آفاق التطبيع العربي المرتبك مع النظام السوري

إن سعي بعض الدول العربية للتطبيع مع النظام السوري في اتجاه معاكس لما جاءت به الثورات العربية لم يصادف بيئة دولية مساعدة بل على العكس من ذلك؛ إذ لا يخلو الأمر من مجازفة، لكنه يؤشر أيضًا على دخول الأزمة السورية مرحلة جديدة.
4bfba21d10dd4a0e92aecfbc5e63f12c_18.jpg
يبرر داعمو التطبيع مع النظام السوري دعوتهم لعودة العلاقات مع دمشق، بعدم تكرار الخطأ العراقي بعد العام 2003، لكنهم يخشون ردود الفعل الأميركية والغربية (رويترز)

مقدمة 

تحت ضغط الثورات العربية المنطلقة من تونس ومصر ثم اليمن وليبيا والبحرين، والبالغة أخيرًا سوريا، وفي ظل تغطية إعلامية واسعة لهذه الثورات واهتمام دولي فيها طيلة العامين 2011 و2012، اضطرت جامعة الدول العربية إلى تعليق عضوية سوريا، واستدعت العواصم العربية -كما نظيراتها الغربية- سفراءها من دمشق بعد اعتماد الأخيرة الحل العسكري ضد معارضيها، وارتكابها مجازر بحق المدنيين أطاحت بالآلاف منهم خلال أشهر معدودة.

رغم ذلك، حافظت دول عربية عدة على صلاتها بنظام دمشق أو هي تمنعت عن التصويت ضده في اجتماعات دولية (الجزائر والسودان)، في حين انقسم الاجتماع السياسي في دول أخرى تجاه المسألة السورية وانعكس الأمر على مقاربات حكوماتها للمسألة هذه (لبنان والعراق).

غير أن تطورين مهمين بدَّلا من المناخ العربي الحكومي ابتداءً من أبريل/نيسان 2013، الأول: ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" وبدء صعوده؛ والثاني: تمنُّع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في سبتمبر/أيلول من العام نفسه عن معاقبة النظام السوري على تخطيه الخط الأحمر الوحيد الموضوع له، وهو استخدام السلاح الكيماوي. وقد كرَّس أمر التراجع الأميركي قناعةً لدى معظم القادة العرب (والدوليين) بأن لا رغبة أميركية فعلية في إسقاط الأسد. رافق ذلك انقلاب عسكري في مصر، في يوليو/تموز 2013، أطاح بالرئيس المنتخب، محمد مرسي، وأوصل وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، إلى السلطة. ورافق الأمر أيضًا وتبعه انفجار الأوضاع الأمنية والعسكرية على نطاق واسع في ليبيا، وعودة سياسيين من النظام القديم إلى السلطة انتخابًا في تونس، وتراجع حظوظ الوصول إلى حلول للأزمة اليمنية الناشبة بعد إسقاط الرئيس، علي عبد الله صالح. وبدا أن محورًا إقليميًّا بقيادة السعودية والإمارات يسعى إلى إنهاء تبعات الثورات العربية في الدول المعنية، ويتعامل مع سوريا بوصفها أرض صراع مع إيران لا أكثر. وفي العام 2015، جاء التدخل العسكري الروسي إنقاذًا لنظام الأسد المترنح (رغم غياب الدعم الأميركي الجدي لمعارضيه) ليبعث رسالة إضافية بأن لا تغيير للنظام في دمشق، وليُنهي الاهتمام السعودي بسوريا مؤقتًا وينقله إلى اليمن حيث تسارعت الأمور بعد سيطرة الحوثيين المدعومين إيرانيًّا على معظم البلاد، فتدخلت السعودية والإمارات عسكريًّا ضدهم. وفي الوقت نفسه، انكفأت قطر عن الملف السوري، مفوِّضة حليفتها تركيا التعامل معه، وصارت الدول الأربع ذات الثقل في سوريا هي إيران وروسيا الداعمتان للنظام، والولايات المتحدة الأميركية الداعمة للقوى الكردية في الحرب ضد "الدولة الإسلامية" وتركيا الداعمة لبعض فصائل المعارضة المسلحة.

السعي إلى التطبيع مع الأسد

مع تراجع الاهتمام الدولي بسوريا، ودخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني 2017، وتمكن روسيا وإيران وتركيا عبر مسار "آستانة" من وضع تفاهمات عدلت من موازين القوى وجزأت الخارطة السورية وفق مناطق نفوذ مختلفة، بدا أن القبول دوليًّا بالأمر الواقع يفرض نفسه تدريجيًّا في الكثير من العواصم العربية والغربية. فالأردن أعاد جزئيًّا فتح حدوده مع سوريا بعد سقوط درعا في قبضة جيش النظام وحلفائه، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ورئيس السودان، عمر البشير (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بموجب مذكرة توقيف لدوره في الجرائم المُرتكبة في دارفور) حَطَّ في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه في مطار دمشق والتقى الأسد، والقاهرة استقبلت بعد أيام اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي السوري، المتهم بجرائم حرب(1). كما انتهت في الوقت عينه ولاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، بفشل ذريع، لتعلن الإمارات إعادة فتح سفارتها في دمشق، وتبدو البحرين(2) متجهة بدورها لذلك (ومثلهما إيطاليا والبرازيل دوليًّا)، ويرتبك لبنان الرسمي تجاه دعوة الأسد إلى القمة الاقتصادية العربية في بيروت المزمع انعقادها مطلع العام 2019. 

هكذا بدا أن التطبيع التدريجي مع نظام الأسد يتقدم في المنطقة. وكان قد سبقه ثم رافقه هجوم دبلوماسي روسي تجاه أوروبا مطالبًا إياها بتطبيع اقتصادي مع دمشق تحت عنوان "إعادة إعمار سوريا كي يرجع اللاجئون إليها". وأثار الرئيس فلاديمير بوتين الأمر مباشرة مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية، إنغيلا ميركل، في قمة إسطنبول التي جمعتهم بضيافة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ثم أثاره المسؤولون الروس من جديد في لقاءات ثنائية مع نظرائهم الأوروبيين من دون نجاح يُذكر حتى اللحظة نتيجة تحفظ برلين وباريس (ومثلهما لندن) على أي تمويل للإعمار قبل حل سياسي مبني على قرارات الأمم المتحدة، لاسيما القرار 2254 الداعي إلى وقف نار شامل وتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات عامة بإشراف أممي والتوصل إلى حل يضمن عودة آمنة للاجئين. 

تبريرات المطبِّعين والتباس الموقف الأميركي 

لم تقدم دولة الإمارات العربية المتحدة، بوصفها أول دولة تُعيد فتح سفارتها رسميًّا في سوريا، في 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، بعد أن أغلقتها أواخر العام 2011، أي تبرير لأسباب استعادة العلاقات الدبلوماسية. وإذا كانت أبوظبي قد آثرت إيكال مهام إدارة السفارة إلى القائم بالأعمال ولم ترسل سفيرًا بعد، فقد اكتفت بالقول إنها "تُعيد العلاقة مع دولة شقيقة إلى مسارها الطبيعي"(3). ولولا بعض التصريحات والإجراءات الأوروبية والأميركية التي قد تلجم العديد من الدول العازمة على التطبيع، لكان من غير المستبعد أن تلحق بالإمارات في خطوتها دول أخرى.

لكن قبل الخوض في ذلك، يفيد التوقف عند المقولات التي روج لها داعمو التطبيع لتبرير الدعوة إلى العودة إلى دمشق. فالتبرير الأول ادعى أن على الخليجيين عدم تكرار الخطأ العراقي بعد العام 2003، تاريخ إسقاط الأميركيين لصدام حسين، ثم بعد العام 2011، تاريخ سحب الرئيس أوباما لقوات بلاده، حين تُركت الساحة لإيران على مرحلتين، فسيطرت على العراق ولم تقُم بمواجهتها سوى جماعات "متشددة" يصعب تبنيها ودعمها، وبالتالي على الدول الخليجية أن تحضر إلى سوريا مع اقتراب الحرب فيها من نهايتها وألا تتركها في حلف إقليمي تسيطر عليه طهران. التبرير الثاني يُبني على الأول، لكنه يضم إلى إيران تركيا، بوصفهما القوتين الإقليميتين الوحيدتين المتواجدتين راهنًا على الأرض السورية. وأبوظبي -كما الرياض- تنظر بعين الريبة إلى أنقرة، حليفة الدوحة التي تخاصمها وتفرض عليها الحصار، وترى فيها راعيةً لحركة الإخوان المسلمين التي تصنفها إرهابية وتشن عليها الحرب مباشرة وبالواسطة، من ليبيا إلى مصر فاليمن. وهي فوق ذلك، تتضامن مع الرياض في مواجهتها منذ التوتر بين العاصمتين الذي تلا قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول وما تبعه من اتهامات لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالمسؤولية عن الجريمة. والتبرير الثالث أن لدول الخليج مصلحة، بعد أن أنقذت روسيا نظام الأسد، في التعامل مع الأمر الواقع والتأثير عليه من البوابة الاقتصادية حيث لا يمكن لإيران ولا حتى لروسيا مجاراتها، وهذا كله دفع أولاها، الإمارات، للعودة إلى سوريا.

تبدو المبررات المذكورة بعيدة عن الواقع، ولو أن أصحابها مقتنعون ببعضها(4)؛ فروسيا وإيران وتركيا لن تترك أي منها سوريا بسهولة أو تقبل بدخول أطراف أضعف منها سياسيًّا، وبلا حضور عسكري، لتُملي شروطًا أو تمارس ضغوطًا أو حتى تبحث عن ندية في التعامل السياسي انطلاقًا من إنفاقها أموالًا على إعادة إعمار طويلة الأمد وغير مضمونة النتائج. وإيران تحديدًا، لن تتخلى عن أي احتمال للاستفادة اقتصاديًّا من سوريا، والأخيرة مدينة لها بمليارات الدولارات، في لحظة يتراجع فيه اقتصادها وتتهاوى عملتها بسبب العقوبات الأميركية التي تتعرض لها وسوء التدبير الاقتصادي لدى مسؤوليها. وهي بالتالي لن تترك إعادة الإعمار المزعومة تتقدم إن لم تضمن عقودًا وشروطًا تفاضلية لصالحها وعدها النظام السوري بأولوية الحصول عليها(5). كما أن روسيا تريد بدورها تحكمًا بمفاصل اقتصاد دولة -أي سوريا- وقعت معها اتفاقات وعقودًا تتيح لها السيطرة عليها لفترة طويلة مقبلة، وهي لا تريد -من دول أخرى- أموالًا مقرونة بشروط سياسية في الإنفاق على مشاريع الإعمار، بل تبحث عن أموال لا تملك أن توفر مثلها بنفسها.

وعلى أية حال، لم يتسارع التطبيع مع النظام السوري بعد العودة الإماراتية، وما زالت خطوة أبوظبي معزولة إلى الآن. وقد أكد فشل القمة العربية الاقتصادية في بيروت، في يناير/كانون الثاني 2019، التي أراد حزب الله دعوة الأسد إليها تمهيدًا لتحريك البحث في إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، أن لا تطبيع سهلًا مع نظام دمشق بسبب خشية الأطراف العربية من ردود الفعل الأميركية والغربية عليه(6). وللخشية هذه سببان: العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية على سوريا وعلى عدد كبير من المسؤولين ورجال الأعمال والأمنيين فيها، والأهم، على كل من يتعاون معهم؛ وانعدام القدرة على قراءة مسار الأمور سياسيًّا في ظل التباس المواقف الأميركية الداعية إلى مواجهة إيران والمصعِّدة اقتصاديًّا ضدها، والمعلِنة في نفس الوقت انسحابًا عسكريًّا من سوريا قد يتسبب بإطلاق ديناميات وصراعات لم يتضح كامل معالمها بعد، لاسيما في شمال البلاد.

سوريا إذ تدخل مرحلة جديدة

تؤشر بعض التطورات السياسية والقانونية والميدانية التي حصلت في سوريا أو ارتباطًا بها في الأشهر الماضية، على أنها قد دخلت مرحلة جديدة. فميدانيًّا، وسَّعت "هيئة تحرير الشام" سيطرتها مطلع العام 2019 على محافظة إدلب وأسقطت معظم الفصائل المتواجدة سابقًا فيها. كما سيطرت على الطرقات الاستراتيجية التي ورد ذكرها في الاتفاق الروسي-التركي في سوتشي والتي جرى التعهد بفتحها. ولم يصدر عن أنقرة أي رد ميداني على الأمر، بما فُسِّر قبولًا بواقع مستجد ومحاولة لاحتوائه أو تسهيلًا له لاستغلاله لاحقًا(7). سبق ذلك، في ديسمبر/كانون الأول 2018، إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عزمه على سحب قواته من شمال شرق سوريا. وأدى الإعلان المفاجئ إلى ردود أفعال تركية وكردية وروسية وأوروبية متباينة. فتركيا اعتبرت أن الأمر يفتح الطريق أمامها لإبعاد "وحدات حماية الشعب" الكردية عن حدودها وتوسيع نفوذها شرق الفرات على طول الحدود الدولية. والقوى الكردية تحركت على أكثر من جبهة لتجنب مثل هذا السيناريو طالبة من الأميركيين ضمانات ومن الأوروبيين حماية ومن روسيا والنظام تعاونًا محتملًا لصد أنقرة. من جهتهم، بادر الفرنسيون والبريطانيون إلى البحث عن مخارج كمثل تعاونهم مع تركيا ومع القوى الكردية لتجنب كل صدام وأخذ ضمانات من أنقرة في حال تقدم قواتها إلى الشمال الشرقي بعدم دخولها إلى المدن ذات الكثافة السكانية الكردية (كوباني وعامودا والقامشلي). وبرز كذلك حديث عن منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترًا، ثم اختلف الأطراف المعنيون حول هوية ضامنيها والمنتشرين فيها. وغرد الرئيس الأميركي وسط كل ذلك تغريدات متناقضة هدد في أحدها "بتقويض الاقتصاد التركي إن فكرت أنقرة بمهاجمة الأكراد" في حين ركزت تغريدات واتصالات أُخرى على التعاون مع الأتراك والتفاهم معهم على معظم الملفات. من جهتها، دعت موسكو إلى انتشار قوات النظام السوري في المناطق التي يستعد الأميركيون لإخلائها، ولو أنها شككت بجدية الإعلان الأميركي عن الانسحاب. 

ولم تسفر جولة وزير الخارجية، مايك بومبيو، في مصر ودول الخليج، في منتصف يناير/كانون الثاني 2019، بعد أيام من زيارة مستشار الأمن القومي، جون بولتون، لإسرائيل وتركيا عن نتائج واضحة لجهة تحديد الجدول الزمني للانسحاب الأميركي من سوريا أو لجهة الاتصالات المرافقة له فيما خصَّ أدوار القوى الساعية إلى الاستفادة منه. في المقابل، جرى التشديد على استمرار الضغط على إيران لإخراجها من سوريا وعزلها. 

ويمكن ربط عودة التصعيد الإسرائيلي-الإيراني واستئناف تل أبيب ضرباتها للقواعد الإيرانية في دمشق ومطارها، في الأسبوع الثالث من شهر يناير/كانون الثاني 2019، بالزيارات المذكورة، وتوقيت الأمر أيضًا بُعيد اجتماعات عسكرية إسرائيلية روسية عُقدت في 16 و17 من الشهر نفسه(8).

وتجدر الإشارة ختامًا، إلى أن الاتحاد الأوروبي أضاف مجموعة أمنيين وعسكريين ورجال أعمال سوريين إلى لائحة العقوبات التي يفرضها على المتهمين بالمشاركة المباشرة أو غير المباشرة بالجرائم ضد المدنيين في سوريا. وقد ضمت الأسماء شخصيات كان النظام ومن خلفه موسكو يُعوِّلان عليها كواجهات لمشاريع إعمارية مقترحة(9). وتلا الإجراء الأوروبي، في 21 يناير/كانون الثاني 2019 -الذي يأتي بعد صدور أكثر من مذكرة توقيف دولية من قبل القضاءين الألماني والفرنسي بحق مسؤولين سوريين(10)- إجراء أميركي تمثل في إقرار مجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في 22 يناير/كانون الثاني لـ"قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين"(11) الهادف إلى مقاضاة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم في سوريا وداعميهم، أفرادًا وكيانات. ومن شأن العقوبات الأوروبية الجديدة هذه، والقانون الأميركي الذي ينتظر موافقة مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس ليدخل حيز التنفيذ، أن تجعل التطبيع مع نظام الأسد والانخراط في أنشطة اقتصادية في سوريا مجازفة تزيد من تعريض أصحابها لعقوبات وملاحقات على مستويات مختلفة. بهذا، يُستهل العام 2019 بمرحلة جديدة في سوريا، ستوضح مفاوضات الأسابيع المقبلة وصداماتها الكثير من ملامحها.

____________________________________________________

*زياد ماجد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في باريس .

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- يُذكر في هذا الصدد أن علي مملوك زار إيطاليا قبل مدة، وأدى الأمر إلى احتجاجات من قبل منظمات حقوق إنسان ومسؤولين أوروبيين؛ إذ إن اسم مملوك وارد على قائمة العقوبات الأوروبية ضد مسؤولي النظام السوري المتورطين في جرائم الحرب. وبررت وزارة الداخلية الايطالية أمر استقباله بأنه لتبادل معلومات حساسة حول "الإرهاب".

2- عقد وزيرا الخارجية، السوري والبحريني، لقاء سريعًا ووديًّا (كما وصفاه) على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في 29 سبتمبر/أيلول 2018، وذكر الوزير البحريني بعد ذلك أن "سوريا بلد عربي رئيسي" وأن العلاقات لم تنقطع معها "رغم الظروف الصعبة".

3- يُفيد التذكير في هذا الصدد بأن الإمارات استقبلت منذ العام 2012 السيدة بشرى الأسد، شقيقة الرئيس السوري، وعائلتها. كما أنها استقبلت رجال أعمال سوريين محسوبين على النظام، ومن المرجح أنها حافظت من خلالهم على تواصل مع دمشق.

4- يعتبر هؤلاء أن العودة إلى سوريا والتطبيع مع الرئيس الأسد والمشاركة في "إعادة الإعمار" هي عناصر خريطة طريق تهدف مع الوقت إلى دفع النظام في دمشق للابتعاد عن طهران من ناحية، وتحول دون احتمالات عودة قطرية من البوابة التركية من ناحية ثانية. وإن تحقق لهم ذلك، يكونوا قد نجحوا في مقاربة سورية-إقليمية يمكن أن تقنع واشنطن وموسكو سويًّا بالاتكال عليهم في ملفات إضافية. 

5- في هذا المجال، صرح وزير الاقتصاد السوري، محمد سامر الخليل، خلال زيارته لطهران، في 29 ديسمبر/كانون الأول 2018، بأن "الأولوية في إعادة إعمار سوريا ستكون للشركات الإيرانية".

6- من اللافت في هذا الإطار ما صرح به وزير خارجية مصر، سامح شكري، في 9 يناير/كانون الثاني 2019، من أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية تتطلب "اتخاذ دمشق إجراءات وفق قرار مجلس الأمن 2254". فالتصريح المذكور، هو صدى للمواقف الدولية التي تناقض ما رشح لفترة عن استعدادات سريعة لإعادة سوريا إلى الجامعة.

7- اعتبر مراقبون أن عدم دفع تركيا بالقوى السورية الرئيسية الموالية لها إلى المعركة مع "تحرير الشام" في إدلب، كان غض نظر عن توسع سيطرة الأخيرة، ما يتيح تواصلًا معها لضمان استقرار الطرقات الرئيسية في المحافظة تمهيدًا لفتحها عملًا باتفاق سوتشي مع موسكو، وفيه توظيف للعلاقة مع الهيئة لتصفية جماعات منشقة عنها ومعلنة ولاءً علنيًّا لتنظيم "القاعدة" (مثل "حراس الدين"). ويمكن الذهاب أيضًا إلى تأويل آخر مفاده أن الأولوية التركية الراهنة هي شرق الفرات والمناطق الحدودية التي تشمل شمال إدلب وليس كامل المحافظة، وأن أنقرة جاهزة من أجل السيطرة على المناطق المتاخمة لحدودها على امتداد الخارطة حتى القامشلي فحدود العراق، ولو أدى هذا للتضحية بجزء من إدلب إن قررت موسكو مهاجمة "تحرير الشام"، علمًا بأنها تدرك صعوبة الأمر على الروس، ويمكن أن تتفاوض معهم على حلول وسطى عدة.

8- يبرز أيضًا فيما خص روسيا عدم تشغيلها خلال الضربات الإسرائيلية الأخيرة لنظام الدفاعات الجوية إس 300 التي تقول إنها سلمته لدمشق، وهددت باستخدامه بعد حادثة إسقاط طائرتها عن طريق الخطأ في سبتمبر/أيلول 2018 نتيجة تشويش إسرائيلي على الرادارات السورية خلال غارات لم تبلغ موسكو يومها بها وفق الصيغة المتفق عليها.

9- يُذكر من بين هؤلاء رجل الأعمال، سامر الفوز، الذي كان يجول في أوروبا ودول عربية قبل أشهر، وذُكر أنه الأقرب إلى آل الأسد، وقدمه النظام كأحد أبرز وجوه إعادة الأعمار من خلال مشروع "ماروتا سيتي" في دمشق.

10- أصدر القضاء الألماني، في شهر يونيو/حزيران 2018، مذكرة توقيف بحق جميل حسن مدير فرع المخابرات الجوية في سوريا. تبع ذلك إصدار القضاء الفرنسي مذكرة مشابهة بحق حسن وبحق اللواء علي مملوك (رئيس مكتب الأمن القومي) واللواء عبد السلام محمود (رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية). ويستعد القضاءان، الهولندي والنمساوي، للنظر أيضًا في دعاوى مقامة ضد مسؤولين سوريين، في حين يعمل محامون في دول غربية أخرى لرفع قضايا جديدة.

11- يتخذ هذا القانون من "قيصر" اسمًا له، و"قيصر" هو المصور العسكري المنشق عن نظام الأسد الذي هرَّب أكثر من أربعين ألف صورة لآلاف جثث المعتقلين في السجون السورية المقتولين تحت التعذيب أو التجويع.