الحشد الشعبي: القوة النظامية البديلة في العراق

تستند الحكومة العراقية على قوات الحشد الشعبي كرديف للقوات النظامية في قتال الدولة الإسلامية، لكن تكوينها الطائفي وانتهاكاتها المتكررة في المناطق السنية، قد يضطران القبائل السنية إلى رفض التعاون مع الحكومة العراقية بل وقد يجعل بعض الفئات السنية تعزز صفوف الدولة الإسلامية.
201532455955129734_20.jpg
تكريت: مستنقع الحشد الشعبي (الجزيرة)

ملخص
بعد أن انهارت القوات الأمنية العراقية في عموم المناطق السُّنِّية في مواجهة اكتساح تنظيم الدولة الإسلامية، دعت الحكومة العراقية في 11 يونيو/حزيران 2014 إلى تشكيل "جيش رديف" قبل أن تصدر المرجعية الشيعية إعلان "الجهاد الكفائي" بيومين فقط، ثم ما لبثت أن وضعت تلك الدعوة في إطار رسمي عبر الإعلان عن تأسيس "مديرية الحشد الشعبي" لتطويع القادرين على حمل السلاح من جميع المحافظات العراقية.

تَمَّ تشكيل لجان الحشد الشعبي في بغداد ومحيطها، وفي مدن وسط وجنوب العراق، وقد أعطت الأولوية إلى المتدربين على حمل السلاح، وقامت تلك اللجان بتسليم الأسلحة لقطاع منهم فيما دعت الآخرين لاصطحاب أسلحتهم الشخصية بسبب الأعداد الكبيرة من المتطوعين.

لكن غياب الثقة المتبادلة بين المكونين الشيعي والسنِّي، واستمرار ممارسات طائفية لقوات الحشد الشعبي في المناطق التي تستعيدها من تنظيم الدولة الإسلامية، وموقف التحالف الدولي المتعاون مع الميليشيات الشيعية، من شأن كل ذلك أن يدفع العشائر السنيَّة إلى إعادة حساباتها من جديد في ما يتعلق بموقفها المؤيد للحرب على الدولة الإسلامية.

منذ الساعات الأولى لفقدانها السيطرة على مدينة الموصل، اتخذت حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي سلسلة من الإجراءات السريعة في مواجهة حالة الانهيار الكامل في قواتها الأمنية والعسكرية، تمثلت بإعلان حالة التأهب القصوى في إطار خطة أمنية عاجلة شملت عزل أهم الأحياء السُّنِّية في بغداد بالكتل الكونكريتية، وتشديد إجراءات الحراسة حول المنطقة الخضراء، وفي محيطها، مع انتشار مكثف لقوات مشتركة من الأجهزة الأمنية والميليشيات الشيعية. كما قامت بإغلاق عدد من مكاتب القنوات الفضائية، وقطعت شبكات الإنترنت عن جميع المحافظات السنية، وكذلك الأحياء السنِّية في بغداد دون غيرها.

توالت الخطوات التصعيدية للزج بكل الإمكانيات المتاحة للحيلولة دون سقوط الحكومة الشيعية في بغداد، وقد تبنَّت الحكومة العراقية خطابًا تصعيديًّا باتجاه شحذ عواطف عموم الشيعة للدفاع عن بغداد، والنجف وكربلاء، ومرقد العسكرييْن في سامراء. وحينما أدركت حقيقة انهيار القوات الأمنية في عموم المناطق السُّنِّية، دعت الحكومة العراقية في 11 يونيو/حزيران 2014 إلى تشكيل "جيش رديف" قبل أن تصدر المرجعية الشيعية إعلان "الجهاد الكفائي" بيومين فقط، ثم ما لبثت أن وضعت تلك الدعوة في إطار رسمي عبر الإعلان عن تأسيس "مديرية الحشد الشعبي" لتطويع القادرين على حمل السلاح من جميع المحافظات العراقية، وعلى الأخص من مناطق "حزام بغداد" المعروفة بغالبيتها السنية بنسبة عالية جدًّا.

تَمَّ تشكيل لجان الحشد الشعبي في بغداد ومحيطها، وفي مدن وسط وجنوب العراق، وقد أعطت الأولوية إلى المتدربين على حمل السلاح، وقامت تلك اللجان بتسليم الأسلحة لقطاع منهم فيما دعت الآخرين لاصطحاب أسلحتهم الشخصية بسبب الأعداد الكبيرة من المتطوعين. كما دعت الحكومة العراقية "جميع الجنود الفارِّين إلى الالتحاق بأقرب معسكر للجيش من مناطق تواجدهم". وتؤكد قنوات حكومية أنَّ أعداد المتطوعين جاوزت المليون. وشهدت إيران تنظيم حملات تطوع "للذهاب إلى العراق والقتال من أجل الدفاع عن المقدسات في كربلاء والنجف، حيث سجل 4200 متطوع أسماءهم خلال أقل من 24 ساعة" (1).

