تفاعلات العلاقة التركية الأميركية بعد قرار الانسحاب من سوريا

يبدو أن مستقبل علاقات أنقرة وواشنطن والسياسة التركية تجاه سوريا سوف يعتمد بشكل كبير على المحادثات الجارية بين أنقرة وواشنطن. ويظهر أن البيئة الحالية للعلاقة، بما تحويه من خلافات وتهديدات وغموض، غير مساعدة على ترميم الثقة المتدهورة.
4b4865564113466290db2109927105c0_18.jpg
محادثات حول سوريا شهدتها أنقرة بين وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، والمبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري (الأناضول)

مقدمة

تناقش هذه الورقة تفاعلات العلاقة التركية الأمريكية بعد قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، وترى أن تركيا تحاول الاستفادة من تداعيات القرار لبسط نفوذها على منطقة آمنة شمال سوريا تنهي من خلالها قوة وحدات الحماية، وتركز أنقرة بهدف تحسين العلاقات على بناء حوار مباشر بين أردوغان وترامب، وعلى مجموعة من المبادرات مثل التعهد بمكافحة "تنظيم الدولة" وتعزيز التجارة البينية والعمل على إيجاد صيغة لا تضر بواشنطن فيما يتعلق بصفقة أس 400، ولكن هناك عوائق تتمثل في رغبة واشنطن في حماية ما استثمرته في شمال سوريا وتهديداتها لأنقرة بسبب صفقة أس 400 التي قد تهدد صفقة طائرات F35.وفي ظل حالة التباحث هذه فإن خيار الحملة العسكرية التركية شمال سوريا يبدو مؤجلا لحين وضوح المشهد، كما يبدو صعبا بسبب معارضة كافة الأطراف الموجودة في الساحة له. ولهذا فإن مستقبل علاقات أنقرة وواشنطن والسياسة التركية تجاه سوريا واللاعبين المهمين فيها سوف يعتمد بشكل كبير على المحادثات الجارية بين أنقرة وواشنطن. ومع ذلك فإن البيئة الحالية للعلاقة التي تحتوي على خلافات وتهديدات وكثير من الغموض غير مساعدة على ترميم الثقة المتدهورة.

منعطفات في العلاقة

مرّت العلاقات التركية الأمريكية في الفترة المنقضية من حكم الرئيس دونالد ترامب بمراحل عدة حيث بدأت بتوقعات تركية بفتح صفحة جديدة من العلاقات بعد أن سادها التوتر في فترة الرئيس السابق باراك أوباما وتحديدا في مرحلة ما بعد انقلاب 15 تموز 2016، ثم انتقلت العلاقة في عهد ترامب إلى مرحلة خيبة الأمل بعد استمرار السياسة نفسها خاصة في ملفات تنظيم غولن وحزب العمال الكردستاني، ثم دخلت مرحلة من الأزمات؛ من أزمة التأشيرات إلى أزمة القس برانسون وصولا إلى عقوبات متبادلة وإن كانت محدودة، وقد كانت الأزمات تحدث بمعدل أزمة شهريا، وفيما نجح الطرفان في تجاوز بعض الأزمات مثل أزمة القس برانسون وأزمة التأشيرات فإن عددا من الخلافات القديمة والرئيسية مثل العلاقة مع حزب العمال الكردستاني في سوريا وملف تنظيم غولن وأزمة مصرف الشعب (خلق بنك) استمرت بينما ما زالت أزمات جديدة تتولد، وتشهد الفترة الحالية حوارا مكثفا بين الطرفين.

