العقوبات الجديدة على إيران: التأثيرات والتداعيات

تواجه إيران أنواعا متعددة من العقوبات تستهدف كل ما يعتبره المجتمع الدولي داعمًا لتطوير برنامج إيران النووي وقدراتها العسكرية، وستترك آثارا سيئة على اقتصاد إيران وعلى أوضاعها الداخلية، واندلاع أي مواجهة عسكرية لن تكون تأثيراتها منحصرة بإيران بل قد تشمل المنطقة برمتها.
201221313328305734_2.jpg

تشير الدراسات المتعلقة بتاريخ العقوبات الاقتصادية إلى أن أول تطبيق لها قد جرى في العام 430 ق.م، وهي عقوبات تجارية كانت قد فرضتها حكومة أثينا آنذاك على دولة المدينة Megara. لكن الاستخدام المكثف لسياسات العقوبات لم يبدأ إلا بعد الحرب العالمية الأولى. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية وتنامي قوة الأمم المتحدة كمنظمة تمثل طيفًا واسعًا من دول العالم؛ ترسخ استخدام هذه السياسة.

في هذا السياق يجب التفريق بين ثلاثة أنواع من العقوبات بالنظر إلى من يفرضها؛ فهناك عقوبات من دولة على دولة، وأخرى من إقليم أو منظمة إقليمية على دولة أو أكثر، وثالثة من منظمة عالمية على دولة، ولعل ما يفرضه مجلس الأمن في الأمم المتحدة من عقوبات على إيران هو المثال الجلي لمثل هذه العقوبات.

طبيعة العقوبات وسياقاتها

تواجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنواع العقوبات جميعها أعلاه منذ العام 1979؛ فمع قيام الجمهورية الإسلامية فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات أحادية الجانب ضد إيران، وهي عقوبات لم يتم إيقافها خلال أكثر من 30 عامًا. كما أنها تتعرض إلى عقوبات أوروبية متزايدة منذ العام 2006، وعقوبات أممية هدد مجلس الأمن بإقرارها منذ العام 2006  بموجب القرارات 1696 (1) و1737 (2) و1747 (3) و 1929 (4).

تتفاوت مبررات فرض العقوبات الاقتصادية على إيران؛ فالعقوبات أحادية الجانب لاسيما من طرف الولايات المتحدة الأميركية كانت دائمًا مرتبطة بالتدهور الذي أصاب علاقات البلدين بعد سقوط النظام الملكي في إيران، وأزمة الرهائن الأميركية التي أعقبت ذلك. ولم تتغير سياسة واشنطن في معاقبة إيران اقتصاديًّا رغم التغير الذي أصاب الإدارات الأميركية من جمهورية وديمقراطية ابتداءً من إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر ومرورًا بإدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الأب ثم إدارة الرئيس بيل كلينتون، ثم إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، وأخيرًا إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. 

أما العقوبات الأممية والأوروبية فهي مرتبطة بمسارات الملف النووي الإيراني الذي أصبح الملف الأهم في علاقات إيران الخارجية منذ العام 2002. ركَّزت العقوبات السابقة -والتي كانت في معظمها أحادية الجانب على إيران- على محاولة حرمان إيران من التكنولوجيا الحديثة، ومنع الشركات من الاستثمار في الصناعات النفطية والبتروكيماوية الإيرانية، وكذلك التضييق على حركة الشركات الإيرانية ومحاولة إغلاق الأسواق أمام البضائع الإيرانية. 

وتأثر بالعقوبات قطاع المواصلات لاسيما الطيران الجوي؛ حيث حُرمت إيران من تجديد أسطولها الجوي Air Bus؛ الأمر الذي أدى إلى تزايد حوادث الطيران الداخلي فيها. ما دفع إيران إلى التوجه نحو تكنولوجيا بديلة قادمة من الشرق لاسيما الصين وروسيا والهند، أضف إلى ذلك محاولتها تطوير صناعاتها الداخلية لملء الفراغ  والتعويض عن التكنولوجيا التي منعتها تلك العقوبات. رافق ذلك كله ما يمكن تسميته "بشيطنة" إيران سياسيًّا، ووصفها بالدولة المارقة تارة وأحد أقطاب دول "محور الشر" تارة أخرى.

