الاقتصاد الأردني: اختلالات وتحديات

يعاني الأردن من أزمة اقتصادية خانقة؛ حيث ترتفع مؤشرات البطالة والمديونية العامة والعجز في الموازنة، وزاد من حدتها تراجع المساعدات الخارجية وارتفاع تكاليف اللجوء السوري، ولجوء الحكومات لحلول تقليدية أهمها زيادة الضرائب على المواطنين.
2e7ed10610c44b84a54dd724e0010a04_18.jpg
بيانات البنك المركزي الأردني تؤكد ارتفاع مستوى الإنفاق العام على الإيرادات العامة للدولة خلال العقد الأخير (الجزيرة)

يُعَدُّ الاقتصاد الأردني من الاقتصاديات الناشئة المفتوحة على العالم الخارجي، وهو عرضة للعديد من الصدمات على المستوى المحلي والخارجي؛ وقد حاولت هذه الورقة تلخيص المشاكل التي يعاني منها هذا الاقتصاد والاستحقاقات المترتبة عليه، إضافة إلى السياسات الواجب على صانعي السياسات في الأردن اتباعها للخروج من هذه المعضلة. ومن أبرز هذه المشاكل: ضعف هيكل الإنتاج، وعجز الموازنة، وارتفاع الدَّيْن العام الداخلي والخارجي، فضلًا عن ضرورة حل مشكلتي الفقر والبطالة، والعمل على خفض عجز الموازنة والدَّين العام الداخلي والخارجي، وعجز ميزان المدفوعات؛ وهذا يتطلَّب من صانعي السياسات تعزيز دور الاستثمار المحلي والأجنبي، والبحث عن أسواق جديدة للمنتجات الأردنية وتنويع مصادر الدخل. 

يُعَدُّ الاقتصاد الأردني واحدًا من اقتصادات الشرق الأوسط المفتوح على العالم الخارجي، وهو يعاني بشكل واضح وجلي من تداعيات الأزمات التي تحدث دوليًّا وإقليميًّا ومحليًّا؛ وبالتالي فهو محاط بالعديد من التداعيات والأزمات التي تؤثِّر فيه بشكل كبير، ويمكن تلخيص أهم المشاكل التي يُعاني منها الاقتصاد الأردني في الآتي: 

أولاً: اقتصاد غير مُنْتِج: أي إنه يعتمد فقط على قطاع الخدمات والتجارة والسياحة، وبعض الصناعات الاستخراجية كالأسمدة والأدوية والفوسفات والبوتاس؛ وهذا يجعل حجم الصادرات الأردنية قليلًا جدًّا مقارنة بحجم ما يُسْتَوْرَد من الخارج من سلع وخدمات، ويُبَيِّن الجدول رقم (1) حجم الصادرات والواردات في الاقتصاد الأردني خلال الفترة (2000-2015) مُقَيَّمة بالدينار الأردني؛ وذلك وفقًا لإحصائيات البنك المركزي الأردني(1). 

جدول رقم (1) يُبيِّن حجم الصادرات والواردات في الأردن للفترة (2000-2015)

السنة

الصادرات

(دينار أردني)

الواردات

(دينار أردني)

2000

1.080.817.000

3.259.404.000

2001

1.352.370.000

3.453.729.000

2002

1.556.748.000

3.599.160.000

2003

1.675.075.000

4.072.008.000

2004

2.306.626.000

5.799.241.000

2005

2.570.222.000

7.442.864.000

2006

2.929.310.000

8.187.725.000

2007

3.183.707.000

9.722.194.000

2008

4.431.113.000

12.060.895.000

2009

3.579.166.000

10.107.696.000

2010

4.216.948.000

11.050.126.000

2011

4.805.873.000

13.440.215.000

2012

4.749.570.000

14.733.749.000

2013

4.805.234.000

15.667.344.000

2014

5.163.029.000

16.280.189.000

2015

4.797.583.000

14.537.181.000

المصدر: البنك المركزي الأردني

ثانيًا: ارتفاع عجز الموازنة العامة: ويُقصد بهذا المفهوم ارتفاع مستوى الإنفاق العام على الإيرادات العامة للدولة خلال فترة زمنية معينة؛ مما يعني حدوث فجوة مالية "Fiscal Gap" بين الإيرادات العامة والنفقات العامة؛ التي تقاس بالفرق بين الإيرادات والنفقات العامة، وتحسب كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي "Gross Domestic Product GDP"؛ وبالرجوع إلى بيانات البنك المركزي الأردني نلاحظ الفرق بين إجمالي الإيرادات العامة والنفقات العامة للفترة من (2004-2015) وذلك كما هو مُبَيَّن في الجدول أدناه(2). 

