البرامج السياسية الساخرة في شبكة الجزيرة: فاعلية الخطاب النقدي وآليات اشتغاله

تقدم الورقة ملخصًا لأبرز القضايا والمحاور التي ناقشتها الرسالة الجامعية* للباحث، عبد اللطيف حيدر، حول مضامين البرامج السياسية الساخرة في شبكة الجزيرة، وتُقيِّم الجهد الأكاديمي الذي لا يواكب أهمية السخرية المتلفزة كقالب برامجي حديث في المعالجة الإعلامية بعد الثورات العربية.
b92cfef8734548d8a839787b7c623255_18.jpg
(الجزيرة)

لا يمكن مناقشة دور الإعلام والاتصال السياسي بمعزل عن تناول مفهوم المجال العام، باعتباره البيئة التي يتم فيها التفاعل والنقاش السياسي. وفي هذا الإطار تتشكَّل الأجندة والتوجهات والانخراط في الحوار المجتمعي، مما يسهم في التهيئة للديمقراطية والتشاركية وتحقيق الفاعلية السياسية. وفي هذا السياق، تأتي برامج السخرية السياسية لتعزيز هذا الدور، والتشجيع على الحوار والتفاعل السياسي، ورفع المعرفة السياسية لدى الجمهور، ونقد الأنظمة والحكومات والسياسيين، لتصحيح مسارهم وتقويم اعوجاجهم.

ويعتبر علماء الاتصال السياسي البرامج الساخرة من أبرز أساليب الاتصال السياسي في الوصول إلى الجمهور، ويؤكدون على أهميتها في تعزيز قيم الديمقراطية، ورفع الفاعلية السياسية في المجتمعات، وبالرغم من اتفاقهم على الدور الذي تلعبه هذه البرامج، فإنهم يختلفون حول تصنيفها؛ فمنهم من يَعُدُّها امتدادًا لدور الصحافة في مراقبة السلطة ونقدها، لذلك تمثِّل صحافة من نوع مختلف يقوم على الأسلوب الساخر بديلًا عن القالب الجاد. فيما يراها البعض مجرد أخبار ترفيهية تهدف إلى التسلية والترفيه وتختلف عن القالب الصحفي المتسم بالحياد والموضوعية.

وبينما تُعَدُّ التجربة الغربية راسخة وعريقة في السخرية المتلفزة، فإنها لا تزال تجربة يافعة في المجال العربي نتيجة القهر السياسي الذي تفرضه طبيعة الأنظمة السياسية. وقد برز هذا الأسلوب بفعل هامش الحرية الذي اتسع مع الثورات العربية مطلع 2011، لذلك، فإن دراسة السخرية السياسية المتلفزة عربيًّا باعتبارها قالبًا جديدًا لا تزال محدودة وتتسم بنوع من العمومية؛ حيث تتطلب معالجة عميقة تتطرق إلى الأثر الفعلي الذي تُحدثه في الشارع العربي، ومدى قدرتها على تشكيل الفضاء العام العربي والتشجيع على الانخراط في النقاش المجتمعي ورفع منسوب المعرفة السياسية في المجتمعات، بما يسهم في التهيئة لعملية التحول الديمقراطي التي أثارها حراك الربيع العربي. ويُعَدُّ هذا البحث أحد المحاولات التي تسعى إلى تسليط الضوء على أهمية المعالجة السياسية الساخرة في السياق العربي المكبَّل بقيود اجتماعية ثقافية وسياسية من شأنها إعاقة طموح التحول الديمقراطي العربي.

