تفسيرات دستورية لتمديد ولاية الحكومة في إثيوبيا: تمهيد لأزمة سياسية أم حل لمعضلة في الحكم؟

مع مطالبات الأطراف السياسية بعدم تأجيل الانتخابات البرلمانية لأنها سابقة دستورية وسياسية بإثيوبيا، يبقى خيار التمديد لحكومة آبي أحمد للتحضير للانتخابات العامة الخيار الأوفر حظًّا، فهل تنجح إثيوبيا في تفادي أزمة تلوح في الأفق عبر تفسيرات دستورية، أم ستعيش أزمة تربك المشهد وتخلط الأوراق؟
تأجيل الانتخابات البرلمانية سابقة دستورية وسياسية بإثيوبيا (الجزيرة)
تأجيل الانتخابات البرلمانية سابقة دستورية وسياسية بإثيوبيا (الجزيرة)

بوصول آبي أحمد إلى سدة الحكم في إثيوبيا، في أبريل/نيسان 2018، تجاوزت إثيوبيا، ولو لحين، منعطفًا سياسيًّا خطيرًا. إلا أن التركة التي ورثها على جميع الأصعدة كانت ثقيلة بكل المقاييس، وما كان عليه إلا أن يسير في حقل من التحديات غير المتناهية إن على المستوى المحلي أو الإقليمي. جرت في إثيوبيا خمس انتخابات عامة في ظل التحالف الحاكم منذ 1991 وحتى حله رسميًّا، في فبراير/شباط 2020، على يد آبي أحمد، الذي أميل إلى تلقيبه بـ"غورباتشوف إثيوبيا"؛ حيث استفاد من برنامج إصلاحي عميق كان قد اعتمده التحالف الحاكم للإجهاز عليه(1)

جاء آبي أحمد إلى السلطة ولم تمض على ولاية البرلمان الحالي إلا سنتان من عهدة تبلغ خمس سنوات، وهي المقررة دستوريًّا لكل حكومة وبرلمان. لم يكن أمامه سوى ثلاث سنوات، لتفكيك إحدى أكبر منظومات الحكم في إفريقيا "الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا"، وليعيد ترتيب المشهد السياسي والاقتصادي لبلد من مئة مليون نسمة لعقود قادمة، على نحو يمكِّنه وحزبه الجديد، حزب الازدهار، من تحقيق نصر انتخابي يمنحه الشرعية لمواصلة الحكم. كل هذا في ظل معارضات يمينية ويسارية وليبرالية وقومية شرسة، ظل بعضها يناضل من الداخل، وآخرون عادوا من الخارج بعد عقود من المنفى القسري. 

منذ الوهلة الأولى للوصول إلى السلطة، ظل آبي أحمد يعد الجميع، وخاصة المعارضة التي استُبعدت من الحكم لثلاثة عقود، بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، بينما المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الميدان كانت توحي باستحالة عقد الانتخابات المفترضة في صيف 2020.

في الربع الأخير من العام المنصرم، بدأت المعارضة القومية الفيدرالية، والتيار الوحدوي والليبرالي حملات انتخابية مبكرة، ونزل حزب السلطة الجديد، حزب الازدهار، إلى الميدان بكل ثقله، وأصبح الاستقطاب السياسي والاجتماعي على أشده، والتوتر الاجتماعي في أعلى مستوياته(2). ولكن ومع إطلالة الأشهر الأولى من 2020، كان الجميع على موعد مع القدر، حيث قطعت أزمة كورونا قول كل خطيب، وحلَّت على الجميع، ضيفًا خطيرًا وثقيلًا، لا مناص من استضافته والتعامل معه، حتى يقرر الرحيل، مما أدى إلى إعادة ترتيب أولويات الدولة والمجتمع. 

وبين أزمة كورونا والاستقطاب السياسي، يبقى سدُّ النهضة الحاضرَ الغائبَ كمؤثر مباشر على أولويات الحراك السياسي في إثيوبيا، مع وصول الخلافات مع مصر أعلى مستوياتها في ظل إصرار إثيوبي على البدء بالتعبئة الأولية لخزان السد في يوليو/تموز 2020، وحملات إعلامية ودبلوماسية مصرية. 

