قراءة في مواقف دول مجلس التعاون الخليجي من الأزمة في مصر

أدت الإطاحة بحكومة الإخوان المنتخبة وعزل الرئيس الشرعي المنتخب وتدخل مؤسسة الجيش في المشهد السياسي في مصر إلى انقسام في الموقف الرسمي والرأي العام الداخلي، والإقليمي، والعالمي؛ فبينما أدانه البعض بوصفه انقلابًا أو "تغييرًا غير دستوري"، رحَّب به آخرون باعتباره ثورة وإنقاذًا للدولة من أزمة كبرى.
201395113929903734_20.jpg
المصدر (الجزيرة)

أدت الإطاحة بحكومة الإخوان المنتخبة وعزل الرئيس الشرعي وتدخل مؤسسة الجيش في المشهد السياسي في مصر إلى انقسام في الموقف الرسمي والرأي العام الداخلي، والإقليمي، والعالمي؛ فبينما أدانه البعض بوصفه انقلابًا أو "تغييرًا غير دستوري"، رحَّب به آخرون باعتباره ثورة وإنقاذًا للدولة من أزمة كبرى (1). وجاء رد فعل الحكومات في أنحاء الشرق الأوسط على الإطاحة بمرسي معبّرًا عن تأييدها أو رفضها للإسلام السياسي وموقفها من ثورات الربيع العربي وحساباتها الجيوسياسية. أظهرت المواقف المتفاوتة لدول مجلس التعاون الخليجي من الأزمة الراهنة في مصر دوائر الالتقاء والتقارب ومدى الاختلاف والتباين في سياسات دول المجلس تجاه أوضاع المنطقة العربية (2).

لاشك أن الأزمة الحالية في أساسها هي مسألة مصرية داخلية تتعلق بصراع قديم بين أقدم وأقوى طرفين سياسيين في مصر: التيار الإسلامي والمؤسسة العسكرية، وهي مواجهة حاول الطرفان تأجيلها أو تفاديها طيلة الشهور الماضية، ولكن لا يمكن كليًا استبعاد الدور الخارجي (الإقليمي والدولي) كعامل كمساعد. ويبرز في هذا السياق الدور المهم لدول مجلس التعاون الخليجي في دعم "الانقلاب/الثورة" من خلال امتناعها عن تقديم الدعم المتوقع والموعود لنظام مرسي، في حين قُدّم دعم مباشر لقوى المعارضة بكل أطيافها (3)؛ إلى جانب ما تردد عن دعم دول الخليج لقوى المعارضة والمؤسسة العسكرية للإطاحة بمرسي لإزاحة ما تراه من تهديد إخواني. هذه النقطة تلقي الضوء على فاعل أساسي في الأزمة المصرية أُغفل دوره ولم يأخذ حقه الطبيعي من التغطية والتحليل حتى الآن وهو الفاعل الخليجي ذو القدرة المالية والإعلامية الهائلة، التي لا يمكن الاستهانة بها إذا ما استُخدمت في الساحة المصرية.
 
مصر، بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي "أم الدنيا" وذات أهمية متميزة وصبغة خاصة، ليس فقط لثقلها السياسي كونها تمثل قلب النظام العربي، بل أيضًا لكونها فاعلاً قريبًا من النظام الخليجي وجزءًا مهمًا من أمن المنطقة العربية. وإذا كان مجمل الحال وطبيعة العلاقة بين مصر ودول الخليج تعاونية، فإن الملاحظ أنها ازدادت قربًا وعمقًا وحميمية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ حيث تطورت وتوسعت العلاقات الشخصية بين مبارك وحكام الخليج إلى جانب العلاقات الرسمية والمؤسساتية (4).