لقد اتسعت موجة السخرية المتلفزة وأصبحت منتشرة على نطاق واسع في الشاشات العربية وفي وسائل التواصل الاجتماعي -موقع يوتيوب تحديدًا- وأصبحت تستقطب مشاهدات واهتمامًا لافتًا، خصوصًا في الفترة الأخيرة. ويتضح ذلك من خلال نسب المشاهدة العالية التي باتت تستقطبها هذه البرامج حيث تصل مشاهدات بعض هذه البرامج إلى أكثر من ثلاثة ملايين مشاهدة مثل برنامج "جو شو" في موقع يوتيوب، بينما تصل مشاهدات بعض الحلقات في موقع فيسبوك نحو 14 مليون مشاهدة، فضلًا عن ازدياد عدد البرامج السياسية الساخرة لتصبح منتشرة في مختلف الشاشات العربية، حيث تزامن ظهور البرامج الساخرة مع اندلاع ثورات الربيع العربي في البلدان التي شهدت انتفاضات، وتمكنت من تحطيم الكثير من القيود والمحرمات السياسية، وأتاحت قدرًا كبيرًا من الحرية في مواجهة الأنظمة الحاكمة ونقد سياساتها. كما أنتجت الظروف السياسية المضطربة في أغلب بلدان الربيع العربي، نتيجة ما عُرف بـ"الثورات المضادة"، أوضاعًا سياسية واقتصادية وإنسانية غير مستقرة وأصيبت تلك المجتمعات بحالة من الإحباط والخوف من العودة إلى أحضان الأنظمة الاستبدادية التي انفجر الشارع لإسقاطها، ومن ثم مصادرة الثورات التي مثَّلت بارقة أمل للشعوب العربية للخلاص من حقبة الديكتاتوريات. 

وبالرغم من الصعود المتنامي للبرامج الساخرة وارتفاع نسبة الإقبال عليها، إلا أنها لا تجد الاهتمام الأكاديمي الكافي الذي يستوعب هذا القالب الجديد والفاعل في عصر الإعلام الرقمي، وإن كانت هناك مساهمات حثيثة تسعى إلى ترسيخ أسلوب المعالجة الساخرة من خلال المؤتمرات والدورات التدريبية التي تؤهل الراغبين في فنون التقديم الساخر، ومن ذلك الدورات التدريبية التي يقدمها باسم يوسف في مؤسسة (Focus Academy) في "صناعة وتقديم البرامج الساخرة". وقبل ذلك، أقيمت بعض الندوات العلمية التي اهتمت بمناقشة المعالجة الساخرة ومنها "ندوة الصحافة الساخرة في الوطن العربي" التي نظمتها جامعة عبد الحميد بن باديس في الجزائر عام 2018. وفي إطار مؤتمر الإعلام العربي، في دورته الثانية عشر عام 2013، تمت مناقشة تصاعد الخطاب الساخر في الإعلام العربي بعنوان: "الإعلام الساخر: هل تتسع له صدور العرب؟!". ورغم ذلك يظل الاهتمام الأكاديمي محدودًا.

وتمثِّل السخرية أحد أساليب التعبير عن الذات، والآراء، واتجاهات الإنسان حول الواقع من حوله، بل هي أيضًا وسيلة للنقد، والهجوم، والمقاومة، كما هي سلاح الشعوب في مقارعة السلطة ومواجهة طغيانها عبر التاريخ. ويعبِّر أحد الكوميديين البريطانيين، جون كليز (John Cleese)، عن الأثر الذي يحدثه الأسلوب الكوميدي في طبيعة الاتصال والتواصل، قائلًا: "إذا تمكَّنت من جعلك تضحك معي، ستعُجب بي أكثر، وهذا سيجعلك منفتحًا أكثر مع أفكاري، وإذا استطعت إقناعك بأن تضحك معي حول أحد الموضوعات التي ناقشتها، بضحكك عليها أنت تُقرِّ بالحقيقة"(1). وتستطيع السخرية الهدم أسرع من أي جانب بإمكانه إعادة البناء(2). ويقول هنري برجسون (Henri Bergson): "إن الهزل يتوجه إلى الذكاء الخالص". وفي السياق العربي، يعبِّر الشاعر السوري، علي أحمد سعيد، المعروف بـ"أدونيس"، عن الحال العربية بعد نكسة يونيو/حزيران 1967، حول دور الفنان بقوله: "إن الخيانة الكبرى لقضية الإنسان لا تتمثل في الطاغية أو المستعمر بل تتمثَّل في الفنان الذي يسكت عن الطاغية والمستعمر أو يهادنه، أو يعيش في الريش والحرير، حيث لا وجود لغير المعذبين، ولغير الفقر والعبودية، إن مثل هذا العالم سجن، ومهمة الفنان أن يقوِّض جدرانه"(3). وفي حائطه على تويتر، يكتب الإعلامي اليمني الساخر، محمد الربع "نحن لا نسخر من أوطاننا، ولكن ممن جعلوا أوطاننا مسخرة بين الأمم".

