المقدمة
تستند فكرة التحول إلى اقتصاد السوق الحرة إلى مفهوم الاقتصادي "شومبيتر"، والمبنية على فكرة (الهدم - البناء). وهذا المفهوم يستند إلى التمييز بين نظامين: الأول تتركز فيه الملكية والإدارة بيد الدولة، والثاني يعمل على تفتيت هذه الملكية، وتغيير الإدارة وإعادة توجيه، وتخصيص شامل للموارد (عمليات تكيف وبناء). وقد لاقت تلك الأفكار قبولًا واسعًا من الدول، والمؤسسات المالية الدولية.
وكان الاتجاه السائد للسياسات الاقتصادية في العديد من دول العالم هو تقليل الحواجز أمام التجارة والاستثمار الأجنبيين، وبيع الشركات المملوكة للدولة للقطاع الخاص، وتشديد الممارسات المالية والنقدية. في مقال رئيس في عام 1990م، وصف الاقتصادي (جون ويليامسون) حزمة السياسات هذه بأنها "إجماع واشنطن"، بسبب دعمها من قبل وزارة الخزانة الأمريكية والمؤسسات المالية الدولية التي تتخذ من واشنطن مقرًّا لها (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية للبلدان الأمريكية). يتكون الإجماع المفصل من قبل ويليامسون من عشر سياسات للإصلاح الاقتصادي. وأكدت السياسات على استقرار الأسعار لإعادة البلدان النامية إلى طريق النمو المستدام، وتدابير التكيف الهيكلي لجعل الاقتصادات أكثر كفاءة وتنافسية. كان توقيت صياغة إجماع واشنطن متزامنًا مع الانهيار المفاجئ للنظام السوفيتي. وأدَّت الإخفاقات إلى فقد الأمل في الأفكار الاشتراكية والتخطيط المركزي، الذي ساد العديد من البلدان النامية خارج الكتلة السوفيتية، مع وجود حاجة ملحة وواسعة النطاق لمجموعة بديلة من الأفكار حول كيفية تنظيم الحياة الاقتصادية والسياسية.
قام (فيشر) وجلب عام ١٩٩١م بتحديد الخطوط العريضة للتحول إلى اقتصاد السوق الحر، وتمثلت في ثلاثة خطوط، والتي أطلق عليها مراحل الإصلاح:
- تحرير الاقتصاد.
- مرحلة تثبيت الاقتصاد الكلي: وتهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المستوى الكلي، وعلى المدى القصير، وذلك باحتواء الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية.
- مرحلة التصحيح الهيكلي.
وذلك وفق إجراءات على المدى الزمني المتوسط والطويل. وتأتي السياسة النقدية ضمن حزمة إجراءات التثبيت والتكيف الهيكلي التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار على المدى الزمني القصير والمتوسط. وقد لجأت العديد من الدول النامية إلى تلك الحزمة من الإجراءات الإصلاحية ضمن التحول نحو اقتصاد السوق، مع تزايد الصدامات الاقتصادية الخارجية والداخلية بهدف الخروج من المشكلات الاقتصادية التي تعرضت لها تلك الدول، وخاصة:
- ارتفاع حجم الديون الخارجية.
- تزايد عجز الموازنة العامة.
- الاختلالات في ميزان المدفوعات خاصة الميزان التجاري.
واضطرت تلك الدول لاتخاذ العديد من الإجراءات الإصلاحية، كان أكثرها تأثيرًا وأهمها في مجال السياسة النقدية، فقامت بتخفيض سعر الصرف، والاتجاه نحو أدوات السياسة النقدية غير المباشرة، بهدف إعادة التوازن الداخلي والخارجي، وتحقيق الاستقرار النقدي (استقرار الأسعار) بالوصول إلى معدل تضخم منخفض. ومع تطبيق تلك الإصلاحات على مدى ثلاثة عقود، لم يتحقق هدف الاستقرار النقدي أو إزالة تلك الاختلالات، ولم يؤدِّ تحرير سعر الصرف إلى إعادة التوازن الخارجي وتحسين ميزان المدفوعات؛ مما تطلب البحث عن نموذج تنموي قادر على تحقيق الاستقرار الحقيقي، وذلك عن طريق التوازن بين الاقتصاد العيني، والاقتصاد النقدي، ويسلتزم ذلك ارتباطًا متزامنًا ومتناسقًا بين التيار السلعي والتيار النقدي، وتحقق السياسة النقدية في الفقه الإسلامي ذلك الاستقرار والتوازن بما تقوم عليه من اعتبار أن النقود لها وظائف محددة لا تخرج عنها، وليست محلًّا للتجارة، فلا بد أن يقابل التيار المالي تيار مقابل من السلع والخدمات، ولا يُشرع في الإسلام توليد الأرباح من خلال النقود أو التيارات المالية ونحوها. قال ابن القيّم :"وَيَمْنَعُ مِنْ جَعْلِ النُّقُودِ مَتْجَرًا، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يُدْخِلُ عَلَى النَّاسِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللهُ، بَلْ الْوَاجِبُ: أَنْ تَكُونَ النُّقُودُ رُءُوسَ أَمْوَالٍ، يَتَّجِرُ بِهَا، وَلَا يَتَّجِرُ فِيهَا"، أي سلعة تباع وتشترى، كما أن السلطة النقدية في الفقه الإسلامي يقع على عاتقها هذا الواجب، بما يحقق الاستقرار النقدي الذي تهدف إليه السياسة النقدية.
أسباب اختيار الموضوع
ومما دفعني لاختيار هذا الموضوع عدة أسباب، من أهمها:
- اعتبار المسائل النقدية من أهم المسائل الجديرة بالبحث والدراسة في مجال الاقتصاد.
- ارتباط السياسة النقدية ارتباطًا وثيقًا بكافة السياسات الاقتصادية.
- اهتمام المؤسسات المالية الدولية بالإصلاحات النقدية والتركيز عليها خلال مرحلة التحول الاقتصادي؛ حيث تعتبر الإصلاحات النقدية المحور الرئيس لنموذج العلاج بالصدمة.
- ضعف النتائج التي تترتب على برامج التحول، وضرورة البحث عن نموذج تنموي يحقق الرفاه لكافة أفراد المجتمع.
- الدور الأساسي للنقود في تحقيق التوازنات المالية والاقتصادية.
- إثراء المكتبة الاقتصادية بدراسة تبرز دور الشريعة الإسلامية في حفظ النظام الاقتصادي واستقراره.
- دراسة الوسائل والبدائل الشرعية في مجال السياسة النقدية التي يمكن أن تصحح الاختلالات القائمة في الأنظمة الوضعية.
أهمية الدراسة
- تظهر أهمية الموضوع من خلال الدور المهم للسياسة النقدية في تحقيق الأهداف الاقتصادية الكلية.
- بيان تجارب الدول الناجحة فيما يتعلق بالسياسات النقدية المتبعة خلال مرحلة التحول الاقتصادي، والاستفادة منها فيما يتعلق بالنموذج المصري.
- الحاجة الماسة إلى دراسات تبيِّن أوجه الخلل في الأنظمة الاقتصادية الوضعية في البلدان النامية وأثناء التحول الاقتصادي.
- الدور المهم للسياسة النقدية في المحافظة على نظام مصرفي قوي وفعال قادر على توجيه الموارد المالية إلى قطاعات وأنشطة تحقق المصلحة العامة، والمصلحة الفردية على حد سواء.
أهداف الدراسة
- دراسة الدور الفعال للسياسة النقدية في الفقه الإسلامي، والذي يظهر بصورة واضحة في تحول العديد من الدول إلى أدواتها الشرعية، خاصة خلال الأزمات المالية، سواء في ذلك الدول الإسلامية أو الدول الغربية.
- التعرف على أبرز السياسات النقدية التي لجأت إليها بلدان التحول الاقتصادي، وما تشتمل عليه من أدوات. وهل نجحت تلك البلدان، من خلال السياسات النقدية المطبقة، في تحقيق أهم أهدافها وهو الاستقرار النقدي، وهل تحقيق ذلك الهدف دليل على نجاح نموذج التحول الاقتصادي.
- كيف يمكن الخروج على ذلك النموذج أو تعديله، بإدراج أدوات نقدية بديلة كفيلة بتحقيق الأهداف الاقتصادية في حال فشلت الأدوات القائمة.
- إبراز الدور الفعال الذي يؤديه القطاع المصرفي في توجيه الائتمان إلى القطاعات التي تُمكِّن من تحقيق الأهداف الاقتصادية الكلية، خاصة تحقيق معدلات نمو مرتفعة، والقضاء على البطالة، وليس مجرد التحكّم في المعروض النقدي.
- استعراض البدائل الشرعية في مجال التمويل المصرفي؛ حيث يُسهم التمويل الحقيقي الكفء في تحقيق التنمية ويدعم الفعالية والاستقلالية للسياسة النقدية والسلطات القائمة على تنفيذها.
- بيان أن الاستقرار النقدي، والتوازن الاقتصادي (الداخلي والخارجي) وغيرهما من الأهداف الاقتصادية لا تتوقف فقط على فعالية السياسة النقدية، بل تتوقف على فعالية ومرونة الجهاز الإنتاجي.
حدود الدراسة
هناك حدود زمانية وحدود مكانية للدراسة، أما الحدود المكانية، فتناولت الدراسة تطورات السياسة النقدية وأدواتها في مصر، والحدود الزمانية هي فترات التحول الاقتصادي بداية من تسعينيات القرن العشرين وحتى 2020م.
فرضيات الدراسة
- تفترض الدراسة مساهمة السياسة النقدية في تحقيق الأهداف الاقتصادية العامة.
- تعد الفائدة عنصرًا أساسيًّا في الاقتصاد الرأسمالي.
- تعد النقود مصدرًا أساسيًّا في ضبط الاقتصاد وتوازنه.
- الهدف النهائي لكلٍّ من التحولات الاقتصادية والنماذج التنموية واحد؛ وهو تحقيق الرفاه لكل فرد في الدولة.
- عملية التحول وتمويل التنمية خلال تلك المرحلة متكاملان تكاملًا وثيقًا، وإن كانت المسارات مستقلة.
- النماذج التي طرحت للتحول الاقتصادي هي في الأصل نماذج للتغلب على الأزمات التي مرت بها بلدان التحول وكانت تلك الأزمات من أسباب التحول، وبالتالي فإن تدابير السياسة النقدية في الحالتين تكاد تكون متماثلة.
صعوبات الدراسة
- تشعب الموضوع وأبعاده المتعددة؛ حيث كل جانب من جوانب البحث تستلزم دراسة مستقلة مما انطوى على صعوبة حصر كافة الجوانب بصورة مفصلة.
- اشتمال الدراسة على جانب تطبيقي، مع فترة زمنية طويلة نسبيًّا.
- الجدل الواسع حول عدد من المسائل التي تناولتها الدراسة، خاصه ما يتعلق بدور سعر الفائدة في الاقتصاد.
- اختلاف الفكر الاقتصادي حول مدى فعالية السياسة النقدية في تحقيق الأهداف الاقتصادية.
إشكالية الدراسة
تلعب السياسة النقدية دورًا رئيسًا خلال مرحلة التحول الاقتصادي، ويعتبر نجاح السياسة النقدية، باختيار الأدوات النقدية الفعالة، محورًا من محاور نجاح السياسة الاقتصادية في تحقيقها أهدافها.
ويتفرع عن ذلك التساؤلات التالية:
- كيفية رسم ذلك النموذج الانتقالي بما يشتمل عليه من سياسات نقدية، وضرورة التنسيق بين كافة السياسات الاقتصادية الداعمة للسياسة النقدية.
- كيف يمكن للسياسة النقدية في الفقه الإسلامي أن تدخل مجال التطبيق مع الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها الدول الإسلامية؟
- هل نجحت السياسة النقدية وأدواتها خلال مرحلة التحول في تحقيق الأهداف الاقتصادية والنقدية؟
- هل يمكن اقتراح نموذج تنموي واحد صالح للتطبيق خلال مرحلة التحول الاقتصادي على كافة البلدان مع اختلافها في الخصائص الاقتصادية والموارد المالية والبشرية؟
- بيان مدى نجاح السياسات النقدية في مصر خلال التحول الاقتصادي في تحقيق أهم أهدافها وهو هدف الاستقرار النقدي.
- هل حققت سياسة استهداف التضخم في مصر نجاحًا للسياسة النقدية في تحقيق الفعالية المقصودة؟
الدراسات السابقة
- دراسة وليد مصطفى شاويش، بعنوان: "السياسة النقدية بين الفقه الإسلامي والاقتصاد الوضعي"، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ٢٠١١م.
وتناولت دور السياسة النقدية وأهدافها الاقتصادية وأدواتها في الاقتصاد الوضعي مع مناقشتها من الناحية الشرعية، وبيان البديل الشرعي عند حرمة الأداة النقدية الوضعية. فهي أقرب لتبادل الجانب الشرعي، ولم تتناول السياسة النقدية خلال مرحلة التحول الاقتصادي، أو دراسة تطور السياسة النقدية في مصر في أي مرحلة تاريخية.
- دراسة صلاح الدين محمد بعنوان: "فعالية السياسة النقدية في تحقيق المربع السحري لكالدور في الجزائر".
تناولت الدراسة تعريفًا للسياسة النقدية وأدواتها في الجزائر خاصة الأدوات غير المباشرة، وقامت الدراسة بتقييم السياسة النقدية المطبقة، ومدى فعاليتها في تحقيق أهداف مربع كالدور، وتوصلت الدراسة إلى محدودية فعالية السياسة النقدية، ما عدا هدف التضخم والحفاظ على الأسعار في حدود منخفضة، وضعف فعاليتها فيما يتعلق بالأهداف الأخرى، وأهمها النمو الاقتصادي.
- دراسة الباحثة شيماء طه إبراهيم غالي، بعنوان: "مدى فعالية السياسة النقدية في تحقيق المربع المثالي لكالدور في مصر".
وتناولت دور السياسة النقدية في مصر في تحقيق الأهداف النهائية للسياسة النقدية، والمتمثلة في أهداف مربع كالدور، وذلك من خلال دراسة أدواتها وقنوات انتقالها وآليات عملها وانتقال الآثار على كل من التضخم، والبطالة، والنمو، وميزان المدفوعات في مصر منذ فترة صدور قانون البنك المركزي رقم (٨٨) لسنة 2003م، وتعرضت الباحثة لعدد من التجارب الدولية كالجزائر، ماليزيا، السعودية، ولم تتناول السياسة النقدية من الناحية الشرعية.
منهجية الدراسة
جمعت الدراسة بين عدد من مناهج البحث: اتبعت المنهج الوصفي التحليلي بتعريف السياسة النقدية، وأهدافها، وأدواتها في الاقتصاد الوضعي والفقه الإسلامي، وصولًا لمعرفة مدى نجاح السياسة النقدية في تحقيق الأهداف الاقتصادية، كذلك تم الاستعانة بالمنهج الوصفي والتاريخي، حيث تم رصد السياسة النقدية في مصر خلال العقود الأخيرة مع وصف مضمونها، وخصائصها، وأنواعها، كما تم استعراض الاتفاقات مع المؤسسات الدولية في إطار التحول الاقتصادي، وتم الاستعانة بالمنهج المقارن لدراسة أوجه الاتفاق والاختلاف بين الاقتصاد الوضعي والإسلامي.
خطة البحث
جاء هذا البحث في مقدمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة، وفهارس، على النحو التالي:
الباب الأول: الإطار النظري لفعالية السياسة النقدية والتحول الاقتصادي في الاقتصاد الوضعي والفقه الإسلامي، وفيه فصلان:
- الفصل الأول: الإطار النظري لفعالية السياسة النقدية في الاقتصاد الوضعي والفقه الإسلامي.
- الفصل الثاني: ماهية التحول الاقتصادي ومشكلاته، وأثر ذلك على فعالية السياسة النقدية في الاقتصاد الوضعي والإسلامي.
الباب الثاني: أهداف السياسة النقدية وفعالية أدواتها خلال مرحلة التحول الاقتصادي، وفيه ثلاثة فصول:
- الفصل الأول: أهداف السياسة النقدية خلال مرحلة التحول الاقتصادي.
- الفصل الثاني: فعالية أدوات السياسة النقدية التقليدية خلال مرحلة التحول الاقتصادي. في الاقتصاد الوضعي والفقه الإسلامي.
- الفصل الثالث: فعالية السياسات النقدية غير التقليدية خلال مرحلة التحول الاقتصادي.
الباب الثالث: مقومات فعالية السياسة النقدية خلال مرحلة التحول الاقتصادي مع دراسة النموذج المصري، وفيه فصلان:
- الفصل الأول: مقومات فعالية السياسة النقدية في الاقتصاد الوضعي والفقه الاسلامي.
- الفصل الثاني: فعالية السياسة النقدية في مصر خلال مرحلة التحول الاقتصادي.
الخاتمة: وتشمل النتائج والتوصيات.
الخاتمة
بعد دراسة الموضوع تبيَّنَت النتائج التالية:
- النموذج التنموي الناجح لا يتعلق بفعالية السياسة النقدية فقط ولا السياسة المالية فقط بل يجب التنسيق بين كافة السياسات الاقتصادية والتركيز على هيكل الإنتاج.
- استقرار سعر صرف العملة أهم أهداف السياسة النقدية؛ إذ يؤدي تقلب سعر الصرف وعدم استقراره إلى بيئة غير ملائمة للاستثمار المحلي والأجنبي على حد سواء.
- الفائدة الربوية لها دور كبير في سوء تخصيص الموارد وإهدارها.
- ارتفاع حجم الدين العام (المحلي - الأجنبي) يؤثر في ضعف فعالية السياسة النقدية، ويقلل من استقلالية البنك المركزي.
- النظام الاقتصادي الرأسمالي يسهم في مزيد من سوء توزيع الدخول والثروات، كما أنه لا يراعي اعتبارات العدالة والكفاءة، عكس ما يروِّج له رجال الفكر الاقتصادي الرأسمالي، وبالتالي يحمل في داخله عوامل ضعفه؛ بإهمال قطاع عريض من السكان سواء فيما يتعلق بتوزيع الدخول أو توفير الحماية الاجتماعية.
- ضعف فعالية السياسة النقدية في مصر أدى إلى عدم تحقيق أهم الأهداف الاقتصادية؛ لأن مجرد التحكم في المعروض النقدي لا يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.
- البدائل الشرعية للمعاملات المحرمة في مجال السياسة النقدية كفيلة بتحقيق الأهداف الاقتصادية، وتجنب الأزمات، وعلاجها بعد وقوعها.
- مشكلة الاقتصاد المصري لا تقتصر على نجاح السلطة النقدية في اختيار السياسة النقدية وتحقيق الاستقلالية، بل تتعدد تلك المشكلات، وحلها يكمن في علاج الاختلالات الهيكلية، والاهتمام بالقطاعات الإنتاجية، ولا يتحقق ذلك إلا بالاعتراف للدولة بدور مهم في النشاط الاقتصادي، والتخصيص الأمثل للموارد في ضوء احتياجات كافة الأفراد.
- إن تحقيق الاستقرار ينعكس على القطاع المالي، حيث يمكن البلدان من تحقيق نمو مالي حقيقي وأكثر قوة، كما أن استقرار مستوى الأسعار المحلية شرط ضروري؛ لتحقيق درجة مرتفعة من النماء المالي الحقيقي دون الدخول في مخاطر.
- يصعب تحقيق استقرار نقدي في الاقتصاديات الناشئة المعرّضة لتلقي الأموال الساخنة مع موجات الأموال التي تتدفق دخولًا وخروجًا.
- هناك دائمًا رابط وثيق بين التدفق المالي والإنتاجية، وتسهم هذه الخاصية الجوهرية للتمويل الإسلامي في عزلها عن المخاطر المحتملة الناتجة عن الرافعة المالية الزائدة، والأنشطة المالية القائمة على المضاربة، التي هي جزء من الأسباب الجذرية للأزمات المالية التي تمر بها النظم الاقتصادية الوضعية، وخاصة النظام الاقتصادي الرأسمالي.
- أوضحت الأزمات المالية المتلاحقة داخل النظام الرأسمالي أن التفاعل بين القطاع المالي والاقتصاد الكلي يعني ضمنًا أن السياسة النقدية وسياسة الاستقرار المالي مترابطتان بشكل وثيق.
التوصيات
- يجب أن يكون نموذج العمل الجديد للتحول في النظام المصرفي قائمًا على معاملات خالية من الفائدة الربوية، بل يقوم على مشاركة الأرباح والخسائر عمليًّا في النظام المالي. وبالتالي يجب على المؤسسات المالية والقطاع المصرفي تشجيع الأعمال والأنشطة التجارية التي تحقق ربحًا عادلًا وشرعيًّا، ففي التمويل الإسلامي رابط وثيق بين التدفق المالي والإنتاجية.
- ضرورة الأخذ بالأحوط بكل ما يتعلق بالربا، وعلى المسلم أن يتقي الشبهات استبراءً لدينه وعرضه.
- يجب على كل دولة أن تسهم في رسم وبناء نموذج اقتصادي ملائم في ضوء ما تتمتع بها من موارد مالية وبشرية وطبيعية، وتستفيد من تجارب البلدان الناجحة فيما يتعلق بتطوير وابتكار العديد من المنتجات المالية الإسلامية، وأبرزها الصكوك الإسلامية كما هو الحال مثلا في التجربة الماليزية الخاصة بمويل مشروعات البنية التحتية والمشاريع التنموية، مثل إنشاء المطارات، وعمليات التنقيب عن الغاز، وصناعة البتروكيماويات.. وتتجنّب الدول بذلك اللجوء إلى القروض، لما لها من آثار سلبية متمثلة في إهدار الإيرادات العامة، وسوء تخصيصها، حيث تلتهم مدفوعات الفوائد نسبة كبيرة من تلك الإيرادات. وهو ما يؤثر بصورة كبيرة على النسب المخصصة للتعليم والصحة في الموازنات العامة للدول.
- يجب على السلطات النقدية إقامة توازن بين القطاعين المالي والحقيقي للاقتصاد، والحفاظ على الدور المهم لكلٍّ منهما. فالقطاع المالي يغذي القطاع الحقيقي ولا يصح بحال من الأحوال الانفصال الحادث في ظل الاقتصاد الرأسمالي. كما أنه تابع للقطاع الحقيقي وينمو بنموه. إن اتساع القطاع المالي دون القطاع الحقيقي برهان على انتشار المضاربات والديون في الاقتصاد.
- ضرورة الاعتراف بالدور المهم للدولة وعدم الترويج لمبادئ اقتصاد السوق الرأسمالي فيما يتعلق بالدور المحايد للدولة.
- على الدولة حصر إصدار النقود في يد السلطة النقدية وحدها؛ لما لها من دور في تحقيق الاستقرار النقدي.
- يجب على الدولة تحقيق المزيد من التنسيق بين السياسات المالية والنقدية.
- على الدولة -لتحقيق فعالية السياسة النقدية- أن تحرص على نجاح عملية تمويل التنمية خلال تلك المرحلة، وتقييم مدى فعالية مصادر التمويل المتاحة، الخاصة منها والعامة، واستخدامها الاستخدام الأمثل، وتأثير ذلك في نجاح نموذج التحول، ويتطلب ذلك أن تعمل الدولة على محاربة الفساد، وتعزيز النظم الضريبية، والحد من التدفقات المالية التي تؤدي إلى تقلبات في سعر صرف العملة بما يعرف بالأموال الساخنة.
- وجوب أن يتماشى نمو عرض النقود مع النمو الحقيقي للناتج على المستوى الكلي، كما أن هنالك أدوات يمكن الاعتماد عليها في السياسة النقدية الإسلامية، وهذه الأدوات يمكن أن تكون بديلًا للأدوات المستخدمة في السياسة النقدية التقليدية.
- وجوب أن يكون سعر الفائدة صفرًا. وهو ما يحققه الاقتصاد الإسلامي بتحريم الفوائد الربوية؛ إذ إن التخصيص الأمثل للموارد على مستوى الاقتصاد الكلي لا يتحقق إلا إذا وصل سعر الفائدة الاسمي إلى الصفر. وذلك شرط ضروري ولازم.
- إذا كان التحول الاقتصادي يهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، فإن ذلك يستلزم تصميم نموذج تنموي فعال قادر على تحقيق الأهداف الاقتصادية. كما يجب أن تمتلك الدولة الأدوات الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف، ومن أهمها الموارد المالية، الأمر الذي يستلزم دراسة الوسائل التي تقوم بتجميع الموارد وتوزيعها على مختلف القطاعات.
تنويه:
- الآراء الواردة في هذه الدراسة تُعبِّر عن كاتبها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز الجزيرة للدراسات.
- للاطلاع على النص الكامل أطروحة الدكتوراه (اضغط هنا)
- يمكن للباحثين الراغبين في نشر أطروحاتهم إرسالها إلى البريد الإلكتروني التالي: ajcs-publications@aljazeera.net