قراءة لنشأة الحوثية وأهدافها ومستقبلها

تقرير يقرأ نشأة ما عرف بالحركة الحوثية باليمن والسياق التاريخي الذي جاءت فيه، ومراجعة لمجمل الأدبيات والمفاهيم المؤسسة لها، ومحاولة للوقوف على أهدافها ومطالبها العامة كما يراها الكاتب وعايشها. ويرصد التقرير مجريات الصراع العسكري القائم اليوم بين الحوثيين والجيش اليمني ومآلاته المتوقعة.
1_951658_1_6.jpg







 

محمد عزان أبو راس


هذا التقرير هو قراءة لنشأة ما عرف بالحركة الحوثية في اليمن والسياق التاريخي الذي جاءت فيه، ومراجعة لمجمل الأدبيات والمفاهيم المؤسسة لها، ومحاولة للوقوف على أهدافها ومطالبها العامة كما يراها الكاتب وعايشها. كما يرصد التقرير مجريات الصراع العسكري القائم اليوم بين الحوثيين والجيش اليمني والمآلات  المتوقعة له.


في مطلع الثمانينات كان النشاط الديني في مجمل هِجَر محافظة صعدة، وحلقات الدروس الدينية في نواحيها محدودة الانتشار، وكانت هجرة (ضحيان) و(صعدة) و(رحبان) هي البقية الباقية من الهجر القديمة، التي كانت تقيم حلقات الدروس، وتستقبل قليلاً من المهاجرين لطلب العلم والذين كان يغلب على أكثرهم الهجرة لطلب العيش لا طلب العلم.





المعروف أن الحوثي وجماعته ينتمون إلى المذهب الزيدي المصنف على أنه حركة سياسية في الدرجة الأولى.
وحينما دخلت السلفية تلك المناطق بقيادة الشيخ مقبل الوادعي (توفي عام 2001)، ركزت على مهاجمة أتباع المذهب الزيدي وعلمائهم وعقائدهم وفقههم وعاداتهم وتقاليدهم وهم يمثلون النسبة الأعلى من سكان المنطقة، مما أدى إلى ردة فعل معاكسة دفعت بعلماء المذهب الزيدي نحو التصدي لما أسموه بالغزو الوهابي، فألفوا الكتب، وعقدوا المناظرات، ونشطوا في تأسيس حلقات الدروس، وانتشروا في القرى لإلقاء الخطب والمحاضرات، مما جعل النشاط الديني لأتباع المذهب الزيدي يتصاعد ولكن ببطء ومحدودية؛ إلا أن ردود الفعل تجاه من اعتبروهم أعداء المذهب، كانت هي الغالبة على ذلك النشاط. وكان معظم القائمين عليه من كبار السن علماء ودارسين، إضافة إلى اعتماد الأساليب والمناهج القديمة وغياب التنظيم والتخطيط.

وشهدت المنطقة في عام 1986 تأسيس مدارس علمية وتجمعات ثقافية جلها من الشباب، وكانت مبعثرة ومحدودة وتتواجد فقط في الهجر العلمية وبعض قرى صعدة، ولكن بعد توحيد اليمن (عام 1990) دخلت البلاد مرحلة جديدة اتجه فيها الناس إلى تشكيل الأحزاب والتجمعات فكان من أبرزها منتدى الشباب المؤمن، والذي اتسع نفوذه حتى طغى على المد السلفي، وتمدد على حساب المدارس التقليدية، وصارت له قاعدة شعبية معتبرة خصوصاً في محافظة صعدة.


وبلغ تيار الشباب المؤمن ذروته في الانتشار عام 1998، ثم تعرضت قيادته للانقسام ما بين تيارين، أحدها رأى أن سبب نجاح التيار وصموده في مواجهة خصومه هو انفتاحه على الآخرين، والتزامه بتجديد المناهج والرؤى، والتحرر من بعض جزئيات الموروث التقليدي الزيدي. بينما آثر الفريق الآخر التزام النهج والمدرسة الزيدية التقليدية، والبقاء على خط المواجهة مع المذهب السني على أساس أنه سر النجاح والكفيل ببقاء الحركة ونموها.


