هل ستقود مناورات "رعد الشمال" إلى إنقاذ الشمال السوري؟

يُعد تنفيذ مناورات "رعد الشمال" في هذا التوقيت بمثابة استجابة لتسارع الأحداث على الأرض في سوريا، لا سيما منذ تكثيف الغارات الجوية الروسية مؤخرًا على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة في شمال سوريا، وليس مستبعدًا أن تتحول هذه المناورات العسكرية من تمرين إلى تطبيق.
201622211726992580_20.jpg
مناورات "رعد الشمال" المزمع تنفيذها شمال المملكة العربية السعودية هي استجابة مرنة لتطور الأحداث في سوريا (أسوشيتد برس)

ملخص
يمكن القول بأن مناورات "رعد الشمال" المزمع تنفيذها شمال المملكة العربية السعودية هي استجابة مرنة لتطور الأحداث في سوريا، وتكمن مرونتها في امتلاكها قابلية عالية للتحول من مناورة عادية إلى حشد، ثم إلى هجوم. كما يمكن اعتبارها بمثابة قوة الدفع المحركة من خلال حشد قرابة 350 ألف جندي من أكثر من 20 دولة، كواحدة من أكبر المناورات في تاريخ المنطقة. وتحمل المناورة عدة رسائل؛ فهي "عاصفة حزم تدريبية"، واستمرار لنهج "الأخْذ بزمام المبادرة" الذي تبنَّته المملكة العربية السعودية منذ وصول الملك سلمان إلى سدة الحُكم في يناير/كانون الثاني 2015، وهي -أيضًا- ردٌّ على المناورات التي تجريها طهران دوريًّا.

يُعد تنفيذ مناورات "رعد الشمال" في هذا التوقيت بمثابة دليل على أن المشاركين فيها يقفون موقفًا حازمًا؛ من أجل الحفاظ على الأمن الخليجي والعربي والإسلامي، رغم التحديات التي تواجهها المناورة: كصعوبة ضبط إجراءات تأمين وصول وترحيل القوات المشتركة وخطر التعرض لها، وكذلك جذب المنطقة باتجاه العسكرة؛ حيث نشر العراق قواته على طول حدوده الجنوبية ليرصد تحركات القوات العسكرية المشاركة في المناورات في شمال السعودية، كما أعلنت طهران إجراء مناورات صاروخية. كما تُعتبر مناورات "رعد الشمال" بمثابة مأزق سياسي لواشنطن التي انصبَّ تركيزها على محاربة ما يُدعى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

إنَّ الدوافع التي قد تحيل المناورة إلى عمل تطبيقي في سوريا عديدةٌ؛ منها غياب الدور الإقليمي أو العربي الإسلامي العسكري في الأزمة الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات؛ عليه، فقد يكون التدخل ممارسة لحقِّ دول الخليج كقوة عُظمى بمقاييس إقليمية؛ من أجل منع انهيار فصائل المعارضة المعتدلة المدعومة خليجيًّا، وتغيير مُخرجات التدخل الروسي العسكري الذي قلب الأوضاع ميدانيًّا، ولوقف المنحى الاحتوائي الذي تمارسه موسكو بهدف التصرف بترتيبات الأمور في الساحة السورية وفق مصالحها. كما أن التدخل العسكري الإقليمي في سوريا سيغيِّر قناعات دمشق التي ترى نفسها أقرب إلى الحسم العسكري، وبالتالي لا حاجة لحل سياسي.
 
في تقدير الباحث، فإن التدخل العسكري البري المحتمل في سوريا سوف يستثمر نجاح عملية "عاصفة الحزم" التي نفذتها قوات التحالف العربي بقيادة الممكلة العربية السعودية ضد الأطراف المنقلبة على الشرعية في اليمن والمتمثلة بجماعة الحوثي والميليشيات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، حيث من المتوقع تطبيق السيناريو نفسه من خلال شن حملة جوية مباغتة، ودعم فصائل المعارضة المعتدلة على الأرض وتحييد المتطرفة، ثم إنزال قوات الدول المشاركة بهذه العملية ومنها بعض الدول الخليجية؛ لمنع نظام بشار الأسد من إعادة سيطرته على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة المسلحة.

