البوسنة والهرسك: دولة هشة ومستقبل غامض

السلبيات التي تضمنها دستور البوسنة والهرسك (دستور دايتون) وضع الدولة أمام تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية صعبة، فهي تحكم بآلة بيروقراطية ضخمة تستنفد 60% من دخلها، ولمكوناتها الثلاث: البوشناق والكروات والصرب حق الفيتو؛ ما عطَّل الحياة السياسية، وتُصنَّف أوروبيًّا كدولة هشة.
20149281184248734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
في أعقاب الحرب التي شُنَّت ضدَّ البوسنة والهرسك (1992-1995)، وبعد الاعتراف الدولي بتعرض الشعب البوشناقي لحرب إبادة، شاركت جمهورية البوسنة والهرسك في مفاوضات دايتون التي انتهت بتقسيم البوسنة إلى كيانين يكادان يكونان مستقلين، وهما: ريبوبليكا صربسكا للصرب، وفيدرالية البوسنة والهرسك للبوشناق والكروات، وأفضت إلى دستور جديد مشوه عبَّر بشكل حصري عمَّا أسماه: مصالح "الشعوب المكوّنة، وهي: الشعب البوشناقي والشعب الكرواتي والشعب الصربي"؛ ما أدّى بالضرورة إلى التمييز العنصري واستثناء باقي الجماعات والشعوب. أثقلت اتفاقية دايتون البوسنةَ والهرسك بخلق آلة بيروقراطية ضخمة، طالما شكَّلت عقبة أمام تكوين حياة سياسية فاعلة، كما أنها تستهلك حوالي 60% من مجموع ما يوفّره الدخل القومي للبلاد. تعتبر البوسنة والهرسك دولة هشة وهي عاجزة عن اتخاذ أي قرارات حقيقية بسبب حق "الفيتو" الذي تتمتع به كلُّ الأطراف المشاركة في السّلطة (بوشناق وصرب وكروات)؛ ما أدى عمليًّا إلى تعطيل عمل المؤسسات السياسية، مع الإشارة إلى أن سلطة الممثل السامي للأمم المتحدة والمعيَّن أوروبيًّا تعلو كل السلطات الأخرى.

إن واضع دستور دايتون(1) لم يُعرّف سيادة دولة البوسنة والهرسك بوصفها تعبيرًا عن رغبة وإرادة شعبها أو مواطنيها، السيادة التي كان من المفروض أن تكون ديمقراطية تمثيلية حقيقية؛ فدستور دايتون عبّر بشكل حصري عمّا أسماه: مصالح "الشعوب المكوّنة، وهي: الشعب البوشناقي والشعب الكرواتي والشعب الصربي"؛ ما أدّى بالضرورة إلى التمييز العنصري واستثناء باقي الجماعات والشعوب التي تتوزع على 17 إثنية، والتي تمثّل بدورها رافدًا لشعوب جمهورية البوسنة والهرسك(2) وفقًا للإحصاء السكاني الذي أُجري عام 1991.

وبذلك، فإن تنظيم مجموع المؤسسات الحيوية للدولة، وتحت ضغط مطالب القوى القومية والفاشية ومساندة عدد كبير من مجرمي الحرب، قد تمَّ بناؤه على المُعطَى العرقي بالأساس. وهكذا، وبدلاً من أن تتضمّن ديباجة الدستور، كما هي عليه الحال في أغلب الدول الديمقراطية المعاصرة، تعدادًا لحقوق المواطنين وبيان دور الدولة الديمقراطية في حماية حقوق ومصالح الأمّة باعتبارها وحدة لا تتجزأ، فإن دستور البوسنة والهرسك (اتفاق دايتون)، وبشكل حصري، اختار مبدأ "المصالح الحيوية الوطنية" كهدف أساسي لعمل دولة البوسنة والهرسك.

على إثر "حرب الاجتثاث" ضدّ البوسنة والهرسك (1992-1995) والاعتراف الدولي بالحكم القضائي الصادر عن -محكمة الجنايات الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة- الذي أكّد تعرض الشعب البوشناقي لحرب إبادة، فإن جمهورية البوسنة والهرسك شاركت في مفاوضات دايتون وهي تقوم على أحدث النظم الديمقراطية الحديثة(3). أمّا مع دستور دايتون فقد تمّ تشويه دستور دولة البوسنة والهرسك الذي اعتمد خيار التمييز بين مكونات المجتمع، وشكَّل برلمانًا بغرفتين تجمع فقط ممثلين عمّا يُسمَّى: "الشعوب المكوِّنة أو المؤلِّفة لشعب البوسنة والهرسك"، وتضمن أيضًا مجلس الوزراء ورئيسه، كما تمّ في أثناء ذلك إلغاء المحكمة العليا للبوسنة والهرسك، وبذلك فإنه تمّ بشكل كامل سحب المبادئ الديمقراطية الجوهرية التي قام على أساسها دستور جمهورية البوسنة والهرسك، وعادت تلك الجمهورية عمليًّا إلى مرحلة ما قبل الدستور.

