كيف تلعب إيران بأوراقها في غرب إفريقيا؟

يناقش هذا التقرير العلاقات الإيرانية ببعض دول غرب إفريقيا حيث حققت طهران اختراقات تجسدت في الحضور الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي وتحريك ملف التشيع في الأوساط الشعبية كل هذا في سياق يشاهد فيه تحرك جديد للسعودية مما يعني أن غرب إفريقيا أصبح ميدانا آخر للتنافس السعودي الإيراني.
2015537156884734_20.jpg
سودانيون يحملون أعلاما سودانية وإيرانية خلال زيارة للرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد للخرطوم عام 2011 (أسوشيتد برس-أرشيف)

ملخص
كانت القارة الإفريقية وما زالت مسرحا لاهتمام لاعبين دوليين كثيرين، وتتوسع لائحة هؤلاء اللاعبين باستمرار ويزداد نفوذهم في هذه القارة، ومن بين هؤلاء اللاعبين إيران التي حققت اختراقات هامة في إفريقيا سعيا منها إلى كسب مساحات نفوذ متجددة في فضاء استراتيجي ظل إلى وقت قريب أقرب إلى دول الخليج عموما وإلى المملكة العربية السعودية بشكل خاص. صار لإيران حضور ديبلوماسي في أزيد من ثلاثين دولة إفريقية كما أن أربعين دولة من هذه القارة شاركت في القمة الإفريقية الإيرانية في طهران في إبريل/ نيسان 2010. يضاف إلى هذا الدور ما تقوم به الجاليات اللبنانية الكثيرة والمحسوبة على حزب الله اللبناني في القارة الإفريقية من نشر للمذهب الاثني عشري وهو عمل دعوي يصب في النهاية في مصلحة طهران.

وقد شكل النشاط الاقتصادي أبرز مدخل ولجت منه إيران إلى إفريقيا وتجسد ذلك في أكثر من تعاون مع الدول الإفريقية في مجالات التنمية المتعددة. كما استطاعت إيران تعزيز علاقاتها الدينية بالعديد من الدوائر الدينية الإفريقية موظفة العداء التقليدي بين الجماعات الصوفية المنتشرة في بعد الدول الإفريقية وبين بعض المدارس الفقهية والعقدية الإسلامية مثل الحركات السلفية ذات المرجعية الوهابية.

ويلاحظ مؤخرا تحرك سعودي باتجاه القارة الإفريقية تمثل في دعوة بعض رؤساء هذه القارة ممن لهم صلات وعلاقات مع إيران مثل كرؤساء السودان والسنغال وموريتانيا وقد تم استقبالهم في الرياض بحفاوة بالغة وغير مسبوقة، وهو أمر من السهل تفسيره بانزعاج السعودية من التمدد الإيراني في إفريقيا ومحاولة الرياض العودة إلى فضاءاتها الاستراتيجية التي غابت عنها في السنوات الماضية نظرا لاهتمامها بقضايا إقليمية شكلت أولوية بالنسبة للسعودية على حساب اهتمامها التقليدي بالقارة الإفريقية.

تنافس تقليدي متجدد

قد يتبادر إلى الذهن أنه لا يزال من السابق لأوانه الآن التساؤل حول الانعكاسات المحتملة للتوتر الحاصل بين إيران وجيرانها في المشرق العربي على ساحات أخرى بعيدة نسبيًّا عن البؤر التي تشهد في الوقت الراهن حالات توتر بل ومواجهة غير مباشرة أحيانًا، وبوجه خاص طبيعة الانعكاسات التي قد تنتج عن التطورات المذكورة على مستوى بعض بلدان المغرب العربي وغرب إفريقيا.

