تأثير الدبلوماسية الموازية لدول عربية في الإعلام الغربي

ترصد الدراسة الجهد الاتصالي السياسي/الدعائي لدول عربية تُوظِّف وكالات العلاقات العامة وأدوات الدبلوماسية الموازية للنفوذ إلى الإعلام الغربي والتأثير في الرأي العام وصنَّاع القرار من أجل الترويج لأجندتها السياسية وتشويه خصومها السياسيين أفرادًا وجماعات ودولا.
f02d72e0540f465eb295227bd108cdb6_18.jpg
(الجزيرة)

تُوظِّف الدول قنوات خلفية موازية لقنوات الدبلوماسية التقليدية، للضغط على صنَّاع القرار وقادة الرأي في دول أخرى، من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، أو دَرْء مخاطر قد تَضُرُّ بمصالحها. وغالبًا ما تُدار هذه القنوات الخلفية عبر "جماعات الضغط" أو "جماعات المصالح"، غير أن المصطلح الأكثر استخدامًا للدلالة على هذه الجماعات هو "اللوبي" (Lobby)، ويعني باللغة العربية "الرَّدهة أو الرُّواق". وقد أُطْلِق هذا المصطلح على مُمَثِّلي جماعات الضغط، الذين غالبًا ما يتجوَّلون في ردهات المؤسسات الحكومية والتشريعية؛ حيث يلتقون صنَّاع القرار ويحاولون التأثير عليهم. وتُعدُّ العلاقات العامة من أهم النشاطات الاتصالية التي تُوظِّفها جماعات الضغط للتأثير في الأفراد والمجتمعات والدول، وإحداث تغييرات في أفكارهم ومعتقداتهم ومواقفهم وسلوكهم عبر نشر معلومات وحقائق أو أنصاف حقائق أو حتى أكاذيب. 

وتستخدم الدول أدوات الضغط السياسي والعلاقات العامة، أو ما يُسمِّيه الباحث بـ"الدبلوماسية الموازية"، للتأثير على سياسات الدول الأخرى، ولتسهيل مصالحها الخارجية، وتحسين صورتها، وتشويه سمعة خصومها، وهو ما تجلَّى بشكل واضح خلال سنوات الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي سابقًا. ويقول بيتر فيليبس: إن الحكومات الأميركية المتعاقبة استخدمت وكالات العلاقات العامة والدعاية السياسية في العقود الأخيرة بشكل أساسي لتغيير أنظمة سياسية أو تبرير تدخلات عسكرية خارج الحدود، كما وقع في الثمانينات من القرن الماضي عندما وظَّفت الإدارة الأميركية فعاليات العلاقات العامة وحملات الدعاية السياسية للإطاحة برئيس بنما، مانويل نورييغا، وكما عملت مجموعة ريندون (Rendon Group) لحشد التأييد العالمي لحرب الخليج الأولى التي عُرفت بـ"عاصفة الصحراء" لتحرير الكويت بعد الغزو العراقي، في 2 أغسطس/آب 1990. وقد قامت المجموعة بتعبئة الرأي العام وراء ما سُمِّي منذ ذلك الحين بـ"الحرب على الإرهاب"، باستخدام أساليب دعائية بما في ذلك فَبْرَكَة القصص الإخبارية حول تدمير تمثال صدام حسين في بغداد، وتَمْجِيد بطولة الجيش الأميركي من خلال قصة إنقاذ المجنَّدة، جيسكا لينش، وصولًا إلى فَبْرَكَة المعلومات حول امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل(1). 

ولا تقف الدول العربية استثناءً في توظيف الضغط السياسي والعلاقات العامة للتأثير على سياسات الدول الأخرى، لاسيما منها الدول العظمى، لتسهيل مصالحها الخارجية وتحسين صورتها وتشويه سمعة خصومها، وهو ما تجلَّى بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة؛ حيث سعت المملكة العربية السعودية، مثلًا، إلى تحسين صورتها في الولايات المتحدة الأميركية، والغرب عمومًا، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001؛ حيث أشارت المعلومات إلى تورط سعوديين بشكل مباشر في الهجمات الإرهابية. وفي المقابل، وظَّفت الإمارات العربية المتحدة، مثلًا، شركات العلاقات العامة ومراكز الأبحاث لتشويه سمعة دولة قطر وصورتها في العالم قبلَ، وخلالَ الأزمة التي تفجرت بين الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، من جهة، وقطر من جهة ثانية، في مايو/أيار 2017. 

وطالما طرحت قنوات "الدبلوماسية الرديفة"، لاسيما العلاقات العامة، مخاوف في الأوساط الغربية، أولًا: بسبب الضغط الذي تمارسه بأساليب مختلفة على صنَّاع القرار، والمؤسسات المُنتخبة، ثم التضليل الذي تمارسه على الرأي العام بسبب التلاعب بأجندات وسائل الإعلام، ومدها بمعلومات مُضَلِّلَة. وهذا بدوره وسَّع مجال الريبة في الدوائر الغربية إلى حدود التساؤل حول أخلاقيات العلاقات العامة، التي غالبًا ما تستخدم القنوات الخلفية للتأثير في سياسات الدول، الصديقة والعدوة منها على حدٍّ سواء، وتُغَلِّب في معظم الأحيان مصالح "مُوَكِّلِيها" على المصالح العامة، أو المصالح القومية لبلدانها. 

وتحاول هذه الدراسة سبر جوانب من العلاقة المعقدة بين بعض الدول العربية وجماعات الضغط في الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، للتأثير على قادة الرأي والصحف ومراكز صناعة القرار، ودور هذا الجهد الاتصالي السياسي/الدعائي في توجيه السياسات الخارجية ذات الصلة بالصراعات والأزمات السياسية الدائرة في المنطقة العربية. كما تسعى الدراسة إلى إلقاء الضوء على كبريات وكالات العلاقات العامة العالمية، وأبرز مراكز الأبحاث الدولية التي تستخدمها الدول العربية في حملات الضغط السياسي، وتُوظِّفها بالتمويل، للضغط على الرأي العام وصنَّاع القرار في الدول الغربية، إما تلميعًا لصورتها، أو تشويهًا لسمعة الخصوم (الأفراد والمؤسسات والدول) وشَيْطَنَتَهم. 

واعتمدت الدراسة منهجية بدأت أولًا بتقديم نظري لما يُعرف بـ"الدبلوماسية الموازية" التي تساند الدبلوماسية التقليدية. فبينما تعتمد الأولى على شبكة علاقات متداخلة بين شركات العلاقات العامة ومراكز الأبحاث وجماعات الضغط ووسائل الإعلام، تعتمد الثانية بشكل أساسي على الهيئات الدبلوماسية الرسمية. ثم تنحو الدراسة إلى التعريف بطبيعة نشاط الدبلوماسية الرديفة وأدوات عملها التي تتداخل فيها أشكال متعددة من الإعلام والدعاية السياسية والعلاقات الإعلامية والعلاقات العامة. ثم تعرض الدراسة نماذج للعلاقات المعقدة بين دول عربية وشركات العلاقات العامة ومراكز الأبحاث التي تُمَثِّل مصالح هذه الدول بشكل موارب (دراسة حالة الإمارات)، بينما تظل سفارات الدول ودبلوماسيوها في الظل، أو في المقعد الخلفي.

1- الدبلوماسية الموازية 

تنبَّه الكثير من الدول والأنظمة السياسية منذ وقت مُبَكِّر إلى أهمية دور العلاقات العامة، كواجهة للضغط والتأثير في صناعة القرار في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، لاسيما أن أساليب وأدوات العلاقات العامة، قد تنجح، عبر قنوات خلفية، في إنجاز ما لا تقدر عليه، أو تفشل في فعله، السفارات عبر قنوات العمل الدبلوماسي التقليدية. وتمارس الدول تأثيرها في الرأي العام وصنَّاع القرار بالدول الأخرى عبر أشكال اتصالية عدة، أبرزها وأهمها: الدبلوماسية العامة، والعلاقات العامة، وجماعات الضغط المعروفة بـ"لوبي". 

أ- الدبلوماسية العامة

تختلف الدبلوماسية العامة عن الدبلوماسية التقليدية التي تُعرِّفها المراجع والدراسات بـ"التطبيق العملي للسياسات الخارجية" من خلال التواصل السياسي بين حكومات الدول المختلفة. وتُمَارَس الدبلوماسية التقليدية من قِبَل موظفين رسميين خلف أبواب مغلقة، في حين أن الدبلوماسية العامة تُمَارَس في جانبها الأوسع من قِبَل هيئات وتشكيلات غير رسمية. ويصف رويس آمون الدبلوماسية التقليدية بـ"الدبلوماسية القديمة" التي انتهت مع الحرب العالمية الأولى. بالمقابل، يرجع تاريخ ممارسة الدبلوماسية العامة إلى حدود النصف الثاني من القرن العشرين(2). 

وفي منتصف الستينات من القرن الماضي اكتسب المفهوم معنى جديدًا، عندما استخدم إدموند غوليون، عميد مدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية، مفهوم الدبلوماسية العامة ليصف تأثير الجمهور في اتجاهات السياسات الخارجية وأدائها. وفي العام 1965، وصف غوليون الدبلوماسية العامة بـ"دور الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام في الشؤون الدولية، وتوجيه الحكومات للرأي العام في بلد ما من خلال تفاعل جهود جماعات غير حكومية وجماعات مصالح خاصة، وتأثير تلك العملية على سلوك البلد المستهدف وسياساته الخارجية"(3). 

