مآلات الخلاف الأميركي-الإسرائيلي حول إيران

تبحث هذه الورقة ما تشهده العلاقات الأميركية-الإسرائيلية والتباين الحاصل بينهما على خلفية الموقف من إيران. وتخلص الورقة إلى أن الخلاف الأميركي-الإسرائيلي الجاري حول إيران سيصل حتمًا إلى نهاياته قريبًا أو بعيدًا، لكنه سيؤسس لبداية افتراق حقيقي بينهما في قادم الأيام.
5 مارس 2015
20153591854158734_20.jpg
خطاب نتنياهو في الكونغرس ..تصاعد حدة الخلاف مع البيت الأبيض (أسوشيتد برس/غيتي)

ملخص
تناقش الورقة ما تشهده العلاقات الأميركية-الإسرائيلية من توتر غير مسبوق عقب الخلاف حول جملة ملفات في المنطقة العربية، لعل أهمها المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، وعدم التزام إسرائيل بوقف الاستيطان، والتباين الحاصل بينهما على خلفية الموقف من إيران. ويأتي ذلك متزامنًا مع أجواء انتخابية إسرائيلية مشحونة، وجلسات تفاوض معقدة بشأن برنامج إيران النووي، وهو ما جعل الخلافات تأخذ أبعادًا جديدة.

وتم تتويج الخلاف بالخطاب المثير للجدل الذي ألقاه "نتنياهو" أمام الكونغرس وسط مقاطعة الإدارة الأميركية، واعتبارها له ضيفًا ثقيلًا غير مرغوب به؛ مما يفتح المجال واسعًا للتكهن بمآلات هذا التوتر بينهما، وكيف سيؤثر على مفاوضات النووي الإيراني من جهة، وطبيعة التعاون المشترك بينهما في معالجة باقي مشاكل المنطقة، التي تبدأ ولا تنتهي من جهة أخرى.

وتخلص الورقة إلى أن الخلاف الأميركي-الإسرائيلي الجاري حول إيران سيصل حتمًا إلى نهاياته قريبًا أو بعيدًا، لكنه سيؤسس لبداية افتراق حقيقي بينهما في قادم الأيام، لعدة أسباب، أهمها: بدء فقدان إسرائيل لأهميتها الاستراتيجية من خلال الرؤية الأميركية لهذه المنطقة، وتحول إسرائيل من كونها "ذخرًا إلى عبء"، وبروز كيانات سياسية ودول "وظيفية" تنافس إسرائيل في المنطقة بتقديم خدمات أمنية وعسكرية لأميركا والغرب، وبتكلفة أقل وإنجازات أكثر، لاسيما بعد قيام الثورات المضادة في بعض الدول.

رغم التحالف الاستراتيجي التاريخي بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ فقد شهدت العلاقة مراحل عديدة من الاختلاف في المواقف حول قضايا عدة، وصلت أحيانًا الصدام العلني، خلال حقبتي "إسحاق شامير" 1990، و"بنيامين نتنياهو" 1997، دون أن تؤثر على تعهد واشنطن بحماية تل أبيب من أي أخطار تواجهها في المنطقة العربية، على اعتبار أن الأخيرة تشكِّل للأولى حاملة طائرات متقدمة لها في الشرق الأوسط، وهذه المرة تقع المواجهة القاسية بين اليمين ممثَّلًا برئيس الحكومة "نتنياهو" والديمقراطيين عبر إدارة الرئيس "باراك أوباما".

ولعل الخلاف الحالي بين الحليفين الأقرب في العالم، واشنطن وتل أبيب، حول الملف الإيراني، وما يقال عن تقارب أميركي مع طهران، يكتسب أهمية استثنائية، لأكثر من اعتبار داخلي وخارجي.