وقد كانت مبررات فرض العقوبات دائمًا على صلة بسياسات النظام الإيراني التي كانت تتعارض بشكل عميق مع سياسات القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، فإيران تُكنُّ عداءًا قويًّا على مستوى الخطاب لواشنطن وإسرائيل، وترفض فكرة قبول وجود إسرائيل، وتقدم نفسها كدولة داعمة لحركات المقاومة بدءًا من دعم منظمة التحرير الفلسطينية ومن ثَمَّ حركات المقاومة الإسلامية مثل حماس والجهاد وكذلك حزب الله في لبنان. يضاف إلى ذلك جميعًا محاولة إيران تطوير قدراتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية لاسيما برنامجها النووي، والذي أصبح منذ العام 2006 السبب القوي المعلن والمبرر لفرض حزم العقوبات المتنوعة ضد إيران، سواء تلك العقوبات أحادية الجانب أم تلك التي تلتزم بها الدول بموجب عضويتها في منظمة الأمم المتحدة.

لقد ركزت حزم العقوبات الدولية التي سبق الإشارة إليها على استهداف كل ما يعتبره المجتمع الدولي داعمًا لتطوير البرنامج النووي الإيراني وقدرات طهران العسكرية، لاسيما مع رفض إيران وقف تخصيب اليورانيوم، ومن ثَمَّ زيادة أجهزة الطرد المركزية والتحرك بشكل منتظم لرفع مستوى التخصيب إلى مستوى 20%. من هنا كان التركيز على مؤسسات وأشخاص لهم علاقة ببرنامج طهران النووي وصناعاتها العسكرية، كما تم استهداف بنوك ومؤسسات مالية يُنظر لها كمساند اقتصادي في المجالات المشار اليها. يُشار هنا إلى أن معرفة وتسمية تلك المؤسسات والأشخاص قد تم بناء على معلومات استخباراتية تم تبادلها بين الدول التي تدعم فرض مثل هذه العقوبات.

العقوبات الجديدة بين الواقعية والقدرة على التنفيذ

العقوبات التي فرضت على إيران في يناير/كانون الثاني 2012 تسير في مسارين: الأول له علاقة بالنظام البنكي والمصرفي الإيراني، والثاني مرتبط بقطاع النفط الإيراني الذي يوفر ما يزيد عن 75% من الدخل النقدي لموازنة الحكومة الإيرانية. ولقد بقي قطاعا النفط والمال الإيرانيين بعيدين عن أية عقوبات مؤثرة حتى بداية العام 2012، كما استطاعت إيران أن تتحول في استثماراتها من الدول الغربية والأميركية تدريجيًّا إلى آسيا حيث الشركات الصينية والهندية واليابانية. وبقيت كذلك بعض الشركات الأوروبية تعمل في إيران باستثمارات أقل من السابق، مثل شل الفرنسية.

بدأ النقاش في موضوع العقوبات الجديدة على إيران قبل شهر سبتمبر/أيلول 2011؛ حيث نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها الدوري حول البرنامج النووي الإيراني والذي أشار إلى أن هناك نشاطات نووية إيرانية تدخل في إطار عسكرة البرنامج، وقد أعقب ذلك التقرير تقرير آخر صدر في نوفمبر/تشرين الثاني (5) 2011 أعاد تأكيد وجود نشاطات عسكرية في البرنامج النووي الإيراني وهو الأمر الذي رفضته طهران.

وتسعى دول الاتحاد الأوروبي ومن قبلها الولايات المتحدة إلى تعزيز العقوبات على إيران تحقيقًا لهدفين: أولهما: إضعاف البنية الاقتصادية للدولة الإيرانية وعزل اقتصادها عن الاقتصاد الدولي، والحؤول دون تمكنها من تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. وهذا وفق بعض القراءات من شأنه أن يعمِّق الفجوة ببين النظام وبين الشعب. والهدف الثاني هو استخدام العقوبات كبديل يغني عن اللجوء إلى الخيار العسكري خاصة وأن إسرائيل لا تفتأ تفكر بمثل هذا الخيار. لكن تشديد العقوبات وما قد يصيب إيران من ضعف جرَّاءها، قد يحول دون وقوع أي تطور عسكري بهذا الشأن، أو على الأقل قد يتأخر إلى أجل غير مسمى.