جدول رقم (2) يوضح إجمالي النفقات والإيرادات العامة في الأردن للفترة (2004-2015)

السنة

الإيرادات العامة

(دينار أردني) 

النفقات العامة

(دينار أردني)

الفجوة المالية(*)

2004

2.958.500.000

3.180.500.000

-222.000.000

2005

3.062.800.000

3.539.900.000

-477.100.000

2006

3.468.800.000

3.912.300.000

-443.500.000

2007

3.971.000.000

4.586.000.000

-615.000.000

2008

4.783.300.000

5.431.000.000

-692.700.000

2009

4.526.200.000

5.975.900.000

-1.449.700.000

2010

4.662.800.000

5.708.000.000

-1.054.200.000

2011

5.415.800.000

6.796.600.000

-1.380.800.000

2012

5.054.500.000

6.878.100.000

-1.823.600.000

2013

5.758.200.000

7.065.400.000

-1.307.200.000

2014

7.276.600.000

7.851.100.000

-583.500.000

2015

6.796.300.000

7.722.900.000

-926.600.000

المصدر: البنك المركزي الأردني

(*) حسابات قام بها الباحث لحساب الفجوة المالية

ثالثًا: ارتفاع الدين العام الداخلي والخارجي: وذلك بهدف تمويل العجز في الموازنة العامة للدولة ولتمويل القروض المكفولة لشركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه؛ فوفقًا لإحصائيات البنك المركزي فقد بلغ الدين الداخلي للدولة لعام 2014 ما مقداره 14.621.000.000 مليار دينار، مقارنة بـ  15.486.000.000  مليار دينار عام 2015، وبنسبة نمو بلغت 5.9%؛ أما الرصيد العام للدين العام الخارجي فقد بلغ في عام 2014 ما مقداره 8.030.100.000 مليار دينار مقارنة بـ  9.390.050.000 مليار دينار عام 2015، ويُشَكِّل الدين العام ما نسبته 86.2% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي(3)(4)(5). 

رابعًا: معدلات البطالة: معدلات البطالة في الأردن مرتفعة بشكل عام، وتشكِّل عبئًا كبيرًا على الحكومات المتعاقبة؛ فمعدلات البطالة المرتفعة مزمنة؛ أي إنها مرتفعة لفترات زمنية طويلة، وعند الرجوع إلى وزارة العمل الأردنية والتقارير السنوية الصادرة عنها للفترة (2013-2015)، نلاحظ أن معدلات البطالة كانت 12.6% في عام 2013، و11.9% عام 2014، و13% عام 2015؛ وهذا دليل واضح على ضعف معدلات النمو الاقتصادي، وعدم قدرة الاقتصاد على إيجاد وظائف جديدة وتشغيل الراغبين في العمل والقادرين عليه عند مستويات الأجور السائدة في السوق، وعدم ملاءمة منظومة التعليم الحالية (لخريجي الجامعات) لمتطلَّبات سوق العمل(6). 

خامسًا: ارتفاع معدلات الضرائب في الأردن: وخصوصًا الضرائب غير المباشرة؛ ولكن على السلع الأساسية، الأمر الذي يعني أنها تُصيب الجميع، ولا أحد يستطيع التملُّص منها؛ ومن تلك الضرائب ما هو مفروض على الماء والكهرباء، والمشتقات النفطية، والأدوية، وملابس الأطفال، والسيارات، وغير ذلك الكثير؛ الأمر الذي أدى إلى انخفاض معدلات الدخول الحقيقية للأفراد والمجتمع، وبلغت الإيرادات الضريبية في عام 2014 ما مقداره 4.073.100.000 مليارات دينار مقابل 4.096.300.000 مليارات دينار عام 2015. ويُوَضِّح الجدول أدناه حجم الإيرادات الضريبية في الأردن خلال الفترة (2010-2015)(7). 

