عملية عاصفة الحزم: الأهداف والمخاطر

هدفت عملية عاصفة الحزم إلى إعادة ترتيب توازن القوى في العالم العربي، وإرسال رسالة واضحة لإيران ودول إقليمية ودولية بأن التحالف الجديد عازم على الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه، وردع إيران ومنعها من التغلغل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
201542293944935734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
يبدو أن عملية عاصفة الحزم ستؤثر على توازن القوى في المنطقة لسنوات عديدة مقبلة، وستغيِّر المعالم السياسية والعسكرية التقليدية في العالم العربي والشرق الأوسط. إن نجاح أو فشل هذه العملية سيتوقف على قدرتها على تحقيق أهدافها وتبني نموذجها في بلاد أخرى مماثلة تواجه ما يعانيه اليمن.

مقدمة

إن عملية عاصفة الحزم ستغيِّر من المفاهيم السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط لسنوات قادمة؛ إذ إن السرعة التي التأم بها تحالف من عشر دول يعتبر سابقة سياسية وعسكرية نوعية في هذه المنطقة؛ فقد أرسل رسالة واضحة إلى أطراف عديدة إقليميًّا وعالميًّا، خاصة أولئك الذي يشكِّكون في الوحدة والتضامن العربي، وقد حملت الرسالة مغزى آخر هو أن العالم العربي راغب وقادر على التحكم في مصيره، وحماية مصالحه، ومنع انهيار أو احتلال دولة عربية أخرى. كما وضعت عملية عاصفة الحزم حدًّا للعديد من هذه التكهنات، وطرحت رؤية جديدة للوحدة، ومهَّدت الطريق أمام الجامعة العربية لتأسيس قوة عربية مشتركة لردع أي تهديد وجودي يمكن أن يواجه المنطقة.

تناقش هذه الورقة الأهداف السياسية والعقبات العسكرية التي تواجه قوات التحالف في اليمن، وتركز على الاستراتيجيات طويلة الأجل للتحالف الذي تقوده السعودية وشركاؤها في اليمن وخارجه.

لماذا عملية عاصفة الحزم؟

وفقًا للعديد من المحلِّلين والمراقبين تُعد عملية عاصفة الحزم حرب ضرورة، لا حرب اختيار(1). فبعد استنفاد كل المبادرات الدبلوماسية، شنَّ مجلس التعاون الخليجي -باستثناء عُمان- حربًا ضد الحوثيين ومؤيديهم في اليمن، لمنع البلاد من الانهيار، وتجنُّب حدوث كارثة إنسانية مشابهة لكارثتي سوريا والعراق؛ حيث بدأت العملية في الساعات الأولى من صباح 26 مارس/آذار 2015، بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة متفاوتة من قطر والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والمغرب وباكستان والسودان. إن أهم المحددات والأهداف العامة لهذه الحرب يتمثل في تأسيس توازن قوى سياسي وعسكري جديد في الشرق الأوسط، ومنع إيران من التدخل في شؤون جيرانها، في ضوء التصريحات العدائية التي أطلقها العديد من القيادات السياسية والعسكرية في الشهور القليلة الماضية؛ حيث أعلن بعض القادة الإيرانيين أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي تقع تحت سيطرتهم(2). ومع وقوع صنعاء في أيدي الحوثيين -وكلاء إيران- أضحى العديد من دول مجلس التعاون محاطًا بإيران أو وكلائها. والفرق بين العراق واليمن أن الولايات المتحدة الأميركية احتلَّت بلاد الرافدين وسمحت لإيران من خلال حلفائها على الأرض بالتدخل والعبث في أمن العراق والمنطقة. إن الفراغ السياسي الذي أحدثه سقوط نظام صدام حسين في تلك الفترة سمح لإيران تدريجيًّا بملء الفراغ الذي نتج عن تداعيات الاحتلال الأميركي. أمَّا بالنسبة لليمن فقد انتبهت القيادات الخليجية لرغبة إيران في ملء الفراغ السياسي الذي حدث نتيجة عدم الاستقرار السياسي في هذا البلد. ومن هنا أصبحت الحاجة ملحَّة على دول الخليج للتدخل وإنقاذ اليمن والخليج العربي بشكل عام من سيناريو مماثل للعراق. وقد تسلَّح الخليج بطلب الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور هادي لحماية البلاد من أي تدخل خارجي.

