مسلمو الجبل الأسود: الوضع الراهن، والتحديات

حاز مسلمو الجبل الأسود بأحزابهم السياسية على بعض المقاعد البرلمانية ولهم وجود في أجهزة الدولة ووظائفها، لكن مشاركتهم في الوظائف العمومية والحياة العامة لا تعكس وزنهم العددي. ويعول المسلمون على الجمعية الإسلامية للحفاظ على هويتهم وثقافتهم الخاصة.
20145562322407734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
يعيش اليوم في الجبل الأسود، أحدث الدول الأوروبية نشأة، والتي جددت استقلالها عام 2006، ما يقرب من 120 ألف مسلم، وهو ما يمثل خمس سكان البلاد. واستطاع المسلمون بأحزابهم السياسية أن يوصّلوا بعض الممثلين لهم إلى البرلمان ولهم وجود في أجهزة الدولة ووظائفها، لكن مشاركتهم بشكل عام في الوظائف العمومية والحياة العامة لا تعكس وزنهم العددي. ويواجه أفراد الأقلية المسلمة في علاقتهم مع الدولة ومؤسساتها تحديات عديدة وعلى مستويات مختلفة تتطلب منهم المزيد من التنظيم وتوحيد المواقف لاسيما السياسية منها. وتقوم الجمعية الإسلامية وهي الممثل المعترف به للمسلمين، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني، بدور أساسي للحفاظ على هوية المسلمين وثقافتهم، وتعمل في إطار القوانين والمبادئ الدستورية لدولة الجبل الأسود.

تعرّف الجبل الأسود نفسها على أنها "دولة مدنية، ديموقراطية"، تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية المبنية على الشرعية ومبادئ القانون، وجددت استقلالها عن طريق إقامة استفتاء شعبي في 21 مايو/أيار 2006، وأصبحت عضوًا في الأمم المتحدة، وحصلت على ترشيحها لعضوية الاتحاد الأوروبي في العام 2010.

تحتل الجبل الأسود مكانها كدولة جنوب-شرق أوروبية بمساحة تبلغ 13.812 كيلو مترًا مربعًا، وساحل يصل طوله إلى 293 كلم، وهي أيضًا بحر متوسطية ولها امتداد بلقاني بتماسها مع البحر الأدرياتيكي في شبه جزيرة البلقان، وتنقسم جغرافيًا إلى مناطق ثلاث: منطقة الجنوب الساحلية (وهي المنطقة الأكثر تطورًا اقتصاديًا)، ومنطقة الوسط (بنمو اقتصادي متوسط)، ومنطقة الشمال (غير نامية وفقيرة)، وهي دولة تجمع بين مناخين: متوسطي قاري وآخر جبلي.

المعطيات الأساسية والإحصاءات-قراءة تحليلية

شهد الجبل الأسود تحولات ديمغرافية يمكن رصدها من خلال إحصاءات السكان المتوفرة (1991، 2003، 2011)، وبعضها يعطي صورة عن نسبة تمثيل المسلمين المتدنية في الوظائف العمومية لاسيما إحصاء عام 2011.

بلغ تعداد سكان الجبل الأسود 620.029 نسمة، بحسب الإحصاء السكاني لعام 2011، ويتوزعون على النحو التالي:

  • الجبل أسوديين: 275.865 أو 44.98%.
  • الصرب: 178.110 أو 28.73%. 
  • أرثوذكس: 446.858 نسمة أو ما نسبته 72.04%.
  • مسلمين: 118.477 نسمة، وبنسبة 19.11%.
  • مسيحيين كاثوليك: 21.999 أو 3.44%.

أما باقي السكان فقد اختاروا عدم الانتماء إلى أي من الجماعات الإثنية أو الدينية(1). ويتوزع المسلمون إثنيًا على مجموعات مختلفة، منهم البوشناق، ويبلغ عددهم 74.933، أي بنسبة تقدر بـ12.08% -وهم السكان الذين صرحوا بأنهم مسلمون، أو بوسنيون، أو بوشناقيون/مسلمون، أو مسلمون/بوشناقيون- ويوجد إلى جانبهم حوالي 20 ألف ألباني أو 3.23% (عدد ألبان الجبل الأسود 30 ألفًا، منهم الثلثان مسلمون والثلث الآخر كاثوليك). ويضاف إلى هذه المجموعات من يطلق عليهم الغجر والعرب والمصريون، وعددهم 8.305، ولا تتعدى نسبتهم 1.34%، في حين تتشكّل البقية المجتمعية البالغ تعدادها 3.096 نسمة ممن يعتبرون أنفسهم جبل أسوديين يدينون بالإسلام، أو ممن رفضوا الانتساب إلى أي من المجموعات القومية المشار إليها.