ويرى الإعلامي الساخر، نزيه الأحدب، مقدِّم برنامج "فوق السلطة" على شاشة الجزيرة، أن البرامج الساخرة تُعَدُّ "الأقرب إلى عقل المشاهد حيث تبسط له الأحداث، وفي كثير من الأحيان، يستطيع المشاهد أن يستوعب أكثر بأنك لست طرفًا عندما تقدم له خدمة إخبارية"(4). ويضيف أن أهم ما تقوم به هذه البرامج هو "كسر هيبة الحاكم الغطروسية التأليهية". ويرى نيكولاس خوري(5)، مقدم برنامج "السليط الإخباري"، أن الأسلوب الساخر يشكل أحد الوسائل في مواجهة الألم: "البشر أنواع في التعامل مع الألم؛ منهم من يغضب، يبكي، يرسم، يغنِّي، يكتب شعرًا، وأنا عندما أتعرَّض للألم أسخر منه، فهذا أسلوبي وطبعي في الحياة"، كما يرى أن هذه البرامج تعمل على "إيصال الأخبار إلى فئة عمرية معينة تفضِّل هذا الأسلوب وتهرب من الأسلوب التقريري، فلا يصح أن يخرج جيل كامل لا يعرف شيئًا عن الأحداث". ويضيف: "يجب أن يخرج جيل واع بقضايا وطنه، خاصة مع انتشار المسلسلات التي لا تغطي قضايا حقيقية، على عكس المسلسلات القديمة التي كانت تتناول قضايا اجتماعية واعية، ففي ظل غياب المحتوى الواقعي الذي يجب أن يفيد الشباب جاء برنامجنا وبرامج أخرى تُشاركنا هذا الطرح".

وبينما يُعَدُّ جون ستيوارت (John Stewart)، مقدم برنامج (The daily show)، المصدر الأكثر موثوقية في أميركا، فقد حاز صديقه ستيفن كولبير (Stephen Colbert)، مقدم برنامج (Colbert report)، جائزة (Webby of the Year) للعام 2015؛ وذلك لكثرة عدد متابعيه، مما يسهم في جعل الإنترنت مصدرًا مهمًّا للتفاعل والمشاركة(6). أما جان أوليفييه (John Oliver)، مقدم برنامج (Last week tonight)، فقد طلب ذات مرة من جمهوره على الهواء أن يقوموا بزيارة موقع (FCC*)؛ الأمر الذي تسبب بتعطل الموقع(7) . وإذا كانت هذه النماذج تعد مؤشرًا حول التأثيرات التي تلعبها السخرية في الجماهير، فإن المعالجة الساخرة بصورة عامة تلعب أدوارًا أعمق في سياق الحديث عن مفهوم "الاتصال السياسي" وعلاقة الإعلام بالسياسة والحياة العامة.

