الثقافة السياسية لأبناء النوبة في مصر

(الجزيرة)

تمهيد

رغم تزايد اهتمام عدد كبير من الباحثين في مصر بدراسة الثقافة السياسية بشكل عام، ومن زوايا متعددة وعلى أكثر من من صعد العلوم الاجتماعية المختلفة، فاللافت هو ندرة ارتياد الباحثين المهتمين بدراسة الثقافة السياسية لأبناء النوبة، على وجه الخصوص، كجزء من الثقافة العامة للمجتمع المصري، حيث إن للثقافة النوبية طابعًا مميزًا وخاصًا وجديرًا بالدراسة.

نظرًا لأن الثقافة السياسية النوبية هي ثقافة فرعية، تمثل جزءً من الثقافة العامة للمجتمع المصري، تؤثر فيه وتتأثر به، وفي ذات الحين، لا تستطيع أن تشذ عن ذلك الإطار العام لثقافة المجتمع، فإن من الضروري دراستها، لأنها تعتبر أحد المفاتيح أو المداخل لتفسير وفهم كيف تركبت وتشكلت هذه الثقافة، وما دورها في مراحل التغيرات الكبرى التي طرأت على المجتمع، وذلك لإيضاح المعالم الرئيسة والسمات الاجتماعية للمجتمع النوبي المصري.

على الرغم من أن النوبيين المصريين لديهم عاداتهم وتقاليدهم، وحتى اللغة الخاصة بهم، فإنهم مندمجون في الحياة المصرية، ويعيشون في كل أرجاء القُطر المصري كمصريين عاديين، يشكلون جزءًا لا يتجزأ من الكيان المصري، لأنهم يتميزون بالانتماء للجماعة الثقافية.

بما أن الثقافة السياسية تختلف من مجتمع لآخر، كما تختلف من فرد لآخر داخل المجتمع، هذا الاختلاف الذي تفرضه عوامل معينة كالعرق، محل الإقامة، المهنة، المستوى الاقتصادي، الحالة التعليمية والتنشئة.. الخ، إذن فهناك ضرورة مُلحة لدراسة الثقافة السياسية النوبية، كي نتعرف أكثر على مقومات الثقافة النوبية وأبعادها المتميزة، وبخاصة ثقافتهم السياسية، التي ترتبط بشكل ملحوظ بنسق الاتصال بين العائلة النوبية الممتدة.

من هنا جاءت دراسة الثقافة السياسية لأبناء النوبة كجماعة اثنوجرافية (Ethnography) في نسيج الشعب المصري من حيث اللغة والعرق ولون البشرة. وفي هذا الإطار تعتبر إشكالية إدارة الدولة المركزية للتعدد الثقافي قضية ملحة على مستوى العالم، وهي ليست مستعصية في مصر حيث يتجسد التعدد الثقافي في ثلاث مناطق (ثقافة الدلتا – ثقافة البدو في سيناء وفي الصحراء الغربية – ثقافة الصعيد والنوبة في جنوب مصر).

يعد الوضع الجيوسياسي للنوبة مدعاة لمزيد من الاهتمام من قبل الباحث المصري، باعتبار وضعها الجغرافي على الحدود الجنوبية لمصر، فوفقًا لنظرية المركز والمحيط فإن المناطق الطرفية للدولة المركزية عادة ما تكون الأكثر تهميشًا والأكثر عرضة لعدم الاستقرار، والاختراقات الخارجية، سواء كانت من الدول المتاخمة للحدود، أو على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن ثم فإن أمن وسلامة النوبة، اجتماعيًا وسياسيًا، من الأهمية بمكان لأنه يصب مباشرة في المصلحة الوطنية العليا والأمن القومي لمصر. وهذا ما دفع الباحث لمعرفة طبيعة الثقافة السياسية لأبناء النوبة لدمجهم أكثر داخل النسيج الوطني، والتغلغل في دراسة ثقافتهم لتحفيزهم على الحياة العامة بصورة ناجعة.

موضوع الدراسة وحدودها

يتناول موضوع هذه الدراسة الثقافة السياسية لأبناء النوبة: دراسة ميدانية لعينة من أبناء النوبة بمحافظتي الأقصر وأسوان، وتحديدًا على النحو الآتي:

  • الإطار المكاني:

اختار الباحث محافظتي الأقصر وأسوان بجمهورية مصر العربية نظرًا لتواجد معظم أبناء النوبة في محافظة أسوان، والبعض الآخر منهم في محافظة الأقصر.