جدول رقم (3) يُبيِّن حجم الضرائب في الأردن للفترة (2010-2015)

السنة

الإيرادات الضريبية

(دينار أردني)

2010

2.986.300.000

2011

3.062.200.000

2012

3.351.400.000

2013

3.652.400.000

2014

4.073.100.000

2015

4.096.300.000

المصدر: البنك المركزي الأردني

سادسًا: انخفاض حجم المساعدات الخارجية: انخفض حجم المساعدات الخارجية المقدمة للأردن من 1.236.050.000 مليار دينار عام 2014 إلى 886.200.000 مليون دينار عام 2015؛ وذلك وفقًا لإحصائيات البنك المركزي الأردني(8)، ولا يوجد أدنى شك في أن تلك المساعدات ستتلاشى ولن تكون موجودة أصلاً؛ خصوصًا تلك المساعدات التي كان يتمُّ تقديمها بشكل سنوي من قِبَل دول الجوار الخليجية خاصة السعودية؛ فالمنحة الخليجية التي قُدِّمت على خمس سنوات وكانت تبلغ 5 مليارات دينار استنفدت، ولن تتجدَّد؛ خاصةً أن أسعار النفط العالمية قد انخفضت، وانعكس ذلك بشكل سلبي على إيرادات السعودية النفطية، وأدَّى إلى حدوث عجز في موازنتها؛ بل أدَّى إلى قيامها باتخاذ إجراءات داخلية؛ مثل: تخفيض الرواتب، وإيقاف العديد من المشاريع التي كانت تُمَوَّل من قِبَل الحكومة، ويُشرف عليها القطاع الخارجي؛ إضافة إلى الاقتراض من العالم الخارجي. 

سابعًا: انخفاض عوائد إيرادات القطاع السياحي: يُعَدُّ هذا القطاع من القطاعات المهمَّة في الاقتصاد الأردني؛ إذ إنه يُسهم بما نسبته 13% من الناتج المحلي الإجمالي؛ إلا أن إيرادات هذا القطاع وعدد السياح قد بدأ في الانخفاض وبشكل كبير؛ حيث انخفض عدد السياح من 5.326.501 ملايين سائح عام 2014 إلى 1.127.216 مليون سائح عام 2015؛ ومن ثَمَّ إلى 1.050.608 مليون سائح عام 2016؛ أما بالنسبة إلى الإيرادات فقد انخفضت من 3.106.600 ملايين دينار عام 2014 إلى 624.000 ألف دينار عام 2015؛ ومن ثَمَّ إلى 612.000 ألف دينار عام 2016؛ وذلك وفقًا للإحصائيات الصادرة من وزارة السياحة والآثار الأردنية(9)؛ ولعل من أهم أسباب انخفاض عدد السياح وإيرادات السياحة هو ارتفاع تكاليف الإقامة والزيارة، إضافةً إلى الأوضاع السياسية الراهنة؛ التي بدأت بما يُسَمَّى "أزمة الربيع العربي" عام 2011، وما تلاها من أحداث نراها اليوم؛ تتمثَّل في الحرب الدائرة في سوريا والعراق، أضف إلى ذلك أن أعداد السياح الداخليين قد انخفض -أيضًا- بسبب ارتفاع التكاليف عليهم. 

