الإعلام وصناعة القرار السياسي - دراسة في قناة الجزيرة

28 مارس 2023
(الجزيرة)

ملخص

لا شك أن الإعلام حلقة الوصل بين صانع القرار والجمهور، وهو يتأثر ويؤثر في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إذ تشكل وسائل الإعلام الرأي العام من خلال التأثير والتأثر، ويمارس الإعلام تأثيره على الشرائح الاجتماعية دون رقابة بعدية في مجمله.

يؤثر الإعلام على عملية صنع القرار عبر أربعة مراحل: تحديد المشكلة، تحديد البدائل، اختيار المعلومات، تطبيق القرار. فهو يعمل في عمقه الاستراتيجي على تدفق المعلومات بشكل يعمد على ترسيخ القرارات؛ ما يضع الرأي العام، محط الدراسة، في جانب علاقة التأثير والتأثر في مفهوم صناعة القرار السياسي.

وعملية صنع القرار السياسي لا تنفك عن صانع القرار، الذي يعمد إلى هندسة التركيبة الاجتماعية والسياسية للمجتمع، والمنظومة الأمنية، والرأي العام. فالإعلام يعمد إلى استخراج المعلومات والحصول عليها، وبالمقابل يروِّج هذه المعلومات ويرتبها لاستهداف الجمهور؛ مما يطرح سؤال الموضوعية في تدفق تلك المعلومات.

ووسائل الإعلام لها دور محوري في تشكيل الثقافة السياسية لدى المتلقي، لأنه الوسيلة الأساس لتطعيم المعارف والخبرات السياسية، ومنها تشكيل الرأي العام في المجتمع سواء الرأي الإيجابي أو السلبي، كما تشمل وسائل الإعلام أداة تقديم المعلومات لصانع القرار، وتمكينه وتمكين الأنظمة السياسية من توجيه وضبط الرأي العام، عبر ما تقدمه له من معلومات داخل إطار يحدده صانع القرار.

وتعتبر قناة الجزيرة، بما عرفته من تطوير آليات العمل الإعلامي، أحد ركائز العلاقة بين الإعلام والقرار السياسي وصانع القرار السياسي.. ففي بداية نشأتها خلقت عنصر المفاجأة لدى المتلقي باعتبار لغتها الإعلامية بعيدة عن "طابوهات" القنوات العربية الموجودة حينها، والتي سبقتها من حيث المعالجة والمقاربات السياسية، فجاءت الجزيرة لتغيِّر معالم العمل الإعلامي من خلال العمل الإعلامي السياسي، لتضع لكل المواضيع موضع المناقشة دون تحفظ.

استطاعت قناة الجزيرة ومنذ نشأتها أن تتربع على قائمة القنوات العربية ومن تم العالمية بالتفرد في معالجة القضايا التي تهتم بصفة مباشرة بالسياسي وعلاقته بالمواطن العربي خاصة، لذا كانت تنشئ مجالات متعددة لإيجاد التحدي المتعلق بمجموع المواضيع التي كان لا يمكن حتى طرح عناوينها في القنوات الرسمية العربية، فجاءت ببرامج وأساليب إخبارية كسرت الموانع النفسية لدى المتلقي العربي، خاصة في التجانس والتأقلم مع طرحها ومعالجتها ومن ثم تشجيعه على الاقتناع والتجانس.

المقدمة

ثمة ثورة كبيرة في مجال إنتاج الصورة وتسويقها يشهدها العالم اليوم، وقد جاءت هذه الثورة في أعقاب النجاح في ميدان توظيف واستثمار تكنولوجيا الاتصال عبر الوسائط الفضائية، خاصة في مجال الإعلام المرئي، ولا يضارع القيمة التقنية لهذه الثورة الإعلامية أهمية إلا النتائج التي صنعتها على صعد الثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع الإنساني، ومن أهم هذه النتائج أنها حررت المتلقي من أسر الإعلام الحكومي، غير أنها، في المقابل، أحدثت خروقات على مستوى نسيج القيم، وأنتجت حالة من الاستلاب الثقافي. 