يوجد في دولة الجبل الأسود 23 بلدية، و256 ألف حي/تجمع سكني، 40 منها لها طابع حضري (مدني) و368 مجتمعًا محليًا. عاصمة البلاد هي بودغوريتسا، في حين تمثل مدينة "تسيتنيي" التاريخية مقر إقامة رئيس الدولة والعاصمة الثانية للبلاد.

تبدو خارطة الهجرة الداخلية شديدة الوضوح؛ حيث يُسجَّل تمركز 30% من إجمالي عدد سكان البلاد في العاصمة، في حين يتجمع 63% من مواطني الدولة في الأحياء/المدن الحضرية. بلغ الناتج القومي الخام 5062 يورو في السنة للفرد الواحد عام 2012، هذا في الوقت الذي تصل فيه نسبة البطالة في الجبل الأسود إلى 16.8%، وتتوزع إلى 24.6% بين سكان المنطقة الشمالية، وهي النسبة الأعلى، في حين تسجل أدنى نسبة بطالة في المنطقة الجنوبية للجبل الأسود بمعدل 8.6%، وهي في حدود 16.3% في المناطق الوسطى. أما نسبة البطالة في صفوف النساء في كامل مناطق البلاد فتصل إلى 17.9%، وهي بدورها تتفاوت بحسب المناطق؛ إذ سُجّل أعلى نسبة بطالة بينهن في مناطق الشمال بـ28.3%، تليها المنطقة الوسطى بـ 18.2%، أما في المناطق الجنوبية الساحلية فلا تتعدى نسبة البطالة في صفوف النساء 6.9%. ويعيش في مناطق الشمال الأقل نموًا ما يزيد عن 66 ألف مسلم، أو ما يعادل 37% من سكان هذه المناطق الفقيرة.(2)

وفقًا لما يتوفر من إحصاءات حول توزيع موظفي القطاع العام والنظام العدلي والقضائي، فإن عدد الموظفين يكون وفق التوزيع التالي:

  • موظفون حكوميون من أصل جبل أسودي عددهم 10.985، أو ما نسبته 79.03%.
  • من أصل صربي عددهم 1.194، أو 8.59%.
  • البوشناق/المسلمون 907 موظفين، أو 6.53%.
  • الألبان 389 أو 2.80%.
  • الكروات 124 موظفًا (0.89%%).

وهناك غجري واحد لا غير من ضمن الكادر الإداري (0.01%، في حين تتوزع 59 وظيفة في القطاع العام أو ما نسبته 0.42% على باقي سكان البلاد من القوميات الأخرى. ونجد ما يوازي تقريبًا تلك النسب المشار إليها أعلاه في توزيع الموظفين إثنيًا في مؤسسات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وحماية الطفل... وسواها.(3)

يظهر جليًا من خلال قراءة الإحصاءات الواردة أعلاه أن نسبة مشاركة السكان المسلمين في الوظائف العمومية الممولة من ميزانية الدولة تقل عن نصف نسبتهم التمثيلية من حيث عدد السكان الإجمالي للدولة.

ووفقًا للإحصاء السكاني في الجبل الأسود لعام 1991، فإن عدد السكان الكلي 615.035 ألف نسمة يتوزعون على النحو التالي:

  • جبل أسوديين: 380.467 بنسبة 61.86%.
  • مسلمون/ بوشناق: 89.614 بنسبة 14.57% .
  • صرب: 57.453 ما نسبته 09.34%.
  • ألبان: 40.415 أي بنسبة 06.75%.
  • كروات: 6.244 بنسبة 01.02.02%.