مؤسسات الدولة السياسية

كان من الطبيعي، في يوم اعتماد الدستور الجديد للبلاد، انتظار عودة البوسنة والهرسك إلى حالة ما قبل إعلان حالة الطوارئ في الثامن من إبريل/نيسان عام 1992 وفقًا لمقتضيات أحكام الدستور، وباتفاق كامل مع اشتراطات المعاهدة الأوروبية لحماية حقوق الإنسان؛ وكان ذلك سيعني استعادة مؤسسات البوسنة والهرسك السيادية لسير عملها الطبيعي الذي كانت تتبعه قبل إعلان حالة الطوارئ.

أُسّس ذلك التوقّع على الاعتقاد الراسخ بأن جمهورية البوسنة والهرسك كانت هي الدولة التي تعرّضت لهجوم، وأنها لم تقم بأي فعل من شأنه مخالفة القانون الدولي وباقي القواعد والشروط التي التزمت بها أثناء عملية الاعتراف باستقلالها وسيادتها ضمن الحدود الدولية المعترف بها، إلا أن جملة من الشكوك حول التزام المجتمع الدولي بالقيام بدوره كانت قد بدأت تتكشف؛ حيث اعتمد مهندسو اتفاق السلام توصيف ما جرى في البوسنة والهرسك على أنه "صراع مأساوي في المنطقة"، في حين جاء في الاتفاق أن إطاره المُعلَن للسلام يخصُّ البوسنة والهرسك ولا يشمل كامل المنطقة، وكان بالإمكان حينها إدراك أن الموقف في التعامل مع البوسنة والهرسك لن يكون مُنصفًا، وهو ما حدث بالفعل لاحقًا.

ففي اتفاقيات دايتون، وعلى عكس كل ما تضمنته وثائق الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، تم الاعتراف بالأمر الواقع وبالتسليم بما أفرزته نتائج حرب الإبادة وما صاحبها من استيلاء على الأراضي، وبذلك فإنه لم يتمّ فقط تشويه دولة البوسنة والهرسك بشكل كبير، ولكن أيضًا خلق سابقة خطيرة في تعامل المجتمع الدولي مع الحالات المستقبلية المُماثلة التي يمكن أن تحدث في جنوب شرق أوروبا وفي العالم بشكل عام.

أثقلت اتفاقيات دايتون دولة البوسنة والهرسك بإنشاء عدد كبير من المؤسسات؛ فبالإضافة إلى تلك التي كانت تمتلكها قبل الإمضاء على اتفاقيات دايتون -هياكل الحكومة العادية المؤلَّفة من مؤسسات الدولة المركزية والبلديات الممثلة لمختلف المناطق وممثّليات الجماعات المحلية باعتبارها سلطات حكم محلي- فقد تمّ إضافة كيانات جديدة من إفرازات الحرب هي "ريبوبليكا صربسكا" وفيدرالية البوسنة والهرسك، ليُضاف إلى كل ذلك لاحقًا ما اصطُلح على تسميته بالكانتونات أو (الولايات) ثمّ إنشاء إقليم/مقاطعة برتشكو على أساس تحكيم دولي(3).

إذن، هكذا حصلت البوسنة والهرسك على عدد كبير من المؤسسات التي لا حاجة لها بها ولا مصلحة لها فيها؛ مما أثقل كاهل اقتصادها المهترئ أصلاً، وهي دولة فقيرة كانت ولا تزال تعاني من مخلفات الحرب. وهكذا تم خلق آلة بيروقراطية تستهلك حوالي 60% من مجموع ما يوفّره الدخل القومي الخام للبلاد. تتألَّف تلك الآلة البيروقراطية من مجلس رئاسي لدولة البوسنة والهرسك ( الفيدرالية وريبوبليكا صربسكا) ثلاثي الأضلاع يتناوب على رئاسته ثلاثة رؤساء على مستوى الدولة، ورئيسان آخران على مستوى الكيانين ("ريبوبليكا صربسكا" و"فيدرالية البوسنة والهرسك")، وهناك عشرة كانتونات يرأس كل واحد منها رئيس، يُضاف إليهم رئيس وزراء الفيدرالية ورئيس وزراء "ريبوبليكا صربسكا" ورئيس وزراء دولة البوسنة والهرسك، وبذلك يكون العدد الإجمالي لرؤساء الوزراء 13. ويبلغ مجموع عدد الوزراء المكلفين في هذه الآلة الضخمة ما لا يقل عن 180 وزيرًا، و760 عضوًا في مختلف اللجان التشريعية للدولة وللكانتونات، وتتوزع البلاد على 148 بلدية بالإضافة إلى إقليم برتشكو الخاضع لإدارة دولية.