ظهرت الفضائيات العربية أوائل التسعينات، ودخلت رؤوس الأموال مجال الاستثمار الإعلامي، وامتلكت عديد الدول فضائيات في محاولة منها لأن يقوم الاتصال بدوره فيما يتعلق بإعادة إنتاج القرار السياسي عن طريق تنزيله على الرأي العام وتبريره وتفسيره وتوضيحه والتنبيه على القيم المتضمنة.

إن العلاقة بين الإعلام وعملية صنع القرار السياسي هي علاقةُ وصلٍ بين الرأي العام وصانع القرار السياسي، ولقد أصبح التفاعل بين المرسل والمتلقي وما يسفر عنه هذا التفاعل من متغيرات مجتمعية محط اهتمام الباحثين في مجال علوم الاتصال والعلوم السياسية، ويمكن القول: إن دور وسائل الإعلام في صنع القرارات السياسية مرتبط بمدى ديمقراطية النظم السياسية وحجم المشاركة السياسية للمجتمع.

لقد أثارت ظاهرة انتشار الفضائيات في الدول العربية ثناء مفتوحًا من قبل الخبراء في مجال الاتصال باعتبارها خطوة تدفع نحو كسر قيود الخطاب الإعلامي الحكومي، وانفتاح الرأي العام في الدول العربية على الآراء السياسية والاقتصادية والدينية التي ظلت إلى وقت قريب ممنوعة في الإعلام العمومي، فكان هذا الانتشار والانفتاح الإعلامي مثار مجموعة من الإشكالات الفكرية والسياسية خلال النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين على امتداد الدول العربية من خلال معالجة أفكار جريئة مسَّت مختلف الطوائف والتيارات السياسية والفكرية.

وإذا كانت هذه الظاهرة، أو ما يمكن تسميته بـ"التحرر الإعلامي"، عامةً، فإنها تجسدت وبشكل كبير في قناة الجزيرة الفضائية. هذه القناة التي تناولت الموضوعات التي كان محظورًا معالجتها في الإعلام الحكومي، ولقد عالجتها الجزيرة بجرأة وصراحة؛ ما دفع بالكثير من المحللين والمراقبين سواء أكانوا من أهل الاختصاص في مجال الدراسات الإعلامية أو مراقبين من الرأي العام بنعت تلك القناة بما يمكن تسميته "إعلام الكشف".

إذا كانت العلاقة بين الإعلام والنظم السياسية في الأغلب علاقة تبعية فقد وقع الاختيار على قناة الجزيرة كحالة للدراسة لأنها تمثل الاستثناء، ذلك لأنها تُصنَّف ضمن الإعلام المستقل أو شبه المستقل، ولأنها القناة العربية الوحيدة، وقت ظهورها، التي أسهمت بنسبة كبيرة في كسر المحرمات السياسية في سائر أقطار الدول العربية.

إشكالية البحث

إن أهم ما أثار انتباهي في دراسة علاقة الإعلام بصناعة القرار السياسي، من خلال الوقوف على قناة الجزيرة كمحور للدراسة، هو الضجة الإعلامية التي تثيرها هذه القناة وقوة تداولها بين الرأي العام. فما إن تعالج إخباريًّا قضية تدور أحداثها في دولة ما حتى تبدأ ردود أفعال تلك الدولة وتمارس ضغوطات سياسية على دولة قطر، كالاتصال بسفرائها وإخبارهم بعدم قبولها ما تم التطرق إليه في النشرة الإخبارية، أو في برامجها التي استضافت فيها أحد المعارضين السياسيين الممنوعين من الحديث في وسائل الإعلام الحكومية داخل دولهم، وتكون القرارات الصادرة عن تلك الدول في غير صالح القناة، بل تمس أحيانًا المشاركين في أخبارها وبرامجها.

ولم يقتصر الأمر على الدول العربية فحسب بل كان للجزيرة حظها من المواقف الغاضبة من دول غير عربية كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإسرائيل بسبب ممارسة مهامها.

وللوقوف على طبيعة هذه العلاقة بين القرار السياسي والممارسة الإعلامية ومدى تأثير بعضها في بعض جاءت إشكالية الدراسة وفق نموذج إعلامي يتمثل في قناة الجزيرة الفضائية.