بالنظر إلى تفاصيل تلك العقوبات يبدو واضحًا أن الاتحاد الأوروبي يستهدف منع شراء أو نقل البترول الإيراني من قبل أوروبا أو بالمرور عبرها، مع الإشارة إلى أنه سمح باستمرار العقود الموقعة حتى بداية شهر يوليو/تموز 2012، وسيتم مراجعة عملية تنفيذ تلك العقوبات والعقود السارية بحلول الأول من مايو/أيار 2012. وتتجاوز العقوبات مسألة بيع النفط إلى فرض عقوبات على التكنولوجيا المستخدمة في قطاع الطاقة وقطاع الصناعات البتروكيماوية الإيراني.

ولما كانت أوروبا والولايات المتحدة تتحدث دائمًا عن ضرورة فرض عقوبات مؤلمة على طهران، فقد عمدت هذه المرة إلى فرض عقوبات على البنك المركزي فجمدت أرصدته أو ما تبقى منها في أوروبا، ويشار إلى أن إيران كانت تُعد العُدة للخطوة الأوروبية واستبَقتها بنقل معظم أرصدتها خلال العام 2011 إلى مؤسسات مالية وبنوك أخرى في شرق آسيا. كما منع الاتحاد أعضاءه من الاتجار بالذهب مع إيران. وشمل مشروع العقوبات الأخير أيضًا تشديد العقوبات على مؤسسات وبنوك كان قد فُرض عليها عقوبات من قبل لارتباطها "بتمويل البرنامج النووي الإيراني والصناعات العسكرية".

بالتزام الدول الأوروبية بهذا القرار تخسر إيران سوقًا يستقبل سنويًّا 25% من صادرات النفط الإيرانية بحسب وزارة الاقتصاد الإيرانية. مع العلم بأن أوروبا تستقبل يوميًّا حوالي 500 ألف برميل من النفط الخام، يُستهلك معظُمها من قبل اليونان وإيطاليا. المهم في هذا السياق أن الدول الأوروبية تعترف بأن التطبيق لن يكون فوريًّا، وأن احترام خصوصية العقود الموقعة من قبل كل دولة مع إيران ضروري، على أن يصبح أمر تنفيذ العقوبات بعد شهر يوليو/تموز 2012 ضروريًّا أيضًا.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي لن يكتفي بذلك؛ إذ يعد لفرض سلسلة عقوبات أخرى في شهر فبراير/شباط 2012 تستهدف قطاع الاتصالات؛ حيث يتم الحديث عن منع بيع أية تكنولوجيا يمكن أن تستخدمها السلطات في طهران ضد معارضيها، ويضع الاتحاد الأوروبي العقوبات المقترحة في سياق ما يسميه بحماية حقوق الإنسان في إيران (6).

إن فرض العقوبات أمر لم يكن يسيرًا بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي خاصة تلك التي تعاني من أزمة اقتصادية حقيقية مثل اليونان وإيطاليا، أو تلك التي انضمت للاتحاد خلال العقد الماضي. وإضافة إلى إشكالية التعامل مع العقود طويلة الأجل بين تلك الحكومات وإيران، سيكون هناك مشكلة في توفير المصدر البديل القادر على تزويد تلك الدول بما ستخسره من النفط الإيراني، حيث اكتفت دول الاتحاد في تعاملها مع مشكلة العقود بإعطاء فترة إمهال مدتها 6 شهور على أن تخضع للمراجعة بين الدول الأوروبية وإيران خلال هذه الفترة، لكن لم تُجب عما سيحدث في النصف الثاني من العام 2012. 