تلك الآلة البيروقراطية للدولة أثَّرت بشكل كبير على المجتمع البوسني الفقير وسلبته كل ما يمتلك من موارد على شُحّها لتجعله يومًا بعد يوم أكثر بؤسًا. هذه الفوضى الدستورية وما أفرزته من حياة سياسية غير منضبطة في البوسنة والهرسك لا تتطابق مطلقًا مع توجهات وتطلعات المواطنين الاجتماعية والاقتصادية كما هي عليه الحال في كل الدول الديمقراطية الحديثة. 

تبدو عملية اتخاذ القرار السياسي مثقلة بعدد من الحواجز والانسدادات، فهي تتطلب التوافق الكامل بين الفرقاء السياسيين والإجماع فيما يتعلق باتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والتنفيذية الكبرى (من قبيل اعتماد الميزانية العامة للدولة أو الانضمام إلى اتفاقات دولية أو إقليمية أو رسم معالم السياسة الخارجية أو حتى تعيين حكام الكانتونات...)، وقد تم إدخال آلية "الفيتو" التي تمنح كل الأطراف المشاركة في السُّلطة (بوشناق وصرب وكروات) حق الاعتراض، وبالتالي إجهاض اتخاذ أي قرار مما يؤدي إلى تعطيل عمل المؤسسات السياسية، وآلية الفيتو هذه كانت تستعملها الجماعات الإثنية والكيانات السياسية الأخرى والتي تحولت بعد حرب الإبادة إلى كيانات إثنية خالصة، وذلك في غياب أية آلية واضحة لإجراءات ديمقراطية من شأنها الحد من اللجوء إلى هذا "الفيتو المطلق".

لا يعترف دستور البوسنة والهرسك سوى بـ"المصالح الوطنية الحيوية للـشعوب المكونة الثلاثة (البوشناق والكروات والصرب)، في حين اختفت منه تمامًا فئات، مثل: الشعب والمصلحة العامة والمصلحة الوطنية ومصلحة الأمة. وبطبيعة الحال، فإنه، وعلى أساس مثل هذه المواد الدستورية، لا مجال مطلقًا لتأسيس استقرار داخلي لدولة البوسنة والهرسك، ولا مجال مطلقًا أيضا لتقدّم البوسنة والهرسك، وهو ما أكده الفشل الواضح الذي تتخبط فيه البلاد بعد مرور 18 عامًا من العمل وفقًا لدستور دايتون.

تأثيرات الإقليم والغرب

إذا كانت دولة البوسنة والهرسك، على إثر التعديلات غير الواقعية التي خضعت لها، غير قادرة على أداء مهامها الأساسية، فإنه من الصعب توقع لعبها أي دور من شأنه التأثير إيجابيًّا في منطقة جنوب شرق أوروبا. ووفقًا للأدبيات السياسية الحديثة فإنه ليس للبوسنة مكان ضمن التصنيف الخاص بالدول الديمقراطية، بل تُصنَّف ضمن دائرة ما تُسمَّى بـ"الدول الفاشلة" تمامًا مثل صوماليا والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى.

وفي الوقت الذي صُنِّفت فيه تلك "الدول الفاشلة" المذكورة آنفًا على إثر خروجها من مرحلة الاستعمار، فإن البوسنة والهرسك وجدت نفسها في هذه الوضعية بسبب الاتحاد الأوروبي باعتباره "المفاوض الخاص" في دايتون، فضلاً عن خمس قوى عظمى، منها أربعة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. وفي الواقع فإن كل الدول الأعضاء في الاتحاد اليوغسلافي السابق كان لها نفس النظم الدستورية عندما حصلت على استقلالها.

كانت اللجنة المكلَّفة بصياغة دستور جمهورية يوغسلافيا الاتحادية الاشتراكية قد حرصت على مطابقة دستور الجمهورية الفيدرالية لباقي دساتير الجمهوريات الاشتراكية التي كانت أعضاء فيها، إلاّ أن مفاوضات دايتون أدّت إلى إقرار كل دساتير الجمهوريات المستقلة، في حين أن البوسنة والهرسك كانت هي الجمهورية الوحيدة التي خضعت إلى عملية إعادة تشكيل صاغته لها دول وديمقراطيات برلمانية لتُحيلها إلى دولة دون هوية، وبكل تأكيد أيضًا، جعلت منها دولة لا تمتّ بأية صلة إلى الأنظمة الديمقراطية.

أمَّا لماذا تم التعامل مع البوسنة والهرسك على هذا النحو، فإن هذا السؤال لم يحظ بأيّة إجابة أو توضيح من أي طرف كان إلى يومنا هذا؛ إلا أنه يبقى لنا أن نعتقد في أن السبب يكمن في أن أوروبا -كما يؤكد الآن فينكل كلاوت(4)- تعيش حالة من "احتدام صراع الحضارات".

