الكونغو: مسار عنف لا تنضب روافده

يتضح بجلاء عمق غور الأزمة التي تعيشها منطقة البحيرات الكبرى بإفريقيا، وهي تضع الكونغو الديمقراطية في قلب الأحداث مع تشابك ما لأصحاب المصالح فيها من حسابات، خصوصًا أوغندا وبوروندي، وتعدد ما يعقدون عليها من رهانات، وتحاول هذه الورقة فهم هذه الأزمة وتعقيداتها.
قادت شهور من القتال والاستقطاب الإقليمي إلى جرِّ تسع دول إفريقية إلى مستنقع هذه الحرب بشرق الكونغو (الجزيرة)

مقدمة

لكل بلد إفريقي ذكرياته الخاصة عن آلام الاستعمار الأوروبي وجراحه العصية على الالتئام، وفي نفوس أبنائه ما يشبه خيبةَ أمل من عجز الدولة الوطنية عن الوفاء بما بشَّر به الآباء المؤسسون غداة الاستقلال ستينات القرن الماضي من وعود بالرفاه الاقتصادي والعدالة والمساواة.. ولعل جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقًا)، بتجربتها المريرة مع الاستعمار البلجيكي، وما انزلقت إليه بعيد استقلالها من عنف سياسي راح ضحيته الزعيم التحرري البارز، باتريس لومومبا، ومن حروب انفصالية واقتتال عرقي، تمثل هذه الحالة الإفريقية بامتياز، وتكرِّس بجلاء ما اصطدم به مسار توطيد سلطة الدولة الوطنية من عقبات وما يترصده حتى الآن من عثرات. فمع سيطرة حركة الثالث والعشرين من مارس، المنضوية ضمن تحالف نهر الكونغو مؤخرًا، على عاصمتي إقليمي كيفو الشمالية والجنوبية (غوما وبوكافو)، بدت الكونغو الديمقراطية من جديد مسرحًا لأعمال عنف دامية تتداخل فيها الحزازات والإحن العرقية والتعارض بين أبناء الأرض "الأصلاء" والوافدين "الغرباء" بمطامع دول الجوار (رواندا وأوغندا وبوروندي وغيرها) ومخاوفها، وحاجة الصناعات التقنية الحديثة في العواصم الغربية لما يزخر به باطن أرض الكونغو من معادن وثروات، وهشاشة قبضة السلطة المركزية في كينشاسا، وفشلها في بسط نفوذها على أراضي بلد شاسع المساحة غنيٍّ بالموارد والخيرات متعدد الأعراق والقوميات.

مستعمرة الكونغو: مغامرات الصحفيين وأطماع الملوك

رغم التجانس اللغوي النسبي الذي نجم عمَّا وصفه فان نوتن وكاهين وماريت (1982، ص. 620)(1) بـ"الانتشار المذهل للناطقين بلغات البانتو" في إفريقيا الاستوائية وجنوب خط الاستواء قبل نحو ألف سنة من الآن، فقد تباين مسار الشعوب الواقعة في هذا الثلث الجنوبي من القارة. فعلى عكس الشواطئ الشرقية (كينيا وتنزانيا وصولًا إلى الموزمبيق) من أراضي الناطقين بلغات البانتو التي ربطتها التبادلات التجارية البحرية بالشعوب العربية والفارسية والهندية، فأثمرت الحضارة السواحلية الهجين (ماتفييف، 1984)(2)، ظلت المناطق الواقعة غرب البحيرات الكبرى، أي الوسطى الغابوية والسافانا الجنوبية، بمنأى عن التأثيرات الخارجية. فـ"لم يعرف وسط إفريقيا"، كما ينقل بيرمنغهام (1975، ص. 520-521)(3)، "مسالك تجارية كبرى أو دروب اتصال طويلة المدى تضاهي التجارة الساحلية في شرق إفريقيا أو مسارات القوافل في غرب إفريقيا"، حتى نهايات القرن الخامس عشر مع بداية المغامرة البرتغالية عبر المياه الأطلسية.

وخلال القرون الثلاثة اللاحقة على تلك المغامرة، ستعيش الأطراف الغربية من وسط إفريقيا (الكونغو الديمقراطية وأنغولا والكونغو-برازفيل) الواقعةُ ضمن مملكة الكونغو التاريخية Kongo على وقع التجارة الأطلسية مع لشبونة ومنافسيها من الفرنسيين والبريطانيين والهولنديين، وما رافقها من تبشير بالمسيحية واستنزاف للديمغرافيا عبر تجارة الرقيق مما خلخل توازن السلط القائمة وفكك أنماط النظم المجتمعية، كما ينقل هييوود (2009)(4). ومع تحول الاستعمار الأوروبي من الطور الميركانتيلي إلى توطيد القبضة المباشرة نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، كان الرحالة والإخباريون الأوروبيون يخوضون جولاتهم الأخيرة في عرض القارة وطولها استكشافًا لأدغالها وبحثًا عن منابع أنهارها، تمهيدًا لبسط السيطرة والنفوذ. وستأخذ حمى هذه الاستكشافات، سنة 1874، صحفيًّا متعاونًا مع صحيفة نيويورك هيرالد الأميركية، هو هنري مورتن ستانلي، من زنجبار حتى مصب نهر الكونغو في المحيط الأطلسي، ليكون بذلك أول من يصل شرقَ وسطِ القارة بغربه (بينيت، 1970)(5). وإذ لم تجد اكتشافات هذا الصحفي البريطاني، وما راكم من معرفة بالأراضي المتاخمة لنهر الكونغو يخول دمجها، وفق النظرة السائدة حينها في المشاريع الاستعمارية التوسعية، آذانًا صاغية في لندن، فقد رضي من القوى الأوروبية ببلجيكا وملك البلجيكيين، ليوبولد الثاني، الطامح للخروج من ضيق الجغرافيا الأوروبية والرافع لما يرفعه المستعمرون من شعارات "إنسانية" مثل "تحضير القارة الإفريقية" عبر الجمعية الإفريقية الدولية التي أسسها سنة 1878 بأن تكون الكونغو مجاله الخاص.

وخلف ستار هذه الجمعية ولجنة دراسة أعالي الكونغو، ثم الجمعية الدولية للكونغو، وبفضل اتفاقيات تعاون وولاء وتبعية أبرمها ستانلي، باسم ملك البلجيكيين، بعد عودته إلى إفريقيا، مع زعماء القبائل والدويلات المنتشرة على ضفاف نهر الكونغو، أصبح في جعبة البلجيكيين من "القرائن والحجج الاستعمارية" ما يقارعون به أطماع القوى الأوروبية الكبرى في هذه المنطقة عشية مؤتمر برلين سنة 1884-1885. هكذا نصَّب ليوبولد الثاني من بروكسل نفسه حاكمًا لما عُرف بدولة الكونغو المستقلة سنة 1885، ليمتد سلطانه على أراض شاسعة توازي مساحة مملكته الصغيرة ثمانين مرة تأخذ شكل منفذ ضيق عند مصب نهر الكونغو في الأطلسي بين أراضي نفوذ البرتغال، لتتسع بعد ذلك، وتمتد شرقًا حتى البحيرات الكبرى (مويري وتنجانيقا وكيفو وإدوارد وألبيرت). وقد جمعت هذه الدولة شتات أكثر من مئتي قومية ومجموعة ناطقة بلغات مختلفة من لغات البانتو وغيرها، واستحوذت على أنقاض مملكة الكونغو التاريخية وما حاذاها من سلط وممالك، كلونْدا ولوبا. كما أخضع ليوبولد الثاني شبكات تجارة الرقيق الزنجبارية السواحلية-العربية التي كانت قد بدأت التغلغل في شرق الكونغو منذ منتصف القرن التاسع عشر، كما ينقل نزونغولا-نتالاجا (2002)(6).

ومع إحكام ليوبولد قبضته على هذه المساحة الشاسعة، سيبدأ فصل من أقسى فصول الاستعمار الأوروبي وأكثرها وحشية. فكما تضرب الكونغو الديمقراطية اليوم موعدًا غير سعيد بالمرة مع الثورة التقنية الحديثة التي تعتمد إلى حدٍّ كبير على ما يختزنه باطن أرضها من معادن ذات قيمة عالية (كوبالت وكولتان وتانتالوم). كان الطلب بدايات القرن الماضي على العاج، وخاصة على المطاط (الكاوتشوك) المادة الرئيسية في صناعة الإطارات الهوائية في أَوْجِه، مع التوسع في استخدام السيارات والمركبات. هكذا رمت الأقدار الاستعمارية وخيرات الطبيعة شعوب الكونغو وقبائله بين يدي ملك متوثب لملء خزائنه وتعمير بلده وصناعة آخذة في التوسع والازدهار.

وقد دفع البلجيكيون ثمن هذا السعار الرأسمالي عملًا قسريًّا وتهجيرًا من أراضيهم؛ "فقد كانت القرى التي ترفض أو تعجز عن تلبية الحصص المحددة لها يوميًّا من الإنتاج، [إنتاج المطاط والعاج]، عرضة للاغتصاب والحرق والتشويه الجسدي والقتل"، كما يوضح نزونغولا-نتالاجا (2002، ص. 22)(7). وكان بتر الأطراف عقوبة معتمدة من قبل القوات الاستعمارية، كما تشهد على ذلك الصورة التي تكرس إيغال البلجيكيين في التنكيل بشعوب الكونغو، والتي شاهدها العالم، سنة 1904، عبر صور المبشِّرة البريطانية، آليس هاريس، التي تضمنها كتاب "حكم الملك ليوبولد في إفريقيا"(8). وقد بلغت هذه الممارسات من قسوتها أن هزت الضمير الأخلاقي السادر حينها في غلواء الاستعمار واستغلال الإنسان الإفريقي، وأثارت استنكار الصحافة والكتَّاب، كما في رواية "قلب الظلام" لجوزيف كونراد(9) والنصِّ الساخر "الملك ليوبولد يناجي نفسه" لمارك توين(10). وقد قادت هذه الإدانات إلى تغيير وضع الكونغو من إقطاعية خاصة بليوبولد الثاني إلى مستعمرة تابعة لدولة بلجيكا، سنة 1908، رغم أن ذلك لم يعن بالضرورة التخفيف كثيرًا من القبضة الاستعمارية على الشعوب المحلية، ولا وقف استنزاف الموارد المعدنية التي شرع البلجيكيون في استخراجها بدايات القرن العشرين من منطقة كاتانغا ثم كاساي الغنيتين بالنحاس والكوبالت واليورانيوم والألماس.