في ظل هذا الواقع لم تتخل تركيا عن سياستها القائمة على ضرورة إقناع الإدارة الأمريكية والرئيس الأميركي ترامب بأن التنسيق مع أنقرة والتعامل معها هو الخيار الأفضل، وذلك بالرغم من اعتمادها على خيارات موازية للتحوط ومنع خلق واقع لا تستطيع التعامل معه، ومن هذه الخيارات علاقاتها وتنسيقها مع روسيا في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ومناطق خفض التصعيد، حيث أدركت أنقرة أن الانتظار المصاحب للمباحثات مع واشنطن سيطول وربما يكلفها الكثير في حال وجود واقع أكثر صعوبة على الأرض، وخير دليل على ذلك اتفاقات منبج بينها وبين الإدارة الأمريكية منذ عهد أوباما التي لم تنفذ حتى الآن.

ما بعد قرار الانسحاب

كانت لحظة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار الانسحاب من سوريا في 19 ديسمبر 2018 بمثابة نقطة تحول وبارقة أمل لتركيا في علاقتها مع واشنطن، وقد حاولت تركيا إخراج الصورة النهائية للانسحاب من خلال التنسيق معها وبطريقة أقرب لرؤيتها لتكون الرابح الأكبر من العملية، بل واعتبر الأتراك أن الاتصال الهاتفي بين الرئيسين أردوغان وترامب في 14 ديسمبر 2018، كان له دور في تحفيز ترامب على قرار الانسحاب حيث ذكر أردوغان مساوئ الوجود الأمريكي في سوريا ليرد عليه الأخير "كل شيء أصبح لك الآن في سوريا، ونحن انتهينا" (1).

لم تكد تركيا تفرح بالقرار -واعتبرته مقدمة لمرحلة جديدة من العلاقات أو حتى إزاحة لعائق كبير أمام حملتها العسكرية على وحدات حزب الاتحاد الديمقراطي شمال سوريا للتخلص مما تعتبره أهم مهددات أمنها القومي- حتى بدأت أطراف عديدة من داخل الإدارة الأمريكية ومن دول إقليمية منها دولة الاحتلال الاسرائيلي بالعمل على حث ترامب على التراجع عن القرار أو تغيير طريقته وشكله وهو ما عبر عنه السيناتور ليندسي غراهام بقوله "سنبطئ الأمور بطريقة ذكية" (2). في هذه الأثناء كانت تركيا مستمرة بالتلويح بجاهزيتها لبدء حملة عسكرية، وهو ما حدا بترامب بتهديد تركيا في حال أقدمت على ذلك.

وفي سياق بدا فيه ترامب يحاول تعديل قرار الانسحاب بإحداث نوع من التوازن، قامت الإدارة الأمريكية بإجراء بعض المناورات حيث قام ترامب بإبطاء تنفيذ القرار. وقد جرت عدة مناورات لم تنجح من قبيل انشاء قوة عربية للسيطرة على مناطق وحدات الحماية الكردية شمال سوريا، كما حاولت واشنطن الضغط على دول أوروبية لتشكيل قوة أوروبية تسيطر على المنطقة بعمق 20 كيلومتراً داخل الحدود السورية، لكن الدول الأوروبية لم تتجاوب وأعلنت أنها ستسحب قواتها بانسحاب القوات الأمريكية، حيث تدرك البلدان الأوروبية أن تعارض سياساتها مع تركيا قد يجعلها أمام موجة كبيرة من اللاجئين وقد ظهر هذا الحرص في اللقاء الذي جرى في 15 مارس 2019 في بروكسل بين وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو وممثلة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية فيديريكا موغريني التي قالت إن "التعاون التركي الأوروبي مهم من أجل الحل السياسي في سوريا وليس فقط من حيث اللاجئون" (3)

في هذا السياق ولتمهيد الطريق أمام الأوروبيين للمساهمة بقواتهم في إقامة منطقة آمنة شمال سوريا أعلن البيت الأبيض في 22 فبراير 2019 أنه "ستبقي مجموعة صغيرة لحفظ السلام من نحو 200 جندي في سوريا لفترة من الوقت" (4). وقد جاء هذا الإعلان أيضا بعد اتصال بين ترامب وأردوغان اتفقا فيه على استمرار التنسيق بشأن المنطقة الآمنة. بعد ذلك تم الإعلان أن العدد الذي سيتبقى قرابة 400 جندي.

