المقدمة
أولاً: موضوع الدراسة
تسعى هذه الدراسة لبحث الدور السياسي للمسلمين في جنوب أفريقيا، وذلك قبل وبعد التحول السياسي عام 1994، خاصة وأن وجود المسلمين في هذه البلاد يرجع إلى عام 1652، حيث قامت قوات شركة الهند الشرقية الهولندية بإحضارهم لجنوب أفريقيا، وقد تم تصنيفهم كعبيد وسجناء سياسيين وعمال سخرة وتجار لأنهم غير مسيحيين، وقد جيء بالمسلمين في نفس العام الذي وصل فيه الهولنديون، إلا أنه ومنذ عام 1667 زادت أعداد المسلمين الوافدين من أنحاء أفريقيا وآسيا ولاسيما من مدغشقر والهند وأرخبيل المالاي، كما شهدت جنوب أفريقيا في فترات زمنية مختلفة استقدام مسلمين أفارقة كما فعل جون كيرك J. Kirk القنصل البريطاني في ناتال عندما قام بنقل العبيد من زنجبار من شرق أفريقيا إلى فريتاون وناتال في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد استمر نقل المسلمين الأفارقة على متن السفن البريطانية حتى عام 1880.
وبلغ عدد المسلمين في جنوب أفريقيا بحسب تقديرات عام 2013 مليون وأربعمائة ألف نسمة بنسبة 2% من مجموع سكان أفريقيا البالغ عددهم 53 مليون تقريباً، ويوجد أكبر تجمع للمسلمين في مقاطعة الكيب الغربي حيث تبلغ نسبتهم3,7% من إجمالي سكان المقاطعة، ويليها منطقة "الكوازوناتال" بنسبة 6,2%، و"جاوتنج" بنسبة 5,1%، وعلى الرغم من هذه النسبة البسيطة للمسلمين في جنوب أفريقيا؛ إلا أنهم يشغلون مهن راقية كالطب والمحاماة، كما أن المسلمين يتميزون كمجموعة حضرية متميزة في المدن الرئيسية في جوهانسبرج ومدينة الكيب وديربان.
وفي هذا السياق تأتي أهمية دراسة الدور السياسي للمسلمين في جنوب أفريقيا، حيث كان المسلمون محافظين على هويتهم الإسلامية، والمظاهر المحلية في نفس الوقت، مع التأكيد على المشاركة السياسية العامة للبعض منهم.
وقد اتسم واقع جنوب أفريقيا بسياسة الفصل العنصري وكانت الأفكار الإسلامية بصفة عامة مناهضة للفصل العنصري، وما بعد التحول السياسي عام 1994 الذي وضع حداً لنظام الفصل العنصري، حيث شهدَ الدور السياسي للمسلمين قوة دفع جديدة أدت إلى ظهور عددٍ من الأحزاب الإسلامية.
وعلى الرغم من وجود أعضاء من المسلمين في البرلمان ووزراء في الحكومة وقياديين في الأحزاب السياسية المختلفة فإن الجدل مازال مستمراً فيما يتعلق بالمشاركة السياسية للمسلمين، وهنا تختلف المواقف حيث الجماعات الإسلامية الدعوية والتي يطلق عليها البعض الجماعات التقليدية، وجماعات الإسلام السياسي والتي يطلق عليها البعض الجماعات التقدمية، فالأولى ترى عدم جواز المشاركة السياسية إلا في ظل دولة إسلامية، والثانية ترى وجوب إعلاء قيم المواطنة ومن ثم يجب على المسلمين أن يقوموا بواجبهم كمواطنين.
والحقيقة فإن جزءاً كبيراً من الأفكار التي انتشرت بين مسلمي جنوب أفريقيا قد وردت إليها من مصر والهند، والتي كانت ممثلة بصفة خاصة في فكر حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي، وأفكار هؤلاء أثرت بصورة واضحة في أفكار الجماعات الإسلامية المختلفة على مستوى العالم.
وستتناول الدراسة في ظل هذا السياق جملةً من مواقف كلا الفريقين السابق ذكرهما خاصة فيما يتعلق بالموقف من الشريعة الإسلامية (قانون الأحوال الشخصية)، والمشاركة السياسية، وعلى التفصيل ستتناول الدراسة مواقف بعض الجماعات داخل كلٍ من الاتجاهين الأول والثاني. ويلاحظ أن الدور السياسي للمسلمين في جنوب أفريقيا يغلب عليه المشاركة في إطار التنظيمات الإثنية وذلك في النضال ضد النظام العنصري، ولكن مع بدء إرهاصات التحول السياسي في الثمانينيات ثم التحول السياسي عام 1994 ظهرت تنظيمات وأحزاب إسلامية ذات صبغة سياسية صريحة، حيث يشير مفهوم التحول السياسي هنا وفقاً لتابو مبيكي إلى تأسيس مجتمع يتميز "بالمساواة بين الجماعات الوطنية" في جميع قطاعات ومجالات المجتمع[1].
ثانياً: إشكالية البحث
تتمثل إشكالية الدراسة في بحث وتحليل الدور السياسي للمسلمين في جنوب افريقيا قبل وبعد التحول السياسي، وما تثيره هذه الإشكالية من تساؤلات حول طبيعة هذا الدور، خاصةً وأن تأثير الدور السياسي للمسلمين يفوق حجمهم العددي كجماعة في جنوب أفريقيا، كما أن هذا الدور يعود إلى نشأة اتحاد جنوب أفريقيا عام 1910، وحتى قبل التحول السياسي عام1994، بالإضافة إلى تغير طبيعة هذا الدور بعد التحول السياسي عام 1994، حيث كان الدور السياسي للمسلمين يتمثل في دور بعض الأفراد والأسر من خلال تنظيمات عَلمَانية، ثم تطور الأمر لعوامل داخلية وخارجية فظهرت حركات إسلامية ذات توجهات سياسية منها المعتدل ومنها الراديكالي، وبعد التحول السياسي حدثت تغيرات في هذا الدور من حيث الأفكار والممارسات للجماعات والتنظيمات الإسلامية المختلفة.
ثالثاً: أهمية الدراسة
تستمد الدراسة أهميتها من عدة جوانب:
1. أن علاقة المسلمين بالدولة في جنوب أفريقيا علاقة ذات أبعاد متعددة؛ إلا أن أهمها مواقف مختلف القوى السياسية من قضية الشريعة الإسلامية وخاصة قانون الأحوال الشخصية، ومواقف هذه القوى من المشاركة السياسية.