وفي منحى آخر جاءت إشكالية معالجة الممارسة الإعلامية لهذه القناة بما تفردت به من نقل الأحداث الدولية الكبرى، كحرب الولايات المتحدة الأميركية على أفغانستان، وحربها على العراق، والحيز المهم الذي تمنحه لمعالجة القضية الفلسطينية والذي يعتبر أحد أهم ملامح خطها التحريري، والذي أسهم في وضع الخبر الفلسطيني ضمن الأجندة المحلية لكل دولة عربية على حدة.

وغالبية المواقف التي اتخذتها الدول الرافضة للتغطية الإعلامية للجزيرة جاءت لتوضح العلاقة بين الإعلام والقرار السياسي، وهو موضوع بحثنا، فهي قرارات يمكن نعتها بقرارات الضد (أي ضد الخط التحريري لقناة الجزيرة) وليست قرارات المعية (أي مع الخط التحريري للقناة) أو قرارات التبعية (أي تتبع المنحى التوجيهي للقناة في حادثة معينة).

وإذا تساءل البعض عن اختصاص الدراسة بقناة الجزيرة دون غيرها من القنوات العربية، فإن جواب ذلك يكمن في كون هذه القناة أول من كسر صنمية العمل الإعلامي العربي بجرأته المتميزة في معالجة مواضيع مهمة وحساسة، سواء في أخبارها أو برامجها، كما أنها انتقلت من أماكن صدور القرار السياسي إلى أماكن انعكاس هذا القرار داخل المجتمع.

فجاءت إشكالية البحث لتقف على طبيعة هذه القناة في علاقتها بصناعة القرار السياسي من خلال أجندتها التحريرية.

أهمية الموضوع

تكمن أهمية الموضوع الذي تصدى البحث لدراسته في كونه:

  • يسعى إلى الوقوف على نموذج دراسة معين، يعكس فهم الخط التحريري للعملية الاتصالية وعلاقتها بالتأثير على الرأي العام من خلال قناة محددة هي قناة الجزيرة.
  • الإلماع إلى جوانب العلاقة بين القرار السياسي والإعلام وتحديد كيفية استنتاج هذه العلاقة بأمثلة موثقة.
  • إبراز قوة العملية الاتصالية في التأثير وصناعة الرأي العام من خلال سلب أو بناء مفهوم نوع التأثير والاستجابة عند المرسل إليه.
  • إبراز قوة العملية الاتصالية في التأثير وصناعة الرأي العام من خلال سلب أو بناء مفهوم نوع الاستجابة عند المرسل إليه.
  • قراءة استقصائية لأحداث خلقها الخط التحريري للقناة، بالتركيز على برامجها وأخبارها.
  • التفرد بجمع القرارات السياسية الناتجة عن الخط التحريري لقناة الجزيرة الفضائية.
  • توثيق بعض الحقائق التي تفردت بها قناة الجزيرة وبثتها على شاشتها خلال الثورات العربية.
  • من أوائل البحوث التي توثق نموذج الممارسة الإعلامية لقناة الجزيرة في تغطيتها لأحداث الثورات العربية.

أسباب اختيار الموضوع

يعود الدافع لاختيار هذا الموضوع إلى أسباب كثيرة، أهمها:

  • ماله من أهمية علمية وواقعية سبق الإلماع إليها في كتابات متفرقة.
  •  ما عرفته قناة الجزيرة من اهتمام بالغ لدى الباحثين في العلوم السياسية وعلوم الاتصال، بكونها حدثًا إعلاميًّا عربيًّا جاء لرفع الحواجز السياسية والحظر الفكري عن الآراء المضطهدة في العالم العربي.
  • أن هذه القناة أسالت مدادًا كثيرًا في معالجة خطها التحريري وأجندتها بين كونها تابعة للنظام السياسي في دولة قطر وكونها قناة حرة ومستقلة.
  • توضيح حاجة المرسل إليه إلى أمثال هذه القنوات في زمن الثورة الإعلامية وفراغ المجال السياسي العربي من شبيه لها، بدليل ردة الفعل الإعلامية من قبل المملكة العربية السعودية في مبادرتها لإنشاء قناة "العربية"، أو ما ذهبت إليه الولايات المتحدة الأميركية في إنشاء قناة "الحرة".
  • ومما زادني تعلقًا بالموضوع -ورغبة في خوض غماره- ما أثارته قناة الجزيرة من ردود فعل سياسية غير عربية كتهديد الولايات المتحدة الأميركية بقصفها على لسان رئيسها، جورج بوش الابن، وكذلك بما أخذت من حيز الاهتمام في التعليقات الإسرائيلية داخل الإعلام المحلي، بنعت قناة الجزيرة أنها قناة تخدم بالدرجة الأولى الفلسطينيين دون غيرهم.

