الانتخابات التركية القادمة: الزلزال والتحالفات والتحديات الجديدة

تحاول الورقة الحالية شرح ديناميات وخصائص الانتخابات التركية التي ستُجرى في 14 مايو/أيار 2023، والعوامل المؤثرة فيها، وتقدم خلفية معلوماتية حولها، وبشكل مركز تسعى الورقة للوقوف على التفاعلات الجارية على جبهات التحالفات الانتخابية في تركيا، وأبرز التوجهات والمسارات، بالإضافة إلى تحليل تأثيرات زلزال 6 فبراير/شباط على أولويات المرشحين وتوجهاتهم في انتخابات مايو/أيار 2023.
تحديات عديدة تواجه تحالف الشعب والرئيس أردوغان (الأناضول)

كان من المقرر أن تعقد الانتخابات التركية (الرئاسية الـ13 والبرلمانية الـ28 معًا)(1) بحد أقصى في 18 يونيو/حزيران 2023، أي بعد 5 سنوات من آخر انتخابات عامة عُقدت، في 24 يونيو/حزيران 2018، مع وجود إمكان لتبكيرها حيث كان تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية يملك تقديمها في ظل وجود أغلبية برلمانية له في البرلمان الحالي، وكانت المعارضة التركية دائمًا تشير إلى احتمال تقديم أردوغان لموعد الانتخابات بشكل مفاجيء خشية عقدها في ظل تزايد تأثر المواطنين بالوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار وفي ظل تزايد زخم المعارضة بعد فوزها بانتخابات البلديات الكبرى، في عام 2019، في أنقرة وإسطنبول على وجه الخصوص.

ولما سبق، أدخلت المعارضة البلد في جو الانتخابات منذ أكثر من عام، وسعت لتشكيل تحالفات جديدة أسفرت عن تشكيل الطاولة السداسية من 6 أحزاب معارضة، هي: الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والمستقبل، ودواء، والحزب الديمقراطي، وهي أحزاب تختلف فيما بينها في الكثير من الأمور لكنها تجتمع على إزاحة الرئيس أردوغان وحزب العدالة من الحكم، وتتفق على عدم نجاعة النظام الرئاسي وضرورة العودة بالبلاد إلى النظام البرلماني الأكثر ديمقراطية من وجهة نظرهم(2).

ومع ذلك، بقي الرئيس أردوغان وحليفه، الحركة القومية، يؤكدان على إقامة الانتخابات في موعدها وهو ما حصل  مع تعديل طفيف ولأسباب غير سياسية، من 18 يونيو/حزيران 2023 إلى 15 مايو/أيار 2023، وقد بُرِّر ذلك بإظهار الإرادة الوطنية بأكبر قدر من المشاركة وفي أفضل الظروف بحجة أن التاريخ الأول كان يتزامن مع امتحانات الجامعات وسفر الكثير من الناخبين خارج مدنهم أو خارج البلد للحج والسياحة. وقد وقع اختيار أردوغان لتاريخ 15 مايو/أيار لبُعد رمزي أيضًا؛ حيث تُعد انتخابات 15 مايو/أيار 1950 أول انتخابات ديمقراطية في تركيا، وقد شكَّل الحكومة حينها رئيس الوزراء، عدنان مندريس(3).

وقد عمل أردوغان على اتخاذ العديد من القرارات التي ترضي المواطنين وتساعدهم على مواجهة الغلاء، مثل رفع معاشات الموظفين، وإلغاء ديون حكومية عدة، والوعد بإنشاء آلاف الوحدات السكنية لتسليمها بأثمان مخفضة وبالتقسيط المريح للمواطنين الذين لا يملكون بيوتًا، إلى غير ذلك من القرارات في الوقت الذي كانت المعارضة تنتقده على تراجع الوضع الاقتصادي، ولكنها في نفس الوقت لم تكن مجمعة على برنامج أو مرشح مشترك.