كورونا: طوارئ صحية تمهد لطوارئ سياسية

تم الإعلان في إثيوبيا عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا الجديد في الثالث من مارس/آذار 2020، وبعدها توالت الإجراءات الاحترازية التي أعلنت عنها الحكومة، وفي 31 من نفس الشهر أعلن المجلس الوطني للانتخابات، وهو هيئة وطنية مستقلة منوطة بتنظيم الانتخابات، أنه لن يتمكن من إجراء الانتخابات العامة والمقررة في أغسطس/آب 2020 المقبل. 

وبرَّر المجلس قراره بأن الإجراءات الاحترازية لمكافحة الوباء منعته من التحرك بحرية لمتابعة تنفيذ الجدول الانتخابي الخاص بتسجيل الناخبين، والمرشحين والمراقبين، وتدريب التنفيذيين وغير ذلك من الأنشطة التي تحتاج إلى تحركات وتجمعات تتنافى مع إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضها فيروس كورونا. 

في التاسع من أبريل/نيسان 2020، أعلنت حكومة آبي أحمد حالة طوارئ لمدة خمسة أشهر، وذلك للاستعانة بالإجراءات الاستثنائية التي توفرها حالة الطوارئ لمكافحة الوباء، عبر إلزام المجتمع بإجراءات الحد من حرية الحركة والاجتماعات السياسية والاجتماعية والدينية(3)

وتفهمًا لظروف الجائحة على مستوى العالم، لم تواجه الحكومة أية معارضة، بل عبَّرت جميع الأقطاب السياسية، معارضين وموالين، عن دعمها لجهود الحكومة في الأخذ بالاحتياطات اللازمة. 

ومن المفترض أن تستمر حالة الطوارئ بشكل تقريبي حتى التاسع من سبتمبر/أيلول 2020، بينما تنتهي ولاية حكومة آبي أحمد والبرلمان الحالي في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2020، أي بعد شهر من انتهاء حالة الطوارئ. 
ولا يمكن إعداد انتخابات عامة على مستوى المركز والولايات، والتي يتوقع أن يتنافس فيها أكثر من أربعة آلاف مرشح في أكثر من 40 ألف مركز انتخابي في ظرف شهر واحد أو أقل، كما أنه لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما ستؤول إليه أزمة وباء كورونا، وهو ما حتَّم تأجيل الانتخابات. 

المشهد السياسي عشية تأجيل انتخابات 2020

أعاد الدستور الحالي الذي تم اعتماده عام 1994 تشكيل إثيوبيا الحديثة؛ حيث حولها من دولة ذات إدارة مركزية، تقوم على وحدة الدين واللغة والثقافة، إلى دولة فيدرالية، متعددة اللغات والهويات، وتتكون من تسع ولايات ذات طبيعة إثنية تتمتع بحق تقرير المصير لحد الانفصال، وذلك لاستيعاب مطالب تاريخية للقوميات والشعوب المكونة للدولة(4)

في ظل هذا الدستور التعددي تعززت الانتماءات القومية، وأصبحت مصالح الولايات القومية هي الموجِّهَ الأساسيَّ للرأي العام، مما عزز من قوة التيار القومي وسيطرته على الرأي العام نظرًا للمظالم التاريخية التي عانت منها معظم القوميات والإثنيات خلال سعي النخب التاريخية في تكوين الدولة الحديثة. واليوم يسمى التيار القومي، بالفيدراليين، ويقوم برنامجهم السياسي على تعزيز وتعظيم المكتسبات الجهوية للولايات، وذلك بالتطبيق الفعلي للدستور؛ حيث يرون أن حقوق الولايات التي مُنحت بالدستور، تم سلبها بالسياسة التنفيذية التي أفرغت الدستور من محتواه.  

ويتزعم التيارَ القومي، الأورومو، باعتبارهم أكبر كتلة سكانية جنوبية، ظلت تاريخيًّا في موقع المقاومة للدولة المركزية التي قادها الأمهرا والتغراي من الشمال الإثيوبي. 

وتأتي جبهة تحرير الأورومو، عميدة النضال الأوروموي في مقدمة هذه التيارات من حيث الأقدمية التاريخية، وكانت جزءًا من العملية السياسية التي جاءت بالدستور الحالي عام 1991، لكن تم استبعادها، بعد الخلاف الدامي مع جبهة تحرير تغراي، فعادت إلى النضال من المنفى وخاصة من إريتريا، حتى عودتها بعد التغيرات الحالية.