وحسب غوليون، فإن الدبلوماسية العامة تشمل أبعادًا في العلاقات الدولية تتجاوز الدبلوماسية التقليدية. ومن هذه الأبعاد: قدرة الحكومات على التأثير في الرأي العام الخارجي (الأجنبي)، وإمكانية تفاعل جماعات خاصة ومصالحها في بلد ما مع نظيراتها في بلد آخر، وتأثير التقارير الخاصة بالشؤون الخارجية على السياسات، والتواصل بين الدبلوماسيين والمراسلين الأجانب وما ينتج عنه من تواصل متبادل يؤدي إلى تبادل الثقافات. وهكذا ارتبطت ممارسة الدبلوماسية العامة بوسائل وأدوات التأثير على مواقف الرأي العام، ودورها في توجهات السياسة الخارجية(4). 

ويرى جوزيف س. ناي، مساعد وزير دفاع الولايات المتحدة الأسبق، والأستاذ بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "قوى الزعامة" أن "الدبلوماسية العامة تُشكِّل أداة مهمة في ترسانة القوة الذكية، ولكن الدبلوماسية العامة الذكية تتطلب فهمًا سليمًا للمصداقية والنقد الذاتي ودور المجتمع المدني في توليد القوة الناعمة. وإذا ما تحوَّلت الدبلوماسية العامة إلى الدعاية، فإنها لن تفشل في الإقناع فحسب، بل قد تُقَوِّض القوة الناعمة أيضًا. لذا، فإن الدبلوماسية العامة لابد أن تظل قائمة على عملية ذات اتجاهين، وذلك لأن القوة الناعمة تعتمد في المقام الأول على فهم عقول الآخرين واستيعاب مفاهيمهم"(5). 

ويؤكد فان هام أن العنصر الأساسي في الدبلوماسية العامة هو أنها "أداة لبناء علاقات شخصية ومؤسساتية، وللتواصل مع الجمهور الخارجي عبر التركيز على القيم، وتنظم أنشطتها بعيدًا عن الدبلوماسية التقليدية(6). وتشمل الدبلوماسية العامة الكثير من الأنشطة اليومية (عرض الأفلام، والمسرحيات، والندوات) والبرامج الخاصة (تبادل البعثات الدراسية، المنتديات، المؤتمرات الاقتصادية، اللقاءات الأكاديمية). ويسمح التركيز على الدبلوماسية العامة للدول الصغيرة والمتوسطة الحجم، مع محدودية موارد القوة "الخشنة" أو "الصلبة"، بممارسة دور أكبر على الساحة الدبلوماسية، عبر الانخراط في برامج ذات صلة بالمجتمع المدني العالمي(7). 

ب- العلاقات العامة

يُعرِّف دنيس ويلكوكس وغلين كاميرون العلاقات العامة بأنها "عملية تتكوَّن من سلسلة من الأنشطة والتغيرات والأعمال التي تؤدي إلى نتائج". ويرى المؤلِّفون أن أفضل طريقة لوصف التعريف هي ما جاء في معادلة جون مارستون الشهيرة في تعريف خطوات العلاقات العامة، وقد لاقت هذه المعادلة قبولًا واسعًا لدى كثير من المهتمين والدارسين، جمعها في كلمة (RACE ويشير الحرف الأول (R) إلى (Research)، أي التعرف إلى المشكلة من خلال البحث، والحرف الثاني (A) ويرمز إلى (Action) أي ما يجب فعله تجاه المشكلة، والحرف الثالث (C) ويرمز إلى (Communication)، أي ما يجب فعله لإعلام الجمهور، والحرف الأخير (E) ويشير إلى (Evaluation) ويعني التأكد من الوصول إلى الجماهير، ومدى تأثيره في تغير اتجاهاتهم أو ثباتها (8). وبهذا المعنى، حدَّدت الجمعية الأميركية للعلاقات العامة وظائف أساسية لمهنة العلاقات العامة، منها:  

  1. كتابة التقارير، والبيانات الصحفية، والكتيبات، ونصوص برامج الراديو والتليفزيون، والخطب وحوار الأفلام، ومقالات المجلات، والصحف التجارية، وإنتاج المواد الإعلامية والفنية.
  2. تحرير النشرات العمالية، والصحفية، وتقارير المساهمين، وسائر المخاطبات الموجَّهة من الإدارة إلى كل أفراد المؤسسة والجماهير الخارجية.
  3. الاتصال بالصحافة والراديو والتليفزيون، وكذلك المجلات والملاحق الأسبوعية ومحرري الأقسام التجارية لإثارة اهتمامهم لنشر الأخبار والموضوعات التي تتعلق بالمؤسسة.
  4. تحسين صورة المؤسسة من خلال الفعاليات الخاصة كالحفلات التي تقام لرجال الصحافة، والمعارض وتنظيم الزيارات، وتقديم التسهيلات، وإقامة الاحتفالات في المناسبات العامة أو الخاصة، وتنظيم المسابقات، ورعاية العلاقات مع الضيوف، وتقديم الهدايا التذكارية، وإنتاج أفلام عن المؤسسة بالإضافة إلى غيرها من الوسائل البصرية الأخرى كالشرائح وأشرطة الفيديو.
  5. مواجهة الجماعات المختلفة والتحدث إليها من خلال لقاءات طبيعية، وإعداد خطب للغير، وتخصيص متحدث باسم المؤسسة، وتقديم المتحدثين في الحفلات والاجتماعات العامة.
  6. إنتاج النشرات، والكتيبات، والتقارير الخاصة، ومواد الاتصال المصورة ودوريات المؤسسة، وإخراجها على نحو فني يتفق مع الذوق العام.
  7. تحديد الاحتياجات والأهداف والخطوات اللازمة لتنفيذ المشروع، وهذا يحتاج إلى خبرة عالية في العلاقات العامة، ومقدرة خاصة في توجيه النصح والمشورة لرجال الإدارة(9). 

وترتبط العلاقات العامة بشكل وثيق مع الإعلام ووسائله المعروفة التي تُشكِّل منصات لِطَيْفٍ واسع من فعاليات العلاقات العامة، علمًا بأن العلاقات العامة غالبًا ما تميل إلى وسائل التواصل المباشرة/أو الشخصية للتأثير في الجمهور بشكل أفضل، ولتجنب أي غموض أو تشويش في رسائلها. 

ج‌- جماعات الضغط

تشير الأدبيات المُتخصصة في موضوعات جماعات الضغط والعلاقات العامة إلى أن هذا النوع من النشاط السياسي ظهر مع تَشَكُّل جماعات الضغط حول المؤسسات السياسية البريطانية في "ويستمنستر"؛ حيث مقر الحكومة والبرلمان والوزارات السيادية وسط العاصمة، لندن، أو حول المؤسسات السياسية والتشريعية الأميركية في واشنطن(10). وقد تطور "الضغط" في القرن التاسع عشر حتى صار "مهنة" أو "حرفة" معترفًا بها في دوائر صنع القرار في واشنطن، يتولَّى العاملون بها عددًا من المهام كتنظيم برامج استقبال واستضافة وترفيه لأعضاء مجلس الشيوخ، وتقديم المعلومات والمعلومات المضادة لهم وللنواب بخصوص القضايا العامة المطروحة عليهم، وكتابة الخطابات العامة للشخصيات السياسية، وفتح قنوات الاتصال بين أصحاب المصالح وصناع القرار، وتقديم التدريب في مجال العلاقات العامة والعلاقات الإعلامية للشخصيات العامة. وازدهرت صناعة "حملات التحشيد والضغط" في القرن العشرين، وأصبح أنموذج جماعات الضغط حاضرًا في كل المجتمعات الديمقراطية، لاسيما المجتمعات الغربية، وعلى وجه الخصوص في العواصم العالمية المركزية، مثل: واشنطن ولندن وبروكسل؛ حيث المقر الرئيسي للاتحاد الأوروبي. كما تطور أداء مجموعات الضغط بسرعة، خلال العقود الأخيرة، بفضل ظهور وسائل الإعلام الجماهيري التي أصبحت في صميم "صناعة الضغط" حتى اليوم(11). 

ويُعرِّفُ رجل العلاقات العامة البريطاني، ليونيل زيتر، مصطلحَ اللوبي بـ"حملة ضغط مُنَظَّمَة ومتعدِّدة الأشكال والأدوات؛ تسعى إلى التأثير في الحكومات ومؤسَّساتها التنفيذية، والحكومات المحلية، والمؤسَّسات التشريعية، لفرض أجندات معينة على السياسات العامة، بأساليب الإقناع السياسي"(12). وتسعى جماعات الضغط إلى التأثير في صُنَّاع القرار بالوسائل التقليدية المباشرة (الاتصال الشخصي، الهاتف، الرسائل الخطية، الرسائل الإلكترونية) من خلال تعبئة أعضائها أو المنخرطين في نشاطها للاتصال بصانعي السياسات، أو عن طريق التعاقد مع شركات مختصة في تنظيم حملات الضغط والعلاقات العامة. وغالبًا ما يكون موظفو هذه الشركات من أصحاب الخبرات، ممن سبق لهم العمل في الأجهزة التنفيذية والتشريعية أو في الأحزاب السياسية، أو من أصحاب الخبرات الأخرى من المحامين والإعلاميين والأكاديميين وخبراء العلاقات العامة(13). 

