شهدت علاقات إيران مع الولايات المتحدة الأميركية على مدار السنوات الأربعين الماضية، توترات متعاقبة، سواءً أكان ذلك على مستوى العلاقات الثنائية أو الإقليمية أو الدولية. فيما انحسرت مجالات التعاون بينهما لأمدية محدودة جدًّا، في بعض الميادين وبالذات في الميدان الاقتصادي، مع الأخذ بنظر الاعتبار التباين الطفيف في الإجراءات التنفيذية للسياسات الخارجية الأميركية لكل من الديمقراطيين والجمهوريين المتعاقبين على دست الحكم في البيت الأبيض في واشنطن إزاء إيران، والتي انعكست على مجالات التعاون بين البلدين.
وقد انفردت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والذي تسلَّم السلطة في واشنطن، في 20 يناير/كانون الثاني 2017، بكونها تعاملت مع إيران بمسارات مُختلفة وبحزم وبوتيرة معاكسة لغالبية خطوات إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، وأطلقت استراتيجية عمل جديدة إزاء إيران، استهدفت انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي الموقع في منتصف عام 2015 بين إيران والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا، وأعادت العمل بالعقوبات الاقتصادية، وركزت أنشطتها السياسية والاقتصادية والإعلامية المعلنة بهدف تغيير السلوك السياسي للنظام الإيراني. إن التحليل الأولي للمتغيرات المؤثرة والمسارات المتعددة والتي أسهمت في إعادة تشكيل العلاقات الإيرانية-الأميركية، يُظهر وبشكل لا يقبل اللبس تزايد تأثير حزمة من العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية على العلاقات الثنائية بين البلدين، وبخاصة باتجاه الاستفادة من المواد الخام المتاحة لدى إيران وتحديدًا النفط الخام والغاز الطبيعي، فضلًا عن إدراك الإدارات الأميركية المتعاقبة لأهمية موقع إيران الاستراتيجي، وتأثيرها في إقليم الشرق الأوسط، لذلك سعت الإدارات الأميركية المتعاقبة لإتباع العديد من الوسائل لتحقيق تلك الأهداف.
وإزاء استمرار التوتر في العلاقات الإيرانية-الأميركية في كافة الميادين، وبالذات الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية منها، جاءت أهمية دراسة هذه الإشكالية من خلال متابعة المستجدات لتطورات العلاقات الإيرانية-الأميركية، منذ مجيء إدارة الرئيس، دونالد ترامب؛ لمحاولة رصد جانب من تطوراتها الثنائية وتداعياتها المرتقبة على دول المنطقة.
أما في الميدان الاقتصادي، فقد تراجعت أرقام التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في السنوات الأخيرة لأمدية متدنية جدًّا، ولا تتناسب وحجم الاقتصادين الأميركي والإيراني. وعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي قيمة الصادرات الأميركية لإيران في عام 2018 نحو (440) مليون دولار، فيما لم تتجاوز الواردات الأميركية من إيران (98) مليون دولار أميركي للسنة ذاتها، وفقًا للإحصاءات الرسمية الأميركية (2) .
كما أصدرت إدارة الرئيس، دونالد ترامب، منذ استلامها السلطة، في 20 يناير/كانون الثاني 2017، استراتيجية جديدة إزاء إيران اتسمت بالتشدد، وبخاصة، حيال البرنامج النووي الإيراني، واستمرار إيران بدعم الإرهاب وبخاصة بعد تصنيف الخارجية الأميركية، في تقريرها السنوي لعام 2018 لمكافحة الإرهاب، في 19 سبتمبر/أيلول 2018، لإيران "أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم" (3) .