ويمثِّل اليمن تهديدًا قاتلًا لأمن واستقرار دول المجلس والمنطقة ككل؛ إذ إن أي إخلال بالأوضاع في اليمن سيؤدي إلى انتكاسة اقتصادية وعسكرية لدول المجلس بصفة خاصة، والدول العربية لاسيما مصر والسودان اللتين تمثلان قوتين على البحر الأحمر. وسوف تتحمل دول المجلس أية تبعات اقتصادية أو أمنية تترتب على اضطراب اليمن. وبالتالي، كان التدخل العسكري ضروريًّا لمنع وقوع كارثة إنسانية وأمنية في البلاد، ومنع إيران من التدخل في شؤون دول المجلس والدول العربية الأخرى؛ إذ يُعتبر أمن اليمن ضروريًّا لأمن دول المجلس والمجتمع الدولي. إن السماح لأية دولة غير مسؤولة أو لأطراف غير دولية بتهديد أمن اليمن أو منافذه المائية ستكون له نتائج اقتصادية وأمنية خطيرة على المنطقة، وستهدد السلام العالمي. ولذلك كان العمل العربي ضروريًّا لتحديد الوضع الراهن وشكل المستقبل. وجاءت الاستجابة العربية في "العقيدة السياسية" (Doctrine) للملك سلمان بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية(3).

وتقوم هذه العقيدة السياسية على عدة مبادئ، أهمها: 

  • العرب قادرون وراغبون في الدفاع عن أنفسهم. 
  • إيران تمثِّل تهديدًا لوحدة واستقرار العرب، ولذلك يجب ردعها. 
  • بوسع العرب طرح بديل للوضع الراهن وتفنيد الرواية الإيرانية عن المنطقة. 
  • تحقيق أمن المنطقة العربية وتنميتها يتحقق من الداخل. 
  • ما يوحِّد العرب أكبر وأهم مما يفرقهم. 
  • العرب قادرون على صياغة رؤيتهم السياسية والدفاع عنها بدون العودة إلى الغرب.
  • العرب بوسعهم كتابة روايتهم بأنفسهم.

هذه العقيدة السياسية والفلسفة الخليجية/العربية الجديدة تعتبر ترجمة للرؤية التي قدمها الأمير تميم ابن حمد آل ثاني إلى الرئيس باراك أوباما خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية بين 24-27 فبراير/شباط 2015(4)؛ حيث أخبر الأمير نظيره الأميركي أن العرب قادرون على تحمل مسؤولياتهم تجاه التحديات التي تواجه الوطن العربي، وأن "قطر مستعدة لمنع انهيار أية دول في المنطقة"(5). وعَرَض الأفق الذي ترغب قطر في التحرك خلاله عندما تحدَّث في جامعة جورج تاون، قائلًا: "سأكون أمينًا معكم، يجب ألا نعتمد على أميركا وحسب؛ فعلينا كدول عربية أن نضطلع بمسؤولياتنا، ثم يجب أن نسأل الأميركيين إذا كنَّا نحتاج المساعدة في حلِّ مشاكلنا"(6). ولذلك، فإن هذه الرؤية السعودية-القطرية المشتركة مهَّدت الطريق لتحقيق التحالف العربي، وإعادة تركيز وتحديد أولويات المصالح العربية في مواجهة التحديات والتهديدات المشتركة. وجاءت عملية عاصفة الحزم نتيجة لتفضيل بعض الدول العربية الحلول الداخلية للمشاكل المحلية؛ حيث كانت دول الخليج العربي تعتمد بشكل رئيسي تاريخيًّا على الحماية الغربية والحلول الغربية لمشاكلها الإقليمية. وتُجسِّد عملية عاصفة الحزم تغييرًا جذريًّا في مسار المعايير المستخدمة في الماضي، وتبني نمط عمل نادر في المنطقة؛ حيث تفرض الحالة اليمنية آلياتها الخاصة ومبدأها الخاص، بل ويحتمل أن تكون نموذج المستقبل.