 إيران والآثار المترتبة على تنفيذ العقوبات الأوروبية

اتخذت إيران موقفًا من العقوبات الأوروبية قبل أن تصدر في أواخر يناير/كانون الثاني 2012؛ حيث هددت بشكل واضح بأنها ستغلق مضيق هرمز (7)، وذلك وفقًا لتصريحات قادة في المؤسسة العسكرية الإيرانية التي استهدفتها عقوبات أميركية وأوروبية وأممية سابقة. وربما أتى الرد الأولي والقوي من المؤسسة العسكرية والحرس الثوري بسبب السيطرة التي مُنحت لتلك المؤسسة على قطاع الطاقة منذ جاء الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، حيث كانت شركات تابعة للحرس الثوري قد تعهدت بالاستثمار في قطاعي الطاقة والبتروكيماويات بسبب إحجام شركات دولية عن الاستثمار في هذا القطاع خلال السنوات القليلة الماضية. ولكن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي تراجع عن هذه التصريحات خلال زيارته لتركيا، وقال بوضوح: إن إيران "لم تحاول إغلاق مضيق هرمز" (8).

ويعني توقف دول الاتحاد الأوروبي عن شراء النفط الإيراني فيما يعنيه، أن إيران قد تخسر يوميًّا أكثر من نصف مليار دولار، وأضف إلى ذلك أن هناك أزمة لا زالت معلقة مع الهند حول المبالغ المستحقة لإيران، رغم التوافق على دفعها بالعملة المحلية بدلا من الدولار. وهناك أيضًا مشكلة مع الصين التي تستورد في العادة 20% من النفط الإيراني، والتي بدأت في تخفيف شحناتها النفطية من إيران بسبب خلافات حول التسعير كما تزعم؛ وقد انخفضت وارداتها من النفط الإيراني في شهري يناير/كانون الثاني، وفبراير/شباط 2012 حوالي 285 ألف برميل يوميًّا. فكل هذا ينبئ عن أن إيران ستواجه أزمة حقيقية نتيجة للعقوبات، ولعل أحد الآثار التي ظهرت حتى الآن تؤكد ذلك كانخفاض قيمة العملة المحلية بأكثر من 51%، وستترك صداها القوي حتمًا بزيادة نسبة التضخم وبالتالي إضعاف القوة الشرائية للمواطن الإيراني.

هذا كله إذا ما وُضع جنبًا إلى جنب مع الحديث الذي يدور داخل إيران عن إخفاقات اقتصادية لحكومة أحمدي نجاد والذي يبدو واضحًا من الانتقادات المتزايدة من البرلمان الإيراني لأداء حكومة الرئيس أحمدي نجاد ولاسيما في ما يتعلق بتأخر الحكومة باتخاذ الإجراءات التي من شأنها التقليل من التأثيرات السلبية للعقوبات الأوروبية. وفي هذا السياق يتذكر المعارضون لحكومة أحمدي نجاد ما قامت به حكومته من رفع الدعم عن السلع الأساسية مما يعني تحمل قطاع واسع من المواطنين التكلفة الحقيقية لتلك السلع. يشار أيضًا إلى تراجع في حجم الاستثمارات الخارجية، وتراجع في مستوى التكنولوجيا التي تُستخدم من قبل المستثمرين الداخليين بسبب العقوبات الاقتصادية والتي تركز في أحد جوانبها على منع تصدير التكنولوجيا.

إن توقيت إعلان العقوبات ربما ليس بعيدًا عن التسخين الانتخابي الذي تشهده إيران؛ حيث تستعد للانتخابات البرلمانية التاسعة في أوائل شهر مارس/آذار 2012. هذه الانتخابات التي يبدو واضحًا أن المنافسة فيها تبدو محصورة داخل معسكر المحافظين، سيكون الوضع الاقتصادي فيها أهم ما يشغل الناخبين؛ لذلك فمن المتوقع أن تكون آثار تلك العقوبات وما ستقوم به حكومة أحمدي نجاد في ما تبقى لها من وقت أحد أهم ركائز العراك الانتخابي.

إن الأثر المباشر الذي تركته عقوبات الاتحاد الأوروبي على العملة الإيرانية، والتضخم الذي سينتج عن ذلك ما هو إلا مؤشر أولي على مدى تأثير تلك العقوبات. صحيح أن إيران تتحدث بأن اقتصادها منذ قيام الجمهورية الإسلامية كان يواجه العقوبات، لكنها في ذلك الوقت كانت عقوبات أحادية الجانب من الولايات المتحدة ولم تكن تنال من أهم مصدر للدخل القومي وهو البترول. من هنا فإن العقوبات الجديدة ستكون أكثر تأثيرًا على الحياة اليومية، وستتسبب بضغوط أكثر على موازنات الأفراد العاديين، لاسيما إذا ما تراجعت العملة أمام الدولار واليورو وهما العملتان المستعملتان في استيراد الكثير من السلع. كما أنها ستزيد من أعباء الحكومة الإيرانية الاقتصادية التي ستسعى بكل طاقتها إلى التخفيف من تلك الآثار.

ظلال العقوبات على منطقة الشرق الأوسط

إن العقوبات التي فُرضت على إيران قد فتحت صفحة من المواجهة الإقليمية؛ فالتهديد بإغلاق مضيق هرمز الذي يخرج منه بترول دول الخليج العربية، يمثل نوعًا من الشحن السياسي في علاقة إيران بجوارها العربي الخليجي. يضاف إلى ذلك التصعيد في اللهجة الإيرانية نحو المملكة العربية السعودية بسبب إظهار الرياض استعدادها لتعويض السوق عن أي نقص يواجه السوق النفطي لاسيما إذا ما تم تنفيذ العقوبات الأوروبية على النفط الإيراني.

إن تغير المزاج العربي بشكل عام بسبب ما جاءت به الثورات العربية قد ترك أثره في ما يتعلق بصورة إيران، وخاصة في ما يتعلق بالموقف مما يحدث في سوريا، هذا الأمر جعل ردة الفعل العربية حول التصريحات الإيرانية غير إيجابية، بل ربما يؤثر على حالة التعاطف التي كانت تتمتع بها إيران لدى الرأي العام العربي، والذي يبدو أن التحولات المتسارعة تدفع به إلى إعادة تقييم مواقفه وتحالفاته.

لكن الصورة بالنسبة إلى إيران لا زالت هي صورة المؤامرة على الدولة والثورة؛ فالعقوبات لم تُفرض إلا لأن إيران تمارس حقها في تطوير قدراتها العسكرية والتكنولوجية، وإنها دفعت بكل التطمينات للوكالة الدولية حول سلمية برنامجها لكن الغرب لا يريد أن يقتنع، وعليه فإن إيران ستمضي في طريقها وتطوير برنامجها النووي، متكئة على قدراتها الذاتية وعلى تحالفها القوي مع روسيا، والأقل قوة مع الصين.

أهم التداعيات

إن العقوبات الاقتصادية الأخيرة  على إيران  يمكن أن تُعتبر بحد ذاتها حربًا لكنها بغير عمليات عسكرية. فهي من جهة آخر ما بقى في الكيس الأوروبي من بدائل، بل وربما في الكيس الأميركي؛ فمقولة "العقوبات المؤلمة" التي كانت تتردد خلال السنتين الماضيتين لم تكن تعني إلا قطاع النفط أولاً ثم البنك المركزي، أما وقد فرضت تلك العقوبات فلم يتبق إلا خيار المواجهة؛ حيث من غير المتوقع أن تستجيب إيران إلى مطالب المجتمع الدولي في التوقف عن تخصيب اليورانيوم. الأمر المهم في هذا السياق هو أن تلك الدول لا تخفي أن هدفها التضييق على النظام وبالتالي جعله عاجزًا عن توفير ما تقوم به أية حكومة من واجبات نحو مواطنيها، الأمر الذي قد يدفع إلى توسيع الفجوة بين النظام والمواطنين ويقود إلى تغيير من داخل إيران. مثل هذه الفرضية الأوروبية بالنسبة للنظام السياسي الإيراني هي فرضية "عدوانية". إيران ترى أن العمليات العدائية ضدها قائمة، وتعتبر أحد فصولها القتل الممنهج لعلمائها في البرنامج النووي.

لقد رفضت إيران خلال السنوات 2002-2010 تقديم تنازل في ما يتعلق بوقف التخصيب بل وحتى تجميد عملية التخصيب لمدة طويلة. ويبدو أن هذا يعود إلى أن إيران تعتبر أن أي تنازل يُقدَّم إلى الغرب والولايات المتحدة سيقود إلى تنازلات أخرى، كما أن تجربتها في العام 2004 عندما أوقفت حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي التخصيب لم تشجع إيران على تكرارها؛ فالخطاب المعادي لإيران -من وجهة نظر طهران- لم ينته، كما أن الضغوط الاقتصادية لم تُخفف، فلماذا تقدم مزيدًا من التنازلات؟ في هذا السياق ترى طهران أن القلق الغربي من القدرة الصاروخية الإيرانية يراد منه منع إيران من تطوير قدرتها الدفاعية، من هنا فإن الربط الذي يجري بين تطوير البرنامج النووي الإيراني والقدرة الصاروخية غير مبرر؛ لذلك فإن إيران قد رفضت من قبل أي تفاوض على برنامجها الصاروخي ويبدو أن موقفها لن يتغير في المستقبل القريب.

إن خيار المواجهة العسكرية الذي يتزايد الحديث عنه عبر سيل التصريحات حول قدرة إيران على صناعة قنبلة ذرية خلال عام، وامتلاكها كميه كبيرة من المواد المشعة التي تُعينها في بناء أكثر من قنبلة نووية، يبدو الأقوى صوتًا، ويشجع عليه العوامل التالية:

أولاً
تراجع الإعجاب لدى الرأي العام العربي بالتجربة الإيرانية بعد موجة الربيع العربي، لاسيما في ظل الموقف الإيراني من الثورة السورية والذي يبدو أنه يُقيَّم بأنه موقف طائفي، هذا التراجع تسعى إيران للتقليل من آثاره عبر تبني خطاب يربط بين الثورات العربية وبين الثورة الإيرانية تارة، ووصف نجاح الإسلاميين كجزء من الصحوة الإسلامية التي ترى إيران أنها فجرتها في المنطقة تارة أخرى.

ثانيًا
انشغال أهم حلفاء إيران في منطقة الشرق الأوسط -ونعني سوريا- بالحفاظ على وجوده، وبالتالي تغير أولوياته. هذا من شأنه أن يساعد أولئك الذين كانوا يرون دائمًا أن التحالف بين دمشق وطهران سيدفع كل طرف لمساندة الطرف الآخر لاسيما إذا ما واجها هجومًا إسرائيليًّا. لكن مثل هذا التوقع لم يحدث حين هاجمت الطائرات الإسرائيلية في سبتمبر/أيلول 2007 ما قيل إنه موقع نووي سوري.

ثالثًا
استبعاد أن تقوم حماس بأي دور في أية مواجهة قادمة بشأن إيران لاسيما بعد التوتر الذي أصاب علاقة حماس بإيران بسبب موقف حماس غير المعلن والواضح مما يحدث في سوريا، وربما كانت طهران تنتظر دعمًا واضحًا من قبل حماس للنظام السياسي في سوريا. في هذا السياق يجب التذكير بأن مستقبل السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة سيكون مرتبطًا بشكل قوي بما ستؤول إليه الأمور في سوريا لاسيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. أما بالنسبة لدورها في العراق فمن المرجح أن يبقى لاسيما في ظل العملية السياسية القائمة منذ العام 2003.

أخيرًا، من المهم الإشارة إلى أن أية مواجهة عسكرية محدودة أو غير محدودة لن تكون تأثيراتها منحصرة في إيران ولن تضمن إنهاء البرنامج النووي الإيراني، بل ستشمل المنطقة برمتها وسيكون المتضرر الكبير منها مسيرة التحول السياسي التي يشهدها الوطن العربي.
______________________
محجوب الزويري-أكاديمي متخصص في تاريخ إيران المعاصر والشرق الأوسط، جامعة قط
مصادر

1- http://www.un.org/News/Press/docs/2006/sc8792.doc.htm
2- http://www.iaea.org/newscenter/focus/iaeairan/unsc_res1737-2006.pdf
3- http://www.iaea.org/newscenter/focus/iaeairan/unsc_res1747-2007.pdf
4- http://www.un.org/News/Press/docs/2010/sc9948.doc.htm
5- http://www.iaea.org/newscenter/focus/iaeairan/iaea_reports.shtml
6- http://www.bbc.co.uk/persian/rolling_news/2012/02/120203_l38_rln_eu_telecommunication.shtml   
7- http://www.presstv.ir/detail/221307.html 
8- http://www.france24.com/ar/20120119-iran-nuclear-politics-foreign-minister-ali-akbar-salehi-strait-hormuz-security-us-turkey

نبذة عن الكاتب