احتل الملف الإيراني الأولوية القصوى في برنامج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى جانب ملف الإرهاب، حيث عبَّر وبشكل مبكر أثناء الحملة الانتخابية عن رفضه المطلق للاتفاق النووي الموقَّع مع إيران من قبل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا وبضمنها الولايات المتحدة الأميركية والموقع من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ووصفه بكونه "أغبى صفقة على الإطلاق"، وتدرجت إجراءات إدارة الرئيس، دونالد ترامب، إزاء إيران بالخطوات الآتية:
1. الانسحاب من الاتفاق النووي: بعد أحد عشر شهرًا من توليه المنصب رسميًّا، في العشرين من يناير/كانون الثاني 2017، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 16 ديسمبر/كانون الأول 2017 (4) ، عن استراتيجية الأمن القومي لإدارته التي يطلبها الكونجرس من كل إدارة جديدة منذ عام 1986، وجاء في هذه الاستراتيجية أن إيران استفادت من النزاعات الإقليمية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وانعدام الاستقرار فيها، حتى توسِّع تأثيرها لتهدد الدول المجاورة لها، وقد حدث ذلك إثر ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، واستغلال الفراغ الذي أحدثته إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، وعقدت صفقة كارثية وضعيفة وغير مفهومة وسيئة مع إيران، وسمحت للإرهابيين مثل داعش بالسيطرة على أجزاءٍ واسعة من الأراضي في مُختلف أنحاء الشرق الأوسط (وتجلى ذلك أيضًا في دعم أنظمة مارقة (Rogue systems)، تهدد الولايات المتحدة وحلفاءنا. نواجه منظمات إرهابية وشبكات إجرامية عابرة للحدود الوطنية، وغيرهم ممن ينشرون العنف والشر في مختلف أنحاء العالم، ولمعاقبة إيران ومنع طريقها إلى سلاح نووي، فرضت على قوات الحرس الثوري الإيراني عقوبات بسبب دعمها للإرهاب، ورفضت التصديق على صفقة إيران أمام الكونغرس). كما أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 8 مايو/أيار 2018، "انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي مع إيران وأعاد فرض أقسى العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني. وأكد الرئيس ترامب أن الانسحاب من الاتفاق يأتي لعدم نجاح الاتفاق في وقف أنشطة طهران المزعزِعة للاستقرار ومساعيها للحصول على سلاح نووي وردعها عن متابعة برنامجها للصواريخ الباليستية" (5) .
2. إعادة فرض العقوبات الاقتصادية: حددت إدارة الرئيس، دونالد ترامب، العقوبات الاقتصادية على إيران بمرحلتين؛ وقد دخلت المرحلة الأولى من العقوبات حيز التنفيذ اعتبارًا من 6 أغسطس/آب 2018، تضمنت: حظر التعامل بالدولار الأميركي عبر القنوات المصرفية، ومنع جميع التعاملات بالذهب والمعادن النفيسة، وإيقاف تجارة المعادن الصناعية مثل الحديد والألمنيوم، وحظر صفقات الفحم وجميع أنواع الكربون ومنع بيع وشراء العُملة الإيرانية (الريال) خارج البلاد، وحظر البرمجيات ذات الاستخدامات الصناعية ومنع تعاملات السندات وأدوات الدَّين الإيراني وحظر صفقات الطيران وصناعة السيارات (6) . فيما ستدخل المرحلة الثانية حيز التطبيق في 3 مايو/أيار 2019 والتي تستهدف قطاع الطاقة الإيراني بمنع تصدير النفط الإيراني للأسواق العالمية.
3. خطة مايك بومبيو: أوضح وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في خطاب ألقاه، بتاريخ 12 مايو/أيار 2018، في معهد "هيرتيغ" في العاصمة الأميركية، واشنطن (7) ، أن إيران استغلت الاتفاق النووي الموقع عام 2015 لتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة حروب وصراعات، واستخدمت الأموال التي حصلت عليها بفضل الاتفاق لتوسيع نفوذها وتمويل أنشطتها الإرهابية وتقديم الدعم لحزب الله والحوثيين والميليشيات الأخرى في العراق، وحدَّد وزير الخارجية الأميركي(12) شرطًا على إيران تنفيذها بهدف تجنب العقوبات الأشد في التاريخ، وخلافًا للتقاليد المألوفة، استهل وزير الخارجية الأميركي في بداية كل شرط تثبيت عبارة (يجب على إيران)، وهي كما يأتي:
• يجب على إيران تقديم جرد كامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل أنشطتها العسكرية السابقة ضمن برنامجها النووي، وأن تتخلى عن مثل هذا العمل بشكل دائم وبشكل يمكن التحقق منه.
