التحالف ضد "تنظيم الدولة": معطيات وشروط تركيا

تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على الموقف التركي من المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، وتناقش معطياته ومخاوفه ومكاسبه. كما تبحث الورقة اتهامات بعض وسائل الإعلام الغربية لأنقرة بعدم الجدية في مواجهة تنظيم الدولة.
2014102095418672734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
يكتسب الموقف التركي من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "تنظيم الدولة" زخمًا كبيرًا, ويتركز الاهتمام بهذا الخصوص على الموقف النهائي لتركيا نظرًا لما تمتلكه من أهمية كبيرة ووضع خاص في المنطقة الحافلة بالأزمات، وتباين الرؤى السياسية تجاه الأحداث خاصة بعد تراجع الربيع العربي.

لم تقم القيادة التركية باتخاذ موقفها مباشرة بل تدرجت في ذلك، وما زالت مستمرة في تقييم طبيعة مشاركتها لاعتبارات مبدئية مثل طلبها بإيجاد حلول شاملة وغير جزئية, وكذلك اعتبارات أخرى مؤقتة مثل ما تعلَّق بحياة مواطنيها الذين كانوا قيد الاحتجاز لدى مقاتلي تنظيم الدولة في الموصل.

تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على الموقف التركي من المشاركة في التحالف والوقوف على معطياته ومخاوفه ومكاسبه, كما تناقش الورقة اتهامات بعض وسائل الإعلام الغربية لأنقرة بعدم الجدية في مواجهة تنظيم الدولة.

وتتناول الورقة أيضًا موقف الرأي العام التركي وقواعد حزب العدالة والتنمية من السياسة الحكومية تجاه المشاركة في التحالف ومن الأحداث والتطورات الجارية خاصة بعد تقدم قوات تنظيم الدولة إلى مدينة عين العرب "كوباني".

وتخلص الورقة إلى أن تركيا تسعى لتحقيق الموازنة بين الانسجام مع الجهود الدولية ضد تنظيم الدولة وتعمل في نفس الوقت على تحقيق مصالحها، والحفاظ على استقرارها وأمنها من الآثار والارتدادات العكسية لعمليات التحالف في الوقت الحالي وفي مستقبل السنوات القادمة.

شرعت الولايات المتحدة في قيادة تحالف دولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" بعد تعاظم قوة التنظيم في كل من سوريا والعراق وتوسع نطاق سيطرته في يونيو/حزيران 2014, فيما حاولت الإدارة الأميركية تجميع أكبر قدر ممكن من الحلفاء المشاركين والداعمين للتحالف بمختلف الأشكال.

ويكمن جزء كبير من خلفيات بلورة الموقف التركي في أن أنقرة لا تشارك واشنطن في جميع توجهاتها وأولوياتها في التحالف حيث إن واشنطن تهدف إلى القضاء على تنظيم الدولة ولا تعطي تصورًا واضحًا لمرحلة ما بعد "تنظيم الدولة", فيما تنظر أنقرة لنفسها على أنها واحدة من أهم المتأثرين مباشرة من تداعيات الأمور سواء على ساحتها الداخلية أو في التغيرات السياسية والأمنية لدى جيرانها؛ لذا فهي تحاول أن تصل إلى صيغة وقائية على أقل تقدير.

ومن جهة أخرى فإن واشنطن تتطلع إلى مشاركة فعالة من أنقرة تقوم الأخيرة من خلالها بالمشاركة في الغارات الجوية مع فتح القواعد العسكرية على الأراضي التركية لقوات التحالف وكذلك إرسال قوات برية عبر الحدود للقتال ضد قوات تنظيم الدولة.

تتمتع تركيا في هذا السياق بخصائص جيوبولوتيكية مهمة, يمكن إدراجها في الآتي: 

  1. امتلاك تركيا لحدود بمسافة 1200 كم تقريبًا مع كل من سوريا والعراق, كما تعتبر تركيا أهم وأقرب دولة جغرافيًّا إلى مناطق سيطرة تنظيم الدولة.
  2. وجود قواعد عسكرية مهيأة لانطلاق العمليات من تركيا, كما أن سلاح الجو التركي مزود بأحدث تكنولوجيات الجيش الأميركي, فيما تحتضن تركيا قواعد عسكرية لحلف شمال الأطلسي, تعد أكثرها شهرة قاعدة إنجرليك الجوية بجانب مدينة أضنة الواقعة في جنوب شرق تركيا(1)
  3. يعني تنفيذ العمليات من تركيا إحكام الخناق على تسلل مقاتلين أجانب من تركيا إلى كل من سوريا والعراق, وكذلك القضاء على كل ادعاءات تصدير النفط عبر تركيا والذي يعد أكبر مصدر تمويل لتنظيم الدولة. 
  4. تعتبر مشاركة تركيا بقيادة الحكومة الحالية ذات الخلفية الإسلامية السنيّة إضفاء لمزيد من الشرعية على عمليات التحالف.
  5. توفر مشاركة تركيا وفتح أراضيها للقوات المشاركة كثيرًا من أعباء نفقات التحالف في حال تمت من دول أخرى.
  6. سياسيًّا تعتبر مشاركة تركيا بالنسبة للغرب إما سحب لتركيا نحو الفلك الغربي من جديد بعد تبنيها توجهات نحو الشرق, أو زجّ بها في مستنقع الأزمات بعدما استطاعت أن تحافظ على إدارة دورها عن بُعد مما قد يسبِّب زعزعة في الاستقرار السياسي لحكومة العدالة والتنمية إذا اختارت الانسجام التام مع التوجهات الأميركية.

