الإعلام والسلطة في الجزائر: واقع حرية الصحافة في عهد التعددية (1988 – 2012)

مقدمة

تشكل حرية الصحافة مطلبا أساسيا لكل المجتمعات، حيث تعتبر عند الدول الغربية سلطة رابعة؛ لعل تفضيل الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون لوجود صحافة بلا حكومة هو دلالة على المكانة التي تكتسيها الصحافة في أمريكا والدول الغربية.

تؤثر الصحافة على السلطة والرأي العام، باعتبارها سلاحا ذا حدين، فبقدر ما تساهم في تطور المجتمع إيجابا يمكنها التأثير عليه سلبيا من خلال طمس قيمه، قناعاته وتضليله. مما خلق منافسة شرسة لامتلاكها من طرف نخب ذات توجهات فكرية، وأيديولوجية، وثقافية، وسياسية واقتصادية متباينة، خاصة أصحاب الرساميل الضخمة الذين حولوها إلى سلعة أيديولوجية تخضع لسوق المال والربح المادي أكثر من كونها وسائل إخبارية وتوعوية وتربوية وتثقيفية.

تتولى السلطة مهمة تشريع قوانين إعلامية تلزم الصحافة بتطبيقها مع فرض عقوبات لمن يخالف ذلك كما تمنح لها الإمكانيات المادية والتقنية، بوصفها فاعل محوري ومشارك في تحديد مهام وأدوار الصحافة، باعتبارها ناقلة الأخبار وصانعة الرأي العام، إلا أن هذه الأدوار تختلف باختلاف الأنظمة السياسية.

تمتاز العلاقة بين السلطة والصحافة باللين تارة وبالتوتر تارة أخرى، وفق الأوضاع والظروف المحيطة بها. حيث تنتعش حرية الصحافة عندما يتوفر المناخ الديمقراطي والانفتاح الفكري وتنعدم في حال غياب الظروف الملائمة. أدت التعددية السياسية التي عرفتها الجزائر والتي تمخضت عن حوادث الخامس من أكتوبر 1988 إلى تعددية في العناوين الصحفية وتوجهاتها من خلال سن قانون 1990 للإعلام، الذي اعترف بحرية الصحافة، بخاصة بعد إقراره إنشاء عناوين صحفية خاصة. إذ أسفر سوق الصحافة المكتوبة في الجزائر عن ظهور كم هائل من العناوين الصحفية في فترات متباينة تنوعت ما بين يومية، وأسبوعية ودورية في سياق التعددية الإعلامية. لقد قاومت بعضا منها كل الظروف التي مرت بها الجزائر كما تمكنت من فرض نفسها في سوق الصحافة الوطنية، فيما اختفت عناوين صحفية أخرى اختفاء عن السوق الإعلامية الجزائرية لأسباب اقتصادية وسياسية. 

تطورت الصحافة المكتوبة في الجزائر بعد الاستقلال، إذ ظهرت صحف متنوعة من حيث الملكية والتوجه والصدور كما سنت سلسلة من النصوص القانونية التي تنظمها وتحدد أسس ممارستها. كما عايشت فترات اصطدمت فيها بعراقيل وضغوطات عديدة؛ كما انتعشت في فترة عٌرفت باسم "العصر الذهبي"، الذي لم يدم طويلاً بعد صدور قانون 90 للإعلام، الذي نص في مواده بإنشاء عناوين خاصة، ما صعب عليها القيام بمهمتها. وقد تبع هذا القانون صدور قوانين احتوت على مبادئ وقواعد تنظم مهنة الصحافة، لكن يبدو أن بعض العناوين الصحفية وقعت في انزلاق إعلامي، بشكل حرك السلطة لردعها؛ لذلك عرفت العلاقة بين السلطة والصحافة توترا لتتحول بعض منها من صحافة خبر ووعي إلى منابر للقذف، وارتكاب جرائم صحفية.

تحول دور الإعلام الجزائري منذ الاستقلال تدريجيا من عملية البناء، التشييد والتعبئة الجماهيرية لمساندة البرامج الحكومية إلى المطالبة بحرية التعبير في سياق التعددية الإعلامية من خلال التطرق إلى مختلف القضايا التي تهم الرأي العام (اجتماعية واقتصادية وسياسية)، لتخضع في الأخير إلى سلسلة من المتابعات القضائية المتعاقبة في ظل قانون العقوبات سنة 2001 الذي وضعته السلطة بهدف الحد من الانزلاق الإعلامي. كما ظهرت في الجزائر عدة مراسيم قانونية وسلسلة من مشاريع القوانين بدء من التسعينيات لغاية سنوات الألفين، إلا أنها لم تعرف صدوراً ولم تر النور.

يعود تاريخ المطالبة بحرية الصحافة في الجزائر إلى الثمانينات أو قبل ذلك بسنوات، إذ تزامن مع المطالبة بالاعتراف بالهوية الثقافية والحق في الإعلام وحرية التعبير والصحافة، حيث تعد رسائل القراء المنشورة في صفحات الصحافة الوطنية قبل فترة التعددية إحدى سبل النقد لبرامج السلطة لدعوتها ضمنيا إلى فتح مجال أكثر لحرية التعبير والنقد؛ فانتعشت الصحف الوطنية بعد إقرار التعددية وتعددت من حيث العناوين ولغة الصدور، لكن هذا التنوع لم يشمل المضامين التي لم تفلت بدورها من الرقابة.

عرفت الجزائر صدور ثلاثة قوانين عضوية للإعلام: قانون 82 للإعلام، وقانون 90 للإعلام، وقانون 2012 للإعلام، إضافة إلى سلسلة من مشاريع قوانين إعلام التي لم تر النور، إضافة إلى سن قانون العقوبات لسنة 2001، الذي أثار عدة ردود أفعال من طرف الأسرة الإعلامية، التي قابلته بالرفض والنقد، حيث اعتبرتها مواد عقابية تساهم في التضييق على حرية التعبير والصحافة.

الإشكالية

لا شك أن للصحافة دورا فعالا وأساسيا في الإخبار، وتكوين الرأي العام وبقية المهام الأخرى التي لن تتمكن من القيام بها دون توفر حرية الرأي والتعبير والصحافة مع ضمان حق الإعلام. بناء عليه، فما هو واقع حرية الصحافة في عهد التعددية في الفترة الممتدة من سنة 1988 لغاية 2012، في ظل التغيرات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها الجزائر؟

التساؤلات

  • ما هو واقع حرية الصحافة في الجزائر؟
  • فيما تتمثل مختلف المراسيم وقوانين الإعلام التي تنظم الصحافة المكتوبة في الجزائر؟
  • فيما تتجلى الجنح الصحفية المرتكبة بعد التعددية؟
  • ما هي طبيعة العلاقة بين السلطة والصحافة في الجزائر؟

الفرضيات

  • يعود تراجع حرية الصحافة في الجزائر بعد صدور قانون 1990 للإعلام إلى التجاوزات المهنية المرتكبة مع الاستغلال الخاطئ لمفهوم حرية الصحافة مع الحق في الإعلام وتطبيقاته.
  • ساهم قانون العقوبات لسنة 2001، في توتر العلاقة بين السلطة والصحافة في الجزائر إضافة إلى تحريك الصحفيين للمطالبة بسن قانون إعلام جديد يساير مختلف المستجدات المتعلقة بالمهنة الصحفية، فظهر قانون 2012 للإعلام.
  • تفاقم الجرائم الصحفية المرتكبة بعد فترة التعددية ناتج عن قضايا القذف، السب والإساءة مع نشر أخبار غير مؤكدة.
  • غموض قوانين الإعلام واستخدام الصحافة المكتوبة كمنابر لتحقيق مصالح غير مهنية سبب اضطرابا في علاقة الصحافة بالسلطة في الجزائر التي اتسمت حينا بالتعايش وبالصراع والتوتر حينا آخر. 

منهج الدراسة

اندرجت هذه الدراسة ضمن الدراسات المسحية والتاريخية.

أدوات جمع المعلومات

اعتمدت الدراسة على أداتي المقابلة والاستمارة.

أ - المقابلة

اعتمدت الدراسة على المقابلة نصف الموجهة، حيث أجرينا مقابلات مع مسؤولي ثلاث يوميات جزائرية. إضافة إلى عقد مقابلة مع محامي معتمد لدى المحكمة العليا بالجزائر ومع وكيل الجمهورية بولاية وهران وأساتذة أكاديميين بجامعة وهران1، وأحمد بن بلة، ومقابلة مع شخصية سياسية وإطار سابق بالدولة الجزائرية.

ب - الاستمارة

قمنا بتبويب محاور أسئلة الاستمارة، التي وزعت على الصحفيين العاملين بالصحف المدروسة، إلى ستة أبواب هي: بيانات أولية، بيانات عامة، حرية الصحافة في الجزائر، الممارسة الإعلامية للصحافة المكتوبة في الجزائر، الصحافة والسلطة في الجزائر، وأخيرا الصحفيين ونقابة الصحفيين الجزائريين. وزعنا 100 استمارة وتم استرجاع 61 استمارة. قدر العدد الإجمالي لأسئلة الاستمارة بعد التحكيم العلمي ب56 سؤالا، تفرعت إلى 08 أسئلة مفتوحة (أسئلة الرأي)، 23 سؤالا مغلقا (أسئلة الممارسة) و 25 سؤالا اختياريا (أسئلة المعرفة). قمنا بترجمة الاستمارة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية والتي وزعناها على صحفيي يوميتي El Watan و Le Quotidien d’Oran

اعتمدنا على تقنية SPSS في تحليل البيانات الميدانية وقمنا بترميز الأجوبة وترتيبها، ثم ترجمتها إلى نسب مئوية مع تبويبها في جداول تكرارية تجسدت في أشكال بيانية، بالإضافة إلى ربط المتغيرات وتقاطعها لتفسيرها كميا وكيفيا وصولا إلى تقديم إجابات على الأسئلة المطروحة.

ثبات التحليل وصدقه

انطلاقا من تطبيق معادلة هولستي (HOLESTY) في اختبارات الصدق والثبات، تحصلنا على 0.95 وهي نسبة جد مرتفعة من الثبات تعكس استجابة أسئلة الاستمارة لأهداف وإجراءات الدراسة.

حدود الدراسة

أ- الإطار الزمني

تمتد فترة الدراسة من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1988 لغاية يناير/كانون الثاني 2012، حيث وقع الاختيار على هذه الفترة لأنها حقبة زاخرة بالأحداث:

  • السياسية خاصة منها ظهور كل من: قانون 1990 للإعلام وقانون العقوبات سنة 2001، إضافة إلى مرسومي 3 مايو/أيار و3 يوليو/تموز 2006 اللذان صدرا عن الرئيس بوتفليقة، يتضمنان إجراءات العفو الرئاسي على الصحفيين المتابَعين في قضايا القذف ضد شخصه، إضافة إلى  سلسلة من مشاريع قوانين إعلام التي جُمِّدت كلها ولم تر النور، علاوة على المراسيم المنظمة لعلاقات الصحفي بالمؤسسات الإعلامية وقانون 2012 للإعلام.
  • الاقتصادية كخوض الجزائر تجربة اقتصاد السوق، الذي أثر بشكل كبير على قطاع الصحافة المكتوبة ملكية وممارسة.
  • الاجتماعية والمتمثلة في وعي الفرد والمجتمع بأهمية الصحافة وتأثيرها، وحرية التعبير والرأي.

ب- الإطار المكاني

أٌجريت الدراسة في ولايتي وهران والجزائر (العاصمة).

مجتمع البحث

تمثل مجتمع البحث في ثلاث يوميات، هي: يومية الخبر كأّول يومية خاصة عرفت ظهورا بعد التعددية، تصدر باللغة العربية، ويوميتي El watan و Le Quotidien d’Oran الصادرتان باللغة الفرنسية. فيما شكل الصحفيون العاملون بهذه الجرائد ومسؤولوهم مجتمع البحث. 

استند اختيارنا لمجتمع البحث على عدة معايير:

  • معيار تنوع اللغة (العربية والفرنسية).
  • معيار السحب.
  • معيار الأقدمية (من أوائل الصحف ظهورا إلى سوق الصحافة الوطنية بعد فترة التعددية ولا زالت مستمرة لغاية اليوم).

عينة الدراسة

شملت عينة الدراسة 31 صحفيا من يومية الوطن، 22 صحفيا من يومية الخبر و 08 صحافيين من يومية Le Quotidien d’Oran، ليبلغ العدد الإجمالي من الصحفيين الذين تفاعلوا مع الاستمارة حوالي 61 صحفيا.

عالجت هذه الدراسة تاريخ حرية الصحافة في الجزائر ومدى مساهمة التغير السياسي في تغير المشهد الإعلامي، إلى جانب عرض واقع حال حرية الصحافة في عهد التعددية خلال الفترة 1988-2012. حيث انقسمت إلى قسمين، نظري وتطبيقي، توزعا عبر سبعة فصول مدعمة في الفصل التطبيقي بجداول إحصائية تجسدت في أشكال بيانية، انتهت بخاتمة واستنتاجات مع طرح توصيات في الأخير.

اعتمدت الدراسة على بيبلوغرافيا شملت 188 مرجعا توزع ما بين كتب، وقواميس، ومجلات، وأطروحات، ورسائل جامعية، إلى جانب محاضرات، ومقالات جرائد، بالإضافة إلى مقابلات ميدانية مع مواقع الكترونية؛ كما أدرجت باب شمل ثلاثة ملاحق وهي: استمارة الاستبيان الموزعة على الصحفيين، جداول تعليق وتوقيف الصحف خلال فترة التسعينيات مع ملحق خاص بالجداول التكرارية للصحف المدروسة مرقمة من 1 إلى 68.

فصول الدراسة

احتوت الأطروحة على سبعة فصول توزعت في قسمين:

أولا: القسم النظري

الفصل الأول: واقع حرية الصحافة في الجزائر

الفصل الثاني: علاقة السلطة بالصحافة في الجزائر

الفصل الثالث: نقابة الصحفيين الجزائريين وأخلاقيات الصحافة المكتوبة في الجزائر

ثانياً: القسم التطبيقي

الفصل الرابع: رأي الصحافيين حول حرية الصحافة في الجزائر

الفصل الخامس: رأي الصحفيين حول علاقة الصحافة بالسلطة في الجزائر

الفصل السادس: رأي الصحفيين حول النقابات الصحفية في الجزائر

الفصل السابع: تحليل البيانات وفق متغير الصحف يوميات مجتمع البحث.

تضمنت الدراسة في الأخير خاتمة وتوصيات مع قائمة المراجع والملاحق.

الخاتمة

إن دراسة حرية الصحافة في الجزائر أصبحت اليوم أكثر من أي وقت مضى مطلبا ملحا، باعتبارها تعكس واقع الممارسة الصحفية في ظل السياسات الإعلامية والقوانين المؤسسة لفترة ما بعد التعددية السياسية والإعلامية. إذ خلصت الدراسة، انطلاقا من المعطيات التي جمعت في الميدان، إلى ما يلي:

  • تعد الصحافة المكتوبة في الجزائر بعد فترة التعددية الإعلامية صحافة خاصة وليست مستقلة، لمعاناتها من مشكل التمويل، كما أن معظمها مؤيدة للسلطة، بعضا منها فقط كانت موضوعية. فيما يعود الفضل الكبير، حسب عينة الدراسة، إلى السيد مولود حمروش الذي فتح باب التعددية الإعلامية، التي ما هي سوى ازدواجية العناوين الصحفية كون التعدد لا يتعدى لغة الصدور، والتوجه السياسي والملكية، لتظل المضامين في مجملها متشابهة وذات خطاب إعلامي متقارب.
  • تعتبر حرية الصحافة في الجزائر بعد فترة التعددية حرية نسبية تعكس تجربة متوسطة للعمل الصحفي الحر، باعتبارها ليست سوى "واجهة وصورة الجزائر في الخارج"، ما دامت "سبل الوصول إلى مصادر المعلومات مقفلة"، نظراً لمعاناة الصحف من شح المعلومات، كإحدى أشكال التضييق على الممارسات الصحفية، لذلك قدم الصحفيون نظرة تشاؤمية حول مستقبل حرية الصحافة في الجزائر، في كونه مستقبلا تجاريا بحتا للحريات والصحافة معا.
  • إن الحق في الإعلام هو بمثابة الحق في معرفة الأمور السياسية؛ فيما تشكل الموضوعية المعيار الرئيسي في العمل الصحفي في الصحف، عينة الدراسة، باعتبارها واجهة السياسات التحريرية لليوميات الثلاث، وتعد الرقابة، بالنسبة لعينة الدراسة، بمثابة تقييد للعمل الصحفي.
  • يميز الصحفيون بين القذف، والسب والإساءة، حيث لاحظوا التجاوزات المرتكبة من قبل بعض العناوين الصحفية، التي اعتبروها أخطاء مهنية، وهو ما يستوجب ضرورة التحلي بالأخلاقيات والسلوكيات المهنية، والعرفية والأخلاقية، باعتبار المجتمع الجزائري مجتمع محافظ. وبالتالي فالصحفي يدرك جيدا أن القارئ هو رأسماله لذلك لا يتجرأ على التمرد على العرف والأخلاق خلال أدائه المهني. لذلك يؤكد الصحفيون، عينة الدراسة، التزامهم بسياسة تحرير الجريدة، التي اتخذوها معيار العمل الصحفي، في ظل احترام ذهنية وقيم المجتمع أثناء المعالجة الإعلامية لمختلف الأحداث التي يتطرقون إليها من جهة، ولارتباط حرية الصحافة بالأخلاقيات والمسؤولية وشخصية الصحفي من جهة مع طبيعة المؤسسات الإعلامية من جهة أخرى.
  • يشجع قانون 2012 للإعلام حرية الصحافة في الجزائر، حسب عينة الدراسة، التي اقترحت تعديلا جزئيا لنصوصه، كونه لم يمنح بعد حريات أكبر للممارسة الإعلامية. في المقابل اعتبر الصحفيين قانون 2001 للعقوبات قانون قسري وقانون العقوبات لسنة 2012 بمثابة تهديد للمؤسسات الصحفية، كونه يوقعها في الإفلاس المالي، ما يستوجب مراجعته. 
  • علاقة السلطة بالصحافة في الجزائر هي علاقة متنافرة نظرا للمفارقة بين النصوص القانونية والإرادة السياسية، التي تتمظهر في مختلف الخطابات الرسمية وكذلك في سلوك الصحافة تجاه هذه الأخيرة. وفي سلوك السلطة السلبي تجاه الصحافة المكتوبة كمؤشر على جملة من المضايقات التي تعاني منها الصحافة الخاصة: كمنعها من الإشهار العمومي -بشهادة صحافييها- وهو حال يوميتي الوطن والخبر، مما يعكس مكانة الحريات عامة وحرية الصحافة في الجزائر خاصة. لذلك لابد من وضع استراتيجية تنظم الصحافة بالتعاون مع السلطة القضائية ووضع حد للتوتر بين السلطة والصحافة "المزمن"، إضافة إلى ضرورة تأسيس مجلس أخلاقيات المهنة لتنظيم الصحافة في الجزائر.
  • يعود عدم امتلاك معظم الصحفيين البطاقة المهنية لعدم اكتراثهم بها لذلك فهم لا ينتمون إلى أي نقابة – الغائبة - حسب تقديرهم- عن الميدان كون مسارها ضعيف. نظرا للاختلاف القاعدي لهياكلها وللخلاف الأيديولوجي والسياسي لممثليها، إضافة إلى غموض ظروف وطابع نشأتها، مما قضى على فعاليتها في الميدان. لذا دعا معظم الصحفيين إلى التفكير في إعادة هيكلتها، فيما يرى آخرون أنه لا تحسين لها في الأفق ما دام الخلاف الأيديولوجي والمصالح المتضاربة قائمين.
  • وٌظفت بعض العناوين الصحفية الخاصة في الجزائر كمنابر "للوبيات" خفية بهدف تصفية حسابات صٌنفت "شخصية" بعيدا عن المعايير المهنية الصحفية، لذلك فهي لا تزال في رحلة بحث عن مكانة لها في الساحة الوطنية وبالتالي لا تعتبر بمثابة سلطة رابعة.

التوصيات

انطلاقا من الدراسة التي أنجزت يمكن اقتراح التوصيات التالية:

- ضرورة فتح قنوات الوصول إلى مصادر المعلومات بشكل عادل أمام كل العناوين الصحفية، لتجنب نشر مواضيع غير مهنية.

- إقرار حرية الصحافة يقابله التحلي بالمسؤولية، لذا يستلزم على السلطة وضع سياسة إعلامية بالتعاون مع الصحافة.

- يستوجب تعديل مواد قانون 2012 للإعلام لمسايرة المستجدات المتعلقة بالمهنة ولتدارك ما ورد فيه من غموض وقابليتها للتأويل.

- إسناد مهمة تنظيم وتسيير الصحافة في الجزائر إلى مجلس أخلاقيات المهنة بدلا عن وزارة الإعلام، وبالتالي يجب تأسيسه بشكل استعجالي للقضاء على الانحراف الإعلامي.

- إجبارية امتلاك البطاقة المهنية التي تعطي الصحفي الصفة القانونية لأدائه المهني.

- وضع قانون خاص بالنقابات الصحفية في الجزائر الذي يحدد إجراءات وشروط ومدة استحداثها، سواء الخاصة بكل مؤسسة إعلامية على حدة أو المتعلقة منها بالنقابة الوطنية للصحفيين الجزائريين.

- وضع ميثاق أخلاقي موحد خاص بالصحفيين الجزائريين لكل المؤسسات الصحفية، وإكسابه سمة الإلزامية من خلال التوقيع عليه من طرف الصحفي قبل المباشرة في العمل، والذي من شأنه تليين العلاقة بين السلطة والصحافة.

     نرجو في ختام هذه الدراسة، أن نكون قد ساهمنا في إظهار بعضا من جوانب الممارسة الصحفية وواقع حال حرية الصحافة في الجزائر بعد التعددية، التي من المؤكد أنها غير كاملة والتي يمكنها أن تكون فاتحة لدراسات مماثلة مستقبلا.

  • الآراء الواردة في هذه الدراسة تُعبِّر عن كاتبها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز الجزيرة للدراسات.
  • للاطلاع على النص الكامل أطروحة الدكتوراه (اضغط هنا)
  • يمكن للباحثين الآخرين الراغبين في إرسال أطروحاتهم للنشر إرسالها عبر البريد الإلكتروني التالي: ajcs-publications@aljazeera.net

نبذة عن الكاتب