استقلال الكونغو: الطفولة المضرجة بالدماء

لم يمض على استقلال الكونغو عن بلجيكا، في 30 يناير/كانون الثاني سنة 1960، أكثر من أسبوع حتى بدأت متاعب هذا البلد الوليد تتوالى واحدة تلو أخرى. ولم يجد رئيس الوزراء، باتريس لومومبا، ذو النزعة التحررية الإفريقانية والمواقف المناهضة للاستعمار ما يكفي من الوقت ليضمد "جراح الكونغو الغضة والمؤلمة حدَّ الاستعصاء على النسيان"، كما جاء في خطابه غداة الاستقلال(11). إذ تعاورته، هو نفسه، سهام الأعداء ومخالب الخصوم في الداخل والخارج، وتكاثرت عليه القلاقل من ثورات صغار الجنود والهبَّات الشعبية ضد كبار الموظفين البلجيكيين في الإدارتين، المدنية والعسكرية، الكونغولية الوليدة، فإعلان إقليم كاتانغا الغني بالموارد الانفصالَ تحت قيادة مويس تشومبي، ثم محاولة الانفصال في إقليم كاساي، إلى المواجهة المباشرة المفتوحة مع الرئيس كازافوبو وحلفائه الغربيين.

وفي خضم البحث عن حلفاء ضد التدخل البلجيكي الصارخ دعمًا لانفصاليي كاتانغا؛ حيث المصالح والاستثمارات المنجمية لبروكسل، وسعيًا لخلق توازن مع رئيس محدود الصلاحيات دستوريًّا، ولكنه غدا ذا ارتباط قوي بواشنطن وبروكسل، سيُيمِّم لومومبا وجهه شطر الأمم المتحدة، ثم الاتحاد السوفيتي، ويستعين داخليًّا بكاتبه الخاص، جوزيف موبوتو (موبوتو سيسي سيكو لاحقًا)، فيعينه قائدًا للجيش. خطوات ستصطدم بأخرى مناهضة من خصومه، لتجعل الكونغو الديمقراطية حلبة يخوض داخلها طرفا الصراع في الحرب الباردة أول نزال لهما على الأراضي الإفريقية (كينت، 2007 (12)؛ دفلين، 2007)(13)، وتواجه فيها الأطروحاتُ التحررية الإفريقية السياساتِ النيوكولونياليةَ ووكلاءها المحليين (كينت، 2007 (14)؛ روزفلت 2020)(15)، ويجرب على أرضها حفظة السلام الأمميون قدرتهم على ضبط السلم والأمن الدوليين على خطوط التماس بين القبائل والإثنيات الإفريقية (ماككوين 2014)(16) وتسعى عبرها فرنسا إلى توسيع دائرة نفوذها في القارة عبر شبكة فرنسا-إفريقيا والمرتزقة الفرنسيين، وتجهض عبرها البرتغال أحلام التحرر والاستقلال في مستعمراتها الإفريقية (بريير-أوستيل 2015)(17)، وتعمل من خلالها أنظمة الميز العنصري في الجنوب الإفريقي على توطيد ممارساتها القائمة على تفوق العرق الأبيض (باسمييرز، 2016(18)؛ هندريكس، 2021)(19).

النزعات الانفصالية في كاتانغا وكاساي: رفضًا لتقاسم الثروات مع الآخر

تحت وطأة هذه الرهانات، وتشابك المصالح، ورفضًا لأطروحات لومومبا الوحدوية من قبل خصومه ذوي النزعة الفيدرالية، أبحرت الكونغو في أزمة كان من أبرز مظاهرها انفصال إقليم كاتانغا، ثم إقليم كاساي الجنوبية، واغتيال لومومبا بعد ترحيله إلى كاتانغا في خضم صراعه مع كازافوبو، واندلاع ثورة كويلا والشرق، فانقلاب موبوتو سيسي سيكو. وإذا كان بعض الباحثين من الكونغوليين ذوي التوجهات الوطنية ومن الغربيين المناهضين للتدخل الأجنبي في القارة الإفريقية (نزونغولا-نتالاجا، 2002، ص 100(20)؛ وروزفلت، 2020، ص. 111 نموذجًا)(21) لا يرون في إعلان استقلال كاتانغا سنة 1960 سوى تعبير عن "صوت المستوطنين البيض [البلجيكيين] بأفواه الأفارقة". ويرون أن انفصال كاتانغا وكاساي الجنوبية أمر "نفذه الجيش البلجيكي بأوامر من وزارة الدفاع البلجيكية، وأشرف عليه نواب رئيس الوزراء البلجيكي" حفاظًا على مصالح بروكسل واستثماراتها المنجمية ممثلةً في شركة الاتحاد المنجمي لكاتانغا العليا UNHK التي كانت أهم منتج في العالم للكوبالت، كما ينقل (غوبيرز 2016)(22). ورغم الثقل الديمغرافي للمستوطنين البيض في كاتانغا، فإن هذه النزعات الانفصالية لا تعدم لها جذورًا أو منطلقات اقتصادية وعرقية محلية؛ إذ تستدعي الانتماءات القبلية والتناقضات العرقية، وقد "أذكتها [عقود طويلة من] البيروقراطية الكولونيالية"، كما يروي غوبيرز (2016)، نقلًا عن يونغ (1965، ص. 265-6)(23). وذاك ما استغله زعيم الانفصال في كاتانغا، مويس تشومبي، حين سعى إلى حشد الدعم العرقي والقبلي، عازفًا على وتر أصالة قوميته اللوندا-باييك والعرقيات المرتبطة بها تاريخيًّا، ضمن مملكة لوندا، ضد الوافدين الأحدث إلى كاتانغا من أبناء قومية اللوبا الذين استقطبتهم الصناعات المنجمية إلى جنوب الإقليم مع بدايات الاستعمار البلجيكي. وقد بدا هذا الاصطفاف العرقي واضحًا في التعارض بين الأطروحات الوحدوية للومومبا وواجهته المحلية في كاتانغا، بالوباكات BALUBAKAT، واتحاد الجمعيات القبلية لكاتانغا CONAKAT، الواجهة السياسية للمطالبين بانفصال الإقليم، خلال الانتخابات التي سبقت الاستقلال، ومنحت أنصار لومومبا فوزًا كاسحًا في كاتانغا، (غوبيرز 2016(24)؛ مهتدي 2019(25).

وبالموازاة مع إعلان استقلال كاتانغا، اندلعت حركة انفصالية في إقليم كاساي الجنوبية التي تُعرف بولاية الألماس؛ إذ تضم أحد أهم احتياطيات هذا المعدن في العالم، وفق بعض التقديرات(26). ومثل الأزمة الانفصالية في كاتانغا، فقد كانت للصراع في كاساي الجنوبية، كما ينقل كيسانغاني (2012)(27)، جذوره العرقية المبيئة كولونياليًّا بين فئتين من قومية اللوبا (لولوا وبالوبا) يتقاسمان نفس اللغة والتاريخ مع اختلاف طفيف في تاريخ الهجرة والاستقرار في كاساي، وإن جذَّرت السياسات الاستعمارية المتغيرة في دعم فئة ضد أخرى، وفق رؤية بروكسل ومصالحها الآنية، الفوارقَ بينهما، وعمَّقت الاستجابةُ (أو الصدود عن) للبعثات التبشيرية والانخراط (أو العزوف عن) في المدارس والإدارة من الشرخ الهوياتي بينهما، ووطَّأت مشاريعُ (إعادة) التوطين المرتبطة بالتقطيع وإعادةِ التقطيع الإداري على أساس اقتصادي، والخطابُ العرقي الذي طغى على الانتخابات التي جرت قبيل الاستقلال، للاحتراب والاقتتال بينهما.

وقد قاد الانفصال في هذين الإقليمين، ومحاولات التصدي لهما من قبل كينشاسا ومن طرف هبَّات محلية، إلى أعمال عنف عرقية ومجازر واسعة النطاق، وصلت حدَّ إشارة الأمين العام للأمم المتحدة، داغ همرشولد، إلى ارتكاب لومومبا إبادة جماعية ضد قومية بالوبا في كاساي الجنوبية، غير أن معظم الدارسين (نزونغولا-نتالاجا 2002)(28)؛ روزفلت، 2020(29)؛ ستابلتون، 2017(30) يرون في هذا الوصف تحيزًا من همرشولد ضد لومومبا. وكان انفصال كاتانغا الذي شهد تدخل أطراف كثيرة أكثر دموية؛ إذ خلَّف، وفق كيسنغاني (2012، ص. 53)(31)، "مقتل ثمانين ألف شخص" فقط في المواجهات بين ما عُرف بدرك كاتانغا La gendarmerie katamgaise واللوبا الرافضين للحكومة الانفصالية في شمال الإقليم، قبل أن تتدخل الأمم المتحدة عبر بعثة عسكرية، وتقضي على هذا التمرد سنة 1963، بعد مقتل لومومبا بسنتين.

الثورات اليسارية: طلبًا لثأر لومومبا

رغم سيطرة موبوتو سيسي سيكو على مقاليد الأمور في كينشاسا وتوجهه نحو استكمال قبضته على السلطة الذي سيكلِّله بإعلان نفسه رئيسًا للبلاد، سنة 1965، بعد الانقلاب على جوزيف كازافوبو، ظلت مناطق واسعة من شرق البلاد ووسطها تعيش تحت وطأة ثورات مسلحة. ففي منطقة كويلو وسط الكونغو، وفي كيفو أقصى شرق البلاد، تشكَّلت ملامح رفض واسعة ضد كازافوبو وموبوتو ابتداء من سنة 1962 عُرفت في أدبيات السردية الوطنية الكونغولية بالنضال من أجل "الاستقلال الثاني" (نزونغولا-نتالاجا، 2002، ص. 111)(32). وقد تزعم هاتين الثورتين وزراء سابقون وقادة من حزب لومومبا وحلفائه (بيير موليلي وغاستون سوميالو وكريستوف غبينيي) تلقى بعضهم تدريبًا في الصين، وكانوا ذوي منطلقات أيديولوجية ماركسية-لينينية.