وكذلك الوقوف على مجموعة من الآراء العربية التي نعتت قناة الجزيرة بكونها يدًا قطرية تخدم أجندة السياسة القطرية في الدول العربية خاصة، وهذا دفع بالبحث لتقصي:

  1. هل قناة الجزيرة قناة مستقلة تلتزم في خطها التحريري شعار "الرأي والرأي الآخر"، أم إنها قناة مهنية بأجندة مسبقة؟
  2. الوقوف على الخط التحريري لقناة الجزيرة من خلال البرامج والأخبار بتتبع مواضيعها والحيز الزمني الممنوح لها.
  3. الوقوف على علاقة قناة الجزيرة بصانع القرار السياسي ومدى تأثير هذه العلاقة على الرأي العام.
  4. أنه إذا كانت حرية الاتصال هي التي تصون الاقتراحات الصائبة والتعبير الحقيقي عن توجهات الرأي العام، فهل كانت قناة الجزيرة وجهًا إعلاميًّا معاصرًا يضمن السير السليم نحو تحقيق ذلك؟

منهج البحث

التزم البحث المناهج والخطوات التالية:

  1. المنهج الاستقرائي، وذلك بتتبع الأحداث وربطها بالخط التحريري لقناة الجزيرة، للوقوف على طبيعة العلاقة بين الإعلام (قناة الجزيرة) والقرار السياسي.
  2. توثيق الإحالة لكل الأحداث المتعلقة بالموضوع، سواء أكانت دراسات أكاديمية محكمة أم أخبارًا فرعية موثقة في جرائد محلية ودولية أو مجلات دورية.
  3. الوقوف على المراجع العلمية التي تناولت دراسة قناة الجزيرة للتأكد من المعلومة عندما يتعلق الأمر بقرار سياسي يرتبط بصفة مباشرة بالقناة سواء في برامجها أو نشراتها الإخبارية.
  4. أوردتُ مراجع أجنبية اهتمت بدراسة قناة الجزيرة من خلال الاستعانة فيما أشكل بمتخصصي علم الترجمة لتوثيق النصوص ونقلها بروحها وعباراتها.
  5. أبرزتُ جانب التواصل المعرفي من حيث ما هو نظري، حتى أضع البصمة العلمية الذاتية في الموضوع دون مناقشة الآراء حول الحدث للتقيد بعنوان الرسالة.
  6. وثقتُ الأحداث بعزوها إلى ناقليها فكنت أحدد في الهامش مصادر المعلومة متبوعة ببياناتها.
  7. أسندت كل قول إلى قائله سواء ببحثي الشخصي المباشر، أو بالرجوع إلى إحالة من كتاب استندت عليه، حتى أتأكد من المعلومة وأقف عليها.
  8. إن طبيعة هذا البحث أحالتني على مجموعة من التآليف منها ما هو علمي محكم، يقف المرء تقديرًا له ولمنهجه ولمحتواه العلمي، ومنها ما يعتمد لغة الرواية والصحافة في غالب الظن.
  9. اجتهدت في تحرير هذا البحث وصياغته بأسلوب معاصر سهل، قصد تقريب المعاني إلى مختلف المستويات الدراسية سواء أكانت سياسية أو إعلامية ليستفيد منه الباحثون في العلوم السياسية المرتبطة بالإعلام.
  10. ختمت الأطروحة بخاتمة ضمَّنتها أهم النتائج العلمية التي توصلت إليها.
  11. ذيلت الأطروحة بفهرس المصادر والمراجع والملاحق (عبارة عن حوارات قمت بها مع المعنيين بالموضوع ومصطلحات مهمة خاصة بالحقل الإعلامي للاستفادة منها).

خطة البحث

تحوي خطة البحث: مقدمة، وقسمين وخاتمة، بالإضافة إلى ملاحق وفهارس.