ثامنًا: ارتفاع تكلفة إيواء اللاجئين السوريين في الأردن: وفقًا للتقديرات الرسمية بلغ عدد اللاجئين السوريين الموجودين في المملكة ما يُقَدَّر بـ 1.3 مليون لاجئ. وتُقَدَّر تكلفة استضافة اللاجئين في الأردن خلال الفترة ما بين (2011 -2015) بنحو 6 مليارات و700 مليون دولار، في حين تبلغ التكلفة التقديرية لخطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية للأعوام (2016 -2018) بنحو 7.9 مليارات دولار موزعة على النحو التالي: دعم مطلوب للاجئين يقدر بـ 2.483 مليار دولار، دعم مطلوب لتمكين المجتمعات المستضيفة يُقدَّر بـ 2.306 مليار دولار، دعم مطلوب للخزينة الأردنية يقدَّر بـ 3.201 مليارات دولار. ووفقًا لتصريحات رسمية سابقة من قبل أحد وزراء الداخلية الأردنيين السابقين، فإن عدد اللاجئين السورين في الأردن قد وصل إلى ما يقارب 1.5 ملايين لاجئ منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 حتى بداية عام 2015. وهو يُشَكِّل تقريبًا ما نسبته 20% من عدد السكان. ووفقًا لتلك التصريحات فإن الانتشار السوري بين محافظات المملكة هو على النحو التالي: العاصمة عَمَّان تحوي 791.172 لاجئًا سوريًّا، إربد 144.214، المفرق 159.519، الزرقاء 67.262، البلقاء 20.212، جرش 11.109، مأدبا 11.337، الكرك 9.549، معان 7.187، عجلون 3.470، الطفيلة 2.073 و2.214 في البوادي. 

كما أن اللجوء السوري قد أسهم في زيادة أعداد المراجعين للمراكز الصحية والمستشفيات الحكومية؛ حيث وصل العدد إلى 1.2 ملايين مراجع، بزيادة نسبتها 20% عمَّا كان قبل الأزمة؛ حيث بلغت تكلفة علاج اللاجئين السوريين 55 مليون دينار. أما في قطاع الزراعة، فإن الأزمة السورية فرضت تحديات؛ أبرزها: انخفاض حجم الصادرات الزراعية إلى الأسواق ذات الأسعار العالية في شرق أوروبا وروسيا وأوكرانيا -من حيث الخضار والفواكه- إلى أكثر من 90% عامي 2011 و2012، باعتبار أنها تُشحن عبر الأراضي السورية؛ كما أن اللجوء السوري والضغط على المساكن، والتوجه إلى العمران، أسهم في تلاشي زراعات الحدائق المنزلية التي تُؤَمِّن للأسر مردودات غذائية ومالية، فضلاً عن دخول المواشي تهريبًا عبر الحدود، وزيادة كلفة الدعم للأعلاف، ومنافسة العمالة الزراعية السورية للمحلية، ورفع أسعار الخضار والفواكه جرَّاء زيادة الطلب عليها. وفي القطاع التعليمي خلَّف اللجوء السوري أثرًا سلبيًّا كبيرًا؛ حيث إن هناك أكثر من 140 ألف طالب وطالبة سوريين أسهموا في عودة نظام الفترتين في المدارس الحكومية؛ إضافة إلى الآثار الاجتماعية والمعيشية؛ مثل: ارتفاع أجور السكن، واتساع ظاهرة زواج القاصرات، وزيادة نسبة التسول(10)(11). 

تاسعًا: وجود شبهات فساد ذات أثر مالي كبير في الأردن: هنالك العديد من قضايا الفساد التي ظهرت على السطح في الأردن؛ وكان لها أثر كبير على مصداقية الأردن وكيفية التعامل معها؛ منها: الاختلاسات في قضية الفساد الكبرى؛ التي تُسمَّى قضية "التسهيلات المصرفية"؛ التي قُدِّرت بـ 150 مليون دولار عام 2002، وقضية التجاوزات في بيع أراضي الساحل الجنوبي (رأس اليمانية) من أراضي منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، وقيام مجلس مفوضي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ببيع الأراضي ذوات الأرقام (19، 18، 17، 16، 3، 2، 1) والشوارع الواقعة بينها؛ التي تقع في الشاطئ الجنوبي (مرتفعات اليمانية) والبالغ مساحتها (178.313)م2 بمبلغ إجمالي 6.2 ملايين دينار لصالح شركة زارة للاستثمارات السياحية بناء على مذكرة مرفوعة من قبل المفوض لشؤون البنية التحتية والخدمات، دون طرح عطاء بذلك؛ حيث خُفِّض سعر الأرض من 15 مليون دينار إلى 6.2 ملايين دينار، وكان ذلك عام 2012. 

