محادثات تسوية القضية الأفغانية.. آفاق وموانع

توصلت أطراف الصراع في أفغانستان، بعد سيل الدماء التي أريقت ، إلى أن حل القضية الأفغانية يكمن في الحوار والتفاوض، تبع ذلك بعض الخطوات العملية على طريق المصالحة. تبحث الورقة مواقف الفرقاء من هذه القضية و تشخص الموانع و العقبات التي تواجه المساعي المبذولة بشأنها.
201342581823534734_20.jpg
 

توصلت أطراف الصراع في أفغانستان، بعد سيل الدماء التي أريقت خلال اثنتي عشرة سنة الماضية، إلى أن حل القضية الأفغانية يكمن في الحوار والجلوس إلى طاولة المفاوضات. وتشكّلت لدى هذه الأطراف قناعة بأن استخدام القوة لن يؤدي إلى حل نهائي للقضية، ثم تأكدت هذه القناعة مع التطورات التي شهدتها أفغانستان خاصة والعالم عامة نتيجة الحرب المزعومة على الإرهاب. بدأت تصريحات تلك الأطراف تصدر تباعًا للتأكيد على ضرورة الحوار والتفاهم؛ وذلك ناتج عن قناعة جماعية بعدم إمكانية الوصول إلى حل عسكري حاسم. تبع ذلك بعض الخطوات العملية على طريق الحوار والمصالحة. تبحث هذه الورقة في مواقف الأطراف الأفغانية من هذه القضية و تشخص الموانع و العقبات التي تواجه المساعي المبذولة بشأنها.

أهمية البحث عن حل

تتخذ القضية الأفغانية أبعادًا محلية تصاحبها أضرار لحقت وتلحق بالشعب الأفغاني، كما أن لها أبعادًا عالمية لا تخفى على أحد؛ فقد أثبتت التجربة في نهايات القرن الميلادي المنصرم أن إهمال أفغانستان وعدم الاهتمام بحل مشكلتها سيعود بالضرر على العالم كله. لم يعد خافيًا أن الاستقرار في أفغانستان سيكون سببًا لاستقرار المنطقة كلها والعالم، واستمرار الحرب في أفغانستان سيجلب ويلات تطول الجميع، وهو ما يجعل كل الأطراف مسؤولة عن حل المشكلة الأفغانية ومساعدة الشعب الأفغاني في الخروج من أزمته الحالية.

بدأ التفكير لدى الحكومة الأفغانية وحلفائها الأجانب في الحوار مع معارضي النظام الحالي مبكرًا، وشكّلت الحكومة الأفغانية اللجنة الوطنية للمصالحة في شهر مايو/أيار عام 2005م(1)، وتم تطوير اللجنة المذكورة وسميت بـ"لجنة توطيد السلام"، وكانت اللجان المذكورة تعمل تحت رئاسة الدكتور صبغة الله المجددي وفق برنامج السلام وإعادة الإدماج في أفغانستان (APRP) (2). وكان الغرض الأساسي من هذا البرنامج، الذي أعده مكتب الأمم المتحدة في أفغانستان ضمن تحديد إطار عمل قوات (ايساف) القوات الدولية المساعدة في الأمن(3)، كان هدف هذا البرنامج يتلخص في الحوار والتفاهم مع معارضي الحكومة الأفغانية وتشجيعهم عن طريق المبالغ التي تُقدم لهم لترك صفوف المعارضة والانضمام إلى الحكومة أو العودة إلى الحياة العادية(4)، وكانت حركة طالبان تنظر إلى هذه العملية على أنها تكتيك آخر لإضعاف صفوفها، ولم تنظر إليها كعملية حوار للوصول إلى تسوية بين الأطراف المختلفة، ومن هنا كانت تعارضها من الأساس.