وهنالك بدأ الشرخ يظهر ويتسع بين الفريقين إلى أن ظهر إلى العلن عام 2000، حيث تمكن حسين بدر الدين الحوثي من فرض نفسه على الشباب المؤمن بمساعدة أخيه محمد بدر الدين الذي كان أحد مؤسسي منتدى "الشباب المؤمن"، وقَبل الشباب المؤمن به إلى جانب عبد الله الرزامي ويحيى الحوثي وآخرين، وفي أواخر عام 2001 طالب حسين الحوثي بإلغاء "منتدى الشباب المؤمن" وأعلن رفض منهجه وأهدافه، بعدما وجد أنه لا يمضي في الاتجاه الذي يريد، وأخذ في تسجيل محاضراته وتفريغها في ملازم دراسية، واعتبرها بديلاً عن مناهج "الشباب المؤمن" وذهب في اتجاه آخر انتهى به إلى مواجهة الدولة عسكريا، وهو الأمر الذي لا تزال تداعياته قائمة وتتصاعد كل يوم.


الخلفية الفكرية السياسية للحوثيين
أهداف الحركة الحوثية
الأهداف المرحلية للحروب
الحوثيون والنظام والعلاقة بإيران
مستقبل الحركة الحوثية
الحل الصعب ومآل الأزمة


الخلفية الفكرية السياسية للحوثيين 


المعروف أن الحوثي وجماعته ينتمون إلى المذهب الزيدي المصنف على أنه حركة سياسية في الدرجة الأولى، لكن المذهب الزيدي كغيره من المذاهب يمكن قراءة نظرياته قراءات مختلفة، وقد اشتهر عن الزيدية أنهم كانون يتوزعون في مجال الفكر السياسي ـ إلى تيارين اثنين:


أحدهما
كان يعرف بـ"الصالحية" نسبة إلى الحسن بن صالح بن حي (المتوفى 169هـ)، وهو اتجاه تميز بالتسامح والمرونة، والبعد عن الغلو في الأشخاص، والمبالغة في شرعنة النظريات السياسة، وينظر إلى الإمامة على أنها وسيلة من أجل خدمة المجتمع، ومن ثم يجب أن تلبي حاجاته ومتطلباته الأساسية، وبالتالي يكون للناس الحق في صياغة نظام الحكم ـ من خلال الشورى ـ بما يتناسب مع الزمان والمكان والأحوال.


الثاني
وهو تيار يعرف بـ"الجارودية" وهو لقب يطلق على من ذهب من الزَّيدية إلى أمرين:



  • أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَصَّ على الإمام علي بن أبي طالب باعتباره خليفة من بعده بصفات لا توجد إلا فيه، واعتبروا تلك الصفات كالنص عليه باسمه، لذلك يرون أن الذين صرفوا الأمر إلى غيره قد ضلوا وتسببوا في انحراف الأمة.
  • والآخر: أن الإمامة حق إلهي خاص بأبناء علي بن أبي طالب من فاطمة خاصة، وليس للمجتمع أي خيار إلا القبول والتسليم بما هو مختار له، سواء من النص على أن الإمامة حق خاص بأبناء علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء، أو أن الإمام له حق مطلق في تسيير الأمور، وأن الشورى مطلوبة ولكنها غير ملزمة له، وأن الناس ملزمون باتباعه، باعتبار أنه يمثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه مؤيد من عند الله، يعلم مالا يعلمون ويدرك مالا يدركون، وإن لم يكن معصوماً.




الحوثيون لا يزالون يعتقدون أن بإمكانهم فرض أنفسهم على النظام بالقوة، في حين لا يزال الجيش يرى أن بإمكانه إنهاء التمرد بالحسم العسكري، والصحيح أنه لا حل جذري للمشكلة دون إنهاء المظهر العسكري للحركة الحوثية.
وسموا جارودية لأن أبا الجارود زياد بن المنذر (المتوفى150هـ)، كأن أول من أظهر تلك الآراء بين الزيدية، وبحسب وصف الزيدية المخالفين لأبي الجارود، فإن أبا الجارود إمامي المذهب وليس زيديا، انضم إلى أصحاب الإمام زيد، ولم يظهر رأيه في الإمامة والصَّحابة إلا بعد استشهاد الإمام زيد، فكان بمثابة جسر لنقل الأفكار الإمامية إلى الزَّيدية، ومن ثم عُرف موافقوه بالجارودية.

