلس الأمة؛ حيث تطالب الأغلبية الإسلامية بأن تكون الشريعة الإسلامية هى "المصدر الوحيد" للتشريع، بدلًا من النص الحالي الذي يعتبرها "المصدر الرئيسي". وازداد الاهتمام بهذه القضية في مجلس 1992؛ حيث طرح الموضوع من جديد من قبل حدس والتكتلات الإسلامية الأخرى، فتقدم تسعة وثلاثون نائبًا في يوليو/تموز 1994 باقتراح مماثل لتعديل المادة الثانية من الدستور؛ فقام الأمير بردِّ القانون كما حدث في المرات السابقة، لتكون تلك المحاولة آخر محاولة جادة لتعديل المادة الثانية من الدستور، والتي أعقبتها محاولات أخرى لكنها اتسمت بعدم الجدية لمعرفة الإسلاميين بعدم اقتناع الأسرة الحاكمة بأهمية تعديل المادة الثانية من الدستور.

مع ذلك فقد حرص الأمير الشيخ جابر الصباح على إرضاء الإسلاميين من خلال فسح المجال لإدخال العديد من التشريعات الإسلامية في القوانين كما حدث في مجلس 1981، كما قام بإنشاء "اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية"، والتي يقع على عاتقها تقديم دراسات متعلقة بالقوانين للعمل على أسلمتها. وهكذا تم احتواء قضية تعديل المادة الثانية من الدستور والتي أخذت جهدًا كبيرًا من الإسلاميين الذين وإن لم ينجحوا في تعديل المادة الثانية فإنهم نجحوا في أسلمة العديد من القوانين لتتوافق والشريعة الإسلامية.

أما القضية الثانية التي أخذت الكثير من الوقت والجهد فكانت قضية الاختلاط بين الجنسين في جامعة الكويت؛ حيث استطاع الإسلاميون بعد سنوات طويلة من الصراع أن يُلزموا إدارة جامعة الكويت، والمحسوبة على التيار العلماني، بقانون تم إقراره في مجلس الأمة بعد تنسيق إسلامي-حكومي، وجاء طرح قضية منع الاختلاط في الجامعة بعد اقتناع الإسلاميين بعدم قدرتهم على كسب معركة تعديل المادة الثانية من الدستور وسعيهم لتعديل القوانين الأخرى باتجاه أكثر إسلامية.

تعمق الخلاف بين حدس والحكومة والنزول للشارع

بدأ الخلاف بين الحكومة وحدس يزداد مع حملة "نَبِّيها خمس" التي ضمت مختلف التيارات السياسية وبرزت فيها ولأول مرة مجاميع شبابية بدأت الحراك السياسي، وطالبت "نَبِّيها خمس" بتغيير الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5 دوائر على خلفية تفشي المال السياسي في شراء الأصوات للوصول للبرلمان ونجحت في ذلك سنة 2007.

كما جاءت حادثة إلغاء عقد "كي – داو" مع شركة الداو كيميكال من قبل رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح في ديسمبر/كانون الأول 2008 لتقطع ثقة الإخوان المسلمين بالحكومة؛ حيث أصبح وزير النفط محمد العليم (أمين عام حدس حاليًا) كبش فداء الحكومة لحمايتها من التصعيد النيابي والإعلامي من قبل التكتل الشعبي (8). وازداد الاحتقان الشعبي خلال هذه السنوات مع تصاعد الخلاف بين أقطاب الحكم وبالذات بين الشيخ ناصر المحمد الصباح (رئيس الوزراء) والشيخ أحمد الفهد الصباح (نائب رئيس الوزراء)؛ الأمر الذي أدى لاستقالة الأخير، وتحركت القوى الشبابية والسياسية لإسقاط حكومة ناصر المحمد السابعة من خلال النزول للشارع بأعداد غير مسبوقة في تاريخ الكويت وبشكل يومي في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعد قضية "الإيداعات المليونية"، والتي اتُهم فيها ناصر المحمد برشوة عدد من النواب، وبالفعل تم تقديم استقالة ناصر المحمد، وحلّ مجلس الأمة، واستمر وجود حدس في صفوف وقيادة المعارضة في مجلس 2012 والذي عُرف باسم "مجلس الأغلبية"، لكنه لم يستمر لأكثر من أربعة أشهر.