مقدمة

يُمكن اعتبار مناورات "رعد الشمال" المزمع تنفيذها شمال المملكة العربية السعودية بمثابة استجابة لتسارع الأحداث على الأرض في سوريا، لا سيما منذ تكثيف الغارات الجوية الروسية مؤخرًا على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة المعتدلة في شمال سوريا. وليس مستبعدًا أن تتحول هذه المناورات العسكرية إلى حشد، ثم إلى هجوم. كما يمكن اعتبارها بمثابة قوة الدفع المحركة من خلال حشد قرابة 350 ألف جندي من أكثر من 20 دولة مشاركة، كواحدة من أكبر المناورات في تاريخ المنطقة. وتحمل هذه المناورات عدة رسائل؛ فهي "عاصفة حزم تدريبية"، واستمرار لنهج "الأخْذ بزمام المبادرة" الذي تبنَّته المملكة العربية السعودية منذ وصول الملك سلمان إلى رأس هرم السلطة في يناير/كانون الثاني 2015، كما أنها ردٌ على المناورات التي تجريها إيران بشكل دوري.

"رعد الشمال" كفكر عسكري

تقوم الدول بالمناورات منفردة أو مع عددٍ من الدول الحليفة، وتجري تلك المناورات لسلاح واحد، أو بين أفرعٍ لقواتها العسكرية المختلفة. والمناورات أو التمارين في "الفقه العسكري" هي "الفكر العسكري"، والفكر العسكري هو كل ما يخطر من حلول مستحدثة أو تحليلات للوقائع والأحداث في ميدان المعركة. فالقيام بالمناورات في هذه الحالة هو قفز للمستقبل، ووضع حلول لمعضلات عسكرية راهنة.

ففي شمال شبه الجزيرة العربية تظهر كثير من المؤشرات أن المجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد شعبه مدعومًا بالآلة العسكرية الروسية والوجود الإيراني على الأرض، وذلك بالتوازي مع الجرائم التي ينفذها تنظيم ما يُدعى بالدولة الإسلامية "داعش"، هي معضلة عسكرية بالدرجة الأولى، رغم تمويهها المتعمد بالسياسة والدبلوماسية الفجَّة، وتستوجب إجراءً عسكريًّا حازمًا(1). لكن الإجراء العسكري يتطلب وضع فكرة للعملية العسكرية التي سيتم تنفيذها، وقد توسع رجال السياسة في الأشهر القليلة الماضية في خلق هياكل عسكرية لوقف غطرسة نظام السوري، والحد من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؛ فتحقق بالفعل بعض تلك الهياكل: كالتحالف الجوي الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والتحالف العربي المشترك، والتحالف العسكري الإسلامي الذي أُعلن عنه منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول 2015؛ ولم يرَ النور بعد البعض الآخر، كما ظهرت منذ ما يقارب العام فكرة إقامة مناورات استراتيجية كبرى، فجاءت مناورات "رعد الشمال" التي اختزلت الهياكل السابقة مجتمعة(2).

الطيف الكمي والنوعي لـ"رعد الشمال"

يشارك في "مناورات رعد الشمال" حشدٌ من 350 ألف جندي من أكثر من 20 دولة، حيث ستقام في منطقة حفر الباطن الواقعة شمال-شرق المملكة العربية السعودية بالقرب من الحدود العراقية، حيث يتواجد مقر قوات "درع الجزيرة" و قوات من المملكة العربية السعودية، وتشارك في المناورات أيضًا قوات كل من سلطنة عُمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، والبحرين، والسنغال، والسودان، والكويت، والمالديف، والمغرب. وذلك إلى جانب كلٍّ من باكستان، وتشاد، وتونس، وجزر القمر، وجيبوتي، وماليزيا، ومصر، وموريتانيا، وموريشيوس(3). وهي المناورات الأكبر في تاريخ المنطقة من حيث عدد المشاركين والعتاد العسكري المستخدم الذي يشمل سلاح الجو والمدفعية والدبابات والمشاة ومنظومات الدفاع الجوي، والقوات البحرية.

