خيارات العمل العسكري ضد سوريا

قد يتم التوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار تحت البند السابع للتدخل في سوريا أو بالذهاب إلى الجمعية العمومية وفقًا للقرار 377، وقد يقوم حلف شمال الأطلسي بذلك منفردًا، وأيًا كان المبرر القانوني أو الأخلاقي فإن احتمالات التدخل العسكري في سوريا ستكون ضمن خيارات ثلاثة تناقشها هذه الورقة.
201382814366377734_20.jpg
ترى الولايات المتحدة الأميركية أن أي عمل عسكري ضد سوريا سيكون له مبرر قانوني (الجزيرة)

بدأت سوريا تسعى لبناء سلاحها الكيماوي منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي من أجل تحقيق التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل في ظل تفوق الأخيرة بامتلاكها السلاح النووي. تلقت سوريا أول قذيفة كيماوي عام 1973 كهدية من الحكومة المصرية، ولكن البداية الحقيقية كانت في منتصف الثمانينيات حيث عملت على تطوير برنامجها الكيماوي بمساعدة مصر ابتداء، ثم الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا في تسعينيات القرن الماضي، ثم إيران ابتداء من عام 2005، حسب وكالة نوكلير ثريت "nuclear threat".

اعترفت سوريا لأول مرة بأنها تمتلك السلاح الكيماوي في تاريخ 23 يوليو/تموز 2012 على لسان الناطق الرسمي بوزارة الخارجية السورية الدكتور جهاد المقدسي عندما أعلن أن السلاح الكيماوي تحت حماية الجيش السوري ولن يتم استخدامه إلا إذا تعرضت لعدوان خارجي.

تشير التقديرات إلى أن سوريا تمتلك مخزونات ضخمة من العوامل الكيماوية، ورغم تباين التقديرات إلا أنها تجمع على أن حجم المخزونات السورية من العوامل الكيماوية يبلغ مئات الآلاف من الأطنان؛ حيث تشير التقديرات إلى أن النظام يمتلك ما بين 800-1100 طن من غاز السارين بالإضافة إلى مئات الأطنان من عوامل التابون والزومان وغاز الخردل وعامل  vx، والعامل 15، والعوامل المسيلة للدموع، وعوامل مكافحة الشغب.

تتوزع مستودعات الأسلحة الكيماوية على خمسة مستودعات رئيسة في كل من السفيرة في ريف حلب وقرب مدينة اللاذقية وفي الفرقلس في ريف حمص والقطيفة في ريف دمشق والمستودع الخامس قرب مدينة تدمر، أما المصانع التي تنتج هذا العوامل الكيماوية فهي موزعة بين مجمع البحوث العلمية قرب بلدة السفيرة في ريف حلب، وفي مركز الأبحاث والدراسات العلمية التابع لوزارة الدفاع الواقع في منطقة جمرايا قرب دمشق ومصنع قرب مدينة اللاذقية. وجميع هذه المصانع تعمل تحت إدارة مركز الأبحاث والدراسات العلمية وبالتنسيق مع روسيا وبإشراف المخابرات الجوية.

نقطة التحول

يُعتبر يوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2012 نقطة التحول في مسار الثورة السورية؛ حيث أشارت التقارير إلى أن قوات النظام استخدمت العامل 15 (صناعة عراقية) في حي بعلبة في مدينة حمص مستخدمة قذائف المدفعية مما أوقع عشرات الشهداء والمصابين كما أفادت مصادر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. وتوالت التقارير عن استخدام العوامل الكيماوية خاصة عامل السارين ضد العديد من المدن والقر ى السورية (عين ترما، خان العسل، العتيبة، عدرا، زملكا، الشيخ مقصود، داريا، سراقب، جوبر، الرستن، الحجر الأسود، العسالي، القابون، وبرزة). ووثّقت المعارضة السورية 28 حالة استُخدم بها السلاح الكيماوي.

ولقد أُبلغت الأمم المتحدة بأنه تم استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا ثلاث عشرة مرة، وجرى تقديم اثني عشر بلاغًا من قبل كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وبلاغ وحيد قُدّم من الحكومة السورية متهمة المعارضة المسلحة باستخدام غاز السارين في مدينة خان العسل في محافظة حلب خلال شهر مارس/آذار الماضي.

