الجهوية الموسعة والحكم الذاتي بدول البحر الأبيض المتوسط: دراسة مقارنة

(الجزيرة)

تعد الجهوية الموسعة أعلى مستوى من مستويات اللامركزية الترابية دون الوصول إلى مستوى الدولة الفيدرالية. فهي وسيلة لتحديث الدولة دون تجزئة سيادتها، مما دفع الفقه الدستوري إلى تسمية الدول التي تتبنى خيار الجهوية الموسعة "بالدولة الجهوية" (L'Etat régional) كإيطاليا، التي أحدثت 20 جهة أو ب"دولة المجموعات المستقلة" كما هو الشأن بالنسبة لإسبانيا L’Etat des autonomies أوL’Etat autonomes، حيث تتمتع فيها مؤسسة الجهة بسلطات سياسية مهمة.

  إن الجهة، في إطار الجهوية الموسعة، هي وحدة سياسية ترتكز عليها مجالس منتخبة تناط بها مسؤولية رعاية الشؤون الداخلية وممارسة صلاحياتها الدستورية، فهي جماعة ديمقراطية مسيرة من طرف أجهزة سياسية منتخبة (برلمان وحكومة على المستوى الجهوي) بطريقة مباشرة، حيث لا تتوفر على اختصاصات إدارية فقط، وإنما أيضا اختصاصات وسلطات تشريعية وتنفيذية محددة دستوريا. هذه الضمانة الدستورية أعطت للجهة مكانة متميزة داخل التنظيم الإداري والسياسي، وكذا الصلابة والجمود لقواعدها التنظيمية.

  ولذا فالجهوية الموسعة هي إحدى الآليات الحديثة للممارسة الديمقراطية، إذ تسمح بالاعتراف بكل الكيانات الاجتماعية التي تتميز عن باقي المكونات من حيث الثقافة والهوية السياسية وبحقوقها السياسية والاجتماعية كحقها في تسيير شؤونها بنفسها، في إطار ما يطلق عليه بالحكم الذاتي، هذا الأخير ونظرا لتاريخه الطويل في الفكر الإنساني الفلسفي والقانوني اكتسب شيئا من الغموض والتعقيد بفعل المضامين والأدوار التاريخية التي مر بها وللازدواج في مدلوله بين الجانب السياسي والجانب القانوني، لكن عموما، يعبر الحكم الذاتي في القانون الدولي العام عن صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة في إطار الأمم المتحدة وقبلها عصبة الأمم.

أما في القانون العام الداخلي فهو نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر، فهو نظام لا مركزي، مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قومياً أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه من خلال هيئات الحكم الذاتي في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة.

 تستمد هذه الأطروحة، قيد المناقشة، أهميتها العلمية من معالجتها لموضوع الجهوية الموسعة والحكم الذاتي في التجربيتن الإسبانية والإيطالية والمشروع المغربي للحكم الذاتي بالاستناد إلى مبادئ الديمقراطية وقواعدها، حيث يلاحظ  هامشية البحث العلمي المتعلق بهذا الجانب؛

لذلك تبرز أهمية البحث في ربطه المقصود بين الجهوية الموسعة والديمقراطية في الدول ذات المجتمعات المتعددة كالمجتمع الإسباني والإيطالي، إذ يجسد الحكم الذاتي مبدأ المشاركة السياسية، الذي يعتبر عماد الديمقراطية وأساسها،  ويسمح بمشاركة المجتمعات المحلية في اتخاذ القرار، وبالتالي فالحكم الذاتي تعبير عن الديمقراطية، لأنه يتضمن مبدأ مشاركة السلطة وتوزيعها، كما يرتبط بمبدأ التعددية الثقافية باعتباره آلية لإحقاق حقوق القوميات والأقليات اللغوية والثقافية.