أمَّا في عام 2011 فقد برزت قضية شركة الفوسفات؛ التي تَصَدَّر مديرها العام قضيتها باختلاسات بلغت قيمتها 950 مليون دينار أردني، ولاذ بعدها بالفرار إلى أوروبا، ولم يتمكَّن القضاء الأردني حتى الآن من الإمساك به، وتُقَدَّر المبالغ المختَلَسة التي يكتشفها ديوان المحاسبة في الأردن سنويًّا ما بين (1.25) مليون دولار إلى (6) ملايين دولار(12)(13)(14)؛ ويُبَيِّن الجدول أدناه عدد قضايا الفساد التي سُجِّلت خلال الفترة (2010-2014)(15). 

جدول رقم (4) يُظهر حجم القضايا التي سجلت خلال الفترة (2010-2014)

السنة

2010

2011

2012

2013

2014

عدد القضايا

1026

714

139

213

151

المصدر: هيئة مكافحة الفساد

وتفاوتت تلك القضايا ما بين إساءة استعمال السلطة، وهدر المال العام، وواسطة ومحسوبية، والإخلال بالواجبات الوظيفية، واحتيال واستثمار الوظيفة والتزوير. وحسب التصنيف العالمي لمؤشرات الفساد؛ الذي يتم وضعه من قِبَل منظمة الشفافية العالمية (Transparency International) احتل الأردن عام 2016 المركز 57 بعلامة 48، وكان ترتيب علاماته خلال الفترة (2012-2016) كما هو مُبَيَّن في الجدول أدناه(16). 

جدول رقم (5) يُبيِّن ترتيب علامات الأردن حسب مؤشر الفساد العالمي

السنة

2012

2013

2014

2015

2016

العلامة

48

45

49

53

48

المصدر: منظمة الشفافية العالمية

وعلى الرغم من تلك المصاعب التي يعاني منها الاقتصاد؛ فإنه يمكن القول: إن الأردن لا يزال يتمتع حتى الآن بالاستقرار الأمني، ويحافظ على نوعٍ من الاستقرار الاقتصادي؛ يتمثَّل في احتفاظه بربط سعر صرف عملته المحلية (الدينار) بالدولار الأميركي؛ ولكن في ظلِّ تفاقم تلك المشاكل وزيادة الضغط على ميزان المدفوعات وزيادة العجز في الموازنة، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض حجم الاحتياطيات الدولية من العملات الصعبة؛ مما قد ينجم عنه تخفيض سعر صرف الدينار مقابل العملات الأخرى. 

أهم التحديات المقبلة 

تتمثل التحديات المقبلة للحكومة في عدة محاور؛ منها:

أولاً: حل مشكلتي البطالة والفقر المنتشرين في المجتمع الأردني بشكل كبير جدًّا؛ وذلك بسبب انخفاض مستويات الدخول أو الأجور، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل، وعدم قدرة الاقتصاد الأردني على التوظيف بسبب صغر حجمه. 

ثانيًا: العمل على حلِّ مشكلة العجز في الموازنة؛ وذلك من خلال دراسة أسباب وجود هذا العجز، والعمل على الحدِّ من الإنفاق؛ خاصة الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الحكومي غير المبرَّر، إضافة إلى تشجيع الصادرات الوطنية، وعمليات الإنتاج المحلية، وتحفيز السياسات الاقتصادية المؤدية إلى ذلك، القائمة على جلب المستثمرين المحليين والأجانب على حدٍّ سواء لتحفيزهم على الاستثمار في الأردن. 