على إثر تواتر التقارير عن استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي أدلى الرئيس الأميركي باراك أوباما بتصريحه الشهير معتبرًا أن استخدام السلاح الكيماوي خط أحمر ومن يتجاوزه عليه أن يتوقع إجراءات رادعة وقاسية، ولكنه لم يتبع ذلك التصريح بأية إجراءات عملية رغم التأكيدات التي صدرت عن المختبرات العلمية للجيش البريطاني ومعامل وزارة الدفاع الفرنسية التي تسلمت عينات من صحفيين يعملون في صحيفة لوفيغارو جمعوها من الغوطة الشرقية وكذلك تقارير المخابرات المركزية الأميركية بأن القوات السورية استخدمت غاز السارين ضد المدنيين السوريين وفي مواقع عدة في سوريا.

في صبيحة يوم الأربعاء الموافق 21 أغسطس/آب وفي حدود الساعة الثالثة تعرضت كل من دوما وسقبا وعين ترما وجوبر وزملكا وعربين وكفر بطنا ومعظمية الشام لقصف صاروخي ومدفعي محمل برؤوس كيماوية، وقد حددت الاستخبارات الإسرائيلية أنه تم استخدام العوامل الكيماوية وحددت مكان انطلاق الصواريخ "صاروخين من على جسر الطريق السريع بين دمشق وحمص والصواريخ الأخرى من مصنع تابع للشركة العربية السورية للصناعات الإلكترونية" "سيروفيكس" في حي القابون، كما أن قوات الجيش السوري الحر أكدت أن قوات النظام السوري استخدمت صواريخ معدلة وقذائف هاون في هجومها الكيماوي، وأن الصواريخ أُطلقت من شركة "سيروفيكس" في القابون ومن منطقة الفرقة الرابعة، وأن قذائف الهاون أُطلقت من حاجز الحرس الجمهوري عند جسر بغداد. أدت التقارير المتلاحقة عن ازدياد أعداد القتلى والجرحى إلى حراك دولي قادته كل من فرنسا وبريطانيا مما زاد الضغط على الرئيس الأميركي أوباما والذي اكتفى بالتعبير عن قلق البيت الأبيض ومطالبته بمحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي من دون توجيه تهم لأي جانب، فيما طالبت الأمم المتحدة بالتحقيق وسرعة تحرك الفريق الدولي برئاسة أكي سيلستروم إلى منطقة الغوطة ليتبع ذلك بالطلب رسميا من الحكومة السورية السماح لمفتشي المنظمة الدولية بالتحقيق في الادعاءات وأنه يتوقع ردًا إيجابيًا من دون تأخير، وأنه إذا ثبت استخدام العوامل الكيماوية فإنه يُعتبر جريمة ضد الإنسانية ويجب أن يحاسب المسؤول عنها.

رغم تزايد الضغوط الدولية وانتقادات السيناتور الجمهوري جون ماكين تجنبت المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين بساكي" الحديث عن الخط الأحمر وأنها ليست مخولة برسم خطوط حمراء جديدة، فيما وصف الرئيس الأميركي أوباما استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي بالحدث الجلل، لكنه لن يتسرع في التورط في المستنقع السوري والرمال السورية المتحركة، كما تجاهل الخط الأحمر، وأكد أنه لن يندفع في الاستجابة لدعوات بتدخل أميركي فوري لأن هذا سيكون ضد المصالح الأميركية طويلة المدى، مشيرًا إلى مشكلات في الميزانية والقانون الدولي، رغم قناعة كثيرين بأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تتحرك خارج حدودها لحماية الآخرين.

أدى تسارع الأحداث وتقدم المواقف البريطانية والفرنسية إلى دفع القيادة الأميركية إلى عقد اجتماع بين وزارتي الخارجية والدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية دام ثلاث ساعات لبحث الخيارات المتاحة للإدارة الأميركية، وانتهى الاجتماع دون التوصل لنتيجة حاسمة بسبب الانقسامات الحادة بين المؤيدين لتوجيه ضربة قاسية للنظام والذين يرون أن الوقت غير مناسب لتوجيه تلك الضربة.

طلب الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" من "أنجيلا كين" السفر إلى دمشق والطلب من الحكومة السورية الموافقة على ذهاب بعثة الأمم المتحدة إلى الغوطة والتعاون معها وتسهيل مهمتها، كما دعا الدول ذات التأثير إلى بذل كافة الجهود الممكنة لإنجاح مهمتها، كما طالب بإجراء تحقيق عاجل، وأضاف أنه إذا ثبت استخدام العوامل الكيماوية فإن ذلك يعتبر جريمة ضد الإنسانية ويجب أن يحاسب مرتكبها.