بيد أن هذا التساؤل يبدو واردًا ومنطقيًّا للغاية بالنظر إلى الأوراق التي يملكها كل واحد من أطراف المواجهة في الخليج وشبه الجزيرة العربية والاهتمام الذي يبديه هؤلاء الفرقاء بالقارة الإفريقية التي شكَّلت خلال السنوات الأخيرة مسرحًا لمنافسة ظلت صامتة في الغالب لكنها باتت مؤخرًا متلاحقة الحلقات ومتسعة الدوائر باطِّراد، لاسيما مع تزايد مؤشرات ثقة الإيرانيين بالاختراقات التي حققوها في أكثر من بلد إفريقي؛ ما أغراهم بتوسيع مجالات التحرك وتنويع أساليب النفوذ الناعم بالتركيز خاصة على المبادلات التجارية والنشاطات الثقافية وبطبيعة الأحوال الدعاية المذهبية، سعيًا إلى كسب مربعات نفوذ أكثر اتساعًا في فضاء استراتيجي ظلَّ إلى وقت قريب أكثر ارتباطًا -لأسباب اقتصادية وسياسية ولاعتبارات مذهبية وتاريخية لا تخفى- بغرماء إيران في منطقة الخليج، وفي مقدمة هؤلاء المملكة العربية السعودية.

يمكن القول -دون مبالغة-: إن إيران سعت منذ مدة وبشكل حثيث إلى كسب حلقات نفوذ في مواقع مختلفة من القارة السمراء، وهي الجهود التي تكثفت خلال السنوات القليلة الماضية حيث عملت طهران على أكثر من محور، فارتفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي في القارة بصورة ملحوظة إذ فتحت سفارات لها في أكثر من 30 بلدًا إفريقيًّا خلال العَقد الأخير، وتوسعت دائرة المبادلات التجارية وازدادت قيمتها توازيًا مع هذا النشاط الدبلوماسي، لتصل ذروتها مع مشاركة أكثر من 40 دولة إفريقية في قمة إيران وإفريقيا بطهران سبتمبر/أيلول 2010، ليتضاعف حجم التبادل بين إيران وإفريقيا بعد ذلك، كما ازدهر نشاط بعض الدوائر الثقافية والدينية المرتبطة رسميًّا أو بصفة غير مباشرة بالنظام الإيراني في أكثر من بلد إفريقي، وساعد على ذلك انتشار جاليات شيعية عربية -لبنانية(1) تحديدًا- لها حضور متجذِّر في المنطقة يعود إلى عقود عديدة خَلَت وتتمتع بنفوذ اقتصادي معتبر وعلاقات مصالح متشعبة مع النخب المتحكمة في تلك البلدان حيث امتلكت ثروات طائلة مكَّنتها من التأثير على صُنَّاع القرار من داكار إلى أبيدجان، وأخذ بعض هذا التأثير طابعًا رسميًّا في بعض البلدان الإفريقية بفعل النفوذ المتزايد الاقتصادي المتزايد للجاليات الشيعية فيها؛ حيث تشير معطيات شبه رسمية إلى امتلاك الجالية اللبنانية الشيعية حوالي 60% من القطاعات الاقتصادية الحيوية في ساحل العاج، و80% من شركات جمع وتصدير القهوة والكاكاو، وقدَّرت بعض الدراسات نسبة حضورهم بحوالي 80% في تجارة الماس في سيراليون(2).

من الواضح أن هذا التمدد الإيراني ظل محل متابعة واهتمام من طرف منافسي إيران الإقليميين، خاصة المملكة العربية السعودية، التي تتمتع بعلاقات قوية مع بلدان مؤثرة في المنطقة، وترتبط بمستويات عالية من التنسيق مع دول مثل المغرب التي تربطها صلات وثيقة مع معظم بلدان منطقة الصحراء والساحل خاصة، حيث يتمتع العرش العلوي بصلات تاريخية متجذرة وتحالفات سياسية قوية مع معظم الدوائر الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في تلك البلدان. ومن الوارد تمامًا افتراض أن هذا النفوذ المغربي والتحالف الاستراتيجي بين المغرب والسعودية لم يكونا غائبين عن المتاعب التي واجهتها طهران في علاقتها الرسمية ببعض بلدان إفريقيا الغربية مثل غامبيا وبدرجة أقل السنغال أواخر سنة 2010، بعد أن كانت المغرب قد أقدمت على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بمبررات عديدة كان من بينها ما وُصِف بأنه ممارسة السلطات الإيرانية نشاطات "تستهدف الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني"(3).

