المشهد السياسي والأمني الليبي: الدوائر المفخخة

يحاول هشام الشلوي في هذا التقرير أن يقف على ملامح الوضع السياسي والأمني الليبي الراهن، وكيف نفهم الأزمة السياسية الليبية الراهنة، وكيف يسير المؤتمر الوطني زمام الأمر؟ وما أبرز التنظيمات والكتائب المسلحة بليبيا؟ وكيف يلقي انتشار السلاج في ليبيا بظلاله على الوضع الأمني والسياسي.
20144157518923734_20.jpg
ملامح الوضع السياسي والأمن الليبي في ضوء الأزمة التي تعيشها البلاد (الفرنسية)

ملخص
لعل في طبيعة قانون انتخابات المؤتمر الوطني العام سببا في استمرار الأزمة السياسية التي تعيشها ليبيا، لقد خلق هذه القانون حالة من التأزم والتعقد، فلا أي حزب من الأحزاب السياسية شكّل أغلبية مريحة يستطيع من خلالها تشكيل حكومة قوية وبالتالي فرض أجندة عامة يمكنها أن تطرح سياسات أمنية وسياسية واقتصادية ناجعة وناجحة. بل ظل الوضع في ليبيا ونتيجة لهذا القصور المتعلق بطبيعة قانون انتخابات المؤتمر الوطني عاجزا عن إنهاء المرحلة الانتقالية، وعاجزا عن الوصول بالبلاد إلى حالة سياسية مستقرة.

شكل هذا القانون حالة سلبية في التعامل مع الأحزاب السياسية؛ حيث تم تغليب كفة الترشحات الفردية على حساب ترشحات القوائم الحزبية مما همش دو الأحزاب التي في النهاية حجز الزاوية في أي نظام سياسي تعددي، والتي عليها المعول في تسيير المشهد السياسي.

وفضلا عن الأزمة التي تعصف بالمشهد السياسي فإن قطاع الأمن تواجهه تحديات جمة: فمحاور القوة في القطاع الأمني الليبي تتجاذبها صراعات متعددة، كما أن المقاتلين الليبيين يتمسكون بأسلحتهم ويعبرون عن استعدادهم لرفعها ضد الحكومة من أجل الحصول على السلطة لجماعاتهم ومجتمعاتهم. كل هذا في غياب نظام قضائي فاعل.

وتبقى صياغة الدستور الليبي الجديد وضبطه والاتفاق عليه شرطا في وضع نظام تشريعي يمكن عند اتفاق الإرادات الليبية المختلفة عليه، وموافقة اللاعبين الليبيين بمشاربهم المتعددة على مضامينه، شرطا لخروج ليبيا من أزمتها الراهنة.

لعل العنوان الرئيس لحالة الثورة الليبية بعد مضي ثلاث سنوات على إسقاطها لنظام القذافي هو انتشاء الثورة المضادة متحالفة مع قوى إقليمية ودولية؛ فمسألة انتقال ليبيا من الثورة إلى الدولة كأنموذج يقلق كثيرًا أطرافا عربية وإقليمية، ويجعل أسئلة الثورة بما تتضمنه من تغيير حقيقي على مستوى البنى السياسية والثقافية حاضرًا بقوة في تلك الدول.

ليس من قبيل المصادفة تصريح وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز لصحيفة عكاظ السعودية يوم 25 مارس/آذار 2014 حينما قال في ختام اجتماعات وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة الـ25: "إن عودة النظام الملكي في ليبيا موضوع قيد الدراسة في الأوساط السياسية الليبية"(1)، معتبرًا أن عودة الملكية السنوسية تمثل الحل والضمان لعودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، مؤكدًا أنها أحد الخيارات المطروحة بقوة على الساحة الليبية حاليًا.