وقد تميزت هاتان الثورتان، فضلًا عن خطابهما الوطني الوحدوي المناهض للاستعمار الجديد و"عملائه المحليين"، بتقاليدهما وطقوسهما الخاصة في اكتتاب المقاتلين وتأهيلهم نفسيًّا والرفع من قدرتهم على الصمود، لاسيما ثورة سيمبا (الأسد في اللغة السواحلية) في شرق البلاد. فقد كان المراهقون والشبان الملتحقون بصفوف هذه الحركة يخضعون لمدونة سلوك صارمة تحظر عليهم، من بين ما تحظر، لمس الماء أو التواصل مع غير رفاق السلاح. كما درج الاعتقاد لدى مقاتلي سيمبا أن ما يعلقون من تمائم ويرددون من ترانيم ويؤدون من طقوس، أي ما يُعرف بـ"داوا" (دواء أو دعوة من اللغة السواحلية)، يبقيهم خارج خطر الإصابة بالرصاص الذي يتحول إلى "ماي ماي" (ماء باللغة السواحلية) مع ملامسة أجسادهم؛ ما مكنهم من مجابهة جيش الكونغو، رغم تطور عتاده، بالسلاح الأبيض، وخلقَ حالة من الرعب في صفوف أعدائهم، (فيرهايغن 1967(33)؛ كيسانغاني 2012(34)؛ فيرهايغن 2005(35). وفي ظل تعاظم ثورة سيمبا شرق الكونغو، تزعمت الولايات المتحدة حملة للقضاء عليها ضمن تحالف واسع ضم إلى جانب الجيش الكونغولي خبراء عسكريين بلجيكيين ومرتزقة أوروبيين نجح في توجيه ضربة قاتلة لها، نهاية 1964، في مدينة ستانليفيل "في هجوم بري وجوي عُرف بعملية التنين الأحمر" (نزونغولا نتالاجا، 2002، ص. 136)(36).

ورغم المنطلقات الأيديولوجية الماركسية والزخم الكبير لهذه الثورة، كما تجلى في التحاق الزعيم اليساري، تشي غيفارا، بشرق الكونغو مؤطِّرًا لها سنة 1965 (غيفارا، 2000)(37)، وحشدِها تعاطف قطاعات عريضة من المزارعين القرويين، فإنها لم تخل، بدورها، من تقاطعٍ ما مع الخطوط العرقية والقبلية، وتماسٍّ مع خطوط ثنائية الأصالة authochthony والوافدية allochthony؛ إذ "فشل [موليلي قائد ثورة كويلو وسط الكونغو] في نشر الثورة خارج المناطق التي تقطنها قوميتا مبوندي وبندي" (فيرهايغن، 2005، ص. 145)(38). ويستطرد فيرهايغن (1967، ص. 350)(39) حول تقابل مماثل في المناطق التي اندلعت فيها الثورة شرقي الكونغو بين قبائل وقوميات تساند التمرد وأخرى ترفضه بناء على اختلاف نحل عيشها من التجارة إلى الزراعة أو تباين حظوظها من التعليم أو الثروة، مع تأكيده على وجود ما سماه "وطنية قبلية حقيقية شكَّلت جسرًا بين قادة التمرد الواعين بالأهداف العامة للثورة والجماهير التي كانت حبيسة رؤية قبلية للعلاقات الاجتماعية". وقد كانت هذه الثورة باهظة الكلفة بشريًّا؛ إذ أسفرت عن مقتل نحو 40 ألفًا من الموظفين وأعوان الإدارة العمومية على يد المتمردين، وقضت خلالها القوات الحكومية على 15 ألفًا من المتمردين، (كيسانغاني 2012)(40).

من موبوتو إلى كابيلا: سيرًا على جماجم الكونغوليين والروانديين

لم تعرف الكونغو منذ استقلالها حكمًا أطول من حكم موبوتو سيسي سيكو الذي أعلن نفسه رئيسًا للبلاد، سنة 1965، بعد إزاحة جوزيف كازافوبو، ليُدخل البلاد في مسار طويل من الحكم الفردي طبعه بطابعه الخاص ووسمه بما عُرف بتوطيد الهوية المحلية zaïrianisation ابتداء من سبعينات القرن المنصرم. فقد غيَّر اسم البلاد من الكونغو إلى زائير، ضمن جهوده الرامية إلى العودة للأصالة والجذور الإفريقية، وغيَّر اسمه، هو نفسَه، من جوزيف ديزيري موبوتو إلى "موبوتو سيسي سيكو كوكو نغبندو وا زا بانغا" أي "المحارب الباسل ذو الفتوحات السائر من نصر إلى آخر مخلِّفًا وراءه اليتامى والثكالى". وقد خلَّف موبوتو بالفعل حين غادر السلطة دولة ثكلى جرَّاء الديكتاتورية وحكم الفرد والتمكين للأقارب من أبناء قوميته، نغباندي. فبعد الاستقرار النسبي والشعبية والانتعاش الاقتصادي الذي عرفته الكونغو نهاية ستينات القرن الماضي، غرقت الكونغو في أتون الفساد وديكتاتورية الفرد والحزب الواحد والركود الاقتصادي بداية السبعينات، وانتهى بها المطاف في الأيام الأخيرة من حكم موبوتو فريسة سهلة لتحالف من المتمردين يقوده لوران ديزيري كابيلا، وتقف خلفه أوغندا ورواندا الخارجة حينها للتو من أتون الإبادة الجماعية ضد أقلية التوتسي. وفضلًا عن القبضة الحديدية والتنكيل بالمعارضين، شهدت أيام موبوتو انتفاضات اتخذت من مراكز الصناعات المنجمية هدفًا لها، وجعلت من الكونغو مسرحًا للتدخلات الأجنبية نهاية السبعينات.

حروب شابا: كاتانغا شيوعية هذه المرة

مع التخلص من لومومبا، ثم انزياح التحالفات وتغير الرهانات في كينشاسا، لم تجد حكومة الكونغو غضاضة في الاستعانة بدرك كاتانغا من الانفصاليين السابقين، ومن دار في فَلَكهم من مرتزقة أجانب، ضد المتمردين في شرق البلاد. غير أن انقلاب موبوتو ونهاية مويس تشومبي أعادا هذا الإقليم ورفضه الصارخ لسلطة كينشاسا إلى الواجهة. وفي ظل محاولة موبوتو تفكيك البنى العسكرية لانفصاليي كاتانغا، التي أصبحت تُعرف في عهده باسم شابا، شكَّلت أنغولا، المستعمرة البرتغالية حتى منتصف السبعينات، ملاذًا وحليفًا للمقاتلين والمرتزقة المرتبطين بمحاولات الانفصال السابقة في الإقليم. وقد أذكت السياسات العقابية الممنهجة لموبوتو ضد قومية اللوندا، ذات الامتداد في أنغولا وزامبيا، روح الرفض والتمرد في كاتانغا من جديد (كيسانغاني 2012)(41).

وبعد استقلال أنغولا واحتدام الاحتراب بين فصائل المقاومة داخلها، اكتسى النزاع بُعدًا إقليميًّا ودوليًّا، ضمْن الصراع بين الكتلتين، الشرقية والغربية. وقد اصطف أبناء كاتانغا المنضوون تحت لافتة الجبهة الوطنية لتحرير الكونغو مع الحركة الشعبية لتحرير أنغولا-جناح نيتو ذات التوجه الشيوعي، إثر مراجعات أيديولوجية وإعادة ترتيب للأولويات تخلوا خلالها عن الطرح الانفصالي، وأصبحوا أقرب للتيارات الشيوعية الوطنية التحررية. وقد مكَّنت هذه التحولات الجبهةَ الوطنية لتحرير الكونغو بقيادة ناثانيل مبومبي من عقد تحالفات مع الاتحاد السوفيتي وكوبا اللذين وفرا لها العتاد والدعم والتدريب، وحتى مع الجزائر وليبيا (كينيس ولارمر 2016)(42). وقد نجحت هذه الجبهة في شن هجومين واسعين سنتي 1977 و1978، عُرفا بحربي شابا الأولى والثانية، شكلا ضربة موجعة لنظام موبوتو، ومكَّنا من الاستيلاء على مخازن المناجم في الإقليم لعدة أيام.

ورغم التدريب والتسليح الجيدين لمقاتلي الجبهة الوطنية لتحرير الكونغو، ووجود أرضية مناسبة في إقليم كاتانغا لتقبل الثورة ضد موبوتو جرَّاء الحرمان والفاقة المنتشرين في منطقة غنية بالثروات الطبيعية، فضلًا عن النزعة الرامية لتأكيد الهوية الخاصة بقومية اللوندا المشار إليه سابقًا، ووجود آلاف اللاجئين من كاتانغا في أنغولا (كينيس ولارمر 2016(43)، كيسانغاني 2012)(44)، فقد نجح موبوتو، مدعومًا بحلفائه من الخارج، وعازفًا على وتر الخطر السوفيتي، في صدِّ هذين الهجومين وإعادة المتمردين إلى قواعدهم الخلفية في أنغولا. وكان المغرب الذي نشر، بعد استجداء موبوتو بالحسن الثاني، أكثر من ألف جندي للتصدي لهجوم شابا الأول، سنة 1977، في صدارة هؤلاء الحلفاء. وكان توفير فرنسا والولايات المتحدة الوسائل لنقل الجنود المغاربة جوًّا، وتقديمُهما المعلومات الاستخبارية، حاسمًا في وضع حدٍّ لهذا التمرد الذي كانت تنظر له البلدان الغربية بعين الريبة والحذر، وترى فيه محاولة من الاتحاد السوفيتي وكوبا لتوسيع نفوذهما وسط القارة (بوسعيد، 2020)(45). وقد كانت كلفة هذين الهجومين، لاسيما الثاني منهما، باهظة؛ إذ أسفرا عن مقتل مئات المدنيين، فضلًا عن إعدام عشرات الرعايا الأجانب (كينيس ولارمر 2016)(46).