• يجب على إيران وقف تخصيب اليورانيوم وعدم محاولة معالجة البلوتونيوم من جديد وإغلاق مفاعلها للماء الثقيل.
• يجب على إيران أيضًا، منح الوكالة الدولية نفاذًا مطلقًا لكل المحطات النووية، العسكرية منها وغير العسكرية.
• يجب على إيران، وقف إنتاج الصواريخ البالستية ووقف تطوير وإطلاق الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.
• يجب على إيران إطلاق سراح مواطني الولايات المتحدة والدول الشريكة الحليفة المحتجزين بناء على تهم زائفة أو المفقودين في إيران.
• يجب على إيران وقف دعم المجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط بما يشمل حزب الله اللبناني، وحركة حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي.
• يجب على إيران احترام سيادة الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية وتسريحها وإعادة دمجها.
• يجب على إيران أيضًا أن تنهي دعمها العسكري للميليشيات الحوثية والعمل لصالح تسوية سياسية سلمية في اليمن.
• يجب على إيران الانسحاب من سوريا وسحب جميع القوات التي تشرف عليها هناك.
• يجب على إيران أن توقف دعم حركة طالبان وغيرها من الإرهابيين في أفغانستان والمنطقة، وأن تتوقف عن إيواء قادة كبار منظمة القاعدة.
• يجب على إيران أيضًا وقف دعم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وللإرهابيين والشركاء المتشددين في جميع أنحاء العالم.
• يجب على إيران إيقاف تصرفاتها التي تهدد جيرانها، والكثير منهم هم حلفاء للولايات المتحدة الأميركية، وذلك يشمل التهديد بتدمير "إسرائيل" والقضاء عليها، وكذلك إطلاق الصواريخ على السعودية والإمارات وتهديد الملاحة والهجمات الإلكترونية الهدامة.
4. مجموعة العمل الإيرانية : بهدف تنفيذ الاستراتيجية الأميركية إزاء إيران، شكَّل وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، مايك بومبيو، بتاريخ 16 أغسطس/آب 2018، مجموعة عمل، أطلق عليها تسمية (مجموعة العمل الإيرانية) التي يرأسها "براين هوك"، مدير التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية (8) ، والذي تولى مساعي الإدارة لإدخال تغييرات على الاتفاق النووي المُبرم مع إيران، خلال محادثات مع الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، قبل أن يقرر الرئيس، دونالد ترامب، في مايو/أيار 2018، الانسحاب من الاتفاق. ويشرف "براين هوك" على متابعة تنفيذ سياسة الإدارة الأميركية إزاء إيران، علمًا بأن "بومبيو" ومسؤولين أميركيين آخرين نفوا تكهنات بسعي الإدارة إلى تغيير النظام في طهران، مشددين على أنهم يعملون لتغيير مساره ووقف "نشاطاته الخبيثة" في المنطقة وكبح برنامجه الصاروخي.