    ب- الإطار البشري:
تضم الحدود البشرية للدراسة عينة من بعض أبناء النوبة المصريين المقيمين في محافظتي الأقصر وأسوان.

جـ - الإطار الموضوعي:

تدور الحدود الموضوعية للدراسة حول طبيعة الثقافة السياسية للنوبة، وذلك من خلال دراسة ميدانية لعينة من أبناء النوبة في محافظتي الأقصر وأسوان.

أهمية الدراسة:

تعد دراسة الثقافة السياسية لدى شريحة معينة أو فئة بذاتها في المجتمع من ديناميـات الحياة السياسية، وذلك من خلال عملية تحويل النظريات والمفاهيم والمصطلحات السياسية إلى سلوك ومعتقدات يؤمن بها المواطن ويسعى إلى تطبيقها ويعمل على تطويرها وفق للظروف المعيشية والمتغيرات الخارجية (Sidney Verba, 2015, p. 1084).

أ - الأهمية العلمية:

- يسعى  الباحث من خلال دراسته نحو إثراء الدراسات النظرية الخاصة بموضوع الثقافة السياسية ومصادرها، ويحاول سد بعض جوانب القصور في الدراسات الأكاديمية والمكتبة العربية التي تناولت ثقافة الجماعات المتميزة ثقافيًا أو عرقيًا  في مصر بشكل عام والثقافة النوبية بشكل خاص، حيث إن هناك ندرة في الدراسات التي تركز على الجانب الثقافي للنوبة، وتحديدًا الثقافة السياسية الخاصة بالنوبيين، فقد تم حصر مظاهر الثقافة النوبية فقط في نطاق الفنون والموسيقى والهندسة المعمارية، وأغفلت أكثر الدراسات الجوانب الاجتماعية والعديد من الجوانب الثقافية الأخرى.

- أهمية دراسة الثقافة السياسية لأبناء النوبة، لأنها توضح جذور وروافد ومضمون الثقافة السياسية السائدة لدى معظم أفراد المجتمع النوبي.

- تسهم الدراسة أيضًا في التعرف على طبيعة المجتمع النوبي ومكوناته المؤثرة على ثقافة النوبة السياسية.

- معرفة الاتجاهات النظرية والمنهجية للثقافة السياسية لدى تلك الشريحة المهمَّشة من أبناء الوطن، رغم أن النوبيين أحد أكثر الجماعات المتميزة من الناحية الثقافية والعرقية القريبة والمندمجة إلى حد كبير مع النسيج العام للمجتمع المصري، رغم اختلاف العادات، والتقاليد، والعرق، واللغة.

- معرفة بعض ما يعانيه أبناء النوبة من التجاهل، وعدم إشراكهم في الحياة السياسية بصورة فعاله؛ فالجماعات المتميزة ثقافيًا أو عرقيًا عمومًا في مصر لا يعانون فقط من إهمال الدولة فحسب، بل ويعانون أيضًا من شعورهم بالعزلة والتهميش والتصنيف على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ومن الادعاء بأنهم عديمي الانتماء والولاء إلى الوطن.

-معرفة أثر ما تعرَّض له أبناء النوبة من مؤثرات نتيجة للمتغيرات التي تعرَّضوا لها وكيف أثَّر ذلك على ثقافتهم السياسية.

- إن إعطاء أبناء النوبة قدرًا من الاهتمام وإكسابهم الشعور بأن هناك من يهتم بدراسة ثقافتهم، من شأنه أن يجعلهم أكثر تعاونًا وانفتاحًا أمام الباحثين، وهو ما سيكون له مردود كبير على الصعيد البحثي في المستقبل.

- معرفة أنواع وأنماط القيم والتوجهات السياسية الموجهة لأبناء النوبة والمؤثرة على مدركاتهم وتصوراتهم ودورهم في المجتمع، وعلى محدداتهم الموجهة والمحددة لطموحتهم، وهذ من شأنه أن يساعد الخبراء والمهتمين في مجال تنمية وتقويم المجتمعات على ترسيخ القيم والاتجاهات الايجابية واستبعاد القيم والاتجاهات السلبية.

-أهمية تلك الدراسة تأتي أيضا من البعد الاستراتيجي الكبير والهام بالنسبة لمصر؛ فالنوبة هي بوابة الملتقى وهمزة الوصل بين الشمال والجنوب من شعب وادي النيل في مصر والسودان.