 مداخل نفوذ إيراني ملحوظ

هناك جملة من المداخل مثَّلت منافذ استطاعت الجمهورية الإسلامية في إيران أن تتغلغل من خلالها داخل القارة بما في ذلك بعض بلدان شمال وغرب إفريقيا؛ حيث تمكنت من توطيد علاقاتها الدبلوماسية بأكثر من حكومة، ووضعت أسسًا لبناء شراكة اقتصادية وتعاون في مجال التنمية على أكثر من صعيد، والأهم من ذلك أنها نجحت في نسج شبكة علاقات داخل عدد من الأوساط الاجتماعية ومدَّت جسورًا للتواصل مع بعض الدوائر التي يمكن أن تشكِّل حصان طروادة لنشر المذهب الشيعي في بلدان ظلت خالصة للمذاهب السنية لاسيما المذهب المالكي منها، ولعل أبرز تلك المنافذ هي:  

  • اللعب على المحاور الدبلوماسية: فقد عملت إيران خلال العقدين الماضيين على توطيد علاقاتها مع عدد من الدول الإفريقية التي تنزع قياداتها إلى اتخاذ مواقف مناهضة -بهذا القدر أو ذاك- لسياسات القوى الغربية ونفوذها التقليدي في القارة، وساعد إيران في هذا المسعى، فضلًا عن إغراء إمكاناتها المالية، ما يُعرف عنها من نهج قائم على سياسة الممانعة؛ وهكذا استطاعت أن تفتح قنوات تعاون وتشاور مع أكثر من واحد من البلدان الإفريقية ذات التقاليد المناهضة للإمبريالية وتلك التي عرفت علاقتها بالغرب مستوى من التأزم أو الجفاء خلال العقدين الماضيين، كما استغلت إيران بعض الأزمات الداخلية وحالات التوتر على المستوى الإقليمي للتقارب مع أنظمة اضطرتها ظروف خاصة للبحث عن سند اقتصادي أو دبلوماسي، كسعي السنغال للتقارب مع إيران لضمان استضافة هادئة وتنظيم ناجح لقمة المؤتمر الإسلامي بداكار 2008، وكتقارب النظام الموريتاني غير المسبوق مع طهران بُعيْد الحصار الغربي الذي فُرض عليه بُعيد انقلابه نهاية العام 2008، كما ساعد الخلاف المتصاعد بين زيمبابوي وبريطانيا -والغرب عمومًا- على خلفية مصادرة أراضي البِيض(4) في دفع الرئيس موغابي -الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي- للمضي في تحالفه القوي مع إيران، وهو التحالف الذي تُوِّج بزيارة رئيس إيران أحمدي نجاد لهراري في العام 2010.
  • السعي إلى تطبيع العلاقات الرسمية: في ذات السياق، بذلت طهران على امتداد العقدين الأخيرين جهودًا استثنائية لتطبيع وضعها الدبلوماسي الرسمي، في مسعى للالتفاف على العزلة النسبية الناجمة عن توتر علاقتها بالعواصم الغربية والحذر الذي ظلَّ يطبع علاقتها بمعظم جيرانها. وهكذا تضاعف عدد سفارات الجمهورية الإسلامية في البلدان الإفريقية ليقفز من أقل من عشرين سفارة إلى قرابة الأربعين خلال فترة لا تتجاوز عقدين من الزمن. وبتأثير هذا الانفتاح الدبلوماسي تكثفت الاتصالات وتنوعت مظاهر التعاون والتبادل بين إيران والبلدان الإفريقية.
  • تعزيز التبادل الاقتصادي: حيث نشطت إيران تجاريًّا في أكثر من بلد إفريقي مدفوعة بحاجة موضوعية للتخفيف من آثار العقوبات الغربية عليها عبر الدخول في فضاءات اقتصادية محدودة التنظيم وبعيدة إلى حدٍّ ما عن الرقابة. وربما شجَّع إيران على هذا التوجه وجود جاليات شيعية متجذرة في النسيج الاقتصادي لكثير من بلدان القارة ومطَّلعة بما فيه الكفاية على الفرص والمخاطر وذات صلة بمراكز القرار هناك. وقد سعت طهران إلى تسويق منتجاتها وخبرتها الفنية من خلال مشاريع مشتركة مع بعض حكومات المنطقة؛ حيث شيدت، على سبيل المثال، مصنعًا لتركيب السيارات في السنغال، وعرضت بناء مصنع آخر في موريتانيا. وفضلًا عن النشاط التجاري العادي يبدو أن طهران اهتمت أيضًا بتجارة الأسلحة، وفي هذا الإطار تندرج حادثة احتجاز سفينة إيرانية محملة بالأسلحة قرب أحد موانئ الغرب الإفريقي سنة 2010.
    وقدَّر وزير الخارجية الإيراني السابق منوتشهر متكي حجم التبادل التجاري بين إيران وإفريقيا بخمسة مليارات دولار سنويًّا(5)، كما تحدَّث متكي عن دخول العلاقات الإيرانية-الإفريقية "مرحلة جديدة وشاملة"، مردِفًا أن التبادل التجاري بين إيران وإفريقيا قفز من "بضعة ملايين إلى مليارات الدولارات خلال السنوات الأخيرة"، كما تنوعت مجالاته لتشمل "إنتاج السيارات، والجرارات الزراعية، والتنقيب عن النفط، وإنشاء محطات توليد الكهرباء"(6).
  • تنشيط الدبلوماسية الثقافية والشعبية: على صعيد مختلف عملت إيران بشكل نشط على بناء شبكة واسعة من العلاقات داخل عدد من دوائر التأثير الديني والاجتماعي في غرب إفريقيا خاصة، وبالاعتماد على الحضور التقليدي للجاليات الشيعية اللبنانية جرى السعي إلى استقطاب بعض الأشخاص والمجموعات بغرض وضع أسس للتبشير محليًّا بالمذهب الشيعي(7)، وفي غياب معطيات موضوعية حول مدى نجاح هذا المسعى تظل المعلومات المتداولة حول مدى الاختراق الشيعي داخل مجتمعات غرب إفريقيا متأرجحة بين المهوِّلين من خطرها على الانسجام الاجتماعي، والمقلِّلين من شأنها باعتبار الأمر مجرد ظاهرة محدودة لا تأثير لها(8).