ضد موبوتو.. من أجل كابيلا: بداية العهد الرواندي في البحيرات الكبرى

لم تشهد ثمانينات القرن المنصرم في الكونغو ثورات أو أعمال عنف ذات نطاق واسع تهدد حكم موبوتو. فقد استطاع حليف الولايات المتحدة وفرنسا أن يوطد قبضته محليًّا عبر شبكة من الولاءات وتوزيع ريع الموارد المنجمية في عموم البلاد. ومع بداية التسعينات، شرعت الكونغو، مثل نظيراتها الإفريقية، في تدشين المسار الديمقراطي التعددي، غير أن هذا المشروع لم يُكلَّل بالنجاح، ولم يفتح الأبواب أمام آفاق حقيقية للتداول على السلطة أو التخلص من نظام موبوتو ذي الشعبية الآخذة في التآكل والانحسار. فقد أدى انهيار الاتحاد السوفيتي إلى خفض ما توليه الولايات المتحدة لحلفائها الأفارقة من دعم وأهمية، وتركَ عددًا من هؤلاء في مواجهة مباشرة مع ما يضطرم داخل بلدانهم من مشاكل وتناقضات. وبالتزامن مع ذلك، كان شرق الكونغو (ولايتا كيفو الجنوبية والشمالية) ذو التاريخ الطويل مع العنف العرقي والتعارض بين السكان الأصليين والوافدين يغرق في بحر أزمة الإبادة الجماعية التي ارتكبها الهوتو ضد التوتسي سنة 1994، وأسفرت عن مقتل نحو 800 ألف شخص، ونزوح مئات الآلاف من الهوتو نحو الكونغو.

فعبر سلسلة طويلة من الهجرات التي تعود إلى القرن التاسع عشر، وفق بعض التقديرات، استقرت في شرق الكونغو مجموعات من التوتسي، ومن الهوتو أيضًا، الناطقين بلغة الكينياروندا. وعززت حاجة الاستعمار البلجيكي إلى العمالة اليدوية لإنشاء السكك الحديدية، ثم الاضطرابات الأمنية التي رافقت نهاية الملكية في رواندا، وما عاشته كل من رواندا وبوروندي من أزمات وما نجم عنها من موجات لجوء، هذا الحضور والاستقرار. وعبر الانخراط في المشروع التحديثي الاستعماري والوطني أكثر من القوميات المجاورة مثل الهوندي والناندي والنيانغا والتيمبو (كيسانغاني، 2012)(47)، والحفاظ على نمط الرعي مقابل تقاليد الزراعة السائدة لدى سكان إقليم كيفو (تيرنر، 2007)(48)، والموقف الحذر إزاء ثورة الستينات (روهيمبيكا، 2021)، والسعي إلى توطيد الحضور في وجه التعددية الديمقراطية المرتقبة بداية التسعينات (فلاسنروت، 2013)(49)، برزت أكثر فأكثر هذه الهوية المغتربة القائمة على أساس الانتماء للتوتسي والتي عُرف المنتمون لها في جنوب كيفو باسم البانيامولينغي (أهل مولينغي)، وفي شماله باسم البانياروندا (أهل رواندا).   

ورغم قدم استيطان بعض هذه المجموعات لشرق الكونغو، (فلاسنروت، 2013)(50)، فقد ظل انتماؤها الوطني، مع إعادة التقطيع الإداري والتعديلات المختلفة لقانون الجنسية دمجًا ثم إقصاءً لها، موضع أخذ ورد، (روهيمبيكا، 2021 (51)؛ فلاسنروت، 2013)(52)، لاسيما في ظل طغيان ما يسميه هوفمان (2021، ص251)(53) "الحاكمية العرقية ethnogovernmentality"، وسترى المجموعات المحلية في إقليم كيفو في انخراط البانيامولينغي، وغيرهم من التوتسي، في صفوف الجبهة الوطنية لتحرير رواندا ما يعزز نظرتهم الرافضة لهذه المجموعات. ثم تعمقت الأزمة بعد لجوء مئات الآلاف من الهوتو إلى الكونغو، بعد سيطرة بول كاغامي وحلفائه على زمام الأمور في كيغالي، ومن بينهم عشرات الآلاف من مرتكبي الإبادة الجماعية ضد التوتسي وبأيديهم الثروة والسلاح والعتاد (برينييه، 2009)(54). وفي ظل تصاعد لهجة الرفض ضد البانيامولينغي وعموم الناطقين بالكنيارواندا في الكونغو (البانيارواندا في شمال كيفو)، وأمام ما وصفه برينييه (ص 27-28)(55) بسعي موبوتو إلى "ممارسة ضغوط عسكرية غير مباشرة على أعدائه في كيغالي وكمبالا" عبر ميليشيات الهوتو اللاجئين في الكونغو (إنتاراهامْوي) التي أمَّنت القوات الفرنسية عبورها إلى الكونغو ضمن ما عُرف بعملية تيركواز Turquoise، وفق برينييه (2009)(56)، بدأت رواندا تحت غطاء مطاردة مرتكبي الإبادة الجماعية، مسارًا طويلًا من التدخل في شرق الكونغو، نزونغولا-نتالاجا (2002)(57).

وتحت إشراف كيغالي، زحفَ ما عُرف حينها بتحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو AFDL الذي ضم أربع حركات مسلحة، من بينها حركة خاصة بالبانيامولينغي (التحالف من أجل الشعوب)، من شرق الكونغو إلى غربها، في أكتوبر/تشرين الأول 1996. وسينتهي المطاف بالمناضل السابق في ثورة شرق الكونغو الموؤودة ستينات القرن الماضي، جوزيف ديزيري كابيلا، إلى أن يتزعم هذا التحالف، ثم ينصِّب نفسه رئيسًا للبلاد بعد سيطرته على كينشاسا، وفرار موبوتو خارج البلاد، في مايو/أيار سنة 1997. ورغم أن بعض حلفاء موبوتو، مثل فرنسا، حاولوا أن يمدوا له يد العون، فزوَّدوه بعتاد ومرتزقة أوروبيين، بدت القوات المسلحة الكونغولية عاجزة عن وقف تقدم القوات المعارضة التي كانت تعزز صفوفها باستمرار، لاسيما عبر تجنيد الأطفال المقاتلين. ويؤكد برينييه (2009، ص 128)(58) وهن القوات المسلحة الكونغولية بالقول: إن "المعارك التي خاضها تحالف القوى الديمقراطية من أجل تحرير الكونغو خلال هذه الحملة كانت ضد أجانب"؛ فقد اقتصرت مقاومة هذا التحالف تقريبًا على ميليشيات مسلحة متحالفة مع نظام موبوتو ومعارضة للأنظمة القائمة في رواندا وبوروندي وأنغولا؛ إذ واجه "قوات التحالف من أجل الديمقراطية البوروندي FDD في جنوب كيفو، والقوات المسلحة الرواندية السابقة وميليشيات إنتراهامْوا في نهر أوسو، وكتائبَ يونيتا UNITA الأنغولية التي دافعت عن منطقة بونيا".

وقد شهد هذا الزحف الذي استمر على مدى نصف عام مذابح ومجازر مروعة، لاسيما ضد اللاجئين الهوتو في الكونغو الذين كانوا هدفًا رئيسيًّا لمسلحي تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو، ومن رافقهم من مقاتلي الجبهة الوطنية الرواندية. فعلى طول الطريق من شرق الكونغو حتى وسطها، ظلت مخيمات اللاجئين الهوتو وتجمعاتهم التي كانت تفر متجهة إلى الغرب عرضة للقتل الممنهج، وعاشت أسوأ الظروف الإنسانية جرَّاء المجاعة والضياع في الغابات شرقي ووسط الكونغو. ويخلص برينييه (2009، ص 148)(59)، بعد استعراض مختلف المجازر التي حدثت في مناطق مثل كيفو وتينغي-تينغي وكيسانغاني، وبيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلى أن نحو ثلاثمئة ألف من اللاجئين الهوتو قد قضوا على يد هذه القوات، خلال مسيرها صوب العاصمة، كينشاسا، في أقصى غرب البلاد.

ضد كابيلا.. مع كابيلا: تفرق دماء الكونغوليين وثرواتهم بين الجيران

أثارت المكانة التي اكتسبها البانيامولينغي وعموم التوتسي إثر توطيد حلفائهم الروانديين قبضتهم على البلاد حفيظةَ المجموعات المحلية في إقليم كيفو. وسعيًا للتصدي لهذا النفوذ المتصاعد، رأت النور منتصف عام 1997 ميليشيات دفاع محلية عُرفت باسم الماي ماي، وتحالفت مع الحركات المسلحة المعارضة لأنظمة الحكم في رواندا وبوروندي. وفي كينشاسا، أشعل إنهاء لوران كابيلا التعاون العسكري مع رواندا، نهاية يوليو/تموز سنة 1998، موجة تمرد واسعة في مراكز وثكنات عسكرية في مختلف أرجاء البلاد. وفي غضون بضعة أسابيع، كانت الكونغو تغوص في وحل حرب جديدة هي الأشرس والأعنف في تاريخ القارة الإفريقية، بل والعالم منذ الحرب العالمية الثانية، وفق بعض التقديرات (كيسانغاني، 2003)(60)؛ (كيسانغاني، 2003)(61)؛ (برينييه، 2009)(62)؛ (نزونغولا-نتالاجا، 2002)(63).