كما قاطعت المعارضة، ومنها حدس، انتخابات 2012 الثانية وانتخابات 2013 على خلفية تدخل السلطة الحاكمة بالحياة السياسية، ورفعت المعارضة مطالبها لتغيير النهج السياسي الحكومي وإيجاد نظام سياسي توافقي جديد تتقلص فيه سلطة الأسرة الحاكمة لصالح الشعب، إلا أن المعارضة لتنوعها الفكري والسياسي والاجتماعي (إخوان مسلمين، مجموعة من السلفيين، إسلاميين مستقلين، تكتل شعبي، يساريين، عددًا من الليبراليين، عددًا من المجاميع الشبابية) لم تستطع تحديد خطوات الإصلاح السياسي على الرغم من اتفاق البعض منهم على ما عُرف باسم "مشروع الإصلاح السياسي الوطني" والذي يسعى إلى "إقامة نظام ديمقراطي برلماني كامل".

خاتمة

لم تكن مرحلة الصراع السياسي بين حدس والحكومة سهلة على أعضاء حدس والإخوان المسلمين في الكويت؛ فالإرث التاريخي الطويل من التفاهم والعلاقات الشخصية التي بُنيت بين أعضاء وقيادات حدس والإخوان مع أطراف الأسرة الحاكمة المختلفة جعل الحركة في موقف لا تُحسد عليه.

ولا شك أن تعمق الخلاف مع السلطة سيزيد الخلاف الداخلي بين أعضاء الحركة أنفسهم؛ فأعضاء الحركة ممن تبوأ المناصب القيادية في مختلف مؤسسات الدولة، وقيادات العمل الخيري والاجتماعي والدعوي، وحتى بعض السياسيين في حدس، لا يجدون مبررًا حقيقيًا للتصعيد السياسي ضد السلطة، خاصة مع وجود خلافات بين أقطاب الأسرة الحاكمة؛ حيث يرون أن الدخول في مثل هذا الصراع إنما هو انتصار لفريق من الأسرة الحاكمة ضد فريق آخر، أو هو على الأقل استخدام من قبل الأطراف المتصارعة على الحكم للحركة والشارع للحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية، وبالتالي فإنه من الخطر الدخول كطرف في هذا الصراع السياسي بين أقطاب الأسرة الحاكمة.

بينما يرى الفريق الآخر من سياسيي الإخوان المسلمين في حدس أن الدعوة للديمقراطية الحقيقية، وإرجاع السلطات للشارع، هو مطلب إسلامي أصيل يجب أن لا تتخلى عنه الحركة، وأن الديمقراطية البرلمانية الكاملة هي الضامن لاستقرار البلد وانتشار الدعوة الإسلامية حيث أثبتت التجربة أن خيار الشعب الأول في الانتخابات هم الإسلاميون أو المحافظون، وأن استمرار الوضع السياسي الحالي هو استمرار في تدهور البلاد في جميع جوانبه السياسية الاقتصادية والاجتماعية.

هذا الخلاف في وجهات النظر سيجعل الحركة تعيد النظر في عدد من القضايا، أولها: طبيعة دور ونشاط حركة الإخوان المسلمين في الكويت، ومنها: هل سوف يتم فك الاشتباك بين العمل السياسي والعمل الدعوي؟ ثانيها: تقييم تجربة العمل السياسي في الفترة القريبة الماضية (إيجابياتها، سلبياتها، نتائجها). ثالثها: تقييم الدور الدعوي للحركة والعمل على المزيد من الانفتاح على المجتمع خاصة مع الهجمة الإعلامية المحلية والإقليمية الشرسة على الإخوان المسلمين والإسلاميين، رابعها: إعادة النظر في طبيعة العمل السياسي مع الأحداث الإقليمية، والتي لها تأثير مباشر على الحركة في الكويت (سقوط الرئيس محمد مرسي في مصر، تصنيف الإخوان المسليمن كحركة إرهابية في السعودية). 