إن الإحاطة التي قدمها الممثل الخاص بالأمين العام للأمم المتحدة في 10 مارس/آذار 1014 لم تلخص حقيقة الوضع السياسي والأمني في ليبيا عندما أشار في ختام إحاطته "إلى ضعف قوة الدولة في تحمل مسؤولياتها في مجال الأمن بفعل غياب التوافقات السياسية حول بناء الجيش".(2)

الأزمة السياسية.. الجذور والمسارات

تعود جذور الأزمة السياسية الليبية وبشكل رئيس إلى طبيعة قانون انتخابات المؤتمر الوطني العام رقم 4 لسنة 2012، والذي خلق حالة من الفوضى تُعفي القوى السياسية مجتمعة داخله من المسؤولية؛ فليس به حزب سياسي يشكّل أغلبية مريحة يستطيع من خلالها تشكيل حكومة قوية أو فرض قرارات حاسمة تتعلق بسياسات الأمن القومي والاقتصاد أو القدرة على إنهاء المرحلة الانتقالية، وتسليم السلطة لبرلمان منتخب وقوي.

ثم إن واضعي قانون انتخابات المؤتمر الوطني تعاملوا بسلبية مع الأحزاب السياسية؛ فأعلوا من شأن مقاعد الفردي مقابل قوائم الأحزاب؛ مما أعاق ولفترة ليست بالقصيرة إمكان التفاهم بين 120 عضوًا فرديًا لا يعرف بعضهم البعض، وفي نهاية المطاف اضطر الـ120 عضوًا إلى تشكيل كتل سياسية داخل المؤتمر وصلت إلى 12 كتلة سياسية.

هذه الظروف مجتمعة اضطرت المؤتمر الوطني إلى اختيار علي زيدان رئيسًا للحكومة بعد فشل مصطفى أبو شاقور في إقناع المؤتمر لمرتين متتاليتين بتشكيلته الحكومية، وعلي زيدان نفسه هو الذي حصل على صوت واحد فقط من بين أعضاء المجلس الوطني الانتقالي السابق عندما تقدم مترشحًا لرئاسة الحكومة المؤقتة.

ظاهر الأزمة قد يوحي بأن ثمة صراعا إسلاميا-علمانيا، بين حزب العدالة والبناء الجناح السياسي للإخوان المسلمين بليبيا، وكتلة الوفاء للشهداء والتي يمثلها بالمؤتمر الوطني إسلاميون ووطنيون من غير الإخوان المسلمين من ناحية، وبين حزب تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل المقيم بالإمارات العربية منذ قرابة عشرة أشهر تقريبًا من ناحية أخرى.

إلا أن حزب تحالف القوى الوطنية لا يمكن أن يكون ممثلاً أمينًا للتيار العلماني الليبرالي بليبيا؛ فالحزب من الأساس قام من خلال مجموعة رجال أعمال رأوا أن مصالحهم الاقتصادية يمكن تحقيقها من خلال مشروع تحالف القوى الوطنية، ومجموعات أخرى تعلم جيدًا أن مستقبلها السياسي لن ينتعش إلا من خلال حزب التحالف؛ ففرضية وجود تيار علماني ليبرالي راسخ الجذور وواضح المعالم بليبيا تحتاج مزيدًا من البرهنة والتدقيق.

قانون العزل السياسي جاء كرد فعل على تقديم رئيس الحكومة علي زيدان سفير ليبيا بواشنطن علي الأوجلي كوزير للخارجية بتشكيلته الحكومية، فقبل هذه الحادثة تقدم محمود جبريل للمؤتمر الوطني كمرشح للحكومة ووقتها لم يطرح أحد مسألة عزل جبريل.

أيضًا تطور قانون العزل السياسي بشكل دراماتيكي حتى وصل إلى صورته الإقصائية الحادة بسبب سياسات الفعل ورد الفعل بين حزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا وحزب تحالف القوى الوطنية، وليس كما يُدّعى إعلاميًا من أن حزب العدالة والبناء كان وراء الصورة المشوهة الحالية للقانون، فلا حزب العدالة والبناء ولا الإخوان المسلمون سيتضررون من أية صيغة لقانون العزل السياسي.