ولم تستسغ كيغالي، التي وصل نفوذها في الكونغو حدَّ تولي الجنرال الرواندي، جيمس كاباريبي، قيادة أركان الجيش الكونغولي، أن تخسر بجرَّة قلم من كابيلا ما حصدت في هذا البلد من قوة ونفوذ. هكذا اندلعت ثورات وموجة تمرد ضد الجيش الكونغولي في مناطق مختلفة مثل إقليمي كيفو وكيسانغاني، بل وحتى في العاصمة كينشاسا وغربها، وعبَر الجيش الرواندي، وحلفاؤه الأوغنديون، الحدود نحو الكونغو بقيادة كاباريبي، في الثالث من أغسطس/آب. ورغم الوهن الذي بدا على نظام كابيلا في وجه المعارضة المسلحة المنضوية ضمن التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية RCD، واضطراره إلى مغادرة العاصمة، كينشاسا، صوب مدينة لوبومباشي في كاتانغا، فقد استطاع، مدعومًا بحلفائه من أنغولا وزيمبابوي والكونغو برازفيل وناميبيا، أن يصمد أمام الضربات الموجعة والتقدم الهائل لخصومه لاسيما في شرق وشمال البلاد؛ ما أفضى إلى حرب استنزاف طويلة الأمد امتدت حتى سنة 2003، (برينييه، 2008(64)، كيسانغاني، 2012)(65).

وقد قادت شهور من القتال والاستقطاب الإقليمي إلى جرِّ تسع دول إفريقية إلى مستنقع هذه الحرب، وإلى انقسام الفصائل المسلحة، بل وإلى الاحتراب بين طرفين من أهم خصوم كابيلا، هما: رواندا وأوغندا. فقد وجد السودان في الكونغو فرصة للتصدي للنفوذ المتصاعد للرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، الداعم للحركة الانفصالية في جنوب السودان، وتبعتها في دعم كابيلا كل من ليبيا وتشاد. ولم يدم طويلًا الانسجام بين مكونات التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية RCD بقيادة وامبا ديا وامبا، على خلفية تضارب المصالح بين رواندا وأوغندا، والحساسية إزاء طغيان نفوذ البانيامولينغي المدعومين من كيغالي، فانقسم إلى فصيلين حمل أحدهما اسم مدينة غوما في شرق البلاد RCD-Goma واعتمد على رواندا، بينما حمل الآخر اسم كيسانغاني في الشمال RCD-Kisangani وتحالف مع أوغندا. ودعمت أوغندا، سعيًا منها لتأكيد استقلالها في المشهد السياسي الكونغولي، فصيلًا آخر من المقاتلين المنضوين تحت لواء حركة تحرير الكونغو MLC بقيادة جان بيير بمبا في إقليم كيسانغاني الغني بالثروات المعدنية شمالي البلاد، كما ينقل برينييه (2009)(66).

وعلى غرار ما شهدته حرب الكونغو الأولى من مواجهة بين الجيوش النظامية لدول الجوار والحركات المسلحة المناهضة لها، كانت هذه الحرب أيضًا، بطريقة ما، تصفية حسابات بين سلطات مركزية وميليشيات متمردة على أرض الكونغو. فقد كانت رواندا، كما ينقل كيسانغاني (2003، ص 25)(67) ترفع خلال هذه الحرب شعار ملاحقة جيش تحرير رواندا ALIR، وتتصدى رواندا وبوروندي وأوغندا وأنغولا، هي الأخرى، لحركات مسلحة تسعى للإطاحة بها؛ ما جعل "خمسة نزاعات تدور رحاها على الأراضي الكونغولية". وقد بلغ عدد القوات الرواندية على الأراضي الكونغولية في ذروة هذه الحرب أكثر من 30 ألف جندي، وفق كيسانغاني وبيكري 2021(68). ورغم توقيع عدة اتفاقيات منها ما كان على عهد كابيلا الأب (اتفاقية لوساكا) وأخرى (بريتوريا وصان-سيتي ولواندا) وقعت في عهد ابنه، جوزيف كابيلا، الذي تولى رئاسة البلاد بعد اغتيال والده، بداية 2001، فقد استمرت هذه الحرب حتى سنة 2003. وقد تجلى النطاق الواسع لهذه الحرب، وتعدد جبهاتها، وتنوع المشاركين فيها، في كلفتها البشرية الباهظة. فوفق تيرنر (2007، ص 2)(69)، "قدرت لجنة الإنقاذ الدولية IRC عدد الوفيات جرَّاء هذه الحرب بنحو 3.8 ملايين وفاة في الفترة ما بين 1998 و2004" قضى معظمهم جرَّاء المجاعة وانتشار الأمراض.

من RCD-Goma إلى M23: الشرق الحرون

على عكس بقية أقاليم الكونغو التي شهدت هدوءًا نسبيًّا وعودة تدريجية هشة لمظاهر السلطة المركزية، بعد المسار الطويل للمفاوضات وانسحاب القوات الأجنبية، والمرحلة الانتقالية، ظل إقليم كيفو، وفق تعبير بيزويك (2009)(70)، عصيًّا على الدمج في الدولة الكونغولية من جديد. وجاءت نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية، سنة 2006، فأبرزت عجز التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية RCD-Goma عن ترجمة سيطرته عسكريًّا على نحو ثلث البلاد عبر صناديق الاقتراع؛ إذ كان أبرز الخاسرين في هذه الانتخابات، كما ينقل ستيرنز (2012)(71). وأمام هذا الواقع الجديد، تنوعت سبل استجابة قادة الكتائب العسكرية في التجمع الكونغولي واختلفت طرق تكيفهم مع مساعي نزع سلاح الميليشيات وضمها للقوات المسلحة الكونغولية تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة MONUC.

المؤتمر الوطني لحماية الشعب: بقية من مخاوف الناطقين بالكينيارواندا

في ظل ظروف يطبعها عدم اليقين بشأن مستقبل هذه الميليشيات ووضع من يفترض أنها ترفع شعار حمايتهم، وعلى خلفية مواجهات عرقية، ومخاوف قديمة متجددة لدى الناطقين بالكينياروندا شرقي الكونغو، وشكاوى رواندا من نشاط ميليشيات الهوتو المنضوية تحت القوى الديمقراطية لتحرير رواندا FDLR، رأى المؤتمر الوطني لحماية الشعب CNDP النور، سنة 2006، في إقليم كيفو تحت إمرة الجنرال لوران نكوندا. وقد استقطبت هذه الحركة ضباطًا من التوتسي ممن دشنوا مسارهم العسكري مع الجبهة الوطنية الرواندية التي وصلت إلى السلطة في كيغالي منتصف التسعينات، ثم زحفوا لاحقًا نحو كينشاسا مع كابيلا، كما يروي ستيرنز (2013)(72). وقد بدت هذه الحركة المسلحة التي كانت ذات مطالب مناطقية وعرقية محددة، هي حماية التوتسي في إقليم كيفو، قادرةً على اكتتاب مزيد من المقاتلين في صفوف هذه القومية، وعلى اكتساح مناطق شاسعة شملت نقاط العبور مع رواندا وأوغندا. وقد حظيت، على غرار انتفاضات التوتسي شرقي الكونغو، بدعم من رواندا مقابل وقوف كينشاسا مع القوى الديمقراطية لتحرير رواندا وميليشيات الماي ماي، وفق ما ينقل ستيرنز (2012)(73) عن تقارير لخبراء تابعين للأمم المتحدة.

وقد استطاع المؤتمر الوطني أن يوسع باطراد نطاق نفوذه، انطلاقًا من معاقله في ماساسي وواليكال شمالي كيفو، رغم جهود القوات المسلحة الكونغولية والقوات الأممية وميليشيات محلية، ليهدد مدينتي غوما وبوكافو. وفضلًا عن فرض الإتاوات والجباية على التجارة العابرة للحدود، كانت مناجم كيفو مصدرًا أساسيًّا لتمويل نشاط هذه الحركة المسلحة. وقد مكَّنت الاتفاقيات المتعددة التي أبرمتها هذه الحركة مع كينشاسا من الحصول على تمويل عمليات الدمج والتسريح، مع الحفاظ على هياكلها العسكرية ورفض نشر مقاتليها في مناطق خارج إقليم كيفو. وقد خاضت قوات هذه الحركة سلسلة من المعارك طوال الفترة ما بين 2006 و2009، أسفرت عن نزوح مئات الآلاف، وارتكبت خلالها شتى ألوان الجرائم والانتهاكات، وفق تقارير حقوقية(74).

ورغم الدعم الذي حظي به المؤتمر الوطني من قبل رواندا، والنفوذ الواسع الذي كان لزعيمه، لوران نكوندا، ما بين 2006 و2008، فقد أدى التقارب المؤقت بين كيغالي وكينشاسا بدايات 2009، وفق ما يرى ستيرنز (2012)(75)، إلى تعديل سياسات كيغالي تجاه هذه الحركة فألقت القبض على نكوندا ووضعته قيد الإقامة الجبرية داخل رواندا، في يناير/كانون الثاني 2009(76). وقد أثمرت اتفاقية لدمج مقاتلي المؤتمر الوطني، جرت في أجواء يطبعها التعاون بين رواندا والكونغو، انضمامَ أغلب مقاتلي هذه الحركة إلى القوات المسلحة الكونغولية، وُقِّعت في غوما، في الثالث والعشرين من مارس/آذار سنة 2009(77). وتجلى التقارب بين رواندا والكونغو في عمليات تمشيط مشتركة داخل الكونغو استهدفت مقاتلي القوى الديمقراطية لتحرير رواندا شهدت هي الأخرى ارتكاب أعمال قتل وانتهاكات جسيمة واسعة النطاق ضد المدنيين(78).

حركة الثالث والعشرين من مارس: الفتق المستعصي على الرتق

من بين جميع الاتفاقيات التي أسفرت عنها الجهود الرامية لحلحلة شرق الكونغو، ستحضر اتفاقية الثالث والعشرين من مارس/آذار سنة 2009، أو تاريخها على الأصح، بقوة في الذاكرة السياسية للكونغوليين حتى اليوم. ففي خضم تصاعد التوتر بين الوحدات العسكرية التابعة للمؤتمر الوطني لحماية الشعب CNDP المندمجةِ حديثًا في الجيش الكونغولي وقيادة أركان هذا الأخير، نشبت أعمال تمرد طالب قادته بتطبيق بنود هذا الاتفاق. وعلى غرار التمرد السابق، سهَّل استقلال السلاسل القيادية الموازية لهذه الوحدات من قدرتها على تدبير هذا التمرد ورص الصفوف، لتعلن، سنة 2012، بدء تمرد طويل تحت اسم الثالث والعشرين من مارس M23 لا يزال مستمرًّا حتى الآن.