"لن نسمح أبدًا بأن يحكم عالمنا منطقُ فرض قانون الأقوى، فإن ذلك قد يحكمنا نحن بدورنا في يوم ما"؛ ذلك ما قاله الرئيس الفرنسي، فرانسوا ميتران على أثر اجتياح العراق للكويت؛ لكن عندما فُرض "قانون الأقوى" في مرحلة لاحقة على الأرض الأوروبية باعتداء صربيا-ميلوشيفيتش على البوسنة والهرسك، فإن لا ميتران ولا الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا حتى الدول الغربية العظمى الأخرى اتخذوا أيّة مواقف كان من شأنها إيقاف ذلك العدوان.

فعليًّا، ومنذ لحظة بدء الحرب على البوسنة تم تعليق منظومة النظام الدولي بأسرها وهي لا تزال مُعطّلة إلى الآن وبعد مرور 22 عامًا، دون أن تلوح في الأفق إشارات دالَّة على قرب انتهاء ذلك التعليق؛ أمّا القانون الدولي فقد فَقَد كل قيمة له وسيطرت على ساحة المشهد السياسي الدولي مظاهر الفوضى والتعسف.

فقد كل من ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان واتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية طابعهما العالمي، وتمّ توظيفهما لخدمة الأهداف الاستراتيجية والمصالح الوطنية الخاصة لبعض الدول في البوسنة؛ فقد ظهر بعد تنفيذ الإبادة الجماعية في حق البوشناقيين في البوسنة والهرسك مطلب تنظيم استفتاء حول انفصال "ريبوبليكا صربسكا" عن البوسنة والهرسك، وبعبارة أخرى فإن الذين نفّذوا المذابح الجماعية وحرب الإبادة تمكنوا من إبعاد البوشناق، باعتبارهم مجموعة دينية قومية كانت منذ البداية تعارض أي تقسيم لأرض البوسنة والهرسك، عن أراضي "ريبوبليكا صربسكا". ولهذا فإن تنظيم استفتاء في مثل هذه الأوضاع سيعني بالضرورة فتح الباب مشرعًا أمام مرتكبي الجرائم وحرب الإبادة لانفصال الكيان عن دولة البوسنة والهرسك.

اللافت للنظر هنا هو أن فكرة الانفصال هذه التي ظلت تظهر إلى العلن لسنوات طويلة لم تلقَ أي اعتراض أو نقد علني لا من قبل السياسيين الأوروبيين، ولا من طرف حكومة "ريبوبليكا صربسكا" بطبيعة الحال؛ وفي هذا الإطار علّق الدكتور الأميركي، ديفيد بيتي غرو، مدير مركز البحوث حول حروب الإبادة في معرض حديثه عن حرب الإبادة في البوسنة والهرسك، فقال: "إن أكثر ما أثّر فيه بشكل سلبي، هو أن صرب ريبوبليكا صربسكا لا يبدون أيّ شعور بالندم أو الأسف أو الخجل تجاه حرب الإبادة المُرتكبة".

واليوم، يبدو أكثر وضوحًا أن القوى الغربية قد تعاطت مع القضية البوسنية بشكل روتيني كما تتعاطى مع حلّ كل القضايا المعاصرة. لم يحفلوا بالحقيقة البسيطة التي تقول: إن مجتمع البوسنة والهرسك، الذي تشكّل على مدى أكثر من ألف عام خلت، وبالرغم من "التوترات المفتعلة" التي مرّ بها خلال تلك الفترة، قد استطاع المحافظة على وحدته وحيويته واستعداده للتعايش والاستمرار.

هناك عدة تفسيرات لهذا الموقف الغربي، أحدها أن البلدان الغربية، ومنذ البداية، صنّفت الحرب على البوسنة والهرسك ضمن "الحروب غير المهمّة" (ج، بوثول) (المرجع الرابع) التي تخوضها اليوم بلدان صغيرة الحجم وفقيرة. فالدول الغربية اعتبرت حينها أن الحرب في البلقان ما هي سوى صيرورة عفوية للوصول إلى تشكّل كيانات سياسية ضمن عملية انهيار النظام الشرقي وتفكّك يوغسلافيا السابقة؛ وبما أن يوغسلافيا قد انهارت باعتبارها كيانًا سياسيًّا متعدّد القوميات؛ فقد ظنّوا -ولا يزالون يظنون إلى اليوم- أن البوسنة والهرسك لا يمكنها الصمود باعتبارها أيضًا دولة متعدّدة القوميات بامتياز، وبالتالي فإن تفككها إلى كيانات متفرقة، قد يقود إلى إشباع رغبات جيرانها القومية المتشددة.

وفي هذا السياق، فليس فقط إن شيئًا لم يُقدَّم لمنع فرض منطق قانون الأقوى، كما وعد بذلك الرئيس الفرنسي ميتران، بل إن مؤشرات عديدة تم رصدها حول وقوف أغلب الدول الغربية خلف كل ما من شأنه التسريع في عملية التفكك، وبهذا يتم الوصول، في أقرب وقت ممكن، إلى "حل نهائي" في البلقان.