وصل الفساد المالي والإداري أقصى مدى له بليبيا بعد تولي زيدان رئاسة الحكومة وذلك بحسب تقريري ديوان المحاسبة المالية، وجهاز الرقابة الإدارية، وكان زيدان يهدف من وراء هذا الفساد إلى خلق فراغات يستطيع من خلالها الاستمرار، كونه كان سياسيًا بلا مستقبل، فأي تماسك بالمشهد السياسي الليبي سينهي مستقبله السياسي. كما لا يمكن إغفال شكوى بعض وزراء زيدان من معارضته الدائمة لأية مشاريع اقتصادية أو أمنية تساعد في تحريك حالة الجمود والتردي.

سحب المؤتمر الوطني العام الثقة من علي زيدان يوم 11 مارس/آذار 2014 بـ124 صوتًا وكلّف وزير الدفاع عبد الله الثني بتسيير أعمال الحكومة إلى حين الاتفاق بين الكتل السياسية داخل المؤتمر على رئيس حكومة جديد.

إلا أن المؤتمر بتاريخ 8 إبريل/نيسان 2014 عاد وكلّف عبد الله الثني بتقديم تشكيلة وزارية، بسبب اعتراض الثني على فكرة تسيير الأعمال، ويبدو أن المؤتمر على الأقل في هذا الوقت عاجز عن اختيار رئيس حكومة خلفًا للثني، بسبب أزمة الثقة بين الإسلاميين بالمؤتمر الوطني والكتل المتشظية عن حزب تحالف القوى الوطنية.

تكمن الأزمة في ضعف عبد الله الثني كرئيس للوزراء؛ فالرجل ورث بلدًا لا ينتج إلا قرابة 350 ألف برميل نفط يوميًا، مع احتمال تصاعد الأزمة الاقتصادية إلى ذروتها والتي قد تعني عجز الحكومة عن دفع مرتبات موظفي الدولة.

كما أن الثني جاء لرئاسة الوزارة مع بدء انتشار العنف بما يعنيه من قتل وخطف وترويع بالعاصمة طرابلس، وهي التي كانت تشهد هدوءًا نسبيًا مقارنة بعدة مدن ليبية أخرى كبنغازي مثلاً. وهذه الأسباب وغيرها هذ ما جعلت الثني يعلن في بيان رسمي عن استقالته من مهامه مرجعا تلك الاستقالة إلى تعرضه لهجوم مسلح أثناء تواجده برفقة أسرته، معتبرا أنه لا يريد أن يكون سببا "في الاقتتال بين الليبيين".

ضعف رئيس الحكومة تبعه اهتزاز صورة رئيس المؤتمر الوطني العام نوري بوسهمين بعد تلفيق تهم أخلاقية له، فكان من المفترض أن يعزز رئيس المؤتمر من قوة الدولة في حال ضعف الحكومة، وهو الذي اتخذ قرارات تُعد جريئة كالقرار 42 الخاص بحل الحقول النفطية بالقوة العسكرية.

يمكن القول: إن ليبيا في حالة تمزق شديد بسبب:

  • حالة الاستقطاب السياسي الحاد بين تيار الثورة من جهة، وتيار الثورة المضادة من جهة أخرى، وشعور هذا الأخير بإمكان كسر التوازن السياسي والأمني لصالح الأول؛ مما يجعل نظرية الخوف هي العامل المسيطر؛ فتيار الثورة يخشى من عودة النظام القديم ومن ثم إبادته، وتيار الثورة المضادة يشعر بالانزياح التدريجي عن المشهد بسبب قانون العزل السياسي، وانكسار مشاريعه الفوضوية.
  • ضعف مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني الليبية وعدم قدرتها على تحمل أو صياغة مشاريع كبرى ناهضة بليبيا، وهي مشكلة ورثتها ليبيا الثورة من ليبيا القذافي؛ فمثلاً انخفض إنتاج النفط بليبيا من 3 ملايين برميل يوميًا عام 1973 إلى مليون ونصف المليون برميل بعد هذه السنة؛ فتعثر المشاريع السياسية والاقتصادية والأمنية لا يعود فقط إلى ظاهرتي الفساد المالي والإداري بقدر ما يعود إلى عدم قدرة هذه المؤسسات المفرغة تمامًا من الكفاءات على استيعاب هذه المشاريع ضمن متحد وطني.
  • الرأي العام الليبي أو ما يمكن تسميته بالشارع الليبي غير مهيأ هو الآخر للتعاطي مع المشاريع الكبرى؛ فهو شديد التأثر بالإعلام المضلل، وغير قادر على التمييز بين ما ينفعه وما يضره، عكس الرأي العام التركي الذي انحاز لمنجزات الديمقراطية والتنمية بالانتخابات البلدية الأخيرة بتركيا.