تغيير الموقف الأميركي

كل ذلك أدى إلى تغير في الموقف الأميركي؛ حيث كشف وزير الدفاع الأميركي تشاك هيجل أن البنتاغون بدأ بتحريك قواته المتواجدة في البحر المتوسط لمنح الرئيس أوباما خيارات عدة في حال أمر بتنفيذ عمل عسكري ضد سوريا، كما عقد الرئيس الأميركي اجتماعًا مع مستشاريه للأمن القومي لمناقشة تقارير تفيد بأن الحكومة السورية استخدمت العوامل الكيماوية، ودراسة الخيارات المتاحة للتعامل مع الأزمة السورية ووقف قتل المدنيين، وكان من بين الخيارات المطروحة ما اصطُلح عليه بخيار كوسوفو، أي شن هجمات جوية على أهداف محددة وبتفويض من حلف شمال الأطلسي ودون الرجوع إلى مجلس الأمن لتفادي الفيتو الروسي، كما أمر الرئيس أوباما أجهزة الاستخبارات بجمع الأدلة لتحديد ما حصل بسوريا وأوضح أنه إذا تم التحقق من استخدام العوامل الكيماوية سيتم اتخاذ القرار المناسب للرد عليه. كما قررت وزارة الدفاع الأميركية الإبقاء على المدمرة الأميركية "يو إس إس ماهان" بالإضافة إلى المدمرات الثلاث "غريفلي وباري وراماج"، وجميعها تحمل صواريخ توما هوك لزيادة القدرة القتالية للأسطول السادس الأميركي.

وسربت بعض التقارير مكالمة هاتفية بين رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال ديمبسي ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غانيتس، وأن المكالمة تضمنت الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تتجه نحو القيام بعملية عسكرية في سوريا خلال فترة قريبة، ومتوقع أن ضربات صاروخية وجوية تلحق أضرارًا جسيمة بمفاصل القوة السورية دون إسقاط الأسد، وأن أميركا ستزيد من تعاونها الاستخباري مع إسرائيل ضمن التحضير للعملية، وأن أية عملية عسكرية ستقوم بها الولايات المتحدة الأميركية ضد سوريا سيتم تنسيقها مع إسرائيل وبعض الدول العربية والإقليمية.

تزامن كل ذلك مع اجتماع لرؤساء أركان جيوش كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وتركيا والسعودية وقطر ابتداء من يوم الأحد 25 أغسطس/آب ولغاية يوم الثلاثاء 27 أغسطس/آب، وهدف الاجتماع لمناقشة ما تم الاتفاق عليه في الاجتماعات السابقة والتأكيد على استمرار التنسيق بين الدول المشاركة وتقييم الأحداث الجارية في سوريا وانعكاساتها على أمن المنطقة بشكل عام، ورجّح مصدر أردني أن يتصدر موضوع الحرب الكيماوية في سوريا محور الاجتماعات وأن يدرس القادة السبل الكفيلة بمنع انتشار الأسلحة الكيماوية ووضع الخطط للوصول إلى هذه الأسلحة قبل أن تصل إليها أيدي "الجماعات الإسلامية المتشددة"، كما جرى بحث إقامة منطقة عازلة أو منطقة حظر طيران على الحدود الجنوبية تصل إلى بلدة الصنمين مع تأمين المنطقة الغربية المحاذية لهضبة الجولان السوري المحتلة وتزويد المعارضة المسلحة بالسلاح لتمكينها من القيام بذلك.

قابل التصعيدَ الدولي تصعيد آخر مقابل تمثل في تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد بأن التدخل الأميركي مصيره الفشل، وأن التهديدات الغربية تخالف العقل والمنطق، وأن الأمن السوري يتعامل مع مجموعات فردية ومع جيوش إرهابية  أمثال الظواهري، كما خاطب رؤساء الدول بأن الحروب نهايتها الفشل وستؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، فيما ذهب وزير الإعلام السوري عمران الزعبي إلى أبعد من ذلك حيث اعتبر أن أي اجراء عسكري تقوده الولايات المتحدة الأميركية لن يكون نزهة وسيتحول إلى كرة لهب تطول دول الجوار.

ورغم إدانة الرئيس الإيراني حسن روحاني لأي استخدام للأسلحة الكيماوية ونصيحة وزير الخارجية الإيراني للنظام السوري بالسماح لفرق التفتيش الدولي بالذهاب إلى الغوطة إلا أن تحذيرًا إيرانيًا جاء على لسان العميد مسعود جزائري مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني معتبرًا أن تجاوز الولايات المتحدة الأميركية الخط الأحمر في سوريا سيكون له تداعيات وخيمة، فيما قال اللواء محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني: إن أحداث المنطقة لن تصب في صالح إسرائيل، وإن إيران ستضطر للدفاع عن نفسها ضد التهديدات المباشرة وغير المباشرة. وحذرت روسيا من خطر كارثي في حال ضرب سوريا إلا أن وزير الخارجية الروسي أكد خلال مؤتمر صحفي أن روسيا لن تدخل حربًا فيما إذا ضُربت سوريا.