في نفس الوقت استطاعت إيران والقوى الشيعية المرتبطة بها ربط علاقات مع بعض المؤسسات والتيارات الإسلامية المحلية، خاصة بعض الجماعات الصوفية؛ وقد ساعد على ذلك عاملان: أحدهما: الألَق الذي حظي به بعض الجماعات الشيعية العربية خلال العقدين الماضيين بسبب مواقفه في مقاومة الاحتلال الصهيوني، والثاني: توظيف العداء التقليدي بين الجماعات الصوفية وبعض المدارس الفقهية المحلية من جهة والحركات والتيارات السلفية ذات المنشأ الوهابي من جهة أخرى.

حسابات صعبة لمشهد متحول

منذ انطلاق عملية عاصفة الحزم لاحظ المراقبون اهتمامًا استثنائيًّا لدى المملكة العربية السعودية بتوثيق العلاقة مع بلدان غرب إفريقيا؛ حيث استقبلت الرياض خلال وقت متقارب جدًّا اثنين من أبرز رؤساء دول المنطقة هما الرئيسان السنغالي والموريتاني الذين تم استقبالهما بحفاوة غير مسبوقة وكانا موضع اهتمام لافت من قبل السلطات السعودية في أعلى مستوياتها. وليس من التكلف في شيء محاولة الربط بين الزيارتين المذكورتين والتطورات المتعلقة بالأوضاع في اليمن وما رافقها من مواجهة دبلوماسية وإعلامية بين طهران والرياض، لاسيما إذا استحضرنا العلاقات المتميزة التي ربطت كلًّا من السنغال وموريتانيا بإيران خلال السنوات القليلة الماضية وما يتردد من حين لآخر من حديث حول جهود حثيثة تبذلها إيران لترسيخ نفوذها في غرب إفريقيا.