لكن الملاحظ هنا أنه منذ ثورة يناير/كانون الثاني والإطاحة بمبارك، نشأت حالة من الفتور مع دول الخليج -باستثناء قطر- كشفت عن نفسها مع أحداث السفارة السعودية في القاهرة في سبتمبر/أيلول 2011 (5). وكان ذلك مفهومًا بالنظر إلى ارتياب الدول المحافظة إزاء أي تغيير ثوري في الجوار، لاسيما في بلد بحجم مصر، وعلى أثر الإطاحة بصديق حميم، مثل الرئيس مبارك. كان التوتر، خصوصًا مع السعودية والإمارات والكويت، هو أبرز سمة للعلاقات خلال السنة الماضية؛ حيث مرت العلاقات الخليجية- المصرية بمأزق حقيقي على المستويين الشخصي والرسمي في عهد مرسي، وكان يكفي أنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين لإثارة التوجس منه. ولم يأتِ الأداء الرئاسي أو سياسة الدولة الداخلية والخارجية ليبدد هذا الانطباع أو ينهيه، وإنما أضاف إليه وعمّقه، ليتحول من توتر مكتوم إلى خلاف شبه معلن. والملاحظ، أنه في خلال الفترة من يونيو/حزيران 2012 إلى يونيو/حزيران 2013 لم تطأ أقدام العديد من المسؤولين السعوديين أو الإماراتيين أرض مصر، على الرغم من زيارات المسؤولين المصريين وعلى أعلى مستوى لهذين البلدين.

وفي حين عُرف تقليديًا وجود انسجام إخواني مع الواقع الخليجي منذ الستينيات، إلا أنه خلال السنة الماضية تعرضت علاقات مصر مع بعض دول الخليج للتدهور وتشكّلت هنالك قناعة بأن حكم الإخوان لا يشكّل خطرًا أمنيًا وحسب على دول الخليج، بحكم نظرة الإخوان الأممية المتعلقة بفكرة الخلافة الإسلامية، وإنما خطرًا عقائديًا وتهديدًا أساسيًا لشرعية أنظمة الحكم الخليجية أيضًا؛ فالعقيدة المركزية الإخوانية يُنظر لها بقدر من الريبة بشأن ثروات الخليج؛ وتحدث كثير من المسؤولين الخليجيين عما أسموه "الهلال الإخواني" (6).

وأكبر تهديد يمثله حكم الإخوان المسلمين بنظر بعض الأنظمة الخليجية هو مسألة الشرعية السياسية في دول الخليج. ومن شأن نشأة شرعية إسلامية منتخبة بجوار شرعية الحكم في الدول الخليجية التقليدية، التي ترتكز على القيم الإسلامية أيضًا، أن تثير إشكاليات قد تصل إلى تصادم أو صراع الشرعيتين (7). لقد أثار الخطاب السياسي للإخوان تحديًا للمؤسسات الدينية الرسمية في دول الخليج، ولَّد عداوة أو كراهية مع تلك الدول (8). وإلى جانب الخلاف الفكري ضاعفت ظروف المرحلة وقلة الخبرة السياسية لدى الرئيس المنتخب (مرسي) وفريقه من توسيع الشرخ بين مصر والدول الخليجية. من الواضح أن مرسي لم يتفهم طبيعة الخاصية الخليجية والحساسية الشديدة لدى حكام دول الخليج والخوف مما يهدد أمن أنظمتهم، مثل انتشار الديموقراطية أو حركات الإسلام السياسي إلى جانب الحسابات والتغيرات الجيوستراتيجية.

لقد أثار صعود الإخوان بعض التحديات الاستراتيجية؛ حيث تنامت علاقات مصر مع إيران في عهد مرسي (9)، واتسمت رسائل الإخوان لدول الخليج بالتعارض والضبابية وعدم الاتساق، بل اتبع مرسي من السياسات ما أكد رغبة القيادة المصرية في الاقتراب من إيران أكثر، وهذا يكفي لإثارة حفيظة حكام الخليج (10). وكان من شأن مسار التطور في علاقات مصر بالجمهورية الإسلامية الإيرانية واحتمال تشكيل محور مصري-إيراني أن يضع منطقة الخليج في فوهة كماشة بين دولتين كبيرتين تُحكمان من قبل قوى الإسلام السياسي (سني وشيعي)، ويجعل الخليج واقعًا تحت ضغط مباشر فيما يتعلق بالنفط وممرات الطاقة.