الحراك السياسي في اليمن

كان الوضع السياسي في اليمن يتدهور منذ 2004؛ الأمر الذي سمح للحوثيين -وهم فرقة شيعية- وآخرين بالعبث والمسِّ بسلامة واستقرار اليمن. وهذا التدهور سمح لكثير من الفاعلين غير الشرعيين، مثل: القاعدة في جزيرة العرب، وآخرين، أن يمثلوا تحديًا لشرعية الحكومة المركزية، إلا أن الحوثيين كانوا يُظهرون عداء علنيًّا للحكومة وبدأوا يبحثون عن دور سياسي أكبر في البلاد من خلال التعاون مع قوى إقليمية طامحة لبسط نفوذها في المنطقة. هذا التعاون مع القوى الخارجية أتاح للحوثيين تطوير قدراتهم العسكرية المنظَّمة للتمرد على الحكومة في عدة. وكانت هذه الميليشيات قد خاضت عدة حروب مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ولكنَّه لم يقضِ عليها قضاء مبرمًا ولم يحدَّ من خطرهم الذي زعزع أمن واستقرار اليمن. ويمكن تفسير سياسة صالح مع الحوثيين بهذه المبادئ الثلاثة:

  • أولًا: كان صالح يريد إضعاف الحوثيين، دون تدميرهم، لمنع أية إصلاحات سياسية في البلاد. 
  • ثانيًا: كان صالح يتلاعب بالورقة الطائفية داخل اليمن؛ فقد استغل الحوثيين لتقوية أبنائه وعشيرته على حساب البلاد والقوى المحلية الفاعلة الأخرى لكي يحتكر السلطة في اليمن. 
  • ثالثًا: استغل صالح الحوثيين ليمارس ضغطًا على دول الإقليم، خاصة السعودية، لتبرير المساعدات الاقتصادية والعسكرية(7). وكان صالح يلعب بكل هذه الأوراق ببراعة حتى أسقطه اليمنيون في 2011(8)، وخلَفَه نائبه عبد ربه منصور هادي في فبراير/ِباط 2012 بموجب المبادرة الخليجية.

وقد واجه هادي تحديات محلية عديدة، وفشل في تحقيق استقرار البلاد، وأخفق في توحيد اليمنيين حول أية أهداف واضحة. ولم تتحقق محاولته لإجراء انتخابات، أو تمرير اقتراع دستوري، أو بناء تحالف حاكم قوي مع كل الأطراف السياسية، وشجَّعت سلبيته في مواجهة هذه المشاكل السياسية أطرافًا محلية عديدة على تحدي قيادته. وجاء أكبر تهديد لهادي من قبل الحوثيين، الذين استولوا على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، وكذلك الرئيس المخلوع صالح الذي ضم قواته إلى قوات الحوثيين لعرقلة هادي ومنعه من النجاح. وأدي التحالف المؤقت بين صالح والحوثيين إلى تقوية عزيمة أنصار الله ودعم محاولاتهم للسيطرة على اليمن(9).

وبدأ الحوثيون زحفهم على المؤسسات الحيوية في المدن الكبرى، واستولوا على الشرايين الحساسة، وأرغموا العديد من القادة السياسيين على الهرب من مواقعهم تحت تهديد السلاح. وأدى استيلاء الحوثيين إلى زيادة قلق العديد من القوى الإقليمية والعالمية. فمثلًا، بدأ عدد من السفارات إغلاق أبوابه خوفًا من تدهور الوضع الأمني والعسكري، كما حثَّ الكثير من الدول المعنية مواطنيها على مغادرة البلاد. وأدَّى استيلاء الحوثيين على المرافق المهمة إلى استقالة هادي وحكومته.

وفي ضوء هذه التطورات وقبلها، بدأت إيران بشحن معدات عسكرية وغيرها من المواد اللوجستية إلى الحوثيين لتقوية قبضتهم على السلطة(10). وسمح فراغ السلطة الذي تسبب فيه هادي بسلبيته إلى إعلان بعض الإيرانيين أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي تسقط تحت السيطرة الإيرانية.

وأدت التصريحات العدائية التحريضية التي بدأت تتسرب من طهران حول بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء إلى إثارة المنطقة، وأفسدت المهمة الدبلوماسية التي كان يقوم بها جمال بن عمر، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن؛ حيث كان ابن عمر يتفاوض على تسوية سلمية وقد سلك كل السبل الممكنة للتوصل إلى اتفاق عملي، ولكن الحوثيين كانوا أكثر اهتمامًا بالحل الخارجي -وليس الداخلي- لمشاكل اليمن؛ بل كانوا يتشاورون مع إيران في كل خطوة، وسمحوا لهم باتخاذ قرارات نيابة عنهم. وكانت دول الخليج العربي تدرك التنسيق الوثيق بين الحوثيين وإيران، ولكنها كانت تأمل في نجاح ابن عمر في مهمته، إلا أن هذا الرهان لم يُؤتِ ثماره. ولذلك قررت دول الخليج العربي -باستثناء عُمان- أن الوقت قد حان للعمل على منع إيران من الاقتراب من شواطئها، وإحباط أية محاولات أخرى للحوثيين لزعزعة اليمن والمنطقة ككل.