وقد برز هذا التطلع الأميركي والغربي في عدة مناسبات منذ مطلع شهر سبتمبر/أيلول يأتي في مقدمتها:

  1. تحدث فريق الأمن القومي التابع لأوباما، أكثر من مرة مع أردوغان ومع مسؤولين أتراك مع بداية سبتمبر/أيلول، حول إمكانيات تركيا للإسهام في مواجهة تنظيم الدولة.
  2. دعوة تركيا للمشاركة في التحالف ضمن خطة حلف الناتو في 5 سبتمبر/أيلول 2014.
  3. زيارة وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل لأنقرة في 8 سبتمبر/أيلول 2014، لاستطلاع حجم الاستعداد التركي للمشاركة في التحالف.
  4. دعوة تركيا للمشاركة في اجتماع التحالف في مؤتمر جدة في 11 سبتمبر/أيلول 2014.
  5. زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لأنقرة في 12 سبتمبر/أيلول 2014. 
  6. لقاءات الرئيس التركي مع الرئيس الأميركي ونائبه على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة نهاية سبتمبر/أيلول 2014(2).
  7. اعتذار جو بايدن نائب أوباما للرئيس التركي عن تصريحات اتهم فيها أنقرة بدعم الإرهاب.

الموقف التركي من التحالف

جاء توقيت مطالبة تركيا بتوضيح موقفها من المشاركة في التحالف في ظل وجود 49 رهينة من الدبلوماسيين الأتراك لدى تنظيم الدولة, وعلى الرغم من أن تركيا كان لديها أسبابها وتحفظاتها الجوهرية من المشاركة في التحالف بغض النظر عن موضوع الرهائن إلا أنها أعطت لحياة الرهائن أولوية خاصة فيما يتعلق بعملية إعلان موقفها من المشاركة, ويمكننا انطلاقًا من هذا أن نطَّلع على تطورات الموقف التركي باعتماد عودة الرهائن كفاصل زمني فحسب.

أولاً: الموقف قبل عودة الرهائن
تزايدت الضغوط الغربية لاتخاذ موقف تركي إيجابي وفعال من التحالف, غير أن أنقرة أعلنت موقفها المتحفظ بأشكال غير مباشرة وتدريجية من خلال الخطوات التالية:

  1. التأكيد على تضامن أنقرة مع الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب, وشراكتها الاستراتيجية معها.
  2. عدم التوقيع على بيان مؤتمر جدة؛ حيث كانت 11 دولة من الشرق الأوسط (دول الخليج الست وتركيا ومصر والأردن والعراق ولبنان)، بمشاركة واشنطن قد اجتمعت في مدينة جدة السعودية في 11 سبتمبر/أيلول 2014، لبحث مكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية".
    وقد قال رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، موضحًا سبب عدم توقيع تركيا على المشاركة في الحلف الذي سيواجه تنظيم الدولة الإسلامية: "ما تريده الولايات المتحدة الأميركية من الحلف واضح، والسبب من عدم توقيع تركيا على بيان قمة جدة واضح أيضًا، أتمنى أن يعي الجميع ما أقول، لا أريد الدخول في تحليل ذلك، لأنني سأضر بالسبب وراء عدم توقيعنا على المشاركة في الحلف"(3).
  3. إعلان التزامها بدعم الحلف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة, مع تأجيل تحديد شكل الدعم.
  4. الإعلان بعد ذلك عن أن الدعم هو عبارة عن تعاون لوجستي ومعلوماتي وسياسي, والقيام بإجراءات عملية لمنع انتقال عدد من المشتبهين من الأجانب الذين جاؤوا للقتال مع تنظيم الدولة في سوريا.
  5. التأكيد على عدم مشاركة جنود أو أسلحة تركية مع التحالف وعدم فتح أراضيها أو مجالها الجوي لقوات التحالف.

وقد أدى عدم توقيع تركيا على البيان الختامي لمؤتمر جدة على وجه الخصوص إلى إثارة تساؤلات كثيرة حول طبيعة الموقف التركي من التحالف. وكان البيان الختامي للاجتماع في جدة قد أعلن اتفاق الدول المشاركة فيه، عدا تركيا، على "الانضمام" لحملة عسكرية منسقة ضد تنظيم الدولة الإسلامية "إذا اقتضت الحاجة"، و"المشاركة في القيام بدور في الحرب الشاملة ضده.

وقد تضمن ما سبق: وقف تدفق المقاتلين الأجانب عبر دول الجوار، ومكافحة تمويل تنظيم الدولة والمتشددين الذين يمارسون العنف، والتبرؤ من الأيديولوجيات الخاصة به، وتقديم الجناة للعدالة، والإسهام في جهود الإغاثة الإنسانية، والمساعدة في إعادة إعمار المجتمعات التي تعرضت لوحشية تنظيم الدولة، ودعم الدول التي تواجه التهديد الأكثر حدة من هذا التنظيم"(4).

وبالرغم من عدم توقيع تركيا على البيان الختامي لمؤتمر جدة إلا أنها أوْلَت أهمية كبيرة لآليات التنسيق الإقليمي، فيما يتعلق بأعمال التحالف, على حد قول نائب رئيس الوزراء التركي "بولنت آرنتش" الذي صرَّح أيضًا بأن تركيا تساند الحلفاء في تحركهم ضد تنظيم الدولة، لكنها تتحرك أيضًا وفق معطيات مختلفة عن الدول الأخرى، مشيرًا إلى أن تركيا جزء مهم من المجتمع الدولي وتتحرك وفق مصالحها، بالتعاون مع حلفائها وأصدقائها(5).