في 13 يونيو/حزيران 2014 أصدرت المرجعية الشيعية فتواها المتضمِّنة واجب "الجهاد الكفائي"؛ حيث أعلن ممثل المرجع الشيعي علي السيستاني في خطبة الجمعة من كربلاء، أن "الدفاع عن البلد والقتال إلى جانب القوات الأمنية هو واجب مقدس، ومسؤولية شرعية ووطنية، وأنه فرض جهاد كفائي إلى حين تحقيق الغرض". وهي الفتوى التي رأتها قيادات دينية سُنيَّة معارِضة للعملية السياسية بمثابة دعوة للاقتتال الداخلي وأنها "دعوة طائفية" (2). أدركت المرجعية الشيعية خطورة فتواها على مستقبل الوحدة الوطنية، وتداعياتها على صعيد الحرب الأهلية، لكنها في كلِّ الأحوال كانت قد أدَّت غايتها في تجييش عموم الشيعة، فخفَّفت من حدَّتها في الأسبوع التالي بالقول: "يجب أن يكون أيُّ عملٍ مسلحٍ منضبط في إطار القانون، وضرورة ضبط النفس والابتعاد عن الاستهداف على أسس طائفية وعِرقية".

وقد استغلت حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي العامل الطائفي في إقصاء خصومها، وهي تستمد شرعية نهجها من الحصانة العملية التي توفرها الجهات السياسية، أو الدينية، الشيعية الفاعلة على شتى أنواع الظلم الواقع على سُنَّة العراق؛ فقد دعا التحالف الوطني الحاكم إلى "وحدة الكلمة وتوحيد الصف في مواجهة الإرهابيين والتكفيريين، وفتح باب التطوع لقتالهم"، كما أنَّ قناة العراقية الحكومية وضعت شعارًا لها "لبيك يا عراق" مقترنًا بصورة المرجع الشيعي علي السيستاني ليومين متتاليين قبل أن تستبدل بصورته خارطة العراق. كما بثَّت خطابًا ناريًّا ألقاه رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم أمام حشود من المتطوعين وهو يرتدي عمامته السوداء مع الزيِّ العسكري.
لكن هذه الاستراتيجية الحكومية تواجه مشكلتين، وهما مفاقمة الاستقطاب الطائفي نتيجة اعتماد الحكومة على مليشيات شيعية، وتعزيز إمكانية احتماء المكونات السنية بتنظيم الدولة الإسلامية من الانتهاكات التي تقوم بها قوات من الحشد الشعبي.

كيف تشكلت قوات الحشد الشعبي؟ وما هي أدوارها؟ وما هي الآثار السياسية والاستراتيجية الناتجة عن مشاركتها في قتال تنظيم الدولة الإسلامية.

قوات الحشد الشعبي: تأهيل رسمي للمليشيات

تعد قوات الحشد الشعبي بمثابة "العمود الفقري للجيش العراقي" (3)، وهي "جزء من المنظومة العسكرية العراقية الرسمية" (4) ، وهي إطار جامع لعشرات الميليشيات الشيعية المعروفة، مثل: منظمة بدر وسرايا السلام وعصائب أهل الحق والتيار الرسالي وحزب الله العراقي وغيرها من عشرات الميليشيات التي باتت تمارس نشاطاتها بشكل رسمي يمنحها صفة شرعية كأية مؤسسة من مؤسسات الدولة التي يحميها القانون خلال أداء الواجب العسكري في ظل غياب قانون ناظم لعمل هذه القوات التي تتولى الحكومة تسليحها وتمويلها ودفع رواتب عناصرها، وتعويض ذوي قتلاها. ترتدي قوات الحشد الشعبي الزي العسكري للجيش العراقي وتتسلح بسلاحه وتستخدم سياراته ومعداته، وتتمتع بدعم حكومي كامل يعطيها سلطات لا محدودة تتعدى حدود صلاحيات القوات النظامية التي تأخذ أوامرها من قادة قوات الحشد الشعبي في كثير من الأحيان؛ حيث إنهم "موجودون في معسكرات الجيش ويوجهون الضباط لمرافقتهم وحمايتهم عندما يقومون باقتحام المناطق وقيادة المعارك" (5)، أو الاشراف عليها؛ حيث قاد هادي العامري وزير النقل السابق، الأمين العام لمنظمة بدر "آلاف المقاتلين لفك الحصار عن مدينة آمرلي"، كما يقوم شخصيًّا بمهمة الإشراف على العمليات القتالية لاستعادة السيطرة على مدن محافظة ديالى (6).

بعد أن أفصحت تقارير دولية عن انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب (7) ترتكبها قوات الحشد الشعبي، تحاول الحكومة العراقية وقياداتها الأمنية والعسكرية توصيف تلك الانتهاكات التي تعرض لها السكان المحليون السُّنَّة في مدن ديالى وغيرها، بأنها "غير ممنهجة" ولا تعكس النهج العام للقوات الأمنية أو الحشد الشعبي، وهو ذات موقف المرجعية الشيعية التي ترى "أن بعض هذه الممارسات للمقاتلين في مناطق القتال غير مقبولة، لكنها لا تمثل النهج العام لهذا الحشد" (8)، إلَّا أن اتساع نطاق هذه الانتهاكات يشكِّك في الرواية الرسمية ويشير إلى أن الحكومة لا تكترث لها من أجل الحفاظ على الحشد الشعبي والاستفادة من تجربته "وإنضاجها من أجل استتباب الأمن في البلد باعتباره العمود الفقري للجيش العراقي"(9).

رغم تأكيدات مسؤولين أميركيين، مثل الجنرال بترايوس، على أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن "تكون قوة جوية لحساب الميليشيات الشيعية، أو لطرف شيعي في معركته ضدَّ العرب السنة"، إلَّا أن سير المعارك يشير إلى أن قوات التحالف وفَّرت بالفعل غطاءً جويًّا "مكَّن الميليشيات الشيعية من الوصول إلى مدينة آمرلي التي شهدت للمرة الأولى قيام طائرات أميركية مقاتلة وقوات الحشد الشعبي بمواجهة عدو مشترك" (10)، وهو ما سيدفع حتمًا إلى التحاق المزيد من السنَّة، الساخطين على التعاون الشيعي الأميركي، بصفوف الدولة الإسلامية، ويؤدي إلى المزيد من العزوف عن قتالها. وهذا التعاون الأميركي مع الميليشيات الشيعية سيقوض جهودها في قتال الدولة الإسلامية ما لم تتجه إلى تفكيك التحالف الإيراني-العراقي-السوري الذي هو الأساس الذي دفع الشباب السنَّة باتجاه الالتفاف حول التنظيمات السُّنِّية الجهادية في سوريا والعراق؛ حيث إن بعض العشائر السنيَّة التي كان بعض قياداتها المعارِضة للحكومة، والتي ترغب في قتال الدولة الإسلامية، قد أبلغ الولايات المتحدة، بأنها لن تشارك في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "دون أن يكون هناك قتال مماثل للميليشيات الشيعية التي تُعتبر أخطر منه" (11).

أهم التنظيمات في قوات الحشد الشعبي

هناك العشرات من الميليشيات الشيعية التي تَمَّ تشكيلها بعد الاحتلال الأميركي للعراق، أو قبله، وعادة ما يتم رعاية هذه الميليشيات من قبل الحكومة الاتحادية حيث إن أغلب قياداتها هم قيادات، سياسية، أو دينية متنفذة، كما أنَّ معظمها معروف بتبعيته وتنفيذه للسياسات الإيرانية. تَمَّ إدماج عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات في المؤسسة الأمنية والعسكرية خلال عهد رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري ليكونوا أساس بنائها بعد قرار سلطة الائتلاف حلَّ الجيش والقوات الأمنية، واستمرت عملية الدمج بعد تسلُّم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي السلطة في العام 2006. أسهمت هذه الميليشيات في دورات الصراع الطائفي خاصة بعد تفجيرات سامراء 2006، واستمرت في ممارسة انتهاكات جسيمة ضد السنَّة، كما وثَّقتها منظمات محلية ودولية. ومن أبرز تلك الجماعات والمنظمات:

سرايا السلام
بعد الانهيار الكبير في المؤسسة الأمنية والعسكرية مباشرة، أعلن زعيم التيار الصدري في 11 يونيو/حزيران 2014 عن تشكيل "سرايا السلام" للدفاع عن المقدسات. كان الظهور الرسمي الأول لسرايا السلام في الاستعراض العسكري الذي نظمه التيار الصدري يوم 21 يونيو/حزيران 2014. تهدف سرايا السلام إلى حماية المقدسات الشيعية من تهديدات الدولة الإسلامية، وتحرِّم وتمنع إثارة النعرات الطائفية (12)، وهي لا تدافع عن جهة ما أو تنظيم، وتتبنى استراتيجية تصفها بأنها استراتيجية الدفاع حصرًا، ومنع قيام هذه السرايا بشنِّ أي هجوم على الآخرين منعًا باتًّا (13). تعد سرايا السلام جناحًا مسلَّحًا للتيار الصدري بعد تفكيك جناحه الأصلي المسمى: لواء اليوم الموعود، الذي تشكَّل بعد الانشقاقات الحادة التي شهدها جيش الإمام المهدي في العام 2008. يتركز نشاط سرايا السلام في مدينة سامراء ذات المكانة الدينية الحساسة لدى الشيعة كونها تحتضن مرقدين من أكثر المراقد قدسية لدى عموم الشيعة في العالم، إضافة إلى بعض الأقضية والنواحي في محافظات ديالى وبابل وكركوك وصلاح الدين، وقد شاركت في عمليات هجومية خاصة في جرف الصخر شمال بابل رغم إعلان زعيم التيار الصدري عن استراتيجية دفاعية فقط. ترفض سرايا السلام القتال إلى جانب القوات الأميركية أو مساندتها، وقد ردت على تصريح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي تحدث فيه عن جهود قوات التحالف في فكِّ الحصار عن العالقين في جبل سنجار واستعادة السيطرة على مدينة آمرلي بالقول: "إن من حرَّر آمرلي ومحيطها هم أبناء العراق وصقور جوِّه وطائراته" (14).

عصائب أهل الحق
هي جماعة شيعية مسلحة انشقت عن جيش الإمام المهدي في العام 2006. يُقدَّر عدد أفرادها بأكثر من عشرة آلاف مقاتل تقوم إيران بمهمة تمويلهم وتدريبهم وتسليحهم، وقد أعلنت هذه الجماعة على لسان ممثلها في إيران بيعتها وولاءها للمرشد الأعلى علي خامنئي خريف العام 2014. نفَّذت عصائب أهل الحق العديد من العمليات ضد القوات الأميركية، كما شاركت في الصراع السوري تحت لواء أبي الفضل العباس لحماية مرقد السيدة زينب، وأعلنت عن مقتل العديد من عناصرها هناك. بعد الانسحاب الأميركي أعلنت عصائب أهل الحق إلقاء السلاح والدخول في العملية السياسية باسم "كتلة الصادقون" التي يرأسها النائب حسن سالم، وتسهم بشكل واسع في قوات الحشد الشعبي لقتال الدولة الإسلامية في معظم مناطق القتال، ومن بينها مدينة الرمادي (15)، وهي جزء من المنظومة الأمنية العراقية، خصوصًا بعد فتوى المرجع الديني علي السيستاني (16). لعصائب أهل الحق ممارسات طائفية ضد السنَّة في مناطق تواجدها (17). مؤخرًا تَمَّ إدراجها على قائمة المنظمات والجماعات الإرهابية التي أصدرتها دولة الإمارات العربية المتحدة، وتتشكَّل من أربع كتائب عسكرية من بينها واحدة على الأقل تعمل في سوريا.

منظمة بدر
تأسست منظمة بدر في إيران أوائل ثمانينات القرن الماضي تحت مسمى لواء بدر ثم فيلق بدر، من جنود وضباط عراقيين هاربين من الجيش العراقي خلال حرب الخليج الأولى، ويشير بعض التقديرات إلى انها تضم عشرات آلاف المقاتلين، وقد لعبت دورًا في التمهيد لغزو العراق واحتلاله من خلال مشاركتها في مؤتمرات المعارضة العراقية في لندن وصلاح الدين. بعد الاحتلال مباشرة، أعلن فيلق بدر تحوله إلى منظمة مدنية. واجهت منظمةَ بدر العديدُ من الاتهامات بتنفيذ عمليات اغتيال طالت قيادات سُنيَّة مدنية وعسكرية، وهي الاتهامات التي ظلت تنفيها بشكل رسمي. وقد أدرجتها الإمارات العربية المتحدة على لائحة المنظمات والجماعات الإرهابية، كما أشار الكثير من المنظمات الدولية إلى مسؤوليتها عن سلسلة من عمليات الاختطاف والقتل على الهوية. ترفض المنظمة المشاركة في التحالف مع الولايات المتحدة، ولا تُخفي عملها "تحت أمر ولاية الفقيه"، وأنها توجهت إلى جبهات القتال في سوريا والعراق بتكليف شرعي من المرشد الأعلى علي خامنئي قبل إصدار فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني (18). مؤخرًا تَمَّ اختيار القيادي في المنظمة، محمد الغبان، وزيرًا للداخلية في حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، ويسعى الوزير الجديد إلى مشاركة قوات الحشد الشعبي في إدارة الملف الأمني للعاصمة، وهو ما ترفضه قيادات سُنيَّة رسمية ترى أن "الحشد الشعبي يتألَّف من مجاميع مسلحة تنتمي إلى مكون واحد في حين أن بغداد، وهي العاصمة، مدينة مختلطة" (19).  