2. أن فترة الدراسة منذ قيام اتحاد جنوب أفريقيا ذات أهمية خاصة؛ حيث نجد أن هذا التاريخ هو تاريخ حدثت فيه أحداث عدة رُسمت فيه سياسات الفصل العنصري كقانون المناطق المغلقة، وبدأت معه مقاومة المسلمين الملونين والهنود لهذه السياسة من خلال تنظيمات غير إسلامية كالمنظمة السياسية الأفريقية وحركة الاتحاد لغير الأوروبيين والحزب الشيوعي الجنوب أفريقي، ثم تطور الأمر وخاصة في الثمانينيات وظهور حركات إسلامية ذات توجه سياسي معتدل كحركة الشبان المسلمين وأخرى راديكالية كحركة قبلة المتأثرة بالثورة الإيرانية، والتحول السياسي في عام 1994 وانعكاساته على الدور السياسي للمسلمين.
3. أن دولة جنوب أفريقيا ذات وضع خاص نظراً لسيطرة البيض على الحكم فترة طويلة من الزمن، وممارساتها العنصرية التي جعلت إسرائيل تقتدي بها في سياساتها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
4. تأتي الدراسة في إطار اهتمام الأكاديميين والمعنيين بالشأن السياسي بدور الدين عموماً والإسلام خصوصاً في السياسة على المستويين داخل وخارج الدول.
5. ندرة الدراسات عن المسلمين في جنوب أفريقيا باللغة العربية وخاصة دورهم السياسي.
رابعاً: تساؤلات الدراسة
تطرح الدراسة عدة تساؤلات:
1. ما طبيعة الدور السياسي للمسلمين في جنوب أفريقيا؟ وهل هو دور مؤسسي وتنظيمي أم هو دور فردي؟
2. ما هي أبعاد الدور السياسي للمسلمين في جنوب أفريقيا؟
3. إلى أي مدى كان الدور السياسي للمسلمين متناسباً مع حجم المسلمين أو عددهم في جنوب أفريقيا؟
4. ما هي جوانب التشابه والاختلاف في الدور السياسي للمسلمين في حال وجوده قبل وبعد التحول السياسي في جنوب أفريقيا؟ وكيف يمكن تفسير هذا التشابه أو الاختلاف في حال وجوده؟
5. لماذا لم ينشئ المسلمون سواء كانوا ملونين أو هنوداً أحزاباً سياسية ذات توجه إسلامي في ظل الحكم العنصري؟
6. ما هو مستقبل الحركات والتنظيمات الإسلامية في ظل التحول السياسي بعد نهاية سياسة الأبارتهيد، وفي ظل أوضاع المسلمين الثقافية والاجتماعية والاقتصادية؟
خامساً: فروض الدراسة
تسعى الدراسة لاختبار الفروض التالية:
1. ارتبط الدور السياسي للمسلمين قوةً وضعفاً بالاضطهاد في ظل النظام العنصري قبل التحول السياسي.
2. تأثر الدور السياسي للمسلمين بعد التحول السياسي سلباً وإيجاباً بمدى قبول الحركات والتنظيمات الإسلامية بالمشاركة السياسية.
3. ارتبطت طبيعة الدور السياسي للمسلمين من حيث كونه فردياً أو تنظيمياً بالتحول السياسي في جنوب أفريقيا.
سادساً: الدراسات السابقة
لا توجد دراسات مباشرة عن دور المسلمين السياسي في جنوب أفريقيا، إلا أن أغلب هذه الدراسات تفيد البحث جزئياً أو بصورة غير مباشرة، حيث لا توجد دراسات تستوفي هذا الموضوع بصورة كلية، ويمكن تقسيم هذه الأدبيات إلى ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: دراسات تناولت الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتأثيره على مواجهة النظام العنصري.
1. د. إبراهيم أحمد نصر الدين، حركة التحرير الأفريقي في مواجهة نظام السياسي لجنوب أفريقيا (القاهرة: اكتشاف، 2010)
وهي دراسة تحليلية للنظام السياسي في جنوب أفريقيا وحركات المقاومة المختلفة ضد سياسة الفصل العنصري التي اتبعها هذا النظام مع الأغلبية السوداء، وعرض وتحليل البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمجتمع جنوب أفريقيا ومكوناته الإثنية من بيض وملونين وهنود وأفارقة، بالإضافة إلى مؤسسات الحكم على المستوى المركزي، ومؤسسات الحكم على المستوى المحلي، والأحزاب السياسية وتنظيمات حركة التحرير الأفريقي، وتنظيمات حركة التحرير الأفريقي في المنفى، والمواجهة بين حركة التحرير والنظام السياسي، وأدوات وأساليب المواجهة بين النظام والحركة، والتصورات الفكرية لمستقبل جنوب أفريقيا، وقد خلصت الدراسة إلى إن إقامة تنظيم جماهيري داخل جنوب أفريقيا لحركة التحرير الوطني واستنباط الاستراتيجية المناسبة لحرب العصابات مازالت قضية مطروحة للنقاش، خاصة وأن التجارب الناجحة لحرب العصابات في أي مكان في العالم تؤكد على الطبيعة الخاصة لكل حرب وهي طبيعة تفرضها الظروف المحلية والإقليمية والدولية.
الاتجاه الثاني: دراسات تناولت نشأة ووجود المسلمين في جنوب أفريقيا
1. سعيد إبراهيم كريدية، جمهورية جنوب أفريقيا ومسلموها (بيروت: د.ن، 2010)
استخدمت هذه الدراسة أسلوب العرض والسرد أكثر من التحليل، وقد قام الباحث بتناول دولة جمهورية جنوب إفريقيا من حيث الجغرافيا والأوضاع السياسية والاقتصادية، كما أنه تناول تاريخ المسلمين هناك من خلال سرد الأحداث حسب التسلسل الزمني المرتبط بتاريخ جنوب إفريقيا بدءًا من وصول أوائل المسلمين إلى تلك المنطقة وانتهاءًا بالعقد الأول للقرن العشرين.
وفي هذا السياق فقد تناول الباحث بعض الإشكالات التي يعاني منها الوجود الإسلامي في جمهورية جنوب إفريقيا كالعلاقة المتوترة بين المسلمين الهنود والمسلمين الأفارقة وتتمثل في النظر للمجتمع الإسلامي باعتباره مجتمع المالاويين والهنود، وقد تجسد هذا التوتر في قيام المسلمون الأفارقة بإنشاء جمعيات إسلامية خاصة بهم، كما تناول الباحث أيضاً قضية فقه الواقع والنوازل كالتأمين على الحياة والفائدة المصرفية، ومناداة البعض من المسلمين وخاصة الشباب منهم الأخذ بفقه الأقليات الذي أصّلَ له المجمع الأوروبي للإفتاء، نظراً لأن الجالية أقلية وتعيش في وسط مجتمع أغلبية غير مسلمة، وقد انتهت الدراسة إلى أن أول تحدٍ واجهه المسلمون في جمهورية جنوب إفريقيا بعد سقوط النظام العنصري عام 1994 هو أن هذا الحكومة الجديدة لا تتفق كثيراً مع مبادئ وعقيدة المسلمين بل بالعكس فإنها أباحت نشاطات تعتبر من المحرمات في الإسلام مثل شرعنة الإجهاض والبغاء مما شكل خطراً على المجتمع الإسلامي وعقيدته وتقاليده.