وعندما وقع زلزال 6 فبراير/شباط الذي أحدث دمارًا واسعًا في 11 مدينة تركية وأسفر عن مقتل أكثر من 45 ألفًا وتشرد سكان هذه المناطق، تعالت بعض الأصوات حول إمكانية تأجيل الانتخابات وصعوبة تنفيذها في ظل هذه الكارثة، ولوَّحت المعارضة التركية برفضها التأجيل بأي حال من الأحوال، واعتبرته انتهاكًا للديمقراطية، وقالت: إن الدستور لا يسمح بتأجيل موعد الانتخابات إلا في حالة الحرب، وحاولت جهات أخرى إيجاد بعض المسوغات القانونية في قوانين المحكمة الدستورية والتي يمكنها بحث تأجيل الانتخابات بموجبها لو أعلنت اللجنة العليا للانتخابات صعوبة إقامة الانتخابات في مناطق الزلزال. وقد حسم الرئيس أردوغان هذا الجدل برفض فكرة التأجيل وأعلن ميله لإجراء الانتخابات في الموعد الذي اتفق عليه مع الحركة القومية، وهو 14 مايو/أيار 2023(4).

وخلال كتابة هذه الورقة أيضًا أعلن مراقبون لبعض الأحزاب داخل اللجنة العليا للانتخابات أن اللجنة أرسلت فريقًا مكونًا من 30 شخصًا لتقديم تقرير حول المناطق المنكوبة بالزلزال، ونتيجة الفحص في 11 مدينة يسكن بها 9 ملايين ناخب وسيمثلها 96 نائبًا في البرلمان أفاد التقرير أنه يمكن إجراء الانتخابات وتمكن معالجة أوجه القصور التي تم تحديدها في منطقة الكارثة(5).

خلفية معلوماتية عن انتخابات 2023

وفقًا للدستور التركي، يتم اتخاذ قرار موعد الانتخابات الجديد بأغلبية ثلاثة أخماس نواب البرلمان، وتجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معًا في نفس اليوم، ووفقًا للمادة 3 من قانون الانتخابات الرئاسية فإن الانتخابات تُجرى في أول يوم أحد بعد 60 يومًا من الإعلان عن الانتخابات في الجريدة الرسمية (وهو الأمر الذي حدث عندما وقَّع أردوغان كرئيس للجمهورية، في 10 مارس/آذار 2023، قرار الانتخابات لتحديد موعدها في 14 مايو/أيار 2023 وطلب من لجنة الانتخابات وضع أجندة الانتخابات)(6).

وفيما تجرى الانتخابات البرلمانية في جولة واحدة، وبالنظر إلى الاستقطاب الحاصل ووجود احتمال لعدم فوز مرشح بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى فإن المرشحيْن اللذين يحصلان على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى يتم إعادة التصويت بينهما في الجولة الثانية بعد أسبوعين من الجولة الأولى(7).

التعديلات على قانون الانتخابات

من المعلوم أن هناك عدة تعديلات أُدخلت على قانون الانتخابات خلال العام 2022، وهذه التعديلات لا تطبق، وفقًا للمادة 67 من الدستور، إلا بعد مرور عام على إقرارها، وبالتالي فإن التعديلات، والتي أُجريت في 6 أبريل/نيسان 2022، تصبح سارية المفعول في 6 أبريل/نيسان 2023 بمعنى أنها ستُطبق في انتخابات مايو/أيار 2023 القادمة. وهذا يعني أنه لا يمكن أن يحدث جدل قانوني حول قانون الانتخابات الجديد. وفيما يلي أبرز التعديلات التي وقعت على قانون الانتخابات:

خفض العتبة الانتخابية

تم خفض العتبة الانتخابية من 10% إلى 7%، وكانت العتبة الانتخابية استمرت عند 10% منذ قانون عام 1983 حتى تغييرها في مارس/آذار 2022، وبموجب القانون الجديد لا تستطيع الأحزاب التي تخوض الانتخابات بمفردها وتحصل على أقل من 7% أن يكون لها نواب في البرلمان، وبالتالي تكون هذه الأحزاب مضطرة لأن تدخل في تحالفات انتخابية مع الأحزاب الأكبر.

وحتى يكون للحزب نواب في البرلمان يجب أن يتخطى الحزب وحده العتبة الانتخابية إذا خاض الانتخابات منفردًا، أو يتخطى التحالف الذي يدخل فيه العتبة الانتخابية. بمعنى أنه لا يتوجب أن يحصل كل حزب داخل التحالف على 7% ويكفي أن يحصل التحالف على 7%. 