ومع ذلك فقد أظهرت البوسنة والهرسك للجميع، وبطريقة دراماتيكية وقاسية، أنها ليست فقط بلدًا مؤلَّفًا من "ثلاثة شعوب مكوِّنة" كما يراد لها أن تكون وبطريقة فجّة، بل هي فضاء اجتماعي وسياسي لكل شعوبها العشرين، الذين يمثلون نسيجها الاجتماعي ويتعايشون فيما بينهم في تناغم. أظهرت البوسنة والهرسك، على امتداد قرون طويلة، أهم ميزاتها، وهي: الاستقرار الديناميكي. ومثل هذا المجتمع لن يكون مصيره الانحلال التلقائي مطلقًا مثل ما حدث مع يوغسلافيا، لكنه قد يتهاوى فقط تحت ضربات قانون الأقوى، كما يحدث مع كل دولة أخرى عندما يتهددها خطر خارجي تقوده أطراف أقوى منها.

كان بإمكان الغرب خلال الحرب أن يُدرك أن البوسنة والهرسك دولة مكتملة البناء الاجتماعي وأن لديها أهمية تتعدى حدودها الجغرافية بكثير؛ فالبوسنة والهرسك، باتت مركز اهتمام العالم بأسره، ليس فقط لأنها تلقت كل الضربات والتأثيرات من جهات خارجية، بل لأنها استطاعت أن تمتص كل ذلك وتعيد إنتاج تأثير عكسي طال كل أوروبا وأثَّر في مواقف دولية على مستوى العالم، وفي الأثناء استطاعت دولة البوسنة والهرسك إعادة بناء نفسها وصمدت في محيط يُعتبر حضنًا للحضارات العالمية الكبرى وملتقى للحضارات والتواصل، ولا تزال البوسنة والهرسك تربط بين مختلف التيارات وتتمحور حولها مختلف الاستراتيجيات العالمية الكبرى.

لا تزال إلى اليوم مواقف الدول الأوروبية مختلفة حيال البوسنة والهرسك، وذلك بالأساس حول قضية قانون الأقوى. وفي الواقع فإن دولاً عديدة دعت، في هذا الإطار، إلى احترام القانون والنظام الدولي، ومن بين تلك الدول نجد النمسا وألمانيا وبلجيكا وغيرها... وهي دول ساندت البوسنة والهرسك بشكل مبدئي وتلقائي، كما نجد أيضًا دولاً أخرى تقف إلى جانب البوسنة وتتشبث بالقانون الدولي في مجال العلاقات الدولية وترى فيه الضمانة لمستقبلها.

التغيرات كانت أيضًا كبيرة في مواقف "دول العالم الثالث" حيث نجد عددًا كبيرًا من الدول الإسلامية وغيرها من الدول الداخلة ضمن هذا التصنيف قد وقفت إلى جانب البوسنة والهرسك ونادت باحترام القانون الدولي وعارضت قانون الغاب والتهميش وقانون الأقوى.

لم تستطع الدول الغربية بشكل عام، وبعد مُضيِّ عقدين على مأساة البوسنة والهرسك، أن تجمع قواها وتحدد موقفها بوضوح، وأن تجعل سياساتها تلتزم بمبادئ القانون الدولي القائم. لا شكّ أن نظام الأمم المتحدة كما هو تعتريه نقائص، لكن لا وجود بعدُ لنظام أفضل؛ فهو، على علاته، يظل أفضل من قانون الأقوى الذي يُطبَّق على نطاق واسع حتى خارج منطقة البلقان. هذه قضية جوهرية ومصيرية لبلد كالبوسنة، ولكن أيضًا للعالم بأسره، ولكل الدول العظمى على حد سواء.

دولة هشة

إن البناء الذي تأسست عليه دولة البوسنة والهرسك لا يمكن في الحقيقة أن يسمح لها بتبنّي نظام اقتصادي عصري ولا يمكِّنها من تسيير المؤسسات المجتمعية بشكل سوي، وهو ما يمثّل مشكلاً أمام أيّة علاقات تعاون وتكامل إقليمية؛ فكل دول جنوب شرق أوروبا ليس لها نظم ديمقراطية كاملة، وهي غير متطوّرة اقتصاديًّا.

لكن، وعلى عكس دولة البوسنة والهرسك، فإن كلَّ دول جنوب شرق أوروبا بُنِي على أساس دساتير لا تتعارض في أي من موادها مع معايير المفوضية الأوروبية.

لم يُبن دستور البوسنة والهرسك وفقًا لمبادئ الدولة الأوروبية العصرية، مثل التمثيل السياسي وتوزيع السلطات ومبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، وهو بالإضافة إلى ذلك، يمثّل خليطًا غريبًا يحمل في ثناياه التمييز العنصري وكل المحظورات الأخرى التي تعرقل عملية التشريع القانوني وتضع الحواجز أمام القرارات السياسية، ومثل هذا الدستور لا يمكنه بأية حال من الأحوال وضع أسس لعلاقات طبيعية مع بلدان الجوار.