- Ebrahim Mohamed Mahdia, History of Muslims in South Africa: A chronology (Durban: Arabic Study Circle, 1993)
تناولت هذه الدراسة التسلسل الوجودي للمسلمين في جنوب أفريقيا، بداية من هجرة المسلمين من الهند والملايو منذ عام 1652، ومنذ وقت وصولهم إلى رأس الرجاء الصالح وصراعهم مع شركة الهند الشرقية الهولندية، بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية الخاصة بهم، ومتابعة تاريخ المسلمين في مختلف المقاطعات في جنوب أفريقيا وتاريخ قياداتهم وجماعاتهم وأنشطتهم الإسلامية حتى عام 1990.
وتفيد هذه الدراسة في معرفة أصول المسلمين الذين تم جلبهم إلى جنوب أفريقيا خاصىةً المجموعات الأولى التي كانت من المنفيين السياسيين والذي كان بعضهم قد حُكم عليه في باتفيا لنضاله ضد الهولنديين، ومعرفة نضال هؤلاء المسلمين للمحافظة على هويتهم الإسلامية وكم لاقوا من الصعاب وتكبدوا من التضحيات لدفن موتاهم وبناء مساجد، بالإضافة لمعرفة تطور أوضاعهم ونشأة الحركات والتنظيمات الإسلامية الدعوية وذات التوجه السياسي انتهاءًا بمؤتمر إسلامي عُقدَ في 1990، وفي نفس العام تم إطلاق أول حزب إسلامي وطني في أثلون بكيب تاون، من قبل نوشاد عمر، وهو مدير مدرسة ثانوية كامبردج، وتستند مبادئ الحزب على الإسلام ويتعهد بعدم المشاركة مع نظام الفصل العنصري، كما سيقوم بالتسجيل كحزب سياسي في مرحلة ما بعد الأبارتهيد في جنوب أفريقيا، وستكون عضوية الحزب مفتوحة لجميع مواطني جنوب افريقيا، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية.
الاتجاه الثالث: دراسات حول بعض الحركات والتنظيمات الإسلامية في جنوب أفريقيا.
1. عبد القادر طيوب، مختار نور الدين(مترجم)، الحركة الإسلامية في جنوب أفريقيا، في عبد الله بجاد العتيبي وآخرون (محرر)، المسلمون في جنوب أفريقيا: التاريخ- الجماعات- السياسة (دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2011، الكتاب الخمسون)
يرى أن الإسلام في جنوب أفريقيا واضحاً في التأكيد على المشاركة في السياسة العامة وعلى الهوية، كما يرى أن الأفكار الإسلامية أصبحت عالمية، وأن الإسلام في جنوب أفريقيا هو سلسلة من التطور في مجتمع حديث، فالأفكار الإسلامية كانت مناوئة لسياسات الفصل العنصري، وفي مرحلة التحول السياسي كان للشباب المسلم رغبة في رؤية جديدة ومتميزة في ظل الأوضاع السياسية الجديدة، إلا أنهم وضعوا قضية الهوية على رأس أولوياتهم.
وتخلص الدراسة إلى:
أن التنظيمات الإسلامية في جنوب أفريقيا من حيث إلتزامها بجنوب أفريقيا ثلاثة أصناف، فحركة "الشبان المسلمين" كانت ترتبط بالحركات في العام إلى أن تحولت للحداثة، وحركة "قبلة الجماهيرية" كانت متشبهة بالتنظيمات الإسلامية غي إيران، بينما كانت حركة "دعوة الإسلام" هي الحركة الوحيدة الملتزمة بجنوب أفريقيا.
إن أهم ما يميز الحركة الإسلامية في جنوب أفريقيا مشاركتها في الحياة السياسية، حيث أن المجموعات النشطة في فترة الخمسينيات كانت متأثرة بالحركات السياسية العَلمَانية ولكنهم كانوا في نفس الوقت يرون ضرورة التعبير عن الإسلام، وتميزت فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بالرغبة في تمثيل الإسلام كقوى مناهضة لسياسة الفصل العنصري، كما كان الجميع يرى أن الإسلام أداة لتنفيذ طموحاتهم الأيديولوجية والسياسية.
أن التنظيمات والحركات الإسلامية متميزة بشكل واضح؛ إلا أنها وضعت على رأس أولوياتها قضية الهوية.
2 . رانيا حسين، جنوب أفريقيا قراءة في مواقف القوى الإسلامية، م. س. ذ
تناولت الدراسة العلاقة بين المسلمين والدولة في الفترة ما بعد التحول الديمقراطي من خلال مواقف الجماعات الإسلامية من المشاركة السياسية، والموقف من الشريعة الإسلامية متمثلاً في الموقف من قانون الأحوال الشخصية، وقد قسمت الباحثة الجماعات الإسلامية إلى جماعات دعوية كجمعية العلماء وجماعة التبليغ، وأخرى أطلقت عليها "التقدميين" كجماعة قبلة، ودعوة الإسلام، حركة الشبان المسلمين، ومواقف هذه الجماعات من القضايا السابق الإشارة إليها.
وقد خلصت الدراسة إلى أن التحول السياسي عام 1994 قد قدم فرصاً أما المجتمع الإسلامي بقدر ما مثل من تحديات، فمن ناحية أتاح الدستور حرية ممارسة الشعائر الدينية وتشكيل أحزاب سياسية إسلامية، كما أن المجتمع المسلم لم يعد يستطيع الانغلاق كما كان الحال في عهد الحكم العنصري، وأصبح لزاماً عليه أن يتعامل مع المجتمع بكل مكوناته، وأن يدافع عن مصالحه بلغة جديدة.
3 . بدر حسن شافعي، تنظيم القبلة في جنوب أفريقيا، م. س. ذ
تناول الباحث هذا التنظيم الإسلامي في جنوب أفريقيا بالدراسة من حيث النشأة والتكوين والظروف الداخلية والخارجية التي ظهر فيها وانعكاس ذلك على أفكاره ومواقفه العملية، كما تناول أفكاره ومنطلقاته كفكرة مقاومة النظام العنصري، والمقاومة الفكرية والمقاومة الأخلاقية، والهيكل التنظيمي والعضوية، واستراتيجية الحركة ومواقفها من التنظيمات الداخلية الإسلامية وغير الإسلامية.