كما أن العلاقة المصرية مع تركيا، حيث التحالف الإخواني-التركي، القائم على أيديولوجية إخوانية بخصوص الخلافة الإسلامية وتوجهات العثمانية الجديدة، مثلت تحديًا للحضور السعودي-الخليجي في الساحة العربية؛ ما قد يؤدي إلى تفتت دول المنطقة بين تحالفات غير داعمة للدول الخليجية. وكان من شأن تمكن الإخوان في مصر أن يجعل دول الخليج محاصرة بين المثلث الإسلامي الأكبر المحيط بالخليج من كل جانب (مصر وإيران وتركيا).

يضاف إلى هذا تقارب الولايات المتحدة الأميركية مع حركة الإخوان المسلمين، وتوجه إدارة أوباما إلى اعتماد الإسلام السياسي، والإخوان المسلمين في مقدمته، حليفًا جديدًا يُعتد به، في ضمان المصالح الأميركية في المنطقة؛ مما يمثل تحديًا استراتيجيًا إقليميًا لدور دول الخليج وانتقاصًا من قيمتها (11). وكان يُفترض أن يقوم التحالف الإخواني-الأميركي الجديد على مفاهيم ومبادئ مختلفة عن مبادئ ومفاهيم التحالف الخليجي-الأميركي، وربما يجري توظيفه ضد التحالف القديم بين الأنظمة الملكية وحلفائها التقليديين (12).

ظل وجود الإخوان المسلمين في الحكم مثل حجر جاثم على صدر العلاقات الخليجية-المصرية، إلى أن تمت إزاحته في 3 يوليو/تموز 2013. وفي هذا السياق يمكن فهم الدعم الذي حصلت عليه المعارضة والترحيب بالانقلاب؛ بل إنه ليس من المستبعد أن يكون لدول الخليج علم أو حتى دور في هذا الانقلاب (13)؛ فقد وجدت دول الخليج الفرصة المواتية للعمل مع المعارضة في حركة استباقية لمحاولة إسقاط مرسي. وكان هذا مواتيًا في ظل الإخفاقات الداخلية وازدياد السخط الشعبي على أداء الرئيس الإخواني (14).

ومن المسلَّم به أن لدول الخليج الكثير من الود لدى مجموع الشعب المصري إلى جانب شبكة علاقات عميقة وواسعة مع كل أطياف التيارات السياسية، وخصوصًا القوى الليبرالية والمعارضة، إلى جانب العلاقة المتميزة مع المؤسسة العسكرية وفلول النظام السابق. وقد تأكد خلال السنة الماضية أن لدول الخليج ظهيرًا شعبيًا ووطنيًا تمثل في مئات الآلاف من المصريين الذين عملوا -ويعملون- في الخليج، والذين تلقفوا تصريحات قادة الإخوان المعادية لدول الخليج بالنقد اللاذع. وربما ما كان لهذا الانقلاب أن يتم بدون دعم وضمانات من بعض دول الخليج. ويُذكر أن الإمارات والسعودية قدمتا التزامات للسيسي تعوض الجيش المصري في حال أحجمت إدارة الرئيس أوباما أو قلصت المساعدات الأميركية السنوية للجيش المصري المقدرة بـ1,3 مليار دولار أميركي، وأنها ستضخ مليارات الدولارات فور حصول الانقلاب لتأمين تشغيل الاقتصاد المصري، وذلك لإثبات أن الإدارة المصرية الجديدة تؤمِّن مستوى الحد الأدنى من احتياجات مصر الاقتصادية.