ويُعتقد أن تخفيض العتبة يخدم تحالف الشعب، وتحديدًا حزب الحركة القومية الذي حدث تراجع كبير في أصواته في الفترة الماضية، وبالتالي فإن نسبة 7% تضمن دخول حزب الحركة القومية للبرلمان، وفي ذات الوقت لم يتم تقليل العتبة إلى 5% أو أقل مما يصعِّب المهمة على الأحزاب الصغيرة المعارضة لخوض الانتخابات منفردة، وخاصة تلك التي خرج قادتها من حزب العدالة والتنمية ويجعلها تنضوي تحت تحالفات قد تكون متعارضة معها أيديولوجيًّا وبالتالي لا تؤثر كثيرًا على الأحزاب التي انفصلت عنها وقد ينطبق هذا على حزب المستقبل بقيادة داود أوغلو وحزب دواء بقيادة علي باباجان وكلاهما كان قياديًّا ووزيرًا في حزب العدالة والتنمية، كما ينطبق الأمر على محرم إينجه، مرشح الرئاسة السابق، الذي استقال من حزب الشعب الجمهوري وأسس حزب البلد.

تغيير في حساب عدد النواب

سيفوز 600 نائب بعضوية البرلمان التركي في انتخابات 14 مايو/أيار 2023، وفيما يُسمح للمستقلين بالترشح وكذلك لقوائم الأحزاب فإن هناك تغييرًا في نظام حساب عدد النواب الذين ستنتخبهم أحزاب التحالف. ففي النظام المطبق في انتخابات 2018، تم احتساب عدد نواب الأحزاب المتحالفة بقسمة أصوات التحالف على النسبة التي حصل عليها الحزب السياسي. وفقًا للقانون المعتمد، سيتم تحديد عدد النواب الذين سيتم انتخابهم من قبل كل من الأحزاب السياسية المكونة للتحالف على أساس عدد الأصوات التي تم الحصول عليها في كل دائرة انتخابية داخل التحالف. وقد خدم النظام القديم أحزاب المعارضة أكثر من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية. وعليه، فإن النظام الجديد يُتوقع منه أن يخدم حزب العدالة والتنمية والحركة القومية(8).

تشكيل مجموعة في البرلمان

في السابق كان يمكن لأي مجموعة من نواب في حزب داخل البرلمان أن يشكلوا مجموعة برلمانية من عدد محدد من النواب بالاستقالة من حزبهم والانضمام إلى حزب جديد غير مستوف لشروط المشاركة في الانتخابات من المشاركة كما فعل 15 نائبًا من حزب الشعب الجمهوري في 2018 عندما انضموا إلى الحزب الجيد ليشكِّلوا مجموعة من 20 نائبًا حيث انضموا إلى 5 نواب استقالوا من حزب الحركة القومية وانضموا إلى الحزب الجيد ليتمكن الحزب من المشاركة حينها ثم قام نواب حزب الشعب الجمهوري بالاستقالة من الحزب الجيد والعودة إلى حزبهم فيما عُرف بـ"إعارة النواب". وقد قطع القانون الجديد الطريق على هذه العملية إذ أصبح تشكيل مجموعة برلمانية شرطًا غير كاف لتمكين حزب ما من المشاركة في الانتخابات، وعلى الحزب أن يكمل شروطًا أخرى مثل تنظيم فروع له في 41 مدينة تركية على الأقل وعقد مؤتمره العام قبل 6 أشهر على الأقل من الانتخابات(9).

الزلزال وأولويات المرشحين وتوجهاتهم

قبل وقوع زلزال 6 فبراير/شباط المدمر الذي أصاب 11 ولاية تركية وأثَّر على حياة قرابة 15 مليون تركي، كان تحالف الشعب (حزب العدالة والتنمية والحركة القومية والاتحاد الكبير) والذي تجري دراسة انضمام أحزاب أخرى له حاليًّا يعمل على مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية (التضخم، غلاء الأسعار، ارتفاع الإيجارات....) ومع وقوع الزلزال الواسع الذي أسفر حتى الآن عن مقتل قرابة 50 ألف شخص وتدمير واسع للبنية التحتية في 11 مدينة وتوقع وجود أعداد أخرى من المفقودين تحت الأنقاض، كان هناك توقع للوهلة الأولى بأن الغضب والاستياء سيوجه للحكومة والحزب الحاكم وحلفائه وبلدياته، ولكن يبدو أن تغييرًا كبيرًا لم يحدث على نسب التصويت للأحزاب السياسية بعد الزلزال.