التقرير التالي ينشغل بأسباب الخلاف الحقيقية: أين تتفق تل أبيب وواشنطن حول طهران؟ وأين تختلفان؟ وما هي آفاق هذا الخلاف؟ وأين سيصل في حده الأقصى؟ وهل لموسم الدعاية الانتخابية الإسرائيلية تأثير في توتر العلاقة؟ وكيف ستلجأ دوائر صنع القرار في تل أبيب بالذات لتضيق الفجوة المتسعة بينهما؟

أسباب الخلاف وأطرافه

يتفق الطرفان، الإسرائيلي والأميركي، حول ما يمثله البرنامج النووي الإيراني من مخاطر حقيقية على الجانبين، على مختلف الأصعدة، من أهمها: 

  1. كسر الاحتكار الإسرائيلي للسلاح النووي؛ مما يفقدها أهمية استراتيجية للدول الداعمة لها عالميًّا.
  2. دخول إيران النادي النووي، وامتلاكها ما تسميه إسرائيل "نقطة الحصانة"، بحيث يصبح من الصعوبة البالغة توجيه ضربة عسكرية لها. 
  3. إفساح المجال للتنافس النووي بين دول المنطقة، لاسيما السعودية ومصر.
  4. الأخطر، إمكانية تسرُّب مثل هذا السلاح النووي لتنظيمات معادية لإسرائيل.

هذا الاتفاق الأميركي-الإسرائيلي حول خطورة البرنامج النووي الإيراني لم يستطع أن يلغي أوجه الخلاف بينهما حول السلوك الأفضل والأنجع، والأقل كلفة للتعامل معه(1).

فقد جاءت الخلافات الإسرائيلية الأميركية على أكثر من وجه وجانب، تمثَّل أهمها في الرفض الأميركي الواضح لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، خاصة في ظل الانسحاب التدريجي لواشنطن من المنطقة، وتنفسها الصعداء بخروج آخر جندي أميركي من أفغانستان والعراق. هذا الرفض الأميركي للخيار العسكري ضد إيران لا ينفيه ما يقال لدى بعض الأوساط الأميركية الرسمية، لاسيما في البنتاغون، عن عدم إزاحته عن الطاولة، لكنه كلام يُقصد به الإبقاء على تهديد إيران من جهة، ومحاولة دغدغة مشاعر أنصار إسرائيل في الكونغرس من جهة أخرى.

من طرفها تجد إسرائيل "الليكودية" أن الطريق التفاوضية التي تسلكها الإدارة الأميركية والدول العظمى مع إيران لن تجدي نفعًا، ولن يستفيد منها أحد سوى طهران التي تلعب على عامل الزمن، ريثما تتحقق من دخولها النادي النووي؛ مما يدفع صُنَّاع القرار الإسرائيلي الحاليين لتفضيل الخيار العسكري، كحل أولي وجذري يسعون من خلاله لتوريط واشنطن معهم في القضاء المبرم على المشروع النووي الإيراني(2).

وتأتي المفارقة من أن التباين الأميركي-الإسرائيلي حول توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، يقابله اتفاق عملياتي ميداني بين المحافل الاستخبارية في "سي آي إيه وجهاز الموساد" مفاده أن أية ضربة عسكرية ضد المشروع النووي الإيراني لن تقضي عليه البتة، بل ستؤخره عدة سنوات على أبعد تقدير، ثم تعاود إيران ترميمه مجددًا.

لم يكن سرًّا أن هناك خلافًا حادًّا بين الجانبين، الإسرائيلي والأميركي، في السنوات الماضية، لكن اقتراب الدول العظمى وإيران من توقيع الاتفاق النهائي من جهة، ووصول الدعاية الانتخابية الإسرائيلية ذروتها من جهة أخرى، دفع بالخلاف الأميركي-الإسرائيلي حول طهران إلى الواجهة، ولم تُجدِ معه اللغة الدبلوماسية التي اجتهد الساسة باستخدامها، حتى تفجَّر الخلاف بصورة غير مسبوقة في خطاب "نتنياهو" أمام الكونغرس.

السياق الإقليمي والدولي

احتدم التباين بين واشنطن وتل أبيب على خلفية المشروع النووي الإيراني في وقت تعيش المنطقة والعالم تطورات دراماتيكية متلاحقة، يختلط فيها المحلي مع الإقليمي، ويتقاطع فيها الإقليمي مع الدولي، وربما تشهد بذلك ملفات الإقليم المشتعلة، حيث تتم مقايضة ملف الثورة السورية بالنووي الإيراني مع الأزمة الأوكرانية، وقبلهم وبعدهم أسعار النفط.

