مصر في حسابات السياسة الخارجية السودانية

يتناول هذا التقرير مصر في الحسابات الخارجية السودانية، موضحًا ثوابتها ومتغيراتها، وكيف تتعامل الخرطوم وفق تلك الحسابات، ويقدِّم الكاتب قراءة للعقبات التي تؤثِّر غالبًا في الحسابات السودانية تجاه مصر محاولًا الوقوف على جوانبها المختلفة والدوائر المتحكمة في تلك العقبات.
933e290ec4b7440da17ac2071005c0e4_18.jpg
(الجزيرة)

مصر في الحسابات السياسية السودانية موضوع يقيده التاريخ وتؤطِّره الجغرافيا وتؤثِّر فيه المواقف السياسية بحيث لا يمكن استكناهه دون استنطاق التاريخ والجغرافيا والسياسة. كانت مصر متحفظة على استقلال السودان وظلت علاقة عبد الناصر بإسماعيل الأزهري غير ودية. كما ظل ملف السودان منذ الاستقلال وإلى اليوم في عهدة جهاز الاستخبارات المصري، وكان معظم سفراء مصر إلى السودان من العناصر الأمنية والاستخباراتية. وما فتئت قسمة مياه النيل تشكِّل هاجسًا هنا وهناك، فالقاهرة ترى أن لها حقوقًا في النيل حددَّتها اتفاقية 1929 في حين ترى الخرطوم وأغلب دول المنبع أن تلك الاتفاقية كرَّست قسمة غير منصفة لمياه النيل. وظلَّت مشكلتا حلايب وشلاتين جانبًا مهمًّا من الحسابات السياسية السودانية تجاه مصر؛ حيث تؤكد الخرطوم أن وجود مصر في المنطقة "احتلال عسكري"، وهو ما ترفضه مصر. وقد تم الاتفاق بين البلدين على تنفيذ الحريات الأربع: الإقامة والتنقل والتملك وحق العمل. وإذا كان السودان قد طبَّق منذ 2004 هذه الحريات عدا التملك للأجانب الذي يمنعه القانون السوداني، فإن مصر لم تفعل نفس الشيء، وإن كانت تسمح لأعداد كبيرة من السودانيين بالإقامة في مصر، ولكنها تعاقبهم حين تسوء علاقتها بالسودان. ومع أن الخرطوم ترغب في البُعد عن أية مشكلات مع القاهرة إلا أن العقبة التي تعترض مسيرة العلاقات الحسنة تأتي في أغلب الأحيان من الأجهزة الأمنية ومن بعض وسائل الإعلام ومن القرارات الفوقية التي تتأثر بجماعات الضغط الداخلية والخارجية.

مقدمة 

لخصت الدكتورة أماني الطويل، المختصة بالشأن السوداني ومديرة الوحدة الإفريقية في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، مسيرة العلاقات المصرية السودانية بقولها: "(إن) العلاقات المصرية-السودانية لم تخرج من نفق الوضع المأزوم طوالَ تاريخها، لتقدم نموذجًا فريدًا من المد والجزر في حركة دائرية تأبى أن تتقدم إلى الأمام"(1)، وأحسبها صادقة في تقديرها. ولكن السؤال: ما السبب وراء ذلك الوضع المأزوم المتذبذب؟ يفسِّر الدكتور أمين حسن عمر، القيادي البارز في حكومة الإنقاذ منذ قيامها، أزمة العلاقات بقوله: "إن عقدة العلاقات السودانية-المصرية هي التعالي والاستكبار المصري على السودان المستند على أن السودانَ لا يعدو كونه من الأملاك المصرية"(2)، وأظن أن معظم قطاعات النخبة السودانية السياسية والمتعلمة تشاركه ذلك الرأي. 