وتحديدًا لم يتأثر الرئيس أردوغان بسبب الزلزال فيما لا يُتوقع أن يكون هناك تراجع كبير لحزب العدالة والتنمية. وفي هذا السياق، أجرت شركة "تيم" للأبحاث (يعتقد أنها مقربة من المعارضة) استطلاعًا مع 1930 شخصًا من الفترة من 18 إلى 20 فبراير/شباط أثبتت أن الكتل الثلاث الكبرى (تحالف الأمة، تحالف الشعب، حزب الشعوب الديمقراطي) حافظت على معدلاتها التصويتية قبل الزلزال؛ حيث كانت نسبة التصويت في الاستطلاع لتحالف الشعب 44%. وكانت النتيجة الأكثر دهشة في استطلاع "تيم" هي زيادة شعبية أردوغان 3% مقارنة بشهر يناير/كانون الثاني 2023(10).

1
مصدر الشكل: يوضح الرسم البياني السابق نسب تأييد الأحزاب قبل وبعد الزلزال خلال أشهر مايو/أيار، وديسمبر/كانون الأول 2022، ويناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2023 من اليسار ابتداء من حزب العدالة والتنمية، فحزب الشعب الجمهوري، فالحزب الجيد، فحزب الشعوب الديمقراطية، إلى الحركة القومية، وآخرين(11).

كانت التوقعات الأولية لكثيرين بمن فيهم المعارضة التركية أن تؤدي تداعيات الزلزال والانتقادات الموجَّهة لاستجابة الدولة إلى انتكاسة كبيرة لتحالف الشعب ولشعبية الرئيس أردوغان ولكن يبدو أن عدة عوامل منعت من ذلك:

  1. هناك دراسات نفسية سابقة أُجريت على توجهات الناخبين في مناطق الكوارث خلاصتها أن آخر اهتمامات الشخص الذي تعرض للكارثة هو إجراء تغييرات كبيرة(12).
  2. وجود قناعة لدى المواطنين بأن الدولة والتحالف الحاكم الحالي هم الأكثر كفاءة في معالجة تداعيات الزلزال حتى أولئك الذين يحمِّلون الحكومة المسؤولية (وأسهم في ذلك تقديم تعويضات كبيرة للمتضررين وتعهد الرئيس أردوغان بإعادة الناس لبيوت جديدة خلال عام فقط من تاريخ الزلزال) خاصة مع وجود تجارب إيجابية في حوادث كوارث طبيعية سابقة سواء في زلزال إلازيغ وملاطيا وإزمير، أو في السيول في مناطق البحر الأسود.
  3. إعلان الرئيس أردوغان أن 98% من المباني التي دمرها الزلزال بُنيت قبل العام 1999، أي قبل عامين من تأسيس حزب العدالة والتنمية. فضلًا عن أن الزلزال لم يدمر أي مبنى من المباني التي نفذتها شركة "توكي" للانشاءات التابعة للدولة والمسؤولة عن إعادة الإعمار.
  4. تحميل كثير من المواطنين المسؤولية عن انهيار المنازل "للمقاولين والمتعهدين الجشعين" أكثر من تحميلهم المسؤولية للحكومة، واستعداد الحكومة وبدؤها بإجراءات لاعتقال وتوقيف عدد من المقاولين المشتبه في تكسبهم على حساب أمن المجمعات السكنية (أشار استطلاع تيم إلى أن 38% من المستطلعة آراؤهم حمَّلوا المقاولين المسؤولية عن انهيار البيوت فيما حمَّل 35% الحكومة المسؤولية)(13).
  5. رفض المعارضة سابقًا لمشاريع التحول الحضري التي كانت تدعو لها الحكومة في المناطق المنكوبة قبل الزلزال.
  6. حضور كبير وغير مسبوق لكافة أذرع الدولة وكافة مؤسسات المجتمع المدني وخاصة تلك المقربة من حزب العدالة والتنمية في الإغاثة.
  7. أن تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة بسبب الوضع الاقتصادي وخروج بعض الشخصيات وصل إلى مستوى الكتلة الصلبة للحزب والتي من الصعب أن تتآكل بسبب الزلزال وبالتالي، لم يكن هناك تأثير ملحوظ للزلزال على شعبية الحزب.
  8. قيام المعارضة بمحاولة استغلال الزلزال سياسيًّا لتوجيه اللوم للحكومة بدلًا من تفضيل الخطاب الوحدوي في الوقت الذي عملت الحكومة على معالجة تداعيات الكارثة وبدأت عمليات البحث والإنقاذ حيث عُدَّ سلوكُ المعارضة غير أخلاقي خاصة في الأيام الأولى التي تلت كارثة الزلزال.