عملية عاصفة الحزم: الأهداف والتحديات

الأهداف
تتمثل الأهداف المعلنة لعملية عاصفة الحزم في استعادة الشرعية لرئيس اليمن الذي تم اختياره قانونيًّا، وعدم السماح بأي دور للرئيس السابق علي عبد الله صالح في مستقبل اليمن؛ وانسحاب مقاتلي الحوثيين من الشوارع؛ ونزع سلاح حركة أنصار الله. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف حشد التحالف كل الآليات المشروعة، وكان ينسِّق مع الأطراف الرئيسة داخل وخارج اليمن من أجل إنقاذ البلاد، وخاصة الرئيس هادي الذي طلب التدخل العسكري لمنع الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من السيطرة على البلاد بالقوة واستعادة الشرعية وإعادة الاستقرار لليمن. كما نسَّق التحالف مع حركة الإصلاح واللجان الشعبية (الحشد الشعبي) لإخراج البلاد من أزمتها. ويُعتبر دعم وتقوية سلطة هادي أساسيًّا للتحالف لكسب الحرب وتغيير الآليات الاجتماعية والسياسية في البلاد. ولم يغفل التحالف الذي تقوده السعودية الغطاء القانوني والشرعي من جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي؛ فقد أقرت الجامعة، في اجتماعها السنوي في شرم الشيخ، شرعية عملية عاصفة الحزم، كما أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2216 تحت الفصل السابع الذي دعم العملية العسكرية التي تقودها السعودية لاستعادة الشرعية. وبهذا يكون التحالف قد التزم بالقانون الدولي في العملية العسكرية باليمن.

وبالقراءة الأولية لنتائج عاصفة الحزم، تكون العملية حققت الأهداف التالية: منعت سقوط اليمن بالكامل في قبضة الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع صالح، وأضعفت قدراتهم؛ ودعمت تشكل قوى مضادة للحوثيين، وأحدثت شرخا في صفوف القوات العسكرية المولية لصالح، وحدَّت من تدفق أعداد هائلة من اللاجئين اليمنيين إلى دول الجوار وزعزعة استقرارها؛ وأخيرًا -وهو الأهم- ستقدِّم العملية رواية مضادة لرواية إيران؛ فقد كانت طهران تتلاعب بالمنطقة طوال العقد الأخير: في لبنان والعراق وسوريا، واليمن الآن. وفي كل بلد يزرع التدخل الإيراني بذور الحرب الأهلية والدمار.

وبذلك يستطيع التحالف أن يقدم رواية مضادة لتلك الصورة الكئيبة؛ فإيران تعني الحرب الأهلية والدمار؛ بينما يعني التحالف الذي تقوده السعودية الوحدة والتنمية والانتعاش الاقتصادي، والازدهار. أما إيران فهي مثل كل القوى الإمبريالية الأخرى تُسبِّب الفوضى والدمار؛ بينما يحقق البديل -مثل أية حركة تحرر- الاستقلال والوحدة.

التحديات
لعل أخطر التحديات هو استمرار الحرب؛ فإذا استمرت عملية عاصفة الحزم أطول من المتوقع، فقد تُسبِّب العديد من الصعاب للتحالف في الأجل الطويل؛ إذ إن طول أمد الحرب يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين؛ وتدمير البنية التحتية لبلد يُعدُّ من أفقر البلدان في العالم العربي؛ وزيادة التوتر الطائفي، وتعقيد أية جهود مصالحة بين جميع الأطراف، ويُحوِّل التعاطف العالمي تدريجيًّا من تعاطف مع التحالف إلى تعاطف مع الحوثيين ومسانديهم على الأرض.