في حين يبلغ عدد الغجر الروما 3.282 (0.53%)، ويشكّل السكان من الإثنيات الأخرى بقية النسبة. أما بالنسبة للتوزيع وفقًا للانتماء الديني، فنجد أن 425.133 شخصًا أو ما يعادل 69.12% ينتمون إلى الأرثوذكسية، في حين يبلغ عدد المسلمين 118.016 أو ما يعادل 19.19%، ويصل عدد الكاثوليك إلى 27.153 أو ما نسبته 04.41%.

وفي الإحصاء السكاني لعام 2003 بلغ إجمالي سكان الجبل الأسود 620.145، تتوزع خارطتهم القومية على النحو التالي:

  • جبل أسوديين: عددهم 267.669 بنسبة 43.16%.
  • صرب: عددهم 198.414 بنسبة 31.99%.
  • بوشناق/مسلمون: يقدر عددهم بـ72.809 أو ما يعادل 11.74%.
  • ألبان: عددهم 31.163 أو 5.03%.
  • كرواتيون: عددهم 6.811 بنسبة 1.10%.

أما الغجر الروما فعددهم لم يتعد 2.826 أو 0.46%، بالإضافة إلى من يعرّفون أنفسهم تحت مسمى "آخرون". وبحسب التوزيع الديني فإن عدد من صرّحوا بأنهم أرثوذكس بلغ 460.383 أو ما نسبته 74.24%، يتبعهم المسلمون بعدد 110.034 أو 17.74%، ثم الكاثوليك وتعدادهم 21.972 بنسبة 3.54%.(4)

الملاحظة الأولى التي يمكن رصدها من خلال قراءة الإحصاءات الثلاثة الأخيرة هي تصاعد في عدد سكان الصرب؛ فمنذ إحصاء 1991، الذي نُظّم قبيل انهيار يوغسلافيا الاشتراكية، وإلى تاريخ إحصاء عام 2003 سجلت نسبة الصرب ارتفاعًا ملحوظًا من نسبة 9.34% إلى 31.99%. في حين تقلصت نسبة جبل الأسوديين من 63.47% إلى 43.16%.

من خلال عرض الإحصاءات الواردة أعلاه يمكننا استخلاص أنه بعد عقدين من التحريض الإعلامي والضغوط التي مارستها سلطات بلغراد والكنيسة الأرثوذكسية فإن عددًا لا بأس به من الأرثوذكس صرّحوا خلال عملية الإحصاء بأنهم من أصول صربية. أما تراجع أعداد المسلمين بين إحصائي 1991 و2003، فيمكن تفسيره بما عرفته فترة الحروب التي نشبت في منطقة يوغسلافيا الاشتراكية السابقة من موجات هجرة جماعية متواصلة للمسلمين تجاه دول أوروبا الغربية.

لقد تم إعادة تأكيد استقلال الجبل الأسود بفضل الدعم شبه المطلق الذي قدمته جماعات الأقليات العرقية، وفي مقدمتها تأتي الأقلية المسلمة باعتبارها أكبر الأقليات الإثنية عددًا، وذلك في الوقت الذي كان فيه المواطنون الأرثوذكس في الجبل الأسود منقسمين حينها حول قضية استقلال البلاد. وقد كان البوشناق قبل انهيار الاتحاد اليوغسلافي عام 1991 يُعتبرون أحد المكونات القومية للشعب اليوغسلافي.

وباعتبارهم الضحية الأكبر لمشروع "صربيا الكبرى القومي"، فقد تعرض البوشناق لأنواع مختلفة من الاضطهاد والتمييز ضدهم، بما في ذلك استبعادهم من الدستور كقومية بوشناقية، وتم استبعاد كل المواد التعليمية التي تقدم نظرة إيجابية للإسلام والمؤلفين الذين يحملون أسماء مسلمة من المناهج التعليمية.

في المقابل، تم تغيير المواد والنصوص التربوية التي تقدم صورة إيجابية عن الإسلام بمواد أخرى تقدح فيه وتقدمه بطريقة سلبية. وكانت لغة الإعلام في كل يوم تحرض على الكراهية، في حين كانت قوات الشرطة تمارس اضطهادًا نفسيًا وحسيًا على المسلمين عند توقيفهم في نقاط التفتيش المزروعة على طول البلاد. كما تم طرد السكان البوشناق من 15 قرية تقع في ضواحي مدينة "بليفاليسكا بوكوفيتسا" القريبة من الحدود مع دولة البوسنة والهرسك، وسُجّلت أيضًا عمليات قتل استهدفت البوشناق، وحملات هدم طالت منازلهم ومساجدهم. حدث هذا وأكثر في عهد الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش الذي كان له مساعدون ومستشارون في حكومة الجبل الأسود شاركوه تنفيذ هذه الجرائم.