ثالثًا: العمل على خفض العجز في ميزان المدفوعات، فحجم الواردات وقيمتها بالدولار كعملة أجنبية تفوق حجم الصادرات (وقيمتها بالدولار كعملة الأجنبية)، وهذا يعني أن حساب الميزان الجاري يكون دائمًا لصالح الواردات، أو يكون دائمًا فيه عجز؛ مما يعني أن تمويل ذلك العجز يتطلَّب اللجوء إلى الاحتياطيات الدولية الموجودة لدى البنك المركزي الأردني لتمويل ذلك العجز، أو اللجوء إلى الاقتراض الخارجي والداخلي على حدٍّ سواء، وبالتالي يرتفع صافي الدين العام وترتفع خدمة الدين؛ وهو حاليًّا مرتفع جدًّا؛ حيث إن نسبته تصل إلى 84% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2015، وربما وصلت إلى أكثر من ذلك عام 2016؛ مما يؤكد بالضرورة الرجوع إلى أزمة عام 1989؛ وبالتالي انهيار سعر صرف الدينار الأردني أمام العملات الأخرى. 

رابعًا: العمل على تنويع مصادر الدخل؛ فالأردن يعتمد في دخله على المساعدات الخارجية من دول الجوار الخليجي؛ (وبالتالي يمكن القول: إنه اقتصاد نفطي بهذا المعنى)، وهذه المساعدات لن تستمر ما دامت أسعار النفط منخفضة؛ وبالتالي فإن دول الخليج غير قادرة على الاستمرار في تقديم الدعم. كما يعتمد اقتصاده كذلك على تحويلات العاملين في الخارج، وفي ظل الوضع الراهن، فإن هنالك حالة من الارتياب حول استمرار عمل هؤلاء المغتربين في الخارج؛ لاسيما أن معظمهم يعمل في دول الخليج، وقد تضطر تلك الدول إلى الاستغناء عن عدد كبير منهم؛ خاصة في قطاع الإنشاءات والقطاعات الحكومية الأخرى، أو ربما تعمل على تخفيض أجورهم؛ وبالتالي استمرار الاعتماد على ذلك المصدر غير ممكن أيضًا؛ هذا إضافة إلى أن الاعتماد على الضرائب -وبشكل كبير- مصدرًا للدخل أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وعدم رغبة المستثمرين في الاستثمار في الأردن. 

وفي ظل الوضع الراهن فإنه يمكن القول: إن الحكومة الأردنية الحالية غير قادرة بسياساتها إلى الآن على التعامل مع المشاكل الاقتصادية التي تواجهها، وهي تلجأ إلى فرض المزيد من الضرائب على الشعب بهدف زيادة إيراداتها؛ وذلك دون البحث عن حلول جديدة مبتكرة؛ أي إن حال الحكومة هي حال الحكومات السابقة كحكومة جباية، ولا يُوجد لديها سياسات اقتصادية واجتماعية مستقلة وجديدة للتعامل مع المشاكل التي تواجهها.  

أما أهم الإجراءات التي على الحكومة أن تعتمدها في مواجهة هذه التحديات:

أولاً: تعزيز دور الاستثمار المحلي والأجنبي، وتقديم كافة أشكال الدعم له؛ وهذا يتطلَّب من الحكومة اتخاذ سياسات اقتصادية مبنية على نظام السوق المفتوحة، تأخذ بعين الاعتبار تسهيل الإجراءات وجلب الاستثمارات ذات القيمة المضافة، وتقديم حوافز مالية بأشكال متعددة؛ مثل: خفض معدلات الفائدة على القروض الإنتاجية، وتخفيض الأعباء الضريبية، ودعم إقامة الصناعات المحلية، إضافة إلى تسهيل الإجراءات وعدم تعقيدها؛ وذلك بهدف خفض تكاليف الإنتاج. 

ثانيًا: البحث عن أسواق جديدة لتصريف المنتجات الأردنية، وعدم الاعتماد على الأسواق التقليدية فقط؛ كأسواق الخليج، وسوق العراق؛ الذي قام مؤخرًا بفرض قيود جمركية على دخول البضائع الأردنية إليه. وهذا يتطلَّب سياسات تتعلَّق بتعزيز دور الصناعات المحلية ودعمها، والعمل على تطوير متطلبات الجودة العالمية فيها، ووضع ميزات تفضيلية للمنتجات تضاهي تلك الموجودة في المنتجات الأجنبية الأخرى؛ وهذا يتطلب أن يكون السعر منافسًا في السوق، ويُرَوَّج للمنتج بشكل صحيح، وأن يكون متوافرًا بشكل دائم. 