لقد أعلن الرئيس السنغالي ماكي صال وقوف بلاده مع عملية عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية في أول موقف رسمي إفريقي يحمل مؤشرات مؤكدة لامتداد تأثيرات الصراع في الخليج وشبه الجزيرة العربية إلى إفريقيا، بل إن الموقف السنغالي مضى أبعد من مجرد الدعم إلى إعلان الاستعداد للمشاركة في العملية، وهو موقف لافت بالنظر إلى نزوع السنغال عادة إلى النأي بنفسها عن المواقف الحدِّية وحرصها التقليدي على إمساك العصا من الوسط ما أمكنها ذلك، فقد حافظت السنغال على علاقاتها المتميزة مع إيران حتى في أوج الأزمة بين الرباط وطهران حيث واصل الإيرانيون أنشطتهم في السنغال رغم توقعات بعض المتابعين للسياسة الإفريقية حينها بأن تنعكس الأزمة المغربية-الإيرانية على العلاقات الإيرانية-السنغالية بسبب الترابط التاريخي بين داكار والرباط.

غير بعيد من السنغال تبدو نواكشوط متفائلة كثيرًا بالاهتمام السعودي الطارئ حيث ظلَّت العلاقات بين البلدين فاترة إلى حدٍّ كبير منذ أكثر من عشر سنوات، وإن كانت قد استعادت بعض العافية بعد الإطاحة بنظام ولد الطايع سنة 2005. وبالتزامن مع إعلان نواكشوط تأييدها لعملية عاصفة الحزم وشَّح الرئيس الموريتاني سفير إيران بمناسبة نهاية انتدابه في حفل رأى بعض المراقبين أنه قد يتجاوز بُعده البروتوكولي باعتباره حفل توديع روتيني لسفير مغادر ليرمز إلى طي صفحة مستوى من العلاقة لم تعد الظروف التي دعت إليه قائمة.

هناك من يرى أن تطورات الصراع الدائر في المشرق وتنافس أقطابه الكبرى في توسيع نطاق تحالفاتها قد يغري بعض أنظمة بلدان غرب إفريقيا بمراجعة مواقفها وفقًا لمقتضيات تغير موازين القوى وتبعًا لحركة محاور الخلاف الإقليمي بما يحقق لها مكاسب أكبر، وهي لعبة اعتاد عليها بعض تلك الأنظمة وباتت تمتلك فيها مهارة خاصة وتعوِّل عليها كثيرًا لتجاوز بعض الأزمات التي تمر بها. لكن الوضع يبدو أكثر تعقيدًا هذه المرة، فإيران بنفوذها الإقليمي القوي وبتحالفاتها الدولية المؤثرة وبطموحها الدبلوماسي المعلن يصعب استعداؤها دون أسباب وجيهة، لاسيما في ضوء ما يلوح من بوادر انفراج في علاقتها مع الغرب وما يفتحه ذلك أمامها من آفاق سياسية واقتصادية واعدة. وفضلًا عن ذلك فإن ما قد يكون مطلوبًا من دول المنطقة ربما لا يقتصر على مجرد الاصطفاف الدبلوماسي والإسهام في فرض العزلة على إيران وتقليص مجالات نشاطها، بل سيتجاوز ذلك على الأرجح إلى طلب مشاركة هذه البلدان -ولو بصورة رمزية- في عمليات عسكرية ربما تتطلبها تطورات العملية الجارية حاليًا في اليمن؛ والمشكلة أنه ليس مؤكدًا أن هذه البلدان لديها الاستعداد الكافي أو الجاهزية المطلوبة لتقديم مثل هذه الخدمة.   

