ليبيا ومصر: علاقات يغيب عنها البعد الاستراتيجي

لم تتمكن العلاقات الليبية المصرية من تحقيق شراكة استراتيجية، رغم مقومات التكامل الاقتصادي. وقد فتحت الثورات أفقًا للتعاون أمام الجانبين، إلا أن التحولات السياسية والأمنية تحول دون إمكان تحقيق شراكة قائمة على أساس نتائج ثورتي 25 يناير و17 فبراير مع ما تحمله الأولويات الجديدة للسياسة الخارجية المصرية.
20131029115242501734_20.jpg

 

المصدر [الجزيرة]

 

ملخص
تتسم العلاقات الليبية-المصرية بانعدام الاستقرار والفشل في تحقيق شراكة استراتيجية، رغم أن مقومات التكامل الاقتصادي وفيرة؛ حيث يمكن أن تثمر العلاقات نفعًا متبادلاً يسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن والاستقرار في البلدين؛ فالقرب الجغرافي والتشابك الاجتماعي، وتوفر الأرض الزراعية والأيدي العاملة في مصر في مقابل تمويل وافر في ليبيا يحقق الحد المرغوب لانطلاق برامج اقتصادية تكاملية ناجحة على المستوى الاقتصادي.
لكن بقدر ما عكست الزيارات بين قيادة البلدين بعد الثورة روحًا إيجابية وتقديرًا عاليًا للعلاقات بينهما، إلا أنها لم تحمل تصورات لتحقيق نقلة في العلاقات بين البلدين، وبقدر ما فتحت الثورات أفقًا رحبًا أمام الليبيين والمصريين لتحقيق التعاون، فقد تسببت في تراجع حجم التبادل التجاري وارتفاع درجة التوتر؛ حيث أدت الظروف الأمنية الصعبة لما بعد الثورات إلى وضع مزيد من العراقيل أمام تفعيل الاتفاقيات. أما سياسيًا فيؤثر المخاض العسير الذي يواجه الثورة المصرية والتغيير السياسي الداخلي على مسار العلاقات وإمكان تحقيق شراكة استراتيجية قائمة على أساس نتائج ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وثورة 17 فبراير/شباط. ومن أبرز مظاهر ذلك، ما تحمله الأولويات الجديدة للسياسة الخارجية المصرية بعد عزل الرئيس مرسي.

 

مقدمة
 
السمة الغالبة على العلاقات الليبية-المصرية هي المراوحة وعدم الاستقرار والفشل في تحقيق شراكة كاملة وارتباط استراتيجي، وينسحب ذلك على الفترة التاريخية منذ تأسس دولة ليبيا بعد الاستقلال عام 1951، مع استثناءات محدودة شهدتها المرحلة الأخيرة من حكم القذافي. فقد نجح الملك إدريس السنوسي في تأسيس دولة ليبيا في الفترة التي سيطر فيها الضباط الأحرار على الحكم في مصر، وكان لاختلاف التوجهات بين الحكمين أثره الواضح في الفتور الذي طغى على العلاقة، حتى مع قدرة النظامين على احتواء التوتر الذي تكرر طيلة فترة حكم السنوسي التي امتدت على 18 عامًا.

 شهر العسل الليبي-المصري الذي وقع بمجيء القذافي إلى الحكم في ليبيا لم يدم إلا سنوات معدودات تخللها توتر سببه عدم مسايرة الرئيس أنور السادات لرغبة القذافي في تفعيل وحدة اندماجية. وهو ما يمكن أن نسميه الرفض المؤدب لطموحات القذافي، لأجل ألا يقود الرفض إلى عرقلة مساعي السادات أن يستفيد من الدعم الليبي في مرحلة تحول حساس شهدته مصر، وكان أبرز مظاهره الدعم الليبي لمصر في حرب أكتوبر/تشرين الأول الشهيرة عام 1973، ثم ما لبث أن تحول الوضع إلى قطيعة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

وقد تطورت تلك القطيعة إلى مواجهات مسلحة وحرب إعلامية شرسة لم تهدأ حتى مع انتقال السلطة إلى حسني مبارك. ولم يعجل بالتغيير في المواقف إلا الضغوط الكبيرة التي واجهها نظام القذافي إقليميًا ودوليًا نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات؛ حيث تمهد الطريق إلى نوع من الوئام وليس التطابق في المواقف أو الانسجام في السياسات كما هو معروف. فقد كانت مصر من الملتزمين بتطبيق قرارات مجلس الأمن بالحصار الذي فُرض على ليبيا مطلع التسعينيات وحتى بداية الألفية الثالثة.
 