ثالثًا: تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على المصادر التقليدية؛ فمصادر الدخل في الأردن بشكل عام تعتمد على تحويلات العاملين والمساعدات الخارجية والإيرادات الضريبية، وفي ظل الظروف الحالية فإن تحويلات العاملين والمساعدات الخارجية لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير، كما أن زيادة الضرائب من وقت لآخر على المجتمع ستستهلك جيوب المواطنين ودخولهم الحقيقية؛ مما يتطلب تبنِّي سياسة البحث عن مصادر دخول أخرى، مثل: الكشف عن النفط من الزيت الصخري واستخراجه، والترويج السياحي الفعَّال للأردن، وخفض تكاليف السياحة الداخلية والخارجية، والاستثمار في البحث والتطوير، ويمكن النظر إلى تجارب الدول الأخرى؛ كتجربة دولة الإمارات المتحدة؛ التي تعتمد فقط على 30% من إيراداتها من النفط، والبقية تأتي من مصادر التجارة الإلكترونية. 

رابعًا: محاربة الفساد والواسطة والمحسوبية، والحدُّ من البطالة والفقر؛ وهذا يتطلَّب تطبيق التشريعات والقوانين والأنظمة على الجميع دون محابة لجهة معينة، ووضع عقوبات رادعة. 

خامسًا: إيجاد البنى التحتية الضرورية اللازمة لتحسين دور الاستثمار؛ مثل: مشروعات فتح الطرق الرئيسية والفرعية، ومشروعات تمديدات المياه، وتمديدات الصرف الصحي، والمخططات العمرانية، ومشروعات البناء والإسكان، وتمديدات الكهرباء، وتوليد الطاقة، وكذلك مشروعات التنمية الاجتماعية في مجالات التعليم والصحة والاتصالات؛ إضافة إلى المشروعات التي تتعلق بالنشاط الاقتصادي لإنتاج السلع والخدمات في القطاعات الإنتاجية والخدمية؛ مثل: الصناعة، والزراعة، والإسكان، والصحة، والتعليم، والسياحة. 

سادسًا: الحدُّ من عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات؛ وهذا يتطلَّب تبنِّي سياسات اقتصادية تعتمد على تنويع مصادر الدخل الموجودة وزيادتها، وتقليص حجم الإنفاق خاصة غير المبرَّر، وزيادة مستوى الاستثمار، وخفض معدلات التضخُّم، وتعزيز دور الصناعات الوطنية، والحد من المستوردات الخارجية، والبحث عن الموارد الاقتصادية واستخراجها كالنفط والغاز؛ وذلك بدلاً من الاعتماد على الدول الأخرى في الحصول عليها؛ وبالتالي تحميل الموازنة المزيد من الأعباء. 

خاتمة 

يعاني الاقتصاد الأردني من مشاكل جمة؛ بدأت منذ نهاية عام 1988، ولا تزال آثارها بارزة حتى الآن. وازدادت وتيرتها مع الأعباء التي زادت عليه بدءًا من ظهور ما يُسَمَّى بـ"الربيع العربي" ومرورًا بالأحداث الإقليمية والدولية التي انعكست عليه بشكل سلبي، ولابُدَّ أن تكون هنالك رؤية ثاقبة لدى الاقتصاديين والسياسيين للخروج إلى برِّ الأمان من هذه الأزمات، وإلا ستحل بالأردن أزمة اقتصادية شبيهه بما حلَّ به عام 1989.

______________________________

مالك خصاونة- أكاديمي في جامعة طيبة، المدينة المنورة.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1-             البنك المركزي الأردني، التقارير السنوية، أعداد مختلفة، (2000-2015)، (جدول رقم 1)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017):

http://statisticaldb.cbj.gov.jo/index?action=level4

2-             البنك المركزي الأردني، التقارير السنوية، أعداد مختلفة، (2004-2015)، (جدول رقم 2)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017):

http://statisticaldb.cbj.gov.jo/index?action=level4

3-             الغد، صحيفة، "صندوق النقد" يؤكد أن الإصلاحات بدأت تظهر على الاقتصاد الأردني، إجمالي الدين العام يبلغ 25 مليار دينار"، (18 من إبريل/نيسان 2016)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017): إضغط هنا.