تُصنَّف البوسنة والهرسك من قبل برلمان المفوضية الأوروبية ضمن "الدول الهشّة"، وبهذا التصنيف فهي لا يمكنها أن تُقارَن مع الدول التي لها أنظمة طبيعية من حيث البنية الأساسية. وتبدو قضية حماية المصالح الحيوية القومية الثلاث في أولوية الاهتمامات التي يراعيها كل الفاعلين السياسيين داخل المشهد السياسي البوسني، مع أن لا أحد يعلم يقينًا ما تعنيه "المصالح القومية الثلاث" في علاقتها وارتباطها بالمصلحة القومية العامة التي يعترف بها الجميع والتي تتبعها كل دول المنطقة، والدول الأوروبية والغربية عمومًا. ومن الضروري هنا القول بأنه لا وجود لقواعد وضوابط تحكم النظام التشريعي البوسني وتقوده إلى تحقيق المصلحة القومية العامة.

لم يضع دستور دايتون قواعد تضمن علاقات طبيعية لدولة البوسنة والهرسك مع دول الجوار، لكنه في المقابل أسّس لعلاقات من نوع آخر هناك حيث لم يكن له أن يفعل ذلك من وجهة نظر القانون الدولي ومبادئ القانون العامة.

فقد وضع مؤسسو دستور دايتون صعوبات جمَّة أمام دولة البوسنة والهرسك بسنِّهم المادة الثالثة ضمن الفصل الثاني، والتي تقضي بأن للكيانين ( الفيدرالية وريبوبليكا صربسكا) الحق في بناء علاقات موازية بينهما وبين دول الجوار ضمن الحيز الجغرافي والسيادي لدولة البوسنة والهرسك.

هذه المادة تم استغلالها فقط من قبل ريبوبليكا صربسكا، باعتبارها جزءًا من النظام الداخلي لدولة البوسنة والهرسك، التي أمضت عددًا كبيرًا من المواثيق والاتفاقيات الدولية مع جمهورية صربيا، وبذلك تكون قد انتقصت من سيادة دولة البوسنة والهرسك ومنذ وقت مبكر.

وبذلك يكون صرب ريبوبليكا صربسكا فعليًّا قد نفذوا عمليات الإبادة الجماعية بغرض إزالة الحدود بين دولة البوسنة والهرسك وجمهورية صربيا، وهو المخطط الذي كان قد وضعه الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش في دوبانوفاتس بتاريخ 30 إبريل/نيسان 1992 ونفّذه زعماء ريبوبليكا صربسكا بحذافيره فيما بعد. وهكذا، فإن عمليات الإبادة والترحيل القسري كانت قد طالت البوشناقيين في المناطق التي كانوا يمثلون فيها أغلبية قبل الحرب، ومنها مدن وقرى فوتشا وزفورنيك وروغاتيتسا وفلاسينيتسا، والتي أصبحت بعد الحرب مدنًا وقرى ذات أغلبية صربية، وبذلك أُلغيت فعليًّا وعمليًّا الحدود بين جمهورية صربيا وكيان ريبوبليكا صربسكا. 

ملامح المستقبل

إن السلبيات التي يتضمنها دستور البوسنة والهرسك (دستور دايتون)، جعلت دولة البوسنة والهرسك تواجه صعوبات اجتماعية واقتصادية وسياسية جمَّة، وقادتها إلى أزمة ديمقراطية وأخلاقية معقَّدة. ولم ينجح أي من الممثلين السامين، الذين يُعيَّنون في الأصل من طرف الأوروبيين، في فعل أي شيء من أجل إنفاذ الإجراءات الواجب تطبيقها كما نصَّ عليها البند الثاني من الفصل الثاني لدستور دايتون والقاضي بضرورة مطابقة دستور البوسنة والهرسك مع معايير المفوضية الأوروبية، وبذلك ظلَّ الأمر على ما هو عليه بعد مرور أكثر من 18 عامًا ولم يتحقق شيء من ذلك.

وكان بإمكان دولة البوسنة والهرسك في هذه الفترة على الأقل تلبية مطلب مواطنيها في ضمان حقوقهم الإنسانية وتمتعهم بحرياتهم الأساسية في ظل منظومة قانونية متكاملة؛ بالإضافة إلى أن إعادة المحكمة العليا للبوسنة والهرسك إلى منظومة المؤسسات السيادية للبوسنة والهرسك كان بإمكانه أن يضمن احترام الحقوق الفردية للمواطنين وتأسيس وضمان مبادئ توزيع السلطات، وبذلك أيضًا كان بالإمكان تحديد الوظائف الاقتصادية للدولة وتمكينها بالتالي من القيام بدورها في حماية حقها في الاستفادة من الممتلكات العامة التابعة لها. لكن الممثّلين السّامين الذين أُنيط بعهدتهم "وضع مؤسسات سياسية ودستورية" فشلوا تمامًا في مهمتهم تلك، بل إن بعضهم كان أداؤه ليس فقط متناقضًا مع مصالح دولة البوسنة والهرسك (الممثل السامي فالنتين إينسكو أقال عددًا من الوزراء والمسؤولين السياسيين المُنتخبين في ريبوبليكا صربسكا وفي الفيدرالية بين البوشناق والكروات متسببًا بذلك في أزمة سياسية لا تزال آثارها إلى اليوم)، بل ومخالفًا أيضًا لتوصيات المفوضية الأوروبية، متجاوزين بذلك صلاحياتهم المخولة لهم في حين كانوا يمثلون سلطة الوضع المؤقت والطارئ الذي تعيش فيه دولة البوسنة والهرسك، ويُناط بهم دور التفسير والتحكيم في عملية تنفيذ الجزء المتعلق بالجانب المدني من اتفاق دايتون للسلام.