المعطيات الخاصة
تحاول تركيا أن توضح للمجتمع الدولي خلفيات موقفها وطريقة تفكيرها تجاه حل الأزمة في العراق وسوريا، وتستند في ذلك على عدة نقاط وتحفظات رئيسية، منها:

  1. أن تركيا ترى أن المواجهة العسكرية مع تنظيم الدولة دون معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت لظهوره أمر يفاقم المشكلات بالنسبة للمنطقة, وقد تظهر حركات أكثر خطورة من تنظيم الدولة نفسه.
    وقد أفاد رئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو" في هذا السياق بأن الاستراتيجية التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وحل الأزمة في المنطقة ضرورية، لكنها ليست كافية لتحقيق الاستقرار.
    وفي هذا يظهر هنا أيضًا التخوف التركي من النوايا الخفية لواشنطن فيما يمكن أن تؤدي له الحرب من تداعيات وتحديدًا تلك التي تتعلق بشكل وطبيعة الدور التركي(6).
  2. تعتقد أنقرة أن استمرار النظام السوري بممارساته الحالية واقتصار عمل التحالف ضد تنظيم الدولة دون وجود أي توجهات للقيام بنشاطات ضد نظام الأسد بل على العكس من ذلك وجود تسريبات حول تعاون استخباري غربي مع أجهزة الأسد الأمنية "تم نفيه لاحقًا", كلها عوامل تجعل أنقرة تقترب من توجه أنها غير مضطرة للدخول في تحالف من شأنه أن يقوِّي خصومها.
  3. يصب التحالف ضد تنظيم الدولة في مصلحة الحكومة العراقية الوريثة لحكومة المالكي التي ما زالت تركيا تحمِّلها المسؤولية عن كل ما أصاب العراق من تدهور أمني وصراع طائفي, كما لا تزال تختلف معها في ملفات سياسية واقتصادية. وفي ذات السياق، فإن تكريس قوة الحكومة العراقية بقيادة حيدر العبادي يفيد تنامي النفوذ الإيراني في العراق وهو أمر لا تفضله الحكومة التركية.
  4. تسيطر على تركيا مخاوف من احتمالية وصول السلاح المقدم للحرب على تنظيم الدولة إلى أيدي مقاتلي حزب العمال الكردستاني وهو ما يعتبر مهدِّدًا خطيرًا للأمن القومي التركي, كما أن أنقرة تحفظت على تكوين تحالف من أجل مواجهة تنظيم الدولة فيما لم يتم فعل الأمر نفسه مع حزب العمال الكردستاني.
  5. التخوف الذي كان يراود الحكومة التركية من تصفية تنظيم الدولة للرهائن الأتراك البالغ عددهم 49 رهينة منذ أن تم اعتقالهم من القنصلية التركية في الموصل في يونيو/حزيران 2014 وحتى يوم عودتهم في 20 سبتمبر/أيلول 2014. وقد شكَّلت النقطة سببًا مهمًّا لتفهم الأوساط الغربية إعلان تركيا عدم إمكانية المشاركة المباشرة في التحالف, ويتبع هذا تخوف أنقرة من قيام تنظيم الدولة بتنفيذ أعمال انتقامية داخل الأراضي التركية تكون موجهة ضد السياح الأجانب في حدها الأدنى.
  6. يُعتقد أن أنقرة تدرك أن دخولها في سوريا سيضعها في مواجهة مع المصالح الروسية والإيرانية مما سيجعل موقفها أكثر تعقيدًا خاصة أن تركيا تعتمد في جزء كبير من وارداتها في قطاع الغاز على روسيا وإيران.
  7. تصر أنقرة على عدم المساواة بين الجماعات الإسلامية كلها تحت عباءة الإرهاب, وترى أن هناك حركات معتدلة لا ينبغي وصفها بذلك في حين أن هناك دولاً منضوية في التحالف ضد تنظيم الدولة وتريد توسيع الحملة إلى ما هو أبعد من العراق وسوريا، مثل مصر التي تطالب بإدراج جماعة الإخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية(7).
  8. تحمل القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية حسًّا دينيًّا تجاه قضايا العالم الإسلامي، وكذلك كراهية كبيرة لسياسات أميركا تجاه المنطقة ولا تعتقد بسلامة نوايا واشنطن ولا ترغب في انخراط حكومتها في كل ما من شأنه أن يحقق الأهداف الأميركية.

حملة إعلامية
تعرضت تركيا لحملة إعلامية من وسائل إعلام غربية وأميركية بعد ظهور عدم حماسة أنقرة للمشاركة في التحالف وركزت هذه الحملة على وجود دعم وعلاقات سرية بين الاستخبارات التركية وتنظيم الدولة, وتسهيل تركي لمرور المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق, إضافة للسماح لتنظيم الدولة بتسويق نفط الأراضي التي يسيطر عليها في السوق السوداء بمدن جنوب تركيا, إضافة للحديث عن علاج بعض مصابي تنظيم الدولة في المستشفيات التركية الحكومية؛ وكل هذا قد تم نفيه من الحكومة التركية(8).

ومن أمثلة ذلك ما نشرته وكالة رويترز في 16 سبتمبر/أيلول 2014، تحت عنوان "العزوف التركي يعوق الخطط الأميركية لبناء تحالف ضد الدولة الإسلامية"(9), وكذلك ما نشرته صحيفة "الوول ستريت جورنال" في 15 سبتمبر/أيلول 2014؛ حيث قالت: "إن أنقرة بالرغم من كونها عضوًا في الناتو فإنها لم تعد منذ فترة تتصرف كحليف للولايات المتحدة والدول الغربية"(10), فيما نشرت "النيويورك تايمز" خبرًا ادّعت فيه أن تركيا هي أكبر مصدر للمقاتلين المتجهين للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية(11).