2- الدبلوماسية الموازية وأدوات الضغط 

عمد الكثير من الدول الصديقة، والمعادية، للولايات المتحدة، إلى توظيف روافد الدبلوماسية التقليدية، أو الدبلوماسية الموازية، للضغط على مراكز صناعة القرار في واشنطن، عبر استمالة وسائل الإعلام والرأي العام وجماعات الضغط. ويعتقد سكوت كوتليب أن احتياجات الحكومات الأجنبية يتم تلبيتها بشكل جيد من قِبَل المهنيين في مجال العلاقات العامة الذين يؤدون على نحو مختلف أدوار المروِّجين، والدعاة، ومجموعات الضغط لصالح الدول الأجنبية(14). ويُقَدِّر ديبورا ليفي أن الدول الأجنبية أنفقت في الثمانينات من القرن العشرين أكثر من 150 مليون دولار سنويًّا على حملات العلاقات العامة في الولايات المتحدة(15). وأفادت وزارة العدل الأميركية، في عام 1992، بأن هونغ كونغ أنفقت ما يقارب 80 مليون دولار على أنشطة العلاقات العامة والاتصال السياسي وحملات الضغط في الولايات المتحدة. كما أنفقت اليابان أكثر من 60 مليون دولار، وكندا 22.7 مليون دولار، والمكسيك 1.5 مليون دولار على حملات العلاقات العامة والضغط من أجل تمرير اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية(16). 

وفي تقرير مفصل تحت عنوان "القوى الأجنبية تشتري النفوذ عبر مراكز الأبحاث"، كشفت صحيفة "ذا نيويورك تايمز" أن "أكثر من عشر مجموعات بحثية، أو مراكز أبحاث بارزة في واشنطن، تلقت عشرات الملايين من الدولارات من قِبَل حكومات أجنبية في السنوات الأخيرة، للتأثير على المسؤولين في الإدارة الأميركية، ودفعهم إلى تبني سياسات تعكس في كثير من الأحيان أولويات المانحين". وبيَّن التقرير أن "هذه الأموال تُحَوِّل، بشكل متزايد، مراكزَ البحث الفكري، إلى أذرع لحكومات أجنبية تُحْشَد للضغط على واشنطن، وهو ما يطرح أسئلة تثير القلق بشأن الحرية الفكرية لهذه المراكز، لاسيما عندما يقول بعض الباحثين والمفكرين إنهم تعرضوا للضغوط للوصول في أبحاثهم إلى استنتاجات تُرضي الحكومة التي تمول أبحاثهم"(17). 

وجاء في تقرير الصحيفة أن قائمة المراكز البحثية والفكرية الأميركية، الأكثر تأثيرًا في واشنطن، التي تتلقى دعمًا وتمويلًا من دول أجنبية تضم في مقدمتها: مجلس الأطلسي، ومؤسسة بروكينغز، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومعهد الشرق الأوسط، وصندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، وحوار البلدان الأميركية، ومركز ستيمسون، ومعهد الموارد العالمية(18). ويتلقى كلٌّ منها تمويلًا رئيسيًّا من جهات خارجية، ويتخصص بإعداد ونشر أبحاث للسياسات العامة، واستضافة منتديات وندوات، وتنظيم جلسات إعلامية خاصة لكبار المسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة تتفق عادة مع جداول أعمال الحكومات الأجنبية. وتأتي معظم الأموال التي تتلقاها هذه المراكز من دول في أوروبا، والشرق الأوسط، وأماكن أخرى في آسيا، وأميركا الجنوبية. ويشير التقرير إلى أن الإمارات العربية، مثلًا، تُعدُّ الداعم الرئيسي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وقد تبرَّعت بأكثر من مليون دولار للمساعدة في بناء المقر الجديد للمركز، الواقع إلى جوار البيت الأبيض(19). وتصدَّرت الإمارات العربية، في العام 2013، قائمة الدول الأكثر إنفاقًا على جماعات الضغط في الولايات المتحدة، فيما احتلت السعودية المرتبة الرابعة، كما أوضح ذلك تقرير مؤسسة "صن لايت" المتخصصة في رصد التأثير الأجنبي على المؤسسات الأميركية(20)، ونقلته بالتحليل صحيفة "واشنطن بوست"(21). 

ونشر موقع "هافينغتون بوست"، في العام 2015 قائمة، حصل عليها من سجلات وزارة العدل الأميركية الخاصة بالإفصاح عن الشركات التي عملت لصالح جهات أجنبية خلال العام 2014، وفي مقدمتها: "دلا بايبر"، و"أكين غومب"، و"مجموعة كامستول"، و"كيمب غولدبرغ"، و"هيل آند نولتون"، و"كارف الاتصالات"، "وإديلمان"، و"مجموعة غلوفر بارك"، و"كورفيس"، و"سوريني"، و"سانيتاس"، و"سكوير باتون بوجز"، و"جاست كونسولتينغ"، و"بيلسبري ينثروب شاو بيتمان"، و"لويس باتش"، و"مجموعة فريدلاندر"، و"مجموعة هاربور"، و"بوتوماك بارك"، و"ليفيك للاتصالات الاستراتيجية"، و"ليفانت السويس"، و"بورتلاند بي آر" و"مجموعة غالاغير"(22)، وجميعها حصلت على عقود من الإمارات العربية المتحدة، أو المملكة العربية السعودية، أو قطر، أو البحرين، أو الكويت، ما بين 2011-2014(23). ويورد موقع "al-monitor" تفصيلًا بحملات الضغط التي مَوَّلَتها دول عربية خلال العامين 2014-2015 بهدف التأثير على صانعي القرار في الإدارة الأميركية. 

الجدول رقم (1) يبيِّن حجم تمويل دول عربية لحملات الضغط بأميركا وأهدافها خلال 2014-2015(24)

الدولة

حجم الإنفاق بالدولار

وكالة العلاقات العامة والضغط

هدف الحملة

الإمارات

13.5 مليون

Camstoll Group

دعم فكرة ثقة الولايات المتحدة بقدرة الإمارات العربية المتحدة على تحمل مسألة معتقلي غوانتانامو.

السعودية

9.5 ملايين

MSLFROUP (Qorvis)

- الإعلام الأميركي لا يرى أية أدلة بخصوص تورط السعودية في هجمات سبتمبر/أيلول 2011.

- مواجهة الدعوى القضائية لضحايا هجمات سبتمبر/أيلول ضد السعودية.

البحرين

855.000

DLA Piper

تضمين تقرير الإدارة الأميركية حول الإرهاب نصًّا يشير إلى المعارضة البحرينية، وضمان مساعدات عسكرية للبحرين بقيمة 5 ملايين دولار.

الجزائر

420.000

Foley Hoag

دعم حكومة الوحدة في ليبيا، وضمان حياد مجلس الشيوخ بخصوص نزاع الصحراء الغربية.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، كشف تقرير أوروبي بعنوان "مستشارو العلاقات العامة، والموظفون الرسميون في الاتحاد الأوروبي: كيف تبيِّض شركات العلاقات العامة الأوروبية الأنظمة القمعية؟"، أن أنظمة قمعية وديكتاتورية من جميع أنحاء العالم، تدفع لشركات العلاقات العامة والضغط السياسي الأوروبية مقابل تقديم استشارات وتنظيم أنشطة لتلميع صورهم وتشويه المعارضين، وإدارة الانتخابات، وإخفاء انتهاكاتهم لحقوق الإنسان، والحصول على الدعم السياسي والمالي من مؤسسات ودول الاتحاد الأوروبي. ويُقَدِّر التقرير الأوروبي أن ما بين 1500 إلى 2500 شركة علاقات عامة وحملة ضغط تعمل في العاصمة البلجيكية، بروكسل؛ حيث المقر الرئيسي للاتحاد الأوروبي، وتُمَثِّل في معظمها مصالح دول وأنظمة وحكومات، للقيام بمهام لا تتيح قواعد العلاقات الدولية والدبلوماسية للسفارات القيام بها، من قبيل إجراء استطلاعات الرأي، وإنتاج المواد المصورة الدعائية والإعلانية المصورة والمطبوعة، وتنظيم الندوات والمؤتمرات الصحفية، والحفلات والزيارات والرحلات للصحفيين، وترتيب البيانات والمواد الصحفية لوسائل الإعلام، وشراء مساحات وحصص إعلانية في وسائل الإعلام، وتنظيم التجمعات العامة، والاتصال بالسياسيين على جميع المستويات. وغالبًا ما تستعين هذه الشركات بخبرات مسؤولين سابقين في الاتحاد الأوروبي، نظرًا لما يتوفر عليه هؤلاء من دراية بآليات عمل الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، ومن صلات شخصية داخل دواليب صناعة القرار الأوروبي(25)

وتُعدُّ لندن، العاصمة الأنشط أوروبيًّا في هذا المجال، وقد وصف تقرير حول مهارة شركات العلاقات العامة الأوروبية في تلميع صور الأنظمة الديكتاتورية، العاصمة البريطانية، بـ"البقعة الساخنة" عالميًّا لتلميع الصورة، وغسيل السمعة. ويقول التقرير: إن شركات العلاقات العامة البريطانية والعالمية التي تقوم بهذا النوع من العمل باتت تُعرف باسم "مغاسل لندن"(26). وجاء في تقرير لصحيفة "ذا غارديان" بعنوان "شركات العلاقات العامة تجعل لندن العاصمة العالمية لغسل السمعة"، كيف أن الشركات البريطانية تكسب الملايين بتقديم الاستشارات لأنظمة أجنبية تقوم بأنشطة مشبوهة لأجل تلميع صورتها. وكشف تحقيق أجرته الصحيفة أن شركات العلاقات العامة في لندن تكسب ما يصل إلى 2 مليون جنيه إسترليني لكل عقد استشارات في مجال العلاقات العامة والعلاقات الإعلامية من أجل تحسين صورة وسمعة حكومات ذات سجل أسود في قضايا مثل التعذيب والفساد وحرية التعبير، ومنها: السعودية، ورواندا، وكازاخستان، وسريلانكا، وروسيا، ومدغشقر، والصين. وحققت إحدى الشركات، وهي شركة "تشيم بي إل سي"، التي يرأسها اللورد بيل، المستشار السابق لمارغريت تاتشر، حوالي نصف دخلها البالغ 67 مليون جنيه إسترليني في العام 2009 من العقود الأجنبية(27). 