الرسائل الإيحائية للمناورات

تقام المناورات عادة لتطوير وتعزيز المهارات الميدانية، وعمل مراكز القيادة، وتهدف إلى اختبار وعرض الأسلحة الجديدة، وفحص الجاهزية القتالية، وتقوية الروابط العسكرية بين الدول المشتركة. أما الرسائل التي تحملها "مناورات رعد الشمال" فتشمل أمورًا عِدَّة، منها:

  • هي "عاصفة حزم تدريبية"، واستمرارٌ لنهج "الأخْذ بزمام المبادرة" بدلًا من الانتظار؛ حيث فوجئت الدول الغربية بقرار تنفيذها تماشيًا مع مزاج عملية "عاصفة الحزم" التي أعلن عنها في 26 مارس/ آذار 2015، ولم تأتِ كنتيجة لاستشارات أو لإيحاءات من الغرب. كما فوجئ المراقب الغربي بقدرة الدول الخليجية والعربية والإسلامية على تنفيذ مناورات هي الأكبر في تاريخ المنطقة، والتي لم تشهد من قبل أكبر من مناورات النجم الساطع "Bright Star Maneuvers" التي لم يتجاوز عدد الدول المشاركة فيها 12 دولة، وانحصرت في مهارة القفز المظلي. بينما سيتم في مناورات "رعد الشمال" تجربة بعض الذخائر وبعض الأسلحة التي صُنعت من قبل دول عربية وإسلامية. وهي مناورات مشتركة "Joint" تشمل الأسلحة الجوية والبحرية والبرية والدفاع الجوي، بين عدة قوات متحالفة "Coalition"، وتنطلق من قاعدة الملك خالد العسكرية التي تعدُّ أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، والتي بإمكانها تقديم دعم لوجستي لمثل هذه المناورات الضخمة(4).
  • تأتي مناورات "رعد الشمال" كردٍّ على المناورات الإيرانية التي تنفذها طهران دوريًا، بهدف رسم صورة واضحة لا لَبْس فيها فحواها أن هناك تشكلًا لدور خليجي إقليمي متزايد، يتجاوز القوة الناعمة الاقتصادية والدبلوماسية إلى القوة الصلبة ممثلة في القوة العسكرية والهياكل الأمنية التي تتشكل في المنطقة ومحورها العاصمة السعودية الرياض، سواء في البعد العربي أو البعد الإسلامي أو البعد الدولي، حيث تم ترجمة ذلك على أرض الواقع بإعلان إرسال طائرات حربية سعودية إلى قاعدة إنجرليك في تركيا؛ لاستهداف تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سوريا، والاستعداد للمشاركة بقوات برية على الأرض للغرض نفسه(5).
  • تُعد مناورات "رعد الشمال" بمثابة رسالة مفادها أن المشاركين فيها يقفون متحدين؛ للحفاظ على الأمن الخليجي والعربي والإسلامي. كما تهدف هذه المناورات إلى التدريب على مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي قد تندفع أو تُدفع قسرًا جنوبًا جراء التضييق على عناصرها. كما أنها رسالة إلى عدم الموافقة على التقدم الذي تحققه قوات نظام الأسد مدعومةً بالتدخل الروسي والإيراني.

 التحديات التي قد تواجهها مناورات "رعد الشمال"

تمثِّل مناورات "رعد الشمال" ردعًا بما تعنيه الكلمة لأطراف منافسة عدة، وتدرك الرياض ودول الخليج الأخرى والدول المشاركة بها أنها ستضع نفسها مباشرة في مواجهة تحديات تحاول تلك الأطراف ترويجها، ومنها: 