1. الإطار المنهجي للدراسة

أ- إشكالية الدراسة 

تتمثَّل إشكالية البحث في السعي إلى معرفة خصائص ومضامين المعالجة الساخرة للموضوعات السياسية في برنامجي "فوق السُّلطة" و"السليط الإخباري" في شبكة الجزيرة الإعلامية، ولأجل ذلك تحاول الإجابة عن الحقل الاستفهامي الآتي:

- ما مضامين المعالجة الساخرة للموضوعات السياسية في برنامجي "فوق السُّلطة" و"السليط الإخباري" في شبكة الجزيرة الإعلامية؟

- ما أبرز الموضوعات السياسية التي تناولها "فوق السلطة" و"السليط الإخباري"؟ 

- ما أساليب العرض واستراتيجيات السخرية المستخدمة في برنامجي "فوق السلطة" و"السليط الإخباري"؟

- ما الأشكال والقوالب التي استخدمها البرنامجان في معالجتهما الساخرة؟

- ما أبرز الفئات السياسية التي استهدفها البرنامجان؟ وما الهدف من وراء ذلك؟ 

- ما تاريخ السخرية السياسية والبرامج الساخرة في العالم العربي؟

- ما طبيعة الدور الذي تلعبه البرامج الساخرة في التأثير على الجمهور من وجهة نظر القائم بالاتصال؟

- كيف ينظر الفنان الساخر إلى نفسه عند معالجته الساخرة للمحتوى الذي يقدمه؟

ب- منهجية البحث

تعتمد الدراسة على المنهج المختلط القائم على الجمع بين المنهج الكمي والكيفي. ويتجه الكثير من الباحثين الآن إلى استخدام نموذج الخلط بين الأسلوبين، الكمي والكيفي؛ حتى يتمكَّنوا من فهم الظاهرة التي يدرسونها بصورة تامة(8). ويعتمد الباحث منهج تحليل المضمون الذي يُعتبر منهجًا بحثيًّا سائدًا في الدراسات الإعلامية والاتصالية(9)، بل المنهج الأكثر استخدامًا في الأبحاث المنشورة في أشهر الدوريات في الدراسات الإعلامية خلال الفترة من 1995-1999(10).

وفي إطار المنهج الكيفي، تستخدم الدراسة المقابلة مع مقدمي البرنامجين عيِّنة الدراسة، إضافة إلى بعض مقدمي البرامج العربية الساخرة، وتعتمد الدراسة على المقابلة المرنة والتي تعني "توجيه أسئلة عريضة تسمح للمستجوبين بالحرية في تحديد الأسئلة التي يمكن أن يسألها ليحصل على المعلومات المطلوبة"(11) وتتميز بالعمق والتوسع(12) بل تُعَدُّ من أكثر الطرق مرونة للحصول على المعلومات(13).

ج- أهداف الدراسة 

- التعرف على أبرز الموضوعات السياسية التي تناولها برنامجا "فوق السُّلطة" و"السليط الإخباري".

- دراسة أساليب واستراتيجيات السخرية التي اعتمد عليها "فوق السلطة" و"السليط الإخباري". 

- التعرف على الأشكال والقوالب التي استخدمها البرنامجان في معالجتهما الساخرة.

- تحديد أبرز الفئات السياسية التي استهدفتها البرامج الساخرة.

- دراسة تاريخ السخرية السياسية والبرامج الساخرة في العالم العربي. 

- التعرف على طبيعة الدور الذي تلعبه البرامج الساخرة في التأثير على الجمهور من وجهة نظر القائم بالاتصال.

- معرفة كيف ينظر الفنان الساخر إلى نفسه عند استخدامه للمعالجة للساخرة.

د- أهمية الدراسة 

- تُعَدُّ السخرية السياسية المتلفزة وافدًا جديدًا في ساحة الإعلام العربي، وبالتالي فإن هناك محدودية في الكتابات الأكاديمية التي تناولتها.

- انتشار البرامج الساخرة وارتفاع نسبة الإقبال على متابعتها يجعل هناك حاجة إلى دراسة مضامين هذا النوع من البرامج، ومدى قدرتها على التأثير في الجمهور.

- السخرية المتلفزة حديثة في شاشة الجزيرة وبالتالي فإن تناولها يتميز بالجِدَّة والحداثة والتفرد.