ولعل هذا الوجود لهذه المجموعة الصغيرة كان هو الطريقة الذكية التي تحدث عنها غراهام حيث أشاد بقرار ترامب بالاحتفاظ بقوة أمريكية صغيرة في سوريا ضمن قوة دولية معتبرا أن الرئيس أخذ بالنصيحة العسكرية السليمة التي ستساعد في تفادي المشاكل (5).لا يوجد مشكلة لدى الأتراك في إبطاء عملية الانسحاب وذلك لإعطائهم فرصة للتنسيق والاستعدادـ، وكذلك أيضا لم ينظروا بتعنت كبير إلى بقاء 200 -400 جندي أمريكي واعتبروا أن هذا العدد غير كاف للسيطرة على المنطقة وسيفتح لهم هامش المناورة، كما أن هناك قراءة ترى أن الانسحاب الأمريكي الكامل من شأنه أن يترك تركيا في مواجهة روسيا وإيران والنظام السوري. ولكن المشكلة تكمن في التحول الأمريكي عن القرار حيث نشرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الإدارة الأمريكية قررت الإبقاء على 1000 جندي بعد فشل التوافق مع تركيا حول منطقة آمنة في الشمال السوري، وفيما نفت وزارة الدفاع الأمريكية هذه الادعاءات وأكدت أنها تواصل إعداد الخطط مع وزارة الدفاع التركية، ومع دول التحالف، فإن هذا سيبقي حالة الثقة في درجات دنيا بالرغم من حديث حول ترميم جزء منها في المحادثات بين أردوغان وترامب (6).ومع كل عمليات التنسيق والمكالمات واللقاءات التي جرت بين مسؤولين أتراك وأمريكان فإن تفاعلات العلاقة بعد قرار الانسحاب ترافقت مع خلافات وانتقادات، ووصلت أحيانا إلى تهديدات عندما أعلنت تركيا حزمها بشأن تنفيذ عملية عسكرية شمال سوريا، وكذلك عزمها على المضي في صفقة أس 400 مع روسيا، وفيما يلي نورد بعض أهم هذه التطورات:

 

الخلاف

التاريخ

ملاحظات

تداعيات قرار الانسحاب ونية تركيا تنفيذ عملية عسكرية شمال سوريا

تركيا تندد بتصريحات بومبيو معتبرة إياها "نقصا مقلقا في المعلومات".

4 يناير 2019

ردا على تحذير بومبيو من تعرض أكراد سوريا "للقتل" على أيدي القوات التركية.

رفض أردوغان مقابلة جون بولتون.

8 يناير 2019

بسبب تصريح بولتون أن الانسحاب الأمريكي لن يتم حتى تضمن أنقرة سلامة المقاتلين الأكراد ووصف أردوغان ذلك بأنه خطأ فادح.

ترامب يهدد بكارثة اقتصادية على تركيا إذا هاجمت الأكراد.

14 يناير 2019

في السياق نفسه دعا ترامب الأكراد إلى عدم استفزاز تركيا.

الموقف من فنزويلا

أردوغان يدعم مادورو ويعبر عن صدمته من موقف ترامب (7).

24 يناير 2019

"تصريحات ترامب حول فنزويلا أثارت صدمتي، فهو شخص يؤمن بالديمقراطية".

بومبيو ينشر خريطة تظهر فيها تركيا منقسمة إلى قسمين.

5 فبراير 2019

نشر بومبيو على تويتر خريطة للدول التي اعترفت بغوايدو رئيسا لفنزويلا وظهرت تركيا في هذه الخريطة مقسمة إلى قسمين.

تطورات سلبية

الولايات المتحدة تحذر رعاياها من السفر إلى تركيا.

16 فبراير 2019

"نحذر المواطنين الأمريكيين من الإرهاب والاعتقال التعسفي في تركيا".