كتائب حزب الله العراقي
تشكَّلت كتائب حزب الله العراقي، في العام 2007، بدعم مباشر من حزب الله اللبناني، من عدَّة كتائب مسلَّحة مثل أبي الفضل العباس وكتائب كربلاء وعلي الأكبر والسَّجَّاد، وغيرها من الكتائب التي كانت تعمل بشكل مستقل. لا تُخفي هذه الكتائب تأييدها وانتماءها إلى ولاية الولي الفقيه، كما جاء في بيان للكتائب (20). بعد أحداث الموصل أعلنت عن تشكيل مجموعات "سرايا الدفاع الشعبي" لاستيعاب وتدريب المتطوعين الجدد. وتقاتل "سرايا الدفاع الشعبي" في العديد من المدن إلى جانب القوات العراقية. أدرجت منظمة هيومن رايتس ووتش كتائب حزب الله ضمن الجماعات المسلحة التي تقوم باعتداءات ضد السنَّة تشمل "عمليات خطف وإعدام ميداني" (21)، كما أن الإمارات العربية المتحدة قامت بإدراجها على قائمة التنظيمات والجماعات الإرهابية، وهو ما أثار حفيظة هذه الكتائب التي أصدرت بيانًا صريحًا تهدد به دولة الامارات العربية المتحدة (22).

مأزق استراتيجي

حاولت المرجعية الشيعية الإيحاء بأنَّ فتوى "الجهاد الكفائي" موجهة لكل العراقيين وليس لطائفة دون أخرى، وتحاول الحكومة العراقية العمل ما أمكن لتكون قوات الحشد الشعبي هي الإطار الجامع لكل القوى التي تقاتل الدولة الإسلامية، بما يضمن موطئ قدم لقوات الحشد الشعبي في الأنبار خصوصًا، وكذلك استمرار الخلل الراجح لصالح الشيعة في المؤسسة الأمنية والعسكرية، ومنع تنامي قوة سُنيَّة مسلحة في موازاة الميليشيات الشيعية والبيشمركة الكردية قد تتوجه مستقبلًا صوب بغداد بعد الخلاص من تنظيم الدولة الإسلامية، أو قد يتم توظيفها كأداة ضغط سياسية لخلق توازن في مؤسسات الدولة.

النجاحات الميدانية التي حققتها قوات الحشد الشعبي في محافظتي صلاح الدين وديالى المختلطتين طائفيًّا لا يمكن توقعها في محافظتي الأنبار ونينوى؛ حيث ما زالت تلك القوات تواجه رفضًا شديدًا لدخولها إلى هاتين المحافظتين حتى من القوى السياسية السنيَّة المشاركة في العملية السياسية. من المفترض، حسب وثيقة الاتفاق السياسي خلال المفاوضات على تشكيل حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، أن يتم تشكيل قوات الحرس الوطني في جميع المحافظات لتشكِّل مظلة تعمل تحتها قوات الحشد الشعبي ومسلَّحو الصحوات والعشائر السنيَّة، إلَّا أن سطوة قادة الميليشيات الشيعية وتسلطهم على القرار السياسي حال دون تشكيل قوات الحرس الوطني حتى الآن. كما أن مماطلة الحكومة الاتحادية في تسليح العشائر السنيَّة وفتح مخازن وزارتي الدفاع والداخلية أمام الميليشيات الشيعية عزز الكثير من القناعات باستمرار سياسة التمييز ضد السنَّة. إن حقيقة غياب الثقة المتبادلة بين المكونين الشيعي والسنِّي، واستمرار ممارسات طائفية لقوات الحشد الشعبي في المناطق التي تستعيدها من تنظيم الدولة الإسلامية، وموقف التحالف الدولي المتعاون مع الميليشيات الشيعية، من شأن كل ذلك أن يدفع العشائر السنيَّة إلى إعادة حساباتها من جديد في ما يتعلق بموقفها المؤيد للحرب على الدولة الإسلامية.   
_________________________________
رائد الحامد - باحث في الشؤون السياسية العراقية