علما بأن الجارودية لا تعد فِرقة مذهبية كاملة الاستقلال، بحيث يكون لها آراء في مختلف المسائل الفكرية كما هو حال الفرق المشهورة، كما أنه لا يعني هنا أن تسمية جارودي من ينتسب إلى الزيدية قد انسلخ عن المذهب في كل شيء، إنما ذلك مجرد لقب يُميز به من وافق أبا الجارود في الفكر السياسي، خصوصاً مسألتي الإمامة والتفضيل وما يترتب عليهما، كالموقف السلبي تجاه الخلفاء الراشدين ومؤيديهم من الصحابة، وكذلك من جاء بعدهم من الحكام إلى يومنا هذا.


وفي اليمن كان للجارودية حضور بلغ ذروته في القرن السادس الهجري، حتى قال نشوان بن سعيد الحميري (573 هـ): "ليس في اليمن من فرق الزَّيدية غير الجارودية وهم بصنعاء وصعدة وما يليهما". ثم تراجعوا إلى أدنى مستوى في زمن النهضة العلمية في القرن السابع والثامن التاسع، ثم عادت أفكارهم بعد ذلك بالظهور، ولكن بقدر محدود.


وفي أيامنا هذه يغلب على كثير من الدارسين حديثاَ من شباب الزَّيدية الميل إلى مذهب الجارودية، بسبب تأثرهم بالمد الشيعي الاثني عشري، وردة الفعل الناتجة عن الضغط السلفي، وقد كان "الشباب المؤمن" زيدية يوافقون الصالحية في رؤاهم السياسية، أما الحوثي وجماعته فإنهم اتفقوا مع الجارودية وإن كانوا لا يحبذون تلك النسبة ولا يرتضونها؛ لكن كلام الحوثي والمشاهد من سلوكه يتطابق بشكل صريح وواضح مع نظريات الجارودية.


حيث نجده يهاجم في بعض محاضراته أئمة الزيدية الذين لم يؤمنوا بإلهية الإمامة، ويصفهم بأنهم: "غير مؤهلين ولا جديرين بالقيادة"، وينتقد ما ذهبوا إليه من القول بأن الخبرة ومعرفة شؤون الدين والدنيا واختيار الناس ورضاهم، كافية لاستحقاق الإمامة، معتبراً ذلك مجرد: "معايير مادية جاءت لنسف المعايير الإلهية وجلبت الانحطاط للأمة".


فهو يرى أن تعيين الإمام لا يكون إلا من الله تعالى، ليس بالتسمية ولكن بأوصاف لا تتوفر إلا فيه، وعلى الأمة أن تبحث عمن تتوفر فيه تلك الأوصاف وتتخذه ولي أمر مطاع في شؤون الدين والدنيا.


أهداف الحركة الحوثية 


تشير الدروس التي ألقاها حسين الحوثي إلى أن حركته تهدف إلى استعادة ما يَرى أنه حق أهل البيت في ولاية أمر المسلمين، باعتبار ذلك اختياراً إلهياً ليس للناس فيه يد ولا خيار، ولا سبيل إلى خلاص الأمة مما هي فيه إلا إذا اجتمعت تحت راية أهل البيت، وذلك لا يتم إلا بعودة "حق الولاية" المطلق إليهم.


ويؤكد في أكثر من موضع أن الخلفاء الراشدين ومن أيدهم من الصحابة سلبوا أهل البيت ذلك الحق، وتعاقب الخلفاء على ظلمهم وإقصائهم حتى اليوم، مما تسبب في ضعف الأمة وهوانها وانهزامها أمام أعدائها، مؤكدا أن خلاص الأمة وعزتها لا يمكن أن يكون إلا على يد أهل البيت.


ثم عمل على تصنيف الزيدية إلى فريقين غير جديرين بحمل المسؤولية:


أحدهما: منفتح على سائر المذاهب الإسلامية وشريك لها في اعتماد أصول التشريع ومناهج التفكير. وهذا الفريق لا يعول عليه في نصرة حق ولا خذلان باطل؛ لأنه تأثر بثقافات الآخرين التي يعتبرها مصدر ضلالة وانحراف.