إن المفوضية الأوروبية، بحكم دورها، هي المكان الذي كان يجب أن تتشكل فيه دولة البوسنة والهرسك باعتبارها دولة قانون ودولة ديمقراطية تحمي حقوق الإنسان التي يجب أن تكون لها السيادة المطلقة على كل القوانين الأخرى، إلا أن الاتحاد الأوروبي استغل لسنوات عديدة هذه الصلاحيات التي منحتها له المفوضية الأوروبية، وتعامل مع البوسنة والهرسك بلغتين مختلفتين؛ فمن ناحية، نجد أن المفوضية الأوروبية تؤكد باستمرار، من خلال جملة قراراتها، على الحاجة إلى تطبيق مبادئ المجلس الأوروبي المتعلقة بإنشاء دولة ديمقراطية يُحترم فيها القانون والمناداة بضرورة إجراء تعديلات دستورية عاجلة بما في ذلك وضع دستور جديد للبوسنة والهرسك. لكن، ومع ذلك فإن المفوّض الأوروبي المكلَّف بتوسيع الاتحاد الأوروبي، السيد شتيفان فوهلي، ما زال يؤكد منذ أربعة أعوام، على تنفيذ بعض قرارات المجلس الأوروبي فقط، ويتعلق الأمر بالقرارات التي تسمح بتقوية دولة البوسنة والهرسك، وخاصة بتقوية أجهزتها المركزية وذلك وفقًا لما هو معمول به في الدول الأوروبية التي تفتقد أصلاً لتقاليد المركزية.

بالإضافة إلى ذلك، تَتَوالى مطالب أوروبية تشترط على البوسنة والهرسك ترتيب شكل الدولة فيها على أساس فيدرالي، وهو ما يتعارض مع ما هو مستقر في العمل والممارسة السياسية من أن الدولة الفيدرالية هي محصّلة التقاء إرادات طوعية صادرة عن الدول القائمة فعليًّا والتي تُعرب عن رغبتها في إنشاء نظام فيدرالي، وليس بكل تأكيد عن طريق التقسيم القسري لدولة ما على إثر عدوان استهدفها وإبادة جماعية روّعت مواطنيها.

من ناحية أخرى وفي نفس السياق، تأتي مطالب أخرى من المجلس الأوروبي تشترط وضع آلية تنسيق للعمل مع الاتحاد الأوروبي دون أن يسبق ذلك إنشاء مؤسسات نابعة عن برلمان ديمقراطي وانتخاب تشكيلة حكومية ورئيس للحكومة. وفي هذا السياق أيضًا، فإنه علينا أيضًا النظر بنفس العين إلى ما يُسمَّى: "الحوار الهيكلي حول النظام القضائي"، في حين أن المطلوب هنا لحل كل هذه الإشكالات، وهي إشكالات مستعصية بكل المقاييس، هو إعادة المحكمة العليا للبوسنة والهرسك إلى صلب النظام الدستوري. وهو نفس الحل الذي يجب اتباعه لحل الإشكالات المتعلقة بإنشاء الجيش الوطني والممتلكات التي تعود إلى الدولة.

إن دستور البوسنة والهرسك، الذي ليس له من صفات الدستور إلا الاسم فهو ليس حقيقيًّا بحكم طريقة وضعه وحقيقة محتواه، قد قاد دولة البوسنة والهرسك إلى مشارف الانهيار الاقتصادي الكامل بما سبَّبه من ارتفاع مستوى البطالة وازدياد أعداد المتقاعدين ومضاعفة أعداد موظفي الجهاز البيروقراطي في ذات الوقت الذي تدنّت فيه أعداد موظفي قطاعات الانتاج.