ولم يكن قوام الحركة حين بدأت تمردها يتجاوز 600 مقاتل ينحدر معظمهم من شمال كيفو، وبالتحديد من منطقتي ماسيسي وروتشيرو، كما ينقل ماكونيي 2023(79)، غير أنها حظيت بدعم مطرد من رواندا وأوغندا. فقد سعت كيغالي إلى رأب الصدع بين قياديين من أبرز وجوه التمرد في إقليم كيفو، هما: بوسا نتاغاندا وسلطاني ماكانغي، كما يؤكد ستيرنز (2012). وقد أبانت حركة الثالث والعشرين من مارس عن قدرات عسكرية كبيرة، وسط اتهامات من كينشاسا لكيغالي بمدها بالرجال والعتاد. فبعد تقدمها في مناطق عديدة في شمال كيفو، منتصف 2012، نجحت في السيطرة على غوما، أهم مدينة في شرق الكونغو، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، قبل أن تنسحب منها وسط ضغوط دولية وإقليمية(80).

ويظهر تقريرا خبراء الأمم المتحدة عن الكونغو لسنتي 2012 و2013 الصعود الصارخ لهذه الحركة ومسار نهايتها على يد الجيش الكونغولي وقوات البعثة الأممية MONUSCO. كما يبرز الدعم الذي تلقته من طرف كل من رواندا وأوغندا، وعمليات الاكتتاب الواسعة التي مارستها الحركة سنة 2012 في هذين البلدين، فضلًا عما ارتكبته من جرائم شملت الإعدامات الجماعية والعنف الجنسي. وبفضل إنشاء البعثة الأممية لواء خاصًّا بالتدخل العسكري FIB، سنة 2013، وحملات عسكرية شنَّها الجيش الكونغولي بالتعاون مع هذا اللواء، اضطر كثير من مقاتلي الحركة إلى الاستسلام أو إلى الانسحاب صوب رواندا وأوغندا. وبنهاية 2013، بدت حركة الثالث والعشرين من مارس وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، مع تقلص ما تسيطر عليه من مناطق(81).

تحالف نهر الكونغو-حركة الثالث والعشرين من مارس: أشباح الماضي القريب

بعد نحو عقد من انحسار النشاط، واستعادة الجيش الكونغولي مدعومًا بالبعثة الأممية MONUSCO سيطرته على معظم إقليم كيفو، عادت حركة الثالث والعشرين من مارس إلى الواجهة، واستأنفت القتال سنة 2022. وقبل نحو سنتين من الآن، بدت هذه الحركة في أوج قوتها، واستهدفت قواعد الجيش الكونغولي والقوات الأممية، وسيطرت على مناطق واسعة في شرق البلاد. ووفق تقارير متعددة، فقد أبانت هذه الحركة عن قدرات قتالية وتطور كبير في العتاد والسلاح، جعلت أصابع الاتهام تُوجَّه بقوة نحو رواندا من جديد، رغم النفي المتكرر لكيغالي. ويشير ماكونيي (2023)(82) إلى التوتر الذي طبع علاقات كيغالي وكينشاسا، قبيل انبعاث هذه الحركة، على خلفية تصاعد النشاط الاقتصادي لأوغندا في إقليم كيفو، بعد منح الكونغو شركات أوغنديةً عقودًا في مجالي التعدين والإنشاء. كما تؤكد تقارير على دور التقارب بين بوروندي والكونغو والعمليات العسكرية للقوات البوروندية شرقي الكونغو (كيفو الجنوبية) في إذكاء مخاوف رواندا من العزلة الإقليمية(83).

ووسط تصاعد هجمات هذه الحركة، وتوسع نشاطها في إقليم كيفو الشمالية، تعززت صفوفها بوافدين جدد من معارضي الرئيس، فيليكس تشيسيكيدي، بداية 2003. فقد أعلن الرئيس السابق للجنة الانتخابات، كورنيْ نانْغا، تشكيل تحالف نهر الكونغو، الذي ضم مكونات سياسية وعسكرية من أبرزها حركة الثالث والعشرين من مارس. وقد وسَّعت الحركة إثر ذلك من تحالفاتها مع عدد من الميليشيات المسلحة النشطة في ولايتي كيفو؛ ما مكَّنها من اكتساح هذا الإقليم بداية 2025، والسيطرة على عاصمة هاتين الولايتين، غوما وبوكافو. ووفق تقارير مجموعة الخبراء الأمميين الخاصة بالكونغو، فقد سعت حركة الثالث والعشرين من مارس، من خلال الاندماج مع تحالف نهر الكونغو إلى إضفاء صبغة وطنية على نشاطها ومنح مطالبها بُعدًا أوسع يتجاوز ما كانت ترفعه من مظالم ضيقة خاصة بسكان إقليم كيفو من التوتسي(84). وذلك ما تجلى في تبنِّيها خطابًا وشعارات ذات أبعاد وطنية(85).

ورغم تهديد قادة في هذه الحركة، تصريحًا وتلميحًا أحيانًا، بالزحف نحو كينشاسا، والعجز الذي بدا عليه الجيش الكونغولي وميليشيات "وازلندو" المتحالفة معه، فلا تزال خطوط المواجهة ضمن حدود إقليم كيفو حتى الآن. وجاء توقف حركة الثالث والعشرين من مارس عن التوسع خارج مناطق هذا الإقليم، وسط ضغوط دولية متصاعدة ضد رواندا، وتعليق عدد من الدول الأوروبية برامج التعاون معها، على خلفية اتهامها بدعم هذه الحركة. وقد أثار التقدم الذي حققته الحركة رغم انتشار القوات الأممية وبعثة المجموعة الإنمائية للجنوب الإفريقي SAMIDRC، ومقتل 14 جنديًّا من جنوب إفريقيا في مدينة غوما، تراشقًا حادًّا بين رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، والرئيس الرواندي، بول كاغامي، على وسائل التواصل الاجتماعي(86).

خاتمة: في نقاط التقاطع بين الأعراق والثروات والحروب

كان إقليم كيفو، على غرار بقية أقاليم الكونغو الديمقراطية، ورواندا وبوروندي المجاورتين، مجالًا غرست فيه الكولونيالية البلجيكية (والألمانية) نظرتها العرقانية، ووطدت عبر ممارساتها الاستعمارية ما رأته تمايزًا وتراتبية بين الشعوب والأعراق الإفريقية، واستغلت، حدَّ التعسف، وتحويلِ العارض والمتحول إلى جوهري وأصيل، ما اقتنصه روادها الأوائل من انطباعات وتصورات. ودون أن نبالغ في الأمر، كما يحذر ولد الشيخ (2014، ص 17)(87)، حدَّ أن ننسب للكولونيالية والممارسات الاستعمارية، ابتكارَ الأعراق والقبائل الإفريقية، وما تمايزت به تاريخيًّا عن بعضها البعض "من لغات ونظم قرابة، ومعتقدات دينية وأساطير مؤسسة"، فلا محيد في النهاية، وفق رأيه، من الاعتراف "بما كان للغزو الأوروبي من إسهام في تحويلها وإعادة تشكيلها [...]، حين راعى في تقطيع أراضي المستعمرات ومناطقِها همومَه الإدارية والأمنية والاقتصادية الخاصة أكثر مما راعى الكيانات البشرية السابقة".

ويجدر أيضًا ألا نلغي مشيئة الأفارقة أنفسِهم ودورَهم في صياغة أنماط الحكم القائمة على العرق خلال تفاعلهم مع توطيد السلطات الاستعمارية نفوذَها، وتفاوضهم على حدود وطبيعة هذا النفوذ، كما يوضح (هوفمان، 2021)(88) أثناء تتبعه لنشأة الحاكمية العرقية ethnogovermentlaity في شرق الكونغو. وفضلًا عن التركة العرقية الاستعمارية؛ فقد أسهمت الدولة الوطنية في إفريقيا عبر "محاولة ترقية أشكال من السلطة إفريقيةِ الأصل [...] في إرساء تقاليد أعيد اختراعها استجابةً للحاجات والأهواء الغريبة" لبعض الحكام مثل موبوتو سيسي سيكو، (ولد الشيخ، ص 39)(89)؛ فعززت الانتماءات ما قبل الوطنية وأبقتها قيد التداول. ورغم أن هذه الانتماءات العرقية كثيرًا ما أُلقي عليها باللوم في تعبئة المقاتلين والأتباع ضمن الحروب في الكونغو، فقد ظلت في الوقت ذاته، كما يؤكد نديكومانا وكيسانغاني (2005، ص 63)(90)، "عقبةً أمام توسع الحروب إلى مناطق أخرى من البلاد".

وحين ينظر المرء إلى المقاربات التي حاولت أن تفكك جذور الحروب العرقية والبيئات المحفزة لاندلاعها، كما لخصتها توفت (2002)(91) وفيرون وليتين (2023)(92)، فسيجد أن الكونغو تكاد تضج بجميع الأسباب التي قد تفضي إلى الاقتتال العرقي؛ فهي، على سبيل المثال، بلدٌ قليل الحظ من التحديث هش البنية البيروقراطية مصدِّر للسلع الأولية ينخفض فيه دخل الفرد، وبين بعض أعراقه توترات وأحقاد دفينة، ولا تتورع نخبه عن استغلال تناقضاته العرقية والجهوية خدمة لأجندتها السياسية. وهي أيضًا بلد شاسع المساحة صعب التضاريس ذو غابات استوائية وحواجز مائية ومناطق جبلية وبركانية.