تركيا ونفط تنظيم الدولة
لم يقتصر الأمر على تسليط الإعلام الغربي على موضوع تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق عبر الحدود التركية فحسب؛ حيث تحدثت صحيفة نيويورك تايمز عن عدم رغبة المسؤولين الأتراك، المستفيدين من السعر الزهيد للنفط المهرَّب، في مساعدة الولايات المتحدة في القضاء على شبكة مبيعات النفط التي يبيعها تنظيم الدولة في السوق السوداء مما يجعلها من أغنى المنظمات الإرهابية في التاريخ، وهذا يشكِّل تحديًا أمام التحالف في تجفيف منابع تمويل تنظيم الدولة.

وأشارت الصحيفة أيضًا إلى أن الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة تنتج من 25000 إلى 40000 برميل نفط يوميًّا، ما يؤمِّن، على الأقل، نحو 1.2 مليون دولار في السوق السوداء الذي يوجد في مدن الجنوب التركي على حد ذكر الصحيفة(12).

وقد نفى مسؤولون أتراك بشدة هذه الاتهامات وكان من بينهم وزير الطاقة التركي "طانر يلدز"، الذي نفى أن تكون بلاده قد اشترت أي نفط من تنظيم الدولة مشيرًا إلى أن تركيا استوردت نفطًا من 13 دولة مختلفة بشكل قانوني، مؤكدًا أن تركيا لا يمكن أن تتعامل مع تنظيمات كتنظيم الدولة, لافتًا إلى أن تركيا تشدِّد على ضرورة حيازة شهادة منشأ مع ذكر اسم الحقل عند استيرادها لشحنات النفط، مرجحًا احتمالية قيام نظام الأسد -الذي وصفه بفاقد الشرعية على المستوى العالمي- بشراء المنتجات النفطية التي تستخرج من المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة(13).

ونخلص من هذا إلى أنه من الصعب التحكم في منع عمليات تهريب على حدود طولها 1200 كم مما يجعل احتمال وقوعها ممكنًا, علمًا بأن عمليات التهريب موجودة منذ فرض الحصار على نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين, غير أنه حتى الآن لا توجد أدلة ثابتة توضح علاقة مسؤولين أتراك بهذا غير التقارير الصحفية التي تارة تتحدث عن علاقة تركيا وتارة عن إيران بل حتى النظام السوري, بل إن بعض التقارير أشارت إلى شركات أميركية وإسرائيلية.

الدعم السري للتحالف ضد تنظيم الدولة
بالرغم من الانتقادات والاتهامات التي تعرضت لها أنقرة إلا أن هناك جهات رسمية غربية أعلنت تفهمها للموقف التركي من المشاركة المباشرة في التحالف مركزة على اعتبار واحد من الاعتبارات السابقة وهو الخوف على مصير الرهائن خاصة بعد قيام تنظيم الدولة بذبح صحفيين أميركيين في أغسطس/آب 2014.

وقد فُهم من بعض التصريحات الغربية أن هناك اتفاقًا سريًّا بين تركيا والولايات المتحدة؛ حيث قال المتحدث باسم البيت الأبيض "جوش إرنست": إن تركيا محقة في شعورها بالقلق حيال العنف وعدم الاستقرار الذي يخلقه تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، مضيفًا أن مشاورات مكثفة تجري مع المسؤولين المعنيين في تركيا، لبحث الطريقة التي يمكن أن تسهم بها. كما قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي: "إنه لا يعتقد أن عدم مشاركة تركيا في التحالف سيمثِّل مشكلة، مضيفًا: "أعتقد أن تركيا ستشارك، فقد أرسلت إشارات بهذا الخصوص، إلا أنها ستشارك بطريقتها الخاصة وفي إطار الصلاحيات التي سيمنحها الشعب التركي"(14). كما صرَّح وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان بأن تركيا لم ترفض المشاركة في التحالف إنما لها وضع خاص يفرض عليها الحذر منوهًا إلى أولوية الحفاظ على سلامة الرهائن الأتراك(15).

وتشير هذه الإشارات وهذا التفهم إلى عدة أمور منها ما يتوافق مع ما تحدثت عنه صحيفة "طرف" التركية المعارضة، حول اجتماع للإعلاميين مع الرئيس التركي لبلورة خطة إعلاميّة للتعامل مع "التحالف الدولي" هدفها إظهار رفض تركيا الاشتراك في أي عمل عسكري للتحالف، برغم أنها ستقدم له المساعدات سرًّا(16).

إنه من المؤكد أن أنقرة قامت بتأييد أوليّ لواشنطن في تحالفها ضد تنظيم الدولة, ولم تعلن أي موقف حول طبيعة مشاركتها حفاظًا على حياة مواطنيها المحتجزين, لكن المشاورات المستمرة مع الإدارة الأميركية وهي أقرب إلى المفاوضات الصعبة والاستمرار التركي في نفي استخدام الأراضي التركية يعد مؤشرًا على عدم وجود اتفاق سري.

وبرغم الحديث عن مزاعم الاتفاق السري ألا أن الاتهامات لتركيا بوجود علاقات لها مع تنظيم الدولة وكذلك الضغوط الغربية عليها لم تتوقف.

وفي سياق آخر، فإن الفترة ما بين دعوة تركيا للمشاركة في التحالف وعودة الرهائن، أي: ما بين بداية سبتمبر/أيلول وحتى تحرير الرهائن، تعتبر كافية نسبيًّا للحكومة من أجل تهيئة الرأي العام التركي لتقبل قرار المشاركة في حال اتخذت قرارها بذلك.

