أصدر مركز الجزيرة للدراسات كتابًا جديدًا، اليوم، الأول من مارس/آذار 2022، بعنوان الطرق الصوفية في غرب إفريقيا: السياقات الاجتماعية والأدوار السياسية، من تأليف مجموعة من الباحثين، وتحرير سيدي أحمد ولد الأمير، الباحث بمركز الجزيرة للدراسات ومنسق وحدة الدراسات الإفريقية.
تسعى المقاربة التي يقدمها الكتاب إلى جملة أهداف، من أبرزها: الوقوف على تشكُّل المسارات الصوفية، طرقًا وأشياخًا ومريدين، في سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي في إفريقيا الغربية وتفاعلها مع جوارها المغاربي، وكذلك معرفة ملامح تفاعل الطرق الصوفية مع ديناميات التغيرات الاجتماعية والسياسية بهذه المنطقة.
كما يسعى الكتاب إلى تبيُّن مظاهر الارتباط الذي كرَّسته الطرق الصوفية بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، دون أن تهمل معرفة الدور الذي يمكن أن تقوم به الصوفية في غرب إفريقيا كبديل عن الحركات الإسلامية الموسومة بالتشدد.
وتندرج فصول الكتاب تحت ثلاثة أقسام رئيسة: التصوف بغرب إفريقيا.. السياق التاريخي والاجتماعي، والطرق الصوفية بإفريقيا الغربية.. المرتكزات الداخلية والرهانات الإقليمية، ومستقبل الطرق الصوفية في غرب إفريقيا.
وقد خلص الكتاب -بعد استعراضه لمختلف نواحي حياة الطرق الصوفية في بلاد المغرب وغرب إفريقيا- أنها نظم لها ارتباط قوي بتاريخ البلاد وتقاليدها، ولها تأثير حاسم في حياة السكان؛ حيث أسهمت في التربية والتعليم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما ظلت تقوم بدور وساطة في الحياة الاجتماعية والسياسية رغم ما يواجهها من تحديات، أهمها الحاجة إلى تطوير جهازها القيادي ونظامها التعليمي، والتعامل مع الأوضاع المزرية التي عاشتها وتعيشها مناطق انتشارها، فضلًا عن علاقات تلك المناطق بشركائها الدوليين ذوي المرجعية الرأسمالية الليبرالية، إضافة إلى الواقع الأمني المتردي.
ومما خلص إليه الكتاب أيضًا أن الطرق الصوفية في المناطق التي شملتها الدراسة تعيش أزمة تتمظهر في تقاليدها التي استنفدها الزمن، ومناهجها التي لا تنسجم وروح العصر، ووقوفها عاجزة عن تقديم بديل ينبني عليه عقد اجتماعي جديد قادر على النهوض بأعباء الحياة المعقدة، وأنها بحاجة ماسَّة إلى تدارك نَفْسها بنَفَس تجديدي يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
كما أكد الكتاب على أن الطرق الصوفية مدعوة للقيام بدور في النهوض والإصلاح الاقتصادي بالبلدان الموجودة فيها، وذلك من أجل إيجاد بيئة قابلة للاستثمار وجذب رجال الأعمال لتجاوز الأعطاب الموروثة منذ عقود، وأن بإمكانها أن تقوم بدور فعال من خلال القيم الصوفية الاقتصادية في الفضاء العام لتقليص دائرة الفساد، العائق الأكبر للتنمية، وإعادة بناء الإنسان في تلك الدول من خلال محاسبة النفس والزهد في متاع الحياة الدنيا والحرص على الكسب الحلال والتعفف والاقتصاد في النفقات وتجنب الإسراف والتبذير والاعتماد على الذات والتنديد بأكل المال العام وبيان خطورته، ذلك لأن السير في التحذير من الرشوة والفساد والكسب غير المشروع ومعالجة هذه الأمراض المستعصية -بحسب الكتاب- كفيلان ببعث نهضة تنموية شاملة، وتلك دعامة أساسية في طريق الإصلاح ببلدان غالبية سكانها من الصوفية وللمشايخ هناك كلمة مسموعة وأوامر مطاعة.
وأكد الكتاب على أن "الإعلام المُتصوف" يمكنه أن يلعب مجموعة من الأدوار التربوية والروحية، وذلك على ضـوء النـماذج والتجارب الإعلامية التي رصدها في كل من السنغال ومالي وإلى حدٍّ ما في موريتانيا؛ حيث اتجهت الطـرق الصوفية داخل هذه الدول إلى الاستثمار في الإعلام وتقنياته الحديثة بُغية التأثيـر في وجهات نظـر صنَّاع القرار والأفـراد والمجموعات السياسية والدينية الأخرى التي تؤرقها منذ عقـود.
ومن التحديات التي رصدها الكتاب وتوسع في شرحها تحدي الجماعات السلفية وجماعات ما يسمى بالإسلام السياسي التي تواجه الطرق الصوفية في مناطق انتشارها، وخلص إلى أن جسر الهوَّة وبناء الثقة بين الطرق الصوفية وتلك الجماعات يظل ممكنًا إذا استطاعت الأولى أن تمارس نهجًا سياسيًّا استيعابيًّا وتمكنت الطرق الصوفية من الدفع بأجيال مشيخية جديدة تنظر أبعد من مصالحها الآنية، وقبل ذلك إذا انتبهت الطرق الصوفية إلى حاجة بلدانها ومجتمعاتها، وانتهجت نهجًا صوفيًّا تتبنى فيه مواقف تنحاز للثوابت الوطنية عوضًا عن الصراع السياسي الحزبي، أو تتبنى موقفًا سياسيًّا احترافيًّا ليس مقرونًا بتحكُّم من خارجها، باعتبار كل ذلك شرطًا لتطوير التجربة الديمقراطية في هذه البلدان.
وقدم الكتاب أخيرًا رؤية حول الكيفية التي يمكن من خلالها للطرق الصوفية الصمود والتكيف وتجديد نفسها، والوسائل التي بإمكان زعماء هذه الطرق اتباعها لاحتواء المشكلات والتحديات سابقة الذكر والتفاوض مع المكونات الاجتماعية الأخرى حول تأثير هذه الوضعية الجديدة وما فيها من لاعبين جدد حتى لا تفقد دورها الذي كانت تلعبه في الميدان السياسي.
- وللراغبين في قراءة الكتاب وتحميله الضغط على (هذا الرابط).