الإسلاميون والسلطة

لعله من المهم الانطلاق من نتائج انتخابات 7 يوليو/تموز 2012 والتي فاز فيها تيار تحالف القوى الوطنية بـ39 مقعدًا بالمؤتمر الوطني من أصل 80 مقعدًا بالنسبة للقوائم الانتخابية، في حين حصل حزب العدالة والبناء على 25 مقعدًا، لتحليل الادعاء القائل بسيطرة الإسلاميين على السلطة في ليبيا.

كذلك يمكن استعمال مؤشر الأرقام داخل حكومة علي زيدان لتفنيد هذه الدعوى؛ فقد مثّل حزبَ العدالة والبناء خمسُ حقائب وزراية قدم وزراؤها استقالاتهم بعد قرار الحزب سحب وزرائه من حكومة زيدان، عدا علي محيريق وزير الكهرباء الذي لم يقدم استقالته رغم أنه محسوب على حزب العدالة والبناء.

لا يشكك أحد بالدور الذي مارسه الإسلاميون داخل المؤتمر الوطني لإقالة علي زيدان، بتوافق حزب العدالة والبناء وكتلة الوفاء للشهداء، إلا أن كتلاً أخرى داخل المؤتمر من الوطنيين شاركت الإسلاميين سحب الثقة من زيدان (كتلة المبادرة الوطنية، وكتلة ليبيا)؛ وهما كتلتان لا يمكن حساب أعضائهما على التيار الإسلامي ويبلغ عدد أعضائهما 31 عضوًا.

لا نستطيع إغفال دور الدعاية السوداء زمن القذافي ضد التيار الإسلامي بليبيا والتعامل معه كنسيج واحد، كما أن ممارسات بعض التيارات الإسلامية بليبيا ممن لا تؤمن بجدوى العملية الديمقراطية أو المشاركة فيها قلّلت من حظوة الإسلاميين شعبيًا، وسبَّب الانقلاب المصري في 3 يونيو/حزيران 2013 ردة فعل كبيرة لدى قطاعات واسعة من الليبيين؛ فبدلاً من أن يساندوا الديمقراطية التي أتت بالتيار الإسلامي بمصر اتجه المزاج العام إلى إدانة التيار الإسلامي بليبيا واحتمال معاقبته بالاستحقاقات الانتخابية القادمة.

أيضًا لم ينجح التيار الإسلامي بليبيا في الوصول إلى رئاسة المؤتمر الوطني، ولا منصب النائب الأول بالمؤتمر، ولم ينجح في الحصول على رئاسة الوزراء عبر مرشحه عوض البرعصي والذي انتهى به الحال كنائب من ضمن ثلاثة نواب لرئيس الحكومة علي زيدان.

رغم أن الإسلاميين في ليبيا يفتقدون الزخم الشعبي، إلا أنهم استفادوا من بقائهم بمربع الثورة المقابل لمربع الثورة المضادة؛ ولذا نجد لهم تحالفات غير معلنة على الأرض مع ثوار من مصراتة وسوق الجمعة وتاجوراء والزاوية وبنغازي.

يتعرض الإسلاميون بليبيا كنظرائهم بمصر وتونس لحملة إعلامية شرسة تقودها دول إقليمية  بغرض شيطنتهم وإظهارهم وكأنهم نسيج واحد لا يؤمن بالعملية الديمقراطية أو يستخدمها كسلم للوصول إلى السلطة.