- تسهم الدراسة في إثارة النقاش الأكاديمي حول أهمية السخرية المتلفزة كقالب برامجي حديث في المعالجة الإعلامية.

- توفر الدراسة مرجعًا للمؤسسات الإعلامية للاطلاع على الدور والأثر الذي يحدثه هذا النوع من البرامج وأهمية وجوده، وكذا مقدمي البرامج الساخرة، حيث تساعدهم في تطوير أدائهم، وتعزيز الخلفية المعرفية لديهم عن طبيعة المعالجة الساخرة عمومًا، بما ينعكس إيجابًا على نوعية ومحتوى البرامج مستقبلًا وتميزها.

ه- الحدود المكانية والزمانية للدراسة 

تتمثَّل حدود الدراسة المكانية في إطار دراسة مضمون البرامج السياسية الساخرة في شبكة الجزيرة الإعلامية في قطر. وتقوم على تحليل عينة من حلقات البرنامجين خلال الفترة الممتدة من 5 يونيو/حزيران 2017 إلى 10 فبراير/شباط 2019. وتعتبر هذه الفترة لحظة حرجة على الصعيد السياسي في المنطقة العربية عمومًا، والخليج بصورة خاصة، إثر اندلاع الأزمة الخليجية ولجوء السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى حصار دولة قطر. كما تشهد الأوضاع السياسية اضطرابًا غير مسبوق ربما في أغلب البلدان العربية خصوصًا بلدان الربيع العربي؛ نتيجةً للصراعات التي أفرزتها الثورات المضادة في مصر وسوريا واليمن وليبيا والنتائج المأساوية التي ترتبت على ذلك. وبالتالي، تسعى الدراسة إلى معرفة كيف عالجت البرامج عينة الدراسة الموضوعاتِ السياسيةَ في ظل هذه الاضطرابات التي تعيشها المنطقة. وتتمثل الحدود الموضوعية للدراسة في استقصاء الموضوعات والقضايا السياسية العربية التي تناولتها عينة الدراسة.

و- مجتمع الدراسة وعيِّنته

يتمثل مجتمع الدراسة في برنامجي "فوق السُّلطة"، الذي تبثه قناة الجزيرة الإخبارية، و"السليط الإخباري" الذي يعرضه موقع الجزيرة بلس. وتعتمد الدراسة على العينة القصدية أو العمدية التي "تتضمن أفرادًا أو عناصر مختارين على أساس خصائص أو صفات محددة، ولا تتعامل مع أولئك الذين لا تنطبق عليهم المعايير". وقد اختار الباحث هذا الأسلوب؛ لأن وحدات عينة الدراسة كانت الأكثر تمثيلًا للموضوعات السياسية والأساليب الساخرة التي يسعى الباحث إلى استقصائها ودراستها. وفي هذا السياق، قام الباحث بتحليل 67 حلقة من حلقات البرنامجين بواقع 27 حلقة من "فوق السُّلطة"، و40 حلقة لبرنامج "السَّليط الإخباري"؛ وذلك لتفاوت زمن البرنامجين حيث إن زمن حلقات برنامج "فوق السلطة" يتراوح بين (26-24د)، بينما زمن حلقات برنامج "السليط الإخباري" يتراوح بين (18-8د). وهذا يساعد في إيجاد نوع من التوازن في زمن البرنامجين، وبالتالي، زمن التعيين المتوازن للمحتوى في البرنامجين.

2. النتائج العامة للدراسة

يوجد هناك اختلاف بين البرنامجين من حيث البناء واللغة المستخدمة، والاختلاف في نسبة تناول الموضوعات السياسية العربية والعالمية؛ حيث جاءت "التغييرات الجديدة في السعودية" في المرتبة الأولى في الموضوعات السياسية التي تناولها برنامج "فوق السلطة" بنسبة 17%، بينما كان النظام السياسي المصري الأكثر تناولًا في برنامج "السليط الإخباري" بنسبة 13% من النسبة الإجمالية للموضوعات السياسية التي ناقشها البرنامج، وقد تمثلت أبرز الموضوعات في: حصار قطر، والتوظيف السياسي للدين، والتغييرات الجديدة في السعودية، وموجة التطبيع مع إسرائيل، والنظام السياسي المصري، والديمقراطية العربية.