غير أنه من الملاحظ أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تستطع تكريس الانسجام في مواقفها من الأزمة المصرية؛ فتصرفت كل دولة بشكل منفرد. لهذا التباين دوافعه وأسبابه في العلاقات مع حركة "الإخوان المسلمين"؛ حيث لم يكن هنالك إجماع خليجي إزاء الأزمة الراهنة في مصر. لم تُخف دول الخليج ابتهاجها بالتغيير، وأعلنت عن دعمها لمصر خلال الأسبوع الأول من عزل مرسي، وكان حجم الدعم المعلن (12 مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت) أفضل تعبير عن مدى إحساس هذه الدول بالسعادة من إزاحة عبء ثقيل، كاد يهدد العلاقة بين هذه الدول ومصر. وهذا ما أكده تقرير لنيويورك تايمز (15). أعاد انقلاب/ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 الدفء إلى العلاقات المصرية-الخليجية، ولم يعكس ذلك فقط مقدار الدعم الخليجي، الذي جرى الإعلان عنه قبل مضي عشرة أيام فقط على عزل الرئيس مرسي، وإنما أيضًا رسائل التهنئة الحارة من جانب القيادات الخليجية للرئيس عدلي منصور، وللفريق عبد الفتاح السيسي، والزيارة الإماراتية على مستوى عالٍ لمصر، وسارعت الحكومتان السعودية والإماراتية لإصدار بيانات قوية لدعم عملية الانتقال.

بيد أن قطر اتخذت موقفًا مختلفًا عن السعودية والإمارات والكويت. وبدا الموقف القطري مُحترِزا إلى درجة أن المعارضة المصرية تتّهمه بتقديم دعم إعلامي كبير لجماعة الإخوان (16). رسميًا، رحّبت قطر بالرئيس الجديد، لكن أحداث دار الحرس الجمهوري، حملت الخارجية القطرية على إصدار بيان دعا "لإيجاد حلول سريعة بعد معالجة أي خلاف بالحوار، حفاظًا على الأمن والاستقرار وحماية المواطنين" (17). إلا أن خصوصية الموقف القطري أتت أيضًا من الأسلوب الذي تعاطت من خلاله السلطات المصرية الجديدة مع ثلاث قنوات تابعة لشبكة "الجزيرة" القطرية، هي "الجزيرة" و"الجزيرة مباشر" و"الجزيرة مباشر مصر" و "الجزيرة الإنجليزية" (18). وعلى رغم التحفظ الذي تتّسم به الصحافة القطرية، ظهرت افتتاحيات تعكس موقفًا نقديًا تجاه نهج السلطة المصرية الجديدة، وشددت على حاجة مصر إلى "حوار وطني شامل يضم كل الأطياف، من دون إقصاء".

أما في الإمارات فيعتبر موضوع الإخوان شأنًا داخليًا، يتعلق بأمن النظام وأمن الدولة. وبين السلطات الإماراتية وحركة "الإخوان المسلمين" قصة صراع مرير، ما زالت فصولها تتوالى منذ اكتشاف ومحاكمة خلية من الإخوان المسلمين، بينهم مصريون، وإحالة أكثر من 90 عضوًا في جمعية "الإصلاح" الإماراتية القريبة من فكر الإخوان إلى محكمة أمن الدولة في (أبوظبي) وإصدار أحكام شديدة بحقّهم (19). لقد عبّرت وسائل الإعلام شبه الرسمية في الإمارات عن غِبطتها لإطاحة الجيش بمرسي، وإمساكه مقاليد الأمور؛ ولم يكن العامل الداخلي الوحيد الذي حرّك غضب الإمارات على إخوان الداخل؛ حيث كان وصول التنظيم الأم إلى سدة الحكم في مصر إثر ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وتأييد إخوان الداخل، معهم سببًا إضافيًا. زاد على ذلك شعور الإخوان بأن الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي تساند نظام مبارك وتستضيف عناصره، وتدعم شبكاته في مصر ليشكّلوا رأس حربة ضد حكم الإخوان (20).

لم تُخفِ دولة الإمارات شعورها بالغبطة من إزاحة حكم الإخوان، وقال وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان: "إن جيش مصر العظيم يثبت من جديد أنه بالفعل سياج مصر وحاميها ودرعها القوي الذي يضمن لها أن تظل دولة المؤسسات والقانون التي تحتضن كل مكونات الشعب المصري الشقيق" (21). وبدت وسائل الإعلام في الإمارات المملوكة للدولة بشكل أو بآخر، في أعلى درجات الارتياح لإطاحة الجيش المصري بمرسي وإمساك القيادة العسكرية بمقاليد الأمور (22).