وعلى ضوء الخلاصات التي وصل إليها كوليي وهوفمان (2004)(93) بشأن الدور المحوري للسلع الأساسية، مقارنيْن بين المظالم والمطامع، في اندلاع الحروب الأهلية، تبدو الكونغو المتشرذمة عرقيًّا، بما تعج به من ثروات طبيعية، وخاصة من معادن نفسية أو ذات دور محوري في الصناعات التقنية الحديثة (التنتالوم والتنجستن والقصدير T3)، وبما لها من سمات أشرنا إليها في الفقرة السابقة، مرشحةً للصراعات بشكل كبير. وعلى ضوء هذه النماذج، يمكن تفسير محاولة انفصال إقليمي كاتانغا وكاساي عشية الاستقلال بوصفها تمردًا يسعى للحؤول دون إعادة توزيع الثورة، واحتكار ما تُدِرُّه الأنشطة الاستخراجية المكثفة للنحاس والكوبالت والألماس في هذين الإقليمين من مداخيل. وباستثناء ثورة كويلو وسط الكونغو، ستينات القرن الماضي، تركزت سبع حروب شهدها هذا البلد حول مناطق غنية بالثروات الطبيعية، وكانت هذه الثروات مصدر تمويل للميليشيات، كما ينقل نديكومانا وكيسانغاني (2005، ص 64)(94)، وتتميز الكونغو أيضًا بتوفرها على كميات كبيرة من الثروات والمعادن القابلة للنهب والتهريب (الذهب والألماس والكولتان والتنتالوم والتنجستن) التي يُرجع لها بعض الباحثين (روس، 2001؛(95) روس، 2004)(96) دورًا رئيسيًّا في إطالة أمد الصراعات. ويعزو روس (2004)(97)، لهذه الثروات المعدنية أيضًا ارتباطًا بإقدام أطراف خارجية على بدء حرب أهلية أو دعمها. وفي تطور صادرات دول مثل رواندا وأوغندا من الذهب والألماس، أثناء حرب الكونغو الأولى (1996-1997)، كما يستعرضها برينييه (2009، ص 196)(98)، أفضل مثال. فقد انتقلت صادرات أوغندا من الذهب، سنة 1995، من قيمة 23 مليون دولار إلى ما قيمته 106 ملايين دولار، سنة 1997. وفي المقابل، استطاع كابيلا خلال حرب الكونغو الثانية أن يضمن دعمًا عسكريًّا من بعض البلدان، مقابل امتيازات في استغلال المعادن والثروات الطبيعية، كما كانت الحال مع زيمبابوي، (روس، 2004). ووفق آخر تقرير لفريق الخبراء الأمميين المعني بالكونغو الديمقراطية(99)، فإن حركة الثالث والعشرين من مارس تكسب نحو 800 ألف دولار شهريًّا من الضرائب المفروضة على إنتاج وتجارة الكولتان في منجم روبايا قرب مدينة كيفو وحده، ويتواصل تهريب هذا المعدن من شرق البلاد نحو رواندا(100).

ومع وضع هذه المقاربات في الحسبان، واعتبارًا لما يزخر به إقليم كيفو وجواره المضطرب، إيتوري شمالًا وكاتانغا وكاساي شمالَ غربٍ، من ثروات (64٪ من كولتان الأرض وحوالي 60% من العرض العالمي من الكوبالت)(101) يتزايد عليها الطلب مع توسع الصناعات المرتبطة بالإلكترونيات واستخدام بطاريات الليثيوم، وفشل المبادرات الهادفة إلى مكافحة تهريب "معادن الصراع"، فقد لا نرى في الأمد القريب نهاية للأزمة الحالية. ومما يُضفي على هذه الأزمة مزيدًا من التعقيد اتخاذُ السياسيين المغاضبين والمحرومين من المناصب التمردَ العسكريَّ مطيةً للبقاء على قيد الحياة السياسية. وفي انتقال كورنيْ نانْغا من رئيسٍ للجنة الانتخابات الوطنية يضبط إيقاع التنافس الديمقراطي في البلاد(102) إلى زعيمٍ لتحالف نهر الكونغو-حركة الثالث والعشرين من مارس يريق بتمرده الدماء ويدفع عشرات الآلاف إلى اللجوء مثالٌ على المسارات المتقلبة والغريبة للساسة في هذه البلاد(103). كما تنذر عودة الرئيس السابق جوزيف كابيلا إلى الواجهة، بالتزامن مع هذه التطورات، واستجواب قادة من حزبه على خلفية علاقة مزعومة مع قادة التمرد في كيفو، بمزيد من الاستغلال لهذه الأزمة، ومن المضاربات في وجه الرئيس، فليكس تشيسيكيدي، وعلى يده(104).

وزدْ على هذه الديناميات المحلية الحضورَ العسكري المعلن، والمتفاوضَ عليه مع كينشاسا، لكل من أوغندا وبورندي سعيًا وراء حركات متمردة في الأطراف الشرقية للكونغو، وما يثير من أسئلة ومخاوف في كيغالي، وإحجامَ الرئيس الرواندي، بول كاغامي، عن نفي أو تأكيد دخول قوات بلاده إلى إقليم كيفو، وموقفَه من قوات حفظ السلام التابعة للمجموعة الإنمائية للجنوب الإفريقي، وتسليمَ حركة الثالث والعشرين لكيغالي مقاتلين من القوات الديمقراطية لتحرير رواندا FDLR الضالعين في إبادة التوتسي قبل نحو ثلاثة عقود؛ وحينها يتضح بجلاء عمقُ غور هذه الأزمة، وتشابكُ ما لأصحاب المصلحة فيها من حسابات، وتعددُ ما يعقدون عليها من رهانات.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1)- Van Noten, F., Cahen, D., & de Maret, P. (1981). Central Africa. In G. Mokhtar (Ed.), General history of Africa II: Ancient civilizations of Africa (pp. 620–638). UNESCO.

2)- Matveiev, V. V. (1984). The development of Swahili civilization. In D. T. Niane (Ed.), General history of Africa IV: Africa from the twelfth to the sixteenth century (pp. 455–480). UNESCO.

3)- Birmingham, D. (1975). Central Africa from Cameroun to the Zambezi. In R. Gray (Ed.), The Cambridge history of Africa: Volume 4 (pp. 519–566). Cambridge University Press.

4)- Heywood, L. M. (2009). Slavery and its transformation in the kingdom of Kongo: 1491–1800. Journal of African History, 50(1), 1–22.

5)- Bennett, N. R. (Ed.). (1970). Stanley's dispatches to the New York Herald, 1871–1872, 1874–1877. Boston University Press.

6)- Nzongola-Ntalaja, G. (2002). The Congo: From Leopold to Kabila: A people's history. Zed Books.

7)- Op. Cit.

8)-  Morel, E. D. (1904). King Leopold's rule in Africa. London: William Heinemann, p 145.

9)- Conrad, J. (2006). Heart of darkness. W.W. Norton & Company.

10)-Twain, M. (1999). King Leopold's soliloquy: A defense of his Congo rule. Dover Publications.

11)- Congo : Patrice Lumumba prononce le discours d'indépendance - 30 juin 1960 (extraits), youtube 30 juin 2020 (vu le 2 mars 2025): https://www.youtube.com/watch?v=3jL2CmJypEA

12)- Kent, J. (2017). The neo-colonialism of decolonization: Katangan secession and the bringing of the Cold War to the Congo. The Journal of Imperial and Commonwealth History, 45(1), 93–130.

13)- Devlin, L. (2007). Chief of station, Congo: Fighting the Cold War in a hot zone. PublicAffairs.

14)- Kent, J. (2017). The neo-colonialism of decolonisation: Katangan secession and the bringing of the Cold War to the Congo. The Journal of Imperial and Commonwealth History, 45(1), 93–130.

15)- Roosevelt, A. C. (2020). Culpability for violence in the Congo: Lessons from the crisis of 1960–1965. In T. H. Leahy & T. K. Hayes (Eds.), Human conflict from Neanderthals to the Samburu: Structure and agency in webs of violence (pp. 133–154). Springer International Publishing.

16)- MacQueen, N. (2014). United Nations peacekeeping in Africa since 1960. Routledge.

17)- Bruyère-Ostells, W. (2015). L'influence française dans la sécession katangaise : naissance d'un système mercenaire. Relations internationales, 162(2), 157-170.

18)- Passemiers, L. P. C. (2016). South Africa and the 'Congo Crisis', 1960–1965 (Doctoral dissertation). University of the Free State.

19)- Hendrickx, C. (2021). Tshombe’s secessionist state of Katanga: Agency against the odds. Third World Quarterly, 42(9), 2021–2038.

20)- Nzongola-Ntalaja, G. (2002). The Congo: From Leopold to Kabila: A people's history. Zed Books.

21)- Roosevelt, A. C. (2020). Culpability for violence in the Congo: Lessons from the crisis of 1960–1965. In T. H. Leahy & T. K. Hayes (Eds.), Human conflict from Neanderthals to the Samburu: Structure and agency in webs of violence (pp. 133–154). Springer International Publishing.

22)- Gobbers, E. (2016). Ethnic associations in Katanga province, the Democratic Republic of Congo: Multi-tier system, shifting identities and the relativity of autochthony. The Journal of Modern African Studies, 54(2), 211–236.

23)- Op. Cit.

24)- Op. Cit.

25)- Mohtadi, H. L. (2019). Katanga secession: The growth and manipulation of ethnic associations. Saint Mary's Academy.

26)- Kabamba, K. (2018). Pouvoir, territorialité et conflictualité au Grand Kasaï (République démocratique du Congo) [Power, territoriality and conflicts in Large Kasaï (Democratic Republic of Congo)]. Belgeo: Revue belge de géographie, 2(2018).

27)- Kisangani, E. F. (2012). Civil Wars in the Democratic Republic of Congo, 1960–2010. Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers.

28)- Nzongola-Ntalaja, G. (2002). The Congo: From Leopold to Kabila: A people's history. Zed Books.

29)- Roosevelt, A. C. (2020). Culpability for violence in the Congo: Lessons from the crisis of 1960–1965. In T. H. Leahy & T. K. Hayes (Eds.), Human conflict from Neanderthals to the Samburu: Structure and agency in webs of violence (pp. 133–154). Springer International Publishing.

30)- Stapleton, T. J. (2017). A history of genocide in Africa. Praeger.

31)- Kisangani, E. F. (2012). Civil Wars in the Democratic Republic of Congo, 1960–2010. Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers.

32)- Nzongola-Ntalaja, G. (2002). The Congo: From Leopold to Kabila: A people's history. Zed Books.

33)- Kisangani, E. F. (2012). Civil Wars in the Democratic Republic of Congo, 1960–2010. Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers.