- كان "الإعلاميون، والمشاهير، ومشايخ الدين، وأجهزة الإعلام" الفئة الأكثر استهدافًا في البرنامجين بنسبة 32% لكليمها. 

- يُعَدُّ أسلوب التلاعب في الألفاظ الأسلوب الأكثر استخدامًا في البرنامجين؛ حيث جاء في برنامج فوق السلطة بنسبة 24%، مقابل 30% في برنامج "السليط الإخباري".

- جاءت لغة الجسد الهزلية على رأس تقنيات السخرية الأكثر استخدامًا في البرنامجين؛ حيث وردت بنسبة 28% في برنامج "فوق السلطة"، مقابل 37% في برنامج "السليط الإخباري".

- يُعَدُّ الحديث المباشر القالب الأكثر استخدامًا في السخرية في البرنامجين، حيث جاء في برنامج "فوق السلطة" بنسبة 59%، مقابل 40% في برنامج "السليط الإخباري".

- يمثل نقد السياسيين أبرز أهداف السخرية في البرنامجين؛ حيث جاء بنسبة 48% في برنامج "فوق السلطة"، مقابل 39% في برنامج "السليط الإخباري".

- جاءت الفيديوهات والمواد المرئية على رأس طرق العرض المستخدمة في البرنامجين؛ حيث جاءت في برنامج "فوق السلطة" بنسبة 70%، مقابل 65% في برنامج "السليط الإخباري".

- تُعَدُّ المواد المرئية من القنوات الفضائية أكثر المصادر التي اعتمد عليها البرنامجان، حيث جاءت في برنامج "فوق السلطة" بنسبة 52%، مقابل 48% في برنامج "السليط الإخباري".

- جاءت السخرية الصريحة على رأس استراتيجيات السخرية المستخدمة في البرنامجين، بنسبة بلغت 84% في برنامج "فوق السلطة"، مقابل 77% في برنامج "السليط الإخباري".

- جاء تعدد الموضوعات في بند "أخرى" بنسبة 25% في برنامج "فوق السلطة" مقابل 32% لبرنامج "السليط الإخباري".

خاتمة 

يمكن القول: إن التساؤل بشأن البرامج العربية الساخرة لم يعد حول مدى قدرتها على التأثير في الجمهور من عدمه، بل بات التساؤل حول نوعية هذا التأثير وإلى أي مدى أسهمت هذه البرامج في التشجيع على نقد الأنظمة والساسة، وتغيير وجهات نظر الجمهور حول السياسيين والسياسيات. وهنا، يتضح أن "سخرية الجزيرة" تتناول مختلف المظاهر والموضوعات السياسية؛ حيث لم تنحصر في توجيه نقدها لبلد بعينه أو نظام سياسي معين أو حتى شخصية سياسية بذاتها، بل كان تعدد الموضوعات والسلوك السياسي بمجمله عرضة للنقد والاستهجان والسخرية القاسية. ولم تقتصر في نقدها على رأس النظام السياسي وحاشيته، بل تطرقت لنقد بنية النظام السياسي بمجمله، وكشف ممارساته؛ حيث جاءت فئة "إعلاميون، ومشاهير، ورجال الدين، وأجهزة الإعلام" الفئة الأبرز في النقد والسخرية، وذلك لكونهم أبرز أدوات السلطة في ترسيخ فسادها السياسي وخداع الجماهير. كما جاء نقد السياسيين على رأس الفئات المستهدفة لكونهم رأس الهرم السياسي الذي أخفق في الحد من انتشار الفساد وأسهم في تكريس مظاهر التخلف.