  • ترويج صعوبة ضبط إجراءات تأمين وصول وترحيل القوات المشتركة لكبر حجمها، وتعدُّد منافذ دخولها، وسعة مناطق المناورات. واحتمال قيام أجهزة مخابرات أجنبية أو جماعات متطرفة بعمليات تخريبية، ومن ثم استغلال تلك الحوادث لشن هجوم إعلامي بهدف تصوير القائمين على التمرين بالعجز أو القصور. 
  • المناورات العسكرية تعكير للسلم، ومؤشر على عدم الاستقرار. وقيام مناورات بهذا الحجم شدٌّ للمنطقة باتجاه العسكرة، فهي بدرجة ما شبيهة بالمناورات الدورية "شبه الشهرية" التي تجريها إيران، وتهدِّد بها الأمن والاستقرار الخليجي، وقد تعيد دول الخليج وتيرة عقد مناورات "رعد الشمال" لتصبح دورية "سنوية مثلًا". 
  • ترويج لضعف سلاحها الجوي، ولغياب الجسر البري؛ حيث تعتمد إيران على قدراتها الصاروخية لضعف جاهزيتها القتالية من أجل سدِّ الفجوة في ميزان التفوق النوعي الذي يصب في مصلة الدول الخليجية. وردًّا على مناورات "رعد الشمال"، فقد أعلنت طهران أن الأوامر قد صدرت بإجراء مناورات صاروخية لقوات الحرس الثوري، وأن الأهداف الرئيسة لإجراء هذه المناورات تتمثل في اختبار الصواريخ، وتقييم دقتها وقوتها، والحفاظ على جاهزية القوات المسلحة، وتعزيز قدراتها الصاروخية(6).
  • توعَّد هادي العامري قائد منظمة بدر العراقية الموالية لطهران، السعودية بعد الإعلان عن العزم بتنفيذ مناورات "رعد الشمال"؛ وقيام بغداد بإرسال قوات عسكرية كبيرة إلى حدوده مع السعودية لمراقبة المناورات. كما حذّر عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي، ممثل كتلة "ائتلاف دولة القانون" عدنان الأسدي، الرياض من اختراق الأجواء العراقية من قِبل الطائرات السعودية(7).
  • تمثِّل مناورات "رعد الشمال" مأزقًا سياسيًّا كبيرًا لواشنطن، ولا يتمثل ذلك في ظهور تحالف عسكري كبير في الشرق الأوسط فحسب، بل لأنَّ العالم ركَّز اهتمامه على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بينما يركز الخليجيون بقيادة الرياض على نظام الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات التابعة لإيران كسببٍ للعنف الذي يجتاح المنطقة. 
  • تجري المناورات في بيئة إقليمية معقدة تتزاحم فيها الهياكل العسكرية ما بين جيوش تقليدية إلى ميليشيات، وفصائل معارضة أو جماعات متطرفة. كما أن المناورات تأتي في ظل بيئة إقليمية متقلبة وسيئة المزاج؛ حيث إن هناك تطرفًا متزايدًا، وعدم ثقة على طرفي ضفتي الخليج، وحالةٍ من عدم الاستقرار في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان.

 التحول من حالة "تمرين" إلى حالة "تطبيق"

تدل مناورات "رعد الشمال"، بوضوح على أن التحالف الإسلامي العسكري لن يقف عند هزيمة التنظيمات المتطرفة التي توصف بالإرهابية فحسب؛ إذ يبدو أن الهدف الأبعد لهذا التحالف في سوريا هو مواجهة نظام الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات التي تدور في فلك طهران، فنظام الأسد وتلك الميليشيات قد عاثوا في سوريا خرابًا ودمارًا، وهم لا يختلفون في ذلك عن التنظيمات المتطرفة(8). وما سيجري في المناورات التي ستتم في شمال شبه الجزيرة العربية مثقلٌ بإيحاءات قابلة للنمو إلى قناعات بأن لمناورات "رعد الشمال" قابلية عالية للتحول من مناورات تدريبية إلى حشد ثم إلى هجوم. ومن حالة "تمرين" إلى "تطبيق حقيقي" أو حالة "This Is Not a Drill" بكلمة سرية لا تتعدى مقطعين توضع في خانة الكلمات المفتاحية في أمر عمليات التمرين، وهو "أمر احترازي" كما تذكر كتب القيادة والأركان، يتم لوقف هجوم عدو استغلَّ انشغال القوات بالتمرين، أو لمباغتة عدو تحت غطاء حالة تمرين. وكمثال على ذلك الهاجس الذي يُقِضُّ مضاجع الكوريتين عند كل مناورة جنوب أو شمال خط الهدنة.