اتجاهات الرأي العام التركي
وفيما تحتل اتجاهات الرأي العام حيزًا مهمًّا في عملية صناعة القرار, فإنه من المهم أن نتعرف على اتجاهات الشارع التركي, خاصة أن المزاج التركي العام معروف بعدم تفضيله مشاركة الولايات المتحدة في أية أعمال عسكرية, ويمكننا الاستفادة في هذا الإطار من الاستطلاع الذي أجرته شركة متروبول للأبحاث الاستراتيجية والاجتماعية في الفترة ما بين 16 و18 من شهر سبتمبر/أيلول 2014، من خلال المحاور التالية:

1- هل تشعرون بالتعاطف مع تنظيم الدولة؟

الفئة

نعم

لا

لا أعرف

الشعب التركي

1.3

93.6

5.1

مؤيدو حزب العدالة

2.2

91.2

2.4

2- هل ترى أنه من اللازم أن تنضم تركيا للتحالف الدولي والإقليمي في مواجهة تنظيم الدولة؟

الفئة

نعم

لا

لا أعرف

الشعب التركي

61.2

22.7

16.1

مؤيدو حزب العدالة

55.4

24.8

19.7

ملاحظة: يشار هنا إلى أن هذا الاستبيان نُفِّذ قبل يوم من عودة الرهائن الأتراك من الموصل.

3- هل تؤيد عملية عسكرية دولية ضد تنظيم الدولة؟

الفئة

نعم

لا

لا أعرف

الشعب التركي

67.3

16

16.7

مؤيدو حزب العدالة

61.5

20.6

17.9

4- هل ترى أنه يجب على تركيا أن تأخذ مكانًا في العملية العسكرية الدولية ضد تنظيم الدولة؟

الفئة

نعم

لا

لا أعرف

الشعب التركي

52

29.9

18.1

مؤيدو حزب العدالة

47

32.8

20.1

5- نظرًا للأعمال التي فعلتها بالعراق وسوريا، هل ترى في تنظيم الدولة منظمة إرهابية؟

الفئة

نعم

لا

لا أعرف

الشعب التركي

79.8

8.9

11.3

مؤيدو حزب العدالة

73.5

12

14.5

يلاحَظ هنا أن نسبة من قالوا: نعم، من الفئة الأولى كانت 70.8 % في شهر يونيو/حزيران 2014, فيما أظهر استطلاع للرأي أُجري في أوساط مؤيدي حزب العدالة أن 65.5% منهم يرون أن تنظيم الدولة منظمة إرهابية.

والأمر المثير في هذه الدراسة هو أنه على الرغم من استهداف تنظيم الدولة للأكراد في المنطقة، فإن نسبة الذين اعتبروه تنظيمًا إرهابيًا بين أنصار حزبي السلام والديمقراطية والشعوب الديمقراطية في أغسطس/آب الماضي تبلغ 59% فقط(17).

ومن خلال ما سبق نجد أن 60% من الشعب التركي يؤيدون مشاركة تركيا في التحالف, فيما تنخفض النسبة إلى قرابة 50% عند الحديث عن مشاركة عسكرية لتركيا, وربما تنخفض هذه النسبة بعد تركيز تنظيم الدولة على المواجهة مع الأكراد الموالين لحزب العمال الكردستاني.

ويمكن القول: إن الشعب التركي عمومًا والقاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية لا تؤيد تنظيم الدولة إلا أن هناك مزاجًا عامًّا غير ودي تجاه الغرب عمومًا والولايات المتحدة وخاصة إذا ما تعلَّق الأمر بضرب دولة مسلمة أو كيان في دولة مسلمة بغضِّ النظر عن علاقة تركيا بها(18). كما أن تأكيد واشنطن على عدم إرسالها قوات برية إلى المنطقة يزيد من رفض الشعب التركي لأن يُقتل أبناؤه في حرب لا يعتبرونها حربهم, كما أن هناك عددًا من الكتَّاب التركيين يرون أن تركيا مستهدفة من خلال دورها في التحالف.

ثانيًا: مرحلة ما بعد تحرير الرهائن
جاءت عملية تحرير الرهائن في 20 سبتمبر/أيلول 2014 بعد جهود قامت بها الاستخبارات التركية, وقد اتضح أن وجود الرهائن كان له دور مؤقت في عدم الموافقة على بعض طلبات التحالف ويختلف في جوهره عن الأسباب المكونة للموقف التركي.

وفي هذا السياق قال الرئيس التركي: "كان بإمكاننا القول بأننا مستعدون للمشاركة إزاء بعض طلبات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة سيما وأن الدول العظمى في العالم مجتمعة، لكن لم يكن بوسعنا أن نقول: نعم، لهذا الأمر مباشرة، لأننا نهتم بأرواح (49) شخصًا"(19).

ويمكننا الوقوف هنا على عبارة "بعض طلبات التحالف" على أنها إشارة واضحة على عدم التناغم وعدم القبول بكافة الطلبات الأميركية مما يعني عدم المشاركة الفاعلة من قبل أنقرة, كما أن حديث أردوغان عن أن تركيا "مضطرة" لمحاربة التنظيمات الإرهابية يشير إلى عدم وجود الرغبة والقناعة.

استخدام الأراضي التركية: نفي وغموض

استمر الموقف التركي في إعلان معاداته للإرهاب وتأييده للتحالف من دون الإفصاح عن طبيعة دوره والاستمرار في استعراض تحفظاته ومطالباته بحلول جذرية, كما حرصت تركيا أيضًا على نفي أن تكون أجواؤها أو القاعدة الأميركية على أراضيها قد استُخدمت في العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

وبدا الغموض يلف الموقف التركي تمامًا عندما تحدث أردوغان للصحافيين في مدينة نيويورك الأميركية التي زارها لحضور أعمال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال: إن "تركيا ستتخذ إجراءات بالشكل الذي يقتضيه ما يترتب عليها، في إطار مكافحة الإرهاب في المنطقة".