يشعر "نتنياهو" بأن الانتخابات البرلمانية هذه المرة مصيرية بالنسبة له، فإما أن يتولى الحكومة الإسرائيلية للمرة الرابعة في حياته، ويقترب من تكرار نموذج المؤسس "دافيد بن غوريون"، أو يذهب إلى غير رجعة لمغادرة العمل السياسي؛ مما يدفعه لاستخدام مختلف الأسلحة التي قد تقع بين يديه لبلوغه ما يتمنى، ولو كان منها المسُّ بأواصر التحالف الاستراتيجي مع واشنطن؛ مما قد يعرض أمن إسرائيل للخطر الحقيقي(3).

ومن الواضح أن "أوباما" الذي تتهمه تل أبيب ضمنًا بتعريض أمنها للخطر، لعدم اللجوء للخيار العسكري ضد إيران، لديه رؤية أوسع عن مشاكل المنطقة الأصعب في العالم كله، واقترابه أو ابتعاده في مقارباته للعلاقة مع إيران مرتبط بشكل وثيق بباقي ملفات الإقليم والعالم: محاربة تنظيم الدولة في العراق وسوريا، والبحث عن صيغة سياسية ما لحل الأزمة السورية، والحفاظ على العراق من التمزق الطائفي والمذهبي، والانقلاب الحاصل في اليمن، واقتراب الحوثيين من مضيق باب المندب.

تتيقن الإدارة الأميركية أنها في هذه الملفات بحاجة للتفاهم مع إيران، لاسيما وهي ترى بأم العين أن النفوذ الإيراني يتمدد بصورة مطَّردة في المنطقة، وهو الأمر ذاته الذي تحدث عنه "نتنياهو" محذرًا من احتلال إيران لأربع عواصم عربية في المنطقة(4).

قد لا يجدي مع هذا النفوذ الإيراني أي خيار عسكري لأنه يعني اشتعال المنطقة، حتى وإن كان خيار الدخول في حرب عالمية ثالثة بات مطروحًا على أجندة صُنَّاع القرار العسكري في العالم، وإن كان بوتيرة أخف من الحربين العالميتين الأولى والثانية.

ينظر الإسرائيليون إلى السياق الإقليمي والدولي للملف الإيراني بخلاف النظرة الأميركية، فهم يعتمدون ما ذكره ذات مرة "يوفال شتاينيتس" وزير الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية، والمقرَّب من "نتنياهو" حين طالب بتطبيق نظرية "رأس الأفعى" في التعامل مع إيران، التي تؤسس وتدعم دولًا وتنظيمات تعمل على استنزاف القوة الإسرائيلية في أكثر من جبهة: حزب الله في لبنان، حماس في غزة، الجولان السوري مؤخرًا.

يتمثل المطلب الإسرائيلي من الولايات المتحدة باستئصال "الرأس" مباشرة دون الدخول في حروب استنزافية ومواجهات دورية مع القوى التي تدعمها إيران، لأنه من الناحية التلقائية سيتم قطع الموارد عن باقي الأطراف المعوَّمة من قبل طهران.

وتبدو إسرائيل في سبيل ذلك مستعدة لتحمل الأثمان الباهظة جرَّاء ضربها لإيران، إذا حظيت -كشرط أساسي- على موافقة ودعم واشنطن، وهو أمر ما زال بعيد المنال حتى كتابة هذه السطور.

التداعيات والتحديات

لم يتمكن الحليفان، واشنطن وتل أبيب، من كتم خلافاتهما حول طهران، وإبقائها بعيدًا عن الأضواء، بل خرجت إلى العلن، بدأت بتوجيه انتقادات أميركية ضمنية لتل أبيب حول قيام الأخيرة بتسريب محادثات الدول العظمى حول نووي إيران؛ مما أثار غضب عواصم العالم، مرورًا بحملة إسرائيلية ضد أي اتفاق أميركي-إيراني حول التعامل مع قضايا المنطقة، وانتهاءً بالخطاب "الكيدي" الذي ألقاه "نتنياهو" رغم أنف "أوباما" أمام الكونغرس يوم 3 مارس/آذار، وحظي بإثارة جدل أميركي وإسرائيلي لم ينله خطاب من قبل.