احتمالات التدخل

وتماشيًا مع القانون الدولي ترى الولايات المتحدة الأميركية أن أي عمل عسكري سيكون له مبرر قانوني؛ ويمكن تفسير ذلك بالذهاب إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار تحت البند السابع للتدخل في سوريا أو بالذهاب إلى الجمعية العمومية  وفقًا للقرار 377 "الاتحاد من أجل السلام الصادر عام 1952"، أو أن يقوم حلف شمال الأطلسي بذلك العمل من خارج مجلس الأمن، وأيًا كان المبرر القانوني أو الأخلاقي فإن أبعاد واحتمالات التدخل العسكري ستكون ضمن الخيارات التالية:

  1. الخيار الأول: يهدف هذا الخيار إلى إيقاع عقوبات قاسية على النظام السوري دون إسقاطه من خلال توجيه ضربات صاروخية (صواريخ كروز وتوما هوك) من القطع البحرية الأميركية والبريطانية والفرنسية، وبقية الدول المشاركة والتي ستقدم ما يُطلب منها وضمن إمكاناتها العسكرية. ويُقدر العدد التقريبي للصواريخ التي يمكن استخدامها بـ 150-300 صاروخ. ولقد بدأت خلايا التخطيط العسكري بتحديد الأهداف العسكرية التي يمكن مهاجمتها وتحديث بنك الأهداف المعد مسبقًا لديها، ومن المتوقع أن تشمل قائمة الأهداف المتوقعة مراكز القيادة والسيطرة وقيادات الأجهزة الأمنية والقيادات العسكرية وبعض مراكز القيادة السياسية المسؤولة عن اتخاذ القرار باستخدام الأسلحة الكيماوية، كما ستشتمل قائمة الأهداف على القواعد الجوية ومواقع الصواريخ البالستية خاصة مواقع اللواء 155 في القطيفة، ومواقع الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، وبعض الأهداف الأخرى ذات العلاقة بإدامة القدرة القتالية لقوات النظام. كما قد تشتمل قائمة الأهداف على مصانع ومستودعات الأسلحة الكيماوية ومراكز البحث والدراسة ذات العلاقة (رغم أن هذه الأهداف يتطلب التعامل معها استخدام ذخائر خاصة قادرة على حرق وتدمير هذه الأسلحة دون انتشارها).
  2. الخيار الثاني: سيكون هذا الخيار شبيهًا بخيار كوسوفو أو ما يمكن أن يُطلق عليه "كوسوفو 2"، وسينفذ من خلال حملة جوية مكثفة تقوم بها مئات الطائرات القاذفة والمعترضة وطائرات التموين والاستطلاع والحرب الإلكترونية والتشويش، وقد تدوم فترة هذه العمليات إلى عدة أسابيع أو بضعة أشهر. ولكن هذا الخيار يواجه صعوبات جمة من أهمها قوة شبكة الدفاعات الجوية السورية والتي تُعتبر من أقوى شبكات الدفاع الجوي في العالم بعد شبكة الدفاع الجوي الكورية الشمالية؛ حيث تحتوي على 650 موقع دفاع جوي وتمتلك أنواعًا متعددة من الصواريخ، من أهمها صواريخ غامون إس إس 5 والذي يصل مداه الأفقي إلى 300 كيلومتر ومداه العمودي 30 كم. وبما أن الصواريخ البالستية هي مفتاح العمليات العسكرية للتعامل مع المطارات ومواقع الدفاع الجوي فسوف تستخدم القوات المهاجمة صواريخ كروز وتوما هوك كضربة أولية على مراكز القيادة والسيطرة ومحطات الرادار ومواقع الصواريخ السورية، وقد تحتاج القوات المهاجمة إلى استخدام 70-75 صاروخًا.

    قد ينتج عن تطبيق الخيار الثاني تداعيات ميدانية وعملياتية واستراتيجية، وتتمثل هذه التداعيات في تحقيق قوات المعارضة انتصارات ميدانية قد توظفها في المستوى العملياتي لاستعادة السيطرة الكاملة على مدينة حمص وريفها مما يفتح المجال أمام إجراء مناورة استراتيجية على شكل فكي كماشة من الشمال والجنوب لتطويق مدينة دمشق وبدء معركتها الحاسمة. أما التداعيات الاستراتيجية فتتمثل في انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية من خلال عمليات انشقاق واسعة النطاق مما يؤدي إلى سقوط النظام، وفي حال بقاء النظام السوري متماسكًا قد تلجأ الدول المشاركة إلى إنشاء منطقة حظر طيران ومناطق آمنة تسمح باستخدامها من قبل اللاجئين السوريين، كما ستستخدمها قوات المعارضة المسلحة كقاعدة انطلاق لإسقاط النظام.