وفي ذلك يقول: "بصراحة أقول: إن الزيدية لا يُتوقع أن تنهض إلا إذا ما نظرنا نظرة موضوعية لنصحح ثقافتنا، فما كان قد وصل إلينا عن طريق السنية، وما كان في الواقع هو من تراث السنية، أصول الفقه هو سني، ليس صحيحاً أنه من علم أهل البيت، دخل إلى أهل البيت ودخل إلى الزيدية وتلقفوه. علم الكلام جاء من عند المعتزلة، والمعتزلة سنية... هذه علوم جاءتنا من عند فئة ضالة فأضلتنا فعلا، ونحن نشهد على أنفسنا بالضلال".


ونجده يتهم الزيدية بالتقصير في التمسك بما يسميه الثقلين، ويرى أنه سبب الضعف والضلال، فيقول: "نريد أن نعرف كم نحن من الزيدية هنا في هذا المكان مؤمنين بقضية الثقلين بوعي، إنها هي المسألة التي لا بد منها في الاهتداء بالدين (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي) أليس هذا الضمان من الضلال في كل مجالات الدين وفي سائر مجالات الحياة؟ والضلال هذا الذي قاله الرسول لا يعني أنك تقع في معصية تدخل في باطل من هذا الباطل المعروف، بل الضلال بكله، الضلال في العقيدة، الضلال في الفكر، الضلال في الحياة، ما هو الضلال في الحياة؟. أليس هو التَّيْه ،الجهل ،الضَّعة، الذلة ،افتقاد القوة، الشقاء، أليس هذا هو الضلال؟".





شيئا فشيئاً دفع الحوثي بأتباعه نحو مواجهة من يخالفهم: بالتمرد والعصيان والقتال، فبدأت المأساة بمواجهات فكرية حادة مع مخالفيه من الزيدية سواء من "الشباب المؤمن" أو غيرهم من المدارس العلمية، وانتهت بحرب مع الدولة.
والفريق الآخر: يؤمن بتفرده بالحق في العقيدة والسياسة والفقه، ولم يتأثر بثقافات المذاهب الأخرى، ولكنه في نظره ضعيف مهزوم محارب مضطهد، يبحث لنفسه عن تبريرات ومخارج.


وعن هذا يقول: "وهذا يقرأ، يقرأ، ثم يبحث له عن مخرج من هذا الواجب، من هذا الأمر الإلهي، ومن هذه الآية القرآنية، فضاعوا، وإذا ما ضاع أهل البيت ضاعت الأمة، وضياع الأمة مسؤولية كبيرة على أهل البيت، هم مسؤولون عن ضياع الأمة، وضلالها".


وبالتالي لم يبق أمام الأمة ـ في نظره ـ إلا الأخذ بالمنهج الذي ارتضاه لجماعته، محذرا من أنه لا يمكن للناس أن يرسموا لأنفسهم منهج هداية، "ولكن الله هو الذي يعين أعلاماً للهدى يتولونهم ويذوبون في شخصياتهم، أما دساتير البلدان الإسلامية فإنها تكتفي في الحاكم بشروط سهلة ليتمكن كل شخص أن يكون قائداً للأمة. وذكر أن الديمقراطية مجرد دسيسة للقضاء على النظام الإسلامي القائم على تعيين الأشخاص الجديرين بأن يكون أعلاما للأمة وأولياء لأمرها".


ويؤكد: "أن الله لم يترك الأمة هملاً فقد نص على علي ابن أبي طالب علما للأمة بعد رسول الله، ومن بعده الصالح من أهل بيته دون سواهم، ولكن الأمة غيرت وبدلت ونصبت أعلاماً آخرين كأبي بكر وعمر فضلت وتاهت وانهزمت أمام الأعداء. لافتاً إلى أن أي حركة أو زعيم لا يمكنه أن يحقق للأمة نصراً مهما كان خلصاً ما لم يكن من أهل البيت".


وشيئا فشيئاً دفع الحوثي بأتباعه نحو مواجهة من يخالفهم: بالتمرد والعصيان والقتال، فبدأت المأساة بمواجهات فكرية حادة مع مخالفيه من الزيدية سواء من "الشباب المؤمن" أو غيرهم من المدارس العلمية، وانتهت بحرب مع الدولة، توسعت وتنقلت من بلد إلى بلد، وتغيرت نتائجها ومطالبها وأهدافها عاما بعد عام.