تأثير الزلزال

مع وقوع الزلزال لم يكن أي من المرشحين للرئاسة معلَنًا بوضوح سوى مرشح تحالف الشعب، رجب طيب أردوغان، وكان على الطرف الآخر عدة مرشحين محتملين، أبرزهم: كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، وأكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، ومنصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة. ولذلك حرصت هذه الشخصيات على الوجود في منطقة الزلزال، وبدؤوا بتوجيه النقد المبطن لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان وتحميلهم المسؤولية عن التأخير في مواجهة الكارثة وتحدث قادة معارضون عن عدم ذهاب الرئيس أردوغان لمناطق الزلزال بالرغم من ذهابه عدة مرات(14).

ولكن الشارع التركي لم يتجاوب مع السجال السياسي من المعارضة أثناء الكارثة وحتى بعدها لم يكن هناك رد فعلي سلبي ملموس على الحكومة للأسباب المذكورة أعلاه، ولذلك تراجع السجال السياسي. ولكن من المتوقع أن تركز المعارضة على انتقاد الدولة ومؤسساتها في الاستجابة للزلزال من خلال تسليط الضوء على حوادث محددة. لم يؤثر الزلزال على توجهات مرشحي المعارضة وتحديدًا كليتشدار أوغلو حيث استمر في مساره المرسوم قبل الزلزال ولكن كما ذكرنا ستوظف المعارضة كل ما من شأنه انتقاد الحكومة في ملف الزلزال وقد بدأ مرشح الطاولة السداسية، كمال كليتشدار أوغلو، بذلك وقد حدث سجال بينه وبين وزير الداخلية، سليمان صويلو، الذي عبَّر عن رد الحكومة المتوقع خلال الحملة بأن توظيف كارثة إنسانية سياسيًّا هو انحدار أخلاقي في رد على تصريحات كليتشدار أوغلو التي اتهمت الحكومة بالتقصير والانحياز(15).

يمكن القول: إن الموقف تجاه الرئيس أردوغان لم يتأثر، ولكن الزلزال ومواقف متراكمة سابقة تجاه بعض نواب وكوادر الحزب ستجعل حزب العدالة والتنمية يفكر في وجوه جديدة في مناطق الزلزال من الشخصيات التي وقفت مع الناس خلال الكارثة وسيُجنِّب المسؤولين الآخرين من نواب سابقين ورؤساء بلديات سابقين أو شخصيات عُرفت بالفساد.

وفي هذا السياق، سيسعى الرئيس أردوغان إلى تحويل المحنة إلى منحة من خلال تحويل كارثة الزلزال إلى فرصة من خلال التأكيد أنه وتحالفه الطرف الأقدر على معالجة مشاكل تركيا وتعويض المتضررين بأفضل شكل ممكن وستكون هناك فرصة لإعادة بناء مدن ذكية ومساهِمة في الاقتصاد.

تحدي الجيل زد

يواجه تحالف الشعب والرئيس أردوغان في انتخابات مايو/أيار 2023 تحديًا يتمثل في الجيل زد وهو جيل الناخبين من مواليد 1997 فما فوق، ويشكِّلون حوالي 13 مليون ناخب، وهذا الجيل لم يعش ظروف تركيا قبل حزب العدالة والتنمية ولديه مطالب وتصورات جديدة، وقد أشارت عدة استطلاعات رأي إلى ميل أغلبية هذا الجيل للتغيير، ولهذا ستكون هناك مسؤولية كبيرة على الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية في إقناع الناخبين من هذه الفئة.

توسع التحالفات

يستعد تحالفان كبيران الآن لمواجهة بعضهما البعض بعدما أصبحت قدرة الأحزاب على الفوز بمفردها أقل من السابق في ظل النظام الرئاسي، وفيما كان مرشح تحالف الشعب معروفًا ومحددًا منذ مدة طويلة، وهو الرئيس أردوغان، فقد خاض تحالف الأمة أو الطاولة السداسية صراعًا كبيرًا سواء بين مكوناته أو داخل الحزب الواحد للتوافق على مرشح توافقي في 6 مارس/آذار 2023.

تحالف المعارضة الرئيسي

كادت الخلافات أن تعصف بتحالف الأمة بعد أن غادرت رئيسة الحزب الجيد اجتماع التحالف بسبب رفضها لترشح كمال كليتشدار أوغلو بحجة أنه لا يتماشى مع معيارها بضرورة اختيار "مرشح يمكنه الفوز على أردوغان". ولكنها عادت للطاولة السداسية بعد القبول بترشيح رئيسي بلديتي أنقرة وإسطنبول نائبين للرئيس في حال فاز كليتشدار أوغلو، ولكن هذا سيشكِّل تحديًا له في حال لم يقم الحزب الجيد بالترويج جيدًا خلال الحملة أمام أنصاره لصالح كليتشدار أوغلو حتى يتجنب تحمل المسؤولية معه في حال خسارته، ويرتبط بهذا الأمر أيضًا مصير رؤساء الأحزاب المعارضة في رئاسة أحزابهم في حال خسروا الانتخابات.

2
قادة أحزاب المعارضة الستة (رويترز)

ويسعى حزب الشعب الجمهوري إلى التفاوض مع حزب الشعوب الديمقراطي والذي يُعد موقفه مهمًّا جدًّا في تأمين فوز كليتشدار أوغلو إذا تم التوصل لاتفاق حول شروط حزب الشعوب الديمقراطي لدعم كليتشدار أوغلو أو ترشيح مرشح خاص به.

تحالف الشعب

في الجهة المقابلة، سعى حزب العدالة والتنمية إلى توسيع تحالفه عبر ضم مجموعة من الأحزاب، منها حزب الرفاه الجديد بقيادة فاتح أربكان (وهي خطوة قد تساعده في جذب ناخبي حزب السعادة الذي انضم للمعارضة)، وكذلك حزب الهدى بار الكردي (وهي خطوة قد تساعده في التواصل مع الناخب الكردي) لكن هذه خطوة قد تحمل معها تحديًا بسبب ماضي الحزب العنيف في تصور الشعب التركي في السبعينات والثمانينات علمًا بأن الحزب بدأ في 2012 كحزب سياسي جديد بعيد عن النزعة الانفصالية. كما أن حجة تحالف الشعب بمهاجمة الطاولة السداسية لتحالفها وتفاوضها مع حزب الشعوب الديمقراطي الذي يتهم بالقرب من حزب العمال الكردستاني يمكن أن توظف ضده من المعارضة لتحالفه مع حزب الهدى بار.

تحدي الجولة الثانية

لم يتم خوض الجولة الثانية في انتخابات في تركيا من قبل، وهناك حاليًّا في الشارع التركي من يفصل بين الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية بمعنى أن هناك من يحنق على الحزب وليس على الرئيس، وبما أن الانتخابات قد يكون فيها جولة أولى فليس من المعروف هل سيتغير سلوك الناخبين بين الجولتين بمعنى إن فازت المعارضة بأغلبية البرلمان وذهبت انتخابات الرئاسة لجولة ثانية هل سيفضِّل الناخبون التوازن بالتصويت للرئيس أردوغان، بمعنى فليذهب البرلمان للمعارضة والرئاسة لتحالف الشعب أم سيميلون إلى دعم من فاز بالبرلمان؟

التحالف

تحالف الشعب /الجمهور

تحالف الأمة

تحالف العمل والحرية

حزب البلد

تحالف أتا

تحالف تركيا

1

حزب العدالة والتنمية 33%

حزب الشعب الجمهوري 26%

حزب الشعوب الديمقراطية 10-12%

 

حزب الظفر

حزب الواحد

2

حزب الحركة القومية 8%

الحزب الجيد 13%

حزب العمال

 

حزب العدالة

الطريق الجديد

3

حزب الاتحاد الكبير 0.5%

حزب السعادة 1.5%

حزب العمل

 

حزب القويم

الحزب العثماني

4

حزب الهدى بار (يدعم أردوغان للرئاسة) 1.5%

حزب المستقبل 1%

حزب الحرية الاجتماعية

 

حزب دولتي

وحدة الأناضول

5

حزب الوطن الأم 0.5%

حزب دواء 1%

الحركة العمالية

 

 

محبي الوطن

6

حزب الرفاه الجديد

(لديه شروط للانضمام)

%1.5

الحزب الديمقراطي 0.5%

اتحاد المجالس الاشتراكية

 

 

التكنولوجيا والتنمية

مجموع التحالف بشكل تقديري

%41-46

%42-46

%10-12

%2-4

%1

أحزاب مجهرية

مرشح الرئاسة

رجب طيب أردوغان

كمال كليتشدار أوغلو

(لم يرشح حتى الآن) ينتظر نتيجة التفاوض مع كليتشدار أوغلو

محرم إينجه

سنان أوغان(16)

أحمد أوزال(17) 

جدول من إعداد الباحث

شخصية وخلفية المرشحين للرئاسة

حتى هذه اللحظة يوجد 10 مرشحين للرئاسة لكن من الواضح أن التنافس سيكون بين الرئيس رجب طيب أردوغان، وزعيم حزب الشعب الجمهوري ومرشح تحالف الأمة، كمال كليتشدار أوغلو، وسيكون على الناخب وفقًا لإحدى القراءات استحضار تاريخ وشخصية وكاريزما الرجلين وقدرتهما على تمثيل تركيا قبل وضع الختم على ورقة الانتخابات خاصة من فئة المترددين الذين تصل نسبتهم وفق بعض الدراسات إلى 20%. فيما ترى قراءة أخرى أن التموضعات الحزبية ستحسم الأمر، وفيما يميل الباحث -وفقًا لمقابلات مع مواطنين أتراك من خلفيات متعددة- أن القراءة الأولى لا تزال حاضرة مع أنها شهدت تراجعًا لصالح القراءة الثانية منذ 2019.

أما النقطة الأخرى التي لابد من الإشارة لها قبل الختام فهي تتعلق بالخلفية الدينية للمرشحين ففيما ينتمي كليتشدار أوغلو للأقلية العلوية (5%) فإن أردوغان ينتمي للأغلبية السنية الحنفية (75%)، وفيما لا يُتوقع أن يستخدم هذا التفريق في الخطاب الانتخابي خاصة من الرئيس أردوغان لحساسيته، فإنه من المتوقع أن كتلة الناخبين وتحديدًا في منطقة الأناضول والبحر الأسود ستضع هذا المحدد في حسبانها عند الاختيار وهو أمر لا يصب في صالح كليتشدار أوغلو.

خاتمة

تعد هذه الانتخابات الأكثر حرجًا منذ قدوم حزب العدالة والتنمية إلى الحكم الذي تراجعت شعبيته في السنوات الأخيرة، لعوامل عدة بعد مواجهة تحديات كبيرة يعد الزلزال آخرها، ومنذ أن أصبح غير قادر على الفوز بالانتخابات وحده، لجأ إلى التحالف مع الحركة القومية كحليف أول وهو ما جعل المعارضة قادرة على التواصل مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وقد مكَّنها هذا من الفوز على تحالف الشعب في الانتخابات البلدية في 2019 وأعطاها زخمًا أكبر في الطموح لحكم البلد، ولكن الأحزاب المعارضة التي تجتمع على الرغبة في تغيير حكم العدالة والتنمية والإطاحة بأردوغان من الحكم عبر الانتخابات تواجه تحديات عدم الانسجام بين مكوناتها ووجود هذا التصور لدى الشارع سيكون تحديًا أمامها كما أن هناك عاملًا يتعلق بشخصية المرشحين حيث لا يوجد خلاف داخل تحالف الشعب على أردوغان فيما كان هناك خلاف عميق حول ترشيح كليتشدار أوغلو كمرشح مشترك للمعارضة.

لا تزال التفاعلات الانتخابية جارية، وكما قال رئيس وزراء تركيا الراحل، سليمان ديميريل: "إن 24 ساعة في السياسة التركية تعد وقتًا طويلًا". ولهذا من المرجح أن يكون هناك الكثير من التطورات في المشهد التركي وسيحاول كل طرف أن يبرز بطاقات فوزه بشكل مفاجئ للآخر.

وختامًا، لا يمكن أن نتوقع نتيجة الانتخابات القادمة في تركيا بشكل حاسم لكن الانطباع العام لدى جملة من المطلعين، وهو الرأي الذي يتبناه الباحث حتى هذه اللحظة، هو فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية وفوز المعارضة بأغلبية البرلمان، وقد يكون مرضيًا وأقل الأضرار بالنسبة للطرفين، وإن كان أفضل للعدالة والتنمية. وهو سيناريو سيجلب معه استقطابًا أكبر وتأجيلًا للمعركة الأقوى 5 سنوات أخرى.