إيران هددت بإغلاق مضيق هرمز إذا جرى منعها من تصدير نفطها (رويترز) |
1. العقوبات الاقتصادية: أثار شروع الإدارة الأميركية بتطبيق استراتيجيتها ضد إيران حفيظة المسؤولين الإيرانيين، والذين سارعوا لإطلاق تهديدات ضد الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي والدول العربية الخليجية المصدِّرة للنفط وبالذات ضد المملكة العربية السعودية، ومنها على سبيل المثال، ما صرَّح به الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في الأول من يوليو/تموز 2018، بقوله: "رغم أن الأميركيين يريدون وقف صادرات النفط الإيرانية بالكامل فإنهم لا يفهمون معنى هذا التصريح... إذا كنتم تستطيعون، افعلوا وسترون النتيجة". وفي الوقت ذاته، حذَّر وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، دولَ الاتحاد الاوروبي، قائلًا: "إذا أغمضنا عيوننا (24) ساعة، سيذهب مليون لاجئ إيراني إلى أوروبا عبر حدودنا الغربية" من خلال تركيا. ولفت إلى إمكان تهريب نحو (5000) طن من المخدرات إلى الغرب متناسيًا أن هذه التصريحات تشكِّل إدانة أخرى للنظام الإيراني (9) ، فيما هدد قائد القوات البحرية التابعة لـ"الحرس الثوري"، الجنرال علي رضا تنكسيري، بإغلاق مضيق هرمز "إذا مُنعنا من الاستفادة منه". وأضاف: "في حال أي تهديد، لن تكون لدينا ذرة شك في حماية المياه الإيرانية والدفاع عنها" (10) . ويتضح من خلال مُتابعة تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين بخصوص توتر علاقة إيران مع الولايات المتحدة الأميركية، عدم ثبات الموقف الرسمي الإيراني بالركون إلى السلم أو الجنوح إلى الحرب. مع الأخذ بنظر الاعتبار أن السلطات الإيرانية تمتلك خبرة مُتراكمة لإدارة علاقاتها المتوترة مع الإدارات الأميركية المتعاقبة، وقد وظفت هذه الخبرة، ولا تزال، في إدارة العلاقة مع واشنطن في ظل إدارة "دونالد ترامب"، والتي أولت اهتمامًا خاصًّا ومُتشددًا مع إيران منذ بداية عام 2017 وحتى الوقت الحاضر.
2. المفاوضات مع الإدارة الأميركية: لقد حسم المرشد الأعلى، علي خامنئي، هذ الموقف خلال لقائه رئيس الجمهورية، حسن روحاني، وأعضاء حكومته، بتاريخ 29 أغسطس/آب 2018، بقوله: "إذا كانت هذه نتيجة المفاوضات مع المسؤولين الأميركيين السابقين الذين كانوا يَبدون ذوي ليونة بالظاهر فقط، فأي نتيجة يمكننا توقعها من هؤلاء المسؤولين الوقحين والمعتدين الذين يرفعون السيف بوجه الشعب الإيراني. لذا، سوف لن يكون لنا أي تفاوض مع أميركا وبأي مستوى أو شكل كان" (11) .
3. تقديم شكوى لمحكمة العدل الدولية: على الرغم من قطع الولايات المتحدة الأميركية لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران منذ عام 1980، وعدم وجود (صداقة) بين الدولتين منذ ذلك التاريخ وحتى الوقت الحاضر، إلا أن السلطات الإيرانية دأبت على التشبث بمعاهدة الصداقة المُبرمة بين المملكة الإيرانية في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، والولايات المتحدة الأميركية، عام 1955، وقدمت السلطات الإيرانية شكوى ضد الولايات المتحدة الأميركية لدى محكمة العدل الدولية متهمة الإدارة الأميركية بالإخلال بمعاهدة الصداقة الأميركية-الإيرانية، وعندئذ بدأت محكمة العدل ومقرها في مدينة لاهاي في هولندا، في 28 أغسطس/آب 2018، بدراسة شكوى للحكومة الإيرانية الحالية ضد الولايات المتحدة الأميركية والتي أخلَّت بمعاهدة الصداقة الإيرانية-الأميركية بفرض العقوبات الاقتصادية ضد إيران.
ومع إصدار المحكمة قرارًا لصالح إيران، إلا أن وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، مايك بومبيو، وصف الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية بتخفيف العقوبات الأميركية على إيران بسبب نشاطها النووي بأنه "عبثي"، معلنًا إلغاء المعاهدة الموقَّعة في عام 1955 بين البلدين (12) .