ويخلص الباحث إلى أن تنظيم قبلة ظهرت قوته بالأساس خلال فترة الأبارتهيد، وأن أفكاره وأطروحاته لا تتناسب مع مجتمع جنوب أفريقيا العَلمَاني، وإذا أراد التنظيم إعادة طرح نفسه من جديد فأنه يحتاج إلى التخلي عن الخطاب الثوري ومحاكاة النموذج الإيراني لأن ذلك يثير مخاوف النظام في الداخل، والمجتمع الدولي، وضرورة المشاركة السياسية ومد جسور الثقة مع التنظيمات الإسلامية وغير الإسلامية التي تتبنى القضايا الوطنية المتفق عليها، والتخلي عن فكرة القصاص المباشر والاصطدام المباشر مع الحكومة.
4. د. محمد عاشور مهدي، حركة باجاد في مواجهة عصابات الإجرام والمخدرات، م. س. ذ
وقد تناول الباحث هذه الجماعة (شعب ضد عصابات الإجرام والمخدرات) والمعروفة اختصاراً ب"بجاد" بالبحث والتحليل من حيث النشأة وعلاقتها مع حركة قبلة، وأسباب نشأة هذه الحركة، ورؤيتها وأهدافها، وآلياتها، كما تناول الباحث عضوية الحركة وهيكلها التنظيمي وممارساتها، ودور النظام السياسي في نشأة الحركة وأفولها.
ويخلص الباحث إلى:
إن حركة باجاد ذات طبيعة مزدوجة فهي من خلال المظاهرات والمسيرات الجماهيرية جماعة ضغط على الحكومة وأجهزة الشرطة، وهي من جهة أخرى جماعة صحوة وقصاص وفقاً لرؤية الحركة والتي تعني التفاعل مع الموقف والاحتفاظ بالحق الشرعي في التصدي للعدوان في حال عدم قيام أحد آخر بذلك.
أن فكرة باجاد أفسدتها ممارسات أعضائها وتورطهم الحقيقي أو الملفق في أعمال عنف وإرهاب ومن ثم معارضة غالبية المجتمع الإسلامي لها.
استمرار الأسباب الرئيسية لوجود باجاد سواء أسباب داخلية كفساد جهاز الشرطة وتجارة المخدرات، أو أسباب خارجية كسياسات الولايات المتحدة الأمريكية وممارسات إسرائيل العنصرية ضد الفلسطينيين، كل هذا يحتاج إلى معالجة لمنع هذه الحركات من القيام بأعمال العنف.
Heinrieh Matthee, Muslim Identities Political Strategies: A case ـــــ Study of Muslims in Greater Cape Town Area of South Africa, 1994-2000 (Kassel: Kassel Press, 2008 )
تناولت الدراسة العديد من القضايا كقضية العلاقة بين الدين والسياسة، والعلاقة بين جماعات الإسلام السياسي والجماعات الأخرى، وبين بعضها البعض مع الإشارة إلى تاريخ الصراع ما بين الحكام والعلماء ومشايخ الصوفية، وكذلك الخلافة وموقعها من الفكر الإسلامي السني ومدى أهميتها وضروريتها في الفكر الإسلامي الراهن، كما تناول بعض الأطروحات الإسلامية القديمة والحديثة لبعض العلماء مثل الغزالي وبن تيمية والمودودي، وحسن البنا، وسيد قطب، والغنوشي، وتناول الباحث بالتحليل الأصول التاريخية للتركيبة الاجتماعية للمسلمين في منطقة الكيب، سواء كانوا من مسلمي الهند أو مسلمي الملايو، والدور السياسي للمسلمين في جنوب أفريقيا وخاصةً منطقة الكيب.
وخلصت الدراسة إلى أن المجتمع الإسلامي في جنوب أفريقيا مجتمع حيوي متنوع وغير متجانس وهو ما عقّد من مهمة العلماء في سعيهم لتحقيق المجتمع الإسلامي النموذجي الموحد، وقد ظلت المؤسسات والرموز الدينية التي قادت العمل الإسلامي فترة ما قبل التحول السياسي هي ذاتها المهيمنة على مسار العمل الإسلامي في مرحلة ما بعد التحول، كما أن غالبية المسلمين في جنوب أفريقيا على قناعة بأن الإسلام والسياسة لا ينفصلان.
سابعاً: منهج البحث
استرشد الباحث في إعداد هذه الدراسة باقتراب تحليل الدور، حيث يشير مفهوم الدور إلى نموذج من السلوك المتوقع والمرتبط بموقع معين في مجتمع معين، وفي هذ الإطار سوف يتم دراسة الدور السياسي للمسلمين قبل وبعد التحول السياسي عام 1994 على مستويين، الأول الدور المتصور من خلال الوثائق والبيانات الصادرة عن الشخصيات والتنظيمات التي تدل على دور سياسي للمسلمين في جنوب أفريقيا، والثاني الدور الفعلي من خلال الممارسات السياسية الفعلية للمسلمين، ومدى الاختلاف بين الدورين المتصور والفعلي، كما قام الباحث باستخدام أداة المقارنة المنهجية للمقارنة بين الدور السياسي للمسلمين قبل التحول السياسي عام 1994 وبعد هذا التحول.
ثامناً: تقسيم الدراسة
تنقسم الدراسة إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
يتناول الفصل الأول بالدراسة الدور السياسي لبعض الزعامات من المسلمين في جنوب أفريقيا قبل التحول السياسي في مبحثين، المبحث الأول يتناول بالدراسة الدور السياسي لبعض زعامات المسلمين الملونين في مطلبين، الأول لعبد الله عبد الرحمن، والثاني لجوولام جول، والمبحث الثاني يتناول بالدراسة الدور السياسي لبعض زعامات المسلمين الهنود في مطلبين، الأول ليوسف دادو والثاني لفاطمة مير.
أما الفصل الثاني فيتناول بالدراسة الدور السياسي للحركات والتنظيمات الإسلامية قبل التحول السياسي في جنوب أفريقيا في مبحثين، المبحث الأول يتناول بالدراسة الدور السياسي للحركات والتنظيمات الإسلامية الدعوية، وذلك في مطلبين فالمطلب الأول البعد الديني، أما المطلب الثاني الدور السياسي لبعض الحركات والتنظيمات الإسلامية الدعوية، ويتناول المبحث الثاني للدراسة الدور السياسي للحركات والتنظيمات الإسلامية ذات التوجه السياسي وذلك من خلال مطلبين، الأول الحركات والتنظيمات الإسلامية التقليدية أو المعتدلة، والثاني الحركات والتنظيمات الإسلامية الراديكالية" حركة قبلة ."