تركيا تقاطع "برنامج أمني" بعد دمج القنصلية الأمريكية بالقدس مع السفارة.

2 مارس 2019

أبلغت تركيا واشنطن بقرارها رفض مواصلة المشاركة في برنامج لدعم الأمن الفلسطيني انطلاقا من القنصلية الأمريكية في القدس بعد دمجها بالسفارة الأمريكية (8).

طلب ترامب إخراج تركيا من "برنامج نظام الأفضليات المعمّم" الذي يسهّل دخول صادراتها إلى السوق الأميركية. (يدخل القرار حيز التنفيذ بعد شهرين).

5 مارس 2019

سُوِّغ الطلب بأن تركيا "متطوّرة اقتصاديا بما يكفي" ومن ثم فهي غير مؤهّلة للاستفادة من برنامج الدعم (9).

وقد أشارت مصادر تركية إلى أن ترامب أصدر تعليماته في أغسطس 2018 بدراسة مسألة إخراج تركيا من نظام الأفضليات عندما بلغت أزمة القس ذروتها، وأن هذه التعليمات وضعت قيد التطبيق مؤخرا بسبب انعدام التواصل بين مفاصل الإدارة، ويجري حاليا العمل على إلغاء القرار نظرا لتعارضه مع اتفاق أردوغان وترامب على رفع حجم التجارة البينية إلى 75 مليار، وأن القرار له انعكاسات سلبية على بعض المنتجين في الولايات المتحدة (10). لكن هذا التبرير المتعلق بالتواصل بين مفاصل الإدارة ليس مقنعا إلى حد ما.

ميلانيا ترامب تزور مدرسة تابعة لجماعة غولن في أوكلاهوما.

5 مارس 2019

زارت ميلانيا مدرسة Dove School of Discovery التابعة لتنظيم غولن في أوكلاهوما ضمن حملة في مجال تنمية الطفل.

الضغط على تركيا لإلغاء صفقة أس 400

قيادات عسكرية تطالب بعدم تسليم طائراتF35 لتركيا.

6 مارس 2019

بحجة إصرار تركيا على صفقة أس 400.

التي تشكل خطرا على طائرات F35 إضافة إلى عدم إمكانية دمجها مع أنظمة الناتو.

اتصال مايك بنس بأردوغان منعا لتعرض تركيا لعقوبات.

فبراير 2019

طلب من أردوغان التخلي عن صفقة أس 400 ولكن أردوغان رفض رفضا قاطعا.

الخارجية الأمريكية تهدد تركيا بعقوبات حال مضيها في شراء أس 400.

6 مارس 2019

احتوى 3 تهديدات:

-          إعادة تقييم مشاركة تركيا في برنامج إنتاج الطائرة (35F)

-          التهديد باحتمال عدم تسليم أسلحة أخرى في المستقبل لتركيا.

-          احتمال مواجهة عقوبات في إطار قانون مكافحة أعداء أمريكا بالعقوبات (CAATSA) بسبب التعاون مع وزارة الدفاع الروسية (11).

جدول يوضح أهم الخلافات التركية الأمريكية منذ مطلع عام 2019

نلاحظ من خلال الأحداث والخلافات التي عرضت في الجدول أعلاه أن الخلاف مستمر حول مستقبل شمال سوريا ما بعد الانسحاب وهناك خلافات حول صفقة أس 400 إضافة إلى خلافات أخرى في المواقف تجاه عدد من القضايا الإقليمية والدولية.

وبالتزامن مع هذه التطورات يمكننا الإشارة إلى تطورات تتعلق بالترتيبات الإقليمية استُبعدت منها تركيا أو غيّبت عنها، مثل جولة بومبيو في الشرق الأوسط، ومنتدى غاز شرق المتوسط وقمة وارسو، حيث رأت تركيا نفسها في المحور المضاد، كما حضرت في قمة سوتشي التي جرت في التوقيت نفسه.