وقد جاء الموقفان السعودي والكويتي قريبين من موقف الإمارات. وكان لافتًا أن أول تهنئة للرئيس المؤقت عدلي منصور أتت من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، الذي أدلى ببيان يهنئ فيه الحكومة الجديدة؛ ما شكّل رسالة دعْم واضحة لإقدام الجيش المصري على عزل مرسي. ورغم فترات من الوئام بين السعودية وحركة الإخوان المسلمين، خصوصًا في عهد عبد الناصر، حين كانت هنالك فترة احتضان للإخوان في السعودية، إلا أنه لا يمكن إسقاط الخلافات المذهبية والسياسية القديمة والعميقة والتي تتعلَّـق بالمشروعية الدينية، بين كل من الحكومة السعودية التي تسعى للقيادة الروحية للمسلمين وحركة الإخوان المسلمين (23).

أما الكويت، التي لا يوجد فيها توجس من الإخوان كما هي الحال في بقية دول الخليج، فقد جاء موقفها أقل اندفاعًا من الموقفيْن السعودي والإماراتي، لكنه لم يختلف عنهما جوهريًا. ونُقل عن الشيخ صباح الأحمد الصباح، أمير الكويت، إشادته بالقوات المسلحة المصرية على "الدور الإيجابي والتاريخي" الذي قامت به في الحفاظ على الاستقرار. وأعلنت الكويت أيضًا عزمها تقديم أربعة مليارات دولار لمصر من المساعدات العاجلة. وأتى الموقفان: البحريني والعُماني أقرب إلى التزكية الصامتة للإطاحة بمرسي، بدافع الصراع الداخلي في البلديْن مع القوى الإسلامية المحلية.

وفي ظل عدم وجود إجماع خليجي في الموقف، لم تكن هنالك رؤية جماعية على مستوى الأمانة العامة لدول مجلس التعاون. واكتفى الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ببرقية تهنئة بروتوكولية لحكومة عدلي منصور الجديدة.

رغم التباين في المواقف بين دول الخليج إزاء الأزمة المصرية إلا أن هناك قناعة لدى الجميع بأن أموال الخليج وحدها لن تكفي لعودة الأمن والاستقرار لمصر. وبينما يتوقع محللون أن تساهم دول الخليج بمساعدات مالية تكون أكثر مما أُعلن عنه بالفعل، فإن دول الخليج ستضع شروطًا تتوازى مع حجم دعمها للاقتصاد المصري. فقد بلغ حجم الديون الخارجية لمصر حتى ديسمبر/كانون الأول 2012 نحو 38,8 مليار دولار، وبلغ عجز الموازنة في نهاية العام المالي 2012/2013، المنقضي في يونيو/حزيران الماضي، نحو 204 مليارات جنيه. وقد اعتبر تقرير "بنك أوف أميركا" أن مصر ينتظرها جدول مزدحم من الالتزامات المالية الخاصة بالديْن العام الخارجي خلال الفترة ما بين 2014 و2016؛ في حين أن المساعدات الخليجية ستساعد مصر على البقاء واقفة على قدميها لفترة لا تتجاوز ستة أشهر، ربما إلى أن يتم إجراء انتخابات برلمانية وفقًا للجدول الزمني الذي وضعه الرئيس المعزول . وتعلم دول الخليج أنه لا غنى عن استعادة الاستقرار الأمني والسياسي في مصر لكي تعود تدفقات النقد الأجنبي إليها، والتي من شأنها المساهمة في خفض المخاطر الخارجية وتحفيز النمو الاقتصادي. وهذا ما ستسعى له دول الخليج، بل وستضغط على الحكومة الجديدة بهدف عودة الحياة الطبيعية إلى البلاد. لذا، كانت الزيارة المشتركة لوزيري خارجية كل من قطر والإمارات إلى مصر محاولة لنزع فتيل الأزمة وإيجاد حل لها، بمقاربتين مختلفتين، دون أن تكلل بالنجاح .