لا تُخفي إسرائيل معارضتها لأي اتفاق دولي مع إيران من شأنه أن يمنحها ضوءًا أخضر لتكون عضوًا في النادي النووي، ولو كانت عضوية منقوصة، لأن ذلك من شأنه اعتماد إيران كدولة لها حقوق وامتيازات، ونفي الاتهامات لها برعاية الإرهاب، وتهديد أمن المنطقة، ودعم التنظيمات المسلحة فيها، والتلويح بإبادة إسرائيل.

حاولت هذه المعارضة الإسرائيلية أن تشوش على جهود واشنطن لإنجاز اتفاق سياسي مع طهران بشروط أميركية دولية، صحيح أنه لا يلبِّي الشروط الإيرانية، لكنه في نفس الوقت لا يتضمن كل المطالب الإسرائيلية، وهو ما لم يحظَ برضا تل أبيب.

ولذلك ترى أوساط إسرائيلية عديدة أن واشنطن "الأوبامية" لا تتعامل مع "النووي الإيراني" كما لو كان تهديدًا وجوديًّا لإسرائيل، بل تعتبره خطرًا كباقي الأخطار في المنطقة والعالم، يمكن التعامل معه عسكريًّا تارة، وترويضه سياسيًّا واقتصاديًّا تارة أخرى(5).

ثمة استدراك مهم يُسجَّل في هذا السياق، وهو أن هذا الخلاف الإسرائيلي-الأميركي حول إيران لا يمكن تعميمه على جميع المحافل الإسرائيلية، لأن أوساطًا عديدة منها، ترى أن خروج التباين بين واشنطن وتل أبيب إلى حيز العلن يعني تقديم جائزة ذهبية للعدو المشترك في طهران، وهو ما يؤكد أن حُمَّى الانتخابات الإسرائيلية قدمت المصالح الشخصية لـ"نتنياهو" وحزب الليكود على سواها من المصالح العليا للدولة.

ثم جاء خطاب "نتنياهو" أمام الكونغرس ليشكِّل سابقة تاريخية لرئيس حكومة إسرائيلية يحلُّ ضيفًا غير مرغوب به من قبل دوائر صنع القرار في واشنطن، لا البيت الأبيض ولا البنتاغون ولا وزارة الخارجية، ولم يحظ إلا باستقبال الجمهوريين الذين رأوا في الضيف "الثقيل" فرصة لمناكفة "أوباما"، بإظهاره ضعيفًا أمام إيران من جهة، وغير حريص على مصالح الحليفة الأولى في المنطقة من جهة ثانية، في ظل أن الخطاب يمكن وصفه بـ"إيران فوبيا"، وحظي بتصفيق من السيناتورات الأميركيين لم ينله "أوباما" سيد البيت الأبيض(6).

ولعل من اللافت أن خطاب "نتنياهو" الذي شكَّل مادة دعائية انتخابية إسرائيلية دسمة، مع وضد، بين ناخبين ومرشحين، وسيطر على المشهد الانتخابي الإسرائيلي طيلة الأسبوعين الماضيين حتى تم مساء الثالث من مارس/آذار، وجاءت المواقف الإسرائيلية منه على النحو التالي:

  1. فريق ساند الخطاب، ويتشكَّل تحديدًا من حزب الليكود والأحزاب المتطرفة التي لديها موقف مسبق من "أوباما" وإدارته بزعم أنها تريد التفريط بأمن إسرائيل، واعتقدت أن الخطاب كفيل بإعادة وضع إسرائيل في صدر أجندة صانع القرار الأميركي، وأخذ كينونتها الاستراتيجية بعين الاعتبار لدى اتخاذ أي قرار يخص إيران، والتعامل معها(7).
  2. فريق آخر اعتبر أن الخطاب وصاحبه "نتنياهو" لعبا بالنار فعلًا، لأنه أعلن التحدي أمام الرجل الأول في العالم، وفي عقر داره، فقد عبَّر البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومستشارة الأمن القومي عن عدم الحاجة للخطاب أمام الكونغرس، لأن واشنطن ستأخذ بعين الاعتبار محاذير إسرائيل ومخاوفها عند الاتفاق مع إيران.

وكان لافتًا أن يصطف العشرات من الجنرالات السابقين في الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات ليوجهوا خطابًا لـ"نتنياهو" يناشدونه بعدم إلقاء خطاب، كي لا يُغضب الحليف الأكبر، لما له من خطر كبير على مستقبل الأمن الإسرائيلي في المنطقة(8).