على الجانب الآخر والأكثر تفاؤلا بمستقبل العلاقات؛ فقد كانت اللقاءات بين المسؤولين الأتراك ونظرائهم الأمريكيين مستمرة، وكذلك المكالمات الهاتفية بين أردوغان وترامب، وقدوم المبعوثين الأمريكيين إلى أنقرة وعلى رأسهم جاريد كوشنير وجيمس جيفري، وهو ما يشير إلى حوار مكثف بين الطرفين وحرص من الجانبين على الاستمرار في الحوار مع خشية تركية من تضييع الوقت.

المقاربة التركية

تعتمد المقاربة التركية في التعامل مع الإدارة الأمريكية على عدة أمور أهمها:

1- حوار مباشر بين الرئيسين 

يعتقد الأتراك أن الحوار المباشر بين أردوغان وترامب قد يكون له نتيجة مفيدة معتمدين على التفرقة بين ترامب ورجال ترامب، لأن بعض الشخصيات التي يختلف ترامب معها كانت تشكل عائقا في الوصول إلى تفاهم، مثل بريت ماكغورك الذي عينه أوباما مبعوثا للتحالف من أجل محاربة “تنظيم الدولة” والذي استقال اعتراضا على قرار ترامب بالانسحاب، كما أن هناك عددا من الشواهد والتطورات الإيجابية التي وقعت بعد التواصل بين ترامب وأردوغان هاتفيا. وقد ذكر أردوغان هذا الأمر في تصريحاته: "يمكننا الحصول على نتيجة من المحادثات مع السيد ترامب، وهذا ما لم يكن متاحًا في السابق... أستطيع القول إنني أجريت مباحثات هاتفية إيجابية مع ترامب في الملف السوري"، مشيرا إلى وجود علاقات جيدة مع نظيره الأمريكي "تسهل علينا حل الكثير من المشاكل" (12)

وقد دعا أردوغان ترامب لزيارة أنقرة، ولكن مصادر مقربة من البيت الأبيض ترجح أن اللقاء سيعقد في واشنطن بسبب ما وصف بأنه ضيق وقت ترامب بسبب الانشغال بقضايا تخص السياسة الداخلية.

كما يعتقد أن الزيارة التي سيقوم بها بيرات البيرق وزير المالية والاقتصاد التركي وصهر الرئيس التركي إلى واشنطن في 14-16 نيسان القادم للمشاركة في مؤتمر الأعمال التركي الأمريكي ستكون مهمة، خاصة أنه كان مشاركا في لقاء كوشنير-أردوغان في 27 فبراير 2019 في أنقرة (13). ويرجح أن اللقاء الذي سيعقد في واشنطن خلال شهر نيسان القادم سيكون مهما في تحديد مسار العلاقات.

تاريخ المكالمة بين أردوغان وترامب

النتيجة

2 نوفمبر 2018

أمريكا ترفع عقوبات عن وزيرين تركيين وأنقرة ترد بالمثل.

14 ديسمبر 2018

شرح أردوغان المشاكل المرتبطة بالوجود الأمريكي فقال له ترامب "كل شيء أصبح لك الآن في سوريا ونحن انتهينا". (بعد ذلك بعدة أيام أعلن ترامب قرار الانسحاب).

21 فبراير 2019

الاتفاق على تنفيذ عملية الانسحاب من سوريا بما يتماشى مع المصالح المشتركة، وأن الولايات المتحدة ستترك "مجموعة صغيرة لحفظ السلام" من 200 جندي أميركي في سورية لفترة من الوقت بعد انسحابها.

المكالمة نفسها 21 فبراير 2019

-          تخفيف اللوم على تركيا بقضية صفقة باتريوت حيث قال ترامب لأردوغان إن عدم إتمام صفقة منظومة باتريوت بين تركيا وأمريكا ليس بسببكم بل بسبب السيد أوباما، لو أنه نجح في تمريرها من خلال الكونغرس لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم" (14).

-          قبول ترامب عقد لقاء مع أردوغان بعد الانتخابات التركية المحلية.