عرف السودانُ مصرَ في العصر الحديث من خلال الغزو المسلح الذي أرسله محمد علي باشا للبلاد في عام 1821 من أجل استيراد عبيد أقوياء عُرفوا بالبأس وتحمل المصاعب والانقياد لسادتهم مما يجعلهم مثلًا أعلى للجندية التي يريدها لتوسيع إمبراطوريته؛ ومن أجل الحصول على الذهب الذي سمع بأنه موجود بكثرة في جنوب السودان ويحتاجه لدعم نشاطه العسكري والصناعي والزراعي(3). تولَّى قيادةَ غزو السودان ابنُه إسماعيلُ الذي دحر بسهولة مملكة الشايقية والجعليين في الشمال؛ واستسلم له سلطان سنار، بادي السادس، دون قتال. وفي طريق عودته لمصر ارتكب إسماعيلُ حماقةً دفع حياتَه ثمنًا لها؛ فقد فرض ضريبة باهظة على ملك الجعليين تقدر بنحو عشرين ألف جنيه وهو مبلغ تقصر عنه موارد القبيلة مجتمعة، اعترض الملك نمر على ذلك بقوة فما كان من الباشا الشاب (27 سنة) إلا أن صفعه بغليونه على وجهه أمام حاشيته. وتلك مذمَّة في السودان لا يغسلها إلا الدم! سكت الملك نمر على مضض وأظهر الخضوع إلا أنه دبَّر مكيدة أحرق بها الباشا وحاشيته ليلًا وهم نيام. ولما سمع الدفتردار (صهر الخديوي)، الذي كان يقود جيشًا إلى كردفان التي ارتكب فيها مجازر شنيعة، بما حدث، قاد حملة انتقامية خرَّب فيها منطقة الجعليين وقتل وأسر الآلاف منهم. تركت تلك الحوادث المتعاقبة أثرًا سيئًا في نفوس أهل السودان نحو الأتراك حتى اقترن اسمهم بكل ما هو جائر وظالم(4). 

أرسل الخديوي إسماعيل (1863-1879) الرحالة الإنجليزي، صمويل بيكر، ليُخضع له حوض ومنابع النيل مقابل مرتب سنوي كبير، ففعل بيكر ذلك بعد معارك ضارية ومعاملة وحشية للمواطنين. وخَلَفَ الضابط تشارلز غردون بيكر على حكم الاستوائية، وأصبح فيما بعد حكمدارًا على السودان في 1877. وكان السودان بمثابة منفى للموظفين المصريين غير المرغوب فيهم، وانطبق ذلك حتى على رائد التحديث في مصر، رفاعة رافع الطهطاوي، الذي أُرسل إلى السودان عام 1850 ناظرًا لمدرسة ابتدائية، فبقي فيه على مضض وكتب قصيدة يهجو فيها السودان وأهله جاء فيها:

وما السودانُ قطُّ مُقامَ مثلي ... ولا سَلْمَايَ فيه ولا سُعادِي

بها ريحُ السموم يُشمُّ منه ... زفيرُ لظى فلا يطفيه وادي

ونصف القوم أكثره وحوشًا ... وبعض القوم أشبه بالجمادي 

انحاز السودانيون للدعوة المهدية كراهية في حكم التركية السابقة وإيمانًا بورع الإمام المهدي وصدق دعواه، وخاض المهدي عدَّة معارك ضد جيوش التركية فانتصر عليها حتى استولى على الخرطوم وقتل غردون باشا في يناير/كانون الثاني 1885(5). سيطرت السلطة المهدية على البلاد حتى عام 1898 حين جاء الغزو المصري مرة ثانية بمشاركة وقيادة إنجليزية، وهُزم جيش المهدية المستبسل بقوة الأسلحة النارية، واستشهد من الأنصار أعدادٌ غفيرة تُقدَّر بأكثر من عشرة آلاف. وَصَفَ المراسل الحربي البريطاني، جي دبليو ستيفنس، مشهد المعركة بقوله: لقد كان هذا اليوم آخر أيام المهدية ولكنه بحق أعظمها على الإطلاق، لم يتراجع العدو قط، ولم تكن (كرري) معركة بل كانت واقعة إعدام بأسلحة فتاكة! ولا عجب أن ظلت طائفة الأنصار وحزب الأمة، يُحمِّلون الحكومة المصرية وزر جلب بريطانيا إلى السودان في 1898، والقضاء على دولة المهدية الوطنية المستقلة. ووقف حزب الأمة فيما بعد معارضًا بشدة فكرة وحدة وادي النيل المستندة على حق الفتح أو الوحدة السيادية التي سعت إليها حكومات مصر في العهد الملكي(6). 

الحكم الثنائي 

عقدت كل من الحكومة البريطانية والحكومة المصرية اتفاقية الحكم الثنائي في يناير/كانون الثاني 1899، والتي نصَّت على رفع العلمين البريطاني والمصري في السودان، وأن تكون السلطة العليا العسكرية والمدنية بيد الحاكم العام الذي يعينه الخديوي بناءً على ترشيح من الحكومة البريطانية. وكان الحاكم العام والمديرون والمفتشون في إدارة السودان من العسكريين البريطانيين ومساعدوهم من المصريين. وعندما اغتيل سير لي ستاك حاكم عام السودان في سنة 1924 بالقاهرة، أبعدت بريطانيا الوحدات العسكرية المصرية من السودان(7). انفردت الإدارة البريطانية بحكم السودان لتغير قوانينه وكيفية إدارته ونظم تعليمه ولغته الرسمية، وأطلقت يد المبشرين المسيحيين في الجنوب ليسيطروا على خدمات التعليم والصحة، وأصدرت قانون المناطق المقفولة التي شملت الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق. وعانى السودان كثيرًا من جرَّاء ذلك الفصل العِرقي والثقافي مما أدى مؤخرًا لفصل الجنوب. 