1. مع استمرار ظاهرة التوتر في العلاقات الإيرانية-الأميركية، إلا أن إدارة الرئيس، دونالد ترامب، أسهمت في إعادة تشكيل العلاقات الإيرانية-الأميركية على نحو مختلف عن المسارات المتعددة للإدارة الأميركية السابقة، من خلال العمل بصورة مُعاكسة لإجراءات إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، وإعادة هذه العلاقات لتحتل الأسبقية الأولى في سُلم أولويات الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، منذ عام 2017 وحتى الوقت الحاضر. لذلك، ارتكزت استراتيجية إدارة الرئيس، دونالد ترامب، تجاه إيران على عدة محاور متكاملة وشاملة لمواجهة "الخطر الإيراني" من وجهة النظر الأميركية، يمكن إيجازها بالآتي:
• الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني باعتباره اتفاقًا معيبًا -من وجهة نظر الإدارة الأميركية- وبه ثغرات خطيرة وأبرزها ما يعرف ببند الغروب، أي إن الاتفاق مؤقت ومدته عشر سنوات تنتهي في عام 2025، ويمكن لإيران بعدها استئناف عملية تخصيب اليورانيوم بمعدلات عالية.
• ربط الملف النووي الإيراني بملفات أخرى، وبخاصة برامج الصواريخ الباليستية والتي تهدد أمن واستقرار المنطقة والعالم، ودعم إيران للإرهاب وأذرعها العسكرية والتي أدت لتقويض الاستقرار في الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة الأميركية.
• حشد الدعم الدولي تجاه إيران لزيادة عزلتها الدولية عبر ممارسة الضغوط على الدول التي تتعامل مع إيران، والتحذير من "برامج الصواريخ الباليستية" والاتهام بدعم الإرهاب أمام المجتمع الدولي.
• تنفيذ العقوبات الاقتصادية، بمرحلتيها، الأولى والثانية، والتي استهدفت كافة قطاعات الاقتصاد الإيراني، وبخاصة عقب عزم الإدارة الأميركية تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات الاقتصادية على إيران بتصفير عمليات تصدير النفط، والهادفة إلى منع تصدير النفط الإيراني للأسواق العالمية اعتبارًا من 3 مايو/أيار 2019، وعندئذ سيتم وضع مسارات جديدة للعلاقات الأميركية-الإيرانية.
2. سيكون لتدهور العلاقات الإيرانية-الأميركية في المدى المنظور، تداعيات سلبية، سياسية واقتصادية على غالبية دول منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن انعكاساتها السلبية على أسواق الطاقة العالمية، وبخاصة إذا ما تطورت الأحداث ودفعت السلطات الإيرانية لتطبيق سيناريو واحد يتمثل بسيناريو "رابح-خاسر" Winners-Losers Scenario بإغلاق مضيق هرمز والذي تُصدِّر من خلاله نحو (18) مليون برميل من النفط الخام يوميًّا للأسواق العالمية في الوقت الحاضر؛ مما يؤدي إلى حدوث أزمة طاقة عالمية.
3. لا تخلو ظاهرة التوتر في العلاقات الإيرانية-الأميركية من دوافع كامنة، اقتصادية وسياسية واستراتيجية تدفع نحو تبلور ظاهرة للتنافس الشديد على مناطق النفوذ بين الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها القوة الأولى في العالم، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي يستهدف قادتها إعادة الاعتبار الإقليمي والدولي لإمبراطورية فارس عبر تطبيق مبادئ نظرية "ولاية الفقيه" عبر اعتماد ما يسمى، تصدير الثورة الإسلامية للخارج لدول العالم، وبخاصة للدول الإسلامية المجاورة لإيران؛ مما يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة ليس بين إيران والولايات المتحدة الأميركية فحسب، بل بين الدول العظمى الأخرى، والتي لها مصالح واسعة في دول الشرق الأوسط، أي انتقال الصراع من الطابع الثنائي إلى التنافس بين الدول العظمى ذاتها وبخاصة بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
1. لا تزال صفحة الحرب الاقتصادية تستحوذ على القدح المعلى في مراحل الصراع الإيراني-الأميركي، وبالذات لدى الإدارة الأميركية الحالية، على الرغم من تهديدات بعض المسؤولين في الولايات المتحدة وإيران، بالركون إلى القوة العسكرية لمواجهة الطرف الآخر، بانتظار ما ستحققه من نتائج في مختلف الميادين، وبالذات بإثارة حفيظة الشعب الإيراني ودفعه للقيام بمظاهرات عنيفة في مختلف المدن الإيرانية والشروع باضطرابات داخلية، وعلى غرار ما حصل في السودان، ستلجأ الولايات المتحدة الأميركية نحو التلويح بالخيار العسكري، باستخدام تقنيات عسكرية أميركية متقدمة ضد الأهداف الاستراتيجية الإيرانية، لإجبار السلطات الإيرانية على إعادة تعديل "سلوكها السياسي" على الصعيدين، الإقليمي والدولي.
