استعمال المتغير الديني في التواصل السياسي بالمغرب: دراسة حالة حزب العدالة والتنمية

تبحث هذه الأطروحة في الملامح والسمات العامة لخطاب قادة حزب العدالة المغربي، بغية الكشف عن القوى العاملة والعناصر المؤثرة في إنتاج هذا الخطاب، وتحليل الأساليب الاستعارية المضمرة التي يستخدمها والأفعال الكلامية التي يوظفها.
(الجزيرة)

قد يكون حزب العدالة والتنمية المغربي من بين الاحزاب الاسلامية القليلة في المنطقة العربية التي عرفت تحولات عميقة إن على مستوى تغيير مثالياته وإعادة النظر في مرجعياته، وقد أعادت خسارته في انتخابات العام 2021 إلى الواجهة فكرة إعادة النظر في أطروحاته الفكرية وأساليبه الخطابية. من المهم فهم العلاقة بين استعمال العامل الديني لحزب العدالة والتنمية في التواصل والخطاب السياسي بشكل عام وبين توظيف هذا العامل في الظهور والاشتباك السياسي ومحاججة الفرقاء السياسيين واستمالة الجماهير، ومن المهم أيضا بحث الانعكاسات المحتملة لهذا التوظيف على مختلف الفاعلين السياسيين.

إشكالية الموضوع

تبحث هذه الأطروحة في الملامح والسمات العامة لخطاب قادة حزب العدالة المغربي، بغية الكشف عن القوى العاملة والعناصر المؤثرة في إنتاج هذا الخطاب، وتحليل الأساليب الاستعارية المضمرة التي يستخدمها والأفعال الكلامية التي يوظفها.

ويطرح البحث التساؤلات التالية:

  • ما الاستراتيجيات التي تبناها خطاب حزب العدالة والتنمية في تواصله مع الجماهير لاسيما منذ فترة الربيع العربي سنة 2011 إلى نهاية ترؤسه الحكومة 2021؟
  • ما الملامح السيكو-استراتيجية التي شكلت الشخصية الخطابية لعبد الإله بنكيران؟
  • ما أهم آليات التعبير المجازي والخطاب المضمر التي وظفها بنكيران في مواجهة خصومه؟
  • ما السياقات والظروف والمراجعات التي ساهمت في تشكل حزب العدالة والتنمية؟
  • ما حدود العلاقة بين الديني والسياسي في النسق السياسي المغربي، وما نقط التماس ونقط التنافر وما مدى مشروعية استعمال الأحزاب لخطاب ديني منافس لخطاب الدولة الديني وما هي أهم أنواع الخطاب الديني بالمغرب؟
  • هل يرتبط الخطاب السياسي الديني في المغرب بأنساق سياسية وفكرية أجنبية؟
  • من هم أبرز المتدخلين في عملية التواصل السياسي لحزب العدالة والتنمية، وما مدى تفاعل الإعلام والرأي العام مع تدخلات قادته؟
  • ما أبرز العناصر الفكرية واللغوية المكونة للخطاب الديني في التواصل السياسي لحزب العدالة والتنمية؟
  • ما أهم الآليات والقنوات التواصلية المستعملة لتوصيل رسائل سياسية من خلال الخطاب الديني وما هي تأثيراتها؟
  • ما مدى تأثير المصطلح والقاموس الديني على توجهات الرأي العام وعلى مختلف فئات المجتمع؟
  • ما أهم الرسائل التي يتضمنها الخطاب الديني للأحزاب السياسية؟
  • هل يوظف الخطاب الديني بشكل منتظم وممنهج أم بشكل تلقائي وعشوائي في ظروف زمنية مختلفة؟
  • هل النصوص القانونية والتنظيمية، بما في ذلك قواعد تنظيم المجال الديني، كافية لتأطير استعمال الخطاب الديني في التنافس السياسي الحزبي وما مدى نجاعتها؟
  • ما النتائج المترتبة عن توظيف العامل الديني في الحياة السياسية الحزبية وما تأثيرها على النسق السياسي ككل؟
  • ما محددات تنامي وانتشار هذه التيارات الإسلامية رغم أزمة الفكر والممارسة التي حكمت مساره وتطوره؟
  • ما طبيعة التحولات التي أحدثها الحراك الشعبي خلال سنة 2011 على مسار الاسلاميين بالمغرب؟
  • لماذا نجح الإطار الفكري للحركة الإسلامية، إبان الثورات في تعبئة الناخبين على حساب التيار العلماني المدني؟
  • وما تداعيات صعود الاسلاميين المغاربة عبر الآلية الانتخابية على التحول الديمقراطي من جهة وعلى النسق الاجتماعي والسياسي من جهة أخرى؟
  • ما مسببات وتداعيات الأزمة التي عاشها الحزب الاسلامي بعد “اعفاء” بنكيران وبعد التراجع في انتخابات 2021؟