محمود الرنتيسي: باحث في مؤسسة سيتا، في إسطنبول، ويعمل محاضرًا في قسم العلوم السياسية في جامعة إسطنبول ميديبول. حصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة غازي في أنقرة، وهو رئيس تحرير تنفيذي لمجلة رؤية تركية التي ينشرها مركز سيتا باللغة العربية. يغطي مجال أبحاثه الشؤون التركية والعربية والخليجية، وقد ألَّف كتابين عن الخليج وتركيا، أحدثهما هو العلاقات التركية القطرية في ظل موازين القوى الإقليمية (متوافر باللغتين التركية والعربية)، وله العديد من الأبحاث المحكمة في مجلات علمية، ومراكز بحثية.

التحالفات والأحزاب ومرشحوها (حتى تاريخ 15 مارس/آذار 2023):

 

نبذة عن الكاتب

مراجع
  1. وفقًا للنظام الرئاسي الجديد الذي أُقِرَّ في 2017، أصبح عقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية يتم في نفس اليوم.
  2. تم إنشاء الطاولة السداسية المكونة من 6 أحزاب معارضة في 12 فبراير/شباط 2022.
  3. "ما أهمية انتخابات 14 مايو 1950؟"، سي إن إن تورك، 4 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،   14 Mayıs 1950'de ne oldu? 14 Mayıs 1950 seçimlerinin önemi nedir? (cnnturk.com)
  4. خطاب الرئيس أردوغان بعد اجتماع المجلس المصغر، 6 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،   T.C.CUMHURBAŞKANLIĞI : Kabine Toplantısı’nın Ardından Yaptıkları Konuşma (tccb.gov.tr)
  5. وفد لجنة الانتخابات يقدم تقريرًا إيجابيًّا حول مناطق الزلزال، صحيفة بيرغون، 8 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،    YSK heyeti, deprem bölgeleri için olumlu rapor verdi (birgun.net)
  6. أردوغان يوقع على قانون الانتخابات، صحيفة صباح، 10 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،   https://www.sabah.com.tr/galeri/gundem/baskan-erdogan-bugun-aciklayacak-iste-adim-adim-secim-takvimi
  7. "كيف ستجرى الانتخابات التركية؟"، تي آر تي خبر، 24 يناير/كانون الثاني 2023، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،    Seçim süreci nasıl işleyecek? İşte 10 soruda 2023 seçimleri - Son Dakika Haberleri (trthaber.com)
  8. أوكان يوجال، ما التغييرات التي جلبها قانون الانتخابات الجديد؟، ميديا سكوب، 1 أبريل/نيسان 2022، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،   Meclis'te kabul edilen yeni seçim yasası hangi değişiklikleri getiriyor? - Medyascope
  9. المرجع السابق.
  10.  إفران بالطا، "هل غير الزلزال توجهكم التصويتي؟"، 1 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،  Deprem oy verme tercihlerini değiştirir mi? - Yetkin Report | Siyaset, Ekonomi Haber-Analiz, Yorum
  11. مصدر الرسم البياني حساب الباحثة إفران بالطا على تويتر (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)، https://t.co/Az6cg6Wh9h
  12. أوردت إفران بالطا في مقالها خلاصة نتائج دراسات أجريت على توجهات الناخبين بعد الكوراث واستشهدت بإعصار بيتسي الذي ضرب ولاية فلوريدا الأميركية ولم يؤثر على نتائج الانتخابات المحلية في عام 1965، فيما تسبب الإعصار في خسائر تقدر بملايين الدولارات وأثار معارضة شديدة من المعارضة بشأن كفاية استعداد المدينة للإعصار. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الإعصار تسبب في غضب كبير لدى الجمهور، إلا أنه لم يكن له تأثير خطير على السلوك الانتخابي، وفاز العمدة ذاته بالانتخابات مرة أخرى".
  13. مرجع سابق، حساب الباحثة إفران بالطا على تويتر(تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،    https://t.co/Az6cg6Wh9h
  14. "ادعاء ذهاب أردوغان لمناطق الزلزال في اليوم الخامس"، وكالة الأناضول، 12 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،   Anadolu Ajansı (aa.com.tr)
  15. "الوزير صويلو يرد على ادعاءات كليتشدار أوغلو"، خبر تورك،  14 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،  CHP Lider Kılıçdaroğlu'nun 'bayrak' iddiasına İçişleri Bakanı Soylu'dan yanıt: Yalan üzerinden eğer siyaset... - Haberler (haberturk.com)
  16.   قومي منشق عن الحركة القومية، معاد للاجئين.
  17. نجل الرئيس الراحل، تورغوت أوزال.