في وقت سابق من عام 2011 أبدى علي الصلابي أحد أبرز رموز التيار الإسلامي بليبيا تخوفه من محاولة من أسماهم بالمتطرفين العلمانيين إقصاء التيار الإسلامي بليبيا مستخدمين فزاعة سيطرة الإسلاميين على السلطة، وأكد الصلابي أن الإسلاميين ليست لديهم نوايا للسيطرة على ليبيا وأنهم يريدون مشاركة غيرهم من التيارات السياسية الأخرى في بناء البلد.(3)

هذه التصريحات لاقت في وقتها استهجانًا حتى من التيار الإسلامي الذي اعتبرها مبكرة وقتها، إلا أنه بعد مرور ثلاث سنوات من عمر الثورة الليبية يمكن الرجوع لهذه التصريحات والمقارنة بينها وبين الواقع الحالي والوثوق في صدقها.

أيضًا من المهم الإشارة إلى أنه وبعد سقوط نظام القذافي انهارت السلطة في ليبيا بما تعنيه من قدرة الحكومة المركزية على فرض قوانينها وقرارتها بالقوة؛ فالسلطة اليوم موزعة على أطراف عدة: مدن؛ وجماعات مسلحة قبلية وعقائدية.

لم تستطع حكومات ما بعد 17 فبراير/شباط جمع هذه السلطة وتركيزها بسبب الانتشار الهائل للسلاح على كل المكونات الليبية، وبالتالي لا يمكن القول: إن المؤتمر الوطني أو الحكومة أو الإسلاميين أو غيرهم يحوز السلطة منفردًا.

الأزمة الأمنية.. وضعف الإرادة السياسية

في قطاع الأمن تواجه ليبيا عدة أنواع من التحديات حسب تقرير مركز حوكمة الأمن البريطاني: سياسية، ومؤسساتية، واقتصادية وشخصية؛ فعلى المستوى السياسي، هناك صدع واضح بين مختلف محاور القوة في القطاع الأمني الليبي، كما أن العديد من المقاتلين الليبيين يتمسكون بأسلحتهم وعبّروا عن استعدادهم لرفعها ضد الحكومة من أجل الحصول على السلطة لجماعاتهم ومجتمعاتهم.

وغياب نظام قضائي فاعل ساهم في تأجيج الصراع؛ فالعديد من الكتائب المسلحة ظهرت كنتيجة لعداءات، وبين جماعات كانت مضطهدة أو بالعكس في ظل نظام القذافي. ودون قضاء فعال وشعور بالأمن العام، فإن هذه الجماعات ستواصل الاشتباكات فيما بينها.

كما أن صياغة الدستور الجديد هي شرط أساسي لمعظم الكتائب المسلحة من أجل تسليم أسلحتها والانضمام إلى القوات النظامية.

من ناحية أخرى، غياب الفرص الاقتصادية بالنسبة للشباب من المقاتلين لا يشجعهم على تسليم الأسلحة؛ إذ إن الانتماء إلى الجماعات المسلحة يوفر للشباب الرفقة ووحدة الهدف ومصدر دخل.(4)

في تحليل المشهد الأمني بليبيا يمكن الانطلاق من أطر عامة تتمحور حول علاقة هذه الميليشيات بالدولة؛ فرغم أن أغلبها يدّعي وصلاً بالدولة وتبعية بوزارة الدفاع أو رئاسة الأركان إلا أن إصرار قادتها على الاحتفاظ بأجسامها العامة دون دخول أفرادها في مكونات الأجهزة العسكرية يقلّل من صدقية تبعيتها للدولة؛ فمع استمرار الأزمة السياسية ستتضاعف الأزمة الأمنية.