في مثل هذه الظروف قررت نخبة من المثقفين البوشناق التصدي لمحاولات تهميش ومحو هوية البوشناقيين في الجبل الأسود، وفي الوقت ذاته عمل هؤلاء مع نظرائهم من مثقفي الجبل الأسود المستقلين من أجل بناء ثقافة المؤسسات ووضع البرامج والخطط الاستراتيجية التي ساعد جزء كبير منها فيما بعد في تقوية فكرة استقلال الجبل الأسود كدولة ذات سيادة واستقلالية كاملة.

تحقق الاستقلال في العام 2006، بعد أن كان ذلك في تسعينات القرن الماضي أمرًا غير ممكن حتى تصوره، لكنه تحقق وتمت المصادقة على دستور جديد يضمن حقوق الأقليات ويؤسس لها وضعًا أفضل. كما تم إصدار قانون خاص بحقوق الأقليات والحريات العامة الذي مكّن من تأسيس رابطات للأقليات الوطنية إلى جانب تأسيس ما يعرف باسم مؤسسة حماية ورعاية حقوق الأقليات في الجبل الأسود، أقر القانون تمويل تلك المؤسسات من ميزانية الدولة.

المؤسسات وتنظيم مسلمي الجبل الأسود

كان الدين الإسلامي حاضرًا منذ قرون طويلة إلى يومنا هذا في الفضاء الاجتماعي-الثقافي والقانوني في الجبل الأسود، ولا يزال كذلك. فمنذ عهد الإمبراطورية العثمانية إلى الوقت الحاضر يغلب على المجتمعات المسلمة في هذه المنطقة اتباعهم للمذهب السني-الحنفي الذي يستند إلى فكرة الخلافة وعلى رأسها شيخ الإسلام في إسطنبول، ويطبق في مختلف مناشط الحياة الاجتماعية والثقافية والتعليمية.

تمت المصادقة على دستور الجمعية الإسلامية في الجبل الأسود في العام 1994، وذلك مباشرة بعد توقف نشاط مؤسسة الجمعية الإسلامية في جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، وورد في الفصل الأول من دستور الجمعية الإسلامية ما يلي: "الجمعية الإسلامية في الجبل الأسود هي الجمعية الدينية الموحدة التي تتكون من كل المنتمين إلى الدين الإسلامي في الجبل الأسود، وكذلك كل مواطني الجبل الأسود الذين يعيشون خارج حدود الوطن".

سمحت المصادقة على هذه الوثيقة القانونية -دستور الجمعية الإسلامية- للمسلمين بتدشين عهد جديد من الاعتماد على الذات، وتمكنوا من انتخاب "مجلس شورى" الجمعية الإسلامية، وانتخبوا مشيخة الجمعية الإسلامية ورئيسها، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ تطور الجمعية الإسلامية.

في العقدين الأخيرين تم تشييد وترميم حوالي 40 مسجدًا، وبعد مائة عام من إغلاقها، آتت الجهود المبذولة باستمرار أُكُلَها ببناء المدرسة الإسلامية في العاصمة بودغوريتسا عام 2008 لتشكّل المدد البشري المطلوب لمواصلة جهود الدعوة الإسلامية. كما ساهم استجلاب كوادر تعليمية جامعية بحسب الحاجة إلى تحسين المستوى العام للكوادر التعليمية بعد أن كان عدد الأساتذة الجامعيين المتخصصين في التعليم الجامعي الإسلامي يعدون على أصابع اليد الواحدة، وقد تخرج في المدرسة الإسلامية في بودغوريتسا وحدها عدد من الكوادر الدينية فاق أعداد كل الذين تخرجوا في المدارس الإسلامية في العقود الستة الأخيرة، أما الأمر الأهم فهو إمضاء اتفاقية عام 2012 لتنظيم العلاقة فيما يخص المجالات ذات الاهتمام المشترك بين حكومة الجبل الأسود ومؤسسة الجمعية الإسلامية في الجبل الأسود.