المصادر
1- العربية نت، إيران تحشد آلاف المتطوعين للقتال في العراق، 15 يونيو/حزيران 2014.
2- موقع اليوم، ثوار العراق يستعدون لمعركة بغداد والمفتي الرفاعي يدعو للجهاد، من خطاب متلفز لمفتي الديار العراقية رافع الرفاعي، 16 يونيو/حزيران 2014.
3- قناة العالم الإيرانية، العبادي يؤكد ضرورة استثمار تجربة الحشد الشعبي وإنضاجها، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2014.
4- موقع البريق، حقوق الإنسان ترفض نسب جرائم الخطف والابتزاز لقوات الحشد الشعبي، 15 أكتوبر/تشرين الأول 2014.
5- جريدة القدس العربي، قلق في الجيش العراقي من إلغاء دوره لصالح الميليشيات الطائفية، 21 سبتمبر/أيلول 2014.
6- موقع منظمة بدر، العامري يشرف على العمليات القتالية لتحرير ديالى، 2 أغسطس/آب 2014.
7- تقرير منظمة العفو الدولية، إفلات تام من العقاب: حكم الميليشيات في العراق، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014.
8- السيستاني يرفض انتهاكات مقاتلي الحشد الشعبي ويدعو للتصدي لها، من خطبة الجمعة التي يلقيها عبد المهدي الكربلائي ممثل المرجع الأعلى في كربلاء، موقع شفق نيوز، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
9- قناة العالم الإيرانية، العبادي يؤكد ضرورة استثمار تجربة الحشد الشعبي وإنضاجها، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2014.
10- جريدة قريش اللندنية، نيويورك تايمز: تحول خطير.. الميليشيات الشيعية تمتلك قوة جوية لكن أمريكية، 1 سبتمبر/أيلول 2014. 
11- موقع أوان، نقلاً عن مقابلة أجرتها قناة التغيير مع علي حاتم السليمان، أحد كبار شيوخ قبيلة الدليم، "وجود داعش بالعراق مرهون بحقوقنا، ولدينا طريقة كما اتبعناها مع المالكي نتبعها مع الجديد"، 29 سبتمبر/أيلول 2014. 
12- موقع سرايا السلام، السيد القائد مقتدى الصدر يوجِّه بعض النصائح والارشادات لأفراد سرايا السلام، 14 ديسمبر/كانون الأول 2014.
13- موقع سي إن إن العربية، "سرايا السلام ميليشيات مقتدى الصدر الجديدة"، 22 يونيو/حزيران 2014.
14- موقع سرايا السلام، الإعلام العسكري لسرايا السلام يرد على تصريحات وزير الخارجية الأميركي، 28 ديسمبر/كانون الأول 2014.
15- موقع المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق، بيان تطهير منطقة البوعلوان في الرمادي بالاشتراك مع القوات الأمنية، 21 يونيو/حزيران 2014.
16- موقع المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي خلال استقباله وفدًا أكاديميًّا من ألمانيا، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2014.
17- هيومن رايتس ووتش، ناجون يصفون مذبحة بأحد المساجد، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
18- جريدة بدر، الجناح العسكري لمنظمة بدر: لسنا ميليشيات ولن نشارك بحلف مع أمريكا، 18 سبتمبر/أيلول 2014.
19- موقع صوت العراق، النجيفي: قرار تكليف الحشد الشعبي بالملف الأمني في بغداد ينشر الهلع بين الأهالي ويوفر غطاء للمندسين فيه، من بيان عن مكتب أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
20- موقع كتائب حزب الله، بيان نعلن وقوفنا إلى جانب نظام الجمهورية الإسلامية، 23 يونيو/حزيران 2009. 
21- هيومن رايتس ووتش، ناجون يصفون مذبحة بأحد المساجد، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
22- موقع كتائب حزب الله، بيان "إن لم ترتدع دويلة الإمارات وتصحح خطيئتها بحق الشعب العراقي وقواه الوطنية لنشردَنَّ بهم مَنْ خلفَهم"، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

نبذة عن الكاتب