 دوافع التدخل البري المحتمل

  • في بيئة ثبت طوال السنوات الماضية أنها عصيَّة على الترويض عبر الدبلوماسية، أو الأدوات العسكرية القاصرة؛ أصبح من الضرورة على دول الخليج العربية البحث في أمر التدخل البري في سوريا، رغم أنها ليست دولة مجاورة مباشرةً لهم، بل يفصلها عنهم العراق والأردن؛ مما يستلزم التدثُّر بحرب ما يدعى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"  كغطاء دولي، فالدافع هنا هو ضرورة أممية في سياق الحرب على الإرهاب(9).
  • غياب الدور الإقليمي أو العربي أو الإسلامي العسكري في الأزمة السورية؛ لانهيار نظام الأمن العربي منذ غزو الكويت في عام 1990؛ وظهور أنظمة أمن فرعية كمجلس التعاون ودرع الجزيرة، أو الاعتماد على الاتفاقيات الأمنية وحشر البعد الاستراتيجي في منظومة الأمن العربي، ثم الفشل في خلق هيكل عسكري عربي كالقوة العربية المشتركة، كلها مؤشرات قصور أمني يمثِّل التدخل العربي في سوريا مخرجًا منها. 
  • قبل سنوات ليست بعيدة اكتشف العالم أن للقصور الأمني قعرًا هو دول الخليج، على الرغم من قوتها الاقتصادية والسياسية. ومنذ عقد، وجرَّاء تعرضها لامتحان قوة قررت الرياض ودول الخليج ممارسة حقها كقوة عظمي بمقاييس إقليمية، فتدخلت بغطاءٍ أممي أو دولي شرعي في ليبيا واليمن وأفغانستان ومالي، وما التدخل البري في سوريا إلا بناء على ما يمليه عليها دورها كلاعب إقليمي، فالتفاصيل العسكرية لا تفعل غير تأكيد الطبيعة الاستراتيجية للقرار الخليجي .
  • التدخل البري ضرورة مُلحَّة لوقف انهيار فصائل المعارضة المعتدلة المدعومة من دول الخليج؛ إذ إن سقوط حلب سيجرُّ إلى إشكالية غاية في التعقيد في المشهد السوري الذي يحتاج إلى إعادة توازنه.
  • للحد من نتائج التدخل الروسي الذي قلب الأوضاع ميدانيًّا، ولوقف المنحى الاحتوائي الذي تمارسه موسكو لوضع الأزمة السورية كلها في جعبتها، ولوقف تعزيز التقدم العسكري الإيراني والروسي ينبغي أن يتم التدخل البري بدعم أطراف عدة؛ فالتدخل مصلحة غربية وإسلامية وعربية . ولتغيير قناعات دمشق التي ترى نفسها أقرب إلى الحسم العسكري وبالتالي لا مصلحة لها في حل سياسي، خصوصًا بعد تقدُّم الجيش السوري النظامي حتى مسافة تبعد نحو 25 كيلومترًا من الحدود مع تركيا، وتحالفه مع المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة متمردين وتهديدًا لأمنها؛ مما زاد الشعور بالحاجة لتحرك خليجي وتركي عاجل(10).

 السيناريو اليمني كشكل للتدخل المحتمل

تشير أكثر الموازين عدالة في محافل التقدير الاستراتيجي إلى أن نجاح عملية "عاصفة الحزم" في اليمن كان في منع قيام "جمهورية الحوثيين الإسلامية" وليس في تحرير المدن اليمنية فقط من قبضة الحوثي. وفي زمن سيولة غير مسبوقة في الأحداث، قد يبدو للبعض أن التدخل العسكري الخليجي في سوريا أشبه بإلقاء قطعة سكر صغيرة في بحر مالح؛ لكن استثمار نجاح عملية "عاصفة الحزم" في اليمن بالدخول بحملة جوية، وتقوية فصائل المعارضة السورية المعتدلة، وتحييد الجماعات المتطرفة، ثم إنزال قوات التحالف الخاصة، سيقود لوقف سيطرة النظام السوري على الأرض. وهذا يؤكد أن البأس العسكري قد حال دون ضياع اليمن جرَّاء البؤس الدبلوماسي، وأن السيناريو اليمني قد يكون هو شكل التدخل القادم في سوريا كالتالي:

  • لم يعُدْ هناك جدل كبير في العقيدة القتالية " Military Doctrine" شرقًا وغربًا حول جدوى الحرب الجوية كخطوة افتتاحية لكل عملية عسكرية، وهذا ما حدث في عملية "عاصفة الحزم"، وعليه يمكن استشراف حملة جوية لقوات التحالف في سوريا ذات هدف مزدوج ضد ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، ولدعم صمود الثوار ومقاتلي فصائل المعارضة المعتدلة في وجه القوات السورية النظامية، وربما الحد من السيادة الجوية الروسية في بعض القطاعات السورية؛ تمهيدًا لخلق ملاذات جوية آمنة، ولعل وصول المقاتلات السعودية لقاعدة إنجرليك التركية مؤشر على ذلك.
  • في حرب اليمن؛ أدى النجاح في بناء رأس جسر في عدن لخلق مناطق اشتباك مع القوات"الصالحوثية"، ورافق هذه الخطوة، خلق جيش وطني ومقاومة شعبية على الأرض. ولأنَّ الفقه العسكري ينص على أنَّ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ لذا وجب تحييد المتطرفين بالقوة العسكرية. وهو وضع قد يتكرر في سوريا، وسيسهِّله أن المعارضة السورية المعتدلة قادرة على وقف انتكاساتها جراء الشقاق، ونقص السلاح النوعي، وفقدان السيادة الجوية. كما أن تحييد الفصائل المتطرفة أمر تجتمع عليه كل القوى الفاعلة في الشأن السوري.
  • بسبب تحوُّل الصراعات إلى حروب لامتماثلة " Asymmetric warfare " بين وحدات غير نظامية وجيش نظامي، تتراجع دور القوات البرية على مسارح الأحداث العالمية لاختلاف شكل التهديدات. فالقوات البرية منذ مطلع القرن الحالي كبيرة الحجم بلا قدرة على المناورة العملياتية، وبلا نظريات قتال جديدة للتعامل مع التهديدات اللامتماثلة، ودون تطور ملموس في حرب المدن، بل وليس لديها القدرة للتصدي لهجوم خاطف من الميليشيات. فلم يكن هناك أمام المخطط العسكري إلا الاعتماد على القوات الخاصة، والتي تتميز بالاستجابة وخفَّة الحركة، والقدرة على استخدام المناطق الرمادية غير الخاضعة لسيطرة الدول للقضاء على الملاذات الآمنة للمتطرفين. ولم تعد الحرب البرية تعني نزول قوات برية بالدروع والمدفعية فقط؛ فكما حدث في اليمن سوف تتحاشى دول الخليج وتركيا والمشاركون معهم، الزجَّ بقوات برية تقليدية في سوريا؛ إذ إن القوات الخاصة متوفرة في الهياكل العسكرية التي ستدخل بها قوات التحالف العسكري الإسلامي، وربما يكون هيكل قوات التدخل السريع الخليجية مثال على ذلك.

 المناورات وفق حسابات المنطق العسكري

ينظر البعض إلى القوى المشاركة بالمناورات وكأنها لم تبلغ سن الرشد العسكري بعدُ، فهل سيتم التدخل في سوريا دون حسابات؟ قد لا تكون الإجابة بالنفي كافية، لكن من الثوابت أن قوات "درع الجزيرة" وهي مكوِّن رئيس في التحالف العسكري الإسلامي، والعمود الفقري لمناورات "رعد الشمال" تمتلك من العُدَّة والعتاد ما لا تمتلكه دول أخرى، كما تجدر الإشارة إلى أن دول الخليج العربية تأتي في المرتبة الثانية عالميًّا بعد دول "حلف الناتو" من حيث التسليح(11).

يستند التدخل العسكري البري المحتمل إلى هيكل التحالف الإسلامي العسكري الذي يضم 35 دولة إسلامية، ويتجاوز عديد جيوش تلك الدول أربعة ملايين جندي، وبما أن هدفه الأساس هو محاربة الإرهاب، فمن المتوقع أن توفِّر معظم هذه الدول قدراتٍ عسكرية خاصة.

هذا من ناحية القوة الصلبة، أما فيما يخص القوة الناعمة، فيستند التدخل الروسي في سوريا إلى شرعية دعوة رسمية من الرئيس السوري بشار الأسد، وقد قتل نظام هذا الرئيس المعترف به دوليًّا قرابة 450 ألف مواطن من شعبه؛ مما يجعل نزع شرعيته بالقوة مشروعًا، ويعطي التدخل الإقليمي-العربي إن حدث في سوريا، الحق من مبدأ مسؤولية المجتمع الدولي في حماية المدنيين Responsibility to Protect (R2P) الذي طُبِّق في ليبيا في العام 2011 وفي دول إفريقية أخرى(12). كما يمتلك التحالف الإسلامي العسكري بالإضافة إلى المبرِّر السابق، مبررًا آخر هو الحرب على ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وهو مبرر تعترف به الأمم المتحدة وتسانده، كما أن التحالف الإسلامي العسكري، هو تحالف تعترف به جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي(13). ويعزِّز موقف التحالف العسكري الإسلامي في التدخل في سوريا أن روسيا تعاني وضعًا اقتصاديًّا خانقًا مع هبوط أسعار النفط والمقاطعة الأوروبية المفروضة على موسكو، وفقدانها السوق التركية بعد التوتر الذي شهدته العلاقات بين كلٍّ من تركيا وروسيا على خلفية إسقاط أنقرة لمقاتلة روسية اخترقت أجواءها في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

كما ينبغي عدم إغفال الدعم الشعبي المتوقع من منطلق روحي وديني في حال تدخلت قوات التحالف الإسلامي العسكري في سوريا، الأمر الذي قد يعني فتح أبوب الجحيم على موسكو من قِبل الجماعات المتطرفة، وهو أمر تعيه موسكو جيدًا؛ حيث أوضح رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف أن المصلحة الروسية التي يدافع عنها الجيش الروسي في الأراضي السورية، تتمثل في منع تسلل آلاف المتطرفين من سوريا إلى الأراضي الروسية(14).

خاتمة

قد تكون التداعيات المبكرة التي رشحت في مرحلة إجراءات ما قبل المعركة، وحجم القلق الذي ظهر على أشكال عدة في المعسكر الروسي والإيراني والقوات النظامية التابعة للرئيس السوري بشار الأسد، من المؤشرات على جدوى التدخل لصالح الشعب السوري. فقد طرحت قوات النظام السوري هدنة على الفصائل العسكرية التي تسيطر على خطوط الجبهات على أمل عقد اتفاقية تفيد بوقف إطلاق النار من الطرفين(15). في هذا الإطار، يمكن طرح عدة تساؤلات مفادها: ما الذي يجعل الروس والإيرانيون يطلبون التهدئة ويسعون بشكل مفاجئ للموافقة على وقف إطلاق النار؟ ولماذا حاولت إيران مؤخرًا التواصل مع السعوديين دون أن تجد أي تجاوب؟ وما هي دلالات ما صرح به السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني بأن "تركيا والسعودية تفضلان إطالة الحرب على إيجاد تسوية جرَّاء حديث البلدين اللذين يدعمان معارضي الأسد العزم على إرسال قوات برية إلى سوريا لقتال تنظيم الدولة الإسلامية كذريعة لاكتساب موطئ قدم لهما"(16)؟ ما يثير الإعلان عن عزم بعض الدول العربية والإقليمية على التدخل العسكري البري في سوريا، حجم التهديد من خلال ما حذرت منه بعض وسائل الإعلام الغربية من أن ذلك قد يقود إلى حرب عالمية ثالثة(17).
________________________________________
د. ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج.