التنظيم السياسي للمسلمين
مثلما كان عليه الأمر في الجمهوريات الوليدة بعد انحلال يوغسلافيا السابقة، عمل بوشناق الجبل الأسود على تنظيم أوضاعهم السياسية فانتظموا في حزب جبهة العمل الديموقراطي -بزعامة رئيسه المنتخب هارون هادجيتش- الذي حاز 9 مقاعد في البرلمان الجمهوري في أول انتخابات برلمانية تعددية جرت في الجبل الأسود (ديسمبر/كانون الأول 1990).

استطاع حزب جبهة العمل الديموقراطي، بعد دخوله في تحالف مع الأحزاب السياسية الألبانية الناشطة في الجبل الأسود، دعم الائتلاف وتأسيس جماعة ضغط لها وزنها المحترم داخل البرلمان الجمهوري. لكن الحزب، وفي خطوة احتجاجية على ما كانت تعرضت له دولة البوسنة والهرسك المعترف بسيادتها في الأمم المتحدة من عدوان، امتنع عن المشاركة في انتخابات عام 1992.

وكانت سلطات الجبل الأسود قد اعتقلت كل قيادات العمل السياسي في حزب جبهة العمل الديموقراطي في ديسمبر/كانون الأول 1991، بادعاء أنهم كانوا يعدون لتمرد مسلح وتعرضت قيادة الحزب لتعذيب وحشي. وفي الوقت الذي شنت فيه وسائل الإعلام الواقعة تحت التوجيه والمراقبة حملات تشويه واسعة ضدهم، ساد جو مشحون انعدمت معه إمكانية مزاولة أي عمل سياسي، ثم وتحت ضغط منظمات المجتمع الدولي الحقوقية والإنسانية أُطلق سراح المعتقلين.

وفي انتخابات 1996 تمكن حزب جبهة العمل الديموقراطي من الحصول على ثلاثة مقاعد في البرلمان، لكن وبسبب صراعات داخلية بين قيادات الصف الأول للحزب، وأيضًا بسبب عدم التوافق حول أسلوب عمل الحزب في ظل الأوضاع السياسية المستحدثة، فإن أمر حزب جبهة العمل الديموقراطي قد انتهى إلى التشرذم والانقسام؛ ما أدى إلى تشكيل أحزاب مجهرية متعددة لم يكن لها أي وزن سياسي يُذكر.

أدى ذلك الوضع إلى عدم قدرة أي من الأحزاب البوشناقية/المسلمة على الحصول على أي مقعد في البرلمان الجمهوري في ثلاثة استحقاقات انتخابية متتالية (1998، 2001، 2002). وتطلب الأمر وقتًا طويلاً ليعمل زعماء الأحزاب السياسية على تشكيل ائتلاف سياسي وهو ما تم فعلاً قبيل انتخابات عام 2006 وضم أربعة أحزاب، هي: جبهة العمل الديموقراطي، والاتحاد الديموقراطي العالمي، وتحالف البوشناقيين الديموقراطيين، وحزب المساواة القومية، وانتُخب رأفت هوسوفيتش زعيمًا للائتلاف. تمكن الائتلاف في أول انتخابات نُظّمت بعد 2006، تاريخ استقلال الجبل الأسود، من دخول البرلمان إثر تحالفه مع الحزب الليبرالي. ثم حصل حزب جبهة العمل الديموقراطي في آخر انتخابات أُجريت في العام 2012 -وخاضها منفردًا- على ثلاثة مقاعد في البرلمان الوطني. يشار هنا أيضًا إلى أن عددًا من الناشطين داخل الأحزاب المشاركة في البرلمان ذات الخلفية المدنية هم من المستقلين الذين يقدمون خدمات ساهمت بقدر كبير في تنمية المجتمع المسلم في الجبل الأسود.