15 يناير 2019

تعديل ترامب تغريدته التي هدد فيها تركيا بكارثة اقتصادية إلى تغريدة أخرى حول التعاون الاقتصادي مع تركيا.

2- تقديم المبادرات 

حاولت تركيا تقديم عدد من المبادرات لواشنطن من أجل تخفيف حدة التوتر ومحاولة لتقديم شيء من أجل الحصول على مكاسب أكبر من عملية الانسحاب الأمريكي ومن هذه المبادرات التعهد بمحاربة أي ظهور لتنظيم “تنظيم الدولة” في سوريا، والاستعداد لشراء منظومة باتريوت الأمريكية، وقد ذكر وزير الخارجية التركي أن أول رد إيجابي حول صفقة باتريوت جاءهم بعد عامين من تقديم الطلب، مع أن هذا المسار لم ينجح لأن العرض الذي قدمته واشنطن تم تقييمه في أنقرة على أنه هزيل وقديم ولا يلبي حاجات أنقرة من التسليم في الوقت المناسب والإنتاج المشترك ونقل التكنولوجيا. وقد قال الرئيس التركي أن أنقرة "لا تزال منفتحة لشراء أنظمة باتريوت من الولايات المتحدة ولكن إذا كانت الشروط مناسبة" (15).

كما بادرت تركيا بالاستعداد لتولي مهمة الأمن في منبج وأخذ دور نشيط في عملية الانسحاب الأمريكي، وقد كانت آخر مبادرة تركية هي الاستعداد لشراء الأسلحة التي سلمتها واشنطن لوحدات الحماية شمال سوريا، وقد قال الرئيس التركي "هذه الأسلحة يتم بيعها وقد بدأ ذلك بالفعل (..) مثلا تنظيم الدولة اشترى العديد منها" (16) .

وبخصوص أزمة منظومة أس 400 ترى تركيا أنها يمكن أن تحصل على استثناء من قانون مكافحة أعداء أمريكا بالعقوبات (CAATSA) بسبب التعاون مع وزارة الدفاع الروسية. وقد يكون هذا الموضوع موضع نقاش بين الرئيسين، وعلى الأغلب أن الإدارة الأمريكية تحاول أن تنقل هذه الأزمة إلى طاولة الناتو في اجتماعه الشهر المقبل، على اعتبار أن تركيا تخاطر بأمن الناتو. وفي هذا السياق أرسلت أنقرة رسائل لواشنطن أنها راغبة في معالجة موضوع أس400 بشكل لا يضر بواشنطن ودون التأثير على صفقة طائرات F35، وأن نقل الموضوع للناتو سيفتح الكثير من المشاكل الجميع في غنى عنها حاليا. وتحاول تركيا القول إن استخدامها لمنظومة أس 400 فقط لحاجتها لنظام دفاعي قوي على حدودها الجنوبية وهو أمر منفصل عن نظام الدرع الصاروخي لحلف الناتو، كما أن تركيا بحاجة لإحداث توازن مع اليونان التي تمتلك أس 300.

ومع أن واشنطن تلوح بأن خيار باتريوت بدون تكنولوجيا مع طائرات F35 أفضل من أس 400 مع الحرمان من طائرات F35فلا يتوقع أن تتراجع تركيا عن صفقة تأس 400، ليس فقط لأنها حازمة في تنويع مصادرها العسكرية أو أن الصفقة شارفت على الانتهاء، بل لأنه لا يوجد ضمانات في حال تخلت تركيا عنها تلزم واشنطن بتسليم تركيا طائرات F35 فضلا عن كونها نقطة تحول في العلاقة مع روسيا.

وفي سياق الحديث عن المبادرات بادرت تركيا باستعدادها لرفع التجارة البينية مع الولايات المتحدة، وقد جرى الاتفاق بين الرئيسين على العمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية ورفع التجارة البينية من 22 مليار دولار إلى 75 مليار دولار سنويا (17) .