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية التي فتحت الباب لاستقلال المستعمرات، نشأت الأحزاب السودانية وطالبت بالاستقلال وتقرير المصير. تبلور المشهد السياسي في مصر في معظمه على الإيمان بسيادة مصر على السودان إلى الحدِّ الذي أسقط حكومة إسماعيل صدقي في عام 1946، وجعل محمود فهمي النقراشي يتعهد أمام البرلمان بالعمل على وحدة وادي النيل تحت التاج المصري(8). ولكن حكومة الثورة المصرية في يوليو/تموز 1952 قبلت بالفصل بين مسألتي السودان والجلاء عن مصر، وقبلت بحق السودان في تقرير مصيره إلا أنها عملت لقيام اتحاد مع السودان(9). أرسلت حكومة الثورة المصرية الصاغ صلاح سالم لاستكشاف أوضاع السودان وتوحيد الأحزاب الاتحادية ومقابلة كل القوى السياسية لتتخذ موقفًا موحدًا من اتفاقية الحكم الذاتي القادم. وقد نجح صلاح سالم في توحيد كل الأحزاب السياسية خلف مطالب الحكومة المصرية التي رفعتها لبريطانيا، فيما يتعلق بجنوب السودان وسلطة لجنة الحاكم العام وموضوع السودنة والانتخابات وجلاء الجيوش الأجنبية عن السودان. وعليه، تمت موافقة الحكومة المصرية والحكومة البريطانية على قانون الحكم الذاتي للسودان وفقًا لرغبة السودانيين(10). 

أهم قضايا الاختلاف والاشتباك بعد الاستقلال 

أهم القضايا التي كانت مثار اختلاف واشتباك بين الحكومات السودانية والحكومة المصرية بعد نيل السودان استقلاله في يناير/كانون الثاني 1956، نجملها فيما يلي:

1. موقف مصر من استقلال السودان: تم الاتفاق بين بريطانيا ومصر على استقلال السودان بناءً على موافقة حكومة الثورة المصرية على مبدأ تقرير المصير، وهذا أمر يُحمد لها إلا أن غصَّة كانت في حلق الكثيرين من ذلك الموقف(11). فقد اتهم عبد الناصر صلاح سالم بتضليله في شأن السودان مما دفع مجلس الثورة لأن يصدر قرارًا بقبول استقالة صلاح سالم من مهامه وزيرًا لشؤون السودان. ولعل تقديرات عبد الناصر المبنية على معلومات صلاح سالم هي التي جعلته يعترض على حضور الوفد السوداني برئاسة إسماعيل الأزهري في مؤتمر باندونغ عام 1955، وطلب منه الجلوس خلف الوفد المصري باعتبارهم جزءًا من مصر؛ فرفض الأزهري بحزم، وقال: نحن على أبواب الاستقلال ولابد أن نمثِّل الشعب السوداني؛ لأن هذا المؤتمر يمثل الشعوب. وقال عبد الناصر: "إنتو ما عندكم عَلَمْ". فما كان من وزير الخارجية السوداني، مبارك زروق، إلا أن رفع منديله الأبيض على رأس قلمه، وقال: هذا عَلَمُنا!؛ فعلَّق رئيس وزراء الصين القوي شوان لاي: هذا أفضل عَلَم، وحُسِم النقاش لصالح الوفد السوداني. وعندما وصل الوفد القاهرة في طريقه إلى السودان استُقبل بفتور رسمي واضح، وحرَّض جهاز الأمن بعض المصريين النوبيين ليهتفوا ضد الرئيس الأزهري ويدعوا لوحدة وادي النيل. ولم يتخلف الطلاب السودانيون عن المناسبة فتجمهروا خارج المطار، وهتفوا: عاش السودان حرًّا مستقلًّا، وتسقط الديكتاتورية العسكرية(12). نقلت جريدة المستقلة التي تصدر من لندن عن دبلوماسي عربي تصريحًا للرئيس مبارك يقول: إن حكومة البشير تريد أن تتعامل مع مصر تعامل النِّدِّ للند وهذا حُلم بعيد المنال للسودانيين. لقد أسهمنا من قبل في الإطاحة بأية حكومة سودانية ترفع شعار الاستقلال عن السياسة المصرية وسوف نفعل نفس الشئ مع الحكومة الحالية(13). وظل ملف السودان منذ الاستقلال وإلى اليوم في عهدة جهاز الاستخبارات المصري، وكان معظم سفراء مصر إلى السودان من العناصر الأمنية والاستخباراتية. 

2. قسمة مياه النيل: تعتبر مصر نفسها "هبة النيل"؛ لأنها تعتمد على مياهه بنسبة تزيد على الـ90 في المئة. ودرجت طيلة فترة الحكم الثنائي على أن تعترض على إنشاء الخزانات والسدود ومشروعات الزراعة الكبيرة في السودان؛ لأن ذلك يقلِّل مياه النيل الواردة لمصر؛ فأعلنت احتجاجها في 1917 على إنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وعلى تعليته فيما بعد(14)، كما اعترضت على سد سنار وتوسعة مشروع الجزيرة؛ لأن إنتاج القطن السوداني سيؤثِّر على تسويق مصر لأقطانها في الأسواق العالمية، مما يعني في نظرها تجويع المصريين! 

وعلى خلفية القلق المصري من نقص مياه النيل، تبادل كل من رئيس الوزراء المصري، محمد محمود، والمندوب السامي البريطاني في القاهرة المذكرات حول تأكيد حق مصر في مياه النيل، وأصبحت المذكرتان أساس اتفاقية 1929. أثبتت الاتفاقية حق مصر المكتسب بمنحها 48 مليار متر مكعب من إيراد نهر النيل، ونصيب السودان 4 مليارات متر، وقبل السودان بعد استقلاله تلك القسمة الضيزي، رغم أنها حدَّت من قدرات أغلبية الملاك الزراعيين على تطوير وزيادة الأراضي المزروعة بالقطن(15). قامت بريطانيا نيابة عن مستعمراتها في حوض النيل (السودان وأوغندا وكينيا وتنجانيقا) بإقرار حصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأن لها الحق في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. وليس غريبًا أن تعترض هذه الدول بعد نيل استقلالها على هذه الاتفاقية التي تصادر حقوقهم دون تشاور معهم. ودفع ذلك عددًا من دول حوض النيل إلى التوقيع على مبادرة عنتيبي الإطارية في سنة 2010 لتتجاوز تلك الاتفاقية الاستعمارية غير المنصفة. وقَّعت على اتفاقية عنتيبي كل من أثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وبوروندي، وصادقت هذه الدول بوساطة برلماناتها على الاتفاقية عدا بوروندي. وعبَّرت حكومة جنوب السودان عن رغبتها في التوقيع على الاتفاقية، ورفضت كل من مصر والسودان والكونغو التوقيع. كانت حجَّة مصر أن الاتفاقية لم تسلِّم لها بحقها في مياه النيل الذي نصَّت عليه اتفاقيتا 1929 و1959، وامتنع السودان عن التوقيع تضامنًا مع الموقف المصري. وتحدثت اتفاقية عنتيبي عن "الاستخدام المنصف والمعقول للدول" في مياه النيل، وأن من حق دول المبادرة استخدام المياه داخل حدودها، واعتمدت مبدأ الأمن المائي لكل دول حوض النيل. ولا تضر الاتفاقية السودان في شيء بل تفيده نسبة لمساحته الشاسعة الصالحة للزراعة. ولم تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ بعد؛ لأن القانون الدولي يربط التنفيذ بمصادقة ثلثي دول حوض النيل (أي 6 دول من 10). وقد لا يطول الزمن حتى تحصل الاتفاقية على العدد المطلوب من المصادقين عليها. 

دخلت مصر في مفاوضات مع السودان لبناء السد العالي في أسوان الذي سيحجز من خلفه 184 مليار متر مكعب في عام 1954، وكانت شروط السودان في عهد الديمقراطية الأولى للقبول بتشييد السد العالي الذي سيتسبب في الترحيل القسري لأهالي حلفا، وإغراق مساحة شاسعة من الأراضي السودانية بالمياه، وضياع بعض الآثار النوبية القديمة كما يلي: تعويض أهالي حلفا عن ممتلكاتهم بـ30 مليون دولار، تكلفة خزان خشم القربة الذي سيُبنَى للمواطنين المهجَّرين في المنطقة الجديدة وهي 10 ملايين دولار، تقوم مصر ببناء مدينة حلفا في الموقع الجديد، لا يتحمل السودان تبخر المياه في بحيرة السد ويُحدَّد له نصيبه في فائض المياه التي تذهب للبحر وتقدر بـ32 مليار متر، لا يُربط قيام سد الروصيرص في النيل الأزرق بالسد العالي؛ إذ لا صلة بين الاثنين(16). رفضت مصر الاستجابة لتلك الشروط إلى أن جاء الحكم العسكري في نوفمبر/تشرين الثاني 1958 والذي كان متلهفًا لإزالة "الجفوة المفتعلة" مع مصر، حسب قوله، فعقد اتفاقًا ضعيفًا في سنة 1959 على حساب مصلحة السودان وبقية دول حوض النيل. تمخضت اتفاقية 1959 بموافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالي وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص، وتوزيع فائض مياه السد العالي بحصول السودان على 18.5 مليار مقابل 55.5 مليار متر مكعب لمصر، وإنشاء مشروعات مشتركة لزيادة المياه في روافد النيل الأبيض بجنوب السودان. وقدمت مصر مبلغًا متواضعًا لتعويض أهالي حلفا عن ممتلكاتهم وتهجيرهم من منطقتهم التي عاشوا فيها قرونًا طويلة قدره 15 مليون جنيه مصري، في حين بلغت التكلفة الحقيقية نحو 40 مليون جنيه مصري تكفَّلت بها حكومة السودان(17). ويستهلك السودان حاليًّا من حصته حوالي 12 مليار متر مكعب فقط وتذهب البقية إلى مصر دون مقابل، ويقدِّر خبراء حكومة السودان أن ما كسبته مصر من فائض حصة السودان ومن زيادة إيرادات النيل على ما قُدِّر لها بأكثر من 600 مليار متر مكعب منذ عقد اتفاقية 1959(18). ورفضت الحكومة المصرية معظم فرص التعاون الزراعي الكبير التي عرضها عليها الرئيس نميري، وما عرضته حكومة الإنقاذ للجيش المصري (30 ألف فدان) رغم الموافقة المبدئية على المشروع منذ ست سنوات. ويبدو أن مصر لا تريد للسودان أن يستهلك كل حصته المائية التي تستفيد منها، كما لا تريده أن يصبح قويًّا اقتصاديًّا فيستقل بقراره عنها. 

ودخلت مصر في مشادَّة وملاسنة إعلامية مع كل من إثيوبيا والسودان حول إنشاء سد النهضة الأثيوبي الذي بدأ تشييده في 2011 بواسطة شركة إيطالية. وقد أُنجز منه حتى الآن حوالي 57%، ويُتوقع أن يكتمل تشييده هذا العام أو الذي يليه. ويُعتبر السد الكهرومائي الأكبر في إفريقيا؛ إذ تبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب ويُنتج 6000 ميجاواط. اعترضت مصر على بناء السد؛ لأنه سيقلِّل من مواردها المائية التي تحصل عليها، في حين وافق عليه السودان الذي كانت مصر تظن أنه سيتبنَّى موقفها بحكم التبعية في الماضي. تناست مصر أنها لم تعد قوية كما كانت ولم يعد السودان ضعيفًا كما كان (كبر العيال!). واضطرت مصر في مارس/آذار 2015 إلى توقيع إعلان مبادئ السد مع إثيوبيا والسودان رغم أن لا يذكر ما يُسمَّى بحقوق مصر المكتسبة. قبلت كل من إثيوبيا والسودان التقارير الفنية الصادرة من مكتبين استشاريين فرنسيين تقول بأن لا ضرر على السودان أو مصر من انهيار السد ورفضتها مصر. يمكِّن سدُّ النهضة السودان من استخدام حصته المائية كاملة نسبة لتنظيمه جريان النيل طول العام بعد أن كانت معظم مياهه تمر خلال 3 أشهر فقط؛ ويستعد السودان لبناء سدود جديدة في كل من كجبار والشريك ودال وهي لا تحتاج لموافقة مصرية. كانت حُجَّة إثيوبيا في بناء السد منفردة أن مصر لم يسبق لها أن استشارت أية دولة مشاطئة في تشييد السد العالي، وأنها حسب اتفاقية 1959 الثنائية تسيطر مع السودان على 90% من مياه النيل، وهذه قسمة غير منصفة. فلماذا تحتج الآن على الآخرين الذين يريدون استرداد حقوقهم الضائعة؟(19) 

3. موقف مصر من الأنظمة الديمقراطية: من المعلوم أن انقلاب عبد الناصر في 23 يوليو/تموز 1952 هو الذي روَّج لقيام الأنظمة العسكرية في العالم العربي؛ فقد دعم انقلاب عبد الكريم قاسم سنة 1958، وانقلاب السلال في اليمن سنة 1962، وانقلاب القذافي في ليبيا سنة 1969، وانقلاب النميري في السودان سنة 1969. وقام بحملة شعواء ضد الأنظمة الملكية والمحافظة ودعا جيوشها للانقلاب عليها كما فعلت مصر. وقد وقفت مصر ضد ثورة أكتوبر/تشرين الأول الشعبية في السودان سنة 1964 وعبَّر الكاتب محمد حسنين هيكل عن ذلك بوضوح؛ ووقفت كذلك ضد الانتفاضة الشعبية التي أودت بنظام الرئيس نميري في أبريل/نيسان 1985، ورفضت تسليمه للسودان لمحاسبته. 

وقد لخص المفكر المصري المشهور، جمال حمدان، في ندوة عُقدت بالقاهرة، في 1989، تكوين المجتمع المصري بقوله: "لا يعرف تاريخ مصر من ينكر أن الطغيان والبطش من جانب أو الاستكانة والزلفى من الجانب الآخر هما من أعمق وأسوأ خطوط الحياة المصرية عبر العصور". يصف الدبلوماسي، الأمين عبد اللطيف، الذي عمل في سفارة السودان بالقاهرة لعدة سنوات قنصلًا ثم سفيرًا: اللافت للنظر أن الصحف القومية لا تفعل شيئًا سوى أن تردِّد ما يقوله الرئيس مبارك (عن السودان) كأنما هي طبعة من نسخة واحدة بأسماء مختلفة(20). كما استشهد عبد اللطيف بيوميات الكاتب، أحمد بهاء الدين، التي نشرها في جريدة "الشرق الأوسط"، وقال فيها: إن السادات أخبره بأن معرفته بحسني مبارك بدأت منذ أن أرسلهم عبد الناصر مع مجموعة من الضباط المصريين عام 1969 لدعم النميري وقمع تجمهر الأنصار في الجزيرة أبا (على النيل الأبيض) وقصفهم بالطيران(21). تعتقد الحكومات المصرية أن التعامل مع الأنظمة العسكرية في السودان أفضل لها من الأنظمة الديمقراطية التي يحكم قرارها برلمان حر منتخب وأحزاب سياسية لها رؤيتها الخاصة ورأي عام تتأثر به. 

4. مشكلة حلايب: ظهرت مشكلة السيادة على مثلث حلايب لأول مرة في فبراير/شباط 1958 عندما حاول عبد الناصر إجراء استفتاء على رئاسة الجمهورية في مثلث حلايب ونتوء وادي حلفا اللذين يقعان شمال خط عرض 22، وذلك استنادًا إلى اتفاق 19 يناير/كانون الثاني 1899 بين المندوب السامي لبريطانيا وناظر الداخلية المصري. وطلبت مصر من حكومة السودان إلغاء الحدود الإدارية التي ضمت هاتين المنطقتين للسودان في 1902 بقرار من وزير الداخلية المصري في مارس/آذار 1899 ونوفمبر/تشرين الثاني 1902. وعندما رفضت الحكومة المصرية طلب حكومة عبد الله خليل بتأجيل عملية الاستفتاء (المعروفة النتيجة) إلى ما بعد الانتخابات السودانية في 1958، تقدم السودان بشكوى لمجلس الأمن الذي كان مساندًا لموقف السودان مما اضطر عبد الناصر لسحب اللجان الانتخابية وتجميد النزاع حول المنطقة منذ ذلك التاريخ حتى أشعله حسني مبارك في أول التسعينات(22). 

ظل السودان يتولى إدارة مثلث حلايب الذي تسكنه قبائل بجاوية سودانية منذ 1902 وحتى نهاية 1991، عندما أصدرت الحكومة المصرية مذكرات تطالب فيها بانسحاب القوات السودانية من المنطقة؛ لأنها تتبع لها. استفادت مصر من عزلة السودان الدولية فقامت بعملية احتلال تدريجية منذ 1993 حتى اكتملت في 1995، وقامت بإجراءات عملية مثل نشر قوات مصرية وتكوين إدارة محلية وتشييد مساكن وتقديم خدمات وتمصير المواطنين بمنحهم هويات مصرية تمكنهم من دخول مصر دون تأشيرات. دخلت القوة المصرية المهاجمة في اشتباك مع القوة الشرطية المحدودة التي كانت تعسكر في حلايب ورفضت التسليم أو الرحيل، ووقعت خسائر بشرية من الطرفين كان أكثرها على الجانب المصري. اتُّفِقَ فيما بعد على تهدئة الأوضاع، وأن تبقى قوة عسكرية سودانية محدودة في المنطقة رمزًا لتمسك السودان بحقه، وما زالت تلك القوة موجودة حتى اليوم لكنها تواجه استفزازات مصرية من وقت لآخر، وهذا ما أشار إليه وزير الدفاع أمام البرلمان السوداني بداية شهر مايو/أيار 2017. ومن الغريب أن اتفاق يناير/كانون الثاني 1899 الذي تعتمد عليه مصر في تبعية المنطقة لها قد أنكره كبار المسؤولين المصريين بأنه لا يشكِّل معاهدة دولية. قال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر أمام مجلس الأمن في أغسطس/آب 1949: إن اتفاق 1899 ليس معاهدة دولية حيث لم يكن هناك تفويض للمفاوضين بتوقيع معاهدة، ولم يتم التصديق على نصوصها، ولم تُعرَض على برلمانات البلدين للمصادقة عليها. كما أن رئيس الوزراء المصري، مصطفى النحاس، قام بإلغاء الاتفاقية أمام البرلمان المصري في 1952(23). 

ولمحاولة حلِّ المشكلة سلميًّا، عرضت الخرطوم على القاهرة ثلاث مرات خلال السنوات الماضية أن تعالج المشكلة عن طريق التفاوض المباشر بين البلدين أو اللجوء للتحكيم الدولي، وردت القاهرة باستخفاف بأن تبعية المنطقة محسومة لمصر ولا تحتاج لتفاوض أو تحكيم. رفع السودان، في يناير /كانون الأول 2017، شكوى لمجلس الأمن بأن نزاع حلايب يمكن أن يهدد السلام في المنطقة، وذلك تجديدًا لشكواه القديمة منذ 1958، كما رفع للأمم المتحدة في مارس /آذار 2017 إحداثيات بحرية بإتباع حلايب وشلاتين للسودان، وذكر أن وجود مصر في المنطقة هو "احتلال عسكري". ردَّت مصر سريعًا على الإعلان السوداني وأودعت لدى الأمم المتحدة اعتراضًا في 4 مايو /أيار 2017 على خطوط الأساس للمناطق البحرية التي أعلنها السودان وترفض أي إجراء تتخذه الخرطوم يمس سيادة مصر على حلايب. وأصبح توصيف وضع مصر في حلايب بأنه "احتلال عسكري" يتردد في الإعلام السوداني وداخل البرلمان وأخيرًا على لسان رئيس الجمهورية في مقابلة له مع قناة الجزيرة منتصف هذا الشهر. وأخذت القضية بُعدًا شعبيًّا متصاعدًا يصعب التراجع عنه. 

وتصاعد التوتر مؤخراً إلى درجة غير مسبوقة حين أعلن الرئيس عمر البشير في حفل لقدماء المحاربين بالقيادة العامة أن الجيش السوداني ضبط مدرعات مصرية الصنع في اشتباكات مع متمردي حركات دارفور بولايتي شمال وشرق إقليم دارفور. وقال: لقد حاربنا لمدة عشرين سنة ضد المتمردين في الجنوب لم تدعمنا فيها مصر بطلقة واحدة بحجة أن ذلك صراع داخلي لا تريد أن تتدخل فيه. وقد دخل المتمردون السودان عبر محورين من ليبيا ومن جنوب السودان في توقيت متزامن، واستطاع الجيش السوداني أن يدحر المؤامرة الضخمة خلال يومين ويستولي على أسلحتهم وآلياتهم. كانت إشارة البشير واضحة إلى أن حكومة سلفاكير في الجنوب واللواء خليفة حفتر حليف الحكومة المصرية في ليبيا كانا الْمَعْبَرَيْن للمدرعات المصرية لداخل السودان. الجدير بالذكر أن كلا البلدين (جنوب السودان وليبيا) محظورين بقرارات أممية من تلقي السلاح من أي جهة خارجية(24). 

5. تطبيق الحريات الأربع: تم الاتفاق بين البلدين على تنفيذ الحريات الأربع بين البلدين، وهي: الإقامة والتنقل والتملك وحق العمل. لقد طبَّق السودان منذ 2004 هذه الحريات عدا التملك للأجانب الذي يمنعه القانون السوداني، ولم تفعل مصر بالمثل وإن كانت تسمح لأعداد كبيرة من السودانيين بالإقامة في مصر، ولكنها تعاقبهم حين تسوء علاقتها بالسودان ولا تأخذها في ذلك لومة لائم! تطالب مصر بأن يستخرج الرجال من سنِّ 18 إلى 49 تأشيرة دخول قبل أن يسافروا إلى مصر. وقامت مصر في الآونة الأخيرة بمنع بعض الصحفيين السودانيين من دخول القاهرة بعد أن وصلوا المطار وعاملتهم معاملة مهينة، وطالبت المقيمين فيها من السودانيين بغرامات عالية عن سنوات سابقة؛ وأوضح وزير الخارجية السوداني لنظيره المصري، في لقاء بالخرطوم، أن السودان متمسك بالعُرف الدبلوماسي الذي يُقرُّ المعاملة بالمثل بين الدول. وكشف الإعلام المصري عن وجه قبيح في الإساءة للسودان والسودانيين وللحضارة النوبية عندما زارت الشيخة موزة، والدة أمير قطر، منطقة البجراوية الأثرية. ودرج الشعب المصري على تصديق إعلام الحكومة والتعامل مع السودانيين في بلده بحسب موقف حكومته من السودان. 