3- العلاقات العامة والهيمنة على الإعلام 

إذا كانت جماعات الضغط تُوظِّف الكثير من الأدوات والأساليب، التي تجمع بين الدبلوماسية العامة والعلاقات العامة، فإنها تُوَظِّف كذلك الدعاية السياسية لتمرير خطاباتها والتأثير في الجمهور المستهدف، من خلال إقامة علاقات مُعَقَّدَة الوجوه والدروب مع وسائل الإعلام. ولطالما كانت العلاقة الغامضة بين وسائل الإعلام وشركات العلاقات العامة، التي تُشكِّل واجهات جماعات الضغط، مثار بحث وتساؤل، منذ البدايات الأولى لمهنتي الصحافة والعلاقات العامة. في بعض الأحيان توصف العلاقة بينهما بـ"علاقة الحب والكراهية"، وفي أوقات أخرى يُنْظَر إليها باعتبارها مزيجًا من التبعية وعدم الثقة؛ إذ يشتكي الصحفيون من ممارسي العلاقات العامة، ويصفون سلوكهم بـ"غير أخلاقي"، يتَّسم بالتلاعب والتضليل وخدمة مصالح خاصة بدلًا من خدمة الجمهور. وقد أظهرت الدراسات المتعلقة بالعلاقة بين الصحفيين وممارسي العلاقات العامة أن الصحفيين يضعون موظفي العلاقات العامة في أدنى درجات السلم، ليس بسبب ضعف أدائهم الوظيفي، ولا أخلاقية سلوكهم، وحسب، ولكن لسوء نواياهم(28). 

وتشير الدراسات البحثية إلى أن أكثر ما يكرهه الصحفيون في أداء وكالات وموظفي العلاقات العامة هو كمية المعلومات التي يُوَزِّعُها هؤلاء على وسائل الإعلام، والقيود التي يفرضها موظفو العلاقات العامة لحجب المعلومات، ومنع الصحفيين من الوصول إلى مصادر المعلومات. وفي المقابل، خلصت دراسات كوبنهافر وآخرون(29) وستيغال وساندرز(30) إلى أن ممارسي العلاقات العامة غير راضين عن سعي الصحافة للحصول على معلومات سلبية ومثيرة، ويشكون من عدم إعطاء الصحافة اهتمامًا كافيًا لما يعتبرونه معلومات بنَّاءة. ومع أن مصالحهم متعارضة، وعلاقتهم تتسم عامة بعدم الثقة، غالبًا ما يجد كلٌّ من الصحفيين وموظفي العلاقات العامة أنفسهم متعاضدين مع بعضهم البعض، وهو وضع يتطلب التعاون. وقد اعتبر جين غرابوسكي العلاقات الإعلامية جوهر مهنة العلاقات العامة، مُسْتَبْعِدًا نجاح أية حملة علاقات عامة بدون علاقات إعلامية ناجحة؛ لأن التغطية الإعلامية يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي أو سلبي كبير(31). ويتفق جيمس غرونيغ وتود هانت على أن "العلاقات مع وسائل الإعلام هي في غاية الأهمية لممارسة العلاقات العامة التي يعتقد العديد من الممارسين لهذه المهنة بأن العلاقات العامة ليست أكثر من علاقات إعلامية"(32). 

وقد أدى التطور التكنولوجي، والثورة المتسارعة في عالم الاتصالات والإعلام، إلى اتساع وتشابك مساحة العلاقة بين وسائل الإعلام وشركات العلاقات العامة. ويقول بيتر فيليبس في مقال بعنوان "النشاط الشيطاني لوكالات العلاقات العامة العالمية": إن "تحوُّل وسائل الإعلام الحديثة إلى البث المباشر والمتواصل على مدار الـ24 ساعة، والبحث عن الأخبار العاجلة والسريعة، والجري وراء السبق الصحفي، يحتاج إلى مصادر لتزويد وسائل الإعلام بالمحتوى الإخباري والترفيهي، وهو ما أدى إلى تزايد اعتماد وسائل الإعلام على شركات العلاقات العامة والاتصال السياسي كمصادر للأخبار والمعلومات"(33). ويلاحظ بين باغديكيان، مؤلِّف كتاب "احتكار وسائل الإعلام"، ورئيس تحرير صحيفة واشنطن بوست السابق، أن ثلثي القصص التي تنشرها وسائل الإعلام منذ نهاية القرن العشرين هي من صناعة وإنتاج وكالات العلاقات العامة(34). وفي الاتجاه المقابل، أدى تزايد اعتماد وسائل الإعلام على وكالات العلاقات العامة والاتصال السياسي إلى نمو ازدهار صناعة العلاقات العامة؛ إذ باتت الشركات الثلاث الأكبر في العالم، أومنيكوم (Omnicom)، ودبليو بي بي (WPP)، ومجموعة إنتر ببليك (Interpublic) تُوظِّف ما يزيد عن 214 ألف شخص في 170 بلدًا، بإيرادات سنوية تقدر بـ35 مليار دولار، حسب الأرقام المنشورة حتى العام 2015. 

ورغم تباطؤ وتيرة توسع ونمو أكبر عشر وكالات عالمية للعلاقات العامة في عام 2017، بحيث تراجع معدل النمو إلى 3.3% فقط مقارنة مع 4.4% في العام 2015، إلا أن أكبر 10 شركات عالمية للعلاقات العامة، سجلت في العام 2016 إيرادات بلغت 5.1 مليارات دولار(35). 

الجدول رقم (2) يوضح إيرادات أكبر 10 شركات عالمية للعلاقات العامة

م

الشركة

البلد

إيرادات العقود في 2016 بالدولار

عدد الموظفين

1

Edelman

أميركا

874,968,000

5.849

2

Weber Shandwick

أميركا

825,000,000

4.300

3

 FleishmanHillard

أميركا

570,000,000

2.600

4

 Ketchum

أميركا

562,000,000

2.500

5

 MSLGroup

فرنسا

485,000,000

3.000

6

 Burson-Marsteller

أميركا

480,000,000

2.300

7

 Hill+Knowlton Strategies

أميركا

380,000,000

2.500

8

 Ogilvy PR

أميركا

361,000,000

2.550

9

 BlueFocus 

الصين

268,675,634

2.800(36)

10

 Golin

أميركا

247,000,000

1.400(37)

ومع هذا النمو الهائل، والميزانيات الضخمة، وأعداد الموظفين اللافتة، بات لهذه الشركات شبكة علاقات معقدة من الاتصالات والعلاقات مع مؤسسات دولية قوية لها صلات مباشرة بالحكومات الوطنية(38)، ومع الشركات متعددة الجنسيات، ومراكز صناعة القرار، ومواقع رسم السياسات العالمية، ومراكز توجيه الرأي العام، وجماعات الضغط في السلطات التشريعية والتنفيذية عبر العالم، ومراكز الأبحاث والدراسات، ومعاهد استطلاعات الرأي وقياس توجهات الجمهور، وداخل كبريات وسائل الإعلام العالمية. وقَدَّر مقال نشرته صحيفة "ذا غارديان"، في العام 2003، أن 75% من القصص والأخبار الترفيهية، وما بين 50 إلى 80% من الأخبار والمواد السياسية والاقتصادية التي تنشرها وتبثها وسائل الإعلام مصدرها وكالات العلاقات العامة. والنتيجة أن الحكومات والشركات التي غالبًا ما تُنْتِج هذه الأخبار على شكل بيانات صحفية أو تقارير أو دراسات أو استطلاعات رأي، باتت تسيطر على وسائل الإعلام لكسب تأييد الرأي العام، ولتحييد الرأي الآخر(39)