ولا شك أن موقف أمير الكويت من عدم اتخاذ أي إجراء أمني ضد الإخوان أو القبول بإدراجهم كجماعة إرهابية خفّف من حدة الاحتقان بين الإخوان والأسرة الحاكمة، وبالتالي جعل عودة الإخوان المسلمين خطوة إلى الوراء أسهل من ذي قبل، وهذه الحوارات الداخلية داخل الحركة لن تكون سهلة مع تشعبها وانتشارها، فما بين علاقة متميزة لبعض أعضاء الإخوان المسلمين مع أطراف من الأسرة الحاكمة وبين تعرض عدد من أبناء الحركة للاعتقال وتحريك قضايا جنائية، بون شاسع يصعب معه الحوار الداخلي، ولعل للتفاوت بين أجيال الحركة دورًا في صعوبة الحوار أيضًا؛ فالجيل المؤسس يختلف في تصوره وعمله التقليدي والمحافظ عن ديناميكية جيل الشباب المتأثر بأحداث الربيع العربي.
___________________________________________________
* د. علي الكندري، باحث كويتي مختص في التاريخ المعاصر وفي الجماعات الإسلامية.
 
الهوامش
1) مقابلة مع أحمد الرويشد، أحد أعضاء جمعية الإرشاد الإسلامي. 
2) النغيمش، مغشغش، الحاج عبدالعزيز العلي المطوع: سفير الخير، بدون ناشر، 2008، 19-96.
3) 3في 13 نوفمبر 1971 حدث صدام واشتباك بالأيدي داخل جامعة الكويت بين الإسلاميين و العلمانيين حول موضوع الاختلاط و أصبحت القضية حديث الساحة السياسية ووصلت لأروقة مجلس الأمة، إلا أن الحكومة قامت بلملمة الموضوع من خلال تمييع القضية في لجان تحقيق لم يسفر عنها قرارات حقيقية سوى إغلاق مجلة المجتمع التابعة لجمعية الإصلاح لمدة 3 أشهر.
4) تعد أكبر أزمة اقتصادية عصفت بالاقتصاد الكويتي، وكان لها أثر سياسي واجتماعي عميق؛ حيث أنشأت سوقًا موازية للبورصة الكويتية إلا أنها لا تخضع لأي رقابة، وأدت فقاعة سوق المناخ لانفجار بلغت خسائره 94 مليار دولار أميركي، وحملت المعارضة الحكومة المسؤولية لتركها لهذا السوق بالعمل دون أي ضوابط.
Abdulghani A. Elimam, Maurice Girgis, and Samir Kotob, “The Use of Linear Programming in Disentangling the Bankruptcies of Al-Manakh Stock Market Crash,”Operations Research, 44, no. 5 (1996): 665-676

5) "ديوانيات الاثنين: الحدث ليس بعيدًا ولا يمكن نسيانه"، جريدة الجريدة، 5 فبراير/شباط 2009-2 مارس/آذار 2009

6) Judith Miller, “CONFRONTATION IN THE GULF; Iraqi Pullout? Election in Kuwait? Prospects Worry Hawks,” The New York Times (8 October 1990).

7) براون، ناثان، "الدفع نحو سياسة حزبية: الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت"، أوراق كارنيغي ، فبراير/شباط 2007.
8) عقد "كي – داو" هو عقد شراكة أبرم بين شركة صناعة الكيماويات البترولية التابعة لمؤسسة البترول الكويتية وشركة داو كيميكال بحيث يشتري الطرف الأول نصف أسهم كي داو، إلا أن رئيس الحكومة آنذاك الشيخ ناصر المحمد الصباح وبسبب الضغط السياسي عليه من قبل بعض نواب مجلس الأمة قرر إلغاء عقد "كي – داو" في نهاية ديسمبر 2008؛ الأمر الذي أدى لدفع شركة صناعة الكيماويات البترولية غرامة الإلغاء بقيمة 2.16 بليون دولار أميركي. 
إيهاب حشيش"إلغاء "كي – داو" يكلف الكويت 2.16 مليار دولار" جريدة الرأي العام ، 25 مايو 2012 ، http://www.alraimedia.com/Articles.aspx?id=335114

نبذة عن الكاتب