يجب أن يكون كسب الحرب تكتيكًا للتحالف، وأن لا يكون استراتيجية؛ فالاستراتيجية الحقيقية هي تحقيق السلام والأمن والاطمئنان من خلال النمو الاقتصادي. فاليمن في حاجة ماسَّة إلى المساعدات الاقتصادية والتنمية في كل القطاعات. ويجب البدء بخطة اقتصادية داخلية ضرورية وحيوية لتغيير الآليات الاجتماعية والسياسية في البلاد. وسوف تؤدي استعادة الأمل لدى المواطن اليمني البسيط دورًا حيويًّا في إعادة تشكيل البلاد ومستقبلها في السنوات القادمة. وكذلك فإن تقديم حزمة اقتصادية سخية لإعادة تنمية البلاد سيؤدي إلى زيادة القوة الناعمة للتحالف، وسيُضعف إيران ومؤيديها. وكذلك يمكن أن تصبح تنمية اليمن نموذجًا للعراقيين والسوريين لتشجيعهم على الابتعاد عن النموذج الإيراني وتبني النموذج اليمني.

وتمثل توقعات تدخل القوات البرية تحديًا آخر لعملية عاصفة الحزم؛ إذ إن الخسائر الكبيرة التي قد تحدث، أخذًا في الاعتبار جغرافية اليمن، يمكن أن تمثِّل معضلةً لقوات التحالف وتحبط خططهم للتوصل إلى استراتيجية خروج. ولذلك يجب أن يهدف التحالف إلى تغيير سلوك الحوثيين وعلي عبد الله صالح ومؤيديهم من المؤتمر الشعبي العام بإجبارهم على إعادة حسابات التكلفة والخسارة في هذه الحرب، مع التركيز على تقليل الخسائر الإنسانية والدمار الذي قد يلحق بالبنية التحتية. ورغم كل هذه المخاطر يجب أن يكون التحالف مستعدًّا لعمليات برية محدودة وواسعة أيضًا في بعض المناطق لاستعادة ميزان القوى لصالح مؤيدي هادي، وليمنع الحوثيين من الشك في من يمسك بزمام المبادرة.

إن إقحام قوى التحالف في حرب استنزاف هو أفضل خيار يهدف إليه الحوثيون في هذه المرحلة الحرجة، لأن ذلك يؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية، ويثير المزيد من الضغط السياسي والدبلوماسي على قوات التحالف، ويمنع النصر الحاسم في أقصر وقت ممكن، وسيحول الرأي العام بعيدًا عن هادي وقوات التحالف الذي تقوده السعودية.

يضاف إلى كل هذا التحديات الطبيعة المناخية لمنطقة الحرب؛ حيث تصل درجات الحرارة إلى مستويات مرتفعة مما يؤدي إلى عدم قدرة الجنود على أداء المهام المطلوبة منهم والقيام بالنشاط العسكري الذي تتطلبه العملية، في الوقت الذي تستطيع فيه الميليشيات التي تعتمد على الكرِّ والفرِّ وحروب الشوارع إرسال وحدات صغيرة قادرة على الحركة في جميع الظروف المناخية. إن انتشار أي جيش نظامي ليس بالسهولة اللوجستية التي تسمح لأي ميليشيا بنشر عناصرها دون العودة إلى القواعد العسكرية السليمة في نشر وسحب القوات.

عملية عاصفة الحزم: نحو توازن قوى جديد في الشرق الأوسط

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق يفرضان توازن قوى مرنًا في الشرق الأوسط، ولكن حدث تغير عندما تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991، وقادت الولايات المتحدة نظامًا أحادي القطبية في المنطقة. بيد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول والحربين اللتين خاضتهما الولايات المتحدة ضد أفغانستان والعراق غيَّرتا آليات القوة في الشرق الأوسط، وقلَّلتا من قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على السيطرة الكاملة على الأحداث في المنطقة؛ حيث أدى الفشل الأميركي في تحقيق نصر عسكري أو أخلاقي في العراق إلى تعبيد الطريق أمام الكثيرين لتحدي سيطرة واشنطن في العالم العربي. وكذلك فإن تصريحات الرئيس أوباما المستمرة عن عزم الولايات المتحدة على التوجه لآسيا، والتزاماته المهتزة بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، شجَّعت العديد من الدول الطموحة على ملء الفراغ السياسي والعسكري الذي يفرضه الواقع الجديد.

لقد تغلغل كل من الصين وإيران وروسيا في المنطقة من زوايا مختلفة؛ حيث لعبت إيران بالورقة الطائفية، بينما لعبت روسيا بالورقة العسكرية، واستخدمت الصين الورقة الاقتصادية، ولكن القوى الثلاث لها أهداف واضحة: تحدي الولايات المتحدة وتقسيم المنطقة حسب مصالحها. وكان للورقة الطائفية الأثر الأكبر؛ لأن فلسفة إيران في المنطقة تدور حول مبدأ واحد: تكوين ودعم حركات و"حكومات ظل" تتحدى استقرار وشرعية جيرانها العرب؛ ففي لبنان تساند طهران حزب الله للوقوف حجر عثرة أمام الدولة؛ وفي العراق كانت تتلاعب بنوري المالكي والأحزاب الشيعية الأخرى كي تغير الخريطة السياسية في بلاد الرافدين. لقد ضغطت طهران على المالكي لاتخاذ الكثير من القرارات على أسس مذهبية؛ مما أدى إلى شحن طائفي وتوتر مذهبي. وفي سوريا تسببت إيران في الفوضى حينما أرسلت العديد من الميليشيات الطائفية للقتال إلى جانب الطائفة العلوية، وليس للحفاظ على الدولة السورية والانتقال الديمقراطي السلمي فيها. وفي اليمن تساند إيران الحوثيين ، وبدأت تشجعهم على تشكيل حكومة ظل لتحدي شرعية هادي، بل وتقسيم البلاد إلى مناطق متحاربة. وكذلك فتحت إيران قنوات سياسية مع المؤتمر الشعبي العام وجماعات أخرى في البلاد لزعزعة اليمن، ورحَّبت ببعثة اقتصادية من اليمن، ودعمت تعاونها الاقتصادي والسياسي مع صنعاء بطريقة غير مسبوقة(11).

وإجمالًا، كانت إيران مهتمة بتعظيم مكاسبها الاقتصادية والسياسية في اليمن على حساب كل الدول الأخرى في المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية. وهذا السلوك الإيراني أحدث موجات ردِّ فعلٍ غير مسبوقة في دول مجلس التعاون الخليجي؛ فقد تعوَّد القادة في المنطقة على ما كانت تقوم به إيران في لبنان والعراق وسوريا، ولكن السلوك الإيراني الطائفي وطموحاته العسكرية، خاصة النووية، أزعج دول المجلس وأرغمها على إعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة.

إن هذه السياسات الإيرانية المتبعة في العقود الأخيرة بدأت تهدد بنشوب حرب باردة إسلامية/إسلامية. ودعمت إيران وكلاءها للمضي في هذا الاتجاه والدفاع عن هذه الرؤية التي تحقق مصالح إيران في المنطقة، بينما كانت القوى الإقليمية السنِّية تنتظر حماية وتدخل أصدقائها الغربيين. وبالتالي، فإن سياسة إيران في زعزعة المنطقة بتغيير ميزان القوى فيها أدى إلى ردِّ الفعل العنيف من جانب التحالف الذي تقوده السعودية. لقد جاءت عملية عاصفة الحزم استجابة ضرورية للسياسات العدوانية لإيران وحلفائها في المنطقة؛ حيث تحتاج إيران إلى اليمن لتقوية موقفها التفاوضي مع الغرب والعرب؛ إذ إن إيران تحتاج إلى أن تخبر محاوريها بأن لها سلطة على مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس. وكذلك تميل إيران إلى إقناع الغرب بأهميتها في محاربة القرصنة في القرن الإفريقي وحركة الشباب في الصومال. ولذلك يمكن أن يزود اليمن إيران بقدر كبير من الأدوات المطلوبة لطرح نفسها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط أمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.

وهنا تعتمد إيران على الصين وروسيا لتسهيل تحقيق أهدافها في العالم العربي معتمدة على الدعم الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي لهاتين الدولتين اللتين استغلتهما لدعم مواقفها في سوريا والعراق ولبنان، وفي الأيام القليلة الماضية في اليمن. لقد استعملت الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) عدة مرات في الأعوام الأربعة الماضية دعمًا للتوجه الإيراني في المنطقة.