3- التلويح بمخاطر عدم التنسيق معها

ترى تركيا أن الخيار البديل عن التنسيق الأمريكي معها هو من خلال تفاوض واشنطن مع موسكو وبهذا تقدم واشنطن شمال سوريا إلى نظام الأسد المدعوم من إيران كما تقدم ميليشيات الحماية التي دعمتها ودربتها إلى النظام السوري وروسيا على طبق من ذهب. بمعنى أن الفراغ الذي ستتركه واشنطن بدون التنسيق مع أنقرة ستملأه طهران وسيكون لذلك أثر على تزايد النفوذ الروسي في المنطقة مما سيدفع جميع اللاعبين في المنطقة لتقوية علاقاتهم بروسيا بدلا من واشنطن. وفي هذا السياق لوحت أنقرة أيضا بمخاطر عدم التنسيق معها من قبل الدول الأوروبية واحتمالات مزيد من موجات اللاجئين والمشاكل الأمنية للقارة الأوروبية.

4- خيار المجازفة بالحملة العسكرية 

يعتمد هذا الخيار على اعتبار وجود وحدات الحماية على الحدود الجنوبية لتركيا، في صدارة التهديدات التي تواجه تركيا، وأن واشنطن لا تقبل إنهاء تنظيم وحدات الحماية بعد أن دربتها وسلحتها، تحاول حاليا حمايتها بكل الطرق، وترفض واشنطن طلب تركيا بالسيطرة على المنطقة الآمنة، ويتوقع أن يكون الخيار المطروح هو سيطرة للتحالف الدولي على المنطقة الآمنة بمشاركة تركية وبحماية جوية أمريكية. ويزيد رفض تركيا لهذا الخيار من احتمال قيامها بعملية عسكرية. ومع أن الوجود الأمريكي القليل قد لا يردع تركيا عن تنفيذ عملية عسكرية فإن خوف أنقرة من حدوث أي تصادم مع القوات الأمريكية يعد عائقا كبيرا، ولكن هذا أيضا ليس العائق الوحيد أمام أنقرة فحملتها العسكرية تلقى اعتراضا من روسيا وإيران والنظام السوري، وقد شهدت الأسابيع الأخيرة توترا على مستوى العلاقات التركية الروسية مع تأجيل زيارتين لوزير الخارجية الروسي لأنقرة على خلفية خلافات حول الوضع في إدلب. كما أن أي تطورات في إدلب قد تشتت أي عملية عسكرية تركية شمال شرق سوريا.

تحتاج تركيا في حال إصرارها على أي خطوة تتحدى فيها الولايات المتحدة؛ سواء بإمضاء صفقة أس 400 أو بحملة عسكرية شمال سوريا، إلى مراعاة عدة أمور أولها تعرض اقتصادها لهجمات قاسية وكذلك اختبارات أكبر لاستقرارها الداخلي. ومع أن الحملة العسكرية لم تسقط من الخيارات التركية فإنها غير مرجحة في الفترة الحالية كما أنها لن تكون إلا بعد وصول العلاقة مع واشنطن إلى حالة متردية وهو ما لن يتضح إلا بعد فترة شهرين إلى ثلاث على الأقل.

خاتمة 

يتوقع أن تستمر المباحثات التركية الأمريكية حول كافة الملفات العالقة من تنظيم غولن وشمال سوريا بكل تفاصيله وصفقة أس 400 والتجارة البينية وقضية مصرف الشعب (خلق بنك)، وفيما يقر الأتراك بصعوبة هذه المباحثات فإنهم يعقدون آمالا على الحوار المباشر بين ترامب وأردوغان، وفيما تريد تركيا منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا على الأقل تتولى عملية رقابتها؛ فإن الشكل النهائي للانسحاب الأمريكي والقوات التي ستملأ الفراغ لم يتبلور بعد، ولذا فإن تركيا ستنتظر حتى تتبين ملامح ذلك وحتى ينعقد لقاء أردوغان وترامب. 