لكن "نتنياهو" استمر في عناده، وألقى خطابه الأكثر جدلًا وإشكالية، جعله يتصدر النشرات الإخبارية الإسرائيلية وعناوين الصحف عدة أيام(9).

لقد أراد "نتنياهو" أن تكون صورته الانتخابية الأكثر قربًا لذاكرة الناخب الإسرائيلي تلك الموجودة داخل الكونغرس، وهو يحظى بالوقوف احترامًا له، وإعجابًا بكلامه.

ورغم ما تحقق لنتنياهو، لكن الصورة التي رغب بها، وتمناها، وقاتل من أجلها، لم ينلها، ولم يعد بها من واشنطن إلى تل أبيب، وهي صورة تذكارية تجمعه بـ"أوباما"، كي يظهر أمام جمهور الناخبين الإسرائيليين على أنه صاحب العلاقات الوثيقة مع الحليفة الأكبر، رغم ما قيل عن خلافات كبيرة بينهما حول إيران(10).

لقد جاءت ردود الفعل الأميركية الرسمية على خطاب "نتنياهو" سلبية في معظمها، ومقلِّلة مما ورد فيه، وقيل: إن "أوباما" لم يستمع إليه، ولم يجد فيه شيئًا جديدًا، فضلًا عن تسببه بتوتير العلاقات الأميركية-الإسرائيلية.

ولعل النتيجة المباشرة الأهم لهذا الخطاب "الاستفزازي" الإعلان الأميركي بعدم إطلاع إسرائيل على فحوى المحادثات الجارية مع إيران حول مشروعها النووي(11).

صحيح أن ذلك يبدو مستبعدًا، لكون العلاقات الأمنية والتعاون الاستخباري بين واشنطن وتل أبيب تتجاوز كثيرًا سوء "الكيمياء الشخصية" بين "أوباما ونتنياهو"، لكن مجرد هذا الإعلان يبدو الحصيلة السلبية الأبرز لخطاب "نتنياهو" من جهة، ومن جهة أخرى يرفع من درجة احتمالية أن يوقِّع المجتمع الدولي مع إيران على الاتفاق المزمع، حيث يجري وزير الخارجية الأميركي "جون كيري" ونظيره الإيراني "جواد ظريف" مباحثات مكوكية في جنيف لإنجازه في الموعد المحدد له.

التوقعات والمآلات

ليس من السهولة بمكان وضع قائمة بأهم التوقعات المترتبة على توتر العلاقات الأميركية-الإسرائيلية حول إيران، أو طبيعة المآلات الناجمة عن عدم وضع حدٍّ لهذا التوتر، واحتمالية أن يتزايد إذا ما قُدِّر لاتفاق دولي إيراني أن يرى النور قريبًا. لكن قراءة أولية للسلوك الإسرائيلي المتوقع تجاه الحليف الأميركي بسبب العلاقة مع إيران، تحتِّم علينا الانتظار لما بعد يوم 17 مارس/آذار الجاري؛ حيث يذهب الإسرائيليون للإدلاء بأصواتهم.

ولم يعد سرًّا أن الإدارة الأميركية تتمنى، وهناك من الإسرائيليين من اتهمها بأنها تسعى لرفع أسهم حزب "المعسكر الصهيوني" بزعامة "إسحاق هرتسوغ" الذي يضم أحزاب الوسط وما تبقى من اليسار، على حساب الإطاحة باليمين، خاصة الليكود(12). حتى بعد يوم الاقتراع سيكون أمام الحزب الفائز إسرائيليًّا عدة أسابيع قبل تشكيل حكومته الموعودة، أي إن الحديث يدور عن أوائل مايو/أيار القادم، وحتى ذلك الوقت ستشهد العلاقات الأميركية-الإسرائيلية مراوحة في المكان، إلا إذا حصل انقلاب في الخارطة الحزبية السياسية الإسرائيلية، وتم إسقاط اليمين، حينها ستعود عقارب الساعة إلى الوراء، وسيتم ضخ مياه دافئة في قنوات التواصل بين واشنطن وتل أبيب.