ب - الاهمية العملية:

- محاولة تقديم رؤية علمية تدعم صانعي القرار وراسمي سياسات المؤسسات الثقافية في مصر، من خلال التأكيد على أهمية تطوير وتفعيل الأدوات الثقافية لزيادة الفاعلية السياسية للجماعات النوبية، وزيادة انتاجها وإدماجها في المجتمع بشكل أكثر فاعلية، الأمر الذي سوف يكون له أثر كبير في المستقبل على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسية والثقافية.

- مساعدة المهتمين والباحثين في الشأن النوبي والدراسات النوبية لاستشراف مستقبل أكثر تواصُلاً مع أبناء النوبة مما ييسر مهامهم البحثية في الغد.

- إنَّ معرفة طبيعة ثقافة أبناء النوبة والاهتمام بها وتنمية تراثهم الحضاري سوف يكون له أثر كبير في المستقبل على الصعيدين الاقتصادي والثقافي، ولا سيما على مستوى قطاع السياحة، لأن التراث النوبي يُعدُّ من عوامل الجذب السياحي الهامة، إذ يعتبر أبناء النوبة في مصر أحد أكثر الجماعات الفرعية تميزًا من الناحية ثقافية.

أهداف الدراسة: ­

  • تحديد وقياس عناصر الثقافة السياسية لأبناء النوبة في مصر.
  • اكتشاف التباينات المحتملة في الثقافة السياسية لأبناء النوبة في مصر طبقًا للخصائص الشخصية والديموغرافية والمستوى الاجتماعي للمواطنين النوبيين.
  • دراسة ما يتمتع به أبناء النوبة من تسامح واتجاهات إزاء السلطة والآخر الديني والمرأة.
  • دراسة مضمون انتماء أبناء النوبة ومقارنة تمسكهم بالهوية النوبية مقابل الهوية الوطنية المصرية.
  • دراسة مدى تأثير المعارف والقيم والاتجاهات السياسية لأبناء النوبة على درجة مشاركتهم في الحياة العامة والسياسية.

إشكالية الدراسة:

تتبلور مشكلة هذه الدراسة في أن المجتمع النوبي مجتمع تقليدي ذو نزعة عرقية إلى حد ما، ويعاني من صعوبات مختلفة على مستوى الابنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ذلك المجتمع الذي يحلم بالارتقاء من حقبة الماضي الشمولي بكل ما كان يحتويه من مساوئ ترسخت وتفشت خلال العقود الماضية، إلى عصر ديمقراطي من شأنه أن يحقق ما يطمح به أبناء النوبة على صعيد الحرية والمساواة، والمشاركة، والتقدم، والرفاهية.

لذا فدراسة الثقافة السياسية لأبناء النوبة المصريين الذين يشكلون شريحة مهمة من شرائح المجتمع المصري، هي مدخل نستطيع من خلاله التعرف عن قرب على هذه الثقافة؛ الثابت فيها والمتغير، ومعرفة الجديد الذي طرأ عليها، خاصة في ضوء التحولات التي تحدث في الخارطة السياسية المصرية، وأثر ما مرت به البلاد من تجارب سياسية على ثقافة المجتمع النوبي السياسية.

من هنا يمكن تحديد المشكلة البحثية في تساؤل رئيس على التحو التالي: ما مدى ديمقراطية الثقافة السياسية لدي أبناء النوبة المصريين؟ وما أهم العوامل المؤثرة فيها؟ 

يتفرع عن السؤال الريس سابق الذكر عدة أسئلة فرعية:

تساؤلات الدراسة:

  1. ما عناصر الثقافة السياسية لأبناء النوبة؟
  2. هل توجد اختلافات في الثقافة السياسية بين أبناء النوبة في مصر طبقًا لمحل الإقامة، السن، النوع، الحالة الاجتماعية، مستوى التعليم، المستوى الاجتماعي؟
  3. ما درجة التسامح التي يتمتع بها أبناء النوبة تجاه الآخر، سواء كان هذا الآخر السلطة الحاكمة أو المختلف في المعتقد الديني، أو المرأة؟
  4. ماه درجة تمسك أبناء النوبة بالهوية النوبية مقابل الهوية الوطنية المصرية؟
  5. هل توجد علاقة بين المعارف والقيم والاتجاهات السياسية من ناحية، ومشاركة أبناء النوبة في الحياة السياسية والعامة من ناحية اخرى؟

فرضيات الدراسة:

تسعى الدراسة لاختبار الفروض التالية:

1.1-يوجد اختلاف في مستوى المعرفة السياسية لأبناء النوبة في مصر تبعًا لخصائص محل الإقامة، النوع، العمر، الحالة الاجتماعية، مستوى التعليم (محور المعرفة)

2.1- يوجد اختلاف في مستوى الاتجاهات لأبناء النوبة في مصر تبعًا لخصائص محل الإقامة، النوع، العمر، الحالة الاجتماعية، مستوى التعليم (محور اتجاهات) (المقصود هنا قياس مستوى الاتجاهات بناءً على خصائص محل الإقامة، النوع، العمر، الحالة الاجتماعية، مستوى التعليم... مما سبق ذكره كلاً على حدة، أي، قياس مستوى الاتجاهات بناءً على محل الإقامة، ثم قياس مستوى الاتجاهات بناءً على النوع.. إلخ، واثبات وجود اختلاف بين المتغيرات المستقلة التي تم قياسها مع المتغير التابع أي الاتجاهات).

3.1- يوجد اختلاف في مستوى قيمة الانتماء لأبناء النوبة في مصر تبعًا لخصائص محل الإقامة، النوع، العمر، الحالة الاجتماعية، مستوى التعليم (محور القيم)

4.1- يوجد اختلاف في مستوى المشاركة السياسية لأبناء النوبة في مصر تبعًا لخصائص محل الإقامة، النوع، العمر، الحالة الاجتماعية، مستوى التعليم " (محور القيم) (ملحوظة: الباحث لم يتناول في الدراسة الميدانية سوى قيمتي الانتماء والمشاركة فقط، فضلاً عن استبعاد عدد من أسئلة الاستمارة بعد إجراء الثبات والصدق الظاهري وصدق المحكمين)

2-يوجد اختلاف في درجة توجهات أبناء النوبة في مصر إزاء السلطة، ودرجة التسامح التي يتمتع بها أبناء النوبة في مصر تجاه الآخر الديني، وكذلك الاتجاه نحو المرأة. (المقصود هنا إثبات فرضية وجود اختلاف بين الاتجاهات نفسها، عن طريق اختلاف متوسط الدرجات بين الاتجاهات المذكورة، ومن ثم ترتيب الاتجاهات من الاتجاه الأكثر إيجابية إلى الأقل، بناءً على نتائج التحليل، أي معرفة الاتجاه الأكثر إيجابية ثم الأقل فالأقل)

3-يوجد اختلاف بين درجة تمسك أبناء النوبة في مصر بالهوية النوبية ودرجة تمسكهم بالهوية المصرية. (الهوية)

منهجية الدراسة:

تأسيسًا على طبيعة موضوع الدراسة، وأهدافها، وفروضها، وتساؤلاتها، فقد استخدم الباحث ظاهرة التكامل المنهجي، وذلك على النحو التالي:

  • مقترب التحليل الثقافي: استدعى هذا المقترب ربط أشكال خاصة من السلوك الذي يكمن رصده إمبيريقيًا بالخصائص البنائية لمجتمع الدراسة، مفترضًا أن هذه العلاقة تعد سببًا جزئيًا لأوجه الاختلاف أو التشابه في السلوك بين الجماعات المختلفة (عبد السلام نوير،1998، ص. د).
  • منهج التحليل النفسي: هو في أبسط صوره تأثير الحالة النفسية على السلوك الإنساني، إذ لا يخفى ما للثقافة من أبعاد تتصل اتصالاً وثيقًا بطبيعة الشخصية وسماتها، الأمر الذي اقتضى الاستعانة ببعض الاتجاهات النفسية، مثل اتجاه التعصب إزاء الآخر الديني أو العرقي.. الخ (عبد السلام نوير،1998، ص ص د-هـ).

الخاتمة والتوصيات

لقد سعت الدراسة لاستكشاف طبيعة الثقافة السياسة من خلال قياس مستوى معرفتهم السياسية واستطلاع طبيعة توجهاتهم ومدى إيمانهم بالمشاركة في الحياة العامة والسياسية، بالإضافة إلى سعي الدراسة لبيان ما إذا كان للمتغيرات الأساسية: محل الإقامة، مستوى التعليم.. الخ، ارتباط أو تأثير على طبيعة هذه الثقافة.. ولقد أبرزت دراسة الثقافة السياسية لأبناء النوبة في مصر العديد من النتائج المتصلة بطبيعة قيمهم السياسية، نرصد أبرزها فيما يلي:

- كشفت النتائج عن وجود قدر متوسط من المعرفة السياسية لدى أبناء النوبة في مصر، إذ تراوحت النتائج بين فوق المتوسطة أو ما دون ذلك، أما اتجاه الإذعان فكان بُعده الخاص بالأسرة ذو توجهات إيجابية قاربت على ثلثي عدد افراد العينة، فيما جاءت توجهات أبناء النوبة إزاء الطاعة المطلقة والاحتجاج سلبية، إذ اختارت غالبية العينة تجنب الاحتجاج أو التظاهر، وفضَّل حوالي ثلثي العينة الطاعة المطلقة، بينما كانت توجهات أبناء النوبة نحو إبداء وجهات نظرهم تجاه السياسات العامة -من خلال قنوات شرعية- إيجابية بمعدلات فاقت نصف العينة.

-  بدا كذلك الارتفاع النسبي في مستوى الإيمان بالمساواة بين النوعين، فيما عدا تولي المرأة للمناصب القيادية والذي شهد معارضة الأغلبية، ولم تؤيده إلا نسبة ضئيلة للغاية، برغم غلبة الإناث على العينة، وجاء مستوى الإيمان بالمساواة بصرف النظر عن اختلاف الدين مؤكداً لما كشف عنه مقياس التعصب إزاء الآخر الديني، حيث كان ثلثي العينة من أبناء النوبة يؤمنون بالتسامح تجاه الآخر الديني، أما الاتجاه نحو الآخر الحضاري (الغرب) فقد كانت توجهات أبناء النوبة إيجابية ولكن بنسب دون نصف العينة بقليل.

-  ارتفـاع ملحوظ في مستوى الانتماء للهوية المصرية العربية من قبل أبناء النوبة، حيث جاء أقل من خُمس العينة فقط من ذوي الميول الإثنية، وقد كان هذا الارتفاع انعكاسًا لرفض أغلبية النوبيين الهجرة الدائمة من مصر، كذلك أجمعت كل الشخصيات التي تم أجراء مقابلات معها على أن الهوية المصرية هي الأسبق والأعلى شأنًا ولا تعلوا عليها الهوية الإثنية النوبية، وأن أرض النوبة وهويتها هي جزء أصيل من الكيان المصري الأعم والأشمل.

-  عـبّر النوبيون عن مستوى فوق متوسط بقليل من المشاركة السياسية، فقد كان ما ينيف بقليل على النصف فقط من أبناء النوبة مرتفعي المشاركة السياسية، وهو ما يعد انعكاسًا لانخفاض مستوى المشاركة في الانتخابات وفى الأحزاب، ويبدو مهمًا الإشارة إلى أن المشاركة قد جاءت دون مستوى اتجاه الفعالية المرتفع – نسبيًا - الذى عبروا عـنه في البداية، وهو ما يكشف عن عوامل عديدة تحول دون ترجمة هذا الاتجاه إلى ممارسة واقعية، كتلك المتصلة بطبيعة الممارسة الانتخابية، وسمات التعددية الحزبية، وكذلك الانخفاض الملحوظ في الميل للعمل العام.

لم تتخلف الثقافة الفرعية لأبناء النوبة عن سرب الثقافة السياسية الكلية للمجتمع المصري من حيث فكرة المركز والأطراف، إذ أكد العديد من أبناء النوبة خلال المناقشات أن البعض يصنفهم عن جهل بأنهم غير مصريين رغم تمسكهم بهويتهم الوطنية المصرية، ويرجعون سبب ذلك اللبس إلى متاخمة مناطقهم لحدود مصر مع السودان. هذا بجانب شعورهم بالتهميش وكذلك بعدم العدالة في توزيع الثروة التي يستأثر بها من هم في العاصمة والوجه البحري، الأمر الذي يمثل عقبة في سبيل التفاعلات الاجتماعية والسياسية الديمقراطية.

أما الأبعاد الأخرى التي تم تناولها فقد مضت في نطاق يعبر عن أن أبناء النوبة يمثلون تربة خصبة لرسوخ الفكر الديمقراطي؛ فبرغم توسط حجم المعرفة، فإن التعصب ضد الآخر الديني متدني للغاية، والإيمان بالمساواة بأشكالها متوافر في ذلك المجتمع المتسامح المتعاون.