يُعتقد أن أزمة النظام الأمني بليبيا تعود إلى ضعف توجه الإرادة السياسية نحو بناء مؤسسة أمنية قوية، فلا ينقص ليبيا لا العنصر البشري ولا المادي؛ فمثلاً في تقرير رفعته لجنة الداخلية بالمؤتمر الوطني إلى رئاسة المؤتمر تبين أن المنتسبين لوزارة الداخلية 201.956 ما بين ضابط وفرد، أي ما يعادل شرطيًا لكل 53 مواطنًا.(5)

بينما يبلغ تعداد الجيش الليبي حسب تصريح وزير الدفاع السابق محمد البرغثي بمؤتمر باريس حول ليبيا يوم 13 فبراير/شباط 2013، حوالي 100 ألف ما بين ضباط وجنود.(6)

خارطة الكتائب المسلحة

الجنوب يسيطر على المشهد العسكري بالجنوب الليبي الطابع القبلي العرقي بامتياز؛ فتتوزع الكتائب به إلى شق عربي بقيادة قبيلة أولاد سليمان وأولاد بوسيف من جهة، وشق تاباوي من جهة أخرى؛ فبمدينة سبها ينتشر اللواء السادس مشاة التابع لرئاسة الأركان، لكنه يدين بالولاء لقبيلة أولاد سليمان، وكتيبة شهد المهدية التي تتبع قبيلة أولاد بوسيف. بينما بمدينة الشاطئ توجد كتيبة حرس الحدود التابعة للواء القعقاع الزنتاني، وكتيبة 22 وهي مكونة بالأساس من عسكريين نظاميين تابعة لرئاسة الأركان، وكتيبة أحمد عبد الجليل الحسناوي التابعة لأنصار الشريعة.

التبو لهم بالجنوب كتيبتان: الأولى: شهداء أم الأرانب بقيادة بركه ولد ورادكو، والثانية: شهداء القطرون بزعامة اللاشي، وهما متمركزتان بمدينة مرزق.

أما الطوارق فلهم كتيبة تُسمّى تنيري وهي مكونة من عسكريين سابقين قاتلوا إلى جانب نظام القذافي بمصراتة والبريقة وسرت، وكتيبة 412 وهي مجموعة صغيرة من الطوارق بمدينة أوباري الجنوبية.

كتائب الغرب.. المدينة وصناعة الجماعات
يغلب على هذه التشكيلات الطابع المدائني، كمصراتة التي يُقدّر عدد المقاتلين الفعليين بها بحوالي 25000 مقاتل وبها قرابة 230 كتيبة شكّلت ما يُعرف بقوة درع ليبيا الوسطى وتمتلك هذه الكتائب مجتمعة ما يزيد عن 3500 سيارة مجهزة بمضادات الطائرات وراجمات الصواريخ وما يزيد عن 200 دبابة ويتمركز أغلبها في معسكرات تابعة للنظام السابق كما يتمركز باقي الكتائب في ضواحي المدينة.

خرجت كتائب مصراتة من طرابلس بعد سقوط ضحايا بأحداث غرغور في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2013؛ إذ خرجت مظاهرات من مسجد القدس بطرابلس مطالبة بتطبيق قراري المؤتمر الوطني رقمي 27 و53 الخاصين بإخلاء العاصمة من مظاهر التسلح، واتخذت كتائب جادو وغريان ونالوت الخطوة نفسها.

كذلك تتمركز كتائب تابعة لمدينة الزنتان بطرابلس رغم أنها أعلنت عن تسليم مقراتها للجيش الوطني الليبي، إلا أن هذا التسليم كان شكليًا وما زالت تلك القوات متمركزة بالعاصمة وهي تتشكّل من كتيبة الشهيد محمد المدني والتابعة للواء القعقاع، وقوة الردع الخاصة بقاعدة أمعيتيقة الجوية والتي سلّمت مقرها إلى سلاح الجو، ولواء القعقاع أو ما يُعرف بكتيبة اللواء الأول لحرس الحدود والأهداف والمنشآت الحيوية والاستراتيجية، والتي رغم مهمتها بحفظ الأمن الحدود إلا أنها تتخذ من طرابلس مقرًا لها، وكتيبة الصواعق والتي تتخذ من مجمع الدعوة الإسلامية مقرًا لها، ويُقدّر عدد هذه القوات بحوالي 15000 مقاتل أغلبهم كانوا تابعين سابقين للواء 23 معزز الذي شارك بقمع ثورة فبراير/شباط بقيادة خميس نجل العقيد الراحل معمر القذافي. وهي ميليشيات تابعة للبرنامج السياسي لتحالف القوى الوطنية، وقد حاولت في 15 فبراير/شباط الماضي إجبار المؤتمر الوطني العام على الاستقالة بعد منحه خمس ساعات لتسليم السلطة.