  3. الخيار الثالث: يأمل بعض أطياف المعارضة السورية بأن يكون التدخل الغربي أوسع نطاقًا وعلى غرار عمليتي عاصفة الصحراء والترويع والصدمة، إلا أن هذا النوع من العمليات يحتاج إلى قوات أرضية يزيد تعدادها عن 150 ألف مقاتل بالإضافة إلى الإسناد الجوي والبحري، ولكن كافة الدول الفاعلة والقادرة على القيام بهذا العمل (الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا) لا ترغب بإرسال قوات برية، ولن تقوم هذه الدول بتكرار أي من سيناريوهات أفغانستان أو العراق مما يجعله خيارًا غير قابل للتطبيق.

 التأثيرات

بعد دراسة كافة الخيارات الممكنة فإن الخيار الأول هو الأكثر احتمالاً والمتوقع تبنيه من قبل خلايا التخطيط العسكري والاستراتيجي. أما التأثيرات على دول الجوار فإنها تعتمد على قدرات الجيش السوري على الرد وهي رهينة الإمكانات المتاحة؛ وتتراوح هذه الإمكانات بين تنفيذ غارات جوية محدودة أو إطلاق زخّات من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى أو تحريك الخلايا النائمة والمتواجدة في دول الجوار.

وبالنسبة للغارات الجوية فإن الدول المهاجمة ستعمد إلى استخدام عمليات تشويش واسعة النطاق والعمل على إعماء محطات الرادار السورية وإبطال فاعلية شبكة الاتصالات السورية، واستهداف القواعد العسكرية الجوية ومواقع الصواريخ البالستية مع بداية العمليات العسكرية والتي ستحد من إمكانات الجيش السوري وتجعل من الصعب على سلاح الجو السوري أن ينفذ أية غارات جوية على دول الجوار.

أما بالنسبة للصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى فقد تستطيع القوات السورية إطلاق العشرات من الصواريخ على دول الجوار: الأردن وتركيا وإسرائيل، ولقد استَبَقت كل من تركيا والأردن الأحداث بمحاولة حماية نفسها من هذه الصواريخ بإحضار بطاريات صواريخ باتريوت ووضعها على حدودها لحماية الأهداف المحتمل مهاجمتها.

تمتلك إسرائيل منظومة القبة الحديدية والتي تُعتبر فاعلة نسبيًا ضد أية هجمات صاروخية، وقد صرّح نائب وزير الخارجية الإسرائيلي "زئيف الكين" يوم 26 أغسطس/آب بأن إسرائيل مستعدة لمواجهة جميع السيناريوهات في حال توجيه أية هجمات على إسرائيل، فيما استبعد رئيس الاستخبارات العسكرية السابق "عاموس يدلين" أن تشن سوريا أية هجمات على إسرائيل إلا إذا شعر الرئيس السوري أنه بخطر، وأن إسرائيل قادرة على ردع سوريا وطبقت ذلك مرات عدة.

تبقى الإمكانية الأكثر احتمالاً؛ وهي تحريك الخلايا النائمة في كل من تركيا والأردن ولبنان فقد تستطيع هذه الخلايا تنفيذ عمليات اغتيال لبعض الرموز السياسية والعسكرية والأمنية أو تنفيذ بعض التفجيرات في بعض المواقع العامة والمواقع الحساسة؛ ولقد عانت كل من تركيا ولبنان من ذلك.

أما فيما يتعلق بحزب الله فرغم امتلاكه ما يقارب 60 ألف صاروخ منها عدة مئات متوسطة المدى وتمتلك قدرة تدميرية كبيرة، إلا أن تورط حزب الله في هذه الحرب مرتبط بالقرار الإيراني ويصبح على حزب الله أن يقدّر عواقب ذلك التورط حيث سيكون الرد الإسرائيلي حاسمًا ومدمرًا مما يجعل تورط حزب الله مغامرة غير محسوبة قد تدفعه لعدم المشاركة في العمليات القتالية المتوقعة.
________________________________________
* اللواء الدكتور فايز الدويري - خبير في الشؤون الاستراتيجية

نبذة عن الكاتب