  كما يتيح هذا النظام على المستوى الاجتماعي والاقتصادي توزيع الثروات والموارد بين الجهات والتضامن الاقتصادي فيما بينها وذلك بغية تقليص الفوارق والاختلافات، وبالتالي المساهمة في التصحيح والتخفيف من اللا مساواة التاريخية بين الجهات، كماهو الشأن بين شمال إيطاليا وجنوبها والمناطق الغنية والفقيرة في إسبانيا، وذلك من خلال إشراك المجتمعات المحلية في الموارد والثروات.

  أما ربط الجهوية الموسعة ومعطيات الواقع المغربي، فلازال البحث فيها يحتاج إلى الكثير من الدراسات والبحوث التي تتسم بالجدة والموضوعية لتلافي النقص الواضح في هذا المجال، لذا يأتي، هذا البحث، ليكون لبنة صغيرة في بناء يتطلب الكثير من الباحثين المهتمين. ورغم أن المقترح المغربي لتخويل المناطق الصحراوية حكما ذاتيا موسعا لسنة 2007، مجرد التزام سياسي، لم يطبق بعد، ولم يتفق على صيغته النهائية، باعتباره "أحادي الجانب"، مطروح للتفاوض في شأنه، فقد كان من المفيد البحث في مدى استجابة المقترح لمبادئ الديمقراطية، خصوصا وأن هذ المقترح مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا.

وتأسيسا على ذلك، جاءت، هذه الأطروحة، لبحث مدى مساهمة تجارب الجهوية الموسعة والحكم الذاتي بدول البحر الأبيض المتوسط في ترسيخ مبادئ الديمقراطية وقواعدها من قبيل: مبادئ التمثيل والمشاركة في المؤسسات المحلية والمركزية وحتى على المستوى الخارجي ومبادئ العدالة التوزيعية والتضامن لعلاج التفاوتات المجالية بين الجهات المتمتعة بالحكم الذاتي، بالإضافة إلى مدى اعترافها بالتنوع الثقافي.

لاسيما وأن الكثير من الأدبيات السابقة تركز على الجهوية من الزاوية الإدارية والقانونية وعلاقتها بالوحدة القانونية والسياسية والترابية للدولة وكيفية استثمار المغرب لتجارب الحكم الذاتي، وخصوصا التجربتين الإيطالية والإسبانية لبلورة مشروع الحكم الذاتي في جهة الصحراء، وبكيفية تنظيم التنوع الجهوي في إطار الدولة، ومدى سلطة المؤسسات الجهوية، والعلاقات بين مستويات الحكم.

وعليه، فإن الجديد الذي أتت به الأطروحة يتعلق بتسليط الضوء على تجارب الجهوية الموسعة والحكم الذاتي في إسبانيا وإيطاليا، استنادا إلى مبادئ الديمقراطية وقواعدها، ومدى استجابة المشروع المغربي للحكم الذاتي لهذه المبادئ.

إن موضوع الحكم الذاتي في علاقته بالديمقراطية، تناولته أغلب الدراسات في عناوين عابرة،  الشيء الذي جعل من المادة العلمية في الموضوع مادة تستلزم التنقيب في ثنايا فقرات البحوث والدراسات المختلفة تنقيبا تفصيليا. كما أن التركيز على النموذجين الإسباني والإيطالي، جعل الاستعانة بالمراجع الأجنبية أمرا لا مفر منه.

كما أن ما كتبه الفقه العربي بالمواضيع المتعلقة بالجهوية الموسعة في علاقتها بالديمقراطية على الرغم من أهميته لازال شحيحا، الأمر الذي تطلب مني أن أطوف بين مؤلفات القانون العام (القانون الدستوري والنظم السياسية) وأحيانا الرجوع إلى مؤلفات القانون الدولي العام والقانون الإداري بالإضافة إلى الاستعانة بالرسائل والأطروحات الجامعية والمجلات والبحوث ووثائق دستورية وقوانين والاعتماد على العديد من المصادر المترجمة إلى حد كبير.

       تمحورت إشكالية الأطروحة حول سؤال جوهري هو "إلى أي حد تساهم الجهوية الموسعة والحكم الذاتي في ترسيخ مبادئ الديمقراطية وقواعدها؟".