كما ارتبط تحديد الموقف التركي النهائي باجتماع أركان الدولة التركية مع الإشارة إلى أن المعلومات التي حصلت عليها أنقرة بشأن ضرب تنظيم الدولة والمناطق التي استُهدفت، وكيفية ضربه، لم تتضح بصورة كبيرة بعد(20).

الموقف التركي يعتمد على طبيعة الحلول الدولية

تعتقد تركيا أنها تعيش حالة من الاستقرار النسبي في ظل اشتعال المحيط العربي حولها وتريد أن تحافظ ما استطاعت على هذا الإنجاز مما يجعلها أكثر تحفظًا وحذرًا من المشاركة في التحالف؛ لذا فإن الموقف التركي سيكون معتمدًا على طبيعة الحلول الدولية.

وبناء على ما سبق، فقد أكد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو: "إن من شروط بقاء تركيا جزيرة استقرار في المنطقة، تأمين الهدوء والاستقرار في محيطها"، مضيفًا: "إذا كان أي عمل عسكري، أو حل، يحمل تصورًا لجلب الهدوء والاستقرار إلى المنطقة في نهاية المطاف، فإننا نؤيد ذلك، لكن في حال تبني مقاربة تستند إلى حلول مؤقتة، بهدف إرضاء الرأي العام، حاليًا، فإننا نعلن بكل صراحة قناعتنا حيال ذلك"، كما أفاد: "إن الاستراتيجية التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة تنظيم الدولة وحل الأزمة في المنطقة ضرورية، لكنها ليست كافية لتحقيق الاستقرار"(21).

واستخدمت تركيا التي تستشعر الضغوط الغربية عليها سلاح التقييد عندما أعلن "أحمد داود أوغلو": "إنه إذا كانت هناك استراتيجية واضحة تضمن لنا حماية حدودنا بعد ظهور تنظيم الدولة، فنحن مستعدون لفعل كل ما في وسعنا من أجل ذلك". في خطوة تفرض قيودًا على طلبات التحالف.

الشروط الثلاثية لدخول التحالف

نظرًا لارتفاع عدد الدول المنضمة للتحالف في اجتماع مجلس الأمن فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد لفت إلى أن تركيا مرشحة أن تكون طرفًا في التحالف, لكنه ربط ذلك بأمرين عامين، هما: الاستقرار الإقليمي والمقتضيات الإنسانية، ثم خصص ذلك بتحديد بثلاث نقاط مهمة، وهي:

  1. اعتماد حل شامل للوضع الأمني في العراق وسوريا.
  2. تأسيس منطقة عازلة آمنة في الطرف السوري وإعلان حظر طيران فيها.
  3. تحديد كل تفاصيل التعاون والتنسيق لدخول تركيا في التحالف ويندرج تحت هذا تدريب قوات المقاومة السورية "المعتدلة".

كما أرجأ موضوع قيام الجيش التركي بعمليات عبر الحدود إلى أخذه تفويضًا من البرلمان التركي بذلك وهو ما حصل بالفعل في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري(22)؛ حيث صادق البرلمان التركي على مذكرة تفوض الحكومة في إرسال القوات المسلحة خارج البلاد، للقيام بعمليات عسكرية وراء الحدود لمدة عام، إذا اقتضت الضرورة ذلك، من أجل التصدي لأية هجمات محتملة قد تتعرض لها تركيا من التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق.

وورد في حيثيات المذكرة "أن التهديدات، والمخاطر زادت بشكل كبير بطول الحدود البرية الجنوبية للبلاد، وأن منظمة "بي كا كا" ما زالت موجودة في شمال العراق، وأن عدد التنظيمات الإرهابية ازداد بشكل كبير، وبالتالي فمن حق تركيا الدفاع عن أمنها القومي"(23).

ويمكن لهذه الشروط الثلاث التي أعلن عنها الرئيس التركي أن ترسم معالم الموقف التركي بشكل أكثر وضوحًا. وفيما يستمر الأتراك في تأكيدهم أن القصف الجوي وحده لا يمكن أن يُنهي عمل تنظيم الدولة, فإن المباحثات مع الجانب الأميركي لا تزال جارية على أعلى المستويات، ويُعتقد أن المباحثات ستتقدم أكثر كلما كانت التفاهمات ملبية للاشتراطات التركية.

الهجوم على "كوباني" لم يغير الموقف

بعد وقت قليل من قرار تفويض الجيش التركي بالعمل خارج الحدود اقتحمت قوات تنظيم الدولة مدينة عين العرب "كوباني" السورية المحاذية للحدود التركية بعد أن بدأت هجومها على المدينة منذ 16 سبتمبر/أيلول 2014.

وبالرغم من ذلك لا تزال تركيا تمتنع عن أي تدخل عسكري, وما زالت تضع شروطها للانضمام إلى التحالف العسكري.
لكن الهجوم على كوباني لم يؤدِّ إلى تدفق اللاجئين الأكراد إلى تركيا فحسب بل شهدت عدة مدن تركية تظاهرات ومواجهات عنيفة احتجاجًا على سياسات القيادة التركية إزاء المعركة الدائرة في عين العرب "كوباني"؛ ما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين الأتراك وإعلان حالة الطوارئ في عدة مدن تركية.

وفي هذا السياق، فقد هدد زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المسجون في جزيرة إمرلي بنسف عملية السلام بين حزبه وأنقرة، في حال حصول مجزرة في كوباني, وأمهل أوجلان الحكومة حتى 15 من الشهر الجاري لاتخاذ موقف واضح وصريح ضد تنظيم الدولة وحربه على الشعب الكردي(24).