ويأتي حزب المؤتمر الفيدراليين الأورومو (Oromo Federalist Congress)، بقيادة السياسي المخضرم، ميرارا غودينا، في مقدمة التيارات القومية الفاعلة سياسيًّا، حيث ظل الحزب يناضل من الداخل لعقود.

وفي ولاية الصومال الإثيوبي، تعتبر جبهة تحرير أوغادين لاعبًا سياسيًّا، بعد عودتها أيضًا من المهجر مؤخرًا. كما أنها كانت كذلك، جزءًا من العملية السياسية التي أسست الدستور الحالي، حتى استبعادها مع مثيلاتها من الحركات القومية عام 1994 بعد إقرار الدستور. 

إضافة إلى هذه الكيانات الأساسية هناك العشرات من الأحزاب والتجمعات القومية التي تتركز قواعدها الشعبية في الولايات الجنوبية والشرقية وفي وسط البلاد، وخاصة خارج التجمعات المدنية.

ومؤخرًا، قام التيار الفيدرالي القومي بتكوين "تحالف الفيدرالية الديمقراطية" بقيادة حزب المؤتمر الفيدراليين الأورومو الذي انضم إليه الناشط السياسي، جوهر محمد، الأب الروحي للحركة الشعبية التي أحدثت التغيير الحالي. 
ويضم التحالف أبرز الأحزاب والتكتلات السياسية بما فيها جبهة تحرير أورومو، وحبهة تحرير أوغادين، وغيرهما من الأحزاب السياسية ذات التوجه القومي. 

وعلى النقيض من التيار القومي يأتي التيار الوحدوي المركزي الذي ينادي، في مجمله، باستعادة الدولة المركزية، وذلك بإعادة تشكيل الفيدرالية عبر تحويلها من فيدرالية إثنية قومية إلى فيدرالية إدارية، وبالعمل على تقوية الهوية الوطنية الجامعة، حسب رؤيته الثقافية القائمة على تحييد الهويات الأخرى. 

ويتكون هذا التيار من مجموعة من الأحزاب النخبوية التي تعود في عمومها إلى النواة المدنية التي أسست إثيوبيا الحديثة. 
أما التيارات الوحدوية المركزية، وإن كانت تنادي بالديمقراطية والليبرالية كمرجعية سياسية، فإن قواعدها الشعبية تأتي من قومية أمهرا، في إقليمها في الشمال الغربي، أو في المدن الرئيسية التي تنتمي إليها وإلى ثقافتها النخبة السياسية التي بنت إثيوبيا الحديثة(5)

وعلى مستوى التشكيلات السياسية يأتي في مقدمة التيار الوحدوي المركزي، حزب المواطنين الإثيوبيين للعدالة الاجتماعية، وهو عبارة عن تجمع يضم مجموعة من الأحزاب بقيادة برهانو نغا، وهو أحد أهم قيادات المعارضة في انتخابات 2005(6)

ومن بين أحزاب التيار يأتي الحزب الإثيوبي الديمقراطي بقيادة ليدتو أيالو، أحد أكثر القيادات الجدلية على الساحة الإثيوبية، حيث كان أيضًا جزءًا من تحالف المعارضة في انتخابات 2005(7)

وبين التيار القومي الوحدوي يأتي تيار الوسط، وحزب السلطة، حزب الازدهار، الذي تكون على أنقاض "الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا" التي حكمت البلاد بقيادة جبهة تحرير شعب تغراي حتى وصول آبي للسلطة. 

وتكوَّن الحزب بعد حل الأحزاب المكوِّنة للائتلاف، والأحزاب الأخرى المتعاونة معه، ودمجها في حزب جديد تحت مسمى الازدهار، وبهيكلية تنظيمية عمودية بقيادة آبي أحمد. لذا، فإن جميع قيادات الحزب وأعضائه هي قيادات سابقة في التحالف الحاكم. 

ولإدارة التناقضات غير المتناهية في بلد المئة مليون نسمة، تبنى الحزب سياسة الوسطية والجمع بين الأضداد الفكرية، وذلك بالدمج بين العمل على بناء هوية وطنية جامعة تقوم على التعددية مع الحفاظ على المكتسبات الجهويات للولايات الإثنية، وتحرير الاقتصاد.

ويقدِّم حزب الازدهار نفسه على أنه البديل الوحيد لاستقطابات المحاور السياسية، ويرى المراقبون أنه يشكِّل فضاء فكريًّا عازلًا، وضابطًا سياسيًّا للصراع المحتدم بين القوميين الفيدراليين والوحدويين المركزيين. 

جبهة تحرير شعب تغراي: بين الإرث التاريخي وهواجس المستقبل 

جبهة تحرير شعب تغراي هي التي قادت نصر الثوار على النظام الشيوعي عام 1991، وأسست تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا، وحكمت به البلاد والعباد سبعة وعشرين عامًا، حتى فقدت قيادتُها المشهدَ السياسيَّ مع وصول آبي أحمد للسلطة، على وقْع ثورة شعبية مدنية استمرت ثلاث سنوات.

وبعد أفول شمسها على المستوى المركزي، انزوت الجبهة إلى إقليم تغراي، شمال البلاد، والمحاذي لإريتريا، وأبقت على الإجراءات الأمنية الصارمة التي كانت تتبعها سابقًا وما زالت تتبعها في حكمها للإقليم، ورفضت الانضمام إلى حزب الازدهار، ودخلت في مناكفات سياسية لا متناهية مع طبقة الحكم الناشئة في أديس أبابا بقيادة آبي أحمد؛ مما أدى بها وبالإقليم إلى عزلة، في وقت تشهد فيه البلاد تطورات كبيرة ومتلاحقة.

سياسيًّا، تنتمي الجبهة إلى التيار القومي الفيدرالي؛ فهي أحد صانعي الدستور الحالي بالشراكة مع الجبهات القومية في عموم البلاد. ولكنها، وبعد أن استتب لها الأمر، وبدعم من جيش الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا التي سيطرت على المشهد في إريتريا آنذاك، فقد انقلبت جبهة تغراي على الجبهات القومية الأخرى في إثيوبيا، واستبعدتها، الواحدة تلو الأخرى من العملية السياسية، واستعانت بأحزاب الكومبارس لتمثيل القوميات.  

لذا، فرغم تقاسم الرؤى السياسية مع التيار القومي الفيدرالي إلا أن هناك أزمة ثقة ومظالم تاريخية، مما لا يؤهل الجبهة لتكون جزءًا من التيار الفيدرالي، على الأقل في المرحلة الراهنة، حيث لم تندمل الجراح بعد. 

لكن، وفي ظل التطورات المتلاحقة، فإن هذا التباعد لا يمنع من لعب أدوار تكتيكية من أحد الطرفين (الجبهة والتيار الفيدرالي القومي) قد تخدم الطرف الآخر استراتيجيًّا أو تكتيكيًّا.

كانت الحرب الحدودية الطاحنة بين إريتريا وإثيوبيا عام 2000 أيضًا بقيادة جبهة تغراي، التي استعانت بإريتريا لتثبيت حكمها في إثيوبيا، لكنها سرعان ما دخلت في خلاف مع أسمرا، فكانت حربًا ضروسًا، وظل العداء مستمرًّا لعقدين من الزمان حتى وصول آبي أحمد للسلطة، والذي قام بنزع الفتيل والتطبيع مع إريتريا. 

لذا، فإن الجبهة اليوم تعمل وتراهن على تغيير النظام في إريتريا، كما أن النظام في إريتريا يعمل ويراهن على إزالة الجبهة من حكم الإقليم الذي يمثِّل خاصرة آسياس أفورقي الموجعة. 

وعلى الرغم من أن إقليم تغراي، يقع ضمن إقليم أمهرا، والإقليمان هما غرماء السلطة، إنْ في الحبشة التاريخية أو في إثيوبيا الحديثة. إلا أن الجبهة بعد أن قيادتها للمشهد السياسي، طفت خلافات حادة بين الإقليمين، كادت تصل في مراحل عدة إلى مواجهات شاملة. 

وداخليًّا، ورغم القبضة الأمنية في الإقليم إلا أن شعب تغراي يتوق إلى مشاركة باقي شعوب إثيوبيا الانفتاح السياسي والتغيرات الاقتصادية، وهو ما يبرر بروز العديد من الأحزاب المحلية في تغراي التي ترغب في منافسة الجبهة.
وفي ظل كل هذه التحديات التي تحيط بالجبهة وقياداتها التاريخية، فإنها مطالبة بالبحث عن استراتيجية واقعية للخروج من عنق الزجاجة. 

تفسيرات دستورية لتجاوز أزمة سياسية 

حسب الدستور الإثيوبي، يجب عقد انتخابات عامة كل خمس سنوات، إلا أن الدستور لم يحدد الخطوات اللازمة في حال لم تتمكن الحكومة القائمة من عقد الانتخابات في موعدها المحدد لأي طارئ، كما هي الحال الآن مع أزمة كورونا. وهي سابقة سياسية ودستورية، حيث لم تواجه إثيوبيا من قبل ظروفًا تحتم عليها تأجيل الانتخابات. 

في الخامس من يونيو/حزيران 2020، صادق مجلس النوب (البرلمان) في جلسة استثنائية، على إحالة طلب تفسيرات دستورية للمواد الدستورية المتعلقة بالانتخابات وحالة الطوارئ إلى المجلس الفيدرالي (مجلس الشيوخ).

والمجلس الفيدرالي هو أعلى هيئة دستورية، ويتكون من أعضاء ترشحهم ولايات إثيوبيا التسع حسب عدد سكانها، وهو هيئة عليا منوطة بالقضايا الدستورية، والبتِّ في الخلاف بين الولايات. 

وتنبثق من المجلس الفيدرالي لجنة التفسيرات الدستورية المكونة من أحد عشر عضوًا، يعينهم المجلس الفيدرالي برئاسة رئيس المحكمة الفيدرالية العليا. 

وحسب التركيبة الحالية للمجلس الفيدرالي، فحكومة آبي أحمد تتمتع فيه بأغلبية مطلقة، كما هي الحال في مجلس النواب (البرلمان). 

وتسعى حكومة آبي أحمد للحصول على تمديد ولايتها بكامل صلاحياتها، لفترة تتمكن خلالها من الاستعداد لعقد الانتخابات في ظروف أفضل، وهو ما تعتبره المعارضة بكل أطيافها سعيًا غير دستوري إلى الاستمرار في السلطة دون شرعية انتخابية. 

وقد استَبَقَت جبهة تحرير شعب تغراي الجلسة الاستثنائية للبرلمان، وأدانت سعي آبي أحمد لتمديد فترة حكومته، عبر التفسيرات الدستورية، وشدَّدت على احترام الدستور، وأكدت على عقد انتخابات خاصة بإقليمها. 

ومع الإجراءات الأمنية الصارمة التي ما زالت الجبهة تتبعها في حكمها للإقليم، فإنها ترغب في تجديد شرعيتها للاستمرار في حكم الإقليم، والاستعداد لتطورات المشهد السياسي، حيث تزداد عليها الضغوط داخليًّا وإقليميًّا لإزاحتها عن المشهد، كما ذُكر أعلاه. 

وحسب الدستور، يمكن لحكومة الولاية أن تطلب عقد انتخابات محلية خاصة بالولاية، ولكن يبقى المنفذ هو المجلس الوطني للانتخابات. لذا، يبقى تهديد الجبهة بعقد انتخابات خاصة بها في إطار الموقف السياسي الذي لا يعبِّر بالضرورة عن إمكانية تنفيذ انتخابات خاصة بالإقليم عمليًّا. 

وقد دعا تحالف الفيدرالية الديمقراطية إلى إطلاق حوار سياسي للخروج من الأزمة، مشددًا على أن يكون الحل توافقيًّا. وأكد جوهر محمد، وهو الموجِّه الفكري للتيار، في مقال له، على أن البحث عن حلول قانونية لأزمة سياسية هو نوع من العبث السياسي(8)

في حين طالب جزء من المعارضات الوحدوية الليبرالية بحكومة انتقالية تشارك فيها جميع الأطراف، وتعمل على الإعداد للانتخابات المؤجلة، واعتبرت التمديد لحكومة آبي أحمد غير دستوري، مؤكدة على أن العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2020، وهو موعد انتهاء ولاية الحكومة، تاريخ مقدس. بينما أكدت أطراف أخرى من الليبراليين على ضرورة الحفاظ على حكومة قوية تعد للانتخابات وتعمل على تحقيق التحول الديمقراطي السلمي(9)

وفي خطاب له، رفض آبي أحمد فكرة الحكومة الانتقالية، واعتبرها دعوة للفوضى في ظل الظروف الصحية والاقتصادية والإقليمية التي تمر بها البلاد، وسعيًا للوصول إلى السلطة عبر بوابة الأزمات، وتوعد بإجراءات حاسمة للحفاظ على الاستقرار والاستمرار.  

ومع تعدد مطالبات الأطراف السياسية، وتعليقات خبراء القانون، على سابقة دستورية وسياسية لم تشهدها إثيوبيا من قبل، يبقى خيار التمديد لحكومة آبي أحمد بين سنة وستة أشهر للتحضيرات للانتخابات العامة، هو الخيار الأوفر حظًّا، في ظل المعطيات الحالية. 

يصعب التكهن بردود أفعال المعارضات على قرار التمديد لحكومة اعتُبرت سياسيًّا حكومة انتقالية، لنشأتها على وقع ثورة شعبية، واستأمنها الشعب لتحقيق انتقال ديمقراطي سلس. 

فهل تنجح إثيوبيا في تفادي أزمة سياسية تلوح في الأفق عبر تفسيرات دستورية، أم أن تلك التفسيرات ستكون شرارة أزمة تربك المشهد وتخلط الأوراق؟

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) انظر: نور الدين عبدا، استقالة رئيس وزراء إثيوبيا واحتمالات التغيير الشامل، نون بوست، 21 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 11 مايو/أيار 2010):
 http://www.noonpost.com/content/22140 

(2) Keeping Ethiopia’s Transition on the Rails, Crisis, risisgroup.org, 16 December 2019 (accessed on May 11, 2020):
https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/ethiopia/283-keeping-eth…;

(3) انظر: تقرير مجموعة الأزمات الدولية:
Managing the Politics of Ethiopia’s COVID-19 Crisis, risisgroup.org, 15 April 2020 (accessed on May 11, 2020):
https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/ethiopia/managing-politi…

(4)- Tsegaye Regassa State constitutions in federal Ethiopia, March 22-27, 2004, (accessed on May 11, 2020):
https://www.researchgate.net/publication/258152597_State_constitutions_…

(5) انظر: محمد مصطفى جامع، نذر أزمة دستورية في إثيوبيا.. وهذه نقاط القوة والضعف لآبي أحمد ومعارضيه، موقع نون بوست، 10 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 11 مايو/أيار 2010): 
https://www.noonpost.com/content/36976

(6) تعتبر انتخابات 2005 أهم تجربة ديمقراطية خاضتها إثيوبيا؛ حيث فاز تحالف المعارضة الوحدوية الليبرالية "قنيجيت" بمقاعد العاصمة أديس أبابا والمدن الرئيسة، ولكنها رفضت الاعتراف بالنتيجة، ودبَّت بينها الخلافات، وقامت حكومة رئيس الوزراء الأسبق، ميلس زيناوي، باعتقال معظم قيادات بسبب أعمال الشغب، والحكم عليها بالسجن المؤبد، وعفت عنهم لاحقًا؛ حيث لجأ بعضهم إلى الخارج، وأطلق معارضات من المنفى.

(7) ليداتو أيالو، كان جزءًا من تحالف المعارضة في انتخابات 2005 لكنه اعترف بنتيجة الانتخابات وانشق عن المعارضة، فلم يتعرض للسجن، وظل صوت المعارضة الوحدوية من الداخل حتى حصول التغيير الحالي.

(8) انظر: وهر محمد:
Ethiopia’s impending constitutional crisis and why we need a political solution.

(9) انظر: بيان حزب المواطنين الإثيوبيين للعدالة الاجتماعية؛ حيث يستعرض جميع الخيارات الموجودة:
Ethiopian Citizens for Social Justice (Ezema) statement, Ethiopia-insight published in May 9, 2020 (accessed on May 11, 2020):
 https://www.ethiopia-insight.com/2020/05/09/ethiopian-citizens-for-soci…