ونتيجة للدور المتنامي والانتشار المتصاعد للبرامج الساخرة في السياق العربي فإن هناك حاجة إلى إجراء دراسات ميدانية على الجمهور لمعرفة مستوى التأثير الفعلي الذي تحدثه هذه البرامج على المعرفة السياسية لدى الجمهور العربي، والإشباعات المتحققة منها؛ حيث يرى مقدمو برامج الجزيرة أن هدفهم الأساسي هو هدف إخباري ولا يسعون لتغيير قناعات أو آراء الجمهور بوجهة نظر معينة، وبالتالي افتراضات من هذا النوع بحاجة إلى اختبار من خلال دراسات ميدانية تتقصَّى دور هذه البرامج في تشكيل الأجندة السياسية لدى الجمهور. إضافة إلى أهمية تشجيع الكثير من الأبحاث والدراسات العلمية التي تقوم بتناول مختلف جوانب البرامج الساخرة، والدور الذي تلعبه في تشكيل الفضاء العام، والاهتمام الأكاديمي بهذا الحقل الجديد من الممارسة الإعلامية العربية.

وهنا، فإن هذه البرامج بحاجة إلى تطوير مستمر، وإدخال قوالب وأشكال جديدة في معالجتها تضمن من خلالها جذب المزيد من الجمهور والاحتفاظ بحضور متجدد غير ممل. كما تحتاج إلى مستوى عال من الحرية، وضمان حرية أعلى لمقدمي هذه البرامج ليتمكنوا من تقديم خدمة مجتمعية موضوعية، تسهم في تعزيز الحوار السياسي المجتمعي، وتسهم في تهيئة الفضاء العربي للتحول الديمقراطي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عبد اللطيف حيدر، باحث في قضايا الاتصال والإعلام.

مراجع

* قدَّم الباحث هذه الرسالة الجامعية، بعنوان "مضامين البرامج السياسية الساخرة في شبكة الجزيرة الإعلامية: فوق السُّلطة والسَّليط الإخباري أنموذجًا"، مشروعًا للبحث من أجل الحصول على الماجستير في الإعلام والدراسات الثقافية بمعهد الدوحة للدراسات العليا في قطر، خلال أبريل/نيسان 2019.

(1)      Michael Waller, Ridicule as a Weapon, Public Deplomacy white paper, no 7, (2006): 2.

(2)      Ibid, 2.

(3)      أدونيس، بيان 5 يونيو/حزيران 1967، ص 11.

(4)      مقابلة أجراها الباحث مع نزيه الأحدب، مقدم برنامج "فوق السُّلطة" على شاشة قناة الجزيرة، 28 يناير/كانون الثاني 2019، الدوحة.

(5)      مقابلة أجراها الباحث مع نيكولاس خوري، مقدم برنامج "السَّليط الإخباري" على شبكات التواصل الاجتماعي التابعة للجزيرة بلس AJ+، 12 فبراير/شباط 2019، الدوحة.

(6)      Roberto Leclerc, Satirical News and Political Subversiveness: A Critical Approach to the Daily Show and the Colbert Report (London: The University of Western Ontario, 2015).

(7)      Anna Hoffman, The john Oliver effect: Political satire and political participation through social networks (Doctoral dissertation, Kent State University, 2015), p. 23.

(8)      روجر ويمر، وجوزيف دومينيك، مدخل إلى مناهج البحث الإعلامي، ترجمة: صالح أبو أصبع، فاروق منصور، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2013)، ص 215.

(9)      المرجع السابق، ص 278.

(10)   Rasha Kamhawi and David Weaver, “Mass communication research trends from 1980 to 1999,” Journalism & Mass Communication Quarterly, 80(1), 2003): 11.

(11)   ويمر، دومينيك، مدخل إلى مناهج البحث الإعلامي، مرجع سابق، ص 366-367.

(12)   المرجع السابق، ص 367.

(13)   المرجع السابق، 379.