ويفتح هذا الأمر على الحكومة التركية باب المسألة الكردية مجددًا وهو ما ستحاول الحكومة تسويته بأسرع شكل ممكن.

من جهة أخرى، يُعتقد أن أنقرة تستفيد بشكل غير مباشر من عدم تدخلها في عين العرب من خلال كسر شوكة المقاتلين الأكراد الموالين لحزب العمال الكردستاني الذين يحاربون تنظيم الدولة حاليًا, كما أنها تجنِّب نفسها المواجهة المباشرة مع تنظيم الدولة, وتبقى على موقفها القاضي بوجود منطقة عازلة.

ومع إصرار أنقرة على موقفها واقتراب التوتر كثيرًا من حدودها تقول أنقرة إنها ستبذل كل ما في وسعها كي لا تسقط كوباني لكن أنقرة أيضًا تبرر موقفها بعدم إمكانها التدخل في مكان وترك أماكن أخرى مماثلة, فكما يطلب منها الأكراد إنقاذهم من تنظيم الدولة فإن التركمان والسنة في سوريا يطلبون هذا أيضًا.

من الواضح أن أنقرة لن تقوم بعملية في كوباني بمفردها, وما زال خيارها هو تعزيز المساعدات الإنسانية للمدن السورية المحاصرة التي تجعل الحديث عنها مدخلاً لتأسيس منطقة عازلة ذات أهمية إنسانية وعسكرية.

وفيما لا تزال المباحثات جارية بين الطرفين التركي والأميركي خاصة فيما يتعلق باستخدام القواعد العسكرية في تركيا, فإن الطرفين قد اتفقا على قيام جهاز الاستخبارت التركية "إم آي تي"، باختيار 2000 مقاتل من المعارضة السورية وتوفير معسكر خاص وآمن داخل تركيا لتدريبهم على أن يتم تشكيل هيئة مشتركة من الخبراء العسكريين الأتراك والأميركيين لتشرف على تدريب هؤلاء المقاتلين، على أن تتكفل أميركا بتوفير كل الأسلحة والتجهيزات التي يحتاجونها(25).

ويعد هذا الاتفاق مؤشرًا إضافيًّا على عدم مشاركة تركيا في عمليات برية اللهم إلا في أجزاء محدودة خاصة مع تأكيد واشنطن على عدم مشاركتها بريًّا, كما يعد هذا الاتفاق مقدمة لمزيد من التفاهم خاصة في فتح قاعدة إنجرليك العسكرية أمام طائرات التحالف, ولكن التعقيد يتمثل فيما يبدو في التوافق على المنطقة العازلة.

ويعني ما سبق أن تركيا قررت المشاركة في التحالف ضد تنظيم الدولة لكن خطواتها البطيئة لن تكون إلا في ظل اتخاذها كافة التدابير الاحترازية للحفاظ على حاضر ومستقبل أمنها واستقرارها.

خلاصة

لا شك أن تركيا لا تفضل الانخراط في الجزء العسكري من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة نظرًا لمعطيات كثيرة دافعها الخوف من دفع ضريبة باهظة مستقبلاً, إلا أن تركيا التي تعتبر أهم دولة تتاخم مناطق سيطرة تنظيم الدولة لا تريد أن تبدو بمظهر سيء في ظل الاتهامات المتزايدة لها، كما أن أنقرة التي تريد زوال نظام الأسد لا تريد أن تكون خارج سياق الاطلاع المباشر على الأحداث والتطورات, ولا تريد أن يملأ أعداؤها وخصومها فراغ غيابها.

واجهت تركيا ضغوطًا كبيرة خاصة من الإدارة الأميركية وتعرضت لاتهامات وحملات إعلامية, وقد امتنعت تركيا عن التوقيع على اتفاق جدة وأكدت في نفس الوقت على موافقتها على التعاون الاستخباراتي واللوجستي وكذلك على قصور وعدم شمول عمليات التحالف بما ينفي القدرة على تقديم حلول لمشاكل المنطقة الأساسية.

بدأت مؤشرات الحديث عن مفاوضات للدخول في التحالف بعد عودة الرهائن المحتجزين إلا أن تركيا لم تكف عن الحديث عن ضمانات لاستقرارها المستقبلي فطلبت منطقة عازلة ومنطقة حظر طيران وأخذت موافقة البرلمان التركي على تفويض الجيش في خطوة لا تهدف حاليًا إلا لمساعدة قوى المعارضة السورية في مجابهة نظام الأسد.

باختصار شديد تركيا لديها مخاوف كثيرة وعليها ضغوطات كبيرة، وقامت -وما زالت تقوم- بعملية تقييم مستمرة لدورها، وما زالت في طور تحديد شكل وطبيعة دورها تبعًا للتطورات, لكن من المرجح أن تعلن تركيا عن المشاركة الفعلية مع التحالف لكنها المشاركة المشروطة والمعتمدة على تحقيق طلباتها.