الأهداف المرحلية للحروب 


في إطار الهدف الأساسي الذي سبق ذكره جاءت الحروب المتتالية التي خاضها الحوثيون وإن كانت تحت عناوين مختلفة. الحروب الأولى، فقد كانت تحت عنوان الدفاع عن النفس وعن حرية التعبير، مما أكسبهم تعاطف بعض الناس وتوسعت دائرة أنصارهم، وساعدهم على ذلك ما ظهر من استغلال خصوم المذهب الزيدي لتلك الفتنة لتصفية حسابات طائفية من خلال مؤسسات الدولة، إلى جانب أن بعض وسائل الإعلام قدمتهم بصورة مذهبية معينة، وأوحت بأن ذلك أحد أهم مبررات قتالهم.


أما قبل الحرب الأخيرة (السادسة)، فإن تصرفاتهم على الأرض كانت تشير إلى أنهم دخلوا مرحلة جديدة، حيث استفادوا من حالة السلم فأخذوا في التوسع وبسط نفوذهم على المزيد من المناطق، وأصبحوا فيها بديلا عن الدولة، مع استمرارهم في القول بأنهم يدافعون عن أنفسهم وأنهم يطالبون بحرية التعبير وأنه لا غرض لهم في السعي إلى السلطة وتغيير النظام.


ومن الملاحظ أن أهدافهم السياسية غامضة، وتتغير وتتبدل حسب المراحل والأحوال، ولكن الإطار الديني يظل واحدا لا يتغير ويظل حاضرا بقوة في أدبياتهم التي يقاتلون بها ومن من أجلها، وربما من هنا تأتي صعوبة التوسط بينهم وبين الدولة، لأن تلبية المطالب التي يعلنونها لا تحقق الغرض ولا تقطع دابر الفتنة، إذ أن المطلب الحقيقي -الذي بسببه تكررت الحروب- غير مستقر وغير واضح في حين أن الإطار الديني الذي يؤجج الحرب ويزكي تكرارها ليس باستطاعتهم التنازل عنه أو عن بعض صوره الاجتهادية بحسب الظاهر حتى الآن، لأنه في نظرهم حق شرعي لا يجوز التنازل عنه، وإن كان بعضهم قد يرى أن بالإمكان تجميده أو تعليقه حتى تشكل الظروف المواتية.


الحوثيون والنظام والعلاقة بإيران 


من الناحية العقائدية لا يؤمن الحوثيون بالنظام الجمهوري، ولا بالدستور والقانون اليمني، لا بعد الحرب ولا قبلها، ولكنهم يتعاملون مع ذلك على أنه أمر واقع، ويصفون الثورة على نظام الإمام بأنها انقلاب على الحكم الشرعي، ولا يخفون رغبتهم في تغيير النظام لو تمكنوا من ذلك.


وقد أظهروا بعض التصرفات التي تدل على ذلك في المناطق التي يسيطرون عليها، حيث أنزلوا العلم الوطني، الذي هو رمز الدولة ونظامها الجمهوري، إلى جانب قيامهم بدور الدولة حيث تدخلوا في شؤون السلطة المحلية بل ألغوها في بعض المناطق، فنصبوا المحاكم، وأقاموا السجون، وغيروا في المناهج الدراسية، وأعادوا تعيين المدرسين وخطباء المساجد، وجمعوا الزكاوات، وحرصوا على التمدد بجانب الحدود مع السعودية حتى يتمكنوا من تدويل قضيتهم، وجلب تأييد بعض القوى الإقليمية.





من الناحية العقائدية لا يؤمن الحوثيون بالنظام الجمهوري، ولا بالدستور والقانون اليمني، لا بعد الحرب ولا قبلها، ولكنهم يتعاملون مع ذلك على أنه أمر واقع.
وتندرج علاقة الحوثيين مع إيران ضمن هذا السياق، فهي علاقة طرف مستقل عن الدولة (الحوثيين) مع دولة أخرى (إيران)، وبهذا الاعتبار لا يهمهم أن يكونوا أداة للقيام بدور لصالح إيران ما دام يتناغم ذلك مع كيانهم المستقل وليس مع أمن الوطن ككل واستقراره، خصوصا مع ما يرون أنه تدخل للسعودية في دعم خصومهم المذهبين (الوهابيين) للتوسع على حسابهم.