تفضل دول الخليج بناء علاقات وثيقة مع الجيش والمؤسسة الأمنية في مصر، وقد تعمل على دعم مرشح رئاسي يمثل امتدادًا للوضع الذي سبق ثورة 25 يناير/كانون الثاني في مصر. وبالطبع، فإن بروز رئيس ليبرالي محتمل ممثلاً للقوى الثورية سيؤدي إلى تزايد الفجوة بينه وبين الأنظمة الخليجية. وقد تعمد دول الخليج في هذه الحالة إلى التعامل مع أطراف ودعم أجهزة دون أخرى من الفاعلين المصريين إلا أن استمرار المظاهرات السلمية والقمع الذي يتعرض له مؤيدو الإخوان يسبّب إحراجًا كبيرًا للحكومة المصرية الحالية ومعها دول الخليج أيضًا؛ حيث بات من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور في أزمة مصر الحالية. وفي ظل الضبابية وعدم وضوح الرؤية، فإن دول الخليج ستجد نفسها مضطرة لمساندة الحكومة المصرية الحالية والوقوف إلى جانب المؤسسة العسكرية ومساعدتها على حل الأزمة. ومن المتوقع أن يقع المزيد من التشدد والصرامة في التعامل مع الإخوان المسلمين. من جهة أخرى، ستعمل دول الخليج على التركيز على الداخل وتحصين البيت الخليجي لمواجهة أية آثار محتملة للأزمة في مصر في الداخل الخليجي. في هذا الإطار، ستكثف دول الخليج التعاون الأمني والتنسيق فيما بينها لوأد أي حراك شعبي يهدد استقرار أنظمتها ودولها وستعمل على التصدي لإخوان الداخل.
____________________________________________
عبد الله باعبود - مدير برنامج دراسات الخليج - كلية الآداب والعلوم- جامعة قطر