مصادر
1- العجمي، ظافر: مناورة رعد الشمال في الفكر العسكري، موقع الخليج أونلاين، 10 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 16 فبراير/شباط 2016) http://tinyurl.com/zyyh7tc
2- عبد الحميد، أشرف: ما هي أسباب المناورة العسكرية؟ موقع العربية نت، 15 إبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول 16 فبراير/شباط 2016) http://tinyurl.com/hbumzmt
3- "رعد الشمال": أكبر مناورات عسكرية شرق أوسطية، الجزيرة نت، 15 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 16 فبراير/شباط 2016) http://tinyurl.com/z6tlgl6
4- آل مرعي، إبراهيم: تعرف على التفاصيل الكاملة لـ"رعد الشمال"، يمن 24، 16 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 16 فبراير/شباط 2016)
http://www.yemen-24.com/news23596.html
5- السعودية تنشر مقاتلاتها بقاعدة إنجرليك التركية، الجزيرة نت، 16 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 17 فبراير/شباط 2016) http://tinyurl.com/jnj6xg2
6- إيران تعتزم إطلاق مناورات صاروخية، صحيفة العرب القطرية، 16 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 16 فبراير/شباط 2016) http://tinyurl.com/z4cx6nm
7- العراق يرسل قوات كبيرة إلى حدوده مع السعودية لمراقبة "رعد الشمال"، موقع روسيا اليوم، 14 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 16 فبراير/شباط 2016) http://tinyurl.com/jztt7d2
8- Nawaf Obaid.Saudi Arabia’s Master Plan Against ISIS, Assad and Iran in Syria .nationalinterest.16Feb2016
http://nationalinterest.org/feature/saudi-arabias-master-plan-against-isis-assad-iran-syria-15221
9- الراشد، عبد الرحمن: التدخل البري السعودي في سوريا، صحيفة الشرق الأوسط، 6 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 16 فبراير/شباط 2016) http://tinyurl.com/j7aj7f8
10- تركيا تقول إنها تفضِّل عملية برية في سوريا ولكن لا توافق بين الحلفاء، موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، 16 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 17 فبراير/شباط 2016) http://tinyurl.com/zmzyrn8
11- مقابلة مع اللواء مطلق الأزيمع قائد قوات درع الجزيرة مع صحيفة الشرق الأوسط، 27 مارس/آذار 2011، (تاريخ الدخول 17 فبراير/شباط 2016)
http://archive.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11807&article=614382#.VsRfM_J96M8
12- ميثاق الأمم المتحدة، الفصل السابع: فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان. http://www.un.org/ar/documents/charter/chapter7.shtml
13- المفلح، عبد الله: هل تضرب السعودية روسيا في سوريا؟ صحيفة شؤون خليجية الإلكترونية، 14 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 17 فبراير/شباط 2016) http://alkhaleejaffairs.info/c-32614
14- ميدفيديف: الوجود العسكري الروسي في سوريا محدود زمنيًّا، موقع روسيا اليوم، 15 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 17 فبراير/شباط 2016) http://tinyurl.com/zy5tbot
15- هدنة في ريف حمص الشمالي: وقف إطلاق النار في "سنيسل والمحطة"، موقع تلفزيون الآن، 16 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 17 فبراير/شباط 2016)
http://www.alaan.tv/news/world-news/148844/truce-homs-northern-cease-fire-snisl-and-almahata
16- زعيم حزب الله: تركيا والسعودية تفضِّلان إطالة الحرب على تسوية سياسية في سوريا، رويترز العربية، 16 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 17 فبراير/شباط 2016)
 http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKCN0VP2FS
17- التايمز: 4 بؤر توتر قد تدفع باتجاه حرب عالمية ثالثة بدون سابق إنذار، موقع الوسط، 16 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول 17 فبراير/شباط 2016)
http://www.alwasat-ye.net/?ac=3&no=46740

نبذة عن الكاتب