إن كان من توصية فإن تركيا قد استطاعت أن تتفادى معظم الارتدادات العكسية لسياساتها تجاه الربيع العربي بشكل جيد, ولكن موضوع مشاركتها في هذا التحالف دون تأمين نفسها يجعلها في موضع خطير جدًّا, فعليها أن تصر على تطبيق ما يلزم من وسائل التأمين سواء في المنطقة العازلة أو تأمين موضوع اللاجئين.
____________________________________
محمود سمير الرنتيسي - باحث في العلاقات الدولية

المصادر والهوامش
1-  بشير عبد الفتاح, الحسابات التركية في الحرب على تنظيم الدولة, الجزيرة نت , 15 سبتمبر/أيلول 2014،
 http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2014 سبتمبر/ أيلول 14/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4
2-  صحيفة الدستور, أنقرة تستعد لاستقبال كيري, 11 سبتمبر/أيلول 2014،
http://www.dostor.org/675355
3-  زينب أكييل, الأزمة لن تُحلّ بتجاهل سوريا, وكالة الأناضول, 13 سبتمبر/أيلول 2014،
http://www.aa.com.tr/ar/turkey/388360
4-  موقع وزارة الخارجية السعودية, البيان الختامي للاجتماع الإقليمي لوزراء الخارجية في جدة, 11 سبتمبر/أيلول 2014،  إضغط هنا
5-  قرباني غييك،سردار أتشيل, نائب داود أوغلو: مهتمون بآليات التنسيق الإقليمي لمواجهة الإرهاب, وكالة الأناضول, 15 سبتمبر/أيلول 2014،
http://www.aa.com.tr/ar/turkey/389748
6-  بشير عبد الفتاح, الحسابات التركية في الحرب على داعش.
7-  أوكتاي يلماز, دور تركيا في التحالف الدولي ضد "داعش", موقع أخبار تركيا, 15 سبتمبر/أيلول 2014، http://akhbarturkiya.com/?p=34206
8-  إسماعيل يشا, تركيا وداعش وحملات الكذب, 17 سبتمبر/أيلول 2014، موقع عربي 21, http://t.arabi21.com/Story/776190?categoryId=2&category=%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA&section=%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8_%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A_21&sectionId=299&title=a
9- NICK TATTERSALL, Turkish reluctance hurts U.S. plans for coalition against Islamic State, Reuters, 1692014.
http://www.reuters.com/article/2014/09/16/us-iraq-crisis-turkey-idUSKBN0HB2E520140916
10- wall street journal , Our Non-Ally in Ankara, 1592014.
http://online.wsj.com/articles/our-non-ally-in-ankara-1410561462
11- القدس العربي, خبراء: سياسات أميركا أحد أسباب ظهور «داعش», 18 سبتمبر/أيلول 2014،
http://www.alquds.co.uk/?p=223071
12-  DAVID E. SANGER and JULIE HIRSCHFELD DAVIS, Struggling to Starve ISIS of Oil Revenue, U.S. Seeks Assistance From Turkey, NYTIMES, 1392014.
http://www.nytimes.com/2014/09/14/world/middleeast/struggling-to-starve-isis-of-oil-revenue-us-seeks-assistance-from-turkey.html?_r=0&module=ArrowsNav&contentCollection=Middle%20East&action=keypress&region=FixedLeft&pgtype=article
13-  هشام شعباني, وزير تركي يفنِّد مزاعم بيع تركيا وقود الطائرات لإسرائيل, الأناضول, 26 سبتمبر/أيلول 2014،
http://www.aa.com.tr/ar/turkey/395450
14-   محمد طور أوغلو, متحدثون أميركيون: ننتظر قرار تركيا بشأن مشاركتها في مكافحة "داعش", 13 سبتمبر/أيلول 2014,
http://www.aa.com.tr/ar/turkey/388454
15-  قناة سكاي نيوز, تصريح وزير الدفاع الفرنسي, 15 سبتمبر/أيلول 2014،
http://www.youtube.com/watch?v=AglM8pzrIRI
16-  باسم دباغ, تركيا تدعم التحالف سرًّا, صحيفة العربي الجديد, 15 سبتمبر/أيلول 2014،
 http://www.alaraby.co.uk/politics/9a7a3194-eee9-40b1-9b53-87fa33302e3b
17- MetroPOLL Stratejik ve Sosyal Ara?t?rmalar, Türkiye'nin Nabz? Eylül 2014 "Türkiye’nin I??D Alg?s?: ?slam, ?iddet ve Hükümet Politikas?", 27 سبتمبر/أيلول 2014.
http://www.metropoll.com.tr/report/turkiyenin-nabzi-eylul-2014-turkiyenin-isid-algisiislam-siddet-ve-hukumet-politikasi
18- باتر فخر الدين, خلفيات الموقف التركي من التحالف ضد داعش, صحيفة السفير, 17 سبتمبر/أيلول 2014. http://assafir.com/Article/1/372588
19- إدا أونلو أوزن, أردوغان: تحرير رهائن القنصلية نجاح سيسجله التاريخ, وكالة الأناضول, 21 سبتمبر/أيلول 2014،
http://www.aa.com.tr/ar/turkey/392680
20-  إسماعيل جمال, تركيا تنفي استخدام أراضيها أو أجوائها في عمليات «التحالف» ضد «داعش», القدس العربي, 24 سبتمبر/أيلول 2014.
http://www.alquds.co.uk/?p=225951
21- فردي توركتن, داود أوغلو: نتحفّظ على الحلول المؤقتة لمشاكل المنطقة, وكالة الأناضول, 26 سبتمبر/أيلول 2014،
http://www.aa.com.tr/ar/turkey/395614
22- قناة تي آر تي العربية, حديث أردوغان في مطار إسطنبول, 26 سبتمبر/ أيلول 2014.
23- صحيفة يني شفق, كلمة سر تذكرة الدخول إلى العراق وسوريا, 2 أكتوبر/تشرين الأول 2014،
http://www.yenisafak.com.tr/politika/irak-suriye-tezkeresinin-sifreleri-689648
24- حسن محلي, كوباني تهدد الداخل التركي أمنيًّا, صحيفة الأخبار, 8 أكتوبر/تشرين الأول 2014،
 http://www.al-akhbar.com/node/217141
25- هيثم الكحيلي, اتفاق مبدئي بين تركيا وأميركا, نون بوست, 11 أكتوبر/تشرين الأول 2014،
http://www.noonpost.net/tag/47

نبذة عن الكاتب