المراجع
1- الإطاحة بالرئيس المصري تقسم المنطقة, وكالة رويترز عربي، 4 يوليو/تموز, 2013,  http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE9B21Y520130704
2- عزمي خليفة، "التأرجح: موقف دول الخليج من ثورة 25 يناير في مصر"، السياسة الدولية، العدد 187، 2012، ص50-51. http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/3/110/2051/
3- محمود حداد, المحلي والإقليمي والدولي "يتصارعون" في ميادين القاهرة, الحياة, 7 أغسطس/آب 2013, http://alhayat.com/Details/539696
4- مكـرم:‏ مبارك قدم رشـوة لبعض الرؤساء.. وموسى احتد عليه مرتين! ألاهرام 16/6/2102, http://www.ahram.org.eg/Archive/839/2012/3/16/39/137350.aspx
5- أحداث السفارة السعودية: عبث وغوغائية وعيب, المجلة, الأحد, 29 إبريل/نيسان, 2012: http://www.majalla.com/arb/2012/04/article55234782
6- معتز سلامة, إعادة الاكتشاف الاستراتيجي للعلاقات المصرية-الخليجية – 1/2, مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, 24/07/2013 http://acpss.ahramdigital.org.eg/News.aspx?Serial=132
7- معتز سلامة, إعادة الاكتشاف الاستراتيجي للعلاقات المصرية–الخليجية -1/2, مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, 24/07/2013 http://acpss.ahramdigital.org.eg/News.aspx?Serial=132
8- معتز سلامة, إعادة الاكتشاف الاستراتيجي للعلاقات المصرية–الخليجية  -1/2، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, 24/07/2013 http://acpss.ahramdigital.org.eg/News.aspx?Serial=132
9- مرسي: إيران جزء من الحل في سوريا, اليوم, 5 أغسطس/آب 2013 http://www.alyaum.com/News/art/59366.html5
10- ففضلا عن زيارة الرئيس لإيران في أغسطس/آب 2012، وزيارة الرئيس الإيراني لمصر في فبراير/شباط 2013، قام عدد من المسؤولين والسياح الإيرانيين بزيارة مصر، وقامت مجموعة من الوفود المصرية بزيارة إيران. معتز سلامة, إعادة الاكتشاف الاستراتيجي للعلاقات المصرية-الخليجية, العريبة, 30 يوليو/تموز 2013. http://studies.alarabiya.net/future-scenarioes
11- See more at: إضغط هنا.
12- معتز سلامة, إعادة الاكتشاف الاستراتيجي للعلاقات المصرية-الخليجية – 1/2, مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, 24/07/2013 http://acpss.ahramdigital.org.eg/News.aspx?Serial=132
13- Esamalamin, The Grand Scam: Spinning Egypt’s Military Coup Exposing the Hypocrisy of ElBaradei and His Liberal Elites, Counter Punch, Weekend Edition July 19-21, 2013, http://www.counterpunch.org/2013/07/19/the-grand-scam-spinning-egypts-military-coup/
14- , Ajamu Baraka,From Egypt to Syria: Is the Gulf Cooperation Council the Tail That Wags the U.S. Dog?Is the coup in Egypt a sign of declining U.S. influence in the region July 12, 20
http://fpif.org/from-egypt-to-syria-is-the-gulf-cooperation-council-the-tail-that-wags-the-u-s-dog/ ؟
15- «نيويورك تايمز»: مصر تحولت إلى ساحة لنفوذ الدول المتنافسة على تقديم مساعدات مالية, المصري اليوم, 10 يوليو/تموز 2103, http://www.almasryalyoum.com/node/1933566
16- رشيد خشانة, بعد الإطاحة بمرسي تبايُن ردود الفعل الخليجية يعكس تباعُد المواقف من "الإخوان", 16 يوليو/تموز 2013  http://www.swissinfo.ch/ara/detail/content.html?cid=36430980
17- رشيد خشانة, بعد الإطاحة بمرسي تبايُن ردود الفعل الخليجية يعكس تباعُد المواقف من "الإخوان", 16 يوليو/تموز 2013 http://www.swissinfo.ch/ara/detail/content.html?cid=36430980
18- رشيد خشانة, بعد الإطاحة بمرسي تبايُن ردود الفعل الخليجية يعكس تباعُد المواقف من "الإخوان", 16 يوليو/تموز 2013 http://www.swissinfo.ch/ara/detail/content.html?cid=36430980
19- الإمارات تحيل 30 مصريًا وإماراتيًا للمحاكمة لتأسيسهم فرعًا للإخوان المسلمين بدون ترخيص، 19 يونيو/حزيران 2013 , ألاهرامhttp://gate.ahram.org.eg/NewsContent/13/71/361351/
20- معتز سلامة, مستقبل العلاقات بين مصر والخليج, الأهرام اليومي, 12 يناير/كانون الثاني 2013
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=1153502&eid=14143
21- وقال البيان: "تتابع الإمارات العربية المتحدة بارتياح تطورات الأوضاع في جمهورية مصر العربية الشقيقة انطلاقًا من العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين الشقيقين". وكان الوزير الإماراتي قد نشر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي قال فيها: "مبروك يا أم الدنيا". السعودية والإمارات والأردن تهنئ بقرار جيش مصر 4 يوليو/تموز 2013 http://www.alalam.ir/news/1491196
22- رشيد خشانة, بعد الإطاحة بمرسي تبايُن ردود الفعل الخليجية يعكس تباعُد المواقف من "الإخوان", 16 يوليو/تموز 2013 – http://www.swissinfo.ch/ara/detail/content.html?cid=36430980
23- مضاوي الرشيد, السعودية والاخوان: علاقة مضطربة, الاثنين، 8 يوليو/تموز، 2013, http://bekolwodoh.blogspot.co.uk/2013/07/blog-post_8.html
24- http://egypt.t3amlat.com/detail201449.html
25http://anbamoscow.com/aworld/20130805/384544551.html

نبذة عن الكاتب