فرضية الأطروحة:

تقوم هذه الدراسة بالاشتغال على فرضية واحدة محورية وهي:

عودة قادة حزب العدالة والتنمية إلى التوظيف السياسي للخطاب الديني الأخلاقي ولرموزه ولشخصياته الأجنبية ولقاموسه اللغوي، منذ فترة الربيع العربي، يفترض أنه توظيف مناقض لمخرجات المراجعات الفكرية التي أعلنوها سابقا، وأن هذا الاستعمال المفرط للغة الدينية والأخلاقية في خطاب وتواصل حزب العدالة والتنمية، يهدف إلى ممارسة لغة ايديولوجية سلطوية وإلى السيطرة والهيمنة على المجتمع تخفي أهداف خطابية مضمرة لمنافسة مؤسسات الدولة في التمثيل الديني.

الخاتمة

سعت هذه الأطروحة إلى التعرف على أطروحات واستراتيجيات خطاب حزب العدالة والتنمية في استعماله للخطاب الديني في المشهد السياسي، بالتركيز على أمينه العام عبد الإله بنكيران، في مختلف خطبه وتصريحاته، وعلى البنية اللغوية وأسلوب التواصل الذي له ارتباط بالتكوين المعرفي والسيكولوجي للشخص، وآليات التعبير المجازي، والأفعال الكلامية التي تم توظيفها في بلورة مضامين الخطاب لديه، والتي تعد عناصر مؤثرة في إنتاج خطاب الحزب وقيادته.

وقد اعتمدنا في هذه الأطروحة على إطار نظري شمل ثلاث نظريات أساسية، وهي نظرية المجتمع الشبكي لـمانويل كاستياس، ثم نظرية أفعال الكلام لأوستن ونظرية الديمقراطية التداولية، مستعملين أداة التحليل الكيفي على مدخل تحليل الخطاب النقدي.

وعلى ضوء نظرية الديمقراطية التداولية، فإن من أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذه الدراسة هي أن بنكيران أساسا يستعمل لغة بسيطة وواضحة وشعبية تصل إلى الجماهير بسهولة، إلا أنها غير مؤسسة على خطاب تداولي، لكون بنكيران لا يستخدم الاستدلال العقلي أو الأدلة الملموسة لدعم عناصر خطبه، وبدلا من ذلك يركز على خلق نوع من الانفصال السياسي الداخلي بين تيار مؤمن وتيار علماني أو حداثي لا يؤمن بالمرجعية الإسلامية كأساس للعمل السياسي، من خلال تركيزه على مهاجمة خصومه، بدل خلق قوة نقاشية تساهم في إطلاق جدلية ديمقراطية للوصول إلى حلول للمشاكل العمومية. فيظهر بذلك بنكيران كشخصية شعبوية تحشد الجماهير ضد خصوم سياسيين بدون أي تشجيع على التبادلات الحوارية الثنائية، فالخطاب التداولي يقتضي الصدق والتوازن في النقاشات السياسية، وبالتالي فإن الاتهامات ضد بعض وسائل الإعلام أو ضد الخصوم السياسيين، حسب النظريات المعتمدة في هذه الأطروحة فإنها تنتهك الأسس التي يقوم عليها الخطاب التداولي.

فيما يتعلق بنظرية أفعال الكلام التي اعتمدناها في هذه الدراسة، فإن ما يدعم أن كلام بنكيران كان أسلوبا منهجيا يحكمه العقل وليس العواطف هو تلك التوظيفات المتسقة والمتكررة للرمز والنكتة والسخرية بغية التأثير على المتابعين لتصريحاته واستمالتهم أو توجيههم، وبذلك فإن حديثه عن عيوب خصومه أو استعماله لغة الرموز والنكت والاستعارات والتشبيه وغيرها تشير إلى أنها لم تكن عشوائية أو اندفاعية بل كانت موجهة لتحقيق تأثير على الجماهير.