خلاصة

في كل الأحوال، من الواضح أن منطقة غرب إفريقيا تشكِّل محط اهتمام لكل من إيران والسعودية، وحتى لو ظلت تأثيرات التطورات الجارية الآن محدودة فإن التنافس بين هاتين القوتين الإقليميتين يبقى قائمًا ومرشحًا للدخول في فصول جديدة. ورغم أن روابط السعودية بشعوب وحكومات المنطقة أعرق وأوثق والمصالح المشتركة أكبر، يمكن القول: إن إيران استطاعت خلال وقت قياسي أن تجد لها موطئ قدم في المنطقة نتيجة براعتها في لعب الأوراق التي تملكها، وبفضل أسلوبها في التعامل المرن مع الأنظمة، واستراتيجيتها القائمة على التسلل الهادئ إلى المجتمعات عبر طرق غير مباشرة غالبًا. وفي انتظار ما قد تحمله التحولات الراهنة من تغير في الرؤى والاستراتيجيات نستطيع القول: إن النفوذ الإيراني في المنطقة ظلَّ حتى الآن أفقيًّا، ذا أبعاد شعبية أساسًا، ناعمًا للغاية، وخفيًّا ولو إلى حين؛ في مقابل نفوذ تقليدي للقوى الإقليمية المنافسة يبدو فوقيًّا، مركِّزًا على الأبعاد الرسمية، محسوسًا وظاهرًا للعيان، بل ومستفزًّا أحيانًا.
______________________________
الهيبة الشيخ سيداتي - كاتب صحفي موريتاني

المصادر
1- تقدِّر تقارير إعلامية عدد الجالية اللبنانية في ساحل العاج بأكثر من 150 ألفًا، وفي السنغال بأكثر من 30 ألفًا.
2- اكمير، عبد الواحد، المغاربة واللبنانيون في إفريقيا الغربية، (وأصل المقال تقرير أُنجز لصالح المؤتمر القومي العربي مطلع العام 2000)، منشور على موقع محمد عابد الجابري على الرابط: http://www.aljabriabed.net/n87_03akmir.htm#_edn1
3- تقرير عن قطع العلاقات المغربية-الإيرانية على موقع الجزيرة نت (نُشر بتاريخ: 7 مارس/آذار 2009)، على الرابط: http://www.aljazeera.net/news/arabic/2009/3/7/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%8A%D9%82%D8%B7%D8%B9-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%87-%D9%85%D8%B9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D9%8A%D8%AA%D9%87%D9%85%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%8A
4- برقية لـ"بانا ابريس" عن فشل وساطة بين هراري ولندن (نُشر بتاريخ:17  فبراير/شباط 2007)، على الرابط: http://www.panapress.com/%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%AC%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D8%A9-%D9%84%D8%A5%D9%86%D9%87%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D9%89-%D9%88%D9%84%D9%86%D8%AF%D9%86--13-365309-18-lang3-index.html
5- برقية إخبارية عن مؤتمر صحفي مشترك بين وزيري الخارجية الإيراني والغيني (نُشرت بتاريخ:2  مايو/أيار 2010) على الرابط: http://www.alquds.com/news/article/view/id/170543
6- تقرير عن ارتفاع معدلات التبادل التجاري بين إيران وإفريقيا على الموقع الإلكتروني لقناة العالم الإيرانية، (نُشر بتاريخ:30  أكتوبر/تشرين الأول 2010)، على الرابط: http://www.alalam.ir/news/30542
7- مقابلة مع الشيخ عبد المنعم الزين، موقع مجلة مقاربات اللبنانية، (نُشرت بتاريخ: 26 يونيو/حزيران 2012)، وفيها يتحدث الزين عن وجود 50 منظمة مرخصة باسم آل البيت في السنغال وحدها، ويتبع لها عشرات المساجد والمؤسسات التعليمية في غرب إفريقيا ككل، وتمتلك "المؤسسة الإسلامية الاجتماعية" في السنغال وحدها عشرات المدارس التي يتراوح تلاميذ الواحدة منها ما بين 8000 و10000، كما يتبع لها مستشفى عالج أكثر من مليون مريض سنغالي، ونُشرت المقابلة على الرابط: http://www.mouqarabat.com/EventDetail.aspx?id=24#.VTjwwdJ_Oko
8- مقابلة مع الشيخ محمد قانصو، نائب رئيس المؤسسة الإسلامية الاجتماعية في السنغال، مع وكالة الأخبار الموريتانية، (نُشرت بتاريخ: 6 فبراير/شباط 2015)، يؤكد فيها أن الحديث عن الوجود الشيعي في المنطقة "كلام يراد منه التهويل والتخويف"، ونُشرت المقابلة على الرابط: http://alakhbar.info/intrep/interv/8087-2015-02-06-12-38-59.html

نبذة عن الكاتب