خاتمة 

سياسة الحكومة السودانية المستقرة تجاه مصر هي البُعد عن أية مشكلات معها ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا! بل وترغب في التعاون معها في كل مجالات المصالح المشتركة، ليس فقط لأسباب تاريخية أو ثقافية ولكن لأن مصر دولة مؤثِّرة في المحيط العربي والدولي وإن تناقص هذا الدور مؤخرًا. ولذلك، نجد أن الأمور سالكة إلى حدٍّ بعيد بين وزارتي الخارجية في البلدين؛ لأن ملفاتها وأجهزتها في أيدٍ مهنية خبيرة تدير أعمالها حسب التقاليد الدبلوماسية المتعارفة. إلا أن العقبة التي تعترض مسيرة العلاقات الحسنة تأتي في أغلب الأحيان من الأجهزة الأمنية ومن وسائل الإعلام (المطلوقة) ومن القرارات الفوقية التي تتأثر بجماعات الضغط الداخلية والخارجية. ولكن الحكومة السودانية فيها شيء من طبيعة الشخصية السودانية التي تأبى الضيم وتثور لكرامتها ولو كان ذلك على حساب مصلحتها الذاتية!

___________________________________

الطيب زين العابدين- باحث وكاتب سوداني وأستاذ بجامعة الخرطوم.

نبذة عن الكاتب

مراجع

- الطويل، أماني، العلاقات المصرية السودانية: جذور المشكلات وتحديات المصالح، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2012)، ط 1، ص 9.

2 - حسن عمر، أمين، "المسكوت عنه في العلاقات السودانية المصرية-3"، جريدة الصيحة، الخرطوم، 4 مايو/أيار 2017.

3 - شبيكة، مكي، السودان عبر القرون، (بيروت، دار الثقافة، 1964) ص 114.

4 – المرجع السابق، ص 123-126.

5 - جورج غوردون، موقع ويكيبيديا، (تاريخ الدخول: 19 مايو/أيار 2017): إضغط هنا.

6 - عبد الرحمن علي طه، فيصل، الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان، (أمدرمان، مركز عبد الكريم ميرغني، 2004)، ط 2، ص 10.

– المرجع السابق، ص 21، 26.

8 –الطويل، العلاقات المصرية السودانية، مرجع سابق، ص 16.

– عبد الرحمن علي طه، الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان، مرجع سابق، ص 12.

10- محمد حاج موسى، إبراهيم، التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم في السودان، (دار الجيل، بيروت، 1970) ص 50-51.

11 - عبد اللطيف، أمين، العلاقات السودانية المصرية ورؤية مستقبلية، (مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية، أمدرمان، 2006) ص 10.

12 - عبد اللطيف، العلاقات السودانية المصرية ورؤية مستقبلية، مرجع سابق، ص 8-9.

13 - جريدة المستقلة، العدد 118، بتاريخ 12 أغسطس/آب 1996.

14 - الطويل، العلاقات المصرية السودانية، مرجع سابق، ص 207، وأمين حسن عمر، "المسكوت عنه في العلاقات السودانية المصرية-3"، مرجع سابق.

15 – الطويل، العلاقات المصرية السودانية، مرجع سابق، ص 209، 220.

16 - مذكرات خضر حمد، وردت في كتاب عبد اللطيف، ص 67-68.

17 - أمين،  "المسكوت عنه في العلاقات السودانية المصرية-3"، مرجع سابق.

18 - إفادات من خبير المياه بوزارة الري السودانية في 18 مايو/أيار 2017.

19 – انظر: "سد النهضة حلم إثيوبي تضيئه الكهرباء"، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول: 17 مايو/أيار 2017):

http://www.aljazeera.net/programs/economyandpeople/2017/2/18/%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D8%AD%D9%84%D9%85-%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D8%AA%D8%B6%D9%8A%D8%A6%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%87%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%A1

20- عبد اللطيف، العلاقات السودانية المصرية ورؤية مستقبلية، مرجع سابق، ص 91-93.

21 – المرجع السابق، ص 69.

22 - أحمد محمد تنقو، معاذ، نزاع الحدود بين السودان ومصر، (دار جامعة الخرطوم للنشر، الخرطوم، 2005) ص 77.

23 – المرجع السابق، ص 83.

24 – انظر: البشير: ضبطنا مدرعات مصرية شاركت بمهاجمة دارفور، موقع الجزيرة نت (تم التصفح في 25 مايو 2017):

http://www.aljazeera.net/news/arabic/2017/5/23/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D9%8A%D8%B1-%D8%B6%D8%A8%D8%B7%D9%86%D8%A7-%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%AA-%D8%A8%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AC%D9%85%D8%A9-%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%88%D8%B1