إن الإشكالية المطروحة في الأطروحة تخص سياقا مكانيا وزمنيا وموضوعيا، إذ جرى التركيز على التجربة الإسبانية بعد دستور 1978، والتجربة الإيطالية بعد دستور 1947، مع إفراد الاهتمام بمشروع الحكم الذاتي المغربي المقدم في 11 يناير 2007 ومدى إمكانية مساهمة هذه التجارب والمشروع المغربي (في حالة تطبيقه) في ترسيخ مبادئ الديمقراطية. ومن هذه الإشكالية تتفرع جملة من الأسئلة الفرعية وهي:

  • ماهي مساهمة تجارب الجهوية الموسعة والحكم الذاتي في توطيد مبادئ الديمقراطية؟ 
  • ما دور الجهوية الموسعة بنظام الحكم الذاتي في تجسيد مبدأ المشاركة ؟
  • ما دور الحكم الذاتي في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية الهوية والتنوع الثقافي للجماعات القومية والجهات؟
  • ما هي التحديات والإشكالات الجوهرية التي تواجه أنظمة الحكم الذاتي في ترسيخ مبادئ الديمقراطية؟
  •  ما تأثير العوامل الاقتصادية والقانونية في الحد من سلطة الحكم الذاتي؟
  • ما تداعيات الإشكالات السياسية على سلطة الحكم الذاتي؟

بناء على الإشكالية والأسئلة الفرعية المطروحة، فإن الفرضية التي استهدفت الأطروحة اختبارها هي: تساهم الجهوية الموسعة والحكم الذاتي، في التجربتين الإسبانية والإيطالية،  في توطيد مبادئ الديمقراطية وقواعدها، غير أنها لا تكتسب سمة النجاح بشكل قطعي ومطلق، على اعتبار أنها تصطدم بتحديات وإشكالات ذات طبيعة قانونية واقتصادية واجتماعية وسياسية، تجعل مساهمتها في ترسيخ مبادئ الديمقراطية تتسم بالنسبية، فهذا النجاح لا ينفي وجود إشكالات وتحديات تواجه الدول التي تطبق نظام الحكم الذاتي، وتتجلى من خلال تتبع تأثير العوامل السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية على أنظمة الحكم الذاتي على مستوى دولة المجموعات المستقلة الإسبانية ودولة الجهات الإيطالية، كما تؤثر عدة عوامل على تطبيق مشروع الحكم الذاتي المغربي كحل يقوم على المبادئ الديمقراطية.

اعتمد البحث لفك مختلف التساؤلات والفرضية على المنهج المقارن، والاستناد إلى المنهج القانوني المؤسسي، لتفكيك وتحليل أنظمة الحكم الذاتي، والاستعانة بروح المنهج التاريخي، كمنهج ثانوي لقراءة بعض الأحداث المرتبطة بالموضوع.

 وحتى نتمكن من ضبط عناصر الأطروحة، فقد احترم التقسيم الثنائي لفعاليته في الحفاظ على وحدة الموضوع، حيث قسم هذا العمل إلى قسمين رئيسيين:

خصص القسم الأول، لتناول الجهوية الموسعة ومدى مساهمتها في توطيد المبادئ الأساسية الديمقراطية من خلال فصلين، يتناول الفصل الأول مساهمة الحكم الذاتي في توسيع مشاركة المواطنين على المستوى المحلي والتي تستند على أساس دستور ديمقراطي ومبدأ حكم القانون في علاقة الجهة بالسلطة المركزية، حيث تتمتع المجموعات المستقلة بسلطات هامة على المستويات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية والقضائية، بل حتى المالية. والمشاركة من خلال أحزاب ومجتمع مدني محلي ، بالإضافة الى ماتقوم به المحكمة الدستورية كاليه لضمان الحكم الذاتي.