ويركز الفصل الثالث على الدور السياسي لحركة باجاد منذ 1995 التي نشأت بعد التحول السياسي وذلك في مبحثين، الأول نشأة الحركة وهيكلها التنظيمي، وقد تم تناول هذا المبحث في ثلاثة مطالب، المطلب الأول نشأة الحركة وأسباب ظهورها، والمطلب الثاني الإطار التنظيمي لحركة باجاد على المستوى الوطني، المطلب الثالث الهياكل الإقليمية ونموذج الهيكل التنظيمي لحركة باجاد بالكيب الغربي، أما المبحث الثاني يتناول فكر حركة باجاد وممارسات دورها السياسي، وذلك في مطلبين، الأول الإطار الفكري لحركة باجاد، والثاني ممارسات الدور السياسي للحركة على المستوى الداخلي والخارجي.
وجاء الفصل الرابع والأخير ليتناول الدور السياسي بدراسة الأحزاب الإسلامية في جنوب أفريقيا بعد التحول السياسي، وذلك في ثلاثة مباحث، المبحث الأول يتناول الدور السياسي بالدراسة لمؤتمر مسلمي الكيب، وذلك من خلال مطلبين، فالأول نشأة الحزب ورؤيته، والثاني الدور السياسي لمؤتمر مسلمي الكيب، والمبحث الثاني الذي يتناول الدور السياسي لحزب الجماعة بالدراسة أيضاً في مطلبين، الأول الهيكل التنظيمي ونشأة الحزب ورؤيته وأهدافه، والثاني الدور السياسي لحزب الجماعة، والمبحث الثالث والأخير فيتناول الدور السياسي لأحزاب إسلامية أخرى في مطلبين الأول الأحزاب السياسية الإسلامية ذات التوجه المعتدل (الإصلاحي)، والثاني الأحزاب السياسية الإسلامية ذات التوجه المتطرف (الراديكالي).
وأخيراً جاءت خاتمة الدراسة لتتناول أهم النتائج وذلك من خلال الإجابة عن تساؤلات الدراسة وإثبات صحة الفروض أو خطأها، وأيضاً رؤية مستقبلية للدور السياسي للمسلمين في جنوب أفريقيا.
الخاتمة
سيتم الإشارة إلى أهم نتائج الدراسة، وكذلك سيناريوهات المستقبل بالنسبة للدور السياسي للمسلمين في جنوب أفريقيا.
أولاً. نتائج الدراسة
تتمثل هذه النتائج فيما يلي:
1. لم يتوقف الدور السياسي للمسلمين في جنوب أفريقيا على فترة معينة بل كان مستمراً ومتنوعاً، ولكن اختلف هذا الدور بحسب الظروف المحيطة بهم، ففي فترة الفصل العنصري كان هذا الدور مختلفاً عما بعد التحول السياسي في 1994، من حيث التنظيمات وأهدافها ومناهجها.
2. كان الدور السياسي للمسلمين قبل التحول السياسي يتسم بالفردية من جانب المسلمين الملونين فما قام به الدكتور عبد الله عبد الرحمن، وجولام جوول كان دوراً فردياً ولم يكن على خلفية أو تصور إسلامي كما هو الحال مع جماعات الإسلام السياسي سواء كانت جماعات دعوية أو راديكالية، ورغم قيام الدكتور عبد الله عبد الرحمن بإنشاء عدد من المدارس والمعاهد الإسلامية، فلم يقم المسلمون الملونون بدور سياسي على أساس الخلفية الإسلامية أو انطلاقاً منها، ومما يؤكد ذلك ما قام به الحاج نعمة الله أفندي سكرتير رابطة مسلمي جنوب أفريقيا والذي تحدث عن الحذر الواجب من الانغماس في السياسة والاكتفاء بدعمه لما أسماه السياسات الأعدل تجاه المسلمين، كما أن الدور السياسي الذي قام به الدكتور عبد الله عبد الرحمن يلتقي إلى حدٍ كبير مع أهداف (المنظمة السياسية الأفريقية) والتي تغير اسمها إلى (منظمة الشعوب الأفريقية)، وكذلك ما قام به جولام جوول كان إلى حدٍ كبير يلتقي مع أهداف (حركة الوحدة لغير الأوروبيين)، كما أنه تلقى الثقافة الشيوعية ودرسها من خلال نادي لينين ثم بعد ذلك نادي سبارتاكوس Spartacus بالإضافة لانتمائه للتروتسكيين، أي أن منهج وهدف كل منهما هو منهج وأهداف عَلمَانية وليس منهج أو أهداف إسلامية غير أنه ينبغي التأكيد على أن المحور الرئيسي لدور الدكتور عبد الله عبد الرحمن وجولام جوول هو النضال من أجل الحرية والقضاء على العنصرية، وهذه الحقيقة لم تنقطع منذ وصول المسلمين إلى جنوب أفريقيا.
3. لم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للمسلمين من أصول هندية، فنضال الدكتور يوسف دادو بالأساس كان نضالاً من أجل الحرية التي سعى بكل قوة وجهد لتحقيقها مثله في ذلك مثل الكثير من المناضلين الذين خاضوا المقاومة من أجل انهاء العنصرية والظلم، وهي القضية التي مازالت تجتمع عليها الأحزاب والتنظيمات السياسية وغير السياسية في جنوب أفريقيا من قبل التحول السياسي وبعده على اختلاف توجهاتها وخلفياتها الفكرية، غير أن هذا الدور الذي قام به يوسف دادو لم يكن منطلقاً من أهداف إسلامية أو منهج إسلامي، فهو كان منتمياً للحزب الشيوعي في جنوب أفريقيا، وكذلك فاطمة مير لم يكن منهجها إسلامياً ولا أهدافها إسلامية ولكنها كانت مناضلة يراودها حلم الحرية منذ طفولتها وعاشت حتى تحقق جزء كبير من هذا الحلم، كما كان الدافع الرئيس لكلٍ منهما هو مناهضة سياسة الفصل العنصري بهدف القضاء عليها وبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية، ولا تمييز فيه على أساس اللون أو اللغة أو الدين أو العرق، وأيضاً من الملاحظ كما هو الحال مع الدكتور عبد الله عبد الرحمن والدكتور جول أن دور كل من فاطمة مير والدكتور يوسف دادو دوراً فردياً، كما أن كلاً منهما كان ذو مستوى تعليمي مرتفع فيوسف دادو كان طبيباً وفاطمة مير حصلت على درجة الماجستير والدكتوراه الفخرية وكانت تُدِّرس بالجامعة، ويتشابه المسلمون الهنود مع المسلمين من الملونين ذوو الأصول الملاوية في النضال من أجل القضاء على سياسة الفصل العنصري، فلم يكن التوجه الإسلامي هو الخلفية في نضال هؤلاء ضد سياسات الفصل العنصري، ولذلك لم ينضم أو ينتم أياً من هؤلاء إلى أحزاب أو جماعات إسلامية، كما أن كلاً من هذه النماذج سواء كانت من الملونين أو الهنود، لم تكن نماذج شاذة في مجتمعاتهم، وذلك لأن هناك أسر مارست العمل السياسي فأسرة الدكتور عبد الله عبد الرحمن وكذلك أسرة الدكتور جولام جوول من الملونين، ومن الهنود أسرة مير وهذه النماذج هي على سبيل المثال وليس الحصر.
وقد كان هناك اختلافات بين المسلمين الملونين والهنود أهمها، أن المسلمين الملونين كانوا يميلون للسيطرة على المنظمات السياسية التي يشاركون فيها في حين أن الهنود كانوا يميلون أكثر إلى تدعيم علاقاتهم مع الأفارقة كما كان حالهم مع الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني الأفريقي، فقد كان اتجاه الهنود إلى جانب الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني الأفريقي، ومعظم الملونين كان اتجاههم في جانب المنظمة السياسية الأفريقية في عهد الدكتور عبد الله عبد الرحمن، وفي جانب حركة الوحدة لغير الأوروبيين في عهد الدكتور جولام جوول.
4. لم يستطع المسلمون إنشاء أحزاب سياسية إسلامية في ظل حكم الفصل العنصري كما حدث بعد التحول السياسي عام 1994، وذلك إنما يرجع للعنصرية والقمع الشديد خاصة أن المسلمين من الملونين أو الهنود وبصفة عامة من غير البيض، وربما هذا ما دفع الحاج نعمة الله أفندي عندما سُئل عن الدور السياسي للمسلمين فقال أنهم مع السياسات الأعدل، كما أن الثقافة الإسلامية للمسلمين كانت ضعيفة، والشيوعية كانت حديثة وأبهرت كثيراً من المسلمين وهذا ما يتضح من التنظيمات التي انتمت إليها بعض زعامات المسلمين في هذه الفترة، بل وقيادتها مثل عبد الله عبد الرحمن وجولام جوول ويوسف دادو.
5. تعود السياسات العنصرية التي مارسها البيض ونفذوها على الأفارقة الوثنيين وعلى الملاويين والهنود المسلمين على السواء إلى العقيدة الخاطئة التي تقول إن الوطنيين حاميون، وأن الله تعالى لعن أولاد حام في التوراة وأن التوراة تقر الرق، ومن ثم فإن المساواة بين البيض والسود أمر مناف لقوانين الله، وعلى هذا فعلى البوير أن يحافظوا على العلاقة المناسبة بين البيض والسود.
6. لم تكن الحركات والجمعيات الإسلامية الدعوية سياسية كجمعية علماء جنوب أفريقيا والمعروفة سابقاً بجمعية علماء الترنسفال، وجمعية علماء كوازولوناتال، ومجلس القضاء الإسلامي، ولكن كانت هذه الحركات دعوية بالأساس غير أنها كانت تسعى للمحافظة على الهوية الإسلامية، إلا أن مجلس القضاء الإسلامي كان له دورٌ سياسي محدود قبل التحول السياسي فقد كان الأمر مقصوراً على الأهداف الأساسية للمجلس وهي أهداف دينية والمحافظة على الهوية الإسلامية، وفي ظل هذا السياق كان الوقوف ضد سياسة الأبارتهيد، حيث قام العديد من الشخصيات المؤسسة للمجلس بدور واضح وكان أحد هؤلاء عبد الله هارون، وإنما أصبح هناك دورٌ سياسي بعد التحول السياسي في 1994 ونجاح المجلس في الحصول على اعتراف الدولة بالشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية، وكذلك انضمام المجلس للمنتدى الوطني للزعماء الدينين، والعمل التضامني مع القضية الفلسطينية، كما أن هناك من الحركات الإٍسلامية كجماعة التبليغ التي أعلنت أنها ترفض العمل السياسي نهائياً.
7. شهدت الفترة من 1980ـــــ 1990 زيادة نشاط حركات المقاومة ضد الأبارتهيد، وزيادة الوعي السياسي بعد أحداث سويتو عام 1976 وتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية التي واجهت النظام العنصري، وحدوث تغيرات في البيئة الداخلية حيث خرجت للوجود الجبهة الديمقراطية المتحدة والتي أصبحت مظلة وطنية جامعة للجماعات والتنظيمات الإسلامية والعلمانية المناضلة ضد سياسة الفصل العنصري، كما تشكل البرلمان القضائي الثلاثي عام 1983 من البيض والملونين والهنود واستبعاد السود، أما العوامل الخارجية فقد تمثلت في قيام الثورة الإيرانية عام 1979، والتي كانت بمثابة الحدث الفارق الذي دفع الحركات والتنظيمات الإسلامية لدراسة كتابات أبي الأعلى المودودي وسيد قطب، ودراسة أفكار الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى.
8. تأثر منهج حركة الشبان المسلمين، وهي حركة ذات توجه سياسي، بعملية التحولات الأيديولوجية والذي يعتبره البعض نموذجاً لاتجاه عام للخطاب الإسلامي، وذلك من خلال ثلاث مراحل: المرحلة الأولى اختيار الإسلام واعتباره طريقة حياة، والمرحلة الثانية هي الأصولية الإسلامية، والمرحلة الثالثة هي الأخذ في الاعتبار السياق السياسي والاجتماعي في جنوب أفريقيا وقد سٌميت بالسياقية، والتي تركز على الواقع السياسي، الذي هو مزيج من الاضطهاد والمقاومة، والواقع الاجتماعي، ومن هنا لم يكن الدور السياسي لحركة الشبان المسلمين بعد التحول السياسي يختلف عن كثيرٍ من الحركات والتنظيمات الإسلامية الأخرى التي كان لها دورٌ سياسي في جنوب أفريقيا كمجلس القضاء الإسلامي وحركة دعوة الإسلام، فعلى المستوى الداخلي كان للحركة دورٌ في قانون الأحوال الشخصية وقانون الإرهاب والمشاركة السياسية للمسلمين، وعلى المستوى الخارجي دعم قضايا العالم الإسلامي خاصةً القضية الفلسطينية، واتخاذ موقف ضد غزو أفغانستان والعراق.
كما أن الدور السياسي لحركة دعوة الإسلام بعد التحول السياسي لم يكن يختلف كثيراً عن الحركات والتنظيمات الإسلامية الأخرى التي كان لها دورٌ سياسي في جنوب أفريقيا كمجلس القضاء الإسلامي وحركة الشبان المسلمين، فعلى المستوى الداخلي كان للحركة دورٌ في قانون الأحوال الشخصية وقانون الإرهاب وقضية المشاركة السياسية للمسلمين، وعلى المستوى الخارجي دعم قضايا العالم الإسلامي خاصةً العراق والقضية الفلسطينية وغزو أفغانستان.
9. لا يختلف الدور السياسي لحركة قبلة الجماهيرية قبل التحول السياسي عما بعده، فهي ترفض التعامل بأي صورة مع النظام الحالي لأنه "نظام جاهلي"، وهو ذات الموقف من نظام الفصل العنصري قبل التحول السياسي، ففي كلتا الحالتين ترى الحركة أنه لابد من تغيير هذا النظام وإقامة نظام إسلامي عن طريق الثورة وهي في ذلك تتخذ من الثورة الإيرانية نموذجاً، وفي كل الأحوال وعلى اختلاف هذه الحركات والتنظيمات لم يتحول الدور السياسي لحركة قبلة إلى المشاركة السياسية.
10. لم يكن التحول السياسي عام 1994 في جنوب أفريقيا حدثاً عادياً وإنما كان حدثاً فارقاً في تاريخ هذا البلد، وكانت له آثارٌ كبيرة على كل مكونات المجتمع الجنوب أفريقي، خاصة المسلمون الذين عانوا كثيراً منذ وصولهم لهذه البلاد عام 1652، وأخيراً فقد أصبح من حق المسلمين تكوين أحزاب سياسية، وخوض الانتخابات على المستوى الوطني ومستوى المقاطعات، مما ساعد على انشاء عدة أحزاب إسلامية مثل حزب مسلمي أفريقيا، الجماعة، مؤتمر الوحدة الإسلامية، مؤتمر مسلمي الكيب، الشورى، كما كان لهذا التحول السياسي أثره على موقف حكومة جنوب أفريقيا والكثير من الأحزاب السياسية وخاصة الإسلامية منها على القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني، وذلك للتشابه بين الطبيعة العنصرية لنظام الأبارتهيد وهذا الكيان العنصري.
11. تُعَدُ حركة باجاد التي نشأت بعد التحول السياسي هي التنظيم العلني لفكر ورؤية حركة قبلة، كما ترى باجاد أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تقوم بتشويه الإسلام والمسلمين فقط ولكنها تحاربهم وتضيق عليهم، وكذلك موقفها تجاه الإرهاب في جنوب أفريقيا وانتقادها لحكومتها، تُزيد باجاد تأكداً من صحة موقفها تجاه الولايات المتحدة، وباجاد في هذا الموقف تتفق مع حركة قبلة إلى حدٍ بعيد.
12. أن الحركات والتنظيمات الإسلامية ليست بمعزل عن الحركات الإسلامية في العالم، فكتب أبو الأعلى المودودي وحسن البنا وسيد قطب مُعتمدة عند الكثير من هذه الحركات والتنظيمات الإسلامية في جنوب أفريقيا ومن هنا تتشابه هذه الحركات والتنظيمات مع بعض شبيهاتها في العالم العربي والإسلامي.
13. يُعَدُ حزب مؤتمر مسلمي الكيب والذي تم إنشاؤه بعد التحول السياسي أقرب للتقدميين الذين يرون إمكان إحداث توافق بين أحكام الشريعة الإسلامية والقانون المدني، وهو حزب إصلاحي يسعى إلى تحسين أوضاع المسلمين الاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال المشاركة السياسية ومحاولة الفوز بعدد من المقاعد في البرلمان الوطني أو مجالس المقاطعات؛ إلا أنه لم يستطع تحقيق الفوز بأي مقعد في البرلمان الوطني فضلاً عن عدد المقاعد التي حددها كهدف على مستوى المقاطعات، كما يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية وممارساتها الداعمة للصهيونية هي السبب وراء معاناة الفلسطينيين، وأن ظلم الحكومات العربية لشعوبها هو السبب وراء ظاهرة الإرهاب، كما يسعى الحزب إلى تحقيق الديمقراطية على المستوى الداخلي في جنوب أفريقيا، والتي يراها حلاً لمشاكل دول القارة الأفريقية، وهو في ذلك يقترب كثيراً من حزب مسلمي أفريقيا، ومن بعض الجماعات السلفية في مصر.
14. إن حزب الجماعة والذي انشئ بعد التحول السياسي، يُعَدُ أقرب للمحافظين الذين يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية دون تعديل يتجاوب مع القانون المدني (العَلمَاني) للدولة، ورغم اقترابه من فكر جماعة قبلة وباجاد ومؤتمر الوحدة الإسلامي، إلا أنه اتسم بدرجة من البرجماتية، حيث أدرك أنه لن يستطيع أن يحقق أهدافه بالانعزال عن الواقع المحيط به، ومن هنا كانت مشاركته السياسية وخوضه الانتخابات على المستوى الوطني ومستوى المقاطعات، ومحاولة دخول البرلمان من أجل رفع صوت المسلمين لأعلى المستويات دون التورط بحسب رؤيته بالمشاركة في سن تشريعات مناهضة للإسلام، وقد نجح الحزب في رفع مشروع الزواج الإسلامي لأعلى المستويات، إلا أنه لم يستطع الفوز بمقعد في البرلمان الوطني، كما يرى الحزب أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا داعمين للإرهاب ويحاولان إلصاق تهمة الإرهاب والتطرف للمسلمين كما حدث باستغلالهما تفجيرات نيروبي ودار السلام عام 1998، وأن مصطلحي الإرهاب والتطرف يتم استخدامهما لمحاربة المسلمين فقط.
15. تُعَدُ الأغلبية من المسلمين السود في جنوب أفريقيا (وهم أقل كثيراً عددياً من المسلمين الملونيين والهنود) أنصاراً للمؤتمر الوطني الأفريقي، بما في ذلك المسلمين السود في الكيب الشرقي، والكيب الغربي، وكوا زولو ناتال، لأن غالبيتهم أعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والتمثيل الإسلامي على المستوى الوطني وعلى مستوى الحكومة المحلية يُوجد به عدد كبير من المسلمين في جنوب أفريقيا في المناصب العامة، وتمتعهم النسبي بالثروة وحرية التنقل أثناء فترة الفصل العنصري، وفي الوقت الذي اكتسب المسلمون حريات كبيرة والحصول على نصيب من الوظائف القيادية الحكومية، إلا أن البعض قاوم عملية المصالحة اعتقاداً أن ذلك هو نتاج تسوية معيبة، وغير عادلة، كما اعتبرها خيانة للجماهير المضطهدة في جنوب افريقيا، ومن هؤلاء مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي ينظر إلى الدستور على أنه دستور عَلمَاني وغير إسلامي ومن ثم وجوب استمرار النضال كما كان في عهد الفصل العنصري، إلا أن غالبية المسلمين أغفلت هذه الدعوة، وكذلك الموقف السياسي العدائي لحركة باجاد وممارساتها العنيفة، والتي ألحقت ضرراً بالغاً بسياسة الأحزاب المعتدلة التي فقدت شعبيتها في الانتخابات اللاحقة.
16. لا يتوافق الدور السياسي للمسلمين مع عددهم ونسبتهم التي لا تزيد عن 2% من مجموع سكان جنوب أفريقيا، فدورهم وكثرة حركاتهم وتنظيماتهم ونضالهم ضد سياسة الأبارتهيد قبل التحول السياسي ونشاطهم وأحزابهم ومشاركتهم السياسية بعد التحول السياسي، إنما يرجع في أحد أوجهه إلى أن المجموعات الأولى من المسلمين التي وصلت جنوب أفريقيا كانت من المنفيين السياسيين وكان هؤلاء مناضلون ضد الاستعمار الهولندي في بلادهم، فروح المقاومة والمحافظة على الهوية كانت ومازالت ملازمة لهم، كما أن المسلمين في جنوب أفريقيا استطاعوا تحقيق قدر مرتفع من التعليم، والنجاح في مجالات متعددة واستطاع أحد أبنائهم من الوصول لمنصب رئيس وزراء إحدى المقاطعات، كما أنه أصبح سفيراً لجنوب أفريقيا لدى الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة لتحقيق الفوز بعدد من المقاعد في مجلس مدينة الكيب، والمجلس الوطني.
ثانياً. سيناريوهات المستقبل:
سيتم تناول سيناريوهات المستقبل في حال استمرار التحول السياسي، أو في حال استمرار التحول السياسي مع فرض قيود على الدور السياسي للمسلمين، وكذلك في حال التضييق وتراجع هذا التحول.
- استمرار التحول السياسي
يُتوقع في حال استمرار التحول السياسي والتخلص من ميراث العهد العنصري، أن تضيق مساحة البيئة التي تسمح بنمو الحركات الراديكالية العنيفة، خاصة إذا أدركت الحركات والأحزاب الإسلامية كونها أقلية في مجتمع ليس مجتمعاً إسلامياً، وأن الدعوة والعمل السياسي السلمي هو السبيل لزيادة عدد المسلمين من جانب ومن جانب آخر الحصول على المزيد من المكاسب بما يعضد وضع المسلمين في جنوب أفريقيا.
فقد كان انتهاء عهد الاضطهاد والتفرقة العنصرية إيذاناً بتغير كبير في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في جنوب أفريقيا، مما أدى إلى انشاء العديد من الأحزاب السياسية في جنوب أفريقيا ومن بينها الأحزاب الإسلامية، وتمتع هذه الأحزاب بالحق في خوض الانتخابات على المستوى الوطني ومستوى المقاطعات، مما كان له أثرٌ كبير على ممارسات الحركات والتنظيمات الإسلامية، حيث نجد أن الحركات الراديكالية محدودة مثل حركة باجاد، ومؤتمر الوحدة الإسلامية، فمناخ الحرية وانتهاء عصر العنصرية ساعد على التعبير عن الرأي والسعي لتحقيق هذه الآراء للجماعات والأحزاب المختلفة من خلال القنوات الشرعية وهو ما لم يكن متوفراً فيما قبل التحول السياسي وسيطرة البيض على الحكم في جنوب أفريقيا.
- استمرار التحول السياسي مع فرض قيود على الدور السياسي للمسلمين
قد تلجأ حكومة جنوب أفريقيا إلى فرض بعض القيود على المسلمين يكون من شأنها الحد من الدور السياسي لهم، وذلك في حال وقوع أحداث عنف وترويع تقوم بها بعض الحركات أو التنظيمات الراديكالية والعنيفة مثل حركة باجاد، ترى فيها الحكومة تهديداً لأمنها القومي، خاصة في ظل تعالي صيحات الحرب على الإرهاب في بقاع كثيرة من العالم، وفي ظل تكرار هذه الحوادث في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الدول اتخذت إجراءات استثنائية ضد المسلمين، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية في عهد دونالد ترامب وضعت قيوداً شديدة على دخول المسلمين من تسع دول إسلامية إلى أراضيها، كما أنها ترى أن مناخ الحرية يتم استغلاله من قبل قوى الإرهاب المختلفة.
- تراجع التحول السياسي
قد يؤدي تراجع التحول السياسي إلى زيادة عدد الحركات المسلحة والعنيفة وكذلك ما تقوم به من أعمال، ذلك لأن ضيق مساحة التعبير عن الرأي، وعدم تلبية الحكومة الجنوب أفريقية لمطالب المسلمين وحركاتهم وتنظيماتهم الدعوية وأحزابهم السياسية، مما يؤدي لإيجاد واقع يؤكد على ممارسات الحكومة وتعنتها وتضييقها على المسلمين، ومن ثم يجعل رؤية بعض الحركات والأحزاب كحركة قبلة وباجاد ومؤتمر الوحدة الإسلامية صحيحة والواقع يؤكدها فتنمو هذه الحركات فكرياً وتصبح أرضاً خصبة للعنف، كما يمكن أن تجد انتشاراً أكبر بين المسلمين على غير ما هو الحال إذا استمر التحول السياسي وما نتج عنه من مكتسبات وآثار إيجابية.
وقد يزداد الأمر سوءًا في حال كانت بعض الحركات الراديكالية التي تتميز بضخامة التنظيم وقدراته من حيث المال والسلاح كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام نشطة كما هو الحال في ظل الظروف الحالية، وقدرات هذا التنظيم على جذب الشباب، مما يمثل تهديداً كبيراً ونواة عنف أكبر من التي قامت بها حركة باجاد، خاصة وأن هذه التنظيمات تتطور بتطور وسائل مواجهتها، مما قد يؤدي إلى دخول جنوب أفريقيا في نفق الإرهاب خاصة في ظل ما يشاع عن فساد جهاز الشرطة.
وهذ السيناريو هو الأبعد، وذلك نظراً لنضال الجنوب أفريقيين والمسلمين الذين قدموا تضحيات كبيرة، كما أن هذا النضال استغرق زمناً طويلاً للقضاء على نظام الأبارتهيد، لذلك فالأرجح هو السيناريو الأول، وفي حال زيادة أعمال العنف وحدتها يكون السيناريو الثاني هو الأرجح.
= للاطلاع على نص الأطروحة (اضغط هنا).
= الآراء الواردة في الأطروحة لا تعبِّر بالضرورة عن رأي مركز الجزيرة للدراسات.
[1] Jo Beall, Stephen Gelb, Shireen Hassim, Fragile Stability: State and Society in Democratic South Africa, Journal of Southern African Studies, (London: Routledge, Volume 31, Number 4, December 2005), pp. 11- 12