المؤسسات الثقافية والحقوقية
تبرز على المستوى الثقافي، مؤسسة "المناح" Almanah كأكبر المؤسسات البوشناقية المسلمة في الجبل الأسود. تأسست عام 1993 وتضم المئات من الكتّاب والباحثين والأساتذة الجامعيين الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة من الجبل الأسود والجمهوريات اليوغسلافية السابقة وإلى دول أوروبية وأميركا. وللمؤسسة إصدارات متنوعة، منها مجلة "المناح" وحوالي 90 عملاً بحثيًا موسعًا. وهناك "منتدى البوشناقيين" في الجبل الأسود، ويستهدف تنمية الوعي الديني وتأكيد ثوابت الثقافة الوطنية للبوشناقيين وتأكيد هويتهم وتحسين وضعهم داخل الجبل الأسود.

أما المؤسسات القانونية والحقوقية فهناك العديد منها للمسلمين وسواهم، تأسست عدة روابط للأقليات الإثنية على أساس القانون المتعلق بضمان حقوق الأقليات والحريات العامة، وتعمل تلك الروابط على الحفاظ على هوياتها القومية والدفاع عن حقوقها وحرياتها المتاحة وفقًا للقانون. وفي هذا السياق أيضًا، أُسست الجمعية العامة في برلمان الجبل الأسود أو ما يسمى بمنظمة حماية ورعاية حقوق الأقليات، وهي منظمة أُريد لها أن تقدم الدعم للأنشطة المتعلقة بحماية وتنمية الخصوصيات الإثنية للأقليات القومية من أجل تأكيد هوياتها القومية والثقافية وتثبيت مبدأ التعدد الثقافي والإثني كأحد الثوابت التي تقوم عليها دولة الجبل الأسود العصرية.

التحديات وموجات التصدي لها

عند انطلاق عمليات وضع المناهج التعليمية لتلاميذ المستوى الابتدائي والثانوي، طالبت منظمات مدنية تتزعمها مؤسسة المناح الحكومةَ ووزارة التربية بضرورة مراعاة مبادئ التعددية الإثنية والدينية والثقافية، إلا أن تلك المبادئ لم تُحترم، بل أكثر من ذلك فقد خلت اللجان المكلفة بوضع المناهج التعليمية من أي خبير غير مسيحي.

في وقت لاحق تحركت وزارة التعليم وقبلت التنسيق مع مؤسسة المناح ورشحت خبيرًا مسلمًا في كل لجنة من لجان وضع المناهج التعليمية، وأضافت بعض النصوص المتعلقة بالحضارة الشرقية-الإسلامية في كل منهج تعليمي ينتمي مؤلفوه إلى الدوائر المسلمة، في حين لم تتمكن احتجاجات المسلمين وتحركهم على هذا المستوى من إدخال تعديلات جوهرية على مضامين المناهج التعليمية. لكن وبالرغم من أن وضع المناهج الدراسية للتعليم الابتدائي والثانوي قد انتهى منذ سنوات عديدة خلت، إلا أن الفرصة أمام المسلمين لإدخال تعديلات مهمة على تلك المناهج ما زالت قائمة؛ حيث يسمح قانون التعليم المعمول به حاليًا بتنظيم عدد من الحصص في صفوف التعليم الابتدائي على المستوى المحلي تصل إلى ما نسبته 20% من مجموع الحصص، وذلك في المناطق التي تكون فيها نسبة التلاميذ المنحدرين من الأقليات الإثنية عالية، وتتضمن نسبة 20% تلك مواد ومضامين تعليمية تتعلق بتلك الأقليات المستهدفة، لكن هذه الإمكانية لا تزال إلى حد الآن غير موظفة بشكل فعال.

من ناحية أخرى، فإن أمام الجمعية الإسلامية في الجبل الأسود تحديات طويلة المدى تتعلق بضرورة العمل على تعضيد وتقوية كادرها العامل في الحقل الإسلامي، والحفاظ على وحدتها وتماسكها، خاصة مع تعدد الجهات الإسلامية الوافدة كالحركة الوهابية، كما على الجمعية الإسلامية تجنب الصراعات في علاقتها مع دار الإفتاء في "نوفي بازار" داخل دولة صربيا (حيث يوجد فرع للمدرسة الإسلامية التابعة لدار الإفتاء في نوفي بازار في مدينة روجاييما جبل الأسودية منذ ما يزيد عن 10 سنوات).