وبناءً على ما سبق، توصي الدراسة بالتالي: -

1- تنفيذ حق العودة للنوبيين إلى موطنهم الأصلي حسب ما نص عليه الدستور المصري الحالي وكما نصت عليها بيانات حقوق الإنسان الخاصة بالشعوب القديمة والتي تم التصديق عليها دستوريًا، على أن تقوم الحكومة بوضع وتنفيذ خطة متكاملة بعودة من يرغب من النوبيين إلى مناطقهم، أما من لا يرغب فعلي الدولة القيام بتعويضهم بصورة مجزية، هذا مع الأخذ بالاعتبار بمن تسلموا تعويضاتهم في يناير 2020، وهم ليسوا جميع المتضررين.

2- إصدار قرار جمهوري بتمليك 10 أفدنة لكل أسرة ممن تم حصرهم من قبل وزارة الشئون الاجتماعية سنة 1960 وعددهم 25328 أسرة (مغتربين – مقيمين) وتخصيص400 متر لكل أسرة لبناء مساكن بإجمالي 2413 فدانا تعديلا وتعويضا عن التقديرات الظالمة للتهجير، ووضع خطة لتوصيل المرافق والخدمات في مدة زمنية لا تتعدى 10 سنوات لكل المناطق (مع عمل مسح اجتماعي للأسر النوبية التي لم يتم حصرها عام 1960 وما قبلها من مهجري خزان أسوان ووضع مخطط ليشملهم القرار الجمهوري).

3- أولوية توزيع الأراضي وفرص العمل في المنطقة لأبناء النوبة، هذا وقد تقدم اتحاد المحامين النوبيين بمشروعي قانون لرئاسة الجمهورية، وهما إعادة توطين أهالي النوبة بقراهم القديمة على ضفتي البحيرة خلف السد العالي، والثاني مشروع قانون بإنشاء الهيئة العليا لتوطين النوبة وتنميتها وتعميرها على ضفاف البحيرة وجنوب السد العالي.

جاء في نص المشروع الأول التأكيد على إعادة توطين النوبيين بقراهم القديمة وبنفس مسمياتها على ضفتي البحيرة جنوب السد العالي، وذلك من الشلال شمالاً حتى قسطل وأدندان جنوبًا، امتدادًا لقراهم التي تم التهجير إليها، وتعويضًا للأراضي والمنازل التي غمرتها مياه الخزان بسبب تعليات مشروع خزان أسوان، وكذا الأراضي والمنازل التي غمرتها مياه بحيرة السد العالي.

أضاف نص المشروع "أن تُرفع الخرائط المساحية لأقرب نقطة من ضفتي البحيرة للقرى النوبية التي كانت قبل تهجير الخزان وتهجير السد العالي، وإنشاء هيئة عليا مهمتها إعادة توطين النوبيين بقراهم القديمة وتنمية وتعمير ضفتي البحيرة وجنوب السد العالي".

بينما جاء في المشروع الثاني التأكيد على ضرورة إنشاء هيئة عامة باسم الهيئة العليا لتوطين النوبيين، وتنمية وتعمير منطقة ضفاف البحيرة تتبع مجلس الوزراء، ويكون مقرها مدينة أسوان، لتكون الهيئة هي جهاز الدولة المسئول دون غيره عن تخصيص وتمليك واستغلال وإدارة الأراضي، وإعادة توطين النوبيين بقراهم القديمة حول ضفاف البحيرة خلف السد العالي، وذلك طبقًا للشروط والقواعد القانونية المعمول بها والمشار إليها.

كما تقوم وزارة الدفاع بتحديد المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية، وذلك مسبقًا وبموجب خريطة تحدد فيها هذه المناطق الاستراتيجية العسكرية، وتصبح ضمن مواد قانون إنشاء الهيئة وتقوم وزارة الدولة لشئون البيئة بتحديد الشروط والمحددات البيئية والتي تكفل سلامة، وأمان البحيرة في حالة إقامة مشروعات عمرانية واستثمارية، وذلك لحساب حيز الأمان المائي في حالة ارتفاع منسوب المياه بالبحيرة، وضمانًا لعدم تعرض الحيز العمراني للفيضانات وتصبح هذه الشروط والمحددات ضمن مواد قانون إنشاء الهيئة.

بالطبع، جميع ما سبق يجب أن يتم تحت مظلة القانون والدستور وفيما لا يتعارض مع الأمن القومي والمصلحة العليا للبلاد.

تنويه:

  • الآراء الواردة في هذه الدراسة تُعبِّر عن كاتبها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز الجزيرة للدراسات.
  • للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا)
  • يمكن للباحثين الراغبين في نشر رسائلهم وأطروحاتهم مراسلتنا على العنوان التالي:   ajcs-publications@aljazeera.net