ففي القسم الأول، جرى التطرق لماهية القرار السياسي والسياسة الاتصالية وموقع قناة الجزيرة، من خلال استقراء المعالم والقواعد العامة التي تحكم طبيعة الإشكالية المنوطة بالموضوع؛ حيث قُسِّم إلى فصلين: الفصل الأول تناول تحديد العلاقة بين الاتصال والسياسة مع الوقوف على موقع قناة الجزيرة كوجهة إعلامية هي موضوع الدراسة، وهذا الفصل قُسِّم إلى مبحثين، ففي المبحث الأول تناول البحث بيان العلاقة بين الإعلام والسياسة الاتصالية من جهة والقرار السياسي من جهة ثانية، والمبحث الثاني خصصته للحديث عن واقع الإعلام العربي وخصوصية قناة الجزيرة.

أما الفصل الثاني، فوقف على العمق الإستراتيجي لقناة الجزيرة وسؤال العلاقة المهنية بين السياسيين والإعلاميين، وقسمته إلى مبحثين: تطرق المبحث الأول إلى العلاقة بين الإعلاميين والسياسيين وصنع القرار السياسي، وتناول المبحث الثاني خصوصية قناة الجزيرة بين الرأي العام العربي والعالمي.

وفي القسم الثاني، جاء محور البحث حول قناة الجزيرة والمقاربة التشاركية في صناعة القرار السياسي بين الماضي والمستجدات المعاصرة، وتم تقسيمه إلى فصلين: في الفصل الأول، عالج البحث علاقة الجزيرة بالقرار السياسي: ديمقراطية المنع وتحفظ الممارسة، وقسمته إلى مبحثين، تناول المبحث الأول الخط التحريري لقناة الجزيرة وصناعة القرار السياسي، أما المبحث الثاني فعالج بعض برامج وأخبار قناة الجزيرة وصناعة القرار السياسي. أما الفصل الثاني فتناول دور قناة الجزيرة وحضورها في الثورات العربية، وتم تقسيمه إلى مبحثين، استعرض المبحث الأول الجزيرة والمجال العام العربي، والمبحث الثاني الجزيرة والثورات العربية.

وكانت خواتم البحث مقسمة بحسب طبيعة المنهجية المتحكمة فيه، وذلك من خلال تخصيص خاتمة لكل قسم على حدة، وخاتمة لكل فصل، مع تذييله بخاتمة عامة.

الخاتمة

حاول هذا البحث الإجابة عن الأسئلة التالية: إلى أي مدى يمكن للإعلام أن يمارس القرار السياسي، أو يمارَس عليه القرار السياسي؟ وما طبيعة العلاقة بين الإعلام والسياسة: هل هي علاقة توافق واتصال أم انفصال؟ وما معوقاته؟

ويمكن القول: إن دور الإعلام في صنع القرار السياسي لا ينعزل عن وضع الرأي العام ومكانته في المجتمع، ومدى تقدير السلطة له. فالعلاقة وثيقة بين الإعلام وصنع القرار السياسي من جهة وبنية النظام السياسي من جهة ثانية.

ومن خلال مدارسة هذا الموضوع نخلص إلى النتائج التالية:

  •  يمكن للوسائل الإعلامية أن تسهم في تعميق الفجوة بين الأنظمة السياسية والرأي العام؛ حيث يتوقف ذلك على الخط التحريري الذي يحكم الرسالة الإعلامية ببيان دورها في المجتمع وملكيتها وأهدافها، فهي إما تابعة للنظم السياسية، وأداة من أدوات ممارسة السلطة والضبط في المجتمع، وفي هذه الحالة فهي ملتزمة بالمنطق الدعائي لسياسات النظم الحاكمة وقراراته، وإما أنها مستقلة عن النظم، تابعة للأحزاب والحركات السياسية المعارضة، وهي في هذه الحالة تتبنى وجهة نظر الرأي العام أو على الأقل الجماعات السياسية المؤثرة، وإما أنه، أخيرًا، إعلام خاص يوصف أحيانًا بالمستقل إلا أنه في الواقع ليس كذلك، وإن كان أكثر تحررًا وأكثر جرأة في طرح قضايا الرأي العام، وفي مناهضة الحكومة، وفي التحريض على النظام السياسي.