الخاتمة

عمل التحالف الذي تقوده السعودية بحسم على ردع إيران، واستقرار اليمن، وتوحيد أكبر عدد من الدول العربية والإقليمية حول مصالح محددة، وإقامة توازن قوى جديد في ضوء انسحاب الولايات المتحدة التدريجي من المنطقة؛ واستعادة المبادرات السياسية والأمنية، والبدء في حوار بنَّاء من أجل إعادة تقييم الأمن القومي العربي. ولم يكن تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية ممكنًا بدون التدخل العسكري في اليمن، والذي بعث برسائل واضحة إلى كل الأطراف في المجتمع الدولي بأن دول مجلس التعاون الخليجي والعديد من الدول الأخرى في الشرق الأوسط مستاءة من سياسات إيران التوسعية وسلبية الولايات المتحدة تجاه التهديدات التي تواجه المنطقة. إن الحرب في أفغانستان والعراق استنفدت القوة العسكرية والمالية الأميركية، وأضعفت قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في المنطقة. وكانت الخيارات أمام التحالف الذي تقوده السعودية محدودة جدًّا؛ فإما أن تسمح بوقوع عاصمة عربية أخرى في قبضة إيران، أو أن تقف بحزم لمنع تدمير المزيد من الدول العربية الأخرى. لقد فُرضت هذه الحرب على التحالف الذي تقوده السعودية، ولم يكن لدى الأطراف المشاركة خيار سوى التحالف لمواجهة التهديد الوجودي من إيران؛ إذ إن البديل يتمثل في المزيد من الفوضى والتدمير لدول عربية أخرى. ولو لم يتدخل التحالف الذي تقوده السعودية في تلك اللحظة، لكان الوضع الإنساني والسياسي على الأرض لا يحتمل؛ حيث تذكِّر الصور القادمة من العراق وسوريا كل صنَّاع القرار في المنطقة بالبديل المحتمل. لقد كان قرار إجهاض محاولة تفكيك اليمن ومنع حدوث كوارث إنسانية عديدة في البلاد قرارًا شجاعًا جَرِيء، ولكنه يمكن أن يفرض مخاطر عديدة أيضًا.                    
____________________________________
غسان شبانة، باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، مختص بالشؤون الأميركية وقضايا الشرق الأوسط.

المراجع
1. وائل قنديل، عاصفة الحزم ضرورة تاريخية، المصدر أونلاين (تاريخ الدخول: 12 إبريل/نيسان 2015):
http://almasdaronline.com/article/70664
2. Chalres Faddis, " Iran Sizes One Arab Capital after Another", NewsMax. 27 January 20125. http://www.newsmax.com/CharlesFaddis/Iran-Arab-Capital-jihad/2015/01/27/id/620946/
3. Joseph A. Kechichian, "Efficacy of the Salman Doctrine", Gulf News. 8 April 2015. http://gulfnews.com/opinion/thinkers/efficacy-of-the-salman-doctrine-1.1488733
4. Jamal Abdullah & Ghassan Shabaneh, " Qatar and the US: Towards a New Partnership" , Al Jazeera Center For Studies. 23 March 2014.. http://studies.aljazeera.net/en/reports/2015/03/201539113047403531.htm
5. Tamim H. Al Thani "Qatar's Message to Obama", The New York Times. 23 February 2015, http://www.nytimes.com/2015/02/24/opinion/qatars-message-to-obama.html?_r=0
6. Kelsey. Quackenbush, "Emir Outlines Qatari Role in Middle East", The Hoya. 1 March 2015, http://www.thehoya.com/emir-outlines-qatari-role-middle-east  .
7. Ginny Hill, "Yemen Fear of Failure", ", Chatham House: The Royal Institute of International Affairs. 18 November 2008. https://www.chathamhouse.org/sites/files/chathamhouse/public/Research/Middle%20East/bp1108yemen.pdf
8. Adam Baron, Civil War in Yemen: Imminent and Avoidable", European Council on Foreign Relations. 23 March 2015, http://www.worldaffairsjournal.org/content/civil-war-yemen-imminent-and-avoidable
9. Ibid
10. Thomas Shanker & Robert F. Worth, " Yemen Sizes Sailboat Filled With Weapons, and US Points to Iran", New York Times. 28 January 2013. http://www.nytimes.com/2013/01/29/world/middleeast/29military.html?_r=0
11. Peter Salisbury, " Yemen and the Saudi-Iranian Cold War", Chatham House: The Royal Institute of International Affairs, 18 February 2015. http://www.chathamhouse.org/publication/yemen-and-saudi-iranian-cold-war

نبذة عن الكاتب