كما طبق الحكم الذاتي في إيطاليا بشكل واسع، وكأقصى درجات اللامركزية السياسية بتوزيع السلطة ومنح الجهات السلطة حتى أصبح النظام على مشارف الفيدرالية، حيث تم إحداث 20 جهة.  كما يقوم مشروع الحكم الذاتي المغربي على حق مشاركة المواطنين في تدبير شؤون جهة الصحراء من خلال هيئات الحكم الذاتي، تحظى بصلاحيات وإمكانيات مالية.

 أما الفصل الثاني، فيتناول الحكم الذاتي ودوره في تعزيز المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجهات، ومدى تطبيق مبدأ التوزيع العادل للثروات وتحقيق التنمية والتضامن والحفاظ على التنوع القومي. فلا شك أن النموذجين الإيطالي والإسباني، في موضوع الحكم الذاتي، يعتبران من الإجابات الرائدة التي سمحت بتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجهات في نطاق المقاربة الديمقراطية ، والتخفيف من الفوارق في الظروف الاجتماعية والاقتصادية بين المناطق الغنية والمناطق الغارقة في الفقر والبؤس،  وكذا الحفاظ على التنوع واحترام الخصوصيات الثقافية المحلية.

في حين خصص القسم الثاني، لدراسة تجارب الجهوية الموسعة بنظام الحكم الذاتي وتحدياتها وإشكالاتها في ترسيخ مبادئ الديمقراطية من خلال فصلين، تطرق الفصل الأول إلى تأثير العوامل القانونية والاقتصادية على أنظمة الحكم الذاتي كأنظمة ديمقراطية.

 أما الفصل الثاني، فيتناول التحديات والإشكالات السياسية لأنظمة الحكم الذاتي وأثرها على ترسيخ الديمقراطية، حيث تواجه أنظمة الحكم الذاتي تحديات سياسية مرتبطة بمحدودية مشاركة مناطق الحكم الذاتي على المستوى الوطني والخارجي على عكس ما تتمتع به مناطق الحكم الذاتي من مشاركة فعالة في توجيه الدولة الفيدرالية من خلال تواجدها في مختلف المؤسسات المركزية أو الاتحادية.

كما تواجه أنظمة الحكم الذاتي مشكلات سياسية مرتبطة بالمطالب الانفصالية الاستقلالية وكذا بشكل الدولة لبعض الجماعات والمناطق كالباسك والكتلان في إسبانيا، والجماعات القومية واللغوية في إيطاليا.  

لكن على العموم، تسهم تجارب الجهوية الموسعة والحكم الذاتي في النموذجيين الأوروبيين، موضوع البحث، في توطيد مبادئ الديمقراطية في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بيد أنهما لا يكتسبان سمة النجاح بشكل قطعي ومطلق، على اعتبار أنهما يصطدمان بتحديات وإشكالات قانونية واقتصادية وسياسية. 

وتوصل البحث إلى جملة من النتائج والخلاصات والتوصيات من أهمها:

- ضمان مبدأ المشاركة والتمثيل على المستوى المحلي من مشاركة في حكم منطقة الحكم الذاتي وتقريب المؤسسات المنتخبة إلى المواطن من خلال توسيع مشاركته في صنع القرار والمشاركة من خلال أحزاب ومجتمع مدني نشط، إذ يتم إشراك السكان في تدبير المجموعات المستقلة الإسبانية ومناطق الحكم الذاتي الإيطالي من خلال مؤسسات عبر انتخابات ديمقراطية، وممارسة سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية فعلية، وبالتالي إعادة توزيع السلطة السياسية والإدارية بين الهيئات المركزية وهيئات الحكم الذاتي وتجسيد مبدأ ديمقراطية القرب والمشاركة والمساهمة في القرار وفي تسيير الحياة العامة، فالحكم الذاتي أسلوب حكم ديمقراطي يقوم على إشراك المواطن في وضع السياسات العمومية على المستوى الترابي ليس فقط من خلال أليات الديمقراطية التمثيلية ولكن أيضا من خلال اليات الديمقراطية التشاركية وتجسيد مبدأ حكم القانون من خلال ما تقوم به  المحكمة الدستورية في توطيد مبدأ سيادة القانون والبت بشأن النزاعات الناشئة بين السلطات المركزية وجهات الحكم الذاتي ؛ مع عدم تدخل المؤسسة العسكرية في الشؤون السياسية.