34)- Verhaegen, B. (1967). Les rébellions populaires au Congo en 1964. Cahiers d'Études africaines, 7(26), 236-296.

35)- Verhaegen, B. (2005). Mulele et la révolution populaire au Kwilu. L’Harmattan.

36)- Nzongola-Ntalaja, G. (2002). The Congo: From Leopold to Kabila: A people's history. Zed Books.

37)- Guevara, E. (2000). The African dream: The diaries of the revolutionary war in the Congo (P. Camiller, Trans.). Grove Press.

38)- Verhaegen, B. (2005). Mulele et la révolution populaire au Kwilu. L’Harmattan.

39)- Verhaegen, B. (1967). Les rébellions populaires au Congo en 1964. Cahiers d'Études africaines, 7(26), 236-296.

40)- Kisangani, E. F. (2012). Civil Wars in the Democratic Republic of Congo, 1960–2010. Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers.

41)- Op.Cit.

42)- Kennes, E., & Larmer, M. (2016). The Katangese gendarmes and war in Central Africa: Fighting their way home. Indiana University Press.

43)- Op.Cit.

44)- Kisangani, E. F. (2012). Civil Wars in the Democratic Republic of Congo, 1960–2010. Lynne Rienner Publishers.

45)- Boussaid, F. (2020). Brothers in arms: Morocco’s military intervention in support of Mobutu of Zaire during the 1977 and 1978 Shaba crises. The International History Review, 42(4), 819–837.

46)- Kennes, E., & Larmer, M. (2016). The Katangese gendarmes and war in Central Africa: Fighting their way home. Indiana University Press.

47)- Kisangani, E. F. (2012). Civil Wars in the Democratic Republic of Congo, 1960–2010. Lynne Rienner Publishers. 

48)- Turner, T. (2007). The Congo wars: Conflict, myth and reality. Zed Books.

49)- Vlassenroot, K. (2013). South Kivu: Identity, territory, and power in the eastern Congo. Rift Valley Institute.

50)- Op.Cit.

51)- Ruhimbika, M. (2001). Les Banyamulenge (Congo-Zaïre) entre deux guerres (préface de B. Jewsiewicki). Paris, France: L'Harmattan.

52)- Vlassenroot, K. (2013). South Kivu: Identity, territory, and power in the eastern Congo. Rift Valley Institute.

53)- Hoffmann, K. (2021). Ethnogovernmentality: The making of ethnic territories and subjects in Eastern DR Congo. Geoforum, 119, 251–267.

54)- Prunier, G. (2009). Africa's world war: Congo, the Rwandan genocide, and the making of a continental catastrophe. Oxford University Press.

55)- Op.Cit.

56)- Op.Cit.

57)- Nzongola-Ntalaja, G. (2002). The Congo: From Leopold to Kabila: A people's history. Zed Books.

58)- Prunier, G. (2009). Africa's world war: Congo, the Rwandan genocide, and the making of a continental catastrophe. Oxford University Press.

59)- Op.Cit.

60)- Kisangani, E. F. (2003). Conflict in the Democratic Republic of Congo: A mosaic of insurgent groups. International Journal on World Peace, 20(3), 53–82.

61)- Kisangani, E. F. (2012). Civil Wars in the Democratic Republic of Congo, 1960–2010. Lynne Rienner Publishers. 

62)- Prunier, G. (2009). Africa's world war: Congo, the Rwandan genocide, and the making of a continental catastrophe. Oxford University Press.

63)- Nzongola-Ntalaja, G. (2002). The Congo: From Leopold to Kabila: A people's history. Zed Books.

64)- Prunier, G. (2009). Africa's world war: Congo, the Rwandan genocide, and the making of a continental catastrophe. Oxford University Press.

65)- Kisangani, E. F. (2012). Civil Wars in the Democratic Republic of Congo, 1960–2010. Lynne Rienner Publishers. 

66)- Prunier, G. (2009). Africa's world war: Congo, the Rwandan genocide, and the making of a continental catastrophe. Oxford University Press.

67)- Kisangani, E. F. (2003). Conflict in the Democratic Republic of Congo: A mosaic of insurgent groups. International Journal on World Peace, 20(3), 53–82.

68)- Kisangani, E. F., & Pickering, J. (2021). African interventions: State militaries, foreign powers, and rebel forces. Cambridge University Press.

69)- Turner, T. (2007). The Congo wars: Conflict, myth and reality. Zed Books.

70)- Beswick, D. (2009). The challenge of warlordism to liberal state-building: The case of Laurent Nkunda in eastern Congo. The Round Table, 98(402), 333–346.

71)- Stearns, J. (2012). From CNDP to M23: The evolution of an armed movement in eastern Congo. Rift Valley Institute, Usalama Project.

72)- Stearns, J. (2013). Repenser la crise au Kivu : mobilisation armée et logique du gouvernement de transition. In L'Afrique des Grands Lacs: Annuaire 2012-2013 (pp. 9-30).

73)- Op. Cit.

74)- Renewed Crisis in North Kivu, HRW, (accessd mars 4, 2025): https://shorturl.at/3zmAl

75)- Stearns, J. (2012). North Kivu: The background to conflict in North Kivu province of eastern Congo. Rift Valley Institute, Usalama Project

76)- Congo rebel leader Nkunda arrested in Rwanda, Relief Web, Posted23 Jan 2009 (accessed mars 5, 2025): https://reliefweb.int/report/democratic-republic-congo/congo-rebel-lead…

77)- Peace Agreement between the Government and the Congrès National pour la Défense du Peuple (CNDP)

78)- “You Will Be Punished”

79)- Makonye, F. (2023). Demystifying March 23 (M23) Rebellion: Case of Eastern Democratic Republic of Congo (DRC). African Journal of Terrorism and Insurgency Research, 4(1), 5.

80)- Congo rebels withdraw from Goma

81)- Rapport final du Groupe d'experts sur la République démocratique du Congo Décembre 2024, (vu le 2 mars 2025): https://main.un.org/securitycouncil/fr/sanctions/1533/panel-of-experts/…

82)- Makonye, F. (2023). Demystifying March 23 (M23) Rebellion: Case of Eastern Democratic Republic of Congo (DRC). African Journal of Terrorism and Insurgency Research, 4(1), 5.

83)- Congo Research Group, & Ebuteli. (2024, August 6). The resurgence of the M23: Regional rivalries, donor policy, and a stalled peace process.

84)- Rapport final du Groupe d'experts sur la République démocratique du Congo Décembre 2024, (vu le 2 mars 2025): https://main.un.org/securitycouncil/fr/sanctions/1533/panel-of-experts/…

85)- As M23 rebel group advances in Congo, a new leader signals a shift in its identity, February 1, 2025 (accessed mars 1, 2025): https://shorturl.at/JGill

86)- Comprendre le désaccord entre l'Afrique du Sud et le Rwanda au sujet de la guerre en RDC, BBC du 2 février 2025 (vu le 3 mars 2025): https://www.bbc.com/afrique/articles/cvg91310e4ro

87)- Ould Cheikh, A. (2014). Tribu et État en Afrique. Centre des études sahariennes, Rabat.

88)- Hoffmann, K. (2021). Ethnogovernmentality: The making of ethnic territories and subjects in Eastern DR Congo. Geoforum, 119, 251–267.

89)- Ould Cheikh, A. (2014). Tribu et État en Afrique. Centre des études sahariennes, Rabat.

90)- Ndikumana, L., & Kisangani, F. (2005). The economics of civil war: The case of the Democratic Republic of Congo. In P. Collier & N. Sambanis (Eds.), Understanding civil war: Evidence and analysis (Vol. 1, pp. 63–88). World Bank Publications.

91)- Toft, M. (2003). The geography of ethnic violence: Identity, interests, and the indivisibility of territory. Princeton University Press.

92)- Fearon, J., & Laitin, D. (2003). Ethnicity, insurgency, and civil war. American Political Science Review, 97(1), 75-90.

93)- Collier, P., & Hoeffler, A. (2004). Greed and Grievance in Civil War. Oxford Economic Papers, 56(4), 563–595.

94)- Ndikumana, L., & Kisangani, F. (2005). The economics of civil war: The case of the Democratic Republic of Congo. In P. Collier & N. Sambanis (Eds.), Understanding civil war: Evidence and analysis (Vol. 1, pp. 63–88). World Bank Publications.

95)- Ross, M. (2004). How does natural resource wealth influence civil war? International Organization, 58(1), 35–67

96)- Ross, M. L. (2004). What do we know about natural resources and civil war? Journal of Peace Research, 41(3), 337-356.

97)- Op.Cit.

98)- Prunier, G. (2009). Africa's world war: Congo, the Rwandan genocide, and the making of a continental catastrophe. Oxford University Press.

99)- Rapport final du Groupe d'experts sur la République démocratique du Congo Décembre 2024, (vu le 2 mars 2025): https://main.un.org/securitycouncil/fr/sanctions/1533/panel-of-experts/expert-reports

100)- Fighting in Africa’s mineral-rich DRC killed over 3,000 in less than 2 weeks. Here’s how your phone plays a part, CNN,  February 13, 2025 (accessed March 10, 2025): https://edition.cnn.com/2025/02/12/africa/fighting-drc-congo-minerals-p…

101) المعادن: الميول والتطورات-حلقة حوار شبكية حول النزاع، موقع التوجه الإستراتيجي لحلف شمال الأطلسي نحو الجنوب، 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2025)، https://shorturl.at/RJsfd

102) رغم انتقادات محلية ودولية.. رئيس الكونغو الديمقراطية يفوز بولاية ثانية لـ5 سنوات، الجزيرة نت، 21 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 8 مارس/آذار 2025)، https://shorturl.at/UtvBh

103) متمردو حركة 23 مارس يدخلون وسط ثاني أكبر مدينة بشرق الكونغو، الجزيرة نت، 16 فبراير/شباط 2025 (تاريخ الدخول: 9 مارس/آذار 2025)، https://shorturl.at/Wbevv

104)- RDC: le PPRD, le parti de Joseph Kabila, proteste de la convocation de son état-major devant la justice, RFI Publié le: 10/03/2025 (vu le Publié le: 11/03/2025): https://shorturl.at/JgEOI