4- العلاقات العامة لتنفيذ أجندات عربية 

إذا كانت جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة ابتكارًا غربيًّا، فإن دولًا عربية كثيرة لجأت، على فترات متقطعة خلال العقود الماضية، إلى هذا النوع من الدبلوماسية غير التقليدية، عبر توظيف شركات علاقات عامة للتعبير عن مصالحها في العواصم العالمية ذات التأثير في السياسات الدولية، ولتحسين صورتها لدى الرأي العام الخارجي، أو لتشويه صورة وسمعة معارضيها وخصومها السياسيين سواء كانوا أفرادًا أو تنظيمات أو دولًا. وتشير سجلات وزارة العدل الأميركية إلى أن دولًا عربية، منها: السعودية، والإمارات العربية، والكويت، والبحرين، ومصر تنفق حاليًّا ملايين الدولارات على أنشطة العلاقات العامة وحملات الضغط في الولايات المتحدة من أجل تسهيل التواصل مع المسؤولين في واشنطن، ونشر المعلومات الإيجابية عن بلدانهم، ونشر المعلومات السلبية عن خصومهم، في وسائل الإعلام الغربية(40) 

وكانت العربية السعودية من الدول الخليجية المُبادرة إلى توظيف العلاقات العامة للتأثير على صُنَّاع القرار في واشنطن، وتحسين صورة السعودية في وسائل الإعلام، ولدى الرأي العام الغربي. وقد ظهر استخدام السعودية لشركات العلاقات العامة جليًّا بعد تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتوجيه الكونغرس انتقادات مباشرة وعلنية للسعودية بسبب رعايتها ودعمها للمنظمات الإرهابية(41). وبعد أن أظهرت استطلاعات الرأي العام تراجع صورة السعودية بين مواطني الولايات المتحدة(42)؛ بسبب مشاركة 15 سعوديًّا من أصل 19 في الهجمات على مركز التجارة العالمي ومقر البنتاغون، وضلوع زعيم تنظيم القاعدة، السعودي أسامة بن لادن، في التخطيط والتمويل والتنفيذ، سعت السعودية إلى ترميم صورتها عبر حملة واسعة للعلاقات العامة، ونشر الإعلانات في كبرى الصحف والمجلات الأميركية(43). وكان لشركة "كورفيس للاتصالات" الدور الأبرز في برنامج العلاقات العامة والضغط لإعادة بناء صورة السعودية، والتأكيد على أهمية العلاقة التاريخية بين الشعبين، السعودي والأميركي، والحكومات الأميركية. ونفَّذت "كورفيس" حملة متعددة الأوجه، بدمج العلاقات الإعلامية، والعلاقات الحكومية، والأنشطة الشعبية، والاتصالات عبر الإنترنت، والبحوث والإعلان، لتعزيز فهم أفضل للمجتمع السعودي، وإبراز القيم المشتركة بين الشعبين، السعودي والأميركي، وتعريف الرأي العام بحجم المصالح المشتركة بين البلدين، وأهمية التحالف التاريخي بينهما. وقد نَظَّمَت حملة "كورفيس"، نيابة عن السفارة السعودية في واشنطن، المئات من الفعاليات الإعلامية والدعائية للمسؤولين السعوديين، وعقدت مؤتمرات صحفية كبرى نتجت عنها تغطية إعلامية عالمية(44). 

كما استعانت الكويت بشركات العلاقات العامة الأميركية إبَّان غزو واحتلال العراق لأراضيها في عام 1990. حاول العراقيون بداية غزو الكويت، تشويه صورة الأسرة المالكة في الكويت، بنشر الكثير من المقالات عن فساد آل الصباح، لثني الرأي العام الأميركي عن دعم أي تدخل أميركي لتحرير الكويت، مع الترويج لخطورة أي تدخل عسكري أميركي. وفي محاولة الرد على الدعاية العراقية التي كانت تحظى باهتمام وسائل الإعلام الأميركية، شكَّل بعض المواطنين الكويتيين منظمة تُدعى "مواطنون من أجل الكويت الحرة" في 17 أغسطس/آب 1991. وهدفت المبادرة الطوعية الشعبية للمواطنين الكويتيين لرفع صوت الاحتجاج على العدوان العراقي، والمساعدة في تصحيح القوالب النمطية المتعلقة بالكويت، وكسب التعاطف الأميركي في المساعدة على تحرير الكويت(45). وضمَّت المنظمة ست لجان: لجنة إعلامية، ولجنة مالية، ولجنة قانونية، ولجنة اتصال حكومية، ولجنة بحوث، ولجنة تعليمية. غير أن تأثير الجهود التطوعية للحملة ظلت قاصرة ومحدودة، مما استدعى الاستعانة بشركة "هيل آند نولتون"، وهي واحدة من أكبر شركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة، للعمل كمحام للحملة، وتقديم خدمات أخرى، منها: إنتاج المواد الدعائية المصوَّرة والمطبوعة، وتنظيم برامج الدعم الشعبية. وساعدت الشركة بنجاح في كسب الدعم الشعبي للقضية الكويتية، ثم وسَّعت حملتها لتشمل الضغط على الكونغرس من أجل التدخل العسكري ضد صدام حسين، الحليف الأميركي السابق. وعلى الصعيد الدولي، عملت الشركة بالتعاون مع الأمم المتحدة لإطلاع مجلس الأمن على الفظائع التي ارتكبتها قوات صدام في الكويت. واستخدمت أيضًا الاتصال الشخصي مع وسائل الإعلام لتشجيع محرري الصحف على نشر مقالات افتتاحية تدعم الكويت، وإجراءات الرئيس، جورج بوش، طوال الأزمة(46). 

وبعد فضيحة بنك "الاعتماد والتجارة الدولي" في عام 1991(47)، الذي كانت دولة الإمارات العربية المتحدة مساهمًا رئيسيًّا فيه، استأجرت الإمارات العربية العديد من شركات وكالات العامة والضغط للتغلب على هذه المشكلة. وتشير التقديرات إلى أن حكومة الإمارات العربية أنفقت نحو 5.6 ملايين دولار على حملات العلاقات العامة والضغط لاحتواء أزمة بنك الاعتماد والتجارة الدولي، في الولايات المتحدة. في يوليو/تموز 1992، استأجرت الإمارات العربية شركة "بيكر وبوتس" للعمل كمستشار قانوني. وفي أغسطس/آب 1992، استعانت الإمارات بشركات "روبنسون"، و"ليك"، و"ليرر"، و"مونتغمري" لكتابة مواد إعلامية نشرتها في صحف نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، وإن بي سي نيوز، ووكالة أسوشيتد برس، وكلها تدور حول تنظيف اسم الإمارات في فضيحة بنك الاعتماد والتجارة الدولي. كما استأجرت أبوظبي شركتي "باتون" و"بوجس آند بلو" لتقديم الاستشارات بشأن القضايا التنظيمية والقضائية المتعلقة بالبنك أمام مجلس الاحتياط الفيدرالي، واللجنة الفرعية للجنة مكافحة الإرهاب والعمليات الدولية التابعة لمجلس الشيوخ في مجلس الشيوخ(48). 

الجدول رقم (3) يُظهر حجم نفقات السعودية والإمارات والكويت على حملات العلاقات العامة بأميركا من 1970 إلى 2007(49)

الدولة

1970 - 1979

1980 - 1989

1990 - 1999

2000 - 2007

المجموع بالدولار

السعودية

7.5 ملايين دولار

66.6 م.د

23.7 م.د

83.5 م.د

181 م

الإمارات

79 ألف دولار

525 أ.د

39 م.د

12 م.د

52 م

الكويت

44 أ.د

6 م.د

25 م.د

4 م.د

36 م

وفي السنوات الأخيرة، استعانت الاستخبارات العامة المصرية بخبرات شركة "ويبر شاندويك" العالمية لتحسين صورة النظام المصري في الولايات المتحدة. وكانت الاستخبارات العامة قد تعاقدت مع الشركة، في أواخر شهر يناير/كانون الثاني 2017، لتحسين صورة النظام المصري في الولايات المتحدة، وذلك بموجب عقد قيمته 300 ألف دولار لكل ثلاثة أشهر. ووفقًا لوثائق وزارة العدل الأميركية فقد مَثَّل الطرف المصري في العقد جهاز الاستخبارات العامة، وتُظْهِر الوثائق التي أعلنتها وزارة العدل الأميركية توقيع اللواء خالد فوزي، مدير المخابرات المصرية، على العقد مع شركة ويبر. وتضمَّنت بنود العقد مساهمة الشركة في تحسين صورة النظام المصري في وسائل الإعلام الأميركية، وتعزيز الشراكة بين مصر والولايات المتحدة. وكان من ثمار عمل الشركة حملة دعائية على وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار "Egypt Forward " (مصر إلى الأمام)، والتي كانت تسعى لنشر أخبار إيجابية عن مصر في وسائل التواصل الاجتماعي الأميركية، إضافة إلى العمل على تحسين صورة مصر في الكونغرس الأميركي(50). 