 
مقومات العلاقات الاستراتيجية بين البلدين
 
إن مقومات التكامل بين ليبيا ومصر وفيرة؛ حيث يمكن أن تثمر العلاقات نفعًا متبادلاً يسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن والاستقرار في البلدين؛ فالقرب الجغرافي والتشابك الاجتماعي جرّاء علاقات المصاهرة، وتوفر الأرض الزراعية والأيدي العاملة في مصر في مقابل تمويل وافر في ليبيا يحقق الحد المرغوب لانطلاق برامج اقتصادية تكاملية ناجحة، تتعدى التبادل التجاري غير المخطط له والذي لم يتعد في أحسن أحواله خلال العقد الماضي مليار دولار فيما تراجع إلى 400 مليون دولار أميركي مطلع عام 2013. (1) فالمساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية المروية يقابلها مساحات شاسعة من التصحر يغطي ما يزيد عن 90% من الأراضي الليبية.
يضاف إلى ذلك الوفرة في الأيدي العاملة لتجمّع سكاني يقترب من 90 مليون نسمة يقابله تكتل بشري محدود يقل عن عشر تعداد المصريين. وفي مقابل تدني الاحتياطيات وشحة السيولة التي تعاني منها الدولة العربية الأم، فإن فائض السيولة الليبي في ازدياد، إلى جانب أصول سائلة ومنقولة تتجاوز مئة وخمسين مليار دولار أميركي، ليس لدى القيادة الليبية رؤية لكيفية توظيفها في مشروع استراتيجي بروافد إقليمية. كما يعتبر التقاطع الاجتماعي لقبائل نزحت إلى مصر تعدادها يتجاوز 5 مليون نسمة، عامل تشابك إيجابيًا يسهم في تعميق الروابط الاقتصادية.
 
 
تحديات ما بعد الثورات العربية
 
بقدر ما عكست الزيارات على مستوى عال بين قيادة البلدين بعد الثورة روحًا إيجابية وتقديرًا عاليًا للعلاقات بينهما، فإنها عكست غياب تصورات لتحقيق نقلة في العلاقات بين البلدين؛ فمن الملاحظ أن القلق الناجم لدى قيادة البلدين تعلق بملفات ليست هي الملفات التي تؤسس لشراكة استراتيجية. فقد هيمن على كل اللقاءت التي تمت بدءًا من زيارة الدكتور عبدالرحمن الكيب، رئيس الحكومة الانتقالية، ثم الدكتور محمد المقريف، رئيس المؤتمر الوطني، وتبعها زيارة الأستاذ علي زيدان، رئيس الحكومة المؤقتة، وكذلك زيارة رئيس الحكومة المصرية السابق، هشام قنديل، خمسة ملفات رئيسة: ملفان يهمان الطرف المصري، وهما أوضاع العمالة المصرية في ليبيا وكل ما يتعلق بمستحقاتها من تعويضات نجمت عن حرب التحرير، وتراكمات ملف الجرحى وما تطالب به المستشفيات والعيادات الخاصة وشركات السياحة من أموال مستحقة على الجانب الليبي. فيما  ركز الطرف الليبي على ملف بقايا النظام السابق المقيمين في مصر، وملف الاستثمارات الليبية في مصر والتي تقدر بنحو 10 مليارات دولار أميركي، وكذلك ملف مشترك يتعلق بحماية الحدود ومراقبة المنافذ لمنع عبور السلاح وتهريب السلع والوقود المدعوم وتهريب المخدرات ونفاذ الأدوية والسلع الفاسدة.
 
وقد تطرق الجانبان خلال الزيارات المتعددة إلى مناقشة ملفات أخرى تتعلق بإعمار ليبيا ودور الشركات المصرية في ذلك وتدريب العمالة الليبية والشروع في تنفيذ بعض المشاريع الاستثمارية تم الاتفاق عليها من قبل اللجنة العليا المشتركة الليبية-المصرية، ومن بين تلك المشاريع التي تمت مناقشة استئناف تنفيذها مشروع القاهرة الجديدة ومشروع الصالحية لاستصلاح 33 ?ألف فدان وإعادة إحياء فكرة إنشاء منطقة اقتصادية حرة مشتركة في المنطقة الحدودية للصناعات كثيفة الطاقة. كما اتفق الجانبان علي الانتهاء من مشروع الربط الالكتروني بين وزارتي القوى العاملة في البلدين لتوثيق عقود العمالة المصرية وبحث القضايا العالقة فيما ?يخص تعويضات الأفراد والشركات المتضررة من الثورة الليبية. كما تم الإعلان عن توقيع مذكرتي تفاهم بين البلدين: الأولى في مجال التبادل الإلكتروني والثانية في مجال التعليم العالي. (2)
 
 
رموز النظام الليبي السابق
 
تصدر ملف رموز النظام الليبي السابق القضايا ذات الأهمية القصوى بين الطرفين المصري والليبي، ويشير بعض المصادر إلى أن عدد الليبيين اللاجئين إلى مصر بعد اندلاع الحرب عام 2011 بلغ نحو 800 ألف لاجئ،(3) وينظر القضاء الإداري المصري في دعوى عدم تسليم رموز بارزة من أنصار النظام السابق بعد أن أصدر النائب العام قرارًا في 24 مارس/آذار 2013 بتسليمهم. ويبدو أن الحكومة المصرية السابقة استندت على قرار النائب العام في تجاوبها مع حكومة زيدان حيث تم تسليم اثنين من المطلوبين أحدهما السفير الليبي السابق، علي مارية. ويعتمد معارضو قرار التسليم على الآثار السلبية التي تتجاوز الإساءة إلى سمعة مصر في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان، إلى خطر ردود أفعال من قبل موالين للنظام السابق على العمالة المصرية والجالية المصرية في ليبيا بالعموم؛ حيث يرد ربط بين ما وقع من اعتداءات على عمال مصريين في بعض المدن الليبية والاعتداء على القنصلية وعلى كنيسة تابعة للأقباط المصريين العاملين في بنغازي، وبين تسليم مارية ورفيقه، وذلك في حيثيات قرار المحكمة الإدارية التي طالبت بوقف قرار النائب العام. (4)

الاستثمارات المباشرة الليبية في مصر
 
لم تظهر البيانات المتاحة أن المال الليبي الوفير وجد طريقه إلى مصر في شكل استثمارات مباشرة خلال العقود الأربعة الأولى لاكتشاف النفط وإنتاجه بكميات اقتصادية، وربما يعود ذلك إلى طبيعة التوجهات الاقتصادية التي سادت في مصر في عهد جمال عبدالناصر وبدايات عهد السادات والتي ترى في الاستثمار وسيلة غير مجدية اقتصاديًا. بالمقابل فإن الفلسفة التي أدار بها القذافي العلاقات الخارجية كانت ترتكز على توظيف التمويل الليبي في برامج ومشاريع لا علاقة لها بالاستثمار وفق المعايير الاقتصادية المتعارف عليها، بل كان أقرب إلى الدعم وفق أهداف سياسية ودوافع أيديولوجية.
 
يضاف إلى ما سبق الأزمة المالية التي شهدتها ليبيا منذ منتصف الثمانينيات والعائدة إلى تراجع إنتاج النفط الليبي بسبب القيود التي فرضتها الولايات المتحدة، وبسبب تراجع أسعار الخام الأسود في الأسواق العالمية وذلك حتى بداية الألفية الجديدة؛ لذا فإن بداية تدفق الاستثمارات الليبية ارتبط بتطبيع ليبيا علاقاتها مع المجتمع الدولي والذي تزامن مع الطفرة الكبيرة في أسعار النفط في النصف الثاني من العشرية المنصرمة. وتشير البيانات إلى وجود نحو 324 مؤسسة وشركة استثمارية، الليبيون طرف مباشر فيها، وذلك وفق إحصاءات نوفمبر/تشرين الثاني 2009. كما تشير البيانات إلى أن 55% من الشركات المشار إليها ليبية صرفة، وهي شركات متنوعة النشاط منها الأنشطة الخدمية والسياحية والزراعية والإنشاءات والصناعة والاتصالات. (5)

استحقاقات الثورات وملفات التعاون الاقتصادي
 
هناك مؤشرات على تحفظ الجانب الليبي على بحث العديد من المشروعات التي تم التفاوض حولها ضمن أجندة اللجنة العليا المشتركة الليبية-المصرية قبيل ثورة 17 فبراير/شباط، أو ما تم تسميته بالإطار الاستراتيجي للتعاون الاقتصادي في الأعوام 2008-2010، ومن بين تلك المشروعات الرافد الرابع بمشروع "توشكى" والقائم علي المياه النيلية، وأراضي "الفرافرة" بالوادي الجديد التي تعتمد على المياه الجوفية، وإقامة خط غاز طبيعي من طبرق إلى الإسكندرية، وإنشاء مصفاة للبترول غرب الإسكندرية بتمويل ليبي، ومشروعات في مجالات النقل والبنية التحتية، وإنشاء مدينة "الفاتح" على غرار مدينة الشيخ زايد، وتوطين 250 ألف مصري، واستثمار 5 مليارات دولار في 3 مشروعات للطاقة في مصر، تتضمن بناء مصفاة جديدة طاقتها 250 ألف برميل يوميًا، وتحديث مصفاة مصرية قديمة وفتح 500 محطة برميل في مصر.
 
يعود التحفظ من الطرف الليبي إلى الخشية من أن تكون لتلك المشروعات التزامات تتعدى القيمة الحقيقية لها، وإلى عدم التأكد من جدواها الاقتصادية، وعدم القدرة على إعادة دراستها وتقييمها وفق معطيات جديدة فرضتها ثورة فبراير/شباط، وأيضًا إلى الشعور بأن دوافع التعاقد بين النظامين السابقين قد لا تكون وطنية خالصة وأن احتمال وجود فساد فيها كبير.
 
من جهة أخرى، وبقدر ما فتحت الثورات أفقًا رحبًا أمام الليبيين والمصريين للعيش الكريم وتحقيق التكامل النافع للطرفين، فقد تسببت في تراجع حجم التبادل التجاري وارتفاع درجة التوتر، كما سبقت الإشارة. فقد أدت الظروف الأمنية الصعبة لما بعد الثورات إلى وضع مزيد من العراقيل أمام تفعيل اتفاقيات الحريات الأربع، وتوقف عمل اللجان الخمس التي تم تشكيلها لتقنين أوضاع العمالة المصرية في ليبيا.

 
 

انعكاسات الاضطرابات السياسية على العلاقات الثنائية
 
لا شك أن للجارة مصر تأثيرًا سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا ملحوظًا على الواقع الليبي. ولقد تبعت الثورة الليبية الانتفاضة على الرئيس حسني مبارك، ويلحظ المراقب أن العديد من لوحات المشهد السياسي المصري تتكرر في ليبيا، وقد ظهر أن متابعة الليبيين لما يجري في مصر كان بدرجة تختلف عن متابعتها في تونس أو في باقي الأقطار العربية، إلى درجة أن الحراك السياسي في ليبيا يقتبس بعض المشاهد كما هي دون تحوير.

وقد برز ذلك جليًا في الأحداث الأخيرة التي أعقبت قرار وزير الدفاع المصري، عبدالفتاح السيسي بعزل الرئيس مرسي؛ حيث احتفلت قطاعات من النخبة والشباب بالقرار واعتباره تصحيحًا، ليبيا في حاجة إليه في ظل الارتباك في إدارة الأزمة السياسية وغياب جيش أو شرطة لضبط الأوضاع الأمنية المختلة. من ناحية أخرى، يرى العديد من المتابعين للشأن الليبي أن التفاعلات السريعة والخطيرة التي وقعت على مستوى دوائر التشريع والتي بدأت بإعلان تحالف القوى الوطنية، أكبر الفائزين في انتخابات السابع من يونيو/حزيران 2012، تجميد نشاطه في المؤتمر الوطني، وتبعه حزب العدالة والبناء بقرار مشابه، تأتي انعكاسًا للتطورات في الجارة مصر، وتحسبًا لغضبة شعبية مشابهة ضد هذه الأحزاب؛ حيث يتكرر على ألسنة قطاع كبير من الليبيين أنها المسؤول الأول عن الإخفاق في استكمال المسار الدستوري والمؤسساتي، والفشل في ضبط الوضع الأمني. يضاف إلى ذلك إطلاق بعض المنظمات الأهلية والشباب المستقل حركة أسموها "رفض"، تحاكي حركة تمرد المصرية التي دعت إلى مظاهرات 30 يونيو/حزيران الماضي.

البُعد الأهم فيما يتعلق بأثر الاضطرابات السياسية على العلاقات الثنائية، هو اتجاهات الطرف الحاكم في مصر؛ فبعد الثورة، وبالتحديد على إثر فوز الرئيس مرسي على المرشح الرئاسي شفيق، ساد اعتقاد بأن ملف رجال النظام السابق، الذين يُنظر لهم كمصدر تهديد كبير من قبل أنصار ثورة 17 فبراير/شباط، يمكن أن يشهد تطورًا إيجابيًا، وكذا الوضع بالنسبة للاستثمارات الليبية التي كان يشرف على إدارتها، أحمد قذاف الدم، ابن عم معمر القذافي، من خلال شبكة غير واضحة وعبر صفقات وعقود يتورط فيها بعض رجال الحزب الوطني الحاكم زمن حسني مبارك؛ حيث بدا أن هناك فرصة كبيرة لاسترداد تلك الاستثمارات في إطار الشرعيتين الجديدتين في كلا البلدين.  
 
 
خاتمة
 
عادت العلاقات المصرية-الليبية إلى حالة المراوحة والانحسار إلى درجة العجز عن حسم الخلافات حول الملفات التي تتعلق بالعلاقات التقليدية كملف العمالة. من ناحية أخرى تؤثر حالة عدم الاستقرار في كلا البلدين في عدم القدرة على تبني ترتيبات وبرامج مشتركة لمواجهة آثار الاختلال الأمني في المناطق الحدودية والمنافذ الرئيسة.

وبالرغم من تخوف الأجهزة الأمنية ودوائر صناعة القرار المصري من هشاشة الوضع الأمني في ليبيا وانتشار السلاح بشكل كبير ليكون أحد أهم السلع المتاجر فيها والتي يتم تهريبها من حدود عدة، منها الحدود الليبية-المصرية، والقلق من أن مجموعات متشددة ليبية وغير ليبية يمكن أن تكون قد أعادت تنظيم نفسها واستغلال المساحات الشاسعة للأراضي الليبية والحدود غير الخاضعة للرقابة لتطوير برامج قد تهدد الدولة المصرية، بالرغم من كل ذلك فإن الطرفين لم يفلحا في بلورة رؤية مشتركة وعمل مشترك للحد من هذه المخاطر.

وعلى مستوى الاتفاقات والبروتوكولات؛ فإن المراجعة البسيطة لها تشير إلى أنها وفيرة؛ إذ يوجد بالفعل عدد غير قليل من الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة بين البلدين غير مفعلة تحتاج لتحديد ما هو جاهز منها للتطبيق، وما لا يزال في حاجة لمكملات تشريعية أو تنفيذية للبدء في العمل، على أن يضمها إطار استراتيجي واضح للشراكة.

علاوة على ما سبق؛ فإن المخاض العسير الذي يواجه الثورة المصرية والتغيير السياسي الذي وقع يمكن أن يؤثر بشكل كبير على مسار العلاقات وإمكان تحقيق شراكة استراتيجية قائمة على أساس نتائج ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وثورة 17 فبراير/شباط. ومن أبرز مظاهر ذلك، احتمال تغير أولويات السياسة الخارجية المصرية بعد عزل الرئيس مرسي وتكليف رئيس مؤقت؛ فالملاحظ أن الدعم السخي من الدول الخليجية والذي يشير إلى احتمال أن يتعاظم في حال استقرت الأوضاع وفق خارطة الطريق التي وضعها الجيش ومعارضو مرسي، قد يصبغ الاقتصاد المصري بصبغة خليجية ويعزز من الروابط الخليجية-المصرية في كافة المجالات؛ الأمر الذي يصبح فيه تطوير العلاقات الليبية-المصرية إلى مستوى شراكة استراتيجية مستبعدًا.

وفي السياق ذاته فجرت زيارة علي زيدان الثانية لمصر أزمة بين الحكومة وحزب العدالة والبناء الشريك في الحكم بخمس وزارات، وذلك بعد أن وجّه زيدان انتقادات حادة للحزب ولجماعة الإخوان المسلمين، أعقب ذلك بيان للحزب تحفظ فيه على زيارة رئيس الحكومة لمصر، إثر المجارز التي تورط فيها الجيش والشرطة بغرض فض اعتصام رابعة العدوية؛ مما يعني أن إحراز تقدم في العلاقات الثنائية في المدى القصير لن يكون متيسرًا في ظل الاستقطاب الراهن والخلاف حول ما جرى في مصر.
___________________________________

 

* السنوسي بسيكري، كاتب وباحث ليبي

المصادر

1-أخبار اليوم 2 فبراير/شباط 2013 http://www.libyens.net/news_archive4754.htm

 2- الهيئة العامة للاستعلامات، العلاقات الاقتصادية 4 يوليو/تموز 2013

http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=137

 3- جريدة الوفد: تأجيل دعوى تسليم اللاجئين الليبيين إلى 3 سبتمبر/أيلول، هديل يوسف، 28 مايو/أيار 2013

4-  نفس المصدر السابق.

5- 3 مليارات دولار حجم الاستثمارات المصرية في ليبيا: أفريكن منجر

http://www.africanmanager.com/site_ar/detArticleP.php?art_id=4349

 

 

نبذة عن الكاتب