وفيما يتعلق بنظرية المجتمع الشبكي أو مجتمع الشبكة لـ مانويل کاستلز، فإن السمة التي ميزت تواصل حزب العدالة والتنمية خلال فترة الدراسة، أي خلال ولايتي ترؤسه الحكومة، استعمال أسلوب تواصل أكثر بساطة، يصل إلى جمهور أكبر مقارنة بخصومه السياسيين، وبالتالي كان الهدف هو التأثير على الفاعلين غير السياسيين على الشبكات المعنية، لفهم رسائله بسهولة أكبر من رسائل الفاعلين السياسيين الآخرين على الشبكة. وتميز هذا التواصل بالرغبة في الوصول (reach) إلى جماهير عريضة من خلال استعمال منصة فيسبوك ويوتيوب لتحقيق نسب مشاهدة كبيرة.

وبناء على النموذج الاجتماعي المعرفي لـتيون فان ديك في تحليل الخطاب النقدي وانطلاقا من هذه النظرية فقد استخدم بنكيران خطابا أيديولوجيا ذو نزعة قيمية أخلاقية بغرض تبرير أفكاره، وإقناع متابعيه، ومن أجل مهاجمة خصومه. وفي نفس النسق المنهجي للتحليل النقدي للخطاب، وفيما يتعلق بأهم استجابات الخطاب لدى حزب العدالة والتنمية تجاه السلطة، فقد تميزت كما لاحظنا في سياق هذه الأطروحة باستجابات رفض أحيانا لبعض قرارات الدولة واستجابات تبعية وعدم اعتراض أحيانا أخرى.

أولا- الأطروحات الخطابية الرئيسية في تواصل بنكيران

بالنظر إلى الإطار النظري والمنهجي لهذه الأطروحة وبالنظر إلى منهج تحليل الخطاب المتبع، فإن نتائج الدراسة أفضت إلى خلاصات مركزية تدور حول أهم الأطروحات والاستراتيجيات والاستجابات التواصلية التي تبناها حزب العدالة والتنمية من خلال قيادته وتحديدا تلك التي عبر عنها أمينه العام عبد الاله بنكيران. تبين الدراسة أن بنكيران تناول ستة أطروحات مركزية مثلت محاور خطبه وتصريحاته المرتبطة بالحياة السياسية المغربية، تضمنت الهجوم على الخصوم، انتقاد وسائل الإعلام، إلقاء اللوم والتنصل من المسؤولية وتحميلها للآخرين، التقليل من حجم المخاطر المحدقة بشعبية الحزب، التعبير عن التعاطف والدعم وأخيرا أطروحة الحزب الطاهر ومناضلوه الشرفاء.

ثانيا- استراتيجيات الخطاب المستخدمة من قبل بنكيران

اعتمد بنكيران بالأساس على إلقاء خطب جماهيرية سواء في الفضاءات المفتوحة أو داخل القاعات كأسلوب تواصلي رئيسي، مع استعمال شبكات التواصل الاجتماعي لنقل هذه اللقاءات سواء في الوقت الحقيقي لخطبه، أو بعد تقطيعها وتنزيل أهم مضامينها خصوصا في يوتيوب أو فيسبوك. حاول بنكيران توظيف هذه الاستراتيجيات بغية منح خطابه قوة الإقناع لدى متابعيه، ولرسم صورة قد تحظى بإعجاب جزء من المغاربة.

ثالثا- الجوانب السيكو-استراتيجية لخطاب بنكيران

تتمحور هذه الجوانب حول تجليات الصلابة النفسية Psychological Hardiness، التي تكشف بعض الملامح النفسية لشخصية بنكيران، والتي قد تكون مهمة في تحليل خطاباته على مختلف المنصات.

= للاطلاع على نص الأطروحة (اضغط هنا).

= الآراء الواردة في الأطروحة تمثِّل صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز الجزيرة للدراسات.

نبذة عن الكاتب