واستعانت مملكة البحرين، منذ العام 2011، بعدد من وكالات العلاقات العامة في بريطانيا والولايات المتحدة لتحسين صورتها، بعد اتهامها من قِبَل منظمات حقوقية دولية بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب خروقات للقانون الدولي في قمع المظاهرات الاحتجاجية السلمية. وجاء في تقارير نشرتها صحف بريطانية أن البحرين دفعت ملايين الجنيهات لشركات، من بينها: "بيل بوتينجر" و" إم سي ساتشي"، و"داغون أسوسييشن"، و"جي 3"، و"غاردانت كوميونيكشن"، و"نيو كنتري ميديا"، و"بيغ تينت كومينيكشن". وشملت الخدمات التي كانت تُقدِّمها هذه الشركات كتابة مقالات الرأي التي تدعم الحكومة البحرينية في الصحف الغربية، وممارسة الضغط القانوني على وسائل الإعلام والمواقع التي تنشر مواد تنتقد حكومة البحرين، والاتصال بالصحفيين الغربيين لإطلاعهم حول الوضع السياسي في البحرين، وترتيب اجتماعات مع المسؤولين الحكوميين الغربيين(51). واتسم الخطاب الذي روَّجته شركات العلاقات العامة لوسائل الإعلام البريطانية بتقديم رواية الحكومة، ودحض رواية المعارضة، والتأكيد على التزام الحكومة بالإصلاحات، وتبرير العنف الذي تمارسه قوات الأمن كرد فعل على "المُخَرِّبين" أو "الإرهابيين"، والتركيز كذلك على أهمية العلاقة الأميركية والبريطانية مع البحرين لاحتواء توسع النفوذ الإيراني(52). 

ونتيجة لنجاح الكثير من حملات العلاقات العامة التي موَّلتها دول الخليج العربي في الولايات المتحدة وبريطانيا، صار نشاط هذه الحملات لافتًا، لاسيما في الأزمات السياسية(53)، وهو ما تجلَّى في الأزمة الخليجية التي اندلعت في مايو/أيار 2017 بين ثلاث دول خليجية (السعودية، والإمارات العربية، والبحرين) فضلًا عن مصر، من ناحية، ودولة قطر من ناحية ثانية؛ حيث استعانت الدول الأربع بشركات علاقات عامة، ومراكز أبحاث، ووسائل إعلام، بهدف تشويه صورة قطر وسمعتها لدى الرأي العام الغربي، والضغط على صنَّاع القرار في العواصم العالمية للمشاركة في حملة الضغط والحصار المفروض على قطر. 

5- الدبلوماسية الموازية الإماراتية والدعاية السوداء 

مع أن الظاهر في نشاط شركات العلاقات العامة يهدف إلى "تلميع صورة الزبون" وفتح الأبواب أمامه في دواليب صنع القرار في العاصمة العالمية المؤثرة، إلا أن الوجه الآخر لهذا النشاط يَتَمَثَّل في أنشطة "الدعاية السوداء" التي تنصبُّ على "تشويه صورة" الخصم لصالح دول أخرى تفضِّل البقاء في الظل. ويظهر هذا الدور لبعض شركات العلاقات العامة في الحملات التي اندلعت خلال السنوات الأخيرة في العواصم الغربية النافذة ضد دولة قطر، ولم يعد سرًّا أن تلك الحملات كانت مُمَوَّلَة، ومُوَجَّهَة من دول عربية خليجية، ترى في الدور القطري منافسًا لها. وجاءت مظاهر الحملة ضد قطر على شكل تحركات في الشارع لغاية لفت انتباه الرأي العام بالتوازي مع سلسلة مقالات وتقارير في الصحف والمواقع الإلكترونية للتأثير على النخبة وصنَّاع القرار في واشنطن ولندن وغيرهما من عواصم القرار العالمي. 

ففي العشرين من سبتمبر/أيلول 2014، وقف عدد من الشبان والشابات أمام سفارة دولة قطر في العاصمة البريطانية احتجاجًا على "دعم الدوحة لحركة حماس الإرهابية"، مطالبين الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" برفع البطاقة الحمراء في وجه قطر، وتجريدها من تنظيم كأس العالم 2022(54). وتزامنت التظاهرة مع حملة إعلامية تصدَّرتها صحيفتا "صنداي تايمز" و"إكسبرس" بنشر سلسلة من الأخبار تَتَّهِم دولة قطر بدفع رشى لمسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" مقابل التصويت لصالح منح قطر حق استضافة كأس العالم 2022(55). ثم تلا ذلك حملة على صفحات صحيفتي "الصنداي تايمز" و"ذا تلغراف" تَتَّهِم قطر بتمويل "المنظمات الإرهابية"، وخاصة حركة حماس الفلسطينية. وقد حاولت "ذا تلغراف" التغطية على حملتها الموجهة عبر الاستناد على مقالات ودعوات طالب فيها نائب أو نائبان من مجلس العموم الحكومة البريطانية بقطع العلاقات الاقتصادية مع دولة قطر بحجة دعمها لـ"الإرهاب"(56). 

وتشير تقارير وسائل إعلام بريطانية إلى أن سفارة الإمارات في لندن تستعين منذ عام 2010 على الأقل بخدمات شركة العلاقات العامة والاتصال السياسي "كويلر" التي تضم في فريق عملها مستشارين سابقين لرؤساء الوزراء في بريطانيا، وقيادات حزبية، وصحفيين وإعلاميين سابقين، وخبراء في الدبلوماسية العامة والعلاقات الدولية، كما تضم المتحدث السابق باسم الحكومة البريطانية (أول متحدث رسمي باللغة العربية) جيرالد راسل. وتُسند السفارة لـ"كويلر" مهمة العلاقات مع الأوساط الإعلامية البريطانية، بالإضافة إلى مهمة العلاقات العامة مع أعضاء مجلس العموم البريطاني، عبر مجموعة أصدقاء الإمارات في البرلمان، والتي أسهمت "كويلر" في تأسيسها. وكشف تحقيق أجرته صحيفة "ميل أون صنداي" البريطانية، أواخر العام 2015، أن حكومة أبوظبي دفعت لمؤسسة "كويلر" للاستشارات والعلاقات العامة، ومقرها لندن، ملايين الجنيهات لتنظيم حملات هجوم وتشويه في بريطانيا ضد قطر والإخوان المسلمين. وكشف تقرير "ميل أون صنداي" أن أبو ظبي دفعت لشركة "كويلر" حوالي 93 ألف دولار شهريًّا، لمدة ست سنوات، مقابل تقديم المعلومات للصحفيين الذين تُجنِّدهم "كويلر" لِفَبْرَكَة الأخبار والتقارير التي تُشَوِّه سمعة قطر وتَتَّهِمُها بتمويل الإرهاب. كما ناط العقد بـ"كويلر" مهمة تشويه سمعة الصحفيين البريطانيين الذين يتطرقوا للشؤون الإماراتية سلبيًّا. وينص العقد بين سفارة الإمارات العربية المتحدة في لندن و"كويلر"، الذي اطَّلعت عليه صحيفة "ميل أون صنداي"، على ضرورة التزام الطرفين بأقصى درجات السرية، وقال كاتب التقرير لصحيفة "ميل أون صنداي"، الصحفي ديفيد روز، إنه اطَّلع على مراسلات إلكترونية تشدِّد على أهمية "سرية العلاقة" حتى لا تُتَّهَم الإمارات العربية بالتدخل في الشؤون الداخلية البريطانية في حال انكشف دورها في توظيف "كويلر" للتأثير في السياسة الداخلية البريطانية، من قبيل الدور الذي لعبته "كويلر" في الضغط على الحكومة البريطانية من أجل تصنيف تنظيم الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية. وفي مقابل توظيف "كويلر" لتشويه صورة الخصوم، وظَّفت الإمارات العربية، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، ليقوم من خلال مكتبه الاستشاري، بتنظيم حملات لتحسين سمعة الإمارات العربية، وتلميع صورتها، وتعزيز نفوذها السياسي. وكتب جوزيف كورتيس، في تحقيق نشرته صحيفة "ميل أون لاين" منتصف العام 2016، أن بلير طلب 35 مليون دولار لقاء تقديم الاستشارات لحكومة أبوظبي، لمدة خمس سنوات، ويشمل ذلك تغطية الأتعاب والنفقات، بما في ذلك تكاليف سفر بلير 12 مرة في كل سنة إلى أبوظبي(57). 

وتوازت الحملات المعادية لقطر في وسائل إعلام بريطانية، مع حملات مماثلة في وسائل إعلام أميركية وأوروبية. وقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" وموقع "إنترسبت" أن الامارات العربية، التي تُعدُّ أكبر ممول لحملات الضغط في الولايات المتحدة في عام 2013، استعانت بشركة "كامستول" لأجل تنظيم حملة مناهضة لدولة قطر عبر نشر سلسلة من المواد الإعلامية في وسائل الإعلام الأميركية. وتقول "إنترسبت" في مقال كتبه الصحفي غلين غرينوالد: إن مجموعة "كامستول" للاتصال والعلاقات العامة تضم عددًا من المسؤولين الأميركيين الذين عملوا سابقًا في الخزانة الأميركية وكانوا مسؤولين عن العلاقات الأميركية مع دول الخليج وإسرائيل، ومهمة تعقب مصادر تمويل المنظمات الإرهاب(58). 

وتقول "نيويورك تايمز": إن القائمين على الحملة اقترحوا أن أفضل وقت لتشويه صورة قطر هو "التزامن" بين ملف "دعم قطر للمنظمات الجهادية الإرهابية"، وملف "الفساد في منح قطر تنظيم كأس العالم 2022". وكشفت الصحيفة أن المعلومات المنشورة من ملفات "كامستول" تُظهر سلسلة من المحادثات بين موظفي الشركة وصحفيين نشروا مقالات متتالية في نقد قطر ودورها في تمويل "الإرهاب". وتؤكد "إنترسبت" أن "كامستول" تعاقدت مع شركة "أوتلوك للطاقة" المملوكة لحكومة أبوظبي بعد أسبوع فقط من تأسيسها في عام 2012، وبلغت قيمة العقد 400 ألف دولار أميركي شهريًّا. وفي تعليق لها على نشاط "كامستول" قالت "إنترسبت": ليس الغريب في التركيز على تشويه صورة قطر عبر وسائل الإعلام وصحفيين مدفوعي الأجر، لكن الغريب أن هذا السلاح استخدمه الإماراتيون والإسرائيليون وآخرون لخدمة أجنداتهم الخاصة(59). 