تنتشر بالغرب قوة تسمى درع الغربية بغريان وصبراتة والزاوية، وقوات عسكرية تحت إمرة غرفة عمليات ثوار ليبيا، وهي قوات غير صلبة سبق لرئيس المؤتمر الوطني تكليفها بحماية طرابلس.

كتائب الشرق.. القبيلة إطار اجتماعي وتسليحي
بطبرق توجد كتيبتان: الأولى: عمر المختار التابعة لرئاسة الأركان بالمنطقة العسكرية طبرق، والثانية كتيبة 71 مشاة التابعة لرئاسة ركن الحدود.

بدرنة جميع الكتائب عقائدية؛ ككتيبة شهداء أبو سليم الأقرب فكريًا إلى جبهة النصرة، وكتيبة مجلس شورى شباب الإسلام الأقرب فكريًا لتنظيم دولة الشام والعراق.

بالبيضاء تنتشر كتائب الدروع القريبة من التيار الإسلامي، وكتيبة حسين الجويفي، وهي كتيبة أمن نظامية وبها مجموعة من الضباط والأفراد يدينون بالولاء للواء المتقاعد خليفة حفتر.

بالمرج توجد كتيبة عيسى الوكواك، وهي كتيبة أمنية نظامية تابعة لرئاسة الأركان، وكتيبة قوات الردع هي الأخرى تابعة لرئاسة الأركان، وكتيبة الصقور التابعة لجيش برقة.

ببنغازي لا يُعرف على وجه الدقة عدد التشكيلات العسكرية، ولكن هناك كتائب تتكون بالأساس من ثوار جبهات وقريبين من التيار الإسلامي منضوين تحت رئاسة الأركان، ككتيبة 17 فبراير، وكتيبة شهداء ليبيا الحرة، وكتيبة راف لله السحاتي.

كما يوجد جيش برقة الفيدرالي الذي يتزعمه العميد صالح سالم العبيدي الذي يشغل في نفس الوقت آمر المنطقة العسكرية ببنغازي، وهو تناقض لا يمكن فهمه عسكريًا.

كتائب أنصار الشريعة المنتشرة ببنغازي وسرت، وكتيبة اللواء أول مشاة المكون أساسًا من كتيبة الفضيل بو عمر الأمنية التي قمعت ثوار بنغازي، ولها تنسيق مع حفتر.

العواقير كقبيلة لديهم 13 كتيبة مجهزة بأسلحة متوسطة وثقيلة، وتوجد كتيبة الصاعقة النظامية لكنها تقوم على الولاء القبلي ولا يُعرف عنها اتباعها لنظام التراتبية العسكرية.

بأجدابيا تنتشر كتائب تابعة لقبيلتي المغاربة والزوي، وهما في صراع دائم على الحقول النفطية.
_____________________________
هشام الشلوي - كاتب ومحلل سياسي ليبي

الهوامش
1. صحيفة عكاظ السعودية العدد 4864 بتاريخ 25 مارس/آذار 2014 http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20140325/Con20140325686767.htm
2.  إحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة 10 مارس/آذار 2014 http://unsmil.unmissions.org/Default.aspx?tabid=5338&language=ar-JO
3. مؤامرة تغييب الإسلاميين من الحكم بليبيا، http://www.almoslim.net/node/152769
4. مركز حوكمة الأمن:
http://www.ssrresourcecentre.org/wp-content/uploads/2014/01/eSeminar-1-Summary-Report-08-Jan-14.pdf ترجمة المرصد الليبي للإعلام
5. تقييم أداء وزارة الداخلية، تقرير رفعه عضو لجنة الداخلية نزار كعوان لرئاسة المؤتمر
6. مؤتمر صحفي لوزير الدفاع محمد البرغثي بباريس:  http://www.pm.gov.ly

نبذة عن الكاتب