أما إن قُدِّر لليمين أن يعود مجددًا للحكم، وتحديدًا "نتنياهو"، فنحن أمام معضلة أميركية بالدرجة الأولى، وهنا توضع سيناريوهات عديدة للتعامل مع الملف الإيراني إسرائيليًّا، ربما بعيدًا عن التنسيق الأميركي على غير العادة، ومن ذلك:

  1. الذهاب إلى خيار "شمشون" بضربة انفرادية ضد إيران رغم استبعاده في ضوء تطورات المنطقة المشتعلة، وإن كان هناك من يرى في "نتنياهو" نسخة معدلة من سلفه الأسبق "مناحِم بيغن" الذي قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981 رغم المعارضة الإسرائيلية والأميركية والعالمية(13). في مثل هذه الحالة لن تقف واشنطن مكتوفة الأيدي إزاء ردِّ الفعل الإيراني المتوقع ضد إسرائيل، وستضطر مجبرة للدفاع عن "ابنها العاقِّ" أمام العدو المشترك، ثم تتم معاقبة إسرائيل لاحقًا.
  2. افتعال حرب قاسية أو محدودة، مع حليف إيران الأوثق في المنطقة ممثَّلًا بحزب الله في لبنان، والتقديرات الإسرائيلية تُجمع على أن حرب لبنان الثانية 2006 ستكون "بروفة" مصغرة لحرب لبنان الثالثة إذا اندلعت في 2015، وستشهد استهدافًا مركزًا للجبهة الداخلية(14). هنا، وهنا فقط، كما تُقدِّر إسرائيل، ستعلن واشنطن وقوفها بجانبها لأنها تتعرض لعدوان إيراني من خلال حزبها اللبناني.
  3. استمرار إسرائيل عبر أجهزتها الأمنية الاستخبارية بعمليات التخريب داخل إيران، سواء اغتيال العلماء، أو إحداث تفجيرات داخلية، من شأنها أن تضغط على إيران للانسحاب من المحادثات الجارية على ملفها النووي(15).

نتيجة

سيصل الخلاف الأميركي-الإسرائيلي الجاري حول إيران حتمًا إلى نهاياته قريبًا أو بعيدًا، لكنه سيؤسس -كما تخشى أوساط إسرائيلية- لبداية افتراق حقيقي بينهما في قادم الأيام، لعدة أسباب، أهمها:

  1. بدء فقدان إسرائيل لأهميتها الاستراتيجية من خلال الرؤية الأميركية لهذه المنطقة، وتحوُّل إسرائيل من كونها "ذخرًا إلى عبء" وفق التعبير الذي استخدمه "مائير داغان" رئيس الموساد السابق. 
  2. بروز كيانات سياسية ودول "وظيفية" تنافس إسرائيل في المنطقة بتقديم خدمات أمنية وعسكرية لأميركا والغرب، وبتكلفة أقل وإنجازات أكثر، لاسيما بعد قيام الثورات المضادة في بعض الدول. 
  3. رضا تل أبيب بالاتفاق الإيراني المزمع مقابل حزمات مالية وعسكرية تحصل عليها من واشنطن والغرب كرشوة تقبل بموجبها ما سيتم الاتفاق عليه مع طهران.

ومع ذلك، قد تحمل الأيام والأسابيع القادمة تطورات دراماتيكية تتعلق بالخلاف الأميركي الإسرائيلي، أو الملف الإيراني؛ مما سيجعل المنطقة تعيش حالة "الرمال المتحركة"، وقابلة لاستقبال أي تطور كان، سياسيًّا أو عسكريًّا، ويفسح المجال لاستعداد إسرائيلي سيبلغ ذروته يوم الانتخابات، التي لن تكون شأنًا إسرائيليًّا داخليًّا فحسب، بل حدث يهم دوائر صنع القرار من طهران إلى واشنطن.
___________________________________
د. عدنان أبو عامر - أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة-غزة فلسطين