- إن الحكم الذاتي شكل من أشكال الديمقراطية يتماشى مع الديمقراطية التمثيلية حيث يقوم على توزيع السلطة توزيعا يمنع تركيزها ويدرأ الحاكمين على الطغيان والاستبداد والانفراد بالقرار، ويجعل كل جهة محكومة ذاتيا؛

- إن الشعب هو مالك السلطة ومصدرها في نطاق الجهة المتمتعة بالحكم الذاتي في إيطاليا وإسبانيا، وارتكاز ممارسة السلطة في المجموعات المستقلة الإسبانية والجهات الإيطالية المتمتعة بالحكم الذاتي على أساس الدستور الديمقراطي.

- تجسيد مبادئ الإنصاف والعدالة التوزيعية والتضامن نسبيا، بتحويل جزء من السلطة المركزية ومواردها ومسؤولياتها للجهات، مما يسمح بزيادة المشاركة الشعبية في صنع القرار على المستوى الاقتصادي والاجتماعي من خلال توزيع الثروة والموارد لتحقيق التنمية، باعتبار الحكم الذاتي آلية لإصلاح مساوئ اللامساواة بين الجهات، وضمان إعادة توزيع الاعتمادات المالية الوطنية، على نحو أكثر إنصافا بين الجهات وتحسين الخدمات وتقليص الفوارق بين الجهات.

- تدبير التنوع اللغوي والثقافي والمجتمعي والتعايش السلمي عن طريق إنشاء نظام المجموعات المستقلة في إسبانيا والجهات العادية والخاصة في إيطاليا.

كما يتضمن مشروع الحكم الذاتي المغربي، كحل ديمقراطي، جملة من مبادئ الديمقراطية وقواعدها:

- ضمان حقوق ساكنة جهة الصحراء في المشاركة والتمثيل وحكم مجالها من خلال مؤسسات الحكم الذاتي، والمؤسسات الوطنية، حيث جاءت المبادرة لتمنح سكان الصحراء صلاحيات واختصاصات واسعة في الميادين التشريعية والتنفيذية والقضائية لتدبير شؤونهم المحلية وفق مبادئ وقواعد الديمقراطية. وبالتالي تحقيق الإنصاف السياسي، وتعزيز إدارة القرب ودمقرطة المؤسسات والأجهزة بالانتخاب والاقتراع العام المباشر وتوسيع المشاركة النسائية وتعزيز آليات الديمقراطية التشاركية؛

- مراعاة الحقوق الأساسية لسكان الجهة والحفاظ على خصوصية المنطقة وفتح أفاقا رحبة للبناء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتساكن المبني على التضامن الوطني؛

ومع ذلك، فثمة إشكالات وتحديات تواجه الدول التي تطبق هذا النظام من قبيل:

- تنامي المطالب الانفصالية الاستقلالية وشكل الدولة في بعض الجهات، والتي لم تنجح في تحقيق الاستقلال ؛

- إن تحقيق ديمقراطية راسخة ومستقرة تعتمد على وجود تجانس ثقافي كإحدى المتطلبات الضرورية لاستقرار الديمقراطية ورسوخها، وبالتالي فلا يمكن وجود هذه الحالة بشكل مطلق، حيث أن أغلب التجارب تقوم على أساس تعدد ثقافي وهوياتي؛

- محدودية مشاركة وتمثيلية المجموعات المستقلة الإسبانية ومناطق الحكم الذاتي الإيطالي على المستوى المركزي والخارجي؛

- تأثير العوامل الاقتصادية والقانونية على ترسيخ مبادئ الديمقراطية في النموذجين الإسباني والإيطالي ، ذلك إن ثمة ضغوط اقتصادية من القوميات على المستوى الداخلي، هذا فضلا عن تأثير الأزمات الاقتصادية العالمية والعولمة وسياسات الاتحاد الأوروبي على ترسيخ الحكم الذاتي الديمقراطي. فلا يعني تطبيق الجهوية الموسعة والحكم الذاتي القضاء النهائي واستئصال الفوارق الجهوية التي لا زالت قائمة في إيطاليا بين جهات الشمال الغنية المصنعة وجهات الجنوب الفقيرة، لكن الملاحظ هو أن هذه الفوارق قد خفت حدتها بشكل ملموس.

