خلصت ندوة فكرية نظَّمها عن بُعد مركز الجزيرة للدراسات وقناة الجزيرة مباشر، أمس 17 أبريل/نيسان، بعنوان "الأقصى في مواجهة إسرائيل ويمينها المتطرف" إلى أن الأقصى أصبح، أكثر من أي يوم مضى، في خطر داهم؛ خاصة بعد أن وصلت الأحزاب الدينية المتطرفة إلى سدة الحكم وصار بيدها جزء من القرار السياسي والأمني الإسرائيلييْن.
وأضافت الندوة أنه رغم النهوض الفلسطيني في السنوات الأخيرة على مستوى الوعي والحركة إزاء القدس والأقصى فإن ذلك وحده غير كافٍ ما لم توقف السلطة الفلسطينية والعديد من الدول العربية والإسلامية "علاقاتها الاستراتيجية" مع إسرائيل، وما لم يتوحد الفلسطينيون والشعوب العربية والإسلامية حول برنامج عملي واقعي لدعم القدس والأقصى والانتقال من خانة الخطب والشعارات إلى مربع الفعل المخطط والمدروس.
وكانت الندوة سابقة الذكر التي بثتها قناة الجزيرة مباشر والمنصات الرقمية لمركز الجزيرة للدراسات وشارك فيها: مهند مصطفى، مدير مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، وصالح النعامي، الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي، وأيمن زيدان، نائب المدير العام لمؤسسة القدس الدولية، وناجح بكيرات، رئيس قسم المخطوطات والتراث بالمجسد الأقصى، وأدارتها المذيعة بقناة الجزيرة روعة أوجيه، قد التأمت مساء أمس لتقييم مدى خطورة ما يتعرض له المسجد الأقصى من اقتحامات في سياق السياسات الإسرائيلية لفرض السيادة الإدارية عليه وتهويده وتهويد مدينة القدس، بالتزامن مع مساعي الجماعات والحركات والمنظمات اليهودية الهادفة إلى إعادة بناء "هيكل سليمان" على أنقاضه.
تغير كمِّي ونوعي
أشار مهند مصطفى، مدير مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية في بداية الندوة إلى أن المواجهات التي تحدث حاليًّا لا تختلف عن مثيلاتها طيلة الأعوام الماضية إلَّا من حيث أعداد اليهود المتشددين المقتحمين للأقصى وحجم الدعم السياسي والأيديولوجي الذي يحظون به، خاصة من بعد تشكيل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجديدة.
وأضاف أن المسجد الأقصى أصبح في "صلب الفكر الصهيوني الديني"، وأن السيطرة عليه هو جزء من "خلاص الشعب اليهودي"، ومن هنا فالمسألة "لم تعد كما كان في السابق مجرد جدال حول حق اليهود في العبادة داخل الأماكن التي يقدسونها بباحة المسجد الأقصى وإنما أصبح قضية دينية مركزية لدى الشعب اليهودي.
الخيال يتحول إلى واقع
من جانبه أشار ناجح بكيرات، رئيس قسم المخطوطات والتراث بالمجسد الأقصى، إلى ضرورة التوعية بخطورة ما يحدث للأقصى، وأوضح في هذا الصدد أن هنالك اتساع في أعداد المنظمات الساعية لإعادة بناء الهيكل، وقال: إن أعدادها وصلت إلى 75 منظمة، وإن العديد منها تحالفت مع أحزاب سياسية وأصبح لها تأثير على القرار السياسي خاصة بعد أن دخلت في التشكيل الحكومي.
وأضاف بكيرات أن كلًّا من هذه الجماعات والمنظمات يريد إنشاء كنيس ومدرسة دينية خاصة به داخل المسجد الأقصى، وأنَّ بعضها يؤمن بمصادرة الأرض في محيط الأقصى، وقد أوعزوا إلى الحكومة الإسرائيلية لفعل ذلك فصادرت 3500 دونم على محيط ثلاثة كيلومترات بحجة إقامة "الحدائق التوراتية".
وقال بكيرات: إن هنالك 65 حفرية أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، بالإضافة إلى الأعداد المتزايدة من المعاهد الدينية اليهودية ومن الكنس، ما يخنق المسجد ويغرقه في "أمواج من التطرف"، وبالتالي -والكلام لبكيرات- فالأخطار محدقة، حتى إنها قد وصلت إلى حد المطالبة بإنهاء وجود الأوقاف الفلسطينية والدور الأردني، وإبعاد أي عربي من القدس والأقصى باعتبار أن هؤلاء العرب -على حد زعم تلك المنظمات المتطرفة- هم "كفار أنجاس".
وأوضح بكيرات أن اليهود الذين تصورا الهيكل مقامًا في خيالهم أصبح الآن واقعًا يحققون كل يوم جزءًا منه على الأرض.
الانتقال من إدارة الصراع إلى حسمه
من جانبه أوضح صالح النعامي، الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي، أن التحول الذي طرأ على المشهد الإسرائيلي بعد الانتخابات الأخيرة والمتمثل في صعود جماعات إلى سدة الحكم تنتمي إلى التيار الديني الخلاصي الذي يؤمن بفكرة نزول المخلِّص المنتظر، وبناء الهيكل، واندلاع حرب يأجوج ومأجوج، وبالأخص وصول حركتي "المنع اليهودية" و"الصهيونية الدينية" إلى الحكم، جعل الأمور شديدة الخطورة، وأرجع النعامي ذلك إلى تبني هاتين الحركتين مفهوم "حسم الصراع" بدلًا من إدارته كما كان يحدث من جماعات دينية أخرى في الماضي.
وأشار النعامي إلى ان خطوات الجماعات الدينية المتطرفة في إسرائيل لتحقيق أهدافها إزاء المسجد الأقصى تتمحور حول تحويل هذا المسجد من مكان مقدس للمسلمين إلى مكان مقدس للمسلمين واليهود في المرحلة الأولى ثم إلى مكان مقدس لليهود حصريًّا في مرحلة لاحقة.
وقال النعامي إن الأدلة كثيرة على تحول هذه الجماعات من مرحلة إدارة الصراع إلى حسمه من ذلك مثلًا: مستوى القمع الذي تتبعه حكومة نتنياهو مع المصلين، ومشاركة المسؤولين السياسيين في اقتحام المسجد الأقصى، وتسويغ إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، اقتحام المسجد الأقصى بقوله: إنَّ عدم دخول اليهود إلى هذا المكان المقدس بالنسبة لهم إنما هو "تمييز عنصري بحقهم".
وأضاف النعامي أن دخول حركتي "المنع اليهودية" [منع اختلاط اليهود بغيرهم للمحافظة على نقائهم العرقي وهويتهم] و"الصهيونية الدينية" الحكومة قد عزز من دعوات بقية الجماعات والمنظمات اليهودية وأصبحت فكرة إعادة بناء الهيكل بالنسبة لهم فكرة "قابلة للتحقق"، وهذا ما يفسر كثرة الاقتحامات للمسجد الأقصى والزيادة المضطردة في أعداد المقتحمين، وكل ذلك -يستطرد النعامي- من أجل تدشين الهيكل "في الوجدان اليهودي" قبل أن يقيموه واقعًا على الأرض، وفي هذا السياق يأتي مسعاهم لذبح القرابين بالمسجد الأقصى، والتكريم السنوي لسدنة الهيكل الذي سيقيمونه، بالإضافة إلى ذهاب حاخامات يهود إلى روما للحصول على ما يزعمون أنه مقتنيات للهيكل نهبها القائد الروماني "تيتوس" بعد أن دمَّر الهيكل عام 70 ميلادية.
الأقصى قاسم فلسطيني مشترك
أوضح المتحدثون في الندوة أنه في مقابل مساعي جماعات الهيكل وسياسات التهويد التي تتبعه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فإن ثمة نهضة فلسطينية ملحوظة خلال السنوات العشر الأخيرة، وأن هذه النهضة تتخذ عدة أشكال، أبرزها: تحول القدس والأقصى إلى عامل يُجمِّع الفلسطينيين ويوحِّد بينهم على اختلاف توجهاتهم السياسية، وأن الوعي بالقدس والأقصى قد ازداد في عقل ووجدان الأجيال الفلسطينية الناشئة، وقد أصبح الدفاع عنهما عنوانًا للمقاومة، سواء من فلسطيني الضفة ومناطق الـ48 وغزة أو من فلسطيني الخارج، لكن مع هذا كله فإن خطورة ما يحدث يحتم على الفلسطينيين جملة أمور إضافية، أهمها: الاتفاق على مشروع وطني بخطوات عملية وبرامج تنفيذية لوقف تهويد القدس والأقصى ومساندة سكان القدس الذين يحارَبون في وجودهم ويتم التضييق عليهم في حياتهم ومعاشهم.
عراقيل أمام "حسم الصراع"
من ناحيته، أكد أيمن زيدان، نائب المدير العام لمؤسسة القدس الدولية، على أن "حسم الصراع" على المسجد الأقصى كما تتخيله الجماعات الدينية المتشددة تقف دونه تحديات وتحول بينه وبين التحقق عراقيل، من أهمها: وحدة الشعب الفلسطيني حول قضية القدس والأقصى، ووضع المقاومة المساس بهما كخط أحمر، والهبات المتتالية والصواريخ التي تنطلق من غزة ولبنان مثال على ذلك.
وأوضح زيدان أن الظرف الدولي ليس في صالح إسرائيل حاليًّا لكي تقدم على خطوة حسم الصراع حول الأقصى، وأرجع ذلك إلى تراجع الدور الأميركي وتزايد حضور الدورين الصيني والروسي.
وأضاف زيدان أن إسرائيل ويمينها المتطرف يعملان على "هندسة" البيئة الإقليمية وبالأخص العربية منها من أجل "تحويل الخليج إلى منصة لضرب إيران"، وصولًا إلى الهدف النهائي المتمثل في تهويد القدس والأقصى، وذلك عن طريق "التطبيع". ودعا زيدان في هذا الصدد الشعوب العربية لأن تقوم بدورها وتعمل على الضغط على أنظمتها من أجل وقف مسار التطبيع.
ازدواجية المواقف العربية
وشددت الندوة على ضرورة ضغط الشعوب العربية على أنظمتها لربط علاقاتها مع إسرائيل بالتقدم الحاصل على مسار حل القضية الفلسطينية وعودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق قال صالح النعامي إنه في الوقت الذي "تندد" فيه بعض الدول كالأردن على سبيل المثال بالسياسات الإسرائيلية تجاه القدس والأقصى فإنها على المستوى العملي تواصل علاقاتها الاستراتيجية وتعاونها مع إسرائيل على كافة الأصعدة؛ السياسية والاقتصادية والأمنية. وقال إنَّ من أمثلة ذلك الاتفاق الأردني-الإسرائيلي على أن تمد الأردن مستوطنات النقب وكريات أربع (التي يعيش فيها بن غفير) بالماء، فضلًا عن مشاريع الغاز والكهرباء المشتركة. وأضاف النعامي بأن ما يحدث من الأردن يحدث شيء شبيه له بصورة أو بأخرى من مصر والمغرب. وخلص إلى أنه لكي "ترتدع" إسرائيل وتوقف محاولاتها تغيير الهوية الدينية و"الإدارية" للمسجد الأقصى فإن على الأنظمة العربية أن توقف هذا النوع من "العلاقات الاستراتيجية" معها، وأن تربط تلك العلاقة بحل القضية الفلسطينية.
للاطلاع على تفاصيل الندوة كاملة يمكنكم مشاهدتها عبر (الرابط التالي).