عقد المجلس الوطني التقليدي للسلام (لويا جرغا) في بداية شهر يونيو/حزيران عام 2010م في كابول، وشارك فيه حوالي 1600 شخص من الأعيان وموظفي الدولة، وكان من قرارات المجلس تشكيل "المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية" تحت رئاسة برهان الدين رباني، وكان من المفترض أن يعمل المجلس المذكور بصورة مستقلة، لكن الحكومة ألحقت به "برنامج السلام وإعادة الإدماج في أفغانستان"(5) الذي كان يرأسه وما زال محمد معصوم استانكزاي، ومن هنا كان المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية محكومًا بالفشل من بداية تشكيله، لأن حركة طالبان، التي تعتبر أكبر فصيل في المعارضة المسلحة،لم تجد فيه مصالحة بل رأت فيه "حربًا تحت عنوان السلام، ومحاولة لشق صفها وتسليم أفرادها إلى الحكومة". من هنا سعت الحركة بكل الوسائل المتاحة لديها لإفشال المجلس، وأدى ذلك إلى حوادث مؤلمة؛ منها التفجير الذي أودى بحياة برهان الدين رباني رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية يوم 20 سبتمبر/أيلول عام 2011م.

الحوار في أوضاع معقدة

لاشك أن القضية الأفغانية شائكة ومعقدة؛ وذلك لأن مصالح الأطراف الداخلة فيها ومواقفها متعارضة ومتناقضة، وذلك ينسحب على الحكومة الحالية وأحزاب المعارضة السلمية وحركة طالبان والحزب الإسلامي تحت قيادة حكمتيار، كما أن للدول المجاورة مثل إيران وباكستان مصالحها أيضًا. ومعروف ما للدولتين من نفوذ على الجهات الأفغانية، كما أن لكل منهما آليات ووسائل للتأثير على سير المصالحة في أفغانستان. ويعقّد من هذا الوضع أن مصالح الدولتين المجاورتين تتعارض في أفغانستان وتختلف أولوياتهما. وتمتلك القوى الإقليمية والعالمية مصالح سياسية واقتصادية وأمنية تلتقي وتتعارض في المنطقة، وهذا ينطبق على روسيا والصين والهند وأميركا والدول الأوروبية والمملكة العربية السعودية. وفي هذا الجو المعقد يصعب الحوار والوصول إلى المصالحة.

يضاف إلى تعقيدات الوضع الأفغاني أن أمر الحوار ليس بيد طرف واحد أو طرفين ليجتمعا وينهيا الصراع. ومع ذلك يمكن تناول مواقف أربع جهات رئيسة في الصراع الأفغاني؛ وهي حركة طالبان، والحكومة الأفغانية وأحزاب المعارضة السياسية، والولايات المتحدة الأميركية،لنتمكن في ضوئها من استشراف مستقبل الحوار والمصالحة، وخاصة بعد سفر كرزاي الأخير إلى الدوحة.

شروط "طالبان"

ترى حركة طالبان أنها استطاعت أن تكسر شوكة أميركا وحلفائها في ميدان الحرب، ومن هنا لا ترضى أن تكون هي الشريك الأضعف في الحكومة المقبلة، بل تريد أن تكون بديلاً للنظام الحالي، وإن لم يكن ذلك ممكنًا فيجب أن يكون لها نصيب الأسد في التشكيلة المقبلة، وهي تريد أن تدخل في الحوار مع مختلف أطراف الصراع لتحقيق أهدافها التي تظن أنها اقتربت من الحصول عليها في ميدان الحرب، ومن هنا تضع الشروط التالية للحوار والمصالحة:

  • أولاً: ترى حركة طالبان أن الصراع في أفغانستان له جانبان؛ أولهما: وجود القوات الأجنبية في أفغانستان، وثانيهما: المشاكل والاختلافات بين الأطراف الأفغانية. وتعتقد الحركة بضرورة تسوية الحسابات مع القوات الأجنبية وعلى رأسها أميركا، وقد يكون ذلك طريق المحادثات بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأميركية، يكون التركيز فيها على انسحاب القوات الأجنبية وإطلاق سراح أسرى الطرفين، ثم يعقب ذلك الحوار مع الأطراف الأفغانية لتشكيل الحكومة المقبلة.
  • ثانيًا: تشترط طالبان لمحادثات السلام مع الحكومة الأفغانية انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، لكنهم مستعدون للمحادثات مع أميركا بشأن سحب قواتها.
  • ثالثًا: تشترط الحركة أن تكون المحادثات عن طريق مكتب رسمي يهيئ لها التمثيل الدبلوماسي، وأما المحادثات التي تجريها الحكومة الأفغانية مع بعض أعضائها فهي مرفوضة من وجهة نظرها، لأنها تكون بغرض تسليمهم للحكومة ولا يكون الغرض منها تسوية القضية الأفغانية.
  • رابعًا: ترى حركة طالبان أن محادثاتها لا تكون بغرض الانضمام للنظام الحالي، بل تكون لتشكيل نظام سياسي جديد عن طريق وضع دستور جديد للبلاد، وتبرر رفضها للدستور الحالي بأنه كُتب تحت ضغوط أميركية وبإملاءات منها.
  • خامسًا: ترفض حركة طالبان الحوار عن طريق المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية الذي تعتبره الحكومة الأفغانية الجهة الوحيدة المخولة للحوار ومحادثات السلام، وتؤكد أن المصالحة تحتاج إلى"جهة مخلصة محايدة"، وأما "من يسعى للمصالحة بتكليف من الولايات المتحدة ونظير مبالغ يتقاضاها فإنه لا يمكن أن يعيد الصلح إلى أفغانستان".
  • سادسًا: تشترط حركة طالبان أن تسبق محادثات السلام والحوار خطوات عملية من قبل الولايات المتحدة الأميركية والحكومة الأفغانية لإثبات حسن النوايا؛ مثل إطلاق سراح المعتقلين وإيقاف الإعدامات وغيرها(6).

 موقف الحكومة الأفغانية

تعيش الحكومة الأفغانية مأزقًا لأن حركة طالبان ترفض إجراء أي حوار معها قبل انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، ومن جهة أخرى تواجه الإهمال المتعمد من قِبل الولايات المتحدة الأميركية في المحادثات السرية التي تجري بينها وبين حركة طالبان من حين لآخر في بعض الدول الأوروبية وبعض الدول العربية، ومن هنا يخشى الرئيس الأفغاني أن يقود ذلك إلى تهميش دور حكومته السياسي في حل القضية الأفغانية، ومن هنا تشتد لهجته أحيانًا ضد الخطوات التي لا تعارضها الولايات المتحدة الأميركية (مثل ما حدث في قضية فتح المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة) ثم يتراجع بعد تثبيت مكانته في أمر تسوية القضية الأفغانية، لكن مع كل ما تواجهها من صعوبات فإن الحكومة الأفغانية تصرح دائمًا بأنها تشترط للحوار مع حركة طالبان الشروط التالية:

  1. أولاً: الموافقة على الدستور الأفغاني الحالي؛ وذلك لأن الموافقة عليه تضمن موافقة حركة طالبان على الحريات التي تكفلها القانون الأساسي.
  2. ثانيًا: قطع الصلات بتنظيم القاعدة وجميع الجهات الإرهابية.
  3. ثالثًا: التوقف عن الأعمال الإرهابية والعنف ضد العُزل من الشعب الأفغاني.
  4. رابعًا: الاعتراف بالحقوق الأساسية لجميع الأفغان بمن فيهم النساء.
  5. خامسًا: الحفاظ على مكتسبات اثنتي عشرة سنة ماضية(7).

تشير تحليلات عدة إلى أن الحكومة تهدف من وضع هذه الشروط للحوار مع أحزاب المعارضة المسلحة إلى أن تجرها إلى العمل السياسي،مع الإقلاع عن العمل المسلح والمشاركة في الانتخابات؛ وذلك بغية "الحفاظ على مكتسبات الفترة الماضية" حسب تعبير الجهات الرسمية. ويبدو أن الشروط التي وضعتها الحكومة هي مجرد شروط رمزية لئلّ تظهر بمظهر الجهة الضعيفة، وإلا فهي مستعدة للحوار إن رضيت حركة طالبان به، ومن ثم فهي وضعت لاستكمال طريق المصالحة "خارطة طريق" من أهم ملامحها:

  • المرحلة الأولى: وهي التي امتدت حتى شهر مارس/آذار عام 2012م، واقتضت الخطوات الأساسية في هذه المرحلة أن تساند باكستان وسائر دول المنطقة عملية السلام الأفغاني، وإطلاق سراح أسرى طالبان في باكستان ونقلهم منها إلى أفغانستان أو إلى دولة ثالثة، وأن تشجع باكستان حركة طالبان بالاستفادة من تأثيرها عليها على قطع صلاتها بتنظيم القاعدة وتوفير المسير الآمن من قبل باكستان لأعضاء حركة طالبان الذين يريدون اللحاق بالمصالحة الوطنية.
  • المرحلة الثانية: في المنتصف الأول من عام 2013م، وتكون الخطوات الأساسية في هذه المرحلة إخراج أسماء قيادات حركة طالبان من القوائم السوداء، وتوفير المسير الآمن، والاستجابة لجميع طلبات قيادات حركة طالبان الذين يريدون المشاركة في مفاوضات السلام، وأن تهيئ باكستان ظروفًا مناسبة للتعاون بين القيادات المعروفة لحركة طالبان والجهات المسلحة الأخرى وبين المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية وحكومة أفغانستان. وكذلك تهيئة الظروف من قبل أفغانستان وباكستان للتعاون بين علماء البلدين للحيلولة دون فتاوى غير شرعية، وأن تسعى باكستان وأفغانستان والمملكة العربية السعودية وأميركا لتهيئة الظروف للمحادثات المباشرة بين الحكومة الأفغانية والمعارضة المسلحة في المملكة العربية السعودية.
  • المرحلة الثالثة: في النصف الثاني من عام 2013م، وتكون الخطوات الأساسية في هذه المرحلة تهيئة الظروف للمحادثات الرسمية والمباشرة بين الحكومة الأفغانية وممثلي حركة طالبان المعروفين عن طريق قنوات ثابتة ومنظمة بغرض التوصل إلى توافق أمني مع رعاية الأولويات، وستتضمن تلك الأولويات القضاء على العنف، والسماح للخدمات الاجتماعية، والتعليم، والمساعدات الإنسانية وتوفير الأمن للعملية الانتخابية.
  • المرحلة الرابعة: في النصف الأول من عام 2014م، وتكون الخطوات الأساسية في هذه المرحلة الحصول على التأييد الشعبي لمكاسب عملية المصالحة، وتؤيد الحكومة وحركة طالبان وسائر الجماعات المسلحة تلك المكاسب أيضًا، وتتولى الحكومة مسؤولية توفير الأمن لقيادات طالبان، وتمنع الحكومة الباكستانية والحكومة الأفغانية أي نوع من التدخل الذي يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في أفغانستان، وأن يساعد المجتمع الدولي عامة والولايات المتحدة الأميركية خاصة على تطبيق الاتفاقيات المذكورة.
  • المرحلة الخامسة: عام 2015م، وفي هذه المرحلة يستمر تعاون دول العالم والمنطقة لاستقرار الأمن في أفغانستان وكذلك في دول المنطقة كلها(8). هذه الخارطة كلها مبنية على أن باكستان ستلعب في المصالحة الأفغانية دورًا رئيسًا مع أن حركة طالبان تنفي أن يكون لحكومة باكستان هذا القدر من التأثير عليها.

 موقف الولايات المتحدة الأميركية

تمتلك الولايات المتحدة الأميركية مصالح حيوية في أفغانستان، وأعلنت واشنطن أنها تريد أن تسحب جزءًا من قواتها من أفغانستان في نهاية عام 2014م، وتشير تقارير إلى أنها ستحتفظ بمجموعة كبيرة منها في القواعد الدائمة التي أنشأتها في مختلف مناطق أفغانستان، ومن أهم تلك المصالح التي تقتضي بقاء مجموعة من قواتها الحفاظ على أمنها القومي الذي من أجله دخلت بقواتها إلى أفغانستان عام 2001م؛ إذ تعتقد أن القوات الأفغانية لا تستطيع مواجهة المعارضة المسلحة لو انسحبت القوات الأميركية من أفغانستان، ومن هنا ستعود أفغانستان إلى نفس الحال التي كانت عليها قبل 2001م، و هو ما سيوجه تهديدًا مباشرا للأمن القومي الأميركي، هذا بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية والعسكرية والأمنية والمصالح الإستراتيجية الأخرى، ومن هنا فقد اتفقت كلمة المحللين على أن أميركا لا تريد الانسحاب الكامل من أفغانستان، وهذا ما يكرره الساسة الأميركان بأنهم لن يتركوا أفغانستان لتعود "وكرًا للإرهاب" كما كان في العقد التاسع من القرن الماضي، لكنها مع كل ذلك تريد أن تتحاور مع ممثلي حركة طالبان، وأن تخوض معهم في المحادثات، ويكون غرضها من الحوار عدة أمور، منها:

  1. محاولة شق صف حركة طالبان: تعتقد أميركا أن الحوار مع طالبان سيؤدي إلى اختلاف وجهات النظر بين قيادات حركة طالبان أو بين المجموعات المقاتلة وبين القيادات السياسية حول الحوار والمحادثات، وبذلك ستضعف حركة طالبان، وستنضم مجموعة منهم إلى الحكومة، وقد ظهرت بعض البوادر لذلك بانفصال الملا معتصم آغاجان رئيس اللجنة السياسية السابق في حركة طالبان ومحاولاته لإنشاء حزب سياسي للمشاركة في العملية الانتخابية، ثم عزل الملا طيب آغا بعده من منصبه في اللجنة السياسية.
  2. إنهاك حركة طالبان: وقد يكون الغرض الآخر من محادثات أميركا مع حركة طالبان إنهاكها في المحادثات ومحاولة إقناعها بضرورة انضمامها للنظام الحالي، وفي نفس الوقت تسعى الولايات المتحدة الأميركية لتوقيع الاتفاقية الأمنية مع حكومة كرزاي التي ستهيئ لأميركا فرصة الاحتفاظ بقواتها في أفغانستان.

خلاصة القول: إن أميركا ستسعى للدخول في الحوار والمحادثات مع حركة طالبان لكن ليس للتوافق على سحب قواتها من أفغانستان بل لأغراض أخرى كما أشرنا إلى بعضها، وبذلك نستطيع القول: إن هناك بونًا كبيرًا وتناقضًا حقيقيًا بين ما تهدف إليه أميركا وبين ما ترنو إليه حركة طالبان من الحوار والمحادثات.

مكتب الدوحة ومستقبل محادثات السلام

كانت حركة طالبان تطالب بفتح مكتب سياسي وتمثيل دبلوماسي لها لتخرج بذلك من الانزواء السياسي، ولتكون الجهة التي تتحدث باسمها محددة ومعروفة لئلا تحاول الحكومة الأفغانية وأميركا الاتصال بأفرادها للتأثير عليهم، تلقت حركة طالبان الضوء الأخضر بفتح المكتب السياسي لها في عام 2011م بعد محادثات سرية تمت بين رئيس اللجنة السياسية في حركة طالبان الملا طيب آغا وبين الأميركان في ألمانيا وبعض الدول العربية، وتم الاتفاق بينهم على أن يُفتح ذلك المكتب في الدوحة بدولة قطر، وبناء على ذلك سافرت مجموعة من قيادات حركة طالبان مع أسرهم إلى الدوحة في ديسمبر/كانون الأول عام 2011م، ولما رأى حامد كرزاي أنه تم إهمال حكومته ونظامه من قبل الأميركان تمامًا، استدعى سفيره من الدوحة، واعترض على فتح المكتب بلهجة شديدة، وكان اعتراضه في الحقيقة على التعامل الأميركي المهين مع حكومته، ثم تراجع كرزاي وأعلن في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2012م أنه يوافق على فتح مكتب لحركة طالبان في الدوحة، لكن الأميركان تراجعوا عن عهودهم مع حركة طالبان، فلم يُفتتح المكتب رسميًا حتى الآن، ولم يُطلق سراح قيادات حركة طالبان من معتقل غوانتنامو.

سافر حامد كرزاي في نهاية شهر مارس/آذار إلى الدوحة بدعوة رسمية من أمير قطر لمناقشة موضوع فتح المكتب السياسي لحركة طالبان، وأبدى موافقته عليه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بتأثير افتتاح هذا المكتب على المحادثات بين حركة طالبان وبين الأميركان وحكومة كابول.

ويمكن القول بأن فتح المكتب السياسي لحركة طالبان ضرورة في هذه المرحلة، وذلك لأن المشاكل والأزمات التي تواجهها أفغانستان تتطلب في نهاية الأمر حوارًا لحلها؛ فالحرب لا يمكن أن تكون حلاً، ولا تُستثنى القضية الأفغانية من هذه القاعدة، فإذا أراد الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي حل القضية الأفغانية وجب عليه الحوار بين أطراف الصراع المختلفة، وحركة طالبان بحجمها الحالي يجب أن يكون لها كلمة ورأي في ذلك الحوار وتلك المحادثات، ولا يكون ذلك إلا من خلال المكتب السياسي والتمثيل الدبلوماسي، ومن هنا يلزم فتح المكتب المذكور، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن يكون بين الأطراف الأفغانية المختلفة تبادل لوجهات النظر بصورة رسمية لإعادة الثقة بينها ولن يمكن ذلك إلا عن طريق هذا المكتب، وسيساعدها ذلك على تعديل أفكارها وتعزيز اعتدالها، وهذا هو سر إصرار حركة طالبان على فتح المكتب المذكور.

النتائج المستقبلية للحوار 

في ضوء ما سبق من تحليل مواقف القوى المؤثرة في القضية الأفغانية يمكن القول بأن المحادثات بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة طالبان بصورتها الحالية لن تتمخض عن نتائج ملموسة وذلك بسبب تناقض تام بين مصالح الطرفين، وبسبب تعارض أغراض الطرفين من الحوار ومحادثات السلام إلا إذا اضطر أحد الطرفين للتنازل عن بعض أغراضه الأساسية، وهو أمر مستبعد في الظروف الحالية؛ فأميركا لا تُبدي ميلاً للتنازل عن أهدافها وليست مستعدة لسحب جميع قواتها؛ لأن ذلك سيعرّض أمنها القومي لتهديد مؤكد في زعمها، وإذا حدث ذلك سيكون كل ما قامت به خلال اثنتي عشرة سنة ماضية قد ذهب سدى، وكذلك الحال بالنسبة لحركة طالبان إذ لا تريد أن تقبل بوجود القواعد الأميركية في أفغانستان؛ لأنها إن تنازلت عن ذلك فإنها ستلغي مبرر وجودها، وستبطل كل ما قامت به خلال الفترة نفسها.

أما بالنسبة للجهات الأفغانية المختلفة فليس بين مواقفها ذلك التناقض ولا ذلك البون البعيد، وتستطيع أن تتغلب على مشاكلها وأن تقترب وجهات نظرها خلال المحادثات الجادة، إن أخلصت النية. ولا نقصد بالجهات الأفغانية الحكومة وحركة طالبان فقط، بل نقصد بها كل الأطراف الأفغانية سواء كانت جزءًا من الحكومة أو من المعارضة المسلحة أو من المعارضة السياسية، وإذا تم التوافق بين جميع الأطراف الأفغانية على تحديد ملامح النظام المقبل سهل التخلص من القوات الأجنبية بعده كذلك، ومن هنا تأتي التوصية بأن يبدأ الحوار متزامنًا بين الأطراف والجهات الأفغانية، وبين حركة طالبان والولايات المتحدة الأميركية.

يشترط لنجاح عملية الحوار والمحادثات لحل القضية الأفغانية أن يُراعى فيها الأمور التالية:

  • يجب أن يقوم بالوساطة بين الأطراف الأفغانية المختلفة طرف أفغاني محايد، يكون موضعًا لثقة جميع الأطراف، ولهذا السبب لم تنجح جهود المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية؛ لأن حركة طالبان كانت وما زالت تعتبرها جهة رسمية موظفة من قبل الحكومة، ولا يمكن في نظرها لمثل تلك الجهة أن تحافظ على حيادها في عملية المحادثات.
  • إيجاد محور في إطار مجلس التعاون الإسلامي لتبني محادثات السلام في أفغانستان ومساندتها يؤيده محور من الدول الإسلامية القوية (يكون عمله ضمان إمكانية تنفيذ القرارات، إقناع الدول الغربية وخاصة أميركا بقبول نتائج المحادثات، الإسهام في بناء مؤسسات الدولة بعد الاستقرار). ويمكن أن تكون تلك الدول التي يتشكل منها ذلك المحور من الدول التي لا تكون لها أطماع في أفغانستان ولا تثير الجيران وخاصة باكستان، وتلك الدول هي: السعودية، مصر، تركيا، ماليزيا، قطر وغيرها.
  • فتح مكتب الخبراء والمتخصصين الأكاديميين الأفغان في كابول مع الاستعانة بالخبراء من خارج أفغانستان لتقديم المشورة لتلك الجهات التي تسعى للمصالحة.
  • وجوب أن يأتي التركيز في البداية على إعادة الثقة المتبادلة بين الأطراف الأفغانية المتحاربة وذلك عن طريق اللقاءات المتعددة أولاً، وثانيًا عن طريق خطوات ملموسة تدل على أن تلك الأطراف جادة في عملية المصالحة، وأنها ليست مجرد خديعة.
  • جمع الأطراف الأفغانية المختلفة على طاولة الحوار للاتفاق على خارطة طريق للوصول إلى وضع مستقر في أفغانستان.
  • إقناع الشعب الأفغاني وتشجيعه ليقف وراء الأطراف التي تسعى للمصالحة بين الأطراف المختلفة.

____________________________________
د. مصباح الله عبد الباقي - أستاذ في جامعة سلام، كابل

الهوامش
1- للمزيد يمكن مراجعة موقع اللجنة الإلكتروني :
   http://www.pts.af/index.php?page=en_Background
2-  Afghanistan Peace and Reintegration Program (APRP)
3- ISAF) International Security Assistance Force)
4- راجع لتفاصيل هذا البرنامج الكتيب التعريفي بعنوان (A Guide to the Afghanistan Peace and Reintegration Program (APRP) p. 11) على العنوان التالي:
 https://ronna-afghan.harmonieweb.org/FRIC/APRP%20Policy%20Documents%20Structures%20and%20SOPs/Reintegration_Hand_Book.pdf
5- ومن هنا تجد أنهم وضعوا تفاصيل برنامج (APRP) على موقع المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية، راجع الرابط التالي:
http://www.hpc.org.af/english/
6- يراجع: البيان الذي قرأه ممثلو حركة طالبان في مؤتمر فرانسه: http://www.nunn.asia/index.php/afghanistan/articles/5789
7- راجع: http://bostnews.com/details_dr.php?id=13409&cid=56
8- المتن الكامل لخارطة طريق المصالحة على العنوان التالي: http://bostnews.com/details_dr.php?id=13409&cid=56

نبذة عن الكاتب