إن التحديات والإشكالات التي تواجه تطبيق الجهوية الموسعة بإسبانيا وإيطاليا تتطلب: - تعديل العلاقات بين السلطة المركزية والمجموعات المستقلة، لأن الدستور الإسباني لم يفسر الاحتياجات التي تتطور في المجموعات المستقلة مما يتطلب تعديلا دستوريا لتوضيح وتحديد العلاقات وإصلاح مجلس الشيوخ الإسباني والإيطالي ليكون غرفة لتمثيل المجموعات المستقلة والجهات، وتفعيل العلاقة بين الدولة والجهات من خلال هذا المجلس.

   -عدم تعديل المقتضيات الدستورية المتعلقة بحماية الأقليات والقوميات المتمركزة في مناطق الحكم الذاتي الإيطالي بدون موافقتها.

 ويواجه تطبيق مشروع الحكم الذاتي المغربي، كحل ديمقراطي لقضية الصحراء، عدة إشكالات وتحديات داخلية وخارجية ترتبط أساسا:

- بعدم استحضار البنيات القادرة على دعم المقترح خصوصا الدستورية والسياسية، ومدى اقتناع كل الفاعلين بالحكم الذاتي، باعتباره ممارسة وسلوك ديموقراطي وعملي؛

   - إن نظام الحكم الذاتي كحل ديمقراطي لنزاع الصحراء لا يقوم فقط على مؤسسات الحكم الذاتي ولا مشاركة الأحزاب السياسية بهذه الهياكل بل بمدى حضور مبادئ الديمقراطية في النخب المحلية،  فلا يمكن إقامة الحكم الذاتي بشكل ديمقراطي إلا عبر وجود أحزاب ديمقراطية تمارس الديمقراطية في أجهزتها.

  كما أن تطبيق مشروع الحكم الذاتي المغربي يتطلب مراجعة الدستور؛ والتنصيص على الحكم الذاتي في مقتضياته، ووضع الضمانات اللازمة لممارسته ولضمان حمايته؛ وقبل ذلك التوجه إلى كل الصحراويين سواء في الداخل أو الخارج للوصول إلى الاتفاق العام حول صيغة "الحكم الذاتي" حتى يصبح لهذا الحل السند الجماهيري من طرف كل المعنيين به؛

 - اعتماد هيكلة تنظيمية من طرف الأحزاب تعطي قيمة للجهات مما يمكن من فرز نخب جهوية جديدة قادرة على تحمل مسؤوليات الشأن العام الجهوي؛

- اعتبار موضوع الحكم الذاتي في الصحراء المغربية والدمقرطة المجالية ورشا مفتوحا للنقاش والحوار العمومي؛ كما يواجه مشروع الحكم الذاتي المغربي، كحل ديمقراطي لقضية الصحراء :

- إشكالات ترتبط بتحديد الإقليم والساكنة المعنية بالحكم الذاتي وإمكانية مطالبة باقي الجهات بالاستفادة من الحكم الذاتي أو تعميمه؛

- إشكالات ترتبط بالقانون الدولي ومواقف أطراف النزاع، والقوى الدولية المؤثرة في ملف الصحراء ووجود تحديات وإكراهات اقتصادية.

 

الآراء الواردة في الأطروحة تمثِّل صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز الجزيرة للدراسات.

للاطلاع على نص الأطروحة (اضغط هنا).

نبذة عن الكاتب