أضف إلى ذلك الإعجاب الكبير لدى كثير من اليمنيين وخصوصاً أهل صعدة بالثورة الإيرانية، وسائر حركات التحرر والمقاومة كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وهو ما شكل دعما لتوجه الحركة الحوثية باتجاه التعامل الإيجابي مع إيران وتأييد ثورتها على المستوى العقائدي.


ومن ناحية أخرى فإن الإيرانيين وسائر الشيعة في العالم يشعرون بعاطفة نحو الحوثيين لأسباب دينية وسياسية وإن لم يتفقوا معهم في المذهب، خصوصاً أنهم ينتمون إلى الزيدية، والزيدية مصنفة من فرق الشيعة وإن كانت أفكارها معتدلة وتوصف بأنها أقرب المذاهب الشيعية إلى أهل السنة.


مستقبل الحركة الحوثية 


ليس من المتوقع مستقبل للحركة للحوثية في اليمن وإن استطاعت أن تلفت الأنظار إليها وأن تسيطر على بعض المناطق، لعدة أسباب أهمها:



  1. أنها تنطلق من خلفية مذهبية طائفية تقيدها ولا تسمح لها بتجاوز نطاقها المذهبي في أحسن أحوالها، مع العلم أن الصورة العامة تشير إلى أنها تفرع ضيق من مذهب أكبر أي الزيدية.
  2. ليس للحوثية مشروع إصلاحي واضح المعالم والمسار، فهي ترتكز على مجرد التوقع بأن الأمور ستنصلح بمجرد عودة الولاية إلى أهلها، وليس من بعد ذلك تفاصيل يمكن الاتكاء عليها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
  3. لا تمتلك الحوثية الآلية القادرة على تنفيذ مشاريع إصلاحية وخدمية وتنموية، نظراً لكون معظم أفرادها حتى الآن من بسطاء الناس وليسوا من ذوي الخبرة.
  4. اعتماد الحوثية على القوة كأداة للتوسع تزيد من خصومها وسرعان ما ستتشكل ضدها معارضة مناطقية محلية قد تطيح بها مع تكرار الأزمات والحروب وما يرافقها من تداعيات ونتائج على السكان.
  5. اعتمادهم على فكرة أن الحق واحد وهو معهم، وأن البقاء للأصلح وقد تعين فيهم، سيغرقهم في وحل المواجهات والتصفيات الدائمة مع خصومهم.

الحل الصعب ومآل الأزمة 


من الصعب في المرحلة الراهنة بناء تصور لحل ناجع للحرب القائمة بين الحكومة والحوثيين، لأن الحوثيين لا يزالون يعتقدون أن بإمكانهم فرض أنفسهم على النظام بالقوة، في حين لا يزال الجيش يرى أن بإمكانه إنهاء التمرد بالحسم العسكري، والصحيح أنه لا حل جذري للمشكلة دون إنهاء المظهر العسكري للحركة الحوثية، وعلى العموم فإن مآلات الأمور لا تخرج عن ثلاث صور:


الأولى
إذا تمكن الجيش من إضعاف الحوثيين عندها ستتفاوض معهم الدولة من موقع القوي، وستدفعهم للقبول بالسلم دفعاً وبشروطها، ولن تستجيب حتما إلا لما تراه مشروعا ومعقولا من مطالبهم.


الثانية
أن تدخل السلطة في حوار مباشر مع الحوثيين بوساطة محلية أو إقليمية تقبل الدولة فيه بعض مطالب الحركة وتعطيهم ما لم يعطهم الدستور والقانون، وهذا خيار صعب قد تترتب عليه تبعات خطيرة، ولن يكون مجدياً، خاصة إذا تعامل الحوثيون معه مرحليا وحينها لن يقبلوا بأقل من تحقيق كامل أهدافهم.


الثالثة
لا يستبعد ظهور حركات شعبية تتحرك ضد الحوثيين في مناطقهم وتنطلق بدوافع ذاتية، وقد تستخدم نفس الأسلوب الذي استخدمه الحوثيون ضد الدولة، (حرب عصابات)، ومن الممكن أن تلقى دعما نوعياً من قبل الحكومة.
_______________
باحث يمني