2. مع محدودية وصعوبة الخيارات المُتاحة أمام صانع القرار الإيراني لمواجهة إصرار الإدارة الأميركية الحالية على استمرار فرض العقوبات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونظرًا لضخامة التأثيرات السلبية الخطيرة لنتائج هذه العقوبات على جوهر النظام السياسي في إيران وبخاصة بعد شروع الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ المرحلة الثانية من العقوبات الاقتصادية، والتي تخص عدة قطاعات ومنها القطاع النفطي، عندئذ لا نستبعد لجوء القيادات الإيرانية، في آخر المطاف، لقبول التفاوض المباشر أو غير المباشر (عبر وسطاء إقليميين أو دوليين)، مع الإدارة الأميركية الحالية، وتطبيقها لبعضٍ من الشروط التي حددها وزير الخارجية الأميركي "مايك بومبيو".
3. توطيد إيران لعلاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع دول عظمى منافسة لتوجهات الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، كالصين وروسيا، والمراهنة على عامل الزمن من خلال محاولة إطالة أمد المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع الإدارة الأميركية، ريثما يحصل تغيير ما في البيئة السياسية الدولية أو الأميركية وبما يخدم الأهداف الإيرانية.
4. مع صعوبة تجاوز السلطات الإيرانية المنطلقات الأيديولوجية الإيرانية، والتي تتبنى ما يُسمى بسياسة (تصدير الثورة الإسلامية، وفقًا لمبدأ ولاية الفقيه)، قد يسعى صانع القرار في طهران لإعادة تقويم مخاطر الإجراءات الأميركية على الأمن القومي الإيراني والسعي لتحقيق اختراق في علاقاته السياسية والاقتصادية على الصعيد الإقليمي، بتكليف وسطاء من دول المنطقة كسلطنة عُمان أو العراق، لإقناع القيادة السعودية بإعادة العلاقات الإيرانية-السعودية لسابق عهدها.
يتضح بمراجعة وتدقيق تسلسل المواقف المتراكمة على مدى أكثر من ستة عقود خلت، وتحديدًا منذ بداية اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بإيران في بداية خمسينات القرن الماضي وحتى الوقت الحاضر، والشروط المتبادلة بين الولايات المتحدة الأميركية، كقوة عظمى، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، تعكس وبشكل لا يقبل اللبس، مدى عمق وتراكم الأزمات بين الدولتين، ولدرجة يصعب على المتتبع معها تصور احتمالات التوصل لحلول سريعة لهذه الأزمات المتراكمة، والتي ستشهد توترات لاحقة قد تتصاعد باستخدام أدوات الحرب الاقتصادية لدرجة قد تدفع بإيران، وبخاصة إن تم التطبيق الصارم للحظر النفطي، لاستخدام الحل العسكري باستهداف الموانئ النفطية الخليجية، وبالذات السعودية منها لدفع الدول الأخرى، المستوردة للنفط، وبخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين للتدخل لدى الإدارة الأميركية لتخفيف تأثيرات الضغوط الاقتصادية على إيران سواءً أكان ذلك في المدى المنظور، أم على الصعيد الاستراتيجي.
________________________________________________________________
أ. د. خضير عباس النداوي، أكاديمي وخبير اقتصادي عراقي
(1) إيران صامدة: في محور الشر بعد إطاحة صدام، صحيفة الحياة، لندن، 11 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول 24 أبريل/نيسان 2019)، الرابط: http://www.alhayat.com/article/4586036/سياسة/ا%D
(2) U Department of commerce, Foreign Trade, Trade in Goods with Iran. It is available at: https://www.census.gov/foreign-trade/balance/c5070.html