6- نشاطات تُثير المخاوف 

يثير نشاطُ شركات العلاقات العامة، وأنشطة جماعات الضغط، العديدَ من التساؤلات حول المسؤوليات المهنية والأخلاقية لهذه الشركات والجماعات. وقد أثار التدخل المباشر لشركات العلاقات العامة في السياسات العامة، والسياسات الخارجية، الكثير من المخاوف بشأن التأثير الأجنبي على صناعة السياسة الأميركية(60). وقد تنبَّه أول رئيس للولايات المتحدة الأميركية، جورج واشنطن، لخطورة لجوء الدول والأنظمة السياسية إلى القنوات الخلفية للتأثير على صنَّاع القرار في واشنطن؛ لذلك حذَّر الشعب الأميركي من "التأثير الخبيث للقوى الخارجية على عمل الحكومات المُنتخبة شعبيًّا"(61). وتعرض نشاط وكالات العلاقات العامة التي تعمل لصالح حكومات أجنبية لكثير من الانتقاد في بريطانيا، مع دعوات صريحة للتدقيق في نشاط كبرى الشركات مثل "بيل بوتينجر" و"براون لويد جيمس" و"بورتلاند" و"غرايلينغ" بسبب عملها لصالح حكومات أجنبية أو أنظمة ذات سمعة سيئة(62). 

وللحد من خطر تدخل "القنوات الخلفية" في السياسات العامة، وعمل المؤسسات المُنتخبة، عمدت الولايات المتحدة منذ العام 1938 إلى وضع قواعد قانونية تُعرف باسم "FARA" لتنظيم عمل وتسجيل الوكالات أو الوكلاء الذين يعملون كممثلين لمصالح أجنبية، لمنع بعض أشكال التدخل الأجنبي في العملية السياسية الأميركية. كما فرض الاتحاد الأوروبي قواعد لتنظيم عمل شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط، وتسجيل هذه الشركات في سجلات الشفافية في الاتحاد الأوروبي تحت عنوان "تَمْثِيل المصالح"، بما في ذلك الشركات التي تقوم بتسويق وترويج العلامات التجارية الوطنية، وتسعى بذلك للتأثير مباشرة أو بطرق غير مباشرة في صياغة أو تنفيذ السياسات وعمليات صنع القرار في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بصرف النظر عن القناة أو وسيلة الاتصال المستخدمة، بما في ذلك الاستعانة بمصادر خارجية، ومراكز الفكر، والمنابر، والمنتديات، والحملات، والمبادرات الشعبية(63). ورغم تشدد الجهات الرسمية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الحد من تأثير شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط، وضبط سلوكها، إلا أن البلدان الأجنبية ووكلاءها من شركات علاقات عامة ومراكز أبحاث وإعلاميين لا يعدمون الوسائل للعمل خارج رادار هيئات الرقابة الأميركية والأوروبية، كالعمل على هيئة شركات للتسويق أو التوسيم (Branding) التجاري، ويقومون تحت هذا الغطاء بالترويج لدولة ما كعلامة تجارية، مثل أية علامة تجارية أخرى(64). 

خلاصة 

بعد عقود من لجوء الأنظمة السياسية لأساليب وأدوات الدبلوماسية التقليدية، واستخدام أدوات وأساليب الدعاية السياسية التقليدية، وجدت الكيانات السياسية في وكالات العلاقات العامة أدوات جيدة للتأثير في الرأي العام، والنفوذ إلى وسائل الإعلام، والتأثير على صنَّاع القرار، وسياسات الدول. كما وجدت الدول في العلاقات العامة أسلوبًا ناعمًا لتمرير أجندات لا تُجيز العلاقات السيادية بين الدول تمريرها عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية. ورغم تحول الأنظمة السياسية من استخدام الدعاية السياسية المباشرة إلى توظيف وكالات العلاقات العامة، فإن الأهداف التي تتوخاها الأنظمة السياسية ظلت واحدة، تتراوح بين تلميع صورتها، وتشويه صورة الخصوم والمعارضين، أو تعزيز مصالحها، مقابل ضرب مصالح الخصوم والمنافسين. ولا تقف الدول العربية بعيدًا عن مجال استخدام العلاقات العامة، وغيرها من أدوات الدبلوماسية الموازية، للتأثير على الرأي العام، وصنع القرار حول العالم. بل إن بعض الدول العربية فاقت نظيراتها العربية والأجنبية في توظيف كبريات وكالات العلاقات العامة ومراكز الأبحاث لترويج أجنداتها السياسية في وسائل الإعلام العالمية، وصولًا إلى الجمهور المستهدف من العامة والرسميين. 

لكن يجب التنويه إلى أن جهود حملات الضغط والعلاقات العامة لا تُكلَّل دائمًا بالنجاح، بل قد تُمْنَى بالفشل، بصرف النظر عن الإمكانيات المادية التي تُرصَد، وبغضِّ النظر عن مكانة الشركات التي تقوم بها. فبينما نجحت شركات العلاقات العامة المُستخدمة من قبل دولة الكويت، في حشد الرأي العام الأميركي، وصنَّاع القرار التشريعي والتنفيذي في واشنطن، لدعم قرار التدخل العسكري الأميركي لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي في العام 1991، لا يبدو أن الحملات التي توظفها السعودية منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، لتحسين صورتها في العالم، قد نجحت في تحقيق هدفها؛ إذ يُظهر مؤشر "السمعة" العالمي للعام 2016، الذي يُعِدُّه معهد السمعة (Institute Reputation) سنويًّا لتحديد الدول ذات السمعة الأفضل والدول ذات السمعة الأسوأ في العالم، بعد استشارة رأي 48 ألف شخص حول العالم، أن السعودية لا تزال تحتل المرتبة 67 في قائمة تضم 70 دولة صنفت باعتبارها الأفضل سمعة(65).

______________________________

د. نواف يوسف التميمي، باحث متخصص في علوم الإعلام والاتصال

مراجع

1- Peter, Phillips, “The Diabolical Business of Global Public Relations Firms”, opednews, 17 March 2017, (Visited on 30 June 2017):

https://www.opednews.com/articles/The-Diabolical-Business-of-by-Peter-Phillips-Military_Navy_Public-Relations-PR-Promo-170317-74.htm

يدور الفيلم التليفزيوني "إنقاذ جيسكا لينش" حول المجندة الأميركية لينش (20 عامًا) التي تمَّ إنقاذها بعد اعتقالها من قبل القوات العراقية خلال الحرب الأميركية على العراق. وشكَّل إنقاذ المجندة لينش في حينه دفعًا معنويًّا إعلاميًّا قويًّا للقوات الأميركية التي تكبَّدت في المراحل الأولى من الحرب خسائر كبرى أثارت استياء عارمًا في الولايات المتحدة الأميركية حول جدوى الحرب.

2- Szondi, György, “Public Diplomacy and Nation Branding: Conceptual Similarities and Differences”, nbiz, 22 October 2008, (Visited on 09 June 2017):

http://www.nbiz.nl/publications/2008/20081022_pap_in_dip_nation_branding.pdf

3- Ibid

4Ibid.

5- Ibid

6- Ham, P.Van, “War, lies, and Videotape: Public Diplomacy and USA’s war on Terrorism”, Security Dialogue, 34(4), p. 427-444.

7- Cincotta, Howard Cincotta, “USIA’s Information Bureau”, State Magazine, February 1999, (Visited on 25 May 2017):

www.state.gov/www/publications.statemag/statemag_feb99

8- Wilcox, D. & Cameron G, Public Relations: Strategies & Tactics, (Pearson Education, Boston, 2006), p. 82.

9- “General Information on the Practice of Public Relations”, prsa, (Visited on 24 July 2017):

https://www.prsa.org/all-about-pr/

10- Zetter, Lionel, Lobbying: The Art of Political Persuasion, (Harriman House LTD, Peters field-UK, 2008), p.6.

11- Ibid, p. 6.

12Ibid, p. 3.

13- Parvin, Philip, “Friend or Foe? Lobbying in British Democracy”, A discussion paper, (Hansard Society, London, 2007), p. 6. (Visited on 21 March 2015): https://mail.google.com/mail/u/0/#inbox/14c584b2ef6c4791?projector=1

14- Cutlip, Scott, M., “Pioneering public relations for foreign governments," Public Relations Review, spring 1987, p.13-34.

15 - Levy, Deborah.M, “Advice for sale”, Foreign Policy, 1987, p. 64-67-86.

16- Al-yasin, Yasin and Dashti, Ali. A., “Foreign Countries and U.S. Public Relations Firms: The Case of Three Persian Gulf States”, Journal of Promotion Management, Vol. 14, 4 March 2009, p. 355–374, (Visited on 11 June 2017):

http://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/10496490802637713?journalCode=wjpm20.