والإعلام الخاص تابع في غالب الأحيان إلى رأس المال الذي يضع حساباته لعلاقته بالسلطة الحاكمة، إعلام يسعى بدأب لتحقيق نسب المشاهدة ومن ثم الزيادة في رقم الأرباح، إعلام يحكمه في غالب الأحيان علاقات التداخل والتزاوج بين الربح والسلطة في جل دول العالم.

  •  العلاقة بين الإعلام والسياسة في أي مجتمع، علاقة أساسية للدرجة التي يصعب معها تصور أحدهما دون الآخر أو قيامه بوظائفه بمعزل عنه، وهذه العلاقة قائمة أيًّا كانت طبيعة النظام السياسي، وأيًّا كانت طبيعة النظام الاتصالي وشكله، وأيًّا كانت الفلسفة التي تحكم عمل النظامين. فإذا كان النظام السياسي يقوم على القوة، فإن رغبات من يمتلكون القوة لابد أن تنتقل إلى من سيستجيبون لها، وإذا كان النظام السياسي يقوم على المشاركة، فإن ذلك يعني إيجاد القنوات التي تخلق وتكوِّن وتعبِّر عن الرأي العام المشارك في صنع القرارات، وفي كلتا الحالين يحتاج النظام السياسي إلى نظام الاتصال لتأكيد شرعيته بشكل يجعله مقبولًا لدى الرأي العام، وقادرًا على مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية.
  •  العملية الإعلامية لا توجد في فراغ اجتماعي، ولكنها تعمل متأثرة ومؤثرة في النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية...، وذلك بدرجات مختلفة حسب طبيعة هذه النظم والعلاقات التي تؤلف بينها.
  • دراسة دور الإعلام في صناعة القرارات هي امتداد لدوره في وضع أولويات اهتمامات الرأي العام وصانعي القرارات، فالفرض الرئيسي للنظرية هو أن ثمة علاقة ارتباط إيجابية قوية بين أولويات اهتمامات الإعلام وأولويات اهتمامات الجماهير.
  • تخصيص الدراسة حول قناة الجزيرة الفضائية، إنما جاء مبنيًّا على طبيعة الخط التحريري الذي تنتهجه هذه القناة من خلال أخبارها وبرامجها، ومدى إثارتها لمجموعة من القرارات التي كانت تقف ضد ممارستها الإعلامية في مجموعة من دول العالم.
  • قناة الجزيرة لا تحظى بإجماع شعبي حول مهنيتها وطرحها للمواضيع؛ إذ اختلفت آراء الرأي العام حولها وكذا الأنظمة السياسية.
  • الجزيرة في وقت من الأوقات كانت ولا تزال عند البعض، مصدرًا موثوقًا لتسجيل المصالح العربية وروايتها. وحسب رأي الكثيرين من مشاهديها، فإنه لا ضير إن كانت تغطيتها الإخبارية تثير العواطف، ولا مانع إن خرج التعبير عن تلك العواطف عن السيطرة. فضبط النفس، في سياق موجة الحرية الصحفية-السياسية التي يمثلها أسلوب الجزيرة التحرري، يعتبر أمرًا ثانويًّا.
  • الجزيرة سليلة صوت العرب لما تقوم به من دور في تحقيق التماسك لمفهوم "العروبة"، فالبرامج الحوارية يمكن أن تعد في موضوعاتها ذات هوية قومية، أو يمكن القول: إنها لعبت دورًا قوميًّا إلى حدٍّ ما من خلال تقريب الشُّقة، وأحيانًا رأب الصدع بين دول الجوار.
  •  قناة الجزيرة لعبت دورًا مهمًّا في ولوج المشهد الإعلامي، ليس في الشرق الأوسط فحسب، وإنما على الصعيد العالمي أيضًا؛ فقد أثبتت أنه يمكن تحدي هيمنة المؤسسات الإعلامية الغربية.
  • الجزيرة إحدى دعامات الأجندة السياسية الخارجية لدولة قطر؛ حيث تعد وسيلة من وسائل الضغط الدبلوماسي لقطر محليًّا ودوليًّا.

للاطلاع على النص الكامل لأطروحة الدكتوراه (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب