كوريا الشمالية: العلاقة مع الشقيقة الجنوبية ومستقبل الانفصال

يقترب الانقسام الكوري من عقده الثامن، ولا تبدو في الأفق أية فرصة لتجاوزه لأن متطلبات الوحدة ستجري تغييرات عميقة في كوريا الشمالية وستعرّض النخبة الحاكمة فيها للملاحقة والمحاكمة، كما أن الصين لا مصلحة لها في تسهيل هذه المهمة بالوقت الراهن.
2013111492926440734_20.jpg

 

المصدر [الجزيرة]

 

ملخص
لا تزال الكوريتان تعيشان أجواء صراع الحرب الباردة رغم أنها انتهت في بقية العالم؛ حيث لا يزال الانقسام قائمًا على أشده، وكذلك المنافسة بينهما والتي تميل كفتها بشكل حاسم لمصلحة كوريا الجنوبية لما تشهده من ازدهار وتطور في حين لا تزال كوريا الشمالية تعاني من الضائقة الاقتصادية ومن تخلّف نظامها السياسي بما يسقط مبررات انفصالها. وتحرص سلالة كيم الحاكمة في بيونغ يانغ على تجنب المصالحة لأن توحيد الكوريتين في مثل هذه الظروف يعني على الأرجح ذوبان كوريا الشمالية في هذه الوحدة، كما أن سيناريوهات التوحيد تتطلب حتمًا تخفيف حدة الدولة البوليسية في كوريا الشمالية مقابل مساعدات جنوبية بما قد يؤثر على حكم الحزب الواحد في الشمال؛ ويؤدي في نهاية المطاف إلى محاكمة النخبة في بيونغ يانغ. ولهذا تجد كوريا الشمالية نفسها مضطرة إلى الاستمرار في افتعال الأزمات التي يمكن من خلالها أن تبرر وجودها الذي تزداد صعوبة تفسيره، كما يجب عليها إعادة اختراع نفسها أيديولوجيًا الآن، خصوصًا أن الشيوعية عفا عليها الزمن. ولا شك في أن الدعم الصيني هو سبب صمود كوريا الشمالية والطائفة الحاكمة فيها وما تملكه من إمكانات عسكرية لاسيما النووي منها، ولن تلين إلا بتحول كبير في موقف الصين؛ وهذه الأخيرة ليس لديها اهتمام كبير بالمصالحة، وبالتالي تستمر حالة الجمود ودورة الاستفزاز.

يقترب الانقسام الكوري من عقده الثامن حيث لا تزال جمهورية كوريا (كوريا الجنوبية) وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (كوريا الديمقراطية أو كوريا الشمالية) تخوضان صراع الحرب الباردة المستمرة بشكل يثير الدهشة. وعلى الرغم من أن معظم المراقبين(1) قد يخلصون إلى أن كوريا الشمالية قد "خسرت" في المنافسة بكل المعايير -وخصوصًا من حيث الأداء الاقتصادي- إلا أنها لا تزال صامدة، والعلاقات بين الدولتين ضعيفة ومضطربة وعرضة للتأزم في أية لحظة. ومن المفارقات أن المنطقة منزوعة السلاح بين الجارتين هي المكان الأكثر عسكرة في العالم مع ما يقرب من مليوني جندي وعشرات الآلاف من الدبابات والصواريخ والمدافع المكدسة على مسافة 75 ميلاً على كلا الجانبين. 

الهدف من هذا الموجز تلخيص جهود كوريا الشمالية للبقاء والعداء مع كوريا الجنوبية منذ انتهاء الحرب الباردة، ووصول المنافسة بين الكوريتين إلى نقطة تحول حاسمة ضد كوريا الشمالية. وبشكل عام يمكن للعلاقات بين الكوريتين أن تتحسن؛ حيث إن الانقسامات الأيديولوجية في معظمها قابلة للنقاش مع أفول الشيوعية وحاجة كوريا الشمالية الماسة إلى المساعدات الخارجية. ولكن سلالة كيم الحاكمة في بيونغ يانغ، والتي تشكّل طائفة قيادة عائلية، لديها مصلحة في تجنب المصالحة، بل إنها تتعمد أن تمارس سلوكًا استفزازيا واضحًا وتطرح في الوقت نفسه إمكانية توحيد الكوريتين؛ ما يعني على الأرجح ذوبان كوريا الشمالية في هذه الوحدة. أما الصين، راعي كوريا الشمالية، فليس لديها اهتمام كبير بالمصالحة، وبالتالي تستمر حالة الجمود ودورة الاستفزاز. 

نهاية الحرب الباردة وأزمة الشرعية لكوريا الشمالية

أدت الحرب الباردة إلى تقسيم عدة دول إلى دويلات متنافسة -منها كوريا وألمانيا وفيتنام والصين واليمن. وفي كل حالة منها استمر شعور شعبي عام بالوحدة الوطنية والثقافية في مواجهة الانقسام السياسي "المصطنع"، وتحققت الوحدة في مرحلة ما في المستقبل. كان الافتراض غير المعلن أن النموذج السياسي لواحد من القسمين سوف يغلب الآخر ويؤدي إلى زواله وبالتالي تتوحد الدولتان، وهذا ما حدث تقريبًا في ألمانيا وفيتنام. ومع نهاية المنافسات الداخلية، كان من الواضح على نحو متزايد أن "الخاسر" ليس لديه شرعية شعبية ولا سبب لوجوده كدولة وطنية منفصلة. هذا هو الحال في كوريا أيضًا، وهو أصل التوقعات الواسعة بأن كوريا الشمالية ستنهار يومًا ما، وسوف تبسط جمهورية كوريا ولايتها القضائية على كامل شبه الجزيرة. وعلى العكس، لا أحد يعتقد بشكل منطقي أن التوحيد بقيادة الشمالية هو احتمال مطروح أصلاً، بل إن كوريا الشمالية نفسها تعترف بأن كوريا الجنوبية قد تفوقت عليها اقتصاديًا.(2) لكن المنافسة الكورية لم تنته بعد واهتمام بيونغ يانغ منصب حاليًا على منع التوحيد بهدف حماية النخبة في كوريا الشمالية المتورطة بشكل عميق في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد -على الرغم من ادعاءات ظاهرية بالسعي للوحدة.

والسبب هو الأداء الاقتصادي المذهل لكوريا الجنوبية، فرغم أن عدد سكانها لا يتجاوز خمسين مليون نسمة، فإن اقتصاد كوريا الجنوبية يحتل اليوم المرتبة الثالثة عشرة من حيث الحجم على مستوى العالم وهي عضو في مجموعة الدول العشرين (G-20)، وتغلبت على مستويات فقر ساحقة في الخمسينات وهي في صفوف العالم الثالث. ولفترة وجيزة امتدت حتى أواخر الستينات، تفوقت كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية من حيث النمو الاقتصادي، وبدا احتمال التوحيد بقيادة الشمالية ممكنًا بعد هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام، بل إن زعيم كوريا الشمالية الذي طال عهده، كيم إل سونغ، طلب حينئذ دعم الاتحاد السوفيتي والصين في حرب توحيد ثانية. ولكن هذا الخطاب تلاشى برمته في الثمانينات حين دخلت كوريا الشمالية في طور ركود كما كان حال راعيها السوفيتي. وبدأت كوريا الجنوبية تتقدم بشكل جدي (الجدول 1)؛(3) مما أدى -وللمرة الأولى- إلى التشكيك في سبب وجود كوريا الشمالية؛ حيث إن شرعية الأخيرة كدولة شيوعية استندت أيديولوجيًا إلى قدرتها على تحقيق نمو اقتصادي أفضل، أو على الأقل أكثر عدالة، من كوريا الجنوبية. ومع حلول عقد الثمانينيات ثبت بشكل واضح أن هذا غير صحيح، وبدأ السكان الشماليون يدركون ذلك على نحو متزايد. وكانت كوريا الشمالية تسعى يائسة لمنع أولمبياد سيول عام 1988، والذي كان من شأنه أن يثبت للعالم تفوق الجنوبية، لدرجة أنها فجرت طائرة ركاب كورية جنوبية، وهي الرحلة رقم 858 لشركة الخطوط الجوية الكورية، في عام 1987.

 

الجدول 1: الناتج المحلي الإجمالي للفرد في كوريا الشمالية (الأزرق) والجنوبية (البنفسجي)

أدى أفول الاتحاد السوفيتي إلى تفاقم الركود الاقتصادي؛ حيث تبين أن كوريا الشمالية كانت مفرِطة في اعتمادها على الاقتراض وتأمين الوقود من الاتحاد السوفيتي أكثر مما كانت الأطراف الخارجية تتخيل. تفاقمت أزمة التسعينات مع وفاة كيم إل سونغ في عام 1994، ونُقلت القيادة لابنه الذي لم يعرف خيره من شره بعد، كيم جونغ إل. وما كان من الزعيم الجديد، خوفًا من ضعف موقفه، إلا أن دفع بالجيش الشعبي الكوري إلى دور فريد من خلال سياسة "الجيش أولاً". ومنذ ذلك الحين، قام الجيش الشعبي الكوري بتجريد الاقتصاد المدني من موارده بشكل منهجي وتسببت سلسلة من مواسم الحصاد السيئة بدورها في حدوث مجاعةلم يسبق لها مثيل، وتشير تقديرات إلى ما يصل إلى ثلاثة ملايين حالة وفاة جرّاء ذلك، وهو ما يتجاوز 10? من السكان. (4)

وقد تضافر تأثير هذه الأزمات المتداخلة مع التفوق الاقتصادي الواضح لكوريا الجنوبية لإلقاء كوريا الشمالية في أزمة شرعية دائمة: لماذا لا تزال كوريا الشمالية موجودة حتى الآن في حين توجد في الجوار كوريا غنية ومعافاة ومزدهرة؟ لقد ذهب السبب الأيديولوجي الذي أعطى كوريا الشمالية مبررًا للبقاء فترة طويلة، وهو الحرب الباردة، وتوحدت ألمانيا -وهي المثال الأقرب إلى كوريا على انقسامات الحرب الباردة- فعلى شاكلة ألمانيا الشرقية، كانت كوريا الشمالية الأكثر فقرًا والأقل تعليمًا والأبطأ نموًا، وكان يعمها الفساد وسوء الإدارة وأورويلية -أي شبيهة بما وصفه جورج أورويل في رواياته. (أ) ولقي زوال ألمانيا الشرقية ترحيبًا، كما كانت الحال ستكون بالنسبة لزوال كوريا الشمالية؛ وكانت التوقعات السائدة في التسعينيات أن كوريا الشمالية سوف تنهار قريبًا. (5) وتبنّت كوريا الجنوبية في نهاية التسعينيات سياسة انفراج أُطلق عليها: "سياسة الشمس المشرقة"، وكان الهدف منها -على ما يبدو- دفع كوريا الشمالية للانهيار والولوج في نظام ما بعد الحرب الباردة العالمية. ومع نضوج حقبة ما بعد الحرب الباردة، كان يُنظر لكوريا الشمالية بشكل متزايد على أنها خطرة وفوضوية بشكل غريب؛ مما اضطر بيونغ يانغ إلى الاستعانة بالمزيد من الأساليب الملتوية والمعقدة أكثر من أي وقت مضى لتبرير استمرار وجودها.

البرنامج النووي وظهور نظام كيم الملكي

تمثلت استجابة كوريا الشمالية لما لحق بها من نحس في التسعينات بتسريع برنامجها النووي وتحويل أيديولوجية النظام فيها، وعلى نحو متزايد، من الماركسية إلى القومية العنصرية والطائفية الدينية بزعامة أسرة كيم. (6)
وعلى الرغم من التزام كوريا الديمقراطية رسميًا بالوحدة مع الجنوب، إلا أن النظام لا يريد الوحدة على الأرجح. وربما تكون كوريا الشمالية أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم؛(7) وعلى هذا النحو فمن المرجّح أن توحيد الكوريتين من شأنه أن يؤدي إلى مطالبات واسعة النطاق بمحاكمة النخبة في بيونغ يانغ. إن الزمرة المتشابكة من كبار ضباط الجيش الشعبي الكوري وكبار المسؤولين في الحزب الشيوعي (حزب العمال الكوري) والموالين لعائلة كيم متواطئون جميعًا وعلى نطاق واسع في شبكة من معسكرات الاعتقال والتعذيب والتجسس على الناس عن كثب والتثقيف العقائدي؛ وهي الأمور التي جعلت من كوريا الشمالية دولة سيئة الصيت. وتتطلب سيناريوهات التوحيد حتمًا تخفيف حدة الدولة البوليسية في كوريا الشمالية مقابل المساعدات الجنوبية؛ فمن المستحيل أن نتصور كوريا الجنوبية، وهي الديمقراطية الراسخة، تصبح أكثر استبدادًا كشرط لاستيعاب بيونغ يانغ، بينما كوريا الشمالية هي التي بحاجة إلى مساعداتها، وليس العكس. ونتيجة لذلك فإن أية وحدة ذات معنى سوف تؤثر على حكم الحزب الواحد في الشمال، وتؤدي في نهاية المطاف إلى كشف "شبكة المتنفذين القتلة" أمام التحقيقات الخارجية، وهذا من شأنه أن يزيد الضغط من أجل تغيير سياسي حقيقي. وعلاوة على ذلك، فإن كوريا الجنوبية التي لا تزال تطبق عقوبة الإعدام قد تفكر في عقد محاكمات في أعقاب التوحيد. وباختصار، فإن المخاطر التي سوف تتعرض لها نخبة كيم بسبب الوحدة هائلة، بما في ذلك مواجهة حبل المشنقة في كوريا المتحدة، لكنهم مجبرون أيديولوجيًا على الدعم الشكلي للوحدة. 

ولذلك تجد كوريا الشمالية نفسها مضطرة إلى الاستمرار في اصطناع الأزمات التي يمكن من خلالها تبرير وجودها الذي تزداد صعوبة تفسيره، وأنه يجب عليها إعادة اختراع نفسها أيديولوجيًا الآن، خصوصًا أن الشيوعية عفا عليها الزمن. وهذا هو الهدف من وراء أحداث مثل إغراق السفينة تشيونان،(8) أو قصف يووينغ بيوينغ في عام 2010؛(9) وهذا هو أيضًا فحوى أيديولوجية عداء النظام للولايات المتحدة. (10) فبدون توتر مع جيرانها، لا يمكن أن تفسر كوريا الشمالية لشعبها لماذا هم هكذا أشد فقرًا من أبناء عمومتهم الجنوبيين. يعرف الكوريون الشماليون الآن عن كوريا الجنوبية أكثر من أي وقت مضى، لأنهم قاموا ببناء شبكات تجارية -غير رسمية- واسعة مع الصينيين خلال المجاعة، وعابرة للحدود، وكانت هذه الشبكات تجلب المواد الغذائية خلال ما تسميه كوريا الشمالية "شهر مارس الشاق"، ويحصل الشماليون منها اليوم على أقراص الفيديو الرقمية والتقنيات الحديثة والهواتف المحمولة التي وفرت لهم إمكانية غير مسبوقة للحصول على المعلومات من الخارج.

إن تطور الأيديولوجيا الشمالية إلى ما يشبه تأليه عائلة كيم، لا سيما كيم الثالث الحالي، جونغ أون ابن جونغ إل، يخدم غرضًا مماثلاً وهو تمييز كوريا الشمالية عن الجنوبية. إذا كان نظام كيم الملكي يحمل الحق الحصري بالحكم، مرتديًا عباءة حكم عائلة تشوسون(ب) التاريخية، إذن لن تبدو كوريا الجنوبية بالمقارنة إلا ما يشبه مستوطنة "يانكي" أميركية ضحلة وغير شرعية. وبالفعل، فإن أول شيء يجب على الزوار الأجانب القيام به في بيونغ يانغ عند زيارتهم لها هو الانحناء أمام تماثيل عملاقة لكيم إل سونغ وكيم جونغ إل على تلة مانسوداي. (ج)

وأخيرًا، فإن البرنامج النووي يخدم غرضين في آن، وهما: تبرير وجود كوريا الشمالية بعد سقوط الشيوعية وردع كوريا الجنوبية والتدخل الأميركي، لاسيما وأن هذه الأخيرة أي أميركا كما تؤكد بيونغ يانغ -بشكل روتيني- تنتهج "سياسة عدائية" تجاهها. (11) والواقع أن الولايات المتحدة ظلت على مدى عقود مترددة بين مواصلة التطبيع -بما في ذلك الاعتراف بكوريا الشمالية والاعتراف بحقها في الوجود- وبين تغيير النظام. وأشهر التطورات ما صدر عن جورج دبليو بوش عندما طالب بتغيير النظام في كوريا الشمالية حين صنّفها على أنها إحدى دول "محور الشر". وكذلك فإن كوريا الجنوبية مترددة أيضًا بين إبرام اتفاق طويل الأمد للتعايش السلمي مع كوريا الشمالية، أو الضغط باتجاه الانهيار الكامل للجارة والتوحيد النهائي بين الدولتين. والجدير بالذكر أن الرئيس السابق لكوريا الجنوبية من الصقور المتشددين، في حين أن الحالي يرسل إشارات مختلطة حول تسوية الخلافات. (12)

ولذلك فإن الأسلحة النووية رادع قوي، لأنها تجعل كلفة مسعى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لتغيير النظام باهظة، ومن شأن ضربة نووية شمالية للعاصمة الجنوبية، سيول، أن تكون كارثية؛ مما يعزز بشكل كبير أمن كوريا الشمالية، ومن شأن الأسلحة النووية أيضًا تعزيز هيبة الدولة. إن كوريا الشمالية دولة صغيرة وفقيرة ونصف بلد، ومع ذلك فقد بنت هذه الأسلحة المتطورة التي تسمح لها أن تقف شامخة ضد الجنوب والأميركيين واليابانيين والصينيين؛ ولهذا السبب وصف كيم جونغ أون البرنامج النووي لكوريا الشمالية بأنه"حياة الأمة". (13)

الراعي الصيني

وهناك عنصر أخير ساعد على منع التوحيد، وهو الدعم الصيني. لقد أدى غياب الدعم السوفيتي في أوائل التسعينات إلى ضربة قوية لكوريا الشمالية وسارع من انزلاقها نحو المجاعة. وفي عهد الرؤساء الليبراليين في كوريا الجنوبية من 1998-2008، أدت المساعدات التي قدمتها الجنوبية للشمالية إلى تعزيز وضع النظام. أثارت "سياسة الشمس المشرقة" هذه توقعات كبيرة في الجنوب بأن كوريا الشمالية سوف تتغير استجابة لهذه المساعدة، ولكن تغيير كوريا الديمقراطية بشكل مفرط سيهدد وجودها، والأهم من ذلك وجود نخبة بيونغ يانغ المستفيدة من الوضع الراهن. فإن كانت كوريا الشمالية ستصبح مجرد دولة أخرى، أقرب إلى الاقتصادات الناشئة مع برنامج لصندوق النقد الدولي وهلمّ جرّا، بدلاً من نظام ملكي قومي كوري فريد من نوعه، إذن لا يوجد أي مبرر لها كي تستمر. وفي النهاية، فشلت سياسة "الشمس المشرقة" لأن كوريا الشمالية لا يمكن أن تتغير كثيرًا وإلا ستعجّل بزوالها، وبحلول عام 2007، أدرك الناخبون الكوريون الجنوبيون ذلك وانتخبوا المحافظين، وكرّروا ذلك مرة أخرى في عام 2012.

دفع هذا بكوريا الشمالية إلى الارتماء في أحضان الصين. وكانت الولايات المتحدة واليابان على حد سواء قد قدمتا مساعدات مقابل التغيير في أوقات مختلفة في السنوات الخمس والعشرين الماضية، ولكن كوريا الشمالية كانت تغش في كثير من الأحيان حتى لم تعد تحصل على المزيد من هذه الصفقات. ترك هذا الصين وحيدة في الساحة مما جعلها تكتسب قدرة أكبر في التأثير على كوريا الشمالية. (14) ومع أن المساعدات الصينية أفضل من المساعدات الأميركية والكورية الجنوبية، أو اليابانية -نظرًا للشروط السياسية الخطيرة مقابل العون التي تفرضها تلك الدول- إلا أنها لا تزال غير مثالية. وهناك توافق واسع إلى حد ما في الدراسات حول كوريا أنه إذا ما أوقفت الصين مساعداتها، فإن كوريا الشمالية ستتعرض لأزمة نظام خطيرة، وأرى شخصيًا أن كوريا الشمالية لا يمكنها البقاء على قيد الحياة في الواقع إذا ما انسحبت الصين.
ولحسن الحظ كوريا الشمالية فإن الصين تعتبرها منطقة عازلة؛(15) ذلك أن بكين تخشى من قيام كوريا موحدة أكبر وأكثر ثراء وديمقراطية ونزوعًا نحو القومية، وهي تخشى أيضًا من قيام كوريا موحدة تظل حليفة للولايات المتحدة، كما فعلت ألمانيا الموحدة، بما قد يؤدي لاحقًا إلى تمركز القوات الأميركية بالقرب من الحدود الصينية. وكان هذا بالطبع الدافع الذي أدى إلى تدخل الصين في الحرب الكورية في عام 1950. وما لم تغير الصين من تقييمها للتهديد الذي تشكّله الولايات المتحدة عليها -وهو في الواقع يزداد سوءًا بسبب "المحور" الذي تبنيه الولايات المتحدة في آسيا والذي يرى فيه الصينيون سعيًا إلى احتواء بلدهم- فإن كوريا الشمالية ستظل آمنة نسبيًا. (16) ومع ذلك، فإن البرنامج النووي الكوري الشمالي مفيد أيضًا لمنع الهيمنة السياسية الصينية، حتى مع كون هذا التحالف بين بكين وبيونغ يانغ يؤدي إلى سيطرة صينية خفية على اقتصاد كوريا الشمالية.

الخلاصة: مستقبل كوريا الشمالية

أدى هذا التشابك في المصالح الخارجية المتنافسة إلى حالة الجمود التي سادت في كوريا منذ نهاية الحرب الباردة. (17) وقد خلق غياب الدعم السوفيتي والمجاعة أكبر أزمة في تاريخ كوريا الشمالية التي لعبت بحكمة إذ وضعت جيرانها في مواجهة بعضهم البعض للحصول على مساعدات. وعندما انتهت سياسة الشمس المشرقة، أعادت كوريا الشمالية اكتشاف العلاقة "التاريخية" مع الصين -وصفتها بأنها قريبة قُرْب الشفاه من الأسنان. إذن فإن أكبر تحدٍ يواجه كوريا الشمالية هو النجاة إذا ما سحبت الصين مساعداتها، ولحسن حظ أسرة كيم، يبدو هذا غير محتمل على المدى المتوسط.

هناك القليل الذي يمكن لكوريا الجنوبية فعله في مثل هذه البيئة؛ فكوريا الشمالية لم تستجب لمساعداتها في إطار سياسة الشمس المشرقة، وهاجمتها بشدة في عهد الرئيس السابق المتشدد. والموقف الجنوبي اليوم هو الانخراط الحذر، واستمالة كوريا الشمالية لتجنب استفزازها مع محاولة تجنب تقديم الدعم الصريح لسياسة الشمس المشرقة. (18) وهذا حال غير مرض بكل جوانبه؛ إذ إنه يعني بقاء كوريا مقسمة بشكل شبه دائم ويترك الكوريين الشماليين تحت رحمة نزوات استبداد حكامهم، أي في وضع أسوأ مما وصفته رواية "1984". (19) ولكن الدعم الصيني والأسلحة النووية، والأيديولوجية القومية/شبه الدينية العدوانية قد عززت من وضع كوريا الشمالية خلال فترة ما بعد الحرب الباردة بشكل أقوى من المتوقع، ولن ينفع إلا تحول كبير في الموقف الصيني ضد كوريا الشمالية لتوجيه تهديد خطير لهذه البنية الصامدة بشكل مثير للعجب.  
__________________________________________________
*هذا النص أعد باللغة الإنكليزية لمركز الجزيرة للدراسات، وترجمه إلى اللغة العربية محمود العابد .

الهوامش

أ-مصطلح "أورويلي" هو تعبير عالمي يدل على ما هو قمعي أو استبدادي نسبة إلى الكاتب الإنكليزي جورج أورويل صاحب رواية 1984، وهي رواية متخيّلة لنظام استبدادي في العام 1984، يحكم عالمًا تسوده سلطة الحزب الواحد الشمولية وآلياتها في الحكم وإدارة الدولة.
ب- كانت كوريا دولة موحدة تحت حكم سلالة "شوسون" إلى أن ضمتها اليابان عام 1910، وبعد هزيمة هذه الأخيرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية انقسمت شبه الجزيرة الكورية إلى قسمين شمالي وجنوبي بسبب الاختلاف الأيديولوجي بين أميركا والاتحاد السوفيتي، فأطلقت كوريا الشمالية على نفسها اسم "شوسون" لتربط نفسها بتلك الفترة المحبوبة من التاريخ الكوري لإضفاء الشرعية على حكم عائلة "كيم" صاحبة السجل الأسود لدى المنظمات الحقوقية والتي يوصف نظامها "بالقمعي الاستبدادي والشمولي". بينما أطلقت كوريا الجنوبية على نفسها اسم هانغوك الذي له وقع عاطفي أقل على هذا الصعيد.
ج- قام الكاتب بزيارة كوريا الشمالية عام 2012، ولاحظ أن هذا الإجراء لا يزال مفروضًا على جميع الزوار دون استثناء كما يقول.

المصادر

1- Kyung-Ae Park and Scott Snyder, eds. (2012) North Korea in Transition: Politics, Economy, and Society (New York: Rowman and Littlefield).
2- B.R. Meiers (2011)The Cleanest Race: How North Koreans See Themselves and Why It Matters (New York: Melville).
3http://asiansecurityblog.files.wordpress.com/2009/12/image.png
4- Andrew Natsios (2002) The Great North Korean Famine (Washington, D.C.: United States Institute of Peace).
5-  Jay Ulfelder (2012), “Bucking the Odds in North Korea,” Foreign Policy,September 5: http://www.foreignpolicy.com/articles/2012/09/05/bucking_the_odds_in_north_korea
6- Meiers, Cleanest Race; Robert Kelly (2012) “North Korea is Kim-Land,” JoongAngDaily,October 18: http://koreajoongangdaily.joins.com/news/article/article.aspx?aid=2960958; EunHee Shin (2006) “The Sociopolitical Organism: The Religious Dimensions of Juche Philosophy,” in Robert Buswell (ed.) Religions of Korea in Practice (Princeton: Princeton UP).
7- Begin at the Human Rights Watch page on NK: http://www.hrw.org/nkorea
8- Robert Kelly (2010) “How to Respond if North Korea really Sank that SK Destroyer: ‘Sell’ Southern Strategic Restraint to China for Pressure on the North,”Asian Security Blog,April 22: http://asiansecurityblog.wordpress.com/2010/04/22/how-to-respond-if-north-korea-really-sank-that-sk-destroyer-sell-southern-strategic-restraint-to-china-for-pressure-on-the-north/
9- Robert Kelly (2010) “Yeonpyeong Shelling Summation (1): Context and Causes in Hindsight,” Asian Security Blog,December 13: http://asiansecurityblog.wordpress.com/2010/12/13/yeonpyeong-shelling-summation-1-context-and-causes-in-hindsight/
10- Patrick McEachern (2010), Inside the Red Box: North Korea's Post-Totalitarian Politics (New York: Columbia University Press).
11- Korea Times (2013) “NK says will retain nukes until US ends Hostile Policy,” October 18: http://www.koreatimes.co.kr/www/news/nation/2013/07/113_122614.html
12- Robert Kelly (2012) “Strategic Patience?” Newsweek Korea, July 8 (issue 1084): English translation available at: http://asiansecurityblog.wordpress.com/2013/07/04/my-newsweek-korea-cover-story-a-defense-of-obamas-strategic-patience-on-north-korea/
13- CBC News (2013) “North Korea calls nuclear weapons 'nation's life,'” March 31: http://www.cbc.ca/news/world/north-korea-calls-nuclear-weapons-nation-s-life-1.1303455?cmp=rss
14- Victor Cha (2011) “China’s Newest Province,” New York Times,December 11: http://www.nytimes.com/2011/12/20/opinion/will-north-korea-become-chinas-newest-province.html?_r=0
15- JayshreeBajoria and BeinaXu (2013), “The China-North Korea Relationship,” Council on Foreign Relations February 21: http://www.cfr.org/china/china-north-korea-relationship/p11097
16- Robert Kelly (2013) “Why the West Should Relax about China,” Diplomat,September 6: http://thediplomat.com/2013/09/06/why-the-west-should-relax-about-china/
17- Robert Kelly (2013), “North Korea is the Boy who Cried Wolf: There will be No War,” Diplomat, April 13: http://thediplomat.com/2013/04/10/north-korea-is-the-boy-who-cried-wolf-there-will-be-no-war/
18- Robert Kelly (2013) “Don’t Sweat the Closure of Kaesong,” Diplomat,May 12: http://thediplomat.com/2013/05/12/dont-sweat-the-closure-of-the-kaesong/
19- Christopher Hitchens (2005) “Worse than 1984,” Slate May 2: http://www.slate.com/articles/news_and_politics/fighting_words/2005/05/worse_than_1984.html

نبذة عن الكاتب