17- Lipton, Eric; Brooke, Williams; and Confessore, Nicholas, “Foreign Powers Buy Influence at Think Tanks”, (Visited on 2 March 2015):

 https://www.nytimes.com/2014/09/07/us/politics/foreign-powers-buy-influence-at-think-tanks.html?_r=1

18- Ibid.

19Ibid.

20- “Foreign Influence Explorer”, (Visited on 11 July 2017):

http://foreign.influenceexplorer.com/lobby-location2013.

ترتيب الدول كما ورد في المصدر أعلاه:

1. الإمارات العربية المتحدة: 14.2 مليون دولار.

2. ألمانيا: 12 مليون دولار.

3. كندا: 11.2 مليون دولار.

4. المملكة العربية السعودية: 11.1 مليون دولار.

5. المكسيك: 6.1 ملايين دولار.

6. المغرب: 4 ملايين دولار.

7. كوريا الجنوبية: 3.9 ملايين دولار.

8. جمهورية صرب البوسنة: 2.4 مليون دولار.

9. جورجيا: 2.3 مليون دولار.

10. أذربيجان: 2.3 مليون دولار.

21- Itkowitz, Colby, “Which foreign countries spent the most to influence U.S. politics?”, Washington post, 14 May 2014, (Visited 11 July 2017):

https://www.washingtonpost.com/blogs/in-the-loop/wp/2014/05/14/which-foreign-countries-spent-the-most-to-influence-u-s-politics/?utm_term=.c73750dbb926

 22- أسماء الشركات باللغة الإنجليزية:

DLA Piper, Akin Gump, The Camstoll Group, Kemp Goldberg Partners, Hill & Knowlton, Karv Communications, Edelman and the Glover Park , Qorvis, Sorini, Sanitas, Squire Patton Boggs, Just Consulting, Pillsbury Winthrop Shaw Pittman, Lewis Baach, Friedlander Group, The Harbour Group, Potomac Square, Levick Strategic Communications, Levant Suez, Portland PR and Gallagher Group.

23- Akbar, Shahid. Ahmed, “How Wealthy Arab Gulf States Shape the Washington Influence Game”, Huffington post, 9 February 2015, (Visited on 12 July 2017).

http://www.huffingtonpost.com/entry/arab-gulf-states-washington_us_55e62be5e4b0b7a9633ac659

24- “Middle East lobbying: the influence game”, al-monitor, (Visited on 11 July 2017):

http://www.al-monitor.com/pulse/lobbying

25- “Spin doctors to the autocrats: How European PR firms whitewash repressive regimes. A report issued by Corporate Europe Observatory”, corporateeurope, 2011, (Visited on 09 July 2017):

 https://corporateeurope.org/sites/default/files/20150120_spindoctors_mr.pdf.

26- Ibid.

27- Booth, Robert, “PR firms make London world capital of reputation laundering”, the guardian, 3 August 2010, (Visited on 11 July 2017):

https://www.theguardian.com/media/2010/aug/03/london-public-relations-reputation-laundering.

28- Stegall, Kruger, and Sanders, K.P., “Co-orientation of PR practitioners and news personnel in education news”, Journalism Quarterly, 63, 1986, p. 341–393.

29- Kopenhaver, L. L., “Aligning values of practitioners and journalists”, Public Relations Review, Summer 11, (2), 1985, p. 34-43.

30- Stegall, Kruger, and Sanders, K.P., “Co-orientation of PR practitioners and news personnel in education news”, Journalism Quarterly, 63, 1986, p. 341–393.

31- Grabowski, G, “The seven deadly sins of media relations”, Public Relations Quarterly, 37 (1), 1992, p. 37-39.

32- Grunig J.E and Hunt, T., Managing Public Relations, (Harcourt Brace, London, 1984), p. 204.

33- Phillips, Peter, “The Diabolical Business of Global Public Relations Firms” opednews, op, cit.

34Ibid.

35- “Top 10 global PR agency ranking 2017”, holmesreport, (Visited on 30 June 2017):

https://www.holmesreport.com/ranking-and-data/global-pr-agency-rankings/2017-pr-agency-rankings/top-10

36- “#79 BlueFocus Communication Group”, Forbes, May 2017, (Visited on 30 June 2017):

https://www.forbes.com/companies/bluefocus-communication-group/

37- “Golin: PRWeek Global Agency Business Report 2016”, PRWeek, 2 May 2016, (Visited on 30 June 2017):

http://www.prweek.com/article/1391408/golin-prweek-global-agency-business-report-2016

38- Phillips, Peter, “The Diabolical Business of Global Public Relations Firms”, opednews, op, cit.

39- Hobsbawm, Julia, “Why journalism needs PR”, theguardian, 17 November 2003, (Visited on 22 June 2017):

 https://www.theguardian.com/media/2003/nov/17/mondaymediasection3.

40- AL-yasin and Dashti, “Foreign Countries and U.S. Public Relations Firms: The Case of Three Persian Gulf States”, op, cit.

41- Ibid.

42Zhang, J., & Benoit, W. L., “Message strategies of Saudi Arabia’s image restoration campaign after 9/11”, Public Relations Review, 30(2), (2004), p. 161–167.

43- Ibid.

44- Ibid.

45O’Dwyer, J, “Citizens for Free Kuwait ?les with FARA after a nine month lag”, O’Dwyer’s FARA Report, 1(9), (October 1991), p. 2.

46- Ibid.

47- أصبح بنك الاعتماد والتجارة الدولي في الواجهة عام 1991 بعد أن تورط في أكبر فضيحة مصرفية في العالم. اكتشفت جهات الرقابة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن البنك متورط في عمليات غسيل أموال ورشاوى و"دعم الإرهاب" وتجارة السلاح وبيع تكنولوجيا نووية والتهرب الضريبي وتهريب ودعم الهجرة غير الشرعية، وشراء بطرق غير شرعية للبنوك والعقارات، بالإضافة إلى اختفاء مبلغ 13 مليار دولار. انهار البنك نتيجة هذه المشاكل.

48Al-yasin, and Dashti, “Foreign Countries and U.S. Public Relations Firms: The Case of Three Persian Gulf States”, op, cit.

49- Ibid.

50- “Golin: PRWeek Global Agency Business Report 2016”, PRWeek, op, cit.

51- Garcia, Tonya, “Qorvis Working to ‘Make Note of the Reforms’ in Bahrain”, adweek 11 August 2011, (Visited 11 June 2017):

http://www.adweek.com/digital/qorvis-working-to-make-note-of-the-reforms-in-bahrain/?red=pr.

52- Mezzofiore, Gianluca, “Bahrain Paid UK and US PR Companies $32m to Improve Image”, ibtimes, (Visited 15/6/2017)

 http://www.ibtimes.co.uk/bahrain-pr-firms-bell-pottinger-m-c-377063.

53- Al-yasin, Dashti, “Foreign Countries and U.S. Public Relations Firms: The Case of Three Persian Gulf States”, op, cit.

54- "حملة العلاقات العامة ضد قطر في بريطانيا: فيفا وإرهاب"، العربي الجديد، (تاريخ الدخول 22 يوليو/تموز 2017):

 https://goo.gl/NgAahd

55- Barratt, Helen, “Protestors tell Qatar - Stop funding Hamas or quit the World Cup”, express, (Visited on 21 July 2017):

http://www.express.co.uk/news/uk/513154/Protestors-tell-Qatar-Stop-funding-Hamas-or-quit-the-World-Cup.

56- Gilligan, Andrew, The 'Club Med for terrorists', telegraph, (Visited on 21 July 2017):

http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/middleeast/qatar/11125897/The-Club-Med-for-terrorists.html

57- Curtis, Joseph, “Tony Blair wanted $35million from the United Arab Emirates to build the oil-rich Arab state's 'reputation and influence”, dailymail, (Visited on 13 July 2017): http://www.dailymail.co.uk/news/article-3682959/Tony-Blair-wanted-35million-United-Arab-Emirates-build-oil-rich-Arab-state-s-reputation-influence.html.

58- الماوري، منير، "ذي إنترسبت يكشف شبكة شيطنة قطر في أميركا"، العربي الجديد، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2014، (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2017):

goo.gl/8EVWVQ

59- المرجع السابق.

60- Fitzpatrick, K. R., & Palenchar, M, “Disclosing special interests: Constitutional restrictions on front groups”, Journal of Public Relations Research, 18(3), 2006, p. 203–224.

61- Seldes, G, Freedom of the press, (Bobs-Merrill Company, New York, 1935).

62- “Reputation launderers: the London PR firms with their own image problems”, standard, 28 March 2011, (visited 11 June 2017):

http://www.standard.co.uk/lifestyle/reputation-launderers-the-london-pr-firms-with-their-own-image-problems-6385745.html

63- Spin doctors to the autocrats: How European PR firms whitewash repressive regimes. A report issued by Corporate Europe Observatory”, 20 January 2015, (Visited 11/6/2017)

 https://corporateeurope.org/sites/default/files/20150120_spindoctors_mr.pdf

64- Ibid.

65- Staufenberg, Jess, “Countries with the best and worst reputations for 2016 revealed”, The Independent, 11 August 2016, (Visited 25 July 2017):

http://www.independent.co.uk/travel/countries-best-worst-reputations-turkey-erdogan-uk-us-canada-sweden-most-reputable-countries-a7184656.html