وبهذا بات من الواجب على الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية والأمم المتحدة والمنظمة الأوروبية للأمن والتعاون بالإضافة إلى مختلف المنظمات الدولية، أن تنتبه إلى أن ما يجري في البوسنة والهرسك يمثل تهديدًا وخطرًا تتعرض معه أمة بأكملها إلى الاندثار.
_________________________________________
تشازم صاديقوفيتش - عميد كلية الحقوق في سراييفو ورئيس اللجنة الأوروبية للقانون الدستوري

ملاحظة: النص بالأصل أعد لمركز الجزيرة للدراسات باللغة البوسنية، وترجمه إلى العربية الباحث المتخصص بشؤون البلقان كريم الماجري

الهوامش
1- أصبح اتفاق دايتون هو نفسه دستور دولة البوسنة والهرسك بعد انتهاء الحرب عليها، وقد تمت إضافة ملحقات إليه تُعتبر جزءًا مكمّلاً ومفسِّرا له وتتمتع بنفس القوة الإلزامية لاتفاقية دايتون.
2- كانت تسمية "جمهورية البوسنة والهرسك" تُطلق على البوسنة والهرسك في إطار اتحاد جمهوريات يوغسلافيا السابقة، قبل تغيير اسمها إلى "دولة البوسنة والهرسك" وفقًا لدستور دايتون الصادر في العام 1995.
3- شكَّل دستور عام 1974 وما طرأ عليه من تعديلات في العام 1990، دولة ديمقراطية برلمانية حقيقة. فقد كان لجمهورية البوسنة والهرسك دستور يضمن انتخابات ديمقراطية وبرلمان يحوي غرفتين، إحداهما سُفلى وفيها ممثلون عن المواطنين، والأخرى عليا وفيها ممثلون عن البلديات، باعتبارها مؤسسات تمثل المناطق، إلى جانب ممثلي الدولة (رئاسة جمهورية البوسنة والهرسك)، والحكومة ورئيسها ورئيسي المحكمتين: العليا والدستورية.
4- يرى آلان فينكل كلاوت أن أوروبا تعيش أزمة هوية وأزمة "صراع حضارات" وفيها من المفكرين والسياسيين من يدفع إلى التخلص من الإرث الإسلامي ولا يرغب في أن تكون أوروبا أرضًا للإسلام والمسلمين (أبرز دليلين على ذلك هما الرفض الذي يلاقيه مشروع انضمام تركيا إلى نادي الاتحاد الأوروبي "المسيحي"، والموقف من قضية البوسنة والهرسك).

المراجع
1. Aneks 4 – Ustav Bosne i Hercegovine
الملحق الرابع- دستور البوسنة والهرسك
2. Aolain, Fionnuala Ni, „The Fractured Soul of the Dayton Peace Agreement: A Legal Analyssis“ in „Reconstructing Multiethnic Societies: The Case of Bo-snia-Herzegovina“, Edited by D?emal Sokolovi? and Floeian Bieber, Al-dershot: Ashgate, 2001
3. Bieber, Florian, Power Sharing, Political Representation and Group Rights in Bosnia and Herzegovina, in Facing the Past, Facing the Future: Con-fronting Ethnicity and Conflict in Bosnia and Former Yugoslavia, Edited by Florian Bieber and Carsten Wieland, Longo Editore Ravenna, 2005
4. Bouthoul Gaston, Sociologie de la politique, Presses univesitaires de France (Vendome, Impr: des P.U.F.), Paris, 1965
5. Chandler, David, Faking Democracy After Dayton, Pluto Press, 2000
6. Cox, Marcus, Building Democracy From Outside – The Dayton Agreement in Bosnia and Herzegovina, in Can Democracy Be Designed? The Politics of Institutional Choice in Conflict-Torn Societes, Ed. By Sunil Bastina and Robin Luckham, Zed Books, London and New York, 2003
7. Evropska komisija za demokratiju kroz pravo (Venecijanska komisija), Mišljenje o ustavnoj situaciji u Bosni i Hercegovini i ovlaštenjima Visokog predstavnika, CDL-AD (2005) 004
المجلس الأوروبي للديمقراطية من خلال تطبيق القانون (لجنة فينتسيا), رأي حول الوضع الدستوري للبوسنة والهرسك وصلاحيات الممثل السامي.
8. Evropska konvencija za zaštitu ljudskih prava i temeljnih sloboda
"الميثاق الأوروبي لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية"
9. Op?i okvirni sporazum za mir u Bosni i Hercegovini
الإطار العام لاتفاقيات السلام في البوسنة والهرسك
10. Peter Leuprecht, Edited by Wolfgang Benedek, Human Rights in Bosnia and Herzegovina after Dayton, From Theory to Practice, Martinus Nijhoff Publishers 1999.
11. Rezolucija Parlamentarne skupštine Vije?a Evrope 1513 iz 2006
قرار الجمعية العامة لبرلمان المجلس الأوروبي رقم 1513 لعام 2006
12. Sadikovi?, ?azim, Ljudska prava na udaru globalizacije, CSS BIH, 2006
صاديقوفيتش تشازم: حقوق الإنسان في مهب العولمة، سراييفو 2006
http://www.esiweb.org
http://ffp.statesindex.org/rankings-2013-sortable 
http://globus.jutarnji.hr/svijet/u-nasoj-europi-bukti-sukob-civilizacija
http://www.youtube.com/watch?v=zhG-_XDZl7w

نبذة عن الكاتب