4-             البنك المركزي الأردني، التقارير السنوية، أعداد مختلفة، الدين الداخلي والخارجي، (2014-2015)، (1 من فبراير/شباط 2017)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017):

http://statisticaldb.cbj.gov.jo/index?action=level4

5-             نيوز عربية، سكاي، "ارتفع صافي الدَّين العام المستحق على الأردن في نهاية يونيو/حزيران 2.8%، إلى 23.497 مليار دينار (33.14 مليار دولار)، مقارنة مع 22.847 مليار دينار في نهاية 2015"، (23 من أغسطس/آب 2016)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017):

http://www.skynewsarabia.com/web/article/868712/

6-             وزارة العمل الأردنية، التقارير السنوية، أعداد مختلفة، (2013-2015)، (1 من فبراير/شباط 2017)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017): إضغط هنا.

http://www.mol.gov.jo/EchoBusV3.0/SystemAssets/2014.pdf

http://www.mol.gov.jo/Echobusv3.0/SystemAssets/PDFs/AR/Annual%20reports/2015.pdf

7-             البنك المركزي الأردني، التقارير السنوية، أعداد مختلفة، (2010-2015)، (جدول رقم 3)، (1 من فبراير/شباط 2017)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017):

http://statisticaldb.cbj.gov.jo/index?action=level4#

8-             البنك المركزي الأردني، التقارير السنوية، أعداد مختلفة، حجم المساعدات الخارجية، (2014-2015)، (1 من فبراير/شباط 2017)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017):

http://statisticaldb.cbj.gov.jo/index?action=level4

9-             وزارة السياحة والآثار الأردنية، التقارير السنوية، أعداد مختلفة، (2014-2016)، (1 من فبراير/شباط 2017)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017):

http://www.mota.gov.jo/Contents/Tourism_Statistical_Newsletter_2016Ar.aspx

http://www.mota.gov.jo/Contents/Tourism_Statistical_Newsletter_-_201Ar.aspx

10-           العمري، عمر، صوالحة، إسلام، "بالأرقام، كيف تحمَّل الأردن أعباء اللجوء السوري نيابة عن العالم"، صحِّح خبرك، (15 من فبراير/شباط 2016)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017):

http://www.sahehkhabarak.com/NewsDetails.aspx?id=19754

11-           الغد، صحيفة، "أزمة اللجوء السوري 1.5 مليون لاجئ يثقلون كاهل الأردن اقتصاديًّا واجتماعيًّا"، (1 من يناير/كانون الثاني 2015)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017):

http://www.alghad.com/articles/845569

12-           الغرايبة، إبراهيم، "الفساد في العالم العربي، متمأسس ومتمكن"، (3 من أكتوبر/تشرين الأول 2004)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017): إضغط هنا.

13-           انظر الموقع الإلكتروني الأردني: الصوت، "اقرأ تفاصيل 15 قضية فساد في الأردن"، (27 ديسمبر/كانون الأول 2013). إضغط هنا.

14-           الهلال نيوز، "مجموع اختلاسات المتهم الفار من وجه العدالة وليد الكردي من شركة الفوسفات؛ التي بلغت نحو (950) مليون دينار"، (12 من مارس/آذار 2014)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017): إضغط هنا.

15-           هيئة مكافحة الفساد الأردنية، التقارير السنوية، أعداد مختلفة، (2010-2014)، (1 من فبراير/شباط 2017)، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2017):

http://www.jacc.gov.jo/Portals/0/FinalAnnual%20Report.pdf

إضغط هنا.

http://www.jacc.gov.jo/Portals/0/AnnualReport2012.pdf

إضغط هنا.

http://www.jacc.gov.jo/Portals/0/AnnualReport2014.pdf

16-           International, Transparency, "corruption Perception Index 2016, (1 Feb/ 2017), (Visited on 1 February 2017): إضغط هنا.