تحرص أنقرة وواشنطن على تجنب أي استفزازات توتر العلاقة بينهما ويحاول كل طرف منهما تقديم شيء ما لإرضاء الآخر، كما تجري محاولات لترميم الثقة، ولكن في الوقت نفسه وبسبب الخلافات القائمة وحالة التردد في القرار الأمريكي، فإن بيئة العلاقات بينهما ما زالت غير مناسبة للحفاظ على هذه المحاولات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*محمود سمير الرنتيسي، باحث مختص بالشأن التركي.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)      "Trump told Turkey's Erdogan in Dec. 14 call about Syria, 'it's all yours. We are done'", CNN, Dec 24 2018, (Accessed 18 March 2018): https://edition.cnn.com/2018/12/23/politics/donald-trump-erdogan-turkey/index.html

(2)   "سيناتور مقرب من ترامب يعلن استعداد الرئيس "لإبطاء" الانسحاب من سوريا"، فرانس 24، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018): http://cutt.us/XuErN

(3)   شكر، أفق أطا، "موغريني التعاون التركي الأوروبي مهم من أجل الحل السياسي في سوريا"، وكالة الأناضول، 15 مارس 2019، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018):http://cutt.us/n6B99

(4)  "البيت الأبيض: أمريكا ستترك 200 جندي بسوريا بعد انسحابها"، رويترز، 22 فبراير 2019، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018):https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKCN1QA2ZC

(5)  المرجع السابق

(6)    إلري، قاسم، "الأركان الأمريكية تفند ادعاءات إبقاء ألف جندي في سوريا"، وكالة الأناضول، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018): http://cutt.us/MqKjA

(7)   "أزمة فنزويلا: ضغوط متزايدة على تركيا بسبب وارداتها من الذهب الفنزويلي"، بي بي سي عربي، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018): http://www.bbc.com/arabic/world-47098446

(8)   "أرناؤوط، عبدالرؤوف، تركيا تقاطع "برنامج أمني" بعد دمج القنصلية الأمريكية بالقدس مع السفارة"، وكالة الأناضول، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018):http://cutt.us/55CsN

(9)   "ترامب "يشطب" تركيا من برنامج للدعم التجاري؟"، ترك برس، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018): https://www.turkpress.co/node/58523

(10)   Turgut, Serdar, HaberTurk, "ABD'nin Türkiye'ye yönelik son ekonomi kararının altından da Rahip Brunson çıktı", (Accessed 18 March 2018):https://www.haberturk.com/yazarlar/serdar-turgut-2025/2399710-abdnin-turkiyeye-yonelik-son-ekonomi-kararinin-altindan-da-rahip-brunson-cikti

(11)   "الخارجية الأمريكية تهدد تركيا بعقوبات حال مضيها في شراء (إس-400)"، وكالة الأناضول، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018): http://cutt.us/PfbP5

(12)   "أردوغان: قد أزور الولايات المتحدة بعد 31 مارس"، وكالة الأناضول، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018): http://cutt.us/uZI8c

(13)   Turgut, Serdar, HaberTurk, "Başkan Erdoğan, Başkan Trump ile nisanda görüşebilir", (Accessed 18 March 2018):https://www.haberturk.com/yazarlar/serdar-turgut-2025/2403496-baskan-erdogan-baskan-trump-ile-nisanda-gorusebilir

(14)   المرجع السابق.

(15)   "جاويش أوغلو: واشنطن تنظر بإيجابية لرغبة أنقرة في شراء منظومة باتريوت"، ترك برس، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018):https://www.turkpress.co/node/58395

(16)   مرجع سابق، وكالة الأناضول، أردوغان قد أزور الولايات المتحدة بعد 31 مارس.

(17)   "الولايات المتحدة تكشف عن اتفاق مع تركيا حول المنطقة الآمنة"، يني شفق، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2018): https://www.yenisafak.com/ar/world/3416606