المصادر والهوامش
1) عكيفا ألدار، خلافات نتنياهو وأوباما... الكلمات لا تكفي، المونيتور، 2 مارس/آذار 2015:
http://www.al-monitor.com/pulse/iw/contents/articles/originals/2015/03/israel-netanyahu-speech-congress-obama-npt-treaty-weapon.html
2) هل هدَّد أوباما بإسقاط طائرات إسرائيلية إن توجهت لمهاجمة إيران؟ "بروبركتر" 3 مارس/آذار 2015:
http://www.mole.co.il/%D7%97%D7%93%D7%A9%D7%95%D7%AA/%D7%94%D7%90%D7%9D-%D7%90%D7%95%D7%91%D7%9E%D7%94-%D7%90%D7%99%D7%99%D7%9D-%D7%9C%D7%99%D7%99%D7%A8%D7%98-%D7%9E%D7%98%D7%95%D7%A1%D7%99%D7%9D-%D7%99%D7%A9%D7%A8%D7%90%D7%9C%D7%99%D7%9D-%D7%90%D7%9D
3) موآف فردي، اختلاف المواقف بين واشنطن وتل أبيب لن يوقف إيران، ولن يدمر العلاقات، فقط يرفع الأسهم الانتخابية، القناة العبرية العاشرة، 3 مارس/آذار 2015: http://news.nana10.co.il/Article/?ArticleID=1113245
4) أفرايم كام، الوضع الإقليمي لإيران، معهد أبحاث الأمن القومي، التقدير الاستراتيجي، 2015، ص71، النص الكامل للتقدير:
http://www.inss.org.il/uploadImages/systemFiles/%D7%A1%D7%A4%D7%A8%20%D7%94%D7%94%D7%A2%D7%A8%D7%9B%D7%94%202014-2015.pdf
5) الاتفاق مع إيران سيء للغاية، ويجب عدم رفع العقوبات، موقع غلوبس الإسرائيلي، 3 مارس/آذار 2015:
http://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001015409
6-Stephen Collinson, Netanyahu warns Congress: Deal will lead to Iranian nuclear bomb,CNN, March 4, 2015:
 http://edition.cnn.com/2015/03/02/politics/netanyahu-speech-iran-obama-congress/
7) أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي: خطاب نتنياهو في واشنطن مهم، لكن الأهم اتخاذ القرارات في تل أبيب، يديعوت أحرونوت، 3 مارس/آذار 2015: http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4632871,00.html
8) هؤلاء الجنرالات يشكِّلون الهيئة التأسيسية لحركة "قادة أمن إسرائيل"، ومن أبرزهم: "أمنون رشيف" الرئيس السابق لسلاح المدرعات، "عميرام ليفين" قائد المنطقة الشمالية السابق، "مائير داغان" الرئيس السابق لجهاز الموساد.
9) عناد نتنياهو في وجه أوباما سينعكس سلبًا على الأمن الإسرائيلي، موقع تيك ديبكا، 1 مارس/آذار 2015:
http://www.debka.co.il/article/24432/
10) شالوم يروشالمي، السؤال الكبير: هل يأتي خطاب نتنياهو بمقاعد إضافية لليكود؟ معاريف، 3 مارس/آذار 2015:
http://www.nrg.co.il/online/1/ART2/680/491.html?hp=1&cat=479&loc=11
11) أوباما.. على ماذا توقِّع مع إيران؟ يسرائيل هايوم، 4 مارس/آذار 2015.
12) هرتسوغ يتهم نتنياهو بتخريب العلاقة مع واشنطن، موقع ويللا الإخباري، 3 مارس/آذار 2015: http://elections.walla.co.il/item/2834791
13) بيغن قصف العراق، وأولمرت قصف سوريا، هل سيقصف نتنياهو إيران؟ موقع واي نت، 3 مارس/آذار 2015:
http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4633040,00.html
14) عمير ربابورت، هكذا ستظهر حرب لبنان الثالثة، يسرائيل ديفينس، 23 يناير/كانون الثاني 2015:
http://www.israeldefense.co.il/he/content/%D7%9B%D7%9A-%D7%AA%D7%99%D7%A8%D7%90%D7%94-%D7%9E%D7%9C%D7%97%D7%9E%D7%AA-%D7%9C%D7%91%D7%A0%D7%95%D7%9F-%D7%94%D7%A9%D7%9C%D7%99%D7%A9%D7%99%D7%AA
15) تسفي بارئيل، ماذا لو لم يتم توقيع الاتفاق مع إيران؟، هآرتس، 4 مارس/آذار 2015:
http://www.haaretz.co.il/opinions/.premium-1.2580107

نبذة عن الكاتب