وبعد أن اختفى خطاب التحريض على الكراهية في وسائل الإعلام، فإن الهدف والواجب الرئيسي للجمعية الإسلامية يبقى في العمل على تنمية روح الإسلام في الجبل الأسود. وسيكون على المسلمين كأقلية إثنية داخل الجبل الأسود العمل باستمرار وإصرار على مواصلة الدفاع عن حقهم في المشاركة في إدارة الشأن العام والضغط على السلطات من أجل تمكينهم من الحصول على وظائف عمومية داخل الإدارات الرسمية ومؤسسات الدولة وفي الإدارات المحلية، وهو مجال لا تزال تحكمه حزمة من القوانين تحد من حق المواطنين المنتمين إلى الأقليات الإثنية في الانخراط في العمل داخل فضاء الوظائف العمومية.

في هذا السياق، يبقى أن نشير إلى أنه فيما يتعلق بحزمة القوانين المقدمة حول حقوق الأقليات وتنظيم الحريات العامة وحق الأقليات في التنظم داخل تنظيمات ومؤسسات مدنية؛ فقد ظهرت عدة إشكالات تتعلق بغياب وضوح الإجراءات المتعلقة بطرق تأسيس وتمويل ومراقبة توزيع الأموال التي تودع في حسابات صندوق دعم وحماية حقوق الأقليات، وكذلك طُرحت عدة أسئلة تتعلق بتعريف وحصر أنشطة مركز حماية وتنمية ثقافات الأقليات الإثنية، أما المسألة الأكثر مدعاة إلى المراجعة فهي حقيقة أن ثلثي ميزانية صندوق دعم وحماية الحريات تُنفَق على ما يسمى: "اتحاد القوميين الصرب" المثير للجدل، والذي لا يعترف به ممثلو الإثنية الصربية في البرلمان، وسيكون من واجب البرلمانيين الممثلين للأقلية المسلمة الضغط من أجل تعديل القوانين حتى يتم توزيع أموال الصندوق بطريقة أكثر عدلاً.   
_____________________________________
عطفيا  كيروفيتش - مدير مؤسسة "Almanah" في الجبل الأسود
 
الهوامش
(1) Popis stanovništva  2011:  Prvi rezultati – Popis stanovništva, doma?instava i stanova u Crnoj Gori, Zavod za statistiku Crne Gore, www.monstat.org
(2) Statisti?ki godišnjak Republike Crne Gore 1992,  Republi?ki zavod za statistiku, Podgorica, decembar 1992.
(3) Statisti?ki godišnjak 2004,  Republi?ki zavod za statistiku, Podgorica, decembar 2004.
(4) Statisti?ki godišnjak 2004,  Republi?ki zavod za statistiku, Podgorica, decembar 2004.

المراجع
• Šerbo Rastoder, Bošnjaci/Muslimani Crne Gore izme?u prošlosti i sadašnjosti, Almanah, Podgorica, 2010.
• Šerbo Rastoder, Kad su vakat kaljali insani (Šahovi?i 1924), Almanah, Podgorica, 2011.
• Mustafa Memi?, Bošnjaci (Muslimani) Crne Gore), Almanah, Podgorica, 2003.
• ?asopis “Almanah 23-24 (Bošnjaci/Muslimani – kako vam je ime), Almanah, Podgorica, 2003.
• Bajro Agovi?, D?amije u Crnoj Gori, Almanah, Podgorica, 2001.
• Bajro Agovi?, Islamska zajednica u Crnoj Gori (istorijski razvoj i organizacija, Mešihat Islamske zajednice u Crnoj Gori, Podgorica, 2007.
• Bajro Agovi?, Od mekteba do medrese, Mešihat Islamske zajednice u Crnoj Gori, Podgorica, 2012.
• Nebojša Vu?ini?, S. Bjekovi?, B. Bo?ovi?, Pravni aspekt manjinskih prava u Crnoj Gori, NVO Centar za ljudska i manjinska prava, Podgorica, 2008.
• Igor Kani?aj, Manjine - izme?u stvarnosti i javnosti, ICEJ, Zagreb, 2006.
• Strategija manjinske politike, Vlada Crne Gore/Ministarstvo za zaštitu ljudskih i manjinskih prava, Podgorica, 2